الجمعة، 20 أكتوبر 2017

الشاعر / حسن هادي الشمري يكتب مرايـــــــا



مــــــرآة أولى ..
وقف أمام المرآة المؤطرة بإطار من خشب الصاج المركونة في الزاوية البعيدة من غرفته منذ زمن طويل والتي بنت العناكب بيوتها بكثافة فوقها وتراكمت عليها الأتربة , أطال النظر في صورته التي كان يراها بصعوبة ، تزاحمت في رإسه الأفكار نظف سبابة يده اليمنى بلعاب فمه رسم بواسطتها خارطة للوطن على سطحها بخطوط أنيقة ، بعد أن أكملها تهشمت المرآة وسقطت الخارطة شظايا من الزجاج . .
مــــــرآة ثانية ..
خطرت في رأسه فكرة وهو الحاصل على شهادة البكلوريوس قسم الفلسفة والعاطل عن العمل منذ أكثر من عشرين عاماً , والذي يعيش عزوبية مزمنة إذ لم يتمكن من الحصول على وظيفة الأمر الذي أدى الى تخاذله في ركوب قطار الشر الذي لابد منه ، وهي أن يمارس مع نفسه نوع من الجهاد أسماه جهاد العاطلين عن العمل وقف أمام المرآة بعد أن لبس بلوز الصوف الكاكي الذي كانوا يسمونه العسكريون ( الجرسي ) والذي بقي محتفظاً به مع ملابسه الرثة منذ أيام وجوده في الجيش وحتى تسريحه بعد أن وضعت حرب الخليج الأولى أوزارها ... ثبت وبجنونه الفيلسوفي عدد من البطاريات المنتهية الصلاحية عليه وربطها بأسلاك كهربائية وأوصل نهاياتها بزر مستهلك كصاعق وقف أمام المرآة أطال النظر الى نفسه فيها توهم إنه فعلاً من هؤلاء الذي يطلقون على أنفسهم بالمجاهدين من الذين يمارسون ما أسموه بجهاد تفجير النفس أو جهاد النكاح إزدحم رأسه بالأمنيات والأحلام والذكريات التي تعفنت فيه لتقادمها في الزمن ضغط على الزر إنفجر هو في المرآة تساقطت شظاياها زجاج بلون الدم ورائحة البارود . .
مــــــرآة ثالثة ..
كان أصدقائه يسمونه الفيلسوف المجنون لكثرة ما تخطر في باله من أفكار عجيبة لم تأت على بال أحد غيره ... قرر مع نفسه أن يضع مرآة أمام مرآة ليتأكد هل يمكنه رؤية أحداهما في الأخرى , وضع مرآتين متقابلتين ووقف هو في المنتصف .... أكتشف إنه لم يرَ غير فيلسوفين مجنونين بوجه واحد يشبه وجهه وجسد كجسده النحيف , وحينما ينظر الى صورته في أحداهما ينظر الآخر الى نفسه في مرأته إستمر هو بالنظر بجنون ذات اليمين وذات الشمال حتى أصاب المرآتين الدوار والإعياء فسقطتا وتهشمتا وتناثرت شظاياهما وأصابتا ظليه بجروح عميقة ونزف هو من رأسه أفكاراً من دم . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق