هنا كنت أجلس طويلا في صباي، و على هذه المائدة بقربي حُلّت مئات من تمارين الرياضيات و الفزياء، و كثير من أفكار الفلسفة و علوم التربية فيما بعد. رأس على المخدة و يد تعبث في الهواء، و أنامل تعزف على الجدار بعضا مما علق في الذاكرة من كلاسيكيات الزمن الجميل، و عين من حين لآخر تسترق النظر من النافذة، يوم كانت قوية قبل أن يشح بصرها و تحجبها النظارات. عمود كهرباء قريب من فرن الحي يسند ظهر كل مرابط في انتظار حمّالة الخبز، في انتظار بسمة أو غمزة من غزال جفنه علم الغزل... شاب الرأس دون أن تشيب ذاكرته التي وثقت سيرة كل تلك الأحداث في زمن لم يوجد فيه شيء اسمه هاتف أو كاميرا تصوير.. أينا أفضل؟ قوم وثقوا سيرة السعادة و الانكسار بحروف ال journal intime و حديث الذكرى، أو جيل التقانة هذا الذي يمتصُّ الحدث بكبسة زر؟ لعل الصور أكثر صدقا، تغني عن النبش في الماضي البعيد و تقتصد كثيرا من الكلام، و لا أروع من تلك الضحكة التي تنطلق عند رؤية الحال قبل أن يغيره المآل في صورة و إن مضى زمانها تبقى لها حلاوتها مهما طافت فوق الرؤوس أكاليل الورد، أو طاشت على الخدود عشرات القلوب، أو مُدّت الشفاه إلى الأمام على طريقة ذلك السيلفي الأنثوي العجيب ...
بقلم يوسف حماد
بقلم يوسف حماد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق