الأحد، 17 يونيو 2018

بقلم د.رمضات الحضري



مصر رخاء يامدبولي
********


لم يكن بودي أبداً أن أكتب هذا المقال ، لولا دموعا رأيتها ، ونشيجا سمعته ، وبكاء يهز الجبال .
فحينما تسيل دماء قتيل فهناك قاتل قد أضاع حياته ، وحينما تسمع مظلوما فهناك ظالم قد جار عليه ، وحينما تشاهد ذليلا فهناك مجرم أذله .
وأقول ماقاله هاشم الرفاعي الآن : _
أنا لست أدري هل ستُذكر قصتي
أم سوف يعروها دجى النسيانِ
أم أنني سأكون في تاريخنا
متآمرا أم هادم الأوثانِ
كل الذي أدريه أن تجرعي
كأس المذلة ليس في إمكاني
مصر الشعب والأرض ، مصر النيل والقناة والبحر المتوسط والبحر الأحمر ، مصر أول من زرع وحصد ، أول من صنع وتاجر ، أول دولة نظامية في التاريخ ، مصر إبراهيم أبو الانبياء ، ويوسف الصديق ، وموسى الكليم ، وعيسى روح الله وكلمته .
مصر التي أنقذت شعب بلجيكا من الجوع عام 1918م منذ مائة عام ، وقدمت لها 960 مليون جنيه مصري ، وأرسلت ملكة بلجيكا وهي جدة الملكة الحالية ، كشف حساب لحاكم مصر ، وخطاب شكر بأنه أحيا شعبها .
شعب مصر الذي حرر شعوب أوربا من النازية منذ عام 1914م وحتى عام 1919م ، وذهب مائة ألف مقاتل مصري ليحرروا فرنسا واليونان ومالطة وإيطاليا ، واستشهد أكثر من 23 ألف مقاتل في أوربا ولا زالت قبورهم تحمل أسماءهم العطرة حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها إليكم .
مصر صاحبة المحمل من عهد عمرو بن العاص الفاتح وحتى جمال عبدالناصر .
مصر التي أعطاها الله أكبر أنهار الدنيا ، وأعطاها أكثر من خمسة آلاف كم شواطي للصيد ، وأعطاها أعظم علماء الدنيا ، وأعطاها أفضل مواقع الدنيا ، وتجلى الله على أرضها ولم يتجل على غيرها ، وأعطاها آثارا كانت حتى عام 1970م تصل إلى 75% من آثار العالم وبعد السرقات من وزراء الآثار ومعاونيهم أصبحت تملك 35% من آثار العالم .
مصر التي بها البترول والغاز والزراعة والصناعة والتجارة ورجال الأعمال ، مصر التي ماشكت فقرا أبدا ، تشكو اليوم فقرها وعلى لسان رئيس وزراء جديد جاء ليعلن اننا دولة فقيرة بلا مرافق وبلا حياة أساسا ، وسيادته جاء ليعلمنا الحياة بعد اكثر من 26 ألف سنة هي عمر مصر الحقيقي والمسجل معظمه .
الحقيقة حينما يكون هناك قاض يحصل على مرتب 20 ألف جنيه مصري بينما الساعي في مكتبه يحصل على ألف جنيه فقط ، فهذا يعني أننا في بلد فقيرة فعلا ، فقيرة في العدل .
وحينما يكون هناك ضابط يحصل على 30 ألف جنيه وجندي يحصل على 300 جنيه فهذا يعني أننا في بلد في منتهى الفقر العقلي .
وحينما يكون هناك وزير يحصل على 40 ألف جنيه ، وموظف عنده يحصل على الف جنيه أقول فعلا إننا فقراء وحقراء أيضا .
وحينما يكون مدير بنك يحصل على 50 ألف جنيه وعامل في البنك يحصل على 800 جنيه ، نعم نحن فقراء في الضمير .
وحينما يحصل رئيس شركة بترول على 100ألف جنيه ، وعامل عنده يحصل على ألف جنيه فنحن فقراء للغاية .
هذا كلام فصيح ، ولكنه للمجرمين غير مريح .
قال عمر لمعاذ قبل أن يرسله ليكون واليه على اليمن السعيد في زمانه الحزين في زماننا .
قال عمر : يامعاذ : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟!
قال معاذ : أقطع يده يا أمير المؤمنين .
قال عمر : إذن سوف يقطع أمير المؤمنين يدك إذا جاءني منهم جائع أو عاطل .
واردف عمر قائلا :
نحن ولاة الأمر : أمرنا الله أن نوفر للناس حرفتهم ، فإذا وفرناها لهم تقاضيناهم شكرها .
وأفهم من هذا : أن العاطل والجائع مسئولية حكومة لم توفر له طعاما ولا حرفة ، وحينما يفرض رئيس حكومة تقشفا على شعبه في أول يوم من حكومته فمعناه انه رجل فاشل ويريد أن يأخذ دماء الفقراء ليصنع بها خمورا للوزراء رفقاء دربه .
لن يفقر الله شعب مصر يامدبولي حتى لو كلفك صندوق النقد الدولي أن تفقره لتضعف الشعب ، ولتعلم أن الله يراك أكثر مما نراك ، ويسمعك أكثر مما نسمعك ، وأن الله لن يترك الضعفاء نهبا لمعدومي الضمير ، ولن يترك الفقراء نهبا لمناصب زائلة .
قال الله تعالى : ( فأين تذهبون ، إن هو إلا ذكر للعالمين ، لمن شاء منكم أن يستقيم ، وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

مقال بقلم د.رمضان الحضري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق