وفاء للصداقة والأخوة التي جمعتني بشاعر ( شعر الدراما الفلسفية ) ( المرحوم عبدالجبار الفياض) الذي عمق فراقه الجراح في صدورنا ... ما أصعب أن تسقط ركائز أساسية ترفع خيمة النقد الأدبي والأدب بأجناسه في الوطن العربي ...رحمة الله عليكم أخي الناقد والأديب ( حسين الباز ) والصحفي والأديب ( حسن السوسي ) وشاعر الدراما الفلسفية ( عبدالجبار الفياض ) وباقي أصدقائنا الذين غادرونا هذه السنة إلى دار البقاء ...إنا لله وإنا إليه راجعون
--------------------------------------------------------------------------
دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لقصيدة ( نكسة حزيران )
للشاعر " عبد الجبار الفياض "
عنوان الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة : " المدخل الاستنباطي / ( اشهد يا حزيران .... ) / بقلم : عبد الرحمن الصوفي / المغرب
مقدمة :
الشعر صنعة فن لغوي ، وتاريخ الشعر في كل بلدان المعمور هو تاريخ صناعة الكلمة التي عرفت تطورا نتيجة تطورات كبيرة عرفها مختلف العلوم الحقة و الإنسانية .... اللغة حقيقة مرتبطة بوسائل المعرفة ، وعندما تغتني وتتسع هذه الوسائل لابد من ميلاد حقيقة تستخرج وتستنبط من من ظواهر ملموسة يواكبها الفن والأدب نثره و شعره . يقول " أوزيا " : " ...يمكن القول وبكل وضوح بأنه من المستحيل تجاهل ارتباط الشعر بالمجتمع أو تجاهل مشكلة << أنا والآخرون >> أو رفض فكرة تأثير الشعب على المبدع ..." ( 1)
كما أن ارتباط الفلسفة بالشعر يعود لبدايتهما ( الفلسفة نفسها بدأت صياغتها بالشعر ) ، فكانت الفلسفة في إرهاصاتها الأولى ردة فعل على غموض الوجود ورهبته ، فانطلقت في محاولتها الشبه أسطورية للتعامل مع الكون وفك ألغازه في قوالب وصيغ شعرية كما يعتقد " نيتشه " أن القول الفلسفي ، ككل محاولات القول الإنساني ، لن يستطيع الانفصال عن التعبير الشعري.
v مدخل الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة : المد
الاستنباطي :Inference and Empathy Theory
جاء في كتاب " النظرية الذرائعية في التطبيق " : " ... تقوم نظرية الاستنتاج على مجال التقمّص الوجداني ، أي أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي مباشرة ، ويربط سلوكه رمزيًّا بحالته السيكولوجية الداخلية ، أي بمشاعره وعواطفه ، يصبح لسلوكه الإنساني معنىً يصبّ بمفهوم الذات ثم يتصل بالآخرين ويلاحظ سلوكهم ألمادي وعلى أساس تفسيراته السابقة لسلوكه ، يخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية.... " ( 2 ). إن الكلام الحقيقي هو المعنى الموجود في النفس ، يقول الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما # جعل اللسان على الفؤاد دليلا
" ... بمعنى آخر، إذا كان سلوكه يعكس هكذا من المشاعر إذا قام شخص آخر بهذا السلوك ، فهو أيضًا يعكس نفس المشاعر التي شعر بها حينما قام بهذا العمل هذا الرأي في التقمّص الوجداني يفترض أن الإنسان لديه معلومات من الدرجة الأولى عن نفسه ، ومن الدرجة الثانية عن الناس الآخرين ، فالإنسان لديه المقدرة على فهم نفسه نسبيًّا ، عن طريق تحليل سلوكه الذاتي ، ومن هذا التحليل يستطيع أن يخرج باستنتاجات عن الآخرين تقوم على هذا الأساس... " ( 3 ) المرجع ( 2 نفسه ) ... بمعنى أن حضور الأدب في نفسية الإنسان يخرجه من عمومية الناس ويدخله في خصوصية التقمّص النفسي ، وهذا ما عاد بنا إلى لحظات تذكرية تقمصية ( حزيران 1981 ) الذي يؤرخ لاحتجاجات اجتماعية شعبية شهدتها مدينة الدار البيضاء وباقي المدن المغربية ... خرجنا في تظاهرتها التي خلفت عددا من الضحايا ، مما جعلها موضوع جدل حقوقي داخلي يؤرخ لمرحلة من مراحل "سنوات الرصاص... " ... " وسقط جراء تلك الأحداث عدد من القتلى والجرحى اشتهروا لاحقا باسم "شهداء الكوميرا"، وهي كنية باللهجة المغربية تطلق على نوع من الخبز الفرنسي بعد أن أطلقها عليهم وزير الداخلية المغربي خلال تلك الفترة الراحل إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية ، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا...." ( 4 ).
ونسجل كذلك لحظاتنا التقمصية ونحن بين أسوار الجامعة المغربية ونحن نردد في التظاهرات الطلابية:
اشهد يا حزيران
في يومك العشرين
وطني انار الدرب
و النصر مشتعل
في يقظة الفلاح
في صرخة العامل
في ثورة الجمهور
يا شعبنا البطل
سعيدة يا زروال
دهكون يا رحال
مواكل الابطال
بالوعد تتصل
من مخبر المهدي
من عمر
عن روعة الاوطوروت
و باس من نزلوا
مدينة البيضاء
يا درب من قتلوا
ابناؤك الفقراء
اليوم قد وصلوا
وارتدائي قصيدة ( نكسة حزيران ) للشاعر " عبد الجبار الفياض " هو الطريق الذي سأسلكه في دراستي النقدية الذرائعية ، متتبعا وحدات التحليل الاستنباطي الذرائعي .
1 - حكمة اللغة عند الشاعر " عبد الجبار الفياض " في قصيدة " نكسة حزيران " :
يقول الشاعر والناقد الأدبي الفرنسي" إيف بونفوا "في اللغة العربية : " ... هي مكان طبيعي للشعر ، ولها الطاقة الجمالية تفتح الكتابة العربية على أفق لا نهائي من الموسيقى...." ( 5 ). لم يكن " بونفوا " وحده من استشعر تلك الطاقة اللامتناهية من الإيقاع في اللغة العربية ، بنثرها وشعرها ، فهي ليست مجرد حروف أبجدية أو كلمات مرتبة بل هي روح غامضة تستعصي على الوصف وهي كذلك خصبة التجارب الجمالية البحتة.
لنتأمل حكمة اللغة عند الشاعر في القفلة الأولى من القصيدة ( نحرث البحر !؟ بأسنان المشط !؟ / نقتات دوران الناعور !؟ لسقاية أرض يباب !؟ / خمسون عاما = النكسة العربية :
خمسون عاماً
ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط
وعلى الرّيحِ البَذار. . .
نقتاتُ دورانَ النّاعورِ لسقايةِ أرضٍ يباب . . .
لا سنابلَ
يُخيفُها منجلٌ عجوز. . .
لا بيادرَ
يأكلُ منها منقارُ طيرٍ
تيبّسَ من جوع. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نُعيدُ ذبحَ الحُسين . . .
صلبَ المسيح. . .
نُخرجُ الحلاّجَ من قبرِهِ
لنمثّلَ بهِ أيّامَ التّشريق . . .
أينَها مطرقةُ قاضٍ
تدمغُ باطلَ الحبرِ السّريّ ؟
الرّصاصُ أساسُ الحُكم. . .
خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
اللغة حكمة عبقرية شاعر يجمع الكلمة والإيقاع ، دون أن تخرج اللغة عن تخوم المعنى، ودون أن تطغى الصورة على المعنى الفعلي ( نخرج الحلاج من قبره / لنمثل به أيام التشريق ...) .
يقول الناقد الناقد الاستاذ " أكرم ابو الراغب " : " ... جاءت قصيدتك عبارة عن صور إن صح التعبير ـ تنقلنا من دفقة شعورية إلى أخرى تعززها وتشد من بنائيتها ، سمعت من خلالها موسيقا خارجية متمثلة في الفاظك وتراكيبك المتعانقة ، عززها في هذا الانسياب السلس الذي يريح القارئ ، ويجعله منسجما مع القصيدة دون تعثر ، أو عوائق ... إضافة إلى هذه الألفاظ والبنى التي شكلت النسيج الجميل للقصيدة ، وما تحمله تلك الكلمات من دلالات عميقة تجعل من القصيدة بنائية متماسكة ومتلاحمة ، كدفقات شعورية قوية ومتلاحقة عكست عن معاناة حقيقية وتجربة شعورية صادقة . حقيقة لا يستطيع القارئ أن يعطي القصيدة حقها في قراءة عاجلة ، إذ لا بد له من قراءة متأنية معمقة لأن كل كلمة فيها تحكي شيئا ، وتصور حدثا وتروي قصة... " ( 6 ) .
2 - موعظة وعبرة اللغة في قصيدة " نكسة حزيران " :
النكسة وقبلها النكبة عكستا أحداثا كانت أكبر من إمكانية استيعابها ، ومن ثم تأثير اللغة النفسي على الإنسان العربي ، سواء الأجيال التي عايشتهما أو أخرى سمعت عنها وخبرت نتائجها ....لم يسعفنا فى قليله أو كثيره ، أن الإعلام والثقافة والجدل فى بلداننا العربية ومنتدياتنا التي ظلت تردد على مدى نصف قرن تحليل أسباب النكسة وجذور الهزيمة وسبل إنقاذ العالم العربي ... ودروس « النكسة » والعبر منها...لكن الذي يهمنا في دراستنا هو تكنيك الموعظة والعبرة عند الشاعر .
إن لغة الشاعر مصدرها الشعور من خلال علاقة وطيدة تجمع بين الفن والروح ، خاصة وأن الفن عند العربي لا يتنزل من آلهة يعلمنه الشعر ولكنه ينبع من أعماقه وذلك ما ترصده أخي " الناقد الاستاذ ابراهيم ابو شندي " حيث يقول : " ... الخمسون يا صديقي لم تعد خمسون .. بل أضحت سبعون وتزيد .. وأهل البنادق اصبحت لهم ارجل وعواكيز .. الماجدات من اهلنا اشجار تموت .. قصب من حناء الاصابع .. رتق في القلب المواجع .. شغف طفل حلم بالحلوى ولم تأته .. زنابق الورد غدت رؤوس افاع .. أصنام هي الآمال لا تموت .. والفجيعة تغزو كل البيوت .. الجداول أرهقها المسير .. والصعود للينابيع عسير .. خمسون هانت يا صديقي والسبعون تهون ..!! هناك .. في لجة الخوف الحزن جميل .. أكوام من جثث متعفنة .. في السراديب والخنادق .. في الساحات وفوق أعواد المشانق .. في الازقة وتحت الردم .. في الشوارع والمساجد .. تسمع الانين والعويل .. ولكل صوت قصة .. تتشابك الحكايات والتفاصيل .. وهناك عناوين تتصدر المشهد .. تسمى (الهزيمة) .. بل النكسة الكبرى .. !! يعصرني .. يقهرني .. ويثير في الغضب .. ذاك النداء القادم من عصابة تسمى(جامعة العرب) .. الشجب والاستنكار , والبحث عن حقوق في هيئة الامم .. وأي أمم تلك التي تكالبت على بلادكم , وتتكئ على أوجاعكم ؟ . أي نكرة انتم؟ وقد قالها فيكم شاعر العراق المظفر ماذا بعد الهزيمة والنكسة , الا المذلة والخذلان .. وهاأنتم تشربون من كأسه ولن تملوا.. !! .. .. تساوت كل المعاني .. الخوف .. الموت .. الهزيمة .. الخذلان .. ولم يبق سوى صوت واحد .. هو النصر .. ذلك يحدث غربي النهر .. ومن تبقى يعدون السنين , وعصي الجلاد .. وستبقى أمشاطهم تحرث أمواج البحر , لعلهم يجدون الأمان..!! .... هذا النضج في قصيدك يبهرني .. ويحفز في اشياء تلهمني الكلمات.. يعلمني الشوق للمفردات .. لقد أعجزتني علما بما أقول .. ورددت الي حب اللغة والابجدية .. حقا الاستاذ والصديق العزيز عبد الجبار الفياض , لقد اوغلت في عمق المعاني , ورسمت بكلماتك اللوحة المعقدة لأمة ارهقتها الهزائم .. وباتت تقتل بعضها بعضا .. أمعنت في قراءة التفاصيل بجرأة واقتدار .. سطرت اجمل المعاني وهي تنساب كشلال صاف .. اعجبني ذلك البناء الشفيق في تراكيب القصيدة , فجعل منها بنيانا شامخا .. كأنك تحمله فوق هامتك بإحساس ثوري أبي , فتخلده بشرى للأجيال .. بورك نبضك وشموخ قلمك الابي ...." . ( 7 )
خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
خمسون
ونحنُ لم نزلْ
نتعلّمُ آدابَ الدّخولِ إلى الكنيف . . .
نُصغي بانتباهٍ لقارئةِ الفنجان . . .
تفتُنُنا خطوطُ الكّفِ في شمسِ المعارف . . .
خمسون
ندسُّ الكذبَ الملوّنَ في كراريسِ الصّغار
نُقيّدُ خطوَهم في دروبِ البقاء . . .
في عيونِهم
نغتالُ عصافيرَ الصّباح. . .
من غير تبجيلٍ نَدَعهُ
يسفُّ جوعَه
من طباشيرِ سبورةِ زمنهِ الكسيح . . .
يمكن النظر لـ"النكسة" كأحد أبرز مصطلحات التهوين . كما أن مصطلح " النكسة " غطى على حقائق كارثية منها الهزيمة الفعلية للجيوش العربية ، وطرد آلاف الفلسطينيين من أرضهم... يقول " هيكل " : " .... للتعبيرات قوة تأثيرها فى حركة الأحداث ، عندما تقول هزيمة فإن كل شيء قد انتهى ، وعليك أن تقر بما جرى وتستسلم له ، بينما تعبير النكسة يساعد على لملمة الجراح ... ولتأكيد إرادة القتال من جديد ...". ( 8 )
أما البعض الآخر فيرى في مصطلح "النكسة" جريمة لتخدير الشعوب العربية ومحاولة لإخفاء حجم الكارثة التي تمثلت بأكبر هزيمة في تاريخ الحروب الحديثة ، سواء من ناحية حجم الأطراف التي خاضتها أو من ناحية سرعة الحسم أو من ناحية نتائجها الكارثية وآثارها بعيدة المدى على كافة المستويات والأصعدة.
"هوامش على دفتر النكسة" / نزار قباني
لأن ما نحسه أكبر من أوراقنا/ لا بد أن نخجل من أشعارنا إذا خسرنا الحرب/ لا غرابه لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه/بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة/ لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة"... كتب الشاعر نزار قباني قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" عقب الهزيمة مباشرة، فانتشرت على نطاق واسع .... ( 9 ) .
3 - عقلانية اللغة في قصيدة " نكسة حزيران " :
يعدّ التقمّص الوجداني إحساس بالتواصل مع الآخرين مع القدرة على معايشة أحاسيسهم الداخلية ، وهي صفات يملكها الناقد الرصين ، فيقارنها استنباطًا بصاحب النص ، فينطلق من نفسه أولًا ، و من ثقافته وتجربته النقدية الأدبية الذاتية ، ويلاحق ما يجده من حالات وإرهاصات يتشابه هو و الأديب فيها ، ويكون أكثر دراية بمقارنة هذا التقمّص في الحالتين ، واستخراج ما لا يستطيع استخراجه الإنسان أو المتلقي العادي.... فينتج عن هذا التقمّص الإنساني استنباطًا لما يجول بخاطر الشاعر و يسجّله ويستنتج ويستنبط الأفكار المخبوءة ما بين السطور.
ظل الشعر و الأدب عموما والفلسفة ممتزجين ومتصلين ببعضهما منذ بداية الفكر الإنساني وحتى العصور الحديثة ، يُستخدَم الشاعر " عبد الجبار الفياض " عقلانية لغته للدلالة على الكتابة الخيالية والجمالية كوعاء للأفكار التي تحتويها ( نأكل سقط متاعهم بلذة إفطار بعد صوم/ نلعق أصابعنا قبل كل وليمة ) ، كما ابتعدت عقلانية لغته عن فلسفة استخدام اللغة العلمية التي تلتزم منهجًا معينًا بهدف الوصول إلى نتائج وبراهين محددة ، أي أن عقلانية لغته ذات تأثير جمالي وتعبيري ( خارطة وجع يومي / تمتد من المحيط إلى الخليج / نبيع الدم العربي بسعر حزم البرسيم في مواسم الحصاد / نطبعه وشم انتصار على جدر المساجد ) ، وهذه العقلانية اللغوية كتب بها " نيتشه " ( هكذا تكلم زرادشت ) ، وكتب بها " هيدغر " الذي يقول : " يجب أن نمارس الفلسفة في شكل قصائد " ( 10 ) المرجع (5) نفسه ) ، فماهية العقلانية اللغوية تجعل من الشعر مؤسسا للوجود ، وماهية البشرية أن تحيا شعرا ، أو كما تقول " هولدرلين " : " ... وما يبقى يؤسسه الشعراء " . ( 11 ) ( المرجع ( 5) نفسه ) .
خمسون
ونحنُ نلهثُ وراءَ عرّابينَ
كنّا لهم طوعَ البنان. . .
نأكلُ سقطَ متاعِهم بلذةِ إفطارٍ بعدَ صوم . . .
نلعقُ أصابعَنا قبلَ كُلِّ وليمة
نكيلُ لهُم الثّناءَ بلا صِواع . . .
خمسون
وغِشاوةُ الجّنس
تحجبُ عنّا شروقَ الشّمس. . .
ماءٌ يُراقُ
كانَ في الوجهِ عزيزاً
لا يُراق. . .
تعلّمْنا فنَّ البَذاءاتِ الملفوفةِ بورقِ
التّواليت. . .
خمسون
خارطةُ وَجعٍ يوميّ
تمتدُّ من المحيطِ إلى الخليج . . .
حربٌ بين فوقِنا وتحتِنا
رَفدْناها سنيناً من غباء . . .
نبيعُ الدّمَ العربيّ بسعرِ حُزمِ البرسيمِ في مواسمِ الحصاد . . .
نطبعُهُ وشمَ انتصارٍ على جُدرِ المساجد . . .
العقلانية اللغوية فلسفة الشاعر خبرها عبر التجربة كعاشق للغته وكشاعر يكتب قصيدته التي تختلف بالضرورة عن قصائد غيره من الشعراء وفي نفس الموضوع " النكسة العربية " كدهشة محركة ومولدة للتفلسف العقلاني اللغوي .
يقول الشاعر" نعمة يوسف" عن قصيدة (النكسة) : " حينما تقرأ للشاعر الجليل الأستاذ عبد الجبار الفياض ، تجده يفيض شعرا وحبا وإإنسانية ..تجد نفسك وأنت أمام ((معلقة شعرية)) أو ((مسلة شاهقة)) دونت ونحتت على جدرانها المتعددة مشحونة بأنواع الألم والوجع والمأساة بلغة تصلح لكل العصور و كأنها كتبت قبل الآف السنين وليس اليوم .. النكسة والخيبات والفشل ... وأنت تقرأ النص وما مكتوب في فحواه حتى تجد نفسك تشاهد صور ورسومات تتحدث عن الملوك والأنبياء ، عن معجزاتهم وخيباتهم ، عن هبوط الديانات مع رسلها ، يكتب لنا مدونات على هذه الجدران ، جدران ملاحم الشاعر الفياض السومري المتميزة ، الشاعر الذي تمتد روحه لكل حضارات العراق السابقة ليومنا هذا ، بكل خسائرها ها ودمارها دونما هناك بصيصا للفرح والسعادة.. إنها روح السومري الشجاع الوطني ...خمسون عاراً ... خمسون ...خمسون .. خمسون ... خمسون عاما من الذل والعهر ! ... هو ليس نصا أو خطابا يعبر عن إحدى النكسات التاريخية وينساب على المسامع بكل الوجع حاملا كل ((الخيبات )) ((والهزائم )) المتعاقبة التي مرت والتي لم تأت بعد .... كأنها رواية مأساوية قصيرة محملة بصور شعرية موجعة مليئة بالفقدان ، قصص تحمل رسائل إنسان وطني يشعر بغربة الوطن بين البلدان وغربته أيضا داخل الوطن ، حكايا بصور شعرية نسجت بين الخيال والذكرى والواقع ... هي ملحمة أو معلقة أو مسلة
بما ورد فيها هو عبارة عن هيجان بحر من اللغة والصورة والإنسانية والمواقف الوطنية الكبرى للشاعر لمعنى النكسة والخذلان في الوطن المفقود ، هي هواجس وحنين رغبات متكسرة في ذلك الأنين والصوت الذي يدنو من خمرة الذكرى للوطن المعافى وليس الكسيح ... ..." ( 12 )
4- التوازن الانفعالي للغة الشاعر في قصيدة " نكسة حزيران"
يتفوّق النقد حين يصبح مهمًّا جدًّا في مراقبة ومواكبة الأدب ، وتوجيهه نحو المسلك الأرقى ، الذي يرتفع به المجتمع فكريًّا وثقافيًّا وحضاريًّا ، لذلك تقاس مهارة الناقد وسطوته النقدية بالجانب المخبوء من النصوص الأدبية أكثر من الجانب العيني أو البصري ، وهو ما يشير له جميع فلاسفة النقد . نتقمّص شخصية الشاعر للبحث عن مفاهيم ودلالات التوازن الانفعالي للغة الشاعر الفلسفية والاجتماعية و الإنسانية ... لأن الشعر حالة وجدانية تصيب الشاعر و فيها يختلف عن عموم الناس .
إن التوازن الانفعالي للغة الشاغر في قصيدته كان موجودًا قبل أن يشرع فكره في التفكير من خلال كلمتي : ( خمسون عاما + خمسون ) ( خمسون عاماً / ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط / وعلى الرّيحِ البَذار. . . / نقتاتُ دورانَ النّاعورِ / لسقايةِ أرضٍ يباب . . . / لا سنابلَ / يُخيفُها منجلٌ عجوز. . . / لا بيادرَ / يأكلُ منها منقارُ طيرٍ / تيبّسَ من جوع. . . خمسون عاماً) ، توازن انفعالي للغة الشاعر التي ترصد مصير أمة ، لأن الشعر هو اللغة الأصلية للشعور ، وهو الكلمات الانفعالية المتوازنة للغة تنطلق من مخيلة الإنسان .
خمسون
نحشو جيوبَ الغُرباءِ من جيوبِ أرضٍ
شهدتْ مهبطَ كُلِّ الأنبياء . . .
نأتي بالسّلاحِ موتاً
نجربُهُ لقطفِ أرواحِ الأقربين . . .
نعلّمُ الأخَ كيفَ يفري بطنَ أخيه؟
يحفرُ لهُ جُبّاً
ليدفنَهُ حيّاً ذاتَ يوم. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نستبدلُ حروفَ الإنحناءِ بحروفِ الخُبزِ من صناديقِ الأمم . . .
ليسَ لنا من الذّهبِ الأسودِ سوى دخانهِ الأسود . . .
خمسون
وحسابُ اللّصوصِ أرضٌ حرام
مَنْ يحاولُ تقليبَ صفحاتِهِ الحصينةِ
يموت. . .
حقائبُهُ حُبلى
تُلقي حملَها بعيداً في أقبيةٍ
تجهلُها بوصلةُ المكان!
خمسون
يرى «جيل دولوز» أن «الفلسفة بتدقيق كبير هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم» دون الاكتفاء بالتأمل الذي هو حقل يسع كل الناس ، وليس حِكرًا على الفلاسفة لوحدهم . لذلك أعتبر إن الشعر يجعلنا نرى التوازن الانفعالي للغة مألوفا في تجلياته الأولى والمدهشة ، في حين تجعلنا الفلسفة نرى الغريب مألوفًا.
خمسون
نصنعُ سيوفَاً من جريدِ النّخلِ لحربٍ في بقاعٍ خالية . . .
مهزومون حتى في نصفِ رقعةِ شطرنج
تُثقلُ صدورَنا نياشينُ الهروبِ من الحروب . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نلعنُ الأميركيَّ الذي مضى الذي حضر
الذي يأتي
ونحنُ لم نشبعْ من شمِّ رائحةِ إبطيْه . . .
هل للتّفاهةِ وجهٌ آخر ؟
خمسون
إن فكر التوازن الانفعالي للغة لا يكون فلسفيًّا دائمًا ، فهو تارة يكون فلسفيًّا، وأخرى شعريًّا، وطريقة التعامل مع اللغة هي سبب الالتباس . ( تصنغ سيوفا من جريد النخل لحرب في بقاع خالية .../ مهزومون حتى في نصف رقعة شطرنج ) . يعتمد التوازن الانفعالي للغة عند الشاعر " عبد الجبار الفياض على الصور والمجازات والاستعارات بكثافة تجعل الفكر يلتحم مع العقلانية اللغوية ، بالرغم أن المطلوب في الشعر أن تفضل العاطفة على العقل ( هل للتفاهة وجه آخر ؟ ) ، وتنفتح على سؤال الشعر الفلسفي.
نشنقُ شفاهَ الرّفضِ على أعمدةِ أمانِ الأمّة
سلامةِ سلطانِ الأمة. . .
ايةُ أمّةٍ تمحو أسمَ الأمّة ؟
نُطعمُ القبورَ لحمَ الزّاحفينَ لكتابةِ جديدِ الأمة . . .
خمسون
ونحنُ نطوفُ بأصنامٍ
أوصلتْنا إلى وحلِ هزيمةٍ
ما بقيَ لنا بعدَها حبلُ غسيل . . .
إلى ذيلِ الرّكبِ
مُصفّدين بأغلالِ خوفٍ
رُكّبَ من خوف. . .
خمسون
نترجمُ نقيقَ الضّفادع
نردّدُ كُلّ صباحٍ صوتَ صفيرِ البُلبل . . .
نقطعُ حناجرَ هُتافٍ لوطنٍ
يتكيءُ على منسأةٍ من عصورٍ
لم يبقَ منها سوى شاهدة. . .
نرقبُ كافورَ كي يذبحَ لنا العيدَ من قفا . . .
خمسون
ونحنُ نسرقُ نحنُ
نشتمُ نحنُ
نصنعُ خناجرَ من ظلامٍ لطعنِ نحنُ
النّاسُ للأمامِ إلآ نحنُ . . .
خمسون عاما
كذبوا علينا
وما زالوا يكذبون. . .
مؤتمراتُ الجّماجمِ الفارغة
تنفضُّ ببياناتٍ فارغة. . .
تُتلى بمفرداتٍ فارغة
إلآ من وعودٍ فارغة. . .
يا للفراغِ المقدّسِ الذي نعيشُهُ بجيوبٍ فارغة !
فمتى الرّجمُ أيّتُها النّطفُ الباقية ؟
لا
لا تخرُجي الآن
فكُلُّ شيءٍ ملوّثٌ إلآ ما رحِمَ ربّي !
قالَها من قبلُ رجلٌ من العراق *
(لا استثني أحداً. . .
ربَما
الإستثناءُ اهترأ. . .
لا بأسَ
أنْ يُعادَ رتقُهُ من جديد
بعدَ أنْ استعادَ سمعَهم الأموات !!
. . . . .
الشاعر في قصيدته يترك الواقعي متحسرا إلى الخيالي ، يحاور الحلم يغازله ويداعبه ويداعبه ، بل يخلقه ويجعل فيه حياة ، ويستأنس به ، ويجعل من كل ما هو صغير الشأن أسطورة في عين الرائي/السامع/القارئ ( يا للفراغ المقدس الذي نعيشه بجيوب فارغة ! / فمتى الرجم أيتها النطف الباقية ؟) الشاعر يؤسس وجودًا آخر أكثر رحابة ، وحياة خيالية ، لكنها حيوية أكثر من حياتنا المعيشة.
إن الشاعر يخلق التوازن الانفعالي للغته ، أي أن لغته تصبح أكثر تواصلية من اللغة العادية الشعرية شريطة أن يتعامل معها القارئ بحرية. إذ تتبدل وظائف الحواس ، ما يجعل الأذن ترى ، والعين تسمع ، والصمت يتكلم ، والكلام يخرس ...
الدراسة من إعداد : عبد الرحمن الصوفي / المغرب
-------------------------------------------------------------------------------------
القصيدة كاملة :
نكسة حزيران ( 5 حزيران 1967 ) / بقلم الشاعر : عبد الجبار الفياض / العراق
خمسون عاماً
ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط
وعلى الرّيحِ البَذار. . .
نقتاتُ دورانَ النّاعورِ لسقايةِ أرضٍ يباب . . .
لا سنابلَ
يُخيفُها منجلٌ عجوز. . .
لا بيادرَ
يأكلُ منها منقارُ طيرٍ
تيبّسَ من جوع. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نُعيدُ ذبحَ الحُسين . . .
صلبَ المسيح. . .
نُخرجُ الحلاّجَ من قبرِهِ
لنمثّلَ بهِ أيّامَ التّشريق . . .
أينَها مطرقةُ قاضٍ
تدمغُ باطلَ الحبرِ السّريّ ؟
الرّصاصُ أساسُ الحُكم. . .
خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
خمسون
ونحنُ لم نزلْ
نتعلّمُ آدابَ الدّخولِ إلى الكنيف . . .
نُصغي بانتباهٍ لقارئةِ الفنجان . . .
تفتُنُنا خطوطُ الكّفِ في شمسِ المعارف . . .
خمسون
ندسُّ الكذبَ الملوّنَ في كراريسِ الصّغار
نُقيّدُ خطوَهم في دروبِ البقاء . . .
في عيونِهم
نغتالُ عصافيرَ الصّباح. . .
من غير تبجيلٍ نَدَعهُ
يسفُّ جوعَه
من طباشيرِ سبورةِ زمنهِ الكسيح . . .
خمسون
ونحنُ نلهثُ وراءَ عرّابينَ
كنّا لهم طوعَ البنان. . .
نأكلُ سقطَ متاعِهم بلذةِ إفطارٍ بعدَ صوم . . .
نلعقُ أصابعَنا قبلَ كُلِّ وليمة
نكيلُ لهُم الثّناءَ بلا صِواع . . .
خمسون
وغِشاوةُ الجّنس
تحجبُ عنّا شروقَ الشّمس. . .
ماءٌ يُراقُ
كانَ في الوجهِ عزيزاً
لا يُراق. . .
تعلّمْنا فنَّ البَذاءاتِ الملفوفةِ بورقِ
التّواليت. . .
خمسون
خارطةُ وَجعٍ يوميّ
تمتدُّ من المحيطِ إلى الخليج . . .
حربٌ بين فوقِنا وتحتِنا
رَفدْناها سنيناً من غباء . . .
نبيعُ الدّمَ العربيّ بسعرِ حُزمِ البرسيمِ في مواسمِ الحصاد . . .
نطبعُهُ وشمَ انتصارٍ على جُدرِ المساجد . . .
خمسون
نحشو جيوبَ الغُرباءِ من جيوبِ أرضٍ
شهدتْ مهبطَ كُلِّ الأنبياء . . .
نأتي بالسّلاحِ موتاً
نجربُهُ لقطفِ أرواحِ الأقربين . . .
نعلّمُ الأخَ كيفَ يفري بطنَ أخيه؟
يحفرُ لهُ جُبّاً
ليدفنَهُ حيّاً ذاتَ يوم. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نستبدلُ حروفَ الإنحناءِ بحروفِ الخُبزِ من صناديقِ الأمم . . .
ليسَ لنا من الذّهبِ الأسودِ سوى دخانهِ الأسود . . .
خمسون
وحسابُ اللّصوصِ أرضٌ حرام
مَنْ يحاولُ تقليبَ صفحاتِهِ الحصينةِ
يموت. . .
حقائبُهُ حُبلى
تُلقي حملَها بعيداً في أقبيةٍ
تجهلُها بوصلةُ المكان!
خمسون
نصنعُ سيوفَاً من جريدِ النّخلِ لحربٍ في بقاعٍ خالية . . .
مهزومون حتى في نصفِ رقعةِ شطرنج
تُثقلُ صدورَنا نياشينُ الهروبِ من الحروب . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نلعنُ الأميركيَّ الذي مضى الذي حضر
الذي يأتي
ونحنُ لم نشبعْ من شمِّ رائحةِ إبطيْه . . .
هل للتّفاهةِ وجهٌ آخر ؟
خمسون
نشنقُ شفاهَ الرّفضِ على أعمدةِ أمانِ الأمّة
سلامةِ سلطانِ الأمة. . .
ايةُ أمّةٍ تمحو أسمَ الأمّة ؟
نُطعمُ القبورَ لحمَ الزّاحفينَ لكتابةِ جديدِ الأمة . . .
خمسون
ونحنُ نطوفُ بأصنامٍ
أوصلتْنا إلى وحلِ هزيمةٍ
ما بقيَ لنا بعدَها حبلُ غسيل . . .
إلى ذيلِ الرّكبِ
مُصفّدين بأغلالِ خوفٍ
رُكّبَ من خوف. . .
خمسون
نترجمُ نقيقَ الضّفادع
نردّدُ كُلّ صباحٍ صوتَ صفيرِ البُلبل . . .
نقطعُ حناجرَ هُتافٍ لوطنٍ
يتكيءُ على منسأةٍ من عصورٍ
لم يبقَ منها سوى شاهدة. . .
نرقبُ كافورَ كي يذبحَ لنا العيدَ من قفا . . .
خمسون
ونحنُ نسرقُ نحنُ
نشتمُ نحنُ
نصنعُ خناجرَ من ظلامٍ لطعنِ نحنُ
النّاسُ للأمامِ إلآ نحنُ. . .
خمسون عاما
كذبوا علينا
وما زالوا يكذبون. . .
مؤتمراتُ الجّماجمِ الفارغة
تنفضُّ ببياناتٍ فارغة. . .
تُتلى بمفرداتٍ فارغة
إلآ من وعودٍ فارغة. . .
يا للفراغِ المقدّسِ الذي نعيشُهُ بجيوبٍ فارغة !
فمتى الرّجمُ أيّتُها النّطفُ الباقية ؟
لا
لا تخرُجي الآن
فكُلُّ شيءٍ ملوّثٌ إلآ ما رحِمَ ربّي !
قالَها من قبلُ رجلٌ من العراق *
(لا استثني أحداً. . .
ربَما
الإستثناءُ اهترأ. . .
لا بأسَ
أنْ يُعادَ رتقُهُ من جديد
بعدَ أنْ استعادَ سمعَهم الأموات !!
. . . . .
عبد الجبّار الفيّاض
5 /حزيران/ 2020
* الكبير النّواب.
------------------------------------------------------------------------
الهوامش :
1 – مجلة الأقلام / عدد 11 / 1980 / الصفحة 18
2 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي
3 – المرجع ( 2 ) نفسه
4 – الملحق الثقافي / الاتحاد الاشتراكي / 16 / 3 / 1993
5 – الكرمل / عدد 25 / الصفحة 88
6 – منقول من صفحة الشاعر الفيسبوكية
8 – العلم الثقافي / 23 / 10 / 1988
9 – عالم الفكر / عدد 11 / الصفحة 45
10 – المرجع ( 5) نفسه / الصفحة 12
11 – المرجع ( 5) نفسه / الصحة 18
12 – منقول من صفحة الشاعر الفبسبوكية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق