.. من ينعي من !؟
. وداعا صلاح
قد تأتي الكلمات مرتبة، ونعتقد أنها عادية ولا نوليها اهتماما؛ وقد تستقر في العقل الباطني مهملة لا تحدث فينا أثرا، فننساها أو نتجاهلها
وما أن يوقظها الراكد من إحساسنا المتبقي؛ تهتز مشاعرنا وتنتفظ أجسادنا ذعرا، وتشخص أبصارنا، ويعترينا الصمت المفاجئ، فلا نقوى على الكلام
نستمع حينها إلى الصوت المخبوء في دواخلنا بكثير من الدهشة والانفعال .
كم هي الكلمات المؤثرة والمجلجة التي لا نعيرها اهتماما؛ ذات الحكمة البالغة؛ والتي لا نرد لها بالا، فنمر عليها مر العابثين، ممن انغمسوا في متاهات الحياة، فأخذتهم الدنيا بزينتها وملذاتها
فيكون الموت المفاجئ الذي يمشي بيننا مختالا فيؤزنا أزا، قد نشعر به، وأحيانا نراه في أحبة لنا، فننعيهم بجميل العبارات، فنذرف على رحيلهم دموعا، ونشيعهم بالدعاء، وقلوبنا منفطرة، وبمشاعر ممزقة، فنصلي من أجلهم، ولحظتها ننسى ما يربطنا بالعالم الخارجي، فنتذكر عالمنا الأبدي، وننفر من دنيا فانية.
في اللحظات العصيبة يتذكر الإنسان وأنا له الذكرى؛
وقال تعالى: (ويسألونك عن الساعة أيان مرساها، فيما أنت من ذكرها،إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها، كأنهم يوم يوم يرونها لم يلبثوا فيها إلا عشية أو ضحاها) .
نقف على ما ورد كلما قرأنا في كتاب الله من حزب النبأ؛ فتأخذنا غفوة النسيان، فنتيه في كبد وشضف العيش؛
ونعتقد أننا مخلدون، ولن يقدر علينا أحد، أو لم يرنا أحد،
ويقول الله تعالى: ( لا أقسم بهذا البلدوأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه يقول اهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره احد الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديانه النجدين فلا اقتحم العقبه وما غدراك ما العقبة ..)
تسرق الحياة من أجمل الأشياء؛ الشباب، والصحة، والعمر؛ وتأخذ منا ما نحب؛ ولدا ووالدا، وجارا وصديقا، وحبيبا عزيزا،
فلا يبقى من ذكراهم غير بضع كلمات، أو بعض مواقف،
وها هي كلمة بعضهم تغوص في عمق ذاتي، فتحدث بها أثرا بل جرحا غائرا..
قالها صلاح الدين الغماري؛ الذي دخل بيوت الناس وسكن قلوبهم؛ فأحبوه وأصبح واحدا منهم وكسب صداقتهم وحبهم وتجاوزت سمعته حدود المكان.
ردد كلماته المشجعة والمحفزة في ظل الجائحة ومن أجل تجاوز أزمتها، وكان دعاؤه كل مساء؛ اللهم ارفع عن عبادك الوباء وارزق العباد الصحة والعافية، وشافي كل مريض،
لكن ما وقر في أذني من كلماته التي تخرج من بين شفتيه الباسمتين :
"إنتهت النشرة الأخيرة إلى اللقاء"؛ جملة لطالما سمعناها منه، وتعودنا أن نسمعها، بل نترقبها آخر كل نشرة اخبارية، ولم نكن ندري أنه ينعينا بها؛ فغدا أو بعده طال الأجل أم قصر سنلقاه، وتتأكد مقولته إلى اللقاء .
وجمل أخرى نفذت إلى آذاننا منه، في ظل كوفيد19 بلغة الشعب بعامية البلد، يفهمها المتعلم وغير المتعلم، الصغير والكبير، ننتظر كل مساء طلته وجديد الأخبار، تحليله، واستضافته لمحاوريه ومناقشتهم باسم المواطنين، ينقل تخوفهم وأسئلتهم يعيش قلقهم وانفعالاتهم
كان يأمل في كل تصريح له؛ أن يرفع الله عنا هذه الجائحة كورونا بانتهاء سنة 2020، وحلول العام المقبل
انتقل الى عفو الله، قبل أن يرى أثر أمله، لم يهزمه كوفيد بل اراده الله الى جواره؛ توقف نبضه بعد نشرة الأخبار الأخيرة، وكأنه أراد أن يودعنا الوداع الأخير، مبتسما كعادته، إلى اللقاء.
وعوض أن ننتظره كل مساء في دنيا الأشباح، ها هو ينتظرنا في عالم الأرواح.
بقي ذكره من صالح أعماله، رحل جسدا، وبقي حيا معنا بروحه
أستحضر قول الشاعر العربي :
ما مات من زرع الفضائلَ في الورى
بل عاش عمراً ثانياً تحت الثرى
فالذِّكْــرُ يُحْيي ميِّتاً ولرُبَّــما
مات الذي ما زال يسمعُ أو يرى
هبت مدينة مكناس عن بكرة أبيها؛ لإلقاء النظرة على جثمانه ولاحقت موكبه الجنائزي المهيب الذي لم يخصص لزعيم سياسي ولا لأحد من المشاهير ولم تشهد مثله البلاد منذ أمد بعيد فكانت أكبر جنازة شعبية بعد وفاة المغفور له الحسن الثاني ملك المغرب- إلى مأواه الأخير، والحناجر تصدح بالدعاء له بالرحمة والمغفرة
قومو قومو تمدح لله
يالعاشقين في النبي رسول الله
هاذي ساعة من ساعات الله
يحضر فيها النبي رسول الله
كلمات وأدعية رددها الشعب المغربي من طنجة إلى لكويرة، وهي تودعك يا صديقي؛ وصديق كل المغاربة، وأخ وابن كل المواطنين . وكل المدن المغربية تبكيك وترثيك
فإلى اللقاء أخي صلاح الدين الغماري الاعلامي الشهير ورحمك الله وألهم ذويك الصبر
تحبسني دموعي عن مواصلة الكتابة في تأبينك ولا أملك غير دعواتي لك بالرحمة الواسعة لانني احبك وكثير مثلي يحبونك في الله
لأن الحب نبتة طيبة زرعها الله في قلوب عباده لتسمو بهم إلى ملكوته العلوية فيباركها أصفياؤه وأتقياؤه ويرفعونها إليه سبحانه فيتباهى بها أمامهم هذا صنيعي وهذا زرعي أجعله في أرواح كريمة وفي قلوب من أحبهم فاشهدو أنني أحبهم وجعلتهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظله
فطوبى للمتحابين في الله
فاللهم املأ قلوبنا محبة واجعلنا ممن تحبهم
وارحم عزيزا على قلبي عبدك بن امتك وبن عبدك صلاح الدين الغماري
..
بقلم مولاي الحسن بنسيدي علي
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق