الجمعة، 29 نوفمبر 2019

الدكتور الجلالي الكدية.

.
محمد أديب السلاوي :روح وطتية وحب للانسانية  

موضوع هذه المداخلة هدية لصاحب 
كتاب "علامات الزمن المغربي الراهن".


   عندما يجتمع حب الوطن و حب البشرية جمعاء نكون قد دخلنا عصرا و زمنا جديدين. في الكتاب الجديد لمحمد أديب السلاوي" علامات الزمن المغربي الراهن" تعريف بالشخصية الجديدة، بالإنسان المعاصر الذي ينتمي لأرض الله الواسعة انطلاقا من مسقط رأسه و وطنه الأب. هذا الإنسان يحمل ماضيه و يعيش حاضره و ينظر إلى مستقبله. آفاقه واسعة تتخطى الحدود الوهمية، يعيش هنا و هناك، مسؤول أمام الله و أمام الجميع. يتسع قلبه للجميع و بالتالي تتسع هويته و خياله، يفيد و يستفيد، يعلم ويتعلم التسامح ليعيش في السلام و الطمأنينة. التكنولوجيا الاتصالاتية الحديثة التي اخترعها الإنسان جعلت هذا ممكنا. كل ما يحلم به الإنسان ممكن تحقيقه إذا حضرت  النية الصادقة و العزيمة و العمل.

   ليس مستحيلا جمع حب الوطن و حب البشرية. الشوفينية و العنصرية و الديكتاتورية و الأنوية أو الذات المركزية لم يعد لها مكان في الوقت الراهن. 
   قبل أربعة قرون قال وليام شكسبير ما مفاده أن من لا يحب أهله لا يمكنه حب الآخرين. 
   و نموذج هذا الإنسان الجديد ومن يجسد هذه المقولة هو كاتبنا سيدي محمد أديب السلاوي الذي أحيي فيه هذه الروح النبيلة، الوطنية و الإنسانية.

   لا أريد أن أكرر ما قلته في مقدمة هذا الكتاب الذي كان لي الشرف العظيم أن أقرأه قبل نشره. كان ذلك قبل اختيار صورة الغلاف.  أوقفتني تلك الصورة و معها العنوان.  اختيار محمد أديب السلاوي له دلالاته العميقة كشأنه في اختيار الكلمات. ألم يكتب عن الفنون التشكيلية و عن الصناعة التقليدية و غيرها؟ باب أبدعته أيدي الصانع المغربي، صناعة تقليدية أصيلة. باب مفتوح ترفرف بداخله رايتان مغربيتان. باب فضاء عامر واسع يأوي رمز الوحدة، منفتح على الشعب و منفتح على الخارج. كما أن للعنوان ظل، و هذا الظل هو الذي يعنيني كقارئ متجدد القراءة.
   ظل هذا الكتاب هو الدليل على وجوده و حقيقته. وراء كل كتاب جيد محرك أساس يدفعه إلى الأمام، يزرع فيه الحياة. ما دفع الكاتب لتأليف هذا العمل هو حب الوطن و مقدساته و حب الإنسانية، و هما معا منبثقان من قلبه الكبير و روحه الطاهرة. حب ينبض عاطفة و مشاعر و أحاسيس رقيقة، و يتحكم في كل ذلك العقل و الحكمة. اعتمادا على الموضوعية اللبقة، على النبش في العيوب و النقائص، على مواضع الخلل، على الآفات من كل نوع، و فضحها بكل جرأة و شجاعة، يصوغ محمد أديب السلاوي منهجه في العمل. ترتفع صيحاته و نداءاته عالية لتصحيح ما اعوج و علاج ما اعتل، كل هذا من أجل أن يرى مغربا متقدما، نموذجا لما تصبو إليه الإنسانية من تسامح و سلم و عدالة.

   إذن، المنطلق الأساس لهذا الكتاب هو النية الصادقة و القصد الهادف و المسؤولية الأخلاقية.
   من عرف هذا الرجل عن قرب ككاتب و كإنسان سيدرك قصده لا محالة. إنه لا ينتقد من أجل الانتقاد أو يسخر من الضعيف، بل هدفه تعرية الواقع و تفكيكه من أجل إصلاحه و بنائه من جديد. ما أحوجنا في هذا الزمن الراهن إلى صوت كهذا الذي لا يقول لنا أنتم مخطئون و يصمت، بل ليقول لنا ذلك و ينبهنا إلى الخطأ و يقترح التصحيح. لا يقول للظالم أنت ظالم و حسب، بل يقول له لماذا هو ظالم و كيف يمكنه أن يعيد الحق لصاحبه. هكذا يأتي الكلام، كما يقول الجاحظ، حسب نية صاحبه و تقوى قائله.
   عندما تكون النية صادقة، يكون العمل صادقا و منيرا. 
   والعمل الذي أنجزه محمد أديب السلاوي تتحكم فيه هذه النية، و هو المعطى الأول الذي يجب أن ينطلق منه القارئ لتقييمه و الحكم عليه.
   والصدق في هذا المؤلف يجعل منه مرآة صافية تعكس واقعنا كما هو. يرى فيه المجتمع بكل أطيافه وجهه الحقيقي، لا تضيف إليه المرآة أية مساحيق. المؤمن الصادق لا يخشى الصراحة بل يخشى الله وحده. لحظة ننظر فيها إلى المرآة فنرى عيوبنا مجسدة واقفة أمامنا، لحظة إدراك، نأخذ مسافة من ذواتنا لنتخذ موقفا موضوعيا و واقعيا. خطوة عملاقة يجب أن تتبعها خطوات أخرى و هي مسيرة الإصلاح و التقويم.

   المرآة أداة فعالة لقتل الأمراض بداخلنا. عندما يؤدي ممثل ما دور ولي الله أو البخيل أو المستبد فإن الجمهور ينظر إلى نفسه هناك و يضحك على الممثل و هو في آن واحد يضحك على نفسه.
   حكاية المرآة هاته حكاية قديمة. أسطورة يونانية تقول كان هناك وحش و هي الغرغونة تعيش بمغارة و تطلب من السكان أن يأتوها بأجمل شاب كل سنة كهدية لكي لا تؤذيهم. و ذات سنة وقع الاختيار على شاب وسيم و هو برسيوس الذي اشتهر أيضا بخياله و اختراعاته. و أحدث ما اخترعه هو المرآة. ذهب إلى المغارة و هو يحمل المرآة و السيف. انتظر الوحش عند المدخل، و عندما أحس بالغرغونة تقترب وجه المرآة إلى وجهها. و ما أن رأت وجهها هناك حتى انقضت عليه دون أن تنتبه إلى الشاب فقطع رأسها. هكذا خلص البلاد و العباد من الضحايا و من الخوف الذي سيطر عليهم منذ زمان.
   المرآة التي صنعها محمد أديب السلاوي جد متطورة حيث لا تعكس فقط ما ظهر لكن أيضا ما خفي. تخيلوا مرآة تعكس النوايا و الأحاسيس و المشاعر و كل ما يروج بذهننا.
   من خلال المفاهيم التي يحللها محمد أديب السلاوي في هذا العمل الشيق يسلط الضوء على كل جوانب مجتمعنا بما فيها من جمال و قبح، من قوة و ضعف بلا تردد أو خجل. واقعي حتى النخاع، منتصر للحق و لو كان مرا. و كأني به يقول: لا للأوهام، لا للتملق، لا للرشوة، لا للفساد، لا للجهل و الأمية، لا للعنف، لا للإرهاب، لا للتطرف و المغالاة، لا للظلم و لا و لا و لا...  نعم لمواجهة الحقيقة، نعم للعدالة الاجتماعية، نعم للتربية و التعليم، نعم للحرية و الديموقراطية و حقوق الإنسان، نعم للتسامح و الوسطية، و باختصار نعم للحياة و لا للموت. 
   رؤية واقعية، نعم، و لكنها تفاؤلية إيجابية. لقد أجمع قراء هذا الكتاب على أن محمد أديب السلاوي لا يقف عند تحليل المفاهيم من كل جانب كعادته الموسوعية فقط، بل يريدها مجسدة على أرض الواقع. و لذلك فهو يمر من المفهوم و دلالاته إلى الحث و الإلحاح على الفعل و العمل. و هل يكفي أن نحدد و نعرف و نتفلسف حول مفهوم ما؟ محمد أديب السلاوي رجل كلمة و رجل فعل و عمل. إذا لم تتجسد الكلمة على أرض الواقع فلا وجود لها على الإطلاق. قال تعالى: "كن فيكون" و في الإنجيل: "في البدء كانت الكلمة و الكلمة أصبحت مادة" .
   ما يطبع هذا العمل هو هذه الرؤية التفاؤلية الواقعية. الرسالة في هذا الكتاب واضحة لمن يدرك: لقد وهبنا الله  كفاءات لا حدود لها لكي نعيش الأفضل، و هي في متناولنا، و ما علينا إلا أن نوظفها من أجل الخير. و المغرب قد يصبح نموذجا يقتدى به و كيف لا و هو يمتلك رجالات و نساء أكفاء؟
   تبعا لوتيرة المد و الجزر يعود بنا محمد أديب السلاوي و هو ينقب في هذه المفاهيم إلى الماضي و في الحاضر واضعا نصب عينيه المستقبل. التاريخ نهر يجري مسترسلا. لا يمكن قطع الحبل الذي يربط هذه الأزمنة إلى قطع و إيقاف الزمن. من خلفنا تراث عظيم نعتز به و نستفيد من عبره و منه نستمد قوتنا مثل رضا الوالدين. يذكرنا محمد أديب السلاوي بما حققه الأولون لنستخلص العبر و نستلهم الأفكار، و لكن لا أن نتوقف هناك لأن عجلة الزمن تدور بلا انقطاع و لابد أن نتحرك معها و نسايرها لنجدد ذواتنا. علينا أن نستفيد من الحضارات الأخرى كما استفادوا منا. هذا الرجل الحداثي، الواقعي، لا يخون أو ينكر ماضيه و أمجاد أسلافه بل هم حاضرون في معالجته للقضايا الراهنة. يعطي نموذج اليابان و ما وصلت إليه من تقدم و حضارة لأن اليابان لم يفرط في تراثه القديم و في تقاليده. التقدم ليس معناه قطع الأواصر مع الماضي أو التخلي عن الدين، بل هو مواجهة الحاضر بشجاعة و حل معضلاته. ليس سبب العجز هو الماضي و ما يحمله، بل الجمود و التقليد الأعمى و الاتكالية و الانتظار. إن من يقرأ تاريخ العرب و المسلمين لا يمكنه إلا أن يشعر بالفخر و الاعتزاز، مما سيدفعه إلى الأمام. التاريخ نهر لا يتوقف. و ماضينا هو ظلنا الذي يلازمنا. و من لا ظل له لا هوية له.  المستقبل هو ما نصنعه بأيدينا.
   تفاؤل الرؤية عند سيدي محمد أديب السلاوي يتجلى في هذا و أكثر. 
   ما يهدف إليه هذا الكتاب هو التنبيه إلى العلل التي تشوب المجتمع و اقتراح مشاريع الإصلاح والإنقاذ. ويتخلل هذا العمل نداءات موجهة إلى المسؤولين و ذوي السلطة في هذا البلد العزيز لاتخاذ القرار الصائب و العمل على تنفيذه. نعم، لقد بدأت العجلة تدور في السنوات الأخيرة، فالنهضة التنويرية و الحركة الإنمائية التي يعرفها بلدنا في الزمن الراهن مستمرة على قدم و ساق لبناء مستقبل زاهر. و كل هذا بفضل مجهودات قائد البلاد مولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده و أطال في عمره. و أنتهز هذه الفرصة لأتقدم له بخالص الشكر و الامتنان لعنايته الكريمة ورعايته المولوية التي تكرم بها على مفكرنا الفذ سيدي محمد أديب السلاوي أطال الله في عمره.


• شهادة الدكتور الجلالي الكدية، في احتفالية التكريم التي نظمتها " مجموعة الملاحظون ميديا" للكاتب محمد أديب السلاوي بقاعة الباحنيني / الرباط يوم 28 من دجنبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق