يارب ارحم أبلة زينب يارب
أهدي كلماتي لشخصية من الزمن الجميل ، أبلة زينب مدرسة العلوم في الصف الخامس الابتدائي حبيبة قلبي ، اللهم أقرئها مني السلام يارب
أبلة زينب - رحمها الله – بقلم وألوان : خالد سليمان
**************************************************
هناك من الناس في حياتي من يكون حضوره أقوى ألف مرّة من غيابه ، فشخصيته لها كلّ الحضور ، ولم لا ؟ فرصيد العطاء للقلوب الطيّبة لا ينتهي ، حتى لو فارقنا أصحاب تلك القلوب ، وكتاب قلبي مليء بذكريات القلوب المعطاءة الرائعة .
فاليوم فقط علمت بوفاة أبلة زينب معلمتي الخالدة .
إنّها مصطفى محمود حياتي ، كانت معلمة مادة العلوم في طفولتي ، عاشت في خاطري ووجداني ، وسكنت قلبي ، أذكرها وهي تقول لي بلهجتها الرقيقة : واد يا خالد أنت بتقرأ إيه ؟؟ قلت لها قصة يا أبلة زينب ، فردت غاضبة عنيفة وقالت : رجّع القصة دي ، وهات كتاب يفيدك ، هات كتاب أديسون العظيم ، فتوجّهت على الفور للمكتبة ، وأنا في الصفّ الخامس الابتدائي ، وأخذت كتاب أديسون ؛ لأقرأ طرائف عن حياة هذا المخترع العظيم .
ولا أنسى في حصة العلوم التالية مباشرة ، سألتني عن معلومات تفصيلية عن أديسون ، ونظرت إليها وعصاها في يدها ، وأجبتها وناقشتني طويلا ، وهي تتأهّب دائما لضربي ، لولا رحمة ربي بإجابتي لأسئلتها ، ولأوّل وهلة شعرت بالنجاة ، حينما ابتسمت كأنّي أراها لأوّل مرة ، وشعرت أن الشمس تغتسل في بحيرة ابتسامتها - رحمها الله - .
سألت عنها اليوم فعرفت أنها توفّيت منذ شهور ، وقع الخبر على صندوق ذكرياتي ؛ لأتذكّرها ؛ فتتساقط ذكرياتها على بالي وخاطري ، رحمها الله ، كانت تعتزّ بي جدا ، وكنت أذوب منها خوفا وحبّا ، وكنت لو أخطأت ؛ أعاقب ضعف العقاب .
كانت أسرتي قد انتقلت من بورسعيد بسبب عدوان اليهود علينا ، فانتقلت إلى محافظة أخرى والتحقت بمدرسة جديدة ، ومنذ أوّل أسبوع اكتشفت أبلة زينب ، وذبت منها رعبا وخوفا ، واكتشفتني في الحصة الثانية مباشرة ، وأشادت باجتهادي ، ولم أعاقب منها ، وجاء الشتاء ، ولا أنسى عقابها لي عندما أخطأت في إجابة تتعلّق بالبناء الضوئي ، وبدأت أحسب لها ألف حساب ، ولا أنسى ابتسامتها لي حين أجبت عن سؤال وسألتني : اسمك إيه ؟ ولما أجبتها ، ابتسمت وذابت ابتسامتها سريعا لتناقش غيري ، وهكذا كانت أبلة زينب ، تزرع في قلبي وردة حبّها والإعجاب بها .
وحين كانت في فسحة أحد الأيّام ، وجدتني وحيدا ، نادتني وقالت بلهجة أحبها منها فقط : واد يا خالد ، فطرت لها رعبا وخوفا ، وقلت : نعم يا أبلة ، قالت خذ هذا الساندويتش فقلت لها : لا يا أبلة ، الحمد لله ، فقالت لي بقسوتها اللذيذة : خد وجع في أسنانك ، وما استطعت أن أمدّ يدي ، ولكنّها أمرتني بعنف ، ولم أتذكر وقتها كيف وصل الطعام إلى يدي ؟ ، ولا متى مددت يدي ؟ وكيف وصل الطعام إلى فمي ؟ من خوفي المعجون بالحبّ لها .
ولا أنسى مرّة أنّها نادتني بلطف من حصّة اللغة العربيّة ، وناداني المعلم : خالد كلّم أبلة زينب ، وخرجت ورعب الدنيا يغرقني ، فقلت لها كلاما لم أنطق بحرف واحد منه ، كان وجهي ينطق بالحقّ ، فقالت بكلّ حنان : خالد أريدك في برنامج إذاعي ، أرجو منك أن تعد كلمة عن أديسون ، وطرت من الفرح ، حينما رأيت أصابعها المضيئة تربت على كتفي ، كنت أنظر لأصابعها كأغصان شجرة حبّ تظلّني بالحبّ والودّ ، وكنت أنظر لوجهها الذي يخصّني باهتمام عجيب ، عوّضني مشاعر كثيرة أفتقدها من بعض المعلمين والمعلمات .
كانت قسوة بعض المعلمين تجعل حياتي كئيبة حزينة ، وكنت وحيدا فريدا في حياتي ، فقد كنت من بورسعيد ، والكل هنا لا يختلط بسهولة مع الغرباء ، كنت أسير وحدي في الذهاب للمدرسة ، وفي العودة .
وفي أحد الأيام بعد انتهاء اليوم الدراسي الطويل ، كنت أتضوّر جوعا خرجت وحدي في طريق قاس طويل ، وإذا بها تراني وحيدا ؛ فنادتني ؛ فامتلأت نفسي نشاطا ، واختفى الجوع ، وحضر الرعب مختلطا بالحبّ ، وقالت : لماذا تسير وحدك ؟ فقلت ، ليس لي أصدقاء ، فقالت : لأ لك أصدقاء أنا أهه ، فامتلأت الدنيا ورودا في عينيّ ، ولأوّل مرة أرى بساتين السماء المزهرة الأنيقة ، وسرت معها ، وأنا لا أرى سواها ، وكلّ من يراني يتعجّب ، ويخبر من معه أنّ خالد يسير مع أبلة زينب ، وعندما اقتربت من بيتي ، أحسّت بي ، وسألتني : هل اقترب بيتك ؟ قلت : نعم ، وقالت : مش هتقوللي تفضّلي ، فابتسمت ، وقلت لها : تفضّلي يا أبلة زينب ، فقالت : بعد إيه ، أشوفك بكرة .
ولا أنسى حدائق الفرح التي غرّدت في نفسي عندما قالت لي ذلك ، وعدت للمنزل أحكي لأمي عن أبلة زينب ، وهي سعيدة بي ، وأنا شارد أتذكّر نصائحها لي ، وأتذكّر ملامحها ، وهي تدعوني لبذل الجهد للتفوّق .
وعدت في الصباح مليئا بالفرح والابتهاج ، أريد أن أحكي للدنيا كلها عن أبلة زينب ورقتها وحنانها ، وجاءت حصّة العلوم ، واختفى حنان أبلة زينب ، وكأنها لا تعرفني ولا أعرفها ، وعصاها تعزف سيمفونيتها الصباحية على من لم يستذكر درس الأمس ، كانت رائعة وكنت أشعر معها أنني العالم الكبير والمخترع العظيم ، كانت مفرداتها وطريقة كلامها تشبه طريقة الدكتور مصطفى محمود ، ولذا كلّما شاهدت حلقاته ، أدعو له بالرحمة ، ودعوت لأبلة زينب بالرحمة أيضا قائلا : رحمة الله عليك يا أبلة زينب ، إنها مصطفى محمود حياتي ، إنّها وردة من ورود الزمن الجميل الرائع .
قلبي يكنّ لك خالص الحبّ والتقدير ، ويحمل لك وردتين وردة حمراء قانية بلون غضبك ، ووردة بيضاء بلون ابتسامتك وقلبك الكبير ، فأنا لا أنسى عذوبة مفرداتك حينما كنت تشيدين بي ، عندها أطير من الابتهاج ، وأتحوّل لفراشة أنيقة تطير في كلّ الدنيا .
اللهم ارحمها رحمة واسعة ، رحمة تجعل قبرها روضة من رياض الجنة ، اللهم إنّها لو كانت ضيفتي ؛ لأكرمتها بأغلى ما لديّ ، وهي الآن ضيفتك ، وأنت لديك خزائن السموات والأرض ، فأكرمها بكرمك ورحمتك يا رب العالمين .
ذكراك يا أبلة زينب ستظلّ حاضرة في بالي دائما وأبدا ، فأنت منقوشة في خاطري باقة ورد متألّقة بالحبّ والإخلاص .
هكذا غابت كشمس تغيب ولكن تبقى ألوان الغروب شاهدة عليها تحكي عظمة تلك الشمس ، وهكذا غابت كقطعة ماس ألقيت على صفحة الماء في إناء روحي ولكن الأمواج التي نشأت عن ذلك مازالت تتردّد في نفسي دائما وأبدا ، فرحمة الله عليك .
اللهم ارزقني مكانا كمكانها في قلب من درّست لهم ، واجمعني بها والمسلمين جميعا يارب العالمين في الفردوس الأعلى ، مع حبيبك محمد معلم الناس الخير - صلّى الله عليه وسلّم - .
أهدي كلماتي لشخصية من الزمن الجميل ، أبلة زينب مدرسة العلوم في الصف الخامس الابتدائي حبيبة قلبي ، اللهم أقرئها مني السلام يارب
أبلة زينب - رحمها الله – بقلم وألوان : خالد سليمان
**************************************************
هناك من الناس في حياتي من يكون حضوره أقوى ألف مرّة من غيابه ، فشخصيته لها كلّ الحضور ، ولم لا ؟ فرصيد العطاء للقلوب الطيّبة لا ينتهي ، حتى لو فارقنا أصحاب تلك القلوب ، وكتاب قلبي مليء بذكريات القلوب المعطاءة الرائعة .
فاليوم فقط علمت بوفاة أبلة زينب معلمتي الخالدة .
إنّها مصطفى محمود حياتي ، كانت معلمة مادة العلوم في طفولتي ، عاشت في خاطري ووجداني ، وسكنت قلبي ، أذكرها وهي تقول لي بلهجتها الرقيقة : واد يا خالد أنت بتقرأ إيه ؟؟ قلت لها قصة يا أبلة زينب ، فردت غاضبة عنيفة وقالت : رجّع القصة دي ، وهات كتاب يفيدك ، هات كتاب أديسون العظيم ، فتوجّهت على الفور للمكتبة ، وأنا في الصفّ الخامس الابتدائي ، وأخذت كتاب أديسون ؛ لأقرأ طرائف عن حياة هذا المخترع العظيم .
ولا أنسى في حصة العلوم التالية مباشرة ، سألتني عن معلومات تفصيلية عن أديسون ، ونظرت إليها وعصاها في يدها ، وأجبتها وناقشتني طويلا ، وهي تتأهّب دائما لضربي ، لولا رحمة ربي بإجابتي لأسئلتها ، ولأوّل وهلة شعرت بالنجاة ، حينما ابتسمت كأنّي أراها لأوّل مرة ، وشعرت أن الشمس تغتسل في بحيرة ابتسامتها - رحمها الله - .
سألت عنها اليوم فعرفت أنها توفّيت منذ شهور ، وقع الخبر على صندوق ذكرياتي ؛ لأتذكّرها ؛ فتتساقط ذكرياتها على بالي وخاطري ، رحمها الله ، كانت تعتزّ بي جدا ، وكنت أذوب منها خوفا وحبّا ، وكنت لو أخطأت ؛ أعاقب ضعف العقاب .
كانت أسرتي قد انتقلت من بورسعيد بسبب عدوان اليهود علينا ، فانتقلت إلى محافظة أخرى والتحقت بمدرسة جديدة ، ومنذ أوّل أسبوع اكتشفت أبلة زينب ، وذبت منها رعبا وخوفا ، واكتشفتني في الحصة الثانية مباشرة ، وأشادت باجتهادي ، ولم أعاقب منها ، وجاء الشتاء ، ولا أنسى عقابها لي عندما أخطأت في إجابة تتعلّق بالبناء الضوئي ، وبدأت أحسب لها ألف حساب ، ولا أنسى ابتسامتها لي حين أجبت عن سؤال وسألتني : اسمك إيه ؟ ولما أجبتها ، ابتسمت وذابت ابتسامتها سريعا لتناقش غيري ، وهكذا كانت أبلة زينب ، تزرع في قلبي وردة حبّها والإعجاب بها .
وحين كانت في فسحة أحد الأيّام ، وجدتني وحيدا ، نادتني وقالت بلهجة أحبها منها فقط : واد يا خالد ، فطرت لها رعبا وخوفا ، وقلت : نعم يا أبلة ، قالت خذ هذا الساندويتش فقلت لها : لا يا أبلة ، الحمد لله ، فقالت لي بقسوتها اللذيذة : خد وجع في أسنانك ، وما استطعت أن أمدّ يدي ، ولكنّها أمرتني بعنف ، ولم أتذكر وقتها كيف وصل الطعام إلى يدي ؟ ، ولا متى مددت يدي ؟ وكيف وصل الطعام إلى فمي ؟ من خوفي المعجون بالحبّ لها .
ولا أنسى مرّة أنّها نادتني بلطف من حصّة اللغة العربيّة ، وناداني المعلم : خالد كلّم أبلة زينب ، وخرجت ورعب الدنيا يغرقني ، فقلت لها كلاما لم أنطق بحرف واحد منه ، كان وجهي ينطق بالحقّ ، فقالت بكلّ حنان : خالد أريدك في برنامج إذاعي ، أرجو منك أن تعد كلمة عن أديسون ، وطرت من الفرح ، حينما رأيت أصابعها المضيئة تربت على كتفي ، كنت أنظر لأصابعها كأغصان شجرة حبّ تظلّني بالحبّ والودّ ، وكنت أنظر لوجهها الذي يخصّني باهتمام عجيب ، عوّضني مشاعر كثيرة أفتقدها من بعض المعلمين والمعلمات .
كانت قسوة بعض المعلمين تجعل حياتي كئيبة حزينة ، وكنت وحيدا فريدا في حياتي ، فقد كنت من بورسعيد ، والكل هنا لا يختلط بسهولة مع الغرباء ، كنت أسير وحدي في الذهاب للمدرسة ، وفي العودة .
وفي أحد الأيام بعد انتهاء اليوم الدراسي الطويل ، كنت أتضوّر جوعا خرجت وحدي في طريق قاس طويل ، وإذا بها تراني وحيدا ؛ فنادتني ؛ فامتلأت نفسي نشاطا ، واختفى الجوع ، وحضر الرعب مختلطا بالحبّ ، وقالت : لماذا تسير وحدك ؟ فقلت ، ليس لي أصدقاء ، فقالت : لأ لك أصدقاء أنا أهه ، فامتلأت الدنيا ورودا في عينيّ ، ولأوّل مرة أرى بساتين السماء المزهرة الأنيقة ، وسرت معها ، وأنا لا أرى سواها ، وكلّ من يراني يتعجّب ، ويخبر من معه أنّ خالد يسير مع أبلة زينب ، وعندما اقتربت من بيتي ، أحسّت بي ، وسألتني : هل اقترب بيتك ؟ قلت : نعم ، وقالت : مش هتقوللي تفضّلي ، فابتسمت ، وقلت لها : تفضّلي يا أبلة زينب ، فقالت : بعد إيه ، أشوفك بكرة .
ولا أنسى حدائق الفرح التي غرّدت في نفسي عندما قالت لي ذلك ، وعدت للمنزل أحكي لأمي عن أبلة زينب ، وهي سعيدة بي ، وأنا شارد أتذكّر نصائحها لي ، وأتذكّر ملامحها ، وهي تدعوني لبذل الجهد للتفوّق .
وعدت في الصباح مليئا بالفرح والابتهاج ، أريد أن أحكي للدنيا كلها عن أبلة زينب ورقتها وحنانها ، وجاءت حصّة العلوم ، واختفى حنان أبلة زينب ، وكأنها لا تعرفني ولا أعرفها ، وعصاها تعزف سيمفونيتها الصباحية على من لم يستذكر درس الأمس ، كانت رائعة وكنت أشعر معها أنني العالم الكبير والمخترع العظيم ، كانت مفرداتها وطريقة كلامها تشبه طريقة الدكتور مصطفى محمود ، ولذا كلّما شاهدت حلقاته ، أدعو له بالرحمة ، ودعوت لأبلة زينب بالرحمة أيضا قائلا : رحمة الله عليك يا أبلة زينب ، إنها مصطفى محمود حياتي ، إنّها وردة من ورود الزمن الجميل الرائع .
قلبي يكنّ لك خالص الحبّ والتقدير ، ويحمل لك وردتين وردة حمراء قانية بلون غضبك ، ووردة بيضاء بلون ابتسامتك وقلبك الكبير ، فأنا لا أنسى عذوبة مفرداتك حينما كنت تشيدين بي ، عندها أطير من الابتهاج ، وأتحوّل لفراشة أنيقة تطير في كلّ الدنيا .
اللهم ارحمها رحمة واسعة ، رحمة تجعل قبرها روضة من رياض الجنة ، اللهم إنّها لو كانت ضيفتي ؛ لأكرمتها بأغلى ما لديّ ، وهي الآن ضيفتك ، وأنت لديك خزائن السموات والأرض ، فأكرمها بكرمك ورحمتك يا رب العالمين .
ذكراك يا أبلة زينب ستظلّ حاضرة في بالي دائما وأبدا ، فأنت منقوشة في خاطري باقة ورد متألّقة بالحبّ والإخلاص .
هكذا غابت كشمس تغيب ولكن تبقى ألوان الغروب شاهدة عليها تحكي عظمة تلك الشمس ، وهكذا غابت كقطعة ماس ألقيت على صفحة الماء في إناء روحي ولكن الأمواج التي نشأت عن ذلك مازالت تتردّد في نفسي دائما وأبدا ، فرحمة الله عليك .
اللهم ارزقني مكانا كمكانها في قلب من درّست لهم ، واجمعني بها والمسلمين جميعا يارب العالمين في الفردوس الأعلى ، مع حبيبك محمد معلم الناس الخير - صلّى الله عليه وسلّم - .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق