الأحد، 21 أبريل 2019

بقلم الآديب الكبير محمد أديب السلاوي


"الحروفية والحروفيون"


 قراءة لعودة الوعي بالحرف العربي.
《عزام مذكور
فنان تشكيلي》

”الحروفية والحروفيون” كتاب اضيف إلى خزانتنا الوطنية قبل عدة سنوات. كتاب جديد في النقد التشكيلي يحتفل به الفنانون والحقل الفني، لاسيما وأن هذا الحقل مفتقر إلى كتب متخصصة من هذا النوع، كتب يكون من بين أهدافها تحليل تيار معين أو إعطاء ارتسامات حول حركة ما في التشكيل المغربي . نهنئ كذلك الفنان الناشر محمد البوكيلي الذي أعطى لهذا الكتاب حلته الفنية.
  محمد أديب السلاوي رائد في النقد التشكيلي بالمغرب، غني عن التعريف، فقد أسس عدة صحف من بينها الطريق سنة 1963 والصحافة سنة 1971 وصدى الصحافة سنة 1989 والشعبية سنة 1993 ونشر عدة كتب في الشعر والنقد المسرحي و الروائي، وكذلك كتب حول القضايا السياسية والاجتماعية التي يتخبط فيها المغرب الحديث، أما في التشكيل، فقد كتب ” التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة ” و”أعلام التشكيل المغربي” و”التشكيل المغربي في رحلة البحث عن الذات” و”التشكيل المغربي بصيغة المؤنث”، و”المشهد التشكيلي بالمغرب”.
    كتاب محمد أديب السلاوي “الحروفية والحروفيون” وهو الرابع في سلسلة كتبه في التشكيل، حاول إبراز حركة معينة في التشكيل لا يعيرها النقاد اهتماما و لو أنها تعد امتدادا للفن الإسلامي الذي ننهل منه استلهامنا.
          شخصيا، وكناقد فني أولج الحروفية ضمن تيار ”مدرسة العلامة” الذي يعد فرعا من فروع التجريد الغنائي أو الهندسي، وهذا التيار بدوره يجمع بين الحروفية والرمز والعلامة والشكل الهندسي والعضوي المستلهم من التراث العالمي.

          ولا يمكن لأي فنان أن يتخصص في نوع ما من هذه الفروع إلا القليل، فالشرقاوي مثلا، واعتبره الرائد الأول لمدرسة العلامة، حاول في بحثه و بكل وعي فني أن يجمع بين الحروفية والعلامة البربرية والشكل العضوي. أما المليحي، و الذي استلهم بحث من ” الهارد ايدج ” الأمريكية فلم يعر للحرف اهتماما إلا في فترة و جيزة، و كذلك الملاخ و لطيفة التيجاني.
          الحروفيون قليلون في المغرب، مقارنة مع إخوانهم في إيران أو العراق أو سوريا، و لم يأتوا بالجديد من حيث إبداع الحرف، فإبداعهم يتجه صوب تركيب الفضاء التشكيلي وحركية الحرف وبنية الاشكال، ولهذه الأسباب يحسن إدماجهم ضمن تيار مدرسة العلامة.
          ينقسم كتاب الأستاذ محمد أديب السلاوي ” الحروفية والحروفيون ” إلى ثلاثة أبواب : الباب الأول ”حروف الإبداع المقدس” هو تعريف بالخط العربي من حيث تنظيماته و جماليته وزخارفه و عناصره. وهذا الباب له أهميته القصوى، فهو يعطينا لمحة عن بنية الحرف العربي وقدسيته و جماليته كجزء من الفن الإسلامي، وكذلك الإحساس الروحاني الذي يتملكنا اتجاهه.
          الباب الثاني: ”الحروفية المغربية” هو قراءة لعودة الوعي بالحرف العربي، وعلاقة الحرف العربي بالتراث، وكذلك تقييم لعمل بعض الحروفيين المغاربة وهم الشرقاوي وحنين والحريري والسنوسي والملاخ والمليحي والصديقي والتيجاني. ولأهمية عودة الوعي بالحرف العربي في الوطن الإسلامي المعاصر، كان من اللازم تخصيص باب لهذا الموضوع. فنحن ندري كيف استلهم الفنانون أمثال ”كوندينسكي” و”بول كلي” أبحاثهم من الفن الإسلامي، وكيف استلهم الفنانون الغربيون بعد الأربعينات أمثال ”هارتونك” و”سولاج” و”ماتيو” و”توبي” و”فرانس كلين” أبحاثهم من الحرف الصيني، وكيف بدأ البحث في الحرف الصيني واللاتيني والعربي، وكيف تأسست حركة الحروفية في الغرب وفي العالم الإسلامي وفي العراق على الخصوص.
          الحروفية حركة عالمية بدأت في القرن العشرين، و تطورت مفاهيمها و جماليتها في الوطن الإسلامي و لاسيما عند الزندرودي من إيران و جميل حمودي و ضياء العزاوي و شاكر حسن من العراق، و سامي برهان و محمود حماد و تركي محمود بك من سورية، و نجا مهداوي من تونس، ومحمد شبرين من السودان وغيتيل عدنان من لبنان. فلا يمكن تحليل أو تقييم الحروفية في المغرب دون البحث في نشأتها وتطورها و تنوعها في الغرب وفي الوطن الإسلامي، لكونها امتدادا لهذه الحركة العالمية و الإسلامية.
          وبما أن الكتاب مخصص للحروفيين المغاربة، كان من اللازم كذلك و على الأقل الإدلاء بأسماء هؤلاء الحروفيين و بنبذة عن حياتهم الفنية. فالمؤلف نسي أو تناسى أفوس و مقداد القطبي و غيرهم، و أدخل في هذه الحركة فنانين لم يبحثوا في الخط العربي إلا في ظرف وجيز من حياتهم الفنية، أمثال الشرقاوي و المليجي والميلودي و الملاخ.
          وانفرد الباب الثالث و الأخيرمن هذا الكتاب،  بتحليل لعمل الفنان محمد البوكيلي، و هذا كذلك مهم من وجهة نظر معينة، فالفنان محمد البوكيلي لا يعرض أعماله للجمهور المغربي على الأقل، إلا قليلا، فهذه فرصة لجمهور القراء والفنانين والنقاد على الخصوص لاكتشاف و تفهم هذا العمل الفني.


مكتبة  محمد أديب السلاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق