الجمعة، 2 أغسطس 2019

بقلم الآديب والناقد د.رمضان الحضري

وما علمناه الشعر
( جـ 2 )
( تابع التقدمة )
الكلمة بين عالمي النحو والإبداع
************
تشتمل معاجم اللغة العربية على حوالي أربعة ونصف مليون جذر
 للمفردات العربية ، وتصل عدد الكلمات حسب هذه الجذور اثنتا
عشرة مليون كلمة ، ولا يتجاوز عدد المفردات المستخدمة حسب
إحصائيات دارسي اللغة العربية أكثر من نصف مليون مفردة في
 أنحاء الوطن العربي من المحيط للخليج ، فلم يعد من شاعر أو أديب
 يمكنه أن يقول ( أن محبوبته شجعم أي طويلة وقوية ، ولا أن حبها
 قد جاء زهلقا أي سريعا خفيفا ، ولا يمكنه أن يهجو سيدة فيقول إنها
خرمل أي رعناء حمقاء ) .
 والفرق بين المفردة والكلمة هو الفرق بين المادة الخام التي تمثلها
المفردة وبين المادة التي تم تصنيعها وهي الكلمة ، فالكلمة مفردة
تم استخدامها في جملة ، فالمفردات كائن اجتماعي له بيئته التي
لا يمكنه أن يعيش في غيرها ، وقد تأخذ الكلمة مقومات أخرى لتعيش
حياة جديدة ، فكلمة سيارة في عصر النبوة كانت تعني المشاة ، ولكنها
الآن تعني المركبة التي تتحرك بموتور ميكانيكي وكهربائي لتنقل راكبها
من مكان لمكان .
والمفردات في اللغة الإنجليزية لا تتجاوز مليوني مفردة ، وأقرب الدراسات
اللغوية ترى أن المستخدم منها لا يصل إلى مائتي ألف مفردة ، وكذا الفرنسية
تصل عدد مفرداتها إلى مليون ونصف تقريبا ، بينما المستخدم منها لا يتجاوز
مائة وخمسين ألف كلمة .
ولا يمكننا أن نضلل أنفسنا ، فاللغة الإنجليزية والفرنسية أكثر رواجا من
اللغة العربية ، وهذا يعني أن مستخدمي اللغتين أكثر ذكاء من مستخدمي اللغة
العربية ، وهذا يعني أن الإنسان لا يُقاس بما يملك ، بل كيف يدير ملكه ،
فكثير من الدول العربية أكثر مالا من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا
والصين ، لكن قدرة الدول الغربية والآسيوية على السيطرة أكبر ، بقدرتهم
على إدارة مواردهم وممالكهم ، فنحن نملك أكبر لغة في المفردات ، ولكننا
لا نعرف كيف ندير هذه اللغة كما كان القدماء يديرونها . 
وقد دخلت آلاف المفردات الغربية على لغتنا ، وكانت اللغة العربية هي التي
تدخل مفرداتها للغات الأخرى ، فتعلم الغرب كلمة ( الجبر ، وكانت
تعني الوصل بين مكسورين من لغتنا العربية ، كما تعلموا اللوغارتمات
والأسطرلاب ( الهندسة ) والدورة الدموية والصداع والزكام والسعال
والجمل والقهوة ، وغيرها من المفردات ) ، التي وصل عددها في
 الدراسات الإنجليزية إلى ألف مفردة عربية سيطرت على اللغات
الغربية وبخاصة اللغتين الإنجليزية والفرنسية .
أنا لا أبكي على زمن مضى ، ولكنني أبكي على قدرتنا على الحلول
، ولا نتمكن منها ، حيث إن لابسي ثياب النحو يرتزقون من تلك الثياب
والدول الناطقة بالعربية سلمت نفسها تسليما تاما للابسي ثياب النحو
ومشخصي التدين ، ومفسدي حركة المجتمع الثقافية والسياسية
والاقتصادية .
إن الذين ارتدوا عباءة الجماعات الدينية أهلكوا العقول ،
ودمروا البلاد وقتلوا العباد تحت فهم خاص بهم أسدي إليهم في الغالب ،
 هذا الفهم كان نحويا بالدرجة الأولى ، ولذلك فمعظم الذين يؤججون للإرهاب
تخرجوا من جامعات تعتني باللغة بصفتها صورة نحوية أو كليات تدرس
اللغة  العربية بصفتها لغة قديمة لا يمكنها أن تنمو أو تتطور ، فحسن
البنا تخرج في كلية دار العلوم عام 1927م ،   وكذا سيد قطب الذي تخرج
في كلية دار العلوم عام 1933 م ، وهل كان يوسف القرضاوي سوى دارس
 للغة العربية بجمالياتها القديمة ، فتخرج في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر
عام 1954م ، وكذا عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي لكل الجماعات تخرج
في كلية أصول الدين جامعة الأزهر عام 1965م تقريبا ، ولو عرفوا
قدرات لغتهم ، وعظمة رسالة النبي الأكرم والرسول الأعظم لصمتوا ،
 أو تنحوا جانبا ، وكذا فعل المفسدون في شتى مناحي الحياة ، فلا وزير
 يعرف ما للوزارة ، ولا أمير يعرف مال الإمارة ، فغدت المناصب مكسبا ،
 سكنا وجنسا ومالا ، ولم يعد للعقل دور سوى تحليل الفاحشة
وتحريم الاستقامة ، ولذا فلن نجد متحدثا عن الحاكمية أو الخلافة سوى
كليات تدرس اللغة العربية على أساس أنها منتج نحوي أو في دولة
 استعمارية كتركيا التي أفادت من المصطلحين وروجا لهما بين
دارسي اللغة العربية لتظل الدول العربية ساقطة تحت نير الاحتلال .
هذه عناوين ، ومن شاء التفصيل فليتدبر حوله في شتى ربوع
وطننا العربي الكبير .
لم ينتبه بعض لابسي ثوب النحو حتى اللحظة أن أعظم نحوي بدأ به النحو
كان الخليل بن أحمد الذي نقل سيبويه آراءه ، حتى الخليل ذلك السيد الجلل قال للنحاة : " الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا. ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ، ومن تصريف اللفظ وتعقيده ، ومد المقصور وقصر الممدود ، والجمع بين لغاته والتفريق بين صفاته ، واستخراج ما كلت الألسن عن وصفه ونعته والأذهان عن فهمه وإيضاحه ، فيقربون البعيد ويبعدون القريب ، ويحتج بهم ولا يحتج عليهم ، ويصورون الباطل في صورة الحق ، والحق في صورة الباطل "  .
لم يفهم بعض دارسي اللغة العربية حتى اللحظة أن النحو مطية وليس
غاية ، وأنه وسيلة وليس هدفا ، وعامل مساعد وليس أصلا ، وأن النحو
جاء بعد اللغة لا قبلها ، وان العرب كانوا ينطقون لغتهم كما شاءوا بلا نحو
ولا غيره ، ولذا فهم يتأولون النحو بشكل فلسفي ، فالفلسفة فيه أكثر من النحو
وقد سبق وقدمت مثالا بقراءة ( الحمد لله رب العالمين ) على وجوه ثلاث ،
فالحمدُ على الابتداء ، والحمدَ على تقدير فعل ، والحمدِ لملائمة الحرف
 المكسور بعد الدال ، وهذه كلها تأويلات تخضع للفلسفة أكثر من خضوعها للنحو
ولو كانت هناك قاعدة صلبة لا يمكننا أن نختلف عليها ونزلت بها اللغة لكان
الأمر مختلفا ، وعند تقسيم سيبويه للأفعال قسمها على نظام التثليث ( ماض
ومضارع وأمر ) ، والسؤال هل فعلا لا تشتمل لغتنا سوى على هذه الأنظمة
الزمنية ، وأحيل سادتي القراء إلى العلامة تمام حسان والذي درس النحو
العربي في جامعة لندن ، فاستطاع أن يزاوج بين التقدم العصري وبين
الموروث المستخدم ، وليس الموروث المكبل لحركة حياتنا ، ولنقرأ كتابه
( اللغة العربية مبناها ومعناها ) ، والعلامة سليمان فياض في كتابيه ( الدليل
اللغوي ) و ( أنظمة تصريف الأفعال العربية ) ،ومن يقرأ كتب هذين العلمين
 سوف يتأكد له أن منهج سيبويه في النحو لم  يعد قادرا على الوفاء بحاجة
لغتنا ، فخطط خالد بن الوليد التي انتصر بها في معاركه وغزواته لم تعد
 صالحة لجيوشنا العربية لكي تنتصر بخطط خالد وصلاح الدين ، وقد قال
نجيب محفوظ رحمه الله تعالى رحمة واسعة ( لو استمر حال العرب
 على هذا الشكل فسوف تقوم الدول الغربية بعمل سور من الأسلاك
حول هذا الوطن ويدعون الناس لكي يتسلوا بهم ) ، هذا القول نقلا
عن صديقي الروائي والفنان التشكيلي والموسيقي الكبير حسين نوح .
إن المشاكل المستعصية التي فرضها التراث العربي على أبنائه في العصر
الحالي لابد أن تثير أسئلة مهمة ، ومهما كانت الإجابات فعلينا أن نتقبلها ،
غالبا سوف تكون نتائج البحث في التراث صادمة ، حيث ثقافة العرب
عريضة ، وتراثهم الديني واسع ، وفكرهم السابق كان متطورا في عصرهم
، لكننا لو تصورنا الآن أن عنترة بن شداد سوف يكون قائدا في جيش عربي ،
فلن ينتصر إلا باستخدام الأسلحة الحديثة لا بالسيوف ولا بالأدهم .
وكذا خالد وأبو عبيدة وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وغيرهم .
حينما انفتح العرب على العالم الخارجي منذ بداية العصر العباسي الأول ،
كانت عين العربي على تراثه وعينه الأخرى على ثقافة الغير ، فأنتج علوما ،
ولم تعد هذه النظرة صالحة لنا في وقتنا الحاضر ، بل يجب الآن أن تكون عين
على ثقافة الغير وعين على المستقبل ، فروسيا تتفق مع أمريكا على جلسات
حول الكف عن تطوير الأسلحة ، وتحدد الموعد للقاء بين رئيسي الدولتين
، ورغم تحديد اللقاء تطلق روسيا صواريخ سارمات الثقيلة العابرة للقارات ،
فهناك يد تحدد المواعيد ، ويد تقوم بتطوير العلوم ومنظوماتها ، لن ينتظر
 الزمان احد ليتطور ، إذا لم تكن لدينا الحاجة والحجة والبرهان لنتطور ،
فسوف نكون داخل الأسوار السلكية ، كما نعيش الآن داخل الأسوار
اللاسلكية .

بقلم د.رمضان الحضري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق