السبت، 16 يناير 2021

بقلم صفاء محمد

 بين النقـد والهبْـد


حين تدخل الزمرة المثقفة في حالة نزاعٍ دائم تعجز عن الابتكار وتنشغل عن الداء فيستحيل الدواء، ولهذا، فإن الأمم لا تعتلّ بل تنتحر. يقول الله "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".
لذلك كان التعايش دومًا هو السبيل للتعاون وبناء الحضارات، وقد خلقنا الله مختلفين كي نتعارف ونتكامل لا لنشهر سيوفًا في وجوه بعضنا، أو يعتقد كل فرد بأن لديه الحقيقة، أو تتباهى كل فئة بما لديها من قشورٍ غافلة باقي المعارف على تعدّدها.
التقوقع على الذات وإشهار الأنا يصيبان العقل بالضمور والحكمة بالقصور والآخر بالنفور، ولذلك أسبابًا منها:
-        عدم الإيمان بالآخر كعارفٍ منافس
-        عدم التعاطي مع إرث الآخر ثقافيًا وفكريًا
وإنّا لنتوقف متعجّبين ممّن يعتقدون بتفرّدهم المُطلق لأنّهم أقوياء في تخصّصهم!! غير آبهين بآلاف العلوم الأخرى التي لا يُحيطون بها، بل ربِّما لا يمكنهم استيعابها إذا جاء المحكّ!
فهم أسرار النفس البشرية يتطلّب عقولًا نابهة، تدرك أن الهدف هو تشخيص العلل وإيجاد الحلول القابلة للتطبيق كي تتحقّق السعادة للبشرية، وهذه عملية معقدة ومتشابكة ومتقاطعة يشترك فيها متخصّصون في أفرع المعارف كافّة.
التشخيص مبنيّ على نقد الواقع، فالكاتب ناقدٌ لما حوله مشخّصٌ للعلل الحالية استشهادًا بالماضي واستشرافًا للقادم، وهو يحتاج لمتخصّصين بعده يأتون بالدواء. وهنا تتجلّى حقيقة أن الناقد ما هو إلا ناقد لناقد، وعلى ذلك ينبغي عليه محاولة إكمال الصورة أو إبرازها من زوايا أخرى كي يكتمل التشخيص، وليست وظيفته تجريع الكاتب - الناقد في الأساس- الهبْد (الحنظل) أو تقزيمه أو المزايدة عليه حيث لا مُزن ولا طحين.
إن لم يكن النقد مضيفًا للموضوع فهو ليس بنقد، بل مزايدة وسفسطة لا تفيد إلا غرور الناقد وحده! وأصحاب هذا المنطق الخديج عادة لا يتقبّلون نقدهم في المقابل. تجدهم يمتلكون القدرة العالية والأدبيات الفكرية والمصطلحات الأدبية المتموجة التي ينطلقون منها كما في علم اللسانيات وكما هو حال فكر واضع علم السفسطة الفيلسوف بروتاجوراس اليوناني القائم على القدرة الأدبية التي تجعل السامع يخضع للقول ويحكم وفق المستهدّف.
فالنقد مثاقفة عاقلة توحّد الصفّ وتشحذ الهمم وتعظم الفائدة ويكون موجّه لفكرٍ أو مادة، أمّا الهبْد فنوع من اللامسؤولية تُمارَس لتصبّ في أنا الناقد، أو تأتي مع أو ضد صاحب الفكر أو المادة بهدف تلميعه أو إقصائه.
وتعريج الناقد على إفشاء مثالب ونواقص وذكر السلبيات لا بدّ منه، لكن هنا ينبغي أن يكون ذلك بعد ذكر الإيجابيات وإبراز الصورة التي أرادها الكاتب أو استخراج صور ضمنيه أو تفجير مواقع أكثر عمقًا بالنصّ.


بقلم  صفاء_محمد
مهندس  معماري
عضو_اتحاد_الكُتّاب
اِعتنق_الحب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق