الاثنين، 11 نوفمبر 2019

محمد طه العمامي

البطولة والكاتب  

كل قصة تتضمن شخصيات كما فيها شخوص :فتوّة " او " بطولة
وكل كاتب كيف يريد في قصته انتاج بطله 

 تدور عقارب الساعة دورتين وتشرق الشمس ثم تغيب ...
لتكون .بداية .القصة فراغ.... 
بدايتها حفنة ماء قذفتها يد القدر أو لعلّها يد الشيطان 
ويعانق الماء الصخّر الضمآن الى الحياة فيعتزّ عشقا ويتنهدّ شبقا .....
الحكاية فراغ  اردتها ان تتحدى الكلمات لان اللغة نفق رهيب   سجن في شكل داموس مترامي  الاطراف 
حرّاسه هم اللغويّون ... نعبر ذلك الداموس برباطة جأش اذ الحكاية فراغ ... بين الوجود والعدم 
خطّ رقيق لا يرى  ماقبل البدء بدء لا تدركه العقول ... تأخذ قلمك وقبل الامساك به تفكّر  وما الذي يجعلك تفكر ؟ عوامل كثيرة  انها مجموعة بدايات ونهايات  تتناول قلمك في دائرة الفراغ تفكر ... ماذا ستكتب ؟ يمكنك ان تتبع خطا محددا في السرد بل خطوطا ... قد تولد الاحداث في اطار مقدمة جاهزة 
ويطوف بطل القصة على السطح ويمر بعقبات وينتصر في الاخير لان العالم الذي نشا فيه يؤمن بالخوارق 
الشخصية جزء من الاسطورة  بل ان الاسطورة تكمن في الشخصية ذاتها .
ان كانت القصة فراغا  فيمكّنك  اذا اردت أن تزرعه حياة 
فتورق وتزهر وتعطي ثمرا حلو المذاق واذا أردت تدعه ارضا جدباء تتلاشى فيها الرغبة وتضمحل الارادة ويموت الحب   فراغا 
البطل جالس في مقهى  السوق يطالع جريدة يومية وامامه قهوة فى فنجان مزين  بالوان شتى  يلبس نظارات سوداء 

جالس بمقهى السوق بالمدينة العتيقة يلبس نظارات سوداء وعلى رأسه قبعة 
ويمسك سيجارًا...يدخن ويشرد في عالمه ... ويستفيق أحيانا على صوت محمد عبد الوهاب يلفظه مذياع  "خي خي حبيبي يا ااا خي أحلّفو بويلي  وبنهاري وليلي  ياااه يابا اااه يابا"
المكان هو المكان القبة هي ذاتها ، الكراسي الخشبية والمقاصير الصغيرة والباب هو الباب  والزقاق لم يتغير ... تلك المنازل والابواب  تتحدى الزمن الى حين ، ولكن سيقهرها حتما وسيدمرها مثلما دمر فيه البطولة 
كان يجلس في هذا المكان  فيسرع اليه النادل ويقف بين يديه كأنه خادم مطيع ، ويجلس معه أشد الرجال فكانوا يهابونه اذا سبق أن شوه وجه "حمادي " بشفرة حلاقة ، و"التوهامي" طعنه بسكين في كتفه ، واما "الزنقيري " فقد جرٍده من الثياب في ساحة الحلفاوين ونهش لحمه نهشا .. اين هؤلاء؟ ماتوا جميعا  الا " لنقر ولد الحرقاصة " ويبدو أنه مريض فاقد للبصر ، وهو ملازم للفراش لا يغادره  
ألقى بالجريدة على الطاولة ونظر الى الجدار المقابل ... مازلت صورة لفارس ينازل الغول  ويقتله بسيف البتار تزين الجدار وعلى يمينها كتب بخطّ كوفي "الله" وعلى يسارها "محمد"  ويتمتم بكلمات يقول ذلك "علي ابن ابي طالب" ومازال "محمد عبد الوهاب" يغنّي 'أمانة لو يسألك في للبعد عن حالي تحكيلو بالي جرى والي بيجرالي" ومازال الى اليوم يحن الى سماعها لانه تذكره بأيام البطولة 
القصة فراغ ... يمكنني أن أعدّل عن حكاية البطل هذه وأن أغير مجرى الاحداث بل بإستطاعتي أن أعود لنقطة البدء ولكن القارىء الان حريص على معرفة بقية الحكاية وماهي مسؤوليتي في ذلك؟ فقد تقول انني إلتزمت ، وعليٍ ان اتحمّل مسؤولية القصة لانهيها لانني سبق ان شرعت فيها...

القصة فراغ لاني رفضت اتمام الحكاية ، ولذلك رأيت أن أضع البطل والقارىء في حوار مباشر وأقترحت على أن أكون انا القارىء 
وقد فتحت الحوار واليكم جزءا منه

ما أسمك؟

البطل : البطل 

لماذا سمّوك بطلا؟

البطل : كان ذلك في عالم آمن بالواحد الاوحد ، فالله واحد والرسول واحد والسلطان واحد والفكر واحد ، وكنت انا في السوق والاسواق المجاورة والمدينة من الحفصية  الى كل الابواب في المدينة، وكان كل خبر ينتصب البرّاح في مدخل المدينة باب بحر ليعلم كل الناس حيث يعلن كل التفاصيل 
كما يقال لما تدخل مدينة ادخلها بناسها او ان تكون لديك اهم المعلومات 
قتلت ما يربو على السبعين ، وأبدع جريمة أقترفتها يدايَ كانت في ليلة ستوية باردة ...كلّفني الحاكم بأمر الشيطان أن أقطع دابر أحدهم فإمتثلت لاوامره واتجهت الى منزل المغفور له اليزيدي  فهو صاحب كذهب عجيب جلب اليه عددا غفيرا من سكان المدينة ، فطرقت بابه ليلا وكنت أحمل سكينا ولما قالت زوجته : من الطارق ؟ أجبتها الفطناسي أبن عم اليزيدي أتيت من القرية لأعلمكما بخبر هام ... فبادرت بفتح الباب دون استشارة زوجها ، ودخلت وعلى وجهي لثام أسود ، ووضعت السكين في رقبتها ثم قادتني الى غرفة النوم حيث اليزيدي وابنه الرضيع يغطان في نوم عميق ... فارتميت كالنسر على اليزيدي واعلمت فيه السكين ثم أسرعت الى سرير الرضيع فرفعته بيد واحدة والقيت به على جثة ابيه انهيته ميتا كي لا يكبر ويثأر لابيه  فهذا امر الحاكم قطع دابره  وتركت الزوجة في حالة غيبوبة ثم قفزت من 
النافذة الى الزقاف المظلم ...

قلت : ماذا جزاك الحاكم بامر الشيطان؟ 

وهبني ضيعة وجارية ونصّبني قاضيا لمظة سنة باكملها ثم عزلتي بد أن جمعت ثروة حسدني عليها رجال ابنه الامير وكادو لي عند الحاكم بامره ، ولولا ماضيّ المشرق لكان مصيري السٍجن أو ربما الشنق ...

ماذا تفعل الان ؟ 
كما تراني ... أقضي الساعات الطويلة في المقهى ألعب الورق  ولا أعود الى المنزل الا عند الغداء وفي الليل ...

هل انت متزوج؟ 

زوجتي في السجن منذ عشرين سنة لانها قتلت ابنها الاكبر بسبب خصومة بسيطة ...

لماذا تزوجتها؟ 

كانت على رأس أربعين مومسا تسهر على نشاطاتهم بالليل والنهار ، تجمّع الاموال وتسلّمها لي في نهاية كل اسبوع ... فكرت آنذاك في ان أتزوجها كي أتقي شر الالسن والعيون ... ولكنها كانت كثيرة الخصام ، يتعالى صوتها لاتفه الاسباب  تكسّر الصحون وتطرق أبواب الجيران  وتشتمني امامهم ... وفي كل مرة اضربها  ... فأشج رأسها أو أقلع لها ظفرا أو أجرّها من شعرها الى الزقاق أو انزع ادباشها والقي بها من النافذة  أو اطلب من الامير ابن الحاكم بان يسجنها لمدة ايام ، وكان يستجيب لطلبي تقديرا لاعمالي البوطولية التي أطاحت برؤوس الفتنة وأعداء السلطة 

هل درست البطولة أم ورثتها عن أجدادك الكرام ؟ 

قرأت عن الحجاج بن يوسف ، فهو أستاذي المفضٍل وأبي الروحي وعيناي التي أبصر بهما ... وقرأت عن" هتلر "و "موسيليني" الكثير الكثير ...

ماذا تطالع في الجرائد اليومية ؟ 

صدى المحاكم وأخبار الجريمة في العالم ...

القصة فراغ... إنقطع الحوار ، وأهتزت في أرجاء الذاكرة صور الماضي والحاضر ... رؤوس تقطع وأجساد تصلب وعيون تسمل وفكر يذبح وسجون تبنى وقبور تشيٍّد ودم يراق ولسان يقطع وتاريخ وثقافة تحرق....
القصة فراغ ....
قد يكون البطل كتسوّلا يجلس أمام مسجد وسط مدينة باسطا يده وعيناه ذليلتان...
قد يكون البطل دمية تحرّكها أياد بشرية وتسقط على الركح لان الخيوط التي تشدها الى فوق قطعها مقصّ في حجم المسرح أو المدينة أو ربما أكبر ....
قد يكون البطل خرافة "أمي سيسي" أو "السلطان "أو "أبي زيد الهلالي " أو "عنتر ابن شداد " أو "سيف بن ذب يزن" وقد يكون حفنة ماء  رماد ييذري في يوم الريح ... 
قد يكون البطل شبحا يطفو على سطح الذاكرة كلّما أدلهم ليل وأجدبت حياة ...
القصة فراغ ... تدور عقارب الساعة دورتين وتشرق الشنس ثن تغيب ثم تشرق ... ويموت البطل لان الكاتب والتاريخ والقارىء  أرادوا ذلك ...

المكان ضيق ،ضيق ... أيا زمن الهزيمة !في القفص الكبير أقفاص... داخل المكان تموت ذبابة ملطّخة بالقذارة ...وجهان في وجه يتبخّر الاول في الريح ، ويتدفّق الثاني شفاق رفيقا... 
عرق كالماء . عرق أصفر مخلوط بقطرات دم ... يتصبّب العرق ويغطي وجهه الثاني ويبقى الوجه الاول علامة فراغ 
شاهقة بنايات العالم السفلي ... لاهثة كلّ المرايا ... نمضي وفي الاذان صوت المحاريث العتيقة  ، وحشرجات المتعبين ، نمضي وخلف الشبابيك المهجورة كنت أنت ... يدا تخرج من باطن الارض ، وكنت أنت ... أنتِ السنابل والتربة والمنازل البيضاء ...وكنت أنتِ... أنتِ الخطوط الخضر والامواج والزرابي المبثوثة والقباب ... وكنت تنتِ الفسفاط والحديد والبترول والقمح والتمر والزيتون والفقراء  ... وكنتِ أنتِ ... أنتِ الشواطىء وإعتدال الطقس ... وعندما نمشي على أرصفتك الباهتة تتراقص في مرايا الذاكرة زيتونة متشابمة الاغصان ، وتنبجس من قاع الرأس رواية قديمة جديدة 
فارى كيف سأصبح أنا وأولادي أحرار من الاسترخاء أحرار من النوم بعد الغداء .

محمد طه العمامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق