الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

بقلم يوسف المصري

أعطني ساعة :
أتعبتني هذه اللحظة الحائرة في عينيك يا ولدي نظرتك المتردّدة المشبعة بالأحلام . .  أغمض عينيه وحاول أن يغفو . كانت تتراءى له الأشباح من كلّ لون اثنين .. شعر بالتوتّر ، زمّ شفتيه وضاقت عيناه بما رحبت ، وانطلق يجتر الماضي القريب .. تحرّكت قدمُه العليا بعفويّة وتلقائيّة . كاد أن يصرخ من شدّة الألم الذي سببه تقلّص عضلة ساقه . التفت بجسده الثقيل المُلقى على السرير وحاول نسيان ألمه .. كانت عيناه تبحلقان في السقف المطلي باللون الأبيض .. كان لا يزال يحملق عندما شعر بالدنيا تدور واحداث كثيرة تتدافع ،وجعل اللون الأبيض يذوب تدريجيّا في اللون الأسود المحاط باللون الأرجواني .. شعر بأنّ أرواحًا تتلاعب به ، وتتحكّم فيه وفي حساباته .. لم يكن قد وضع مثل هذه الأمور في منطقة الجزاء .. بمعنى أنّه لم يحسب لها حساب ، ولم يسكنها فسيح خياله ، يحاول طردها فتلحّ عليه ، ابنه يعاني !؟ يشعر بنظراته ينخرها شبح الموت .. هزّته الكلمة الأخيرة .. شعر برجفة تهزّ السرير الخشبي الجديد .. كان كلّ ما في البيت جديدًا .. الجدران والأبواب والنوافذ حتى القضبان الحديدية على النوافذ جديدة .. وضعها لكي يحمي أطفال المستقبل من التردّي عن علوّ .. كان هذا الدور العلوي ، كان كفتاة عزباء لعوب .. تحبّ وتتباهى بغواية الزائرين .. كلّفه مع شريكته في البيت والعمل بكلّ ما نقصهما طوال حياتهما .. حتى أطباق الصيني التي خبأتها للبيت الجديد اصطفت في البوفيه الذي يستقبل الوافدين في صدر البيت .. بيت الابن البار .. الابن الذي عرفا من خلاله معنى الأبوّة والأمومة ، وكان قد أنهى دراسته الجامعية والجميع يجهز لانبعاث بيت جديد من هذا البيت .. ما الذي حدث ؟!. ماذا حصل ؟ .. بالأمس القريب .. كان كلّ شيء يسير بخطًى متّزنة ، ويمضي بهدوء .. كان الدور العلوي ينتظر أن تحتله أميرة جديدة أجمل من كلّ الصور التي تناقلوها .. هذه شديدة البياض .. وهذه قمحيّة .. هذه أقصر من المطلوب ، وهذه أطول من العريس ببوصات .. هذه وهذه !؟ حتى عانقهم ذلك المساء الذي شعر فيه العريس المرجوّ بآلام في الرأس مع خفوت في الرؤية .. أُخِذٙ الأمرُ منذ البداية على محمل الجد ... وأخذت الفحوصُ مجراها مرّة وثانية ؛ لتؤكّد ظنون الأطباء .. تنهّد تنهيدة طويلة وأغمض عينيه كأنّه يطرد تلك اللحظات المريرة .. لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم وأتوب إليك يا رب .. نقل نظره إلى الجدار واضعًا إبهامه وسبّابته اليسرى على جبينه ، أحسّ بالعرق باردًا وغزيرًا يتصبّب من جبينه .. وشعر بالقطار يسافر رويدًا رويدًا .. بعيدًا بعيدًا.. ..
  وعندما نُصب بيت العزاء كان الجميعُ يبحثُ عن الأب ؛ ليواسوه في فقد ولده حبيبه ؛ فيصدمهم الجواب .

                  بقلم يوسف المصري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق