السبت، 5 ديسمبر 2020

د. عز الدين حسين أبو صفية

حنتش بنتش 

كانا يواظبان على الالتقاء في مقهى الانشراح المقام على أطراف الحي السكني الشعبي الذي يقطناه و على بعد مئتي متر تقع مقبرة الحي التي يدفن في مقابرها الموتى من سكان هذا الحي كان كلا من (سعيد و مسعود) بعد عودتهما من أمالهما يتناول كل منهما طعام الغذاء في منزله هو و أفراد اسرته و يرقدا ساعة للاستراحة و من ثم يذهب كل منهما إلى المقهى و يجلسا قبالة بعضهما البعض تتوسطهما طاولة خشبية صغيرة في ساحة المقهى المطلة على البحر الذي لا يبعد عنهما سوى مئة متر يكون الجو بدأت حرارته تنحسر مع اقتراب قرص الشمس من الغروب فتبدأ نسائم الهواء الاتي من الشمال بشكل هادي تداعب بشرتهما فيأخذهما الحماس للاستمرار في اللعب مع النرد و يتحديان بعضهما البعض بالفوز. في الطرف الآخر من الشارع المقابل للمقهى و المواجه للمقبرة يتجمع عشرات من الأولاد و بعض الشباب بعد ساعات الغروب يتوجهون إلى المقبرة يمارسون عادات وألعاب قديمة و يستثيرون الراقدون في القبور من الموتى الذين مضى على موتهم عشرات السنين ظنا منهم بأن الموت عند استثارتهم يقومون من مراقدهم و يغادرون القبور و يهاجمون الاولاد و كانت هذه الأفكار راسخة في اذهان الكثير من الناس و يتبادلون الأحاديث عنها و ينسجون من خيالهم قصصاً خيالية عن الموتى و يطلقون عليهم اسماء غريبة تُثير الخوف والرعب عن الناس وأهم لقب كان يُطلق على الموتى لقب ( القتيل) وهو عبارة عن شبح يتخيلونه يطارد الاولاد في عتمة أزقة الحي، و كانت تدور قصصا كثيرا حول هذه الأحداث غير الحقيقية، و على مدى عشرات السنين استمر الاولاد و الكثير من البنات و بعض الرجال و النساء بممارسة الذهاب إلى المقبرة لاستثارة الموتى بقولهم ( حنتش بنتش و اللي يلحق بنتش) و المقصود بهذه الجملة دعوة الموتى أو بعضهم بالخروج من القبور لمهاجمتهم حيث يهرب الجميع وهم متخيلين بأن الأشباح تطاردهم و يهرب الجميع إلى منازلهم و هم يتصارخون و الكثير من الأولاد و بعض الرجال يصدرون أصواتاً و كأنهم يتعرضون للهجوم و الضرب من قبل الأشباح، ثم في الصباح يمتلئ الحي بالقصص الخيالية وغير الحقيقية عن أحداث الليلة فمنهم من يدعي انه ضُرب من أشباح و اخرين يدعون انه تم حجزهم بجوار القبور و تنتشر الكثير من القصص و الحكايات و يتناولها الكثير من الناس بالجدية أحياناً و بالاستهزاء احيانا أخرى . كان ( سعيد و مسعود ) أثناء لعبهم النرد في المقهى يتناولون بعض هذه القصص و كان (سعيد) ينكر حقيقة أن يكون الموتى يخرجون من قبورهم على شكل أشباح و هذه قصص ينسجها خيال سكان الحي لأسباب عدة تندرج تحت عوامل نفسية أو تربوية محاولة منهم التخفيف من تفكيرهم في ازماتهم الحياتية و البيئية و أبعاد فكرهم عن افكار لها علاقة بالظروف التي عاشوها منذ زمن و فقدوا أعزاءهم و بعض أبنائهم في شجارات أو حروب قديمة قتل خلالها من قتل من الأبناء، كما أن الآباء يحاولون بهذه القصص الحد من خروج الأبناء من منازلهم في ساعات الليل المظلمة خاصة و ان الحي غير مزود بالإنارة و يكون الظلام دامساً خاصة في فترة غياب القمر و بتلك الحكايات يؤثرون على أولادهم فيقنعونهم بتجنب الخروج من البيوت أثناء الليل . قال ( أدهم ) وهو احد الرجال الجالسين على المقهى أن هذه قصص لا ترتبط بحقيقة الأمر لا من قريب و لا بعيد، فتحداه ( همام ) بأن يذهب مع الاولاد المتجهين إلى المقبرة و أن يقوم بدق مسماراً في إحدى القبور و هو بذلك يتحداه بأن الحكايات التي تدور بين الناس عن خروج أشباح القتلى و تهاجم من يستفزهم من الأولاد هي حكايات صحيحة. وافق ( أدهم ) على ان يذهب مع الاولاد المتجهين إلى المقبرة و كان يرتدي عباءته و ساروا جميعاً حتى وصلوا المقبرة و انتشروا بين القبور و اختار ( أدهم ) احد القبور و اخرج من جيبه مسمارا كبيرا و مطرقةً احضرها معه لتثبيت المسمار في جدار القبر حسب اتفاقه مع أصدقائه و بدأ بالطرق على المسمار حتى أنهى تثبيته بالكامل عندما بدأ الجميع يصرخون (حنتش بنتش و الي بلحق بنتش)، و خلال عتمة هذه الليلة و الخوف يزعزع قلوب الجميع بدأوا بالهروب من المقبرة تتجنبا لمهاجمة أشباح الموتى لهم و هم يصرخون بصوت عالٍ والبعض الآخر يصرخ الماً من وهمٍ أصابه بأنه ضرب من أشباح و آخر انه أُمسِك به منهم و كذلك ( أدهم ) الذي قام بدق المسمار و هو يحاول الهروب و كان يصرخ بشكل هستيري و يطلب النجدة ولكن هرب الجميع . و كالعادة في الصباح يدور الحديث بين الناس عن احداث تلك الليلة ويتناولوا في حديثهم أن صراخًا غير عادياً كان يصدر عن ( أدهم ) فظن البعض بأن سبب ذلك بأنه لأول مرة يذهب إلى المقبرة لذلك الهدف و لكن الجميع بدأوا يتساءلون عنه فذهب بعضهم إلى منزله ليسألوا عنه، كان أهل بيته مندهشين من عدم عودته للبيت ولمم يعلموا بأنه كان قد ذهب إلى المقبرة مع الأولاد ، و هنا دار همس بين من ذهبوا لمنزله و اعتقدوا بأنه قد يكون قد تعرض للأذى من الأشباح و على الفور توجهوا إلى المقبرة و أخذوا يبحثون عنه بين القبور فوجدوه ملقى على أحد القبور وقد فارق الحياة؛ ميتا من الخوف لعدم تمكنه من الهروب في تلك الليلة. دهش الجميع و ظنوا بأنه قد يكون بأنه قد أَمسك به احد الأشباح و منعه من المغادرة فكان يصرخ بذاك الصراخ الهستيري و يطلب النجدة و لكنهم جميعاً تفاجأوا بأنه لم يكن ينتبه و هو يثبت المسمار في جدار القبر بأن طرف عباءته كان تحت المسمار فثبتت العباءة بالمسمار بجدار القبر و عندما اطلق الاولاد عبارة (حنتش بنتش اللي بلحق بنتش) حاول الهروب معهم لكنه لم يتمكن بالمطلق فملأه الخوف و الرعب ظننا منه بأن احد أشباح الموتى امسك به فظل يصرخ بشكل جنوني و الخوف يمزق تفكيره و قلبه الذي خلال ساعة من الصراخ و الخوف قد توقف قلبه ومات .



د. عز الدين حسين أبو صفية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق