الاثنين، 7 ديسمبر 2020

بقلم علي سعيد ..

 .

                      هكذا تكلم رفعت سلام


رفعت سلام:المثقفون بدأوا ضد المؤسسة وانتهوا في حضنها

لم تكن الدعوة لاستضافته من قبل المركز العالمي للشعر في فرنسا مجرد احتفاء ذي طابع فولكلوري بشاعر تصادف أنه ينتمي للآخر العربي الذي تشتم في مفرداته رائحة شرق التكايا والسبايا والبخور قدر ما كانت تكريماً من عشاق رامبو لصاحب الإشراقات العربية التي كانت نافذة تقافزت منها أجيال الحداثة الشعرية وسماء تماوج في خضمها شعراء قصيدة النثر بكل نزعاتهم الثورية واندفاعاتهم الراديكالية لإطاحة موروث شعري دارج ومتجمد، صورة ومفردة وإيقاع حياة.


إن رفعت سلام الذي صادته الدعوة دون غيره من شعراء القصيدة العربية الحديثة لم يكتف بدوره كرائد سبعيني لقصيدة النثر المصرية، بدءا من ديوان "إنها تومئ لي" و هكذا قلت للهاوية وانتهاء بديوانه الأخير كأنها نهاية الأرض بل امتدت إسهاماته لحقل الترجمة فكان المترجم الفذ لأهم مآثر ماياكوفسكي وريتسوس .


وقسطنطين كفافيس فضلا عن نجاحه في تقديم نفسه كواحد من المثقفين القلائل الذين امتلكوا رؤية تنظيرية متكاملة للواقع العربي سياسياً وفكرياً وهو ما تبدى على اتساعه في كتابه "بحثاً عن التراث العربي" الذي صدر في أكثر من طبعة بين القاهرة وبيروت.


وفي حوار خص به "البيان" قبيل سفره لباريس بأيام بدا الشاعر المصري رفعت سلام محتفظاً براديكاليته فأكد أن أحمد عبدالمعطي حجازي توفي شعرياً برحيل عبدالناصر وتحديداً بعد "مرثية للعمر الجميل" .


وأن محمود درويش لم يكتب ــ بعد "مديح الظل العالي" - ما يستحق أن يقرأ معتبراً أن الدولة المصرية نجحت في تدجين جابر عصفور والشاعر حلمي سالم بكراسي سلطوية زائفة في المجلس الأعلى ولجنة الشعر معرباً عن أسفه لتسول أسماء روائية كبيرة ترجمت أعمالها إلى الفرنسية.


قلنا لرفعت سلام:


٭ كيف تقرأ المشهد الشعري العربي الآن؟


ــ ليس هناك مشهد شعري عربي واحد.. هناك مجموعة من المشاهد الشعرية العربية فكيف يمكن ـ مثلا ـ أن تضع الجزائر حيث السيادة للقصيدة العمودية إزاء ما أعرفه عن التجربة الشعرية في البحرين التي تتصدر الحداثة العربية في الشعر وبين هذين النموذجين لا ندري شيئا عما يحدث في ليبيا حيث لا توجد إلا حالات فردية لا تصف مشهدا.


لذا فليس أمامنا إلا الحديث الحذر عن ملامح عامة ففي بعض المناطق هناك سيادة للقصيدة العمودية وهناك هيمنة للقصيدة الحداثية في بعض المناطق العربية أو في المهجر الشعري وفي إطارها يختلط الحابل بالنابل.


لست منزعجا تماما من اختلاط الحابل بالنابل في القصيدة الحداثية فالزمن ـ وأنا أعول عليه كثيرا في تنقية الحركات الإبداعية عموما ـ كفيل بأن يفصل الحابل عن النابل.


وهنا لابد من ملاحظة أن ما يسمى بجيل الرواد لم يعد قائما شعريا حتى وإن كان بعضهم قائما جسديا أو صحفيا في هذا الموقع أو ذاك، أما الجيل الثاني فتقديري أنه لم يبق منه سوى سعدي يوسف كشاعر حي يعمق تجربته الشعرية.


أما بقية أجيال ما قبل السبعينات فقد أصبحوا في ذمة التاريخ النقدي. أما جيل السبعينيين فلا يزال في صدارة ليس فقط المشهد الشعري بل والكراسي الشعرية فيصح استخدامهم بين حين وآخر على حسب الوظيفة أو الكرسي.


٭ هل أصبحوا مثقفي سلطة؟


ــ هم كذلك إذا تحدثت عن مصر ولك أن تتأمل علاقة أي منهم بالمؤسسة الرسمية هذه أو تلك، بدأوا ضد المؤسسة وانتهوا في حضنها، بدأوا في مجلة "إضاءة" المستقلة عن المؤسسة بل والخارجة عليها أما الآن فمن منهم ليس عضوا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة؟!


من منهم لا ينشر في "مكتبة الأسرة"؟! من منهم لا يسعى لتوطيد صلته بصاحب هذا الكرسي أو ذاك؟!


٭ استوقفتني مقولة »اختلاط الحابل بالنابل« هل نطمع في تعريف إجرائي للحابل والنابل»؟


ــ كل ما هو شعري يستعصي على التعريف وبالتالي ليس علينا سوى الاعتماد على استيعابنا النقدي لحركة الشعر العربي للتمييز بين القصيدة وما يمكن أن يكون خاطرة تنطوي على شئ من الاستسهال ورغبة البعض في أن يصبح شاعرا .


وهو ما حدث حتى في زمن القصيدة التفعيلية فمع صلاح عبدالصبور وحجازي تلمح أكثر من ثلاثين اسما وكل منهم يعتقد أنه الشاعر الأوحد وأصدروا دواوين ودخلوا في دراسات نقدية لكن من الذي تبقى منهم؟.


بالنسبة لجيلنا كان هناك ما يقرب من خمسة وعشرين اسما.. أين هم الآن؟ البعض كف عن الكتابة أصلا والبعض قدم ديوانه الأول ولم يجد جديدا يضيفه إليه والبعض سافر بلا عودة ولم يبق سوى الآحاد.


٭ إذا كان بالإمكان في ظل سيطرة التفعيلة التماس أو معيار ما للحديث عن شعرية مثل الالتزام بالوزن أو التفعيلة فماذا عن قصيدة النثر؟


ـ الالتزام بالتفعيلة لم ينقذ القصيدة الحرة من غثاء كثير سيطر في تلك الحقبة ولم تنج منه إلا أسماء قليلة تستحق أن تتوقف عندها الذاكرة العربية شعريا وبالنسبة لقصيدة النثر المسألة أصعب فلربما منع الالتزام بالتفعيلة أسماء إضافية من الولوج إلى الساحة حينذاك أما الآن فليس هناك ما يمنع حيث تحررت القصيدة تماما من شروط خارجية .


وأصبح على الشاعر أن يثبت شاعريته دون الالتزام بأي شروط من خارج القصيدة وهو مكسب انتزعه الشعراء العرب من أنياب الأسد وفي كل الأحوال أحسب أننا لسنا في عجلة للقول إن هذا شاعر وهذا ليس بشاعر فالزمن .


ــ كما أتصور ـ كفيل بكشف الغث والثمين وأنا أرى مقالات نقدية كثيرة بعضها لأقلام كبيرة ومشهورة تتعامل مع بعض الكتابات باعتبارها قمة الحداثة الشعرية وهي ليست كذلك ويبدو أن الفساد الذي ضرب مؤسسات المال والسياسة تخلل الكتابات النقدية أيضا.


٭ حدثنا عن شعراء أو نماذج شعرية نثرية تعجبك.


ــ من الأجانب تعجبني »إشراقات رامبو« و»فصل في الجحيم« وليس قصائده الأخرى لأنها موزونة، وعلى الصعيد الشعري في الوطن العربي هناك سعدي يوسف وبعض الأعمال الشعرية لأدونيس .


وهناك كتابات محمد بنيس، المهدي بالخير، محمد بنطلحة، أمجد ناصر، قاسم حداد، عباس بيضون أما في مصر فقصيدة النثر لها إشكالية خاصة فقد بدأ انتشار قصيدة النثر في العالم العربي من عام 1958 .


وفي ذلك الوقت كان صلاح عبد الصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وغيرهما يقاتلون من أجل انتزاع الشرعية لقصيدة التفعيلة وفي عام 1962 أصدرت لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة بيانا يكفر فيه شعراء قصيدة التفعيلة حمل توقيع أسماء كبيرة منها الدكتور شوقي ضيف.


وظلت الحرب شرسة ضد التفعيلة إلى أن اضطر الجميع للاعتراف بها في منتصف السبعينات في الوقت الذي كانت فيه قصيدة النثر تكتب وتنشر خصوصا في مجلة الشعر التي هي أول من عرف بكتاب سوزان برنار »قصيدة النثر« التي استندت اليه أيضا مقالات أنسي الحاج وأدونيس، سواء اعترفا بذلك أو لم يعترفا.


بينما كنا في مصر أسرى حرب التكفير ضد قصيدة التفعيلة. أدونيس لم يدخل مصر شاعرا إلا على يد جيل السبعينات اعترف بذلك أو لم يعترف، بعد أن كثرت الكتابات في الثمانينات على أنه رائد شعري مهم، استفدنا من تجربته في البداية. وأصبح معترفا به كقامة شعرية.


في مواجهة تفعيلية صلاح عبدالصبور وحجازي اللذين مثلا السطوة المصرية التي تتعدى محاولة التأثير السياسي في المنطقة إلى الرغبة في التأثير حتى في الأدب والإبداع وذلك عبر المجلس الأعلى للثقافة والسماح بتسنم الشعراء الرواد كراسي ثقافية معينة.


ولم يحتل صلاح عبدالصبور موقعه كرئيس للهيئة العامة للكتاب إلا بعد الاعتراف به كشاعر أول بما يعني رضا الدولة عن قصيدة التفعيلة الأمر الذي تبدى في السماح له بتأسيس مجلة للشعر عام 1971 صدر منها عدد واحد فقط فكيف يمكنك .


وسط كل هذا المناخ المتحفظ أن تطرح قصيدة النثر في ظل دولة شرسة لا تعترف بك ولا تسحب تحفظاتها عليك إلا إذا اكتملت حركتك الشعرية وأصبحت أمرا واقعا وضاغطا وهو ما حدث مع جيلي في عام 1984 عندما سمح لنا لأول مرة بإلقاء الشعر في معرض القاهرة الدولي.


٭ أي أن الاعتراف بقصيدة النثر تأخر إلى منتصف الثمانينات.


ــ لم يكن السماح لنا بإلقاء الشعر في معرض القاهرة للكتاب اعترافاً بقصيدة النثر بقدر ما كان اعترافا بحق السبعينيين في طرح أنفسهم كشعراء وكان أغلب أبناء جيلي في ذلك الوقت يكتبون القصيدة العمودية بمختلف أشكالها بما في ذلك شكل التدوير التفعيلي الذي أنتجه شعراء الجيل الثاني من شعراء التفعيلة مثل حسب الشيخ جعفر .


وسعدي يوسف وأمل دنقل. لقد تأجل الاعتراف بقصيدة النثر إلى اليوم وأذكر أنه منذ خمس أو ست سنوات، وتحديدا بعد ظهور الترجمة الكاملة لكتاب "قصيدة النثر" قابلت الدكتور جابر عصفور الذي أبدى اهتمامه بالكتاب.


وقلت له إن قصيدة النثر مظلومة وتستحق مؤتمرا فكلفني بإعداد مشروع المؤتمر ومحاوره فوافق عليه وأحاله لمساعده للتنفيذ وعندما علمت لجنة الشعر بهذا المشروع أقامت الدنيا ولم تقعدها إلى حد أن شعراء من جيلنا محسوبون على قصيدة النثر قاتلوا بالمخلب .


والناب ضد هذا المؤتمر خصوصا حلمي سالم الذي طاب له في هذه اللحظة بالتحديد أن يتحدث من منطلق كرسيه في لجنة الشعر متسائلا: كيف يتقدم رفعت سلام بمشروع المؤتمر وهو ليس عضوا بلجنة الشعر؟!


٭ من وجهة نظرك لماذا لم يتطور النقد العربي ليواكب تطور القصيدة العربية؟


ــ النقد العربي منذ الخمسينات يتكئ على النقل وليس العقل، على تطبيق النظريات الغربية القادمة إلينا من الغرب دون محاولة إبداع نقدي يوازي هذا الذي جرى للقصيدة العربية وليس كل ما يرد إلينا من الغرب صالحا للتطبيق بحذافيره فمن المؤكد أن هناك خصوصية للتطور الشعري العربي.


وأذكر أن شاعرا فرنسيا كبيرا طلب مني ذات مرة ترجمة قصيدة صغيرة لنشرها هناك فاخترت قصيدة دون أن أنتبه إلى أنها تتكئ ـــ في جملة منها ـــ على نص قرآني فلم يستطع استيعابها حتى بعد أن كتبنا له هامشا مطولا لتوضيحها فلم يستطع.. نحن أبناء تراث مختلف..


في حقبة ما هيمن النقاد علينا باستخدام المفاهيم البنيوية حتى دون استيعابها وامتلأت المقالات بالمثلثات والمربعات والدوائر حتى إنني كان يستعصي علي استكمال قراءة حتى بعض ما كتب عني.


٭ »أيها المترجم.. أيها الخائن« عبارة تتردد كثيرا.. هل ترى أن الترجمة خيانة؟


ــ هي جملة إنشائية ذات أصل إيطالي وتضم كلمتين تنطويان على درجة عالية من الجناس ما سهل ترديدها .


ومن ثم انتشارها أما في واقع الأمر فالمترجم هو الجندي المجهول في الثقافة العربية وما من مترجم عربي أخذ حقه في الإنصاف حتى الآن فلقد قرأنا الإلياذة والأوديسا والأرض الخراب والفردوس المفقود وترجمات دانتي ونيرودا وغيرهما على أيدي هؤلاء الجنود المجهولين.


أما الخيانة في الترجمة فتتوقف على المترجم نفسه وخلفيته المعرفية فمثلا عندما ترجم نعيم عطية وهو أستاذ متخصص في اليونانية ديوان شاعر الاسكندرية العظيم قسطنطين كفافيس إلى العربية ألبسه ثوبا دينيا بينما يعرف القاصي والداني أن كفافيس ملحد.


٭ لكن هل خصم رفعت سلام المترجم من رصيده كشاعر؟


ــ لا بل على العكس استفاد رفعت سلام الشاعر من عمله كمترجم فحين تعمل عند شاعر كبير مثل »مياكوفسكي« في ديوانه »غيمة في بنطلون« فأنت تتعلم منه الكثير، كيف يشدك؟ كيف يدهشك؟.


كما تتعلم منه التواضع فأنت تراه عملاقا وسط مملكة شادها بشاعريته الفذة، كما أتعلم من العمل على نص متعدد الأوجه، فأنت تترجم السطر الشعري الواحد بأكثر من طريقة وبأكثر من مستوى للتذوق بينما يكون المستوى الواحد فقط من نصيب القارئ.


٭ دائما ما ينقلب رموز التمرد في الشعر العربي من الراديكالية إلى التجمد كما في حالة محمود درويش وحجازي اللذين أخذا يهاجمان القصيدة الجديدة.. كيف ترى الأمر؟


ــ هذه مسألة فطرية تماما مصدرها إحساس الشاعر الرائد بأن جيلا جديدا بدأ يزيحه والواقع أن حجازي انتهى شعريا بوفاة عبدالناصر وتحديدا بعد »مرثية للعمر الجميل« أما درويش فقد انتهى كشاعر تقريبا بعد »مديح الظل العالي« التي كتبها بعد خروج عرفات من بيروت. لقد تماهى كل منهما في قضية بعينها بل وزعيم بذاته .


وانتهيا بانتهائه وكما انتهى حجازي بموت عبدالناصر انتهى درويش بأوسلو ثم موت عرفات. أنا مثلا استمعت لدرويش منذ عامين في ندوة بالقاهرة فوجدته باهتا يقرأ قصائد أكثر من عادية لو ألقاها شاعر آخر ما تكلف أحد عناء الاستماع إليه.


٭ هل تأتي دعوتك إلى فرنسا في إطار احترامهم العميق لأدبنا وشعرنا أم تراهم ينظرون لنا كمجرد فولكلور؟!


ــ تجربتي الشخصية تقول إنهم يكنون احتراما عميقا لمصر التاريخية وليس مصر الراهنة، هذا الثقل الحضاري لم يستطع الواقع الراهن بكل مساوئه أن يطمسه لديهم وبالتالي إذا ما كنت منتبها لقواعد التعامل البسيطة سيحترمونك كمصري وليس كفولكلور وسيأخذونك مأخذ الجد إلى أن تنطق فيرون كلامك شعرا أم هراء.


هؤلاء الناس لم يوجهوا إلى هذه الدعوة إلا لأنني أقمت أمسية شعرية في ديسمبر الماضي ورأوا كيف استقبلني الجمهور وكيف قدمني واحد من أكبر شعراء فرنسا تقديما لم أسمعه هنا في بلدي باللغة العربية .




وبالتالي قدموا لي هذا العرض شفاهة في مواجهة بعض الكتاب العرب الذين يقدمون أنفسهم كفولكلور يوقظون لدى الآخر هذه النظرة الاستعلائية هل من اللائق أن أقول لك إن بعض الكتاب ذهبوا إلى فرنسا بحثا عن النساء.


والمخدرات وبعضهم يستقبل المترجمين الفرنسيين هنا في المطار ويحمل لهم شنطهم لعله بذلك يغريهم بترجمة أعماله للغة الفرنسية.


٭ يتهم البعض مشروعك بالاستغلاق أحيانا.. ما تعقيبك؟


ــ هناك احتمال لأن يكون ذلك صحيحا ففي بعض الأعمال كنت أحاول أن أتخطى هيمنة الأحادية العربية بنوع من التعددية الداخلية... تعددية الأصوات بمعنى محاولة الحيلولة دون احتكار صوت .


وبعد وإيقاع واحد للقصيدة والسماح بتحاور عدد من الأصوات ابتداء من قصيدة »تنحدر صخور الوقت« في ديواني الأول »وردة الفوضى الجميلة« انتهاء بالديوان الأخير »كأنها نهاية الأرض« وهذا النوع من التركيب ربما يكون هو السبب في تبدي حالة من الاستغلاق.


٭ لكن هل يتماس حرصك على تحاور وتعدد الأصوات مع شعور ما بانشطار الذات؟


ــ ليست قضية انشطار قدر ما أنها قضية تعدد الذات التي لا يمكن أن تكون واحدة فأنت تحمل في ذاتك الحضارية أكثر من أنا وأكثر من هوية بحكم الانتماء لحضارات وثقافات متعددة فأنت تنتمي لصوت الفلاح الفصيح .


وصوت المؤذن وأجراس الكنائس وذلك الهروب في حارات القاهرة أمام المماليك ورأس طومان باي المعلق على باب زويلة ودماء سالت أمام جامعة القاهرة وأشعار نيرودا التي تفتتح بأن »الدماء تسيل في الشوارع« ومصرع الليندي في شيلي .


وأحيانا صراخ ماياكوفسكي أمام بوابات الكرملين وطابور المنفيين وأحدهم ديستوفيسكي إلى سيبريا. إنك لا تستطيع أن تنفصل لا عن تواريخك ولا أزمنتك فيخرج منك هذا الكائن المركب والمتعدد.


٭ لكن الغرب يترجم الآن نصوصا لشعراء وكتاب هم أقرب إلى الفولكلور كسعدني السلاموني مثلا.


ــ الأخبار التي تشيع لدينا عن الترجمة زائفة والكتاب هم مصدرها الرئيسي، كما أن أغلب الأعمال التي ترجمت لا توزع في فرنسا إلا بنسخ محدودة ورأيت ندوات لبعض هؤلاء لم يكن الجمهور يزيد فيها عن أربعة أو خمسة أشخاص من الفضوليين هناك نظام طبعة محدودة للاختبار فإذا ما نجح.


وتلقفته الأيدي يبدأ التفكير في الطبعة الشعبية التي توزع مع باعة الصحف في إطار كتاب الجيب وهذه الطبعة لم يصل إليها من الأدباء العرب إلا نجيب محفوظ.


٭ لكن إذا كان محفوظ هو أبرز الروائيين العرب الذين ترجموا إلى الفرنسية فماذا عن الشعراء؟


ــ أدونيس هو الشاعر العربي الوحيد الذي ترجم إلى الفرنسية بشكل واسع ولذلك يتصاعد حلمه سنويا بالفوز بجائزة نوبل.


٭ هل يستحق نوبل باعتقادك؟


ــ حصل عليها شعراء أقل قامة منه شعريا خصوصا هؤلاء الذين ينتمون لدول ما كان يسمى بأوروبا الشرقية رغم أنهم يعبرون عن لغات محدودة الانتشار لا يستخدمها أكثر من 30 مليونا.. أما أدونيس فهو شاعر كبير يمثل لغة واسعة الانتشار وهو مؤهل بلا شك.


٭ هل تتفق مع مقولة انتهاء عصر الشعر وأننا نحيا عصر الرواية؟


ــ رداً على هذه المقولة الاستبساطية كتبت مقالا في جريدة العربي بعنوان »ليس زمن الرواية ولا الشعر..


إنه زمن عمرو دياب« وهو مقال كان بداية لخلافاتي مع جابر عصفور فلقد رأيت في الكتاب استخفافا بالكثير من القيم والقارئ فهو لا يبرهن على مقولته بأن الزمن زمن الرواية إلا بالإدعاء بأن جوائز نوبل منحت لروائيين أكثر مما منحت لشعراء فأحضرت ثبتا بمن فازوا بالجائزة فوجدت أن الأمر ليس كذلك.


كما أنه إذا كان الانتشار هو المقياس فإن الأديبين الأكثر توزيعا في العالم العربي هما نزار قباني ومحمود درويش وهما شاعران. أما البرهان الثاني الذي قدمه فيزعم أن الترجمات الأوروبية للأدب العربي تركز على الرواية وليس الشعر .


وهذا كلام مرسل فبوصفي مترجما أعرف أن ترجمة القصة أسهل من ترجمة الشعر كما أنني بحثت في الأسماء الأكثر ترجمة فوجدت أن أكثر من ترجم له هو السيدة أليفة رفعت التي لا يعرفها أحد.


والثانية هي نوال السعداوي التي يهتم الغربيون بترجمتها لأنها تتحدث عن الختان وليس نجيب محفوظ ولا صنع الله ابراهيم ولا غيرهما من أفذاذ الرواية فهل هذا يصلح كمقدمات يمكن أن تستند إليها لإصدار حكم واستخلاص نتائج جادة.


         القاهرة ــ علي سعيد

      البيان / 23.10.2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق