الجمعة، 18 ديسمبر 2020

بقلم عمر الاشقر

 لعنة الشغور  ،  وقلق الفراغ  في الأعوام والشهور  !


من المقولات الفلسفية القديمة التي ترجع إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو :" الطبيعة تخشى الفراغ " .

ومعنى هذه المقولة التى نطق بها أرسطو في إطار البحث عن سر الحركة في الكون ، أن الفراغ مرفوض من الطبيعة ، وكل مكان فارغ فيها يسارع الهواء لشغله ، وهو ما يترتب عليه دفع المقذوف إلى الأمام إلى حين عودته إلى أصله .

هذا هو الفراغ في المفهوم الكوسمولوجي القديم ، والذي بهمني في هذا النص هو الفراغ في مفهومه الإنساني والاجتماعي ، الذي يعني غياب كل المشاغل الإيجابية ، وكل الالتزامات والاهتمامات ، وكل أنواع العمل الشريف ، لدى الإنسان .

هذا الإنسان الذي يجد نفسه في مواجهة الفراغ بكل بشاعته وفظاعته وقساوته .

تفنى لحظاته ، وتتوالى أيامه في سديم من الفراغ القاتم مجهول النهاية ...

يعاني كل أوجاع التخثر والجمود ، والتحجر والخمود .

الفراغ طاحونة تطحن بلا رفق ولا توقف .

تطحن الإنسان دقيقا تنثره ريح اليأس في كل عوالم الفساد والضياع .

في الفراغ قلق ، وألم ، ووجع ، وعذاب ، ويأس ...

في الفراغ تختمر جراثيم التلاشي والفناء ، وتتكاثر طفيليات المآسي والبلاء ، وتتدافع أسباب العذاب والشقاء ...

في الفراغ يتعفن الإنسان ، ينتن ، يفسد ، يتسخ ..

وبما أن الطبيعة تخشى الفراغ ، وتمقته ، وتكرهه ، فإن كل فراغ لا بد أن يمتلىء ، ولا يمتلىء غالبا إلا بما هو سلبي حتى عد الفراغ في علم الاجتماع السبب الأول من أسباب الانحراف بكل صوره ومظاهره .

مع الفراغ تظهر كل السلوكات السلبية من إجرام وتسكع ودعارة ومخدرات ...

في الفراغ تزول حجب عالم الشر :

يظهر الجنون في صورته الحقيقية ، وتظهر الأرواح الشريرة في غاية الروعة والسناء والبهاء ..

يظهر الشيطان متجليا في أبهى صوره يملي على الإنسان ما يفعل لملء الفراغ .

ينصحه ، يرافقه ، يشجعه ، يرشده ، يصاحبه ...

الفراغ أبو الآفات والشرور والكوارث .

على الإنسان أن يتعقل في مواجهة الفراغ ، عليه أن يحاكي الطبيعة في مصارعة الفراغ ، عليه أن يتجنب عوالم الفراغ ، ويشتغل بما ينجيه من الإحساس بالفراغ .

إن الفراغ المستمر أشد إرهاقا للنفس من العمل المستمر .

كل ما في الكون يتحرك ... وكل ما في الكون يخشى الفراغ ... ولا شيء أشد على الإنسان من الفراغ في كل مراحل العمر ، وخصوصا في مرحلة الشباب !!!

الفراغ في مرحلة الشباب كارثة مدمرة ، يفقد بها الشاب كل معاني الحياة والوجود ، ويكره بها نفسه والعالم والزمان والمكان والممكن والمستحيل والموجود ...

جنبوا للشباب الفراغ !

لقحوهم ضد الفراغ !

ساعدوهم على ملء الفراغ بما يفيد !

ولا تتركوهم لفساد الفراغ وتعفنه ... 

لقد أهملنا الطفولة والشباب ، وأهملنا التربية والتدريس والتكوين ، وأهملنا التوعية والتحسيس بأهمية الفن والثقافة والرياضة ، وأهملنا المصاحبة النفسية والاجتماعية للشباب ، فكان الفراغ ... ومع الفراغ نشأت الكوارث !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق