لعنة الشغور ، وقلق الفراغ في الأعوام والشهور !
من المقولات الفلسفية القديمة التي ترجع إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو :" الطبيعة تخشى الفراغ " .
ومعنى هذه المقولة التى نطق بها أرسطو في إطار البحث عن سر الحركة في الكون ، أن الفراغ مرفوض من الطبيعة ، وكل مكان فارغ فيها يسارع الهواء لشغله ، وهو ما يترتب عليه دفع المقذوف إلى الأمام إلى حين عودته إلى أصله .
هذا هو الفراغ في المفهوم الكوسمولوجي القديم ، والذي بهمني في هذا النص هو الفراغ في مفهومه الإنساني والاجتماعي ، الذي يعني غياب كل المشاغل الإيجابية ، وكل الالتزامات والاهتمامات ، وكل أنواع العمل الشريف ، لدى الإنسان .
هذا الإنسان الذي يجد نفسه في مواجهة الفراغ بكل بشاعته وفظاعته وقساوته .
تفنى لحظاته ، وتتوالى أيامه في سديم من الفراغ القاتم مجهول النهاية ...
يعاني كل أوجاع التخثر والجمود ، والتحجر والخمود .
الفراغ طاحونة تطحن بلا رفق ولا توقف .
تطحن الإنسان دقيقا تنثره ريح اليأس في كل عوالم الفساد والضياع .
في الفراغ قلق ، وألم ، ووجع ، وعذاب ، ويأس ...
في الفراغ تختمر جراثيم التلاشي والفناء ، وتتكاثر طفيليات المآسي والبلاء ، وتتدافع أسباب العذاب والشقاء ...
في الفراغ يتعفن الإنسان ، ينتن ، يفسد ، يتسخ ..
وبما أن الطبيعة تخشى الفراغ ، وتمقته ، وتكرهه ، فإن كل فراغ لا بد أن يمتلىء ، ولا يمتلىء غالبا إلا بما هو سلبي حتى عد الفراغ في علم الاجتماع السبب الأول من أسباب الانحراف بكل صوره ومظاهره .
مع الفراغ تظهر كل السلوكات السلبية من إجرام وتسكع ودعارة ومخدرات ...
في الفراغ تزول حجب عالم الشر :
يظهر الجنون في صورته الحقيقية ، وتظهر الأرواح الشريرة في غاية الروعة والسناء والبهاء ..
يظهر الشيطان متجليا في أبهى صوره يملي على الإنسان ما يفعل لملء الفراغ .
ينصحه ، يرافقه ، يشجعه ، يرشده ، يصاحبه ...
الفراغ أبو الآفات والشرور والكوارث .
على الإنسان أن يتعقل في مواجهة الفراغ ، عليه أن يحاكي الطبيعة في مصارعة الفراغ ، عليه أن يتجنب عوالم الفراغ ، ويشتغل بما ينجيه من الإحساس بالفراغ .
إن الفراغ المستمر أشد إرهاقا للنفس من العمل المستمر .
كل ما في الكون يتحرك ... وكل ما في الكون يخشى الفراغ ... ولا شيء أشد على الإنسان من الفراغ في كل مراحل العمر ، وخصوصا في مرحلة الشباب !!!
الفراغ في مرحلة الشباب كارثة مدمرة ، يفقد بها الشاب كل معاني الحياة والوجود ، ويكره بها نفسه والعالم والزمان والمكان والممكن والمستحيل والموجود ...
جنبوا للشباب الفراغ !
لقحوهم ضد الفراغ !
ساعدوهم على ملء الفراغ بما يفيد !
ولا تتركوهم لفساد الفراغ وتعفنه ...
لقد أهملنا الطفولة والشباب ، وأهملنا التربية والتدريس والتكوين ، وأهملنا التوعية والتحسيس بأهمية الفن والثقافة والرياضة ، وأهملنا المصاحبة النفسية والاجتماعية للشباب ، فكان الفراغ ... ومع الفراغ نشأت الكوارث !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق