الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

بقلم الدكتور عبد المتعم كامل

محجوب موسى  
***********
لا أعرف تاريخ مولده ، ولكنه كان هناك في الإسكندرية يملأ السمع والبصر حين كنت طالبا من 1973 إلى 1977 ، رأيته في الندوات التي كنا نقيمها في نادي أدب الجامعة ، ولم أكن في ذلك الوقت ممن يترددون على قصور الثقافة ، فلم أعرف قصور الثقافة إلا في صيف 1980 
عرفت الشاعر الكبير - رحمه الله - يتحدث في قضايا الشعر وفنيات الكتابة أكثر مما يلقي من قصائده ، كان يتحدث عن ابن الرومي والمتنبي والمعري كما كان يتحدث عن الجاهليين ، وكان يقف عند تفاصيل لغوية وبلاغية وعروضية وقفات طوالا ، يشرح ما يراه سببا في الجودة أو الرداءة ، وأذكر أنني استمعت إليه أول مرة يتحدث عن أبيات لبيد بن ربيعة ، وكنت في السنة الرابعة 1977 ، بعد انتهاء الأمسية التي أقيمت في كلية الآداب في ليلة مطيرة ، اصطحبت الرجل فتناولنا الشاي في تريانون ، واندهشت من استغراقه في وصف الجماليات الحسية في الصورة الفنية  
فكأنَّ ظُعْنَ الحيِّ لمَّا أشرَفَتْ 
بالآلِ وارتفَعَتْ بِهِنَّ حُزُومُ
نخلٌ كوارعُ في خليج مُحَلِّمٍ 
حملت فمنها مُوقِرٌ مكمومُ 
سُحقٌ يمتعها الصَّفَا وسَرِيُّهُ 
عُمٌ نواعمُ بينهن كُرُومُ 
زُجَلٌ ورُفِّعَ في ظلالِ حُدُوجِهَا 
بيضُ الخدودٍ حديثُهنَّ رخيمُ
وقف عند المشهد الكلي ، هذه الهوادج المحمولة على ظهور الإبل وقد صنعت من سعف النخيل ، تتهادى بها الإبل وقد انتشر الرباب في الأفق وتماوج السراب على الأرض من حولها ، بدت الهوادج بالظعن كالنخلات الطوال يملن ليشربن من ماء الخليج وقد ضمت هذه الهوادج بين أفرعها النساء البيض الجميلات يتبادلن حديثا في صوت ناعم لين .
كان محجوب موسى يأخذه التصوير في الشعر وتذهب به فنون هذا التصوير كل مذهب ، وهو الذي شجعني على التوجه إلى قصور الثقافة ، غير أني أرجأت الأمر إلى 1980 ثم ذهبت فالتقيت به ، واستأنفت الاستماع إليه .
كنت ألزم عبد المنعم الأنصاري في أكثر الوقت ، ولكني كنت بين الحين والحين أتردد على لقاءات محجوب موسى الذي قام بدور كبير في تبسيط  العروض للدارسين والباحثين عن الشعر من الفتيان والفتيات.
قامت الإسكندرية مؤخرا بتكريم الرجل ، ولكن أحدا لم يدعني إلى المشاركة ، بل علمت اليوم أن الحفل أقيم ولم يحضره سوى أربعة شعراء من أهل الثغر المبارك 
ربما يقول لي قائل : ( أنت لست في حاجة إلى دعوة ) ولن أرد على قول كهذا ، فأنا ( لا أشم ظهر يدي فأقرأ الغيب )  ولو دعيت لأجبت ، ولو شاركت لعرفت كيف أتحدث عن الرجل وعن دوره الكبير ، سامح الله الإسكندرية .

الآديب : د.عبد المنعم كامل 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق