دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لمسرحية " ماوراء الوراء " لمؤلفها " مجدالدين سعودي "
عنوان الدراسة : الواقعية المتمردة في : " ما وراء الوراء "* / الجزء الأول
====== مقدمة ================
الدراما هي نوع أدبي أدبي مؤثر جدا ، يسمح بتداخلات متعددة في التعبير ، فيتقاسم حوارها الأدبي أكثر من شخصية ، كل حواراتهم يربطها ويجمعها موضوع واحد . يقدم فيها " المونولوج " للممثل أو المتلقي الواحد تعبيرا عن المواقف الحساسة والداخلية والنفسية المضطربة ، مثل مونولوج ( أكائن أنا أم غير كائن ؟ ) من مسرحية " هملت " ل " شيكسبير " . وهي مواقف أدبية لا يصلح للتعبير عن التضاد النفسي الداخلي فيها إلا للمونولوج . وجلي أتتبع وتخضع اللغة المختارة لطبيعة المشهد أو الموقف ، كما يستحسن أن تصبح اللغة للشخصيات والانفعالات . تتطور الأحداث في الدراما من الواقع ويتضح ذلك من حوار الشخصيات ، فتعرض الحي والواقع والحدث والتصرفات ، وأمام حضور جماهيري ، ومن خلال الأحداث يعرض الموضوع طاجزا . يعتقد البعض بعدم وجود درامات تكتب للكتابة ( درامات توفيق الحكيم - درامات عبدالله القويري ...) ، فالداما سواء مثلت أم لم تمثل فهي تتضمن داخلها عناصر الأدب الدرامي أو العرض المسرحي ، ويتضح ذلك في شكلها المونولوجي والديالوجي والمنظري والحدثي .
الدراما هي أقدر على إبراز المضمون الدرامي للأدب بطريقة مكثفة ، ويضم التركيب الأدبي للدراما ( مقدمة الصراع ) ، أي الكلمة الافتتاحية أو البرولوج ، ثم العرض العام أو ما يطلق عليه ( مدخل المسرحية ) ، أو الفصل الأول وفيه تقدم الشروحات والإبانات ، ثم صلب المشكلة أو العقدة ( الفصل الثاني في بعض الأحيان ) ، وفيه تتجسد التضادات وصولا إلى الذروة ، ثم تنتهي الدراما بالحل في الفصل الثالث ( في الجزء الأخير منه ) . ويختلف الأمر في المسرحيات ذات الخمسة فصول . الفكرة في الدراما تمر بمراحل هامة متصارعة مع القواعد الأدبية والفنية من خلال علاقات داخلية نظريا وتطبيقيا محافظ على تتباع المشاهد من خلال قضايا التسلسل الدرامي مع التضاد المفاجئ ، أي الإبقاء على محددات درجات الاضطراب والاحتفاظ بالصراعات ساخنة .
يقول عبدالرزاق عودة الغالبي : " تعرف المسرحية بأنها : نص قصصي حواري ، يصاحبه مناظر ومؤثرات فنية مختلفة . ويراعى في المسرحية جانبان : جانب النص المكتوب ، وجانب التمثيل الذي ينقل النص إلى المشاهدين حيا ، وتتفق المسرحية مع القصة في بعض الجوانب وتختلف عنها في جوانب أخرى ، فالمسرح فن خالص لا يقنع بغير الإيحاء ...ومن هنا كانت الكتابة للمسرح عملية خلق لا عملية تعبير ...فالتعبير نقل لما هو موجود بالفعل ، أما الخلق فعملية تحويل ما هو موجود إلى كائن جديد ، أما العناصر المشتركة بين المسرحية والقصة تتمثل في : الحدث ، والشخوص ، والفكرة ، والزمان ، والمكان ، في حين أن العناصر المميزة للمسرحية تنحصر في البناء ، والحوار ، والصراع ، وأدوات العرض المرئي ...." ( 1 )
سنخصص لدراسة عتبات العنوان ( ماوراء الوراء ) دراسة نقدية ذرائعية خاصة إن شاء الله ، أما في دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة هذه فسنغوص في نص مسرحية " ما وراء الوراء " ( من كتاب " ما وراء الوراء " الذي يضم بين دفتين نصوص مسرحيات أخرى ) من خلال المفاتيح النقدية التالية "
√√√√√√ الفكرة
√√√√√√ الشخصية المونودرامية
√√√√√√ الواقعية المتمردة
√√√√√√ تجاوز المسرحية لكتابة التكريس والخطاب النفعي
ملحوظة : قدمت مسرحية ( ما وراء الوراء ) على خشبة المسرح بعنوان ( العوامة ) .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1 - المدخل البصري لكتاب نصوص مسرحية " ما وراء الوراء " لمجدالدين سعودي .
كتاب النصوص المسرحية متوسط الحجم ، تحتوي مابين غلافيه مائة وسبع وعشرون صفحة ، افتتح بإهداء جاء فيه : " إلى الصامتين والسائرين في دروب الإبداع بقوة ...
إلى المهمشين في أوطان الثراء الفاحش ...
إلى النائمين في الشوارع ...
إلى البسطاء الذين يعيشون الفقر والقهر ...
إلى الحالمين بغد أفضل ...
أهدي نصوص المسرحية المعنونة ب ( ما وراء الوراء ) ..."
يضم الباب الأول مسرحيتين :
- مسرحية : " ما وراء الوراء " من الصفحة 6 إلى الصفحة 36
- مسرحية : " الخيول البابلية " من الصفحة 37 إلى الصفحة 52
ويضم الفصل الثاني :
- مسرحية : " احتضار سيزيف " من الصفحة 53 إلى الصفحة 91
- مسرحية : " لعبة الحياة " من الصفحة 92 إلى الصفحة 127
دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة هذه ، سنغوص من خلالها في مسرحية " ما وراء الوراء " من الصفحة 6 إلى الصفحة 36 ، النص مسرحي مونودرامي .
ملحوظة : لمسنا تمردا على التجنيس في الكتابة المسرحية عند الأديب مجدالدين سعودي وكذلك نمط كتابة الدراما كما حددناها في المقدمة .
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
2 - الوجه الآخر للكاتب / الوجه المسرحي ( سيرة ذاتية ) :
( أضف أخي سيرتك الذاتية المسرحية ) أنت حر سواء كانت مختصرة أو مطولة / تحياتي
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
3 - الفكرة / الشخصية / الواقعية المتمردة / تجاوز الخطاب النفعي / نموذج مسرحية " ما وراء الوراء " .
√√√√√ الفكرة :
إن الفكرة في الدراما هي ما تحيط بها ألف فكرة وفكرة ، سواء على المستوى الداخلي وكذلك الخارجي ، عادية وغير عادية ، مقبولة أو من الصعب وقبولة إلى غير ذلك من المتناقضات التي تجبر الكاتب وتجعله يقف محتارا ومتسائلا حول (درامته ) والاتجاه الذي يسلكه وكيف يحقق فكرة ( درامته ) . هناك مشاكل تطرح خاصة في الفصل الثالث حيرت كبار كتاب الدراما ، لأنه الفصل الذي يتجسد فيه كل شيء ، ولما تتضمنه النهاية كذلك والحيرة في اختيارها ، فهل ستكون كوميدية أو تراجيدية ، أو مفتوحة أمام الجمهور و المتلقي تفهمها كما تريد ، كما أن هذا الفصل تتحول فيه الكوميديا إلى تراجيديا ، والأحداث المتأزمة إلى حلول سريعة ومفاجئة .
إن الفكرة التي يرغب الكاتب " مجدالدين سعودي " في مسرحيته " ما وراء الوراء " انبثقت بطريقة احترافية ، خرجت من الحقيقة الخام في فكرة بكر ، وقد تكون عاشت معه في الشعور واللاشعور ، هي فكرة اللقطة التي لا تتجاوز الثواني ، لكنها تجر آلاف ابأفكار وتعود بالزمن من جديد . يقول " عبدالكريم برشيد " : " إن الخطاب المسرحي يملك دائما حق تجديد أدواته وتقنياته وذلك استجابة لتغيير البيئات المكانية والزمانية ، واختلاف طبيعة وذهنية أقطاب الخطاب ، وبهذا وجب أن نعيد النظر ليس في المسرح كمسرح ، ولكن في الصيغة التي تسربت إلينا من الغرب ، وهي صيغة لا تخرج عن كونها مجرد اجتهاد فقط ، وهو اجتهاد مرتبط - ليس بنا نخن - ولكن بالآخرين ، وذلك باعتبار أن أهم الثقافات وذهنيات تنتمي لبيئات مكانية وزمانية مغايرة ، ومن هنا وجب أن توضع هذه الصيغة الغربية موضع الشك والتساؤل ...." ( 2 )
لنتأمل منطلق فكرة مسرحية " ما وراء الوراء "( 3) وبعدها نغوص في التحليل .
قطع الديكور والإكسيسوارات : ( - لوحة كبيرة للقمر باللون البني - عوامة عبارة عن مركب صغير يركب فيه البطل حسب تسلسل الإحداث - مشنقة كبيرة تغطي مساحة كبيرة في الخشبة - عصا - عصابة سوداء - ملابس وكتب وجرائد ممزقة - قناع مخيف - مجهر وهمي بحجم كبير - عكازة ) ( ما وراء الوراء ) الصفحة 7 .
نتأمل منطلق الشخصية البطل في مسرحية " ما وراء الوراء " وبعدها نستعد للغوص .
( في بداية المسرحية يكون الممثل مسترخيا ، ثم يبدأ في السير في كل أنحاء الخشبة سيرا بطيئا ، تبدو عليه إمارات الحزن والتعب ، خطواته ثقيلة ، بين الفينة والأخرى يضع يديه على رأسه دلالة على وجود الألم ، يفرك عينيه ليتأكد من وجود النور ، بعد عملية السير المرهقة يجلس داخل العوامة .... ) ( ما وراء الوراء ) الصفحة8.
√√√√√√√ - الإكسيسوارات :
المسرح جزء من الحياة ، وقطعة من الواقع ، لهذا كان طبيعيا أن نجد كل الاكسيسوارات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بحياة الإنسان ، نتائجه ( الاكسيسوارات ) مهمة في المرئيات التي تحمل في طياتها الصورة المسرحية وصدقها ، وهو يسير والفكرة في النهاية بفكرة المسرحية سواء في الثبات أو التحول إلى القبول والاستحسان .
√ - الفكرة :
الحدث في مسرحية " ما وراء الوراء " بدأ صامتا ، أي بدون حوار ، بحركات اليدين والرجلين ، والشعور بالحزن والألم ، واستخدام للشخصية حواس أخرى ، فهذا الحدث الصامت بدون الكلمة أو النص المسرحي ، نجده في كل مكان وفي كل حياة ، لأن كل إنسان ممثل في الحياة وهي المسرح الكبير ، يقول " كارل جروس " في كتابه " ألعاب الشعوب " : " ...لعب الحيوانات كالكلاب والقطط ، بالحجارة والأخشاب ...يمكننا أن نسميه حدثا ، أي الصيد والاصطياد ...نشاط حدثي ملموس كما لو كان مسرحية صامتة التعبير ...." ( 4 )
الفكرة تسير في خط المضمون الدرامي السياسي في الوطن العربي مثل ( كفاح شعب - مسمار جحا - شندواي الحمراء وغيرها ) . تتضمن الفكرة مضمونا سياسيا دراميا تؤثر وتتأثر بالمضمونين الاجتماعي والثقافي .
للأدب الدرامي عموما في الوطن العربي ارتباط كبير بالأرض وما يجري عليها من أحداث وعواصف وكفاح وصراع ، تدفع به إلى الأمام وهو مرتكز على أرض الواقع بأحداثها الكبيرة والصغيرة ، و هو ما يؤدي إلى صدق الفن وشفافية التعبير . والسؤال الذي يطرح نفسه علينا : ما هو وزن واقع الدراما العربية ؟
إن قلة انتشار المسارح حجب عن الجمهور ومتذوقي الثقافة المسرحية ، مما أدى إلى إحباط قوى المحاولات الأدبية التي قد تضيف جديدا للأدب الدرامي العربي ، باستثناء انفلات محاولات " الطيب الصديقي " و " الفريد فرج " ، فهما كافحا في وضع تصورات العودة إلى الأصل بحثا عن الأصالة عن طريق أدب درامي عربي .
تقول الممثلة الأردنية " مجد القصص " في مقالتها المعنونة ب( المونودراما : مسرح الشخص الواحد ) : " فمن خصائص النص الدرامي ، الموضوع : غالبا ما تكون موضوعات المونودراما مؤساوية الطابع ، ناتجة عن تجربة ذاتية مريرة ، هذه المأساوية هي ما يفتح الأسئلة المصيرية الكونية والوجودية . الزمن : يكون الزمن في المونودراما ملحمي البعد ، بمعنى أن يكون متععد المستويات ، ولكن يكون الزمن الحاضر النصيب الأكبر ، ويمكن أن تختلط المستويات دون تسلسل منطقي . المكان : المكان أيضا متعدد المستويات في المونودراما ، حيث تستحضر الشخصية الوحيدة ملامح الأمكنة خلال عملية التداعيات الفكرية . اللغة : تميل اللغة في النص المونودرامي إلى السرد ...." ( 5 )
تتضمن الفكر في مسرحية " ما وراء الوراء " ( برولوغ ) و اثنى عشر موقفا :
1 - فجر
2 - فجر الفجر
3 - ضحك
4 - حراسة
5 - الشهادة والولادة
6 - هيجان
7 - البيان الأول
8 - ثورة
9 - استجواب
10 - عبث
11 - حلم
12 - الرسالة
قبيل ستار النهاية ( ستار النهاية ) الصفخة 35 / ( اليوم أكملت الرسالة ، ورضيت لكم طريقي نبراسا ، اليوم انتهت حياتي ، فلتبتدئ حياتكم ...فلتبتدئ ....فلتبتدئ ....فلتبتدئ ....)
√√√√√√ - الشخصية ( البطل الدرامي / المينودراما ) في مسرحية " ما وراء الوراء " :
منذ بداية تاريخ المسرح والإنسان متجسد فيه ( الشخصية المسرحية ) المرتبطة بأحداث المسرحية . تصبح الشخصية مثيرة إذا كانت ذات طبيعة خاصة أو أو غريبة في أحد أشكال الحياة ، أو هي أحد النماذج في المجتمع ، فهي ( الشخصية ) حاملة لفكر الكاتب الدرامي ، تنوب عنه وعن لسانه . يقول " الدكتور كمال عيد " : " ...البطل الدرامي العصري في حياتنا هذه لا بد وأن تلمس شخصيته عناصر الحرب ، حتى لو كانت حربا ضد تصرفات مجتمع أو سلوك أفراد ...كما أن النشاط الدرامي هو أحد عناصر شخصية البطل الدرامي أيضا ..".(6 )
الشخصة في مسرحية " ما وراء الوراء " هي شخصية مينودرامية أي " تقوم على ممثل واحد يسرد توالي الأحداث عن طريق الحوار ، هو مشهد واحد ونص مسرحي واحد للمثل واحد ، وهو المسؤول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها جنبا إلى جنب ..." ( 7 )
سنقتطف من حوار المواقف ما يقربنا من شخصية البطل ، والذي سوف لن يتعرف الجمهور على اسمه إلا في الجمل الحوارية في آخر الموقف الاثنى عشر ، اسمه " عبدالصبور ".
- عبدالصبور ( برولوغ ) : " هكذا أجلس لأستريح وأطلق ذاتي السجينة ( يبدأ عملية التجذيف ) تسبح ...تسبح ...تسبح ...وأطلق العنان لأفكاري لتمرح ...وتمرح ....وتمرح ....وأسرق لحظات الأفراح ...وأفراح ...وأفراح ...( صمت ) ، لكن أحس بكابوس الأعاصير يطبق علي الخناق ، وبضربات همجية تمطرق وجودي وتعيدني لزمن الولادة والشهادة ...." الصفحة 8
- عبدالصبور في الموقف الأول : " ....أصوات مقيتة ومبهمة تمارس علي هوس الأوامر ...غياب قسري ...تغييب وإرهاب تحت راية الوطن " الصفحة 10
- عبدالصبور في الموقف الثاني : " ... هذه المرة ، قال المطقطق الجديد : ( يا بن الأفعى ، لقد فجرت القمر ؟؟؟ ...لكن أخبرني من أين أتتك القنابل والمدافع ؟ كيف حصلت على الخرائط وتصميم الشوارع والمراكز الحيوية ...لا بد أن لك خطة لتغيير إشارات المرور وأنظمة الوقوف والركوع ...تكلم يابن الأفعى يا مفجر القمر ..." الصفحة 12
- عبدالصبور في الموقف الثالث : " ...( ويغضب موجها الخطاب للمطقطقين ) : أسكروا أيتها النعاج الضالة ، لقد انتهت العوامة ، اغتالها الأعداء والأصدقاء والصدر الذي اتكأنا عليه سابقا ، اغتالها المجاهدون في سبيل السقوط والركوع ، فاشربوا أيتها الحثالة نخب السقوط ..." الصفحة 15
- عبدالصبور في الموقف الرابع : " ....أنا الطفل الهمجي الآتي من أعماق البحر ...من عنبر الصمت المستمر ...من كابوس الحلم القاتل ...من الغوص والتمعن في بحر الديمومة ، أنا البطل الغير متوج ...." الصفحة 16
- عبدالصبور في الموقف الخامس : " ...( صراخ ) ... ولم أشعر إلا والجحيم يطقطقني ، يكسر عظامي ، يسرق روحي ، واشتبكت الطقطقات بالقدقدات والقلقلات لأفقد الوعي لمدة طويلة ...طويلة ....( يمشي كالمعطوب ) ( بصوت منخفض ) طويلة ..." الصفحة 19
- عبدالصبور في الموقف السادس : " ...( يفتح الرسالة ويبدأ في القراءة بصوت متأني ) : الحكاية ياسادة ، حكاية الانتظار الذي تحول إلى اختصار ، حكاية الانظار ، حكاية وجود ذابلة بالاصفرار ، البارحة ، اليوم ، وغدا ، العوامة بقيت كما كانت ، الحركة فيها ماتت ، المحرك معطوب ، ومن يحركه مازال ...( يجسد عملية النوم ) ...والدوامة أخذت العوامة ...( يخبئ الرسالة في مكان آمن ) .... " الصفحة 21
- عبدالصبور في الموقف السابع : " ....يا أنا يا أنتم ، يا من يأكل الذل والبهتان ، يا من يغطى وهو حي بالأكفان ، يامن يباع ويشترى في سوق المزايدة وفي البورصة السوداء ، وسط العواصف الهوجاء ، يا أنا يا أنتم ، كم لعقتم من هم وشربتم من سم ، ونمتم في فراش من دم ....( موسيقى صامتة ) ...." الصفحة 23
- عبدالصبور في الموقف الثامن : " ...( يبحث داخل العوامة عن البيان ثم يبدأ في القراءة ) : أيها الصائمون من طلوع الشمس إلى غروبها ليفطروا بقضيتنا ، نعلم أننا لم نسقط لا زلنا سائرين متحدين الحصار ، سنخرج من ألف حصار وحصار أنبياء نعلم الناس كيف تكتب الضاد المضادة لضاد البلاغة والحشو والمواعظ ..." الصفحة 26
- عبدالصبور في الموقف التاسع :" ...بدأت الطقطقات تطاردني ....تغازلني .....تحاصرني ..." الصفحة 27
- عب.الصبور في الموقف العاشر : " ...نبتدئ دمى ، نكبر دمى ، الحجر لا يقهر ، والصخر لا يقهر ، وبالحجر والصخر نكبر على بلاط الأحزان ، سنتوالد من جديد ، سنتقمص لغة جديدة ، سنقتل فينا كل شيء لنولد من جديد ، سنتقمص لغة جديدة ، سنقتل فينا كل شيء لنولد من جديد ، سنمحي العنتريات من التاريخ المعلب لئلا لا نكون مسيح الجهل فنصلب من طرف أبي جهل ....." الصفحة 29
- عبدالصبور في الموقف الحادي عشر : " ... قال عبدالصبور : ( كنت أعرف يا رفيقي أنني سأموت اليوم أو غدا ، لأن حياتي تضايق المطقطقين والمقدقدين والمقلقلين ، وكما تعلم فالغذر هو سلاح الجبناء ..." الصفحة 31
- عبدالصبور في الموقف الثاني عشر : " ....سأقرأ حكمتك يا عبدالصبور : ( روما العظيمة الجبارة حطمتها شعوب بدائية ....) ..اتظر يا عبدالصبور ...عبدالصبور.. (.تسمع طقطقات ...اغتيال البطل ...تسمع أناته واحتضاره ..." الصفحة 35
تعيش شخصية عبدالصبور المونودرامية نوعين من الصراع ، صراع داخلي بين عبدالصبور الإنسان وعواطفه ونفسه ، حيث تنمو حالة التداعي وتبرز حالة وحدانيته ، وصراع صراع خارجي يتمثل في الصراع بين الإنسان وشخصية أخرى تتجسد في سلطة الحكم والزمن والقدر والوت . تقول مجد القصص :" المونودراما تحتاج إلى كاتب تشغله قضايا ذات أهمية ، يتناولها بعمق ودون تسطيح ، عبر الحدث الدرامي المتنامي ، ومن خلال عملية الكشف الكامنة في الصراع الداخلي التي تعيشه الشخصية ، التي يجب أن تملك ديناميكية على الخشبة ، شخصية غير ساكنة ، شخصية تملك لغتها المسرحية بحيويتها ..." ( 8 )
عبدالصبور المونودرامي يوصل رسالة المسرحية عبر ( الكلام / الإيماءة / الإشادة / حركة الجسد / الصمت / الانفعال الداخلي : الضحك / الحزن ....) . في المغرب يبرز اسم عبدالحق الزروالي ككاتب ومخرج وممثل وحيد فوق خشبة المسرح ، وأسماء عربية أخرى برعت في المونودراما .
جزء كبير من الهوية الثقافية والفكرية والسياسية ل" عبدالصبور " متواجد في قصيدة ( اتجمعوا ) كلمات الراحل ( أحمد فؤاد نجم ) ، نقتطف لكم جزءا من القصيدة :
باسم الإله الشعب
رب المضربين
الصايم
المحروم على مر السنين
يا منشدين الحي
حيوا حينا
واحنا هنا
ع العهد دايما مخلصين
محلا القصايد
في الشدايد ...والغنا
محلا الكلام الحب
أوقات الشفا
احنا اللي تهنا ع الطريق
من بعضنا
متفرقين
والسجن هوا المتقي
آه يارفقة
من متاهات الطريق
لما الليالي
بيتخنق فيها الطريق
يمشي الصديق في الضلمة ......
√√√√√ الواقعية المتمردة :
يعرف التيار الأدبي الواقعي في العالم العربي توسعا منذ أسست لانطلاقته درامات " نعمان عاشور " من خلال مسرحيته ( الناس اللي تحت ) ، فكانت بداية لظهور درامات اجتماعية . تيار الواقعية تقرب كثيرا من واقع المجتمعلات العربية ، فساعد وسهام في معاجة القضايا الحيوية في الأقطار العربية .
الواقعية في مسرحية " ما وراء الوراء " تتغدى على عناصر أدبية واقعية بكل تفاصيلها السياسية والاجتماعية والشعبية ، هذه الشعبية على وجه الخصوص والتي لم تنفصل لحظة عن شخصية " عبدالصبور " ، الشخصية البسيطة والتي أعطت للحظة عبقها الواقعي دون زيف أو زخرفة وفي كل السولوك والتصرفات . المخاطب في مسرحية " ما وراء الوراء " الطبقة الشعبية هذه الطبقة التي ظلت شبه مغيبة في الكتابات الدرامية المغربية ( كتابة التكريس لا كتابة التغيير ) هي مسرحية لإبراز ثقافة شعبية المضمون وشعبية الهدف ، المسرحية هي وسيلة توصلنا إلى غاية ، أي تحطيم النظام الطبقي ، حيث احترام الإنسان ومشاعره وقدراته وحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأنه " يوجد دائما في الأدب وجهة نظر للطبقة ، والمهم هو معرفة ما نوع وجهة النظر هذه ؟ " ( 9 ) ( المرجع ( 8 ) نفسه ) .
اثنى عشر موقفا تضمها المسرحية تحوي كل مفاهيم التمرد والمقاومة القائم بين ( نعم / النعمة ) و ( لا / التي تجلب كل أنواع السخط ، هي ( لا ) التي تعني أن " عبدالصبور " تجاوزت الأشياء عنده حدها ، وأنه لم يعد باستطاعته التحمل والاحتمال ، فهو يرفض ال(نعم ) التي تلغي كل أنواع الصراع الذي يوصل إلى الخلاص والعدل ونيل الحرية ، فحتى لو كلفه ذلك حياته .
عبدالصبور هو رمز للكتابة البديلة والتي مهمتها تفجير كل ما هو سائد ، وبناء رؤيا جديدة في المضمون الفكري والوحي الاجتماعي والتاريخي ، وهي ولادة لجيل جديد غاضب رافض لكل الممارسات اللاديمقراطية السائدة في الواقع الاجتماعي والسياسي والفني ....فكر كتابة بديل يلغي الفئوية والنخبوية في إنتاج مسرح جاد هادف .
√√√√ تجاوز مسرحية " ما وراء الوراء " الخطاب النفعي في المسرح المغربي .
الخطاب النفعي في المسرح يتكيف مع السائد الموجود ، سكونية تعتمد على تكريس ما هو كائن ، والمحافظة على العلاقات السائدة والعقلية المهيمة ، وهي رافد من روافد الفكر المسيطر ، لكي يبقى تكريس النفعية خادما لمصالح أيديولوجية الطبقة المسيطرة ، والتي تتخد من كل الفنون وبخاصة المسرح قناة إعلامية تضمن محافظتها على السيطرة . في خطاب المسرح النفعي نقرأ ونسمع سكونية الإنسان ، أي خطاب يحجب الوعي عن كل سياسي وثقافي . يقول " عبدالرحمن بن زيدان " : " وهذا يدعو إلى اكتشاف ايديولوجية النص المتكررة في الدراما العائلية البورجوازية في مسرحية " العائلة المثقفة " و " بنت الحراز " و " الزوجة الموظفة " ، حيث التمثيل وحده يقوم بالدور الرئيسي في عملة " التواصل " بين المسرح من جهة والأصالة من جهة أخرى . بخطاب يسمم المشاهدة والمشاركة والفعل ". (10 ) ( المرجع ( 2 ) نفسه ) .
ونقتطف شواهد من حوارات المواقف الاثنى عشر عن تجاوز مسرحية " ما وراء الوراء " الخطاب النفعي وهي كما يلي :
- عبدالصبور : " ....قلت للكرسي ، وأنا أتحسس ألم المآسي : أنت يا كرسي الساكن فيه يتعنتر ، وبتفهاهته يتأسطر ...." الصفحة 9
- عبدالصبور : " ...غياب قسري ...تغييب وإرهاب تحت راية الوطن ...." الصفحة 10
عبدالصبور : " ....وفي تعقلنه وصول يوم القيامة ...." الصفحة 13
- عبدالصبور : " ...التفت إلى اليسار ، فرأيت كالعادة شيخا بثياب عصرية من مشايخ البهتان ، يوقع صك الغفران ، لأبي جهل ليعفيه من تهمة الجهل ...." الصفحة 15
- عبدالصبور : " ....أنت مسيج كأن رأسك تنبثق منه القنابل النووية ، ملابسك مسيجة كأن عدوى التمرد تخرج منها ...." الصفحة 17
ونترك للمتلقي اكتشاف الكثير من مفاتيح تجاوز الخطاب النفعي في مسرحية " ما وراء الوراء " لكاتبها " مجدالدين سعودي .
يقول الأديب " كمال عبدالواحد " في دراسة نقدية له ل( ماوراء الوراء ) : " البطل يظهر مكتمل الوعي منذ البداية ويعرف خصومه ( سلطة الجبناء ) ، فإنه ينهي حياة المسرحية بالرسالة أو لنقل تحديد معالم الطريق الأخيرة مستوحيا الخطاب الديني في دلالاته النهائية الختامية ( اليوم أكملت لكم الرسالة ورضيت لكم طريقي نبراسا ) ، هذه الطريق التي تجلي البنية العميقة لخلفية الخطاب بأكمله ، في التقابل المضاد بين عوامل المصادرة والقهر أمام قيم التحرر والفعل الخلاق ، أي فعل الذات وافق حديثها في مواجهة عموامل التدجين والاقبار . إن عنف التخيل وعنف الخطاب يحيل على ذات مبدعة حقا ، تستند إلى رؤية تقدمية إن لم نقل نزعة فلسفية عميقة ، من هنا يأتي - تقديري الكبير - الذي يتمرد على مسألة التجنيس كمعادل جمالي لتمرد موضوعي على تمظهرات الواقع " .( 11)
============ خاتمة =====================
المسرح الواقعي والرمزي يستوحي الأحوال الاجتماعية كقاعدة انطلاق له ، فيستند إليها للارتقاء نحو أفاق شاسعة ، فيوظفها دراميا وفنيا ومسرحيا رغبة في إبداع صورة حقيقية أمينة تعكس بجلاء المجتمع ، وتفضح ما به من زوايا مظلمة . هذا النوع من المسرح ( مسرح التغيير ) يحمل على عاتقه التوعية الاجتماعية في أوسع شموليتها من خلال التعبير عن مشاعر وهموم وآلام ومتاعب الشعب .
يقول " عبدالرحمن بن زيدان " : إن العملية الإبداعية - في مجال المسرح - نابعة من نفس الظروف والمعطيات الاجتماعية والثقافية التي تستمد منها باقي الفنون هواجسها الإبداعية التي تسكنها ، وهي أساس أسئلة تطرح على العالم ، يتلاقى الخلاقون السائرون ، فيؤلفون على تباينهم ..أرضا ...واحدة يتباعدون فيها متجاورون ، ويختلفون مؤتلفين ، متوخين من طموحاتهم تحديد وظيفة الكتابة ومسؤوليتها لإعطاء هوية عميقة لأبعاد المسرح ، حتى تكتمل له مقومات التبلور والرسوخ ، في علاقته بالمعطيات السوسيو ثقافية ، والذاتي والموضوعي . وبالضرورة الاجتماعية التي تحكمه كإنتاج أدبي وواقع أدبي مادي يتحدد بالمجموع التاريخي للممارسات الاجتماعية ، ويدرس في كل مستوياته كأثر معقد لكل تناقضات زمانه . إنه المكان الذي يحل فيه الخيال الأدبي جملة التناقضات الاجتماعية المادية التي لا تجد لها حلا في الأيديولوجية العامة ، أو بتعبير أوضح إنه الفضاء الصراعي الذي تأخذ فيه عدة عناصر لا متجانسة شكلا معينا ، وهو شكل يخفي التناقضات على الرغم من أنها قائمة فيه . فعندما نرجع إلى كل عمل أدبي نجده شكلا لغويا له عدة أبعاد لكنها مرتبطة فيما بينها ارتباطا وثيقا ، فهناك المستوى الصوتي للكلمات والمستوى الدلالي للجمل ووحداته العليا ، ومستوى اللوحات المرئية ومستوى الحقائق المصورة ، ومن ناحية أخرى يجب أن نفرق بين تتابع الأجزاء والبناء المتميز الذي يحتوي عليه العمل المسرحي في مضمونه من البداية إلى النهاية " (12) ( المرجع ( 2 ) نفسه ) .
===================================================================
√√√√√√ هوامش :
1 - النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي وعبير يحيى الخالدي
2 - عبدالرحمن بن زيدان / في المسرح المغربي / منشورات إفريقيا الشرق / 1985 / الصفحة 98
3 - مجدالدين سعودي / كتاب نصوص مسرحية ( ما وراء الوراء )
4 - الدكتور كمال عيد / المسرح بين الفكرة والتجريب / ط1 / الصفحة 90
5 - ويكيبديا
6 - مجد القصص / المونودراما / جريدة الغد الأردنية / 5 كانون الأول 2008
7 - مجد القصص / الممثل : مواجهة عميقة مع دواخل الذات بدون أقنعة / جريدة الغد الأردنية 24 تشرين الثاني 2008 .
8 - نعمان عاشور / مجلة المسرح عدد 55 / يوليو 1968 / الصفحة 18
9 - المرجع 8 نفسه الصفحة 21
10 - المرجع ( 2 ) نفسه / الصفحة 15
11 - مقتطف من دراسة للأديب كمال عبدالواحد لمسرحية " ما وراء الوارء " لمجدالدين سعودي
12 - المرجع (2) نفسه ) الصفحة 8
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق