السبت، 18 يوليو 2020

مائة عام علي ظهور اللوحة التشكيلية المغربية على جداريات الإبداع البصري بالمغرب .


محمد أديب السلاوي
-1-مائة عام علي ظهور اللوحة التشكيلية المغربية
على جداريات الإبداع البصري بالمغرب .

قبل مائة سنة، تعرف الغرب الأوروبي الأول مرة على الأعمال التشكيلية للفنان الرائد محمد بن علي الرباطي رحمه الله،(1861/1939) حيت نظم معرضه الأول بنجاح في لندن سنة  1916ومعرضه الثاني بباريس 1919 ليعلن للعالم أن الثقافة المغربية انخرطت في الحداثة التشكيلية، ودخلت عالم اللوحة الصباغية، لتضيف إلى التراث الإنساني بالمغرب مرحلة جديدة،قائمة على المعرفة والبحث الجمالي، والرغبة الملحة على المشاركة والعطاء
ظهرت اللوحة المغربية الأولى خلال هذا التاريخ، في سياق متميز، كانت فيه الفنون التشكيلية الأوروبية تعيش مرحلة انعطافية، إذ كانت الأساليب الأكاديمية مسيطرة بالكامل على الفضاءات الفنية، وكانت الأدبيات الجمالية يهيمن عليها مفهوم الانكماش الفني، وهو ما جعل مخيلة العديد من الفنانين تجنح نحو التحرر للبحت عن أسلوب مغاير، يتمتع بفائض كبير من الحلم، وهو ما جعل أعمال الرائد محمد بن على الرباطي محل مشاهدة بصرية واهتمام الذاكرة التشكيلية في كل من لندن وباريس، بقوة إبداعية وبصرية واسعة.
-2-
نعم، كانت الفنون التشكيلية هي أروع إضافات المغرب إلى التراث الإنساني في عصوره المختلفة. لقد أعطى بسخاء في هذه الفنون على امتداد آلاف السنين، بإسهامات أمازيغية وافريقية وعربية وأندلسية، في النحت والصباغة والحياكة والتطريز والنقش والرسم والعمارة، وهو ما أعطى للمغرب موقعه المرموق على الخريطة الإبداعية، حيت امتد العطاء من العصر الروماني إلى العصر الراهن بدون توقف.
طبع المغرب بشخصيته المبدعة، كل الفترات التاريخية، بروائع الفنون التقليدية، زرابي، ومنحوتات الخشب والحديد والنحاس والفضة، والعمارات المذهلة التي تحتضن كل أشكال النحت والنقش، وكل أدوات الزينة من زليج ورخام وجبص وخشب، ما أعطى لهذه الفنون حضورها المتميز على الخريطة الإنسانية، لفترات بعيدة من التاريخ.
هكذا عندما استقبل المغرب في مطلع القرن الماضي، مع الحملات الأوروبية، فنا جديدا، يقوم على الرسم والصباغة، لم يكن صعبا الانخراط في صياغاته،وهو ما ابهر العقل الأوروبي، فكان ذلك إيذانا بدخول الفنون التشكيلية المغربية مرحلة جديدة من التاريخ ،لم تتخلى هذه الفنون عن تراثها الماضي،ولكنها انخرطت في الحداثة، لتبدع فيها بألوان المغرب المشرقة، بفعالية وايجابية.
في هذه الحقبة من التاريخ، اخذ المغرب بأسباب النهوض، فتح المعاهد والمدارس للفنون التشكيلية الحديثة، وفتح قاعات العرض والمتاحف، وأدركته يقظة الوعي على يد نخبة من الكتاب والنقاد والمفكرين الذين أدركوا أهمية هذه الإضافة التي شكلتها الفنون الجميلة، فكتبوا عنها الدراسات والاطاريح التي قامت بقراءتها ثقافيا وعلميا وإعلاميا.
في هذا المناخ، اخذ تعليم الفنون التشكيلية مكانه في التعليم إلى جانب الفنون الأخرى ،الموسيقى والمسرح والرقص والتصوير، وغيرها من الفنون التي أصبحت مكانتها راسية في بيداغوجية التعليم الأكاديمي بالمغرب الراهن.
-3-
وبالرجوع إلى القراءات التاريخية والنقدية التي أنجزت عن هذه الحقبة الهامة من تاريخ حركة الفنون التشكيلية الحديثة بالمغرب ،سنجد أن هذه الحركة قد أنتجت روادا في كل الاتجاهات والمدارس التشكيلية، وهو ما أبهر العديد من النقاد والباحثين الغربيين الذين أصدروا دراسات موضوعية هامة عن المناخ الثقافي الذي اطر الأجيال التشكيلية المغربية الأولى بالمغرب الراهن، والظروف التي أحاطت بتكوينهم التي جعلت منهم روادا مبدعين، يقفون جنبا إلي جنب مع فناني أوروبا اليوم، بعدما شغلهم البحت عن لغة فنية تميز هويتهم.
المائة سنة الأولي تمر بهدوء والفن التشكيلي الحديث يدخل المائة الثانية بصمت... ومع ذلك، الإبداع متواصل، يعمل، يجتهد، يبدع ولا ينظر إلى الخلف.
أفلا تنظرون.... ؟

الجمعة، 17 يوليو 2020

منجاة

وقفت  ببابك

 ياذا الجلال والإكرام 
وقفت بين يديك 
و الناس نيام
 أتهجد باسمائك
 بدون كلام ..
قد اضيقت الارض
  ظلما 
واصبح عدلك 
غورا
 ازداد  هذا العالم
  جورا
بدون رحمتك
 لا سلام 

أشكو اليك
 بدون نبس كلام 
وأعلم 
يا علام الغيوب
 أنك تعلم
 السر والجهر  
و ما خفي
 باستار الظلام 
حسبي أنت 
وحدك   معي 
 وكيلي 
 ومولاي  وكفيلي 
《حين تتكالب علينا اللئام 》
حسبي أنت 
《لن أحزن معك ولن   أظام 》


ها انت تسمع 
انيني وشكواي 
ها انت ترحم حنيني  
...تجيب نجواي ....
قد سمع  الله قول التي
 تشتكي اليه
والناس نيام.

مناجاة 
جميلة محمد..
12|07|2018

رؤى



قلت لصديقي، سأعدد لك الفوارق العظمى بين سلوك و منطق يقوم على "علم" .. و بين سلوك و منطق يقوم على "معرفة"
و لكن قبل شروعي في تعداد ذلك، أود التأكيد على أن سلوكا قائما على "علم" لا شك أنه يفضي إلى سعادة و استقرار نفسي.
و أن سلوكا قائما على "معرفة" فإنه يفضي إلى ترف و حياة مصحوبة ب قلق و توتر نفسي و عدم استقرار و خوف من المستقبل.
أي صديق: 
باختصار شديد: 1 - العلم يحكي قصة: حركة الأشياء بجميع دقائقها و تفاصيلها و ما ينجم و يلزم عنها من أثر و تأثير مباشر و غير مباشر على حياة الإنسان  
2 - المعرفة تحكي قصة: خصائص الأشياء و ماهيتها و قوامها و كيفية الاستفادة منها بما يحقق للإنسان متعة و فائدة.
أي: العلم لا علاقة له فيما تحكيه المعرفة
و المعرفة لا علاقة لها فيما يحكيه العلم. بل كل واحد منهما يلعب دورا مستقلا في حياة الإنسان 
<><>
العلم هو أن تعلم أن الأشياء الكونية برمتها لا تستثني منها شيئا إنما تسير و تتحرك بأمر الله التكويني [ قلت: الأشياء الكونية هي من المشيئة، فالله تعالى يشاء شيئا فيقول له "كن" فيكون. و الإنسان يشاء لنفسه شيئا فيبذل جهدا لتحقيق مشيئته، و بعد أن يشاء الإنسان لنفسه ما يشاء تغدو مشيئته التي شاءها شيئا كونيا له في الوجود حركة مقدرة بأمر الله تعالى التكويني ] 
فمثلا: أنا "أعرف" كيف أنتصر، غير أني لا "أعلم" متى أنتصر ؟!
فالأخذ بأسباب القوة و المنعة يعد من مقومات النصر، لكن ذلك لا يعني أن النصر سيغدو حقيقة و واقعا في حياتي، بل الذي يؤكد على النصر إنما هو أمر الله التكويني فحسب.
فالنصر علم و علامة من الله، يضفيها على من يشاء من عباده، و الله تعالى وحده يعلم كيف و متى و أين يضع تلك العلامة =النصر=
- مثال آخر: أنا "أعرف" أن تناول الدواء الذي وصفه الطبيب المختص يعنى شفاء للمريض  
و لكنني لا "أعلم" ما إذا كان ذلكم الدواء يشفي حقا أم لا؟ إذ المريض قد يضطر للتوجه إلى طبيب آخر باعتبار أنه لم يجد في الدواء الذي وصفه الطبيب الأول أدنى فائدة 
فالشفاء علم و علامة من الله يضفيها على من يشاء من عباده حيث شاء و أنى شاء. 

- وكتب: يحيى محمد سمونة -

الخميس، 2 يوليو 2020

رثاء شهيد

...... الشاعر محمد عبد القادر زعرورة 
مع الشاعر المتألق والصديق العزيز يوسف عصافرة  .......

            .

............................  رِثاءُ  شَهيدٍ  ................................

دَمُ الشُّهداءِ يَصرُخُ في ثَرانا
                                وَمَن غَيرُ الشَّهيدِ لَهُ ثناءُ
وَكَم ذَهَبَت بِمَوطِنِنا نًفوسٌ
                          لَها في المَوتِ تَنتَفِضُ السَّماءُ
حَبَاها الَّلهُ عِزَّاً في البَرايا
                             وَفي أَهلِ السَّماءِ لَها ضِياءُ
شَهيدُ الأرضِ تَعرِفُهُ رُبانا
                                  وَفي أَمثالِهِ نَفَذَ القَضاءُ
رَفيقُ الشَّيخِ قَد عَشِقَ المَنايا
                                     بِيَعبُدَ قَد تَمَلَّكَهُ الِّلقاءُ
فِدا الأوطَانِ يَقضِيها شَهيداً
                              تُرابُ الأَرضِ تَرويهِ الدِّماءُ
أَحاطَ الإنجِليزُ بِهِم جَميعَاً
                               لِحُبِّ الأَرضِ يَدفَعُهم وَلاءُ
وَما غابَت أصيلُ الشَّمسِ حَتَّىَ
                              بِمِسكِ الَّدَّمِّ قَد مُزِجَ الهَواءُ 
...................
..... الشاعر .....
........ يوسف عصافرة  ...

        المَقصودُ ب  ... رفيق الشيخ المجاهد احمد عبد القادر زعرورة 
..... الشيخ المجاهد ... عِزُّ الدِّينِ القَسَّام  المستشهد بمعركة يَعبُد في فلسطين ....

صعلوك انا

نور ابو شامة حنيف

إيلَا كانْ كاسكْ وحْــــــــــــدانِي 
كاسِي أنَا ، عامرْ مشْــــــــرُوكْ
...
رزْقِي ، فايْضْ رَبّـــــــــــــانِي 
ؤُ شكّي فْ نْعَايْمُو ، متْــــرُوكْ
...
جِيتْ للدّنْيا نطْفَة عرْيَانَـــــــــة
لبّسْتْهَا عَقْلِي ، تْخَبْلاتْ سْلُــوكْ
...
لْكَسْدَة عنْدِي كَسْـــــــــــــداتْ
مقْسُومْ أنَا ، حقّي مَشْبُــــــوكْ
...
طْعامِي أنَا ماشِي دْيَـــــــــالِي
مَايَا صْفَا ، خُبْزِي مَبْـــــرُوكْ
...
رُوحِي هَازّة جْسُومِــــــــــــي
زْمانِي ، مَنْ ارْضَايَ منْهُــوكْ
...
جْسُومِي ، طْيُـــــــورْ غَـرّادَة
اغْنَايَ ، جْنَاحَاتْ لمْلُــــــــوكْ
...


نْغَنّي عِيشْتِي تِيهَــــــــــــــانْ
عَوْدِي سَابڭْ رَاكْبُو صَعْلـُوكْ
...
صَعْلُوكْ أنَا ، نْعاندْ الرّيـــــحْ
تْرابِي حُرْ ، تْرابكْ مَمْلُــــوكْ
...
نشْرُبْ لْعَينْ فْ عزْ لمْنابــــعْ
لَوَدْيَانْ هَدّارَة ، مَاهَا مَشْكُـوكْ
...
سْلِيلْ لطْهارْ ، نُورْ بنْ محَمّدْ
جَدّي لْحاضِي ،عزّو مَسْكُوكْ
...
نون حاء –   طنجة غشت 2017

الثلاثاء، 9 يونيو 2020

ماهو التاريخ الذي يعبر عن واقعنا؟



محمد أديب السلاوي

-1-
التاريخ في منظور الباحثين المختصين هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف و يسجل ما مضى من وقائع و أحداث، و يحللها و يفسرها على أسس علمية صارمة، بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي و الحاضر و التنبؤ بالمستقبل.  

و في مفاهيم الموسوعات والقواميس اللغوية، التاريخ فن يبحث عن وقائع الزمان من حيث التعيين و التوقيت، و موضوعه الإنسان وأزمنته / هو القيام بدراسة تعتمد على حقائق الماضي وتتبع سوابق الأحداث في الماضي والحاضر، ودراسة ظروف السياقات التاريخية وتفسيرها في الماضي والحاضر والمستقبل، فمنهج البحث التاريخي في نظر المؤرخين المختصين، هو مجموعة الطرق و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه و زواياه ، وكما كان عليه زمانه و مكانه، تبعا لذلك فالمنهج التاريخي يحتاج إلى ثقافة واعية و تتبع دقيق بحركة الزمن التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النص التاريخي . 

والتاريخ في المعاجم البريطانية، حسب كلمة history، كلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية (هستوريا) بمعنى التعلم، وكانت تعني حسبما استخدمها الفيلسوف الاغريقي ارسطو طاليس سردا منظما لمجموعة من الظواهر الطبيعية سواء جاءت مرتبة زمنيا أو غير مرتبة في ذلك السرد.
وهناك تعريف آخر للتاريخ هو الذي يعني التاريخ الحي، أما الأخبار فهي التاريخ الميت، والتاريخ هو التاريخ المعاصر بينما الأخبار cronica، هي التاريخ الماضي، والتاريخ أساس فعل ماض بينما الأخبار فعل للإرادة وكل تاريخ يصير إخبارا إذا لم يعد مفكرا فيه. 

وخارج هذه التعاريف، يظل التاريخ مصدرا للتعلم، فهو ذاكرة البشرية ومستودع تجاربها، والمؤرخ هو الذي يتفاعل مع الحوادث ويناقش هذا الماضي من وجهة نظره، والتاريخ ينبع من العظة والعبرة، فنحن ندرس تواريخ الدول والملوك والشعوب لنتعلم، وندرس سير الأنبياء لنأنس بهم، وندرس تجارب الأمم ونرى ما وقعت فيه من الأخطاء لننجو بأنفسنا من المزلات ومواطن الضرر
.
-2-

عندما نطلق هذا المصطلح " التاريخ " عربيا هل نعني به تلك الدلالة التي تشير إلى علم التدوين، أو نعني به تلك العملية التي تحيط بشعاب الأحداث والقضايا التي عاشها الإنسان في فترة معينة، برؤية ومنهاج ومعارف معينة خلال هذه الفترة، التي جعلت / تجعل من التاريخ علما وفلسفة ومنهاجا مطبوعا بالتطور الزمني وموجها بإحداثه وصراعاته وقضاياه. 

1/- جاء في دائرة معارف محمد فريد وجدي قوله :" فالتاريخ هو من أجل العلوم الإنسانية وادعاها للعناية، فيه يعرف الإنسان مكانه من السلسلة الإنسانية ومكان أمته من الهيئة الاجتماعية (العالمية المستمرة) ولو كانت فائدته تنحصر في هذه المعرفة لسهل الاستغناء عنه ولكنه فوق ذلك هو محل العبر ومثار العظات ومصدر العلم والسنن الإلهية في تكوين الأمم وحلها وإصعادها وإهباطها، وعلم هذا شأنه جدير بأن يجعل في مقدمة العلوم اعتبارا وفي صدرها إكبارا". 

2/-  أما عند صاحب كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخير في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" العلامة عبد الرحمان ابن خلدون، التاريخ هو تدوين حياة الإنسان ليس فقط فيما ينجزه في حياته من منجزات وقضايا، ولكن كل ما يصدر عنه في فكره وعقيدته وأعرافه وتقاليده وفي عمرانه وسياساته وسلامه وحروبه.بل وفي باطله وحقائقه (1) وهو ما جعل/ يجعل التاريخ أبا لكل العلوم والفنون والآداب واللغات والتقنيات وغيرها من سائر ما يعيشه الإنسان ويتخيله ويمارسه في واقعه وذهنه (2(  .

3/- وعند العلامة محمد عبد الرحمان السخاري، صاحب كتاب :" الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ" إن موضوع هذا العلم / التاريخ، هو الإنسان وزمانه ومسائله وأحواله المفضلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة في المكان والزمان، وفائدة التاريخ في نظر السخاري، هي معرفة الأمور على وجهها. 

4/- وعند العلامة أبو الحسن على المسعودي، التاريخ علم يستمتع به العالم والجاهل، موقعه الأحمق والعاقل، فكل غريبة منه تعرف وكل أعجوبة منه تستطرف، ومكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس، وآداب سياسة الملوك وغيرها منه تلتمس،يجمع لك الأول والآخر والناقص والوافر والبادي والحاضر والموجود والغابر وعليه مدار كثير من الأحكام وبه يتزين في كل محفل ومقام وأنه جملة على التصنيف، فيه وفي أخبار العالم محبة احتذاء المشاكلة التي قصدها العلماء وقفاها الحكماء وان يبقى في العالم ذكرا محمودا وعلما منظوما عتيدا" . 

التاريخ بالنسبة للعلامة المسعودي، هو معلم البشرية الحكمة والأدب ومعرفة الماضي والحاضر، فهو النبع الذي يرتشف فيه الحكماء ما يغذي روحهم في الحكمة وفلسفة الحياة. 

5/-  ويرى صاحب كتاب دروس الفلسفة، المفكر اللبناني جميل صليبا أن التاريخ معلم الحياة، والأستاذ الأول للإنسان، يزيدنا خبرة وحنكة، ويعلمنا كيف نربط النتائج بالأسباب، ونقيس الحاضر على الماضي، ونبني المستقبل على الحاضر. 
6/-  ولصاحب كتاب " قيمة التاريخ" للمفكر الألماني جوزيف هورس، التاريخ هو حاصل الممكنات التي تحققت، والتاريخ هو مصدر العبر في الحياة. 
7/- أما بالنسبة لصاحب كتاب علم التاريخ هو نشو، التاريخ مدرسة لتعليم طريقة البحث، نتعلم منه الحذر واستقلال الرأي وسماحة الطبع.

-3-

بذلك نجد مصطلح التاريخ، مشتقا من المفاهيم الأكاديمية، شرقية وغربية، ولكنه يكاد يكون معتادا في قاموسنا اليومي، نستعمله في أغراض مختلفة، ونوظفه في مجالات مختلفة، ونتكئ عليه في أحاديثنا كما في تقاليدنا وفنوننا الشعبية، مصطلح يرافقنا في الوثائق الرسمية، وفي ذكرياتنا العائلية وفي كل مساراتنا الحياتية، يتحرك معنا من الميلاد إلى الموت. 

وفي المفاهيم الأدبية والسياسية والعلمية، التاريخ بحر واسع من الأحداث والمعارك والبطولات، ومن المعطيات والمعلومات والإشارات التي سجلها الأثر الإنساني، خلال وجودها على سطح الأرض.
على مدى عقود وقرون، أثار مصطلح التاريخ، تساؤلات عديدة وافتراضات متنوعة، وآراء ذات اتجاهات شتى في تفسير الحياة وسيرها وغايتها، تساءل فيها الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين، بل تساءل الإنسان باستمرار عن منبع هذا النهر الجاري منذ الأزل، الذي نسميه التاريخ. 
وفي المفاهيم الفلسفية، التاريخ هو مسار واحد، حياة، فموت، فحياة، يسير على شكل دوائر، لكل واحدة فتحة تطل / تؤدي إلى فتحة / دائرة أخرى، وهو ما يجعل الحضارات لا تموت قبل ظهور حضارات أخرى جديدة... وهو مجموعة من الأحداث والمصادفات، قد لا يكون لها أي رابط ولا قانون تسير وفقه، ولكنها مع ذلك تلتقي في " التاريخ" حتى ولو كانت زئبقية الملامح، ولا يمكن إدراكها بيسر وسهولة. 

وفي نظر المؤرخين، التاريخ هو تاريخان، الأول معاصر حي، متحرك، والثاني ميت، يعتمد على أخبار الماضي، التي غالبا ما تكون مبثورة من احد جوانبها.

-4-

والتاريخ، قبل ذلك وبعده، هو أحد العلوم الإنسانية التي استأثرت بالعرب، في ماضيهم كما في حاضرهم...الأجيال العربية السابقة، رأت في التاريخ وسيلة علمية للعبرة في الحياة وفوائد عديدة في التربية والأخلاق، ورأت فيه الأجيال العربية اللاحقة، مصدرا للمعرفة والاستدلال وشحذ الأفكار. 

التاريخ هو العبرة، "هو مصدر الحكم والعبر، منه يتعلم الإنسان ما جربه غيره" (عبد الرحمان ابن خلدون)، وهو " مدرسة للبشرية " كل غريبة منه تعرف، وكل أعجوبة منه تستطرف، مكارم الأخلاق ومعاليها منه تقتبس وآداب سياسية الملوك وغيرها منه تلتمس، وعليه مدار كثير من الأحكام وبه يتزين في كل محفل ومقام" (المسعودي(..
 
والتاريخ هو " مصدر للعظة والعبرة التي تفيد الحياة العملية الحاضرة من تجارب الماضي من ملوك وأنبياء وحضارات سالفة، لتكون منارة لنا في طريق الحياة "(الدكتور حسن مؤنس)، و" فيه يعرف الإنسان مكانه في السلسلة الإنسانية، ومكان أمته من الهيئة الاجتماعية العالمية المستمرة" (محمد فريد وجدي)، وهو " يزيدنا خبرة وحنكة، ويعلمنا كيف نربط النتائج بالأسباب، ونقيس الحاضر على الماضي ونبني المستقبل على الحاضر" (جميل صليبا(..

-5-

في إطار هذه المفاهيم التي نحتها العقل الثقافي العربي، عبر عدة عصور لعلم التاريخ، أثيرت في العهود السالفة وحتى الآن، قضايا فلسفية تتصل جميعها بعلاقة التاريخ بالحياة المعاصرة، حيث ظهرت نظريات ودراسات جديدة، يربط بعضها التاريخ بالفلسفة والاقتصاد المادي، ويربط بعضها الآخر التاريخ بعلم الاجتماع وعلم السياسة، على اعتبار أن التاريخ هو تطوير مستمر نحو الأعلى، يجب استقطاب كل العلوم التي تساعد على تفسير واستقراء أحداثه وحوادثه. 

وخارج هذه الفاعلية برزت نظريات جديدة ومغايرة في الغرب، تقول بلا جدوى، التاريخ...وتسأل: ماذا ينفع البشرية التواقة إلى مستقبلها من رجوعها إلى التاريخ، في عصر تسيطر عليه الهواجس والأفكار والإيديولوجيات والاختراعات المستقبلية...؟. 

الفيلسوف "هيجل" يرى أن الشعوب والحكومات لن تتعلم شيئا من التاريخ ولم تأخذ أي عبرة من أحداثه وحوادثه، ذلك لأن الأخطاء تتكرر في الحياة البشرية رغم معرفتها بها. ويرى أن الحكام يدركون أكثر من غيرهم، من خلال تاريخ الأمم والشعوب، أن الحكم الديكتاتوري زائل لا محالة، وأن الظلم نهايته الفشل باستمرار، ومع ذلك يعودون إلى الديكتاتورية والى نظمها الظالمة.
ويرى زميله الفيلسوف " نيتشه " أن الالتفات إلى الماضي يحرم البشرية من التمتع بحياتها الحاضرة ويشل فاعليتها ويمنعها من الخلق والإبداع. 

ويذهب الفيلسوف " كارل هاينمبرغ بيكر" ابعد من ذلك، حيث يرى أن كل إنسان مؤرخ نفسه، وأن لكل حادث في حياة الإنسان صفة خالصة، ولا علاقة لأي حادث بالآخر. فكل حادث هو كيان خالص ومستقل عن غيره، وأن الأحداث التاريخية في غاية التعقيد والتركيب والاشتباك بحيث يصعب جدا استخلاص العلاقات الثابتة بين مجموعات منها، كما هي الحال في الظواهر الفيزيائية، وهو ما يجعل من الصعب على المؤرخ أن يقرر روابط ثابتة بين الأحداث التاريخية، كما يجعل المتلقي في ارتباك من أمره تجاه الماضي. 

ومن هنا فلا يمكن أن يكون لأي بلد وللعالم كله تاريخ واحد بل تواريخ متعددة ومعنى هذا أن عملية إعادة كتابة التاريخ ينبغي أن تكون متجددة ومسايرة للتطور الفكري والحضاري مع ارتكاز إلى التواصل ومسألة الاقتراب والابتعاد في التواريخ المشتركة بنسبة التطور الطبقي الحاصل في مرحلة معينة في مناطق متعددة من العالم .فالإنسان في تفاعله مع التاريخ موجه وحركة التاريخ الوحيدة التي لا جدال فيها هي حركة النشوء والارتقاء ذلك هو اتجاهه وتلك هي غايته. 

والحقيقة انه مهما كانت الحوادث لا تكرر نفسها وكل حادثة هي بحد ذاتها مستقلة وان استقلالها لا يعني أنها لم تكن ذاتها من أسباب أخرى تعود في أصالتها إلى التاريخ. 

فالتاريخ ليس قفزات متتالية في الهواء بل هو تجديدات للوقائع وتصحيحات وصلت اليوم إلى درجة عالية من التقدم بالنسبة للماضي، فليس هناك شيء ماض تماما بل ماض نسبي لان الرجل فلانا هو ذاته الطفل في مرحلة معينة وكذلك هو الأمر بالنسبة للمجتمعات. 
وفي نظر العديد من العلماء والباحثين المختصين، أن التاريخ لا يمدنا بحلول جاهزة لأنه لا يعيد نفسه، إلا أنه لا محال يعيننا إعانة جذرية على فهم واقعنا بل أنه لا فهم لهذا الواقع بدون العودة إلى التاريخ والفهم الصحيح شرط أساسي لالتماس الحل الناجح.
وحتى هيجل فانه يؤمن بضرورة الإلمام بالتاريخ لذا فيقول :" أما من لم يكن بالعلم الذي يشتمل على هذه التصورات الأولية المجردة فانه حتى لو ظل يحدق في القبة السماوية طوال حياته سيظل عاجزا عن فهم تلك القوانين بقدر ما هو عاجز عن اكتشافها". 

يعني ذلك هيجل يعترف بشكل واضح وأكيد انه لابد للإنسان من العودة إلى الماضي – التاريخ لأخذ العبر وصياغته في النتجية في نظرية تطوير حركة التاريخ. ضمن وجهة نظره يراها ويعتقد أنها هي المسار الصحيح للتاريخ وللحياة وهذا في الحقيقة يعود إلى تفهم كل شخص للحقائق والوقائع، ومن خلال المنظار الشخصي الذي كون هذه الشخصية والعوامل المتعددة التي دعت هذا الشخص إلى هذه الرؤيا.

-6-
الغريب في الأمر، أن الدعاوي التي تقول، لا يمكن اتخاذ أي عبرة من التاريخ، ولا فائدة منه، ظلت على اتساعها منعزلة وضعيفة في ساحة المعرفة...إذ مازال البحث الأكاديمي، يعتبر أن التاريخ ليس أخبارا مجردة، ولا قفزات متتالية في الهواء...وأنه أحد العلوم المتجددة، وأن التاريخ حتى وان كان لا يعيد نفسه، ولا يمدنا بحلول جاهزة لمشاكلنا وقضايانا الراهنة، فإنه لا محال يعنينا على فهم واقعنا، وعلى فهم الآليات التي من شأنها تطوير هذا الواقع... 
بالنسبة للبلاد العربية، التي يرصد تاريخها بكثافة حياة الحاكمين وأحوالهم وقضاياهم وصراعاتهم، في تهميش تام لتاريخ المحكومين، يبرز في افقها الثقافي سؤال حاد : كيف يمكن لهذه البلاد، التي تعيش عصرا بشريا متميزا بالتقدم العلمي والحضاري والتكنولوجي، أن تستفيد من تاريخها الماضي، لصالح تاريخها المستقبلي...؟ 
وحدهم الذين يشتغلون ب"التاريخ" يستطيعون الإجابة عن هذا السؤال الهام...ولكن متى يفعلون ذلك ؟
-7-
عربيا، سادت فكرة تفسير مصطلح التاريخ في إطار من القوانين والأشكال...وهو ما جعل المؤرخ العربي، أمام أمرين لا ثالث لهما، إما أن يتحدث ب " الوثيقة" أو يتحدث عن " الوثيقة" / إما أن يأخذ بنظرية من النظريات العالمية، ليجد لها التدبير والتأييد لها في التاريخ، ويجعل بذلك من علم التاريخ خدمة لأغراض خارجة عنه، أو يحاول استقراء التاريخ للتواصل مع النتائج الحقيقية، بعيدا عن مفاهيم ورغبات السلطة... 

إن هذه الوضعية، دفعت العديد من المثقفين العرب في نهاية القرن المنصرم، إلى المطالبة بوضع أسس مدرسة عربية لفهم وكتابة التاريخ لسد الفراغ الذي ظل يشكو منه التاريخ العربي لفترة طويلة من الزمن.

--------------------------------------
(1) الدكتور جلال الغازي / مستقبليات في علم التاريخ / مجلة مرايا مغربية
(2) الدكتور جلال الغازي / المرجع السابق

بين ازقة الذكريات

بقلم سميرة مسرار 


هل تذكر ذلك اللقاء 
بين شوارع باريس؟
كنت تنتظر في مقهى الرحيل..
هل تحن كأننا خلقنا لذاك اللقاء!؟
لم يكن حميمياً 
كلقاء عشاق هذا البلد.. 
لا نظرات..
ولا همسات 
تغرق عاشقين حتى الذوبان..
أو غزل يشعل الروح
أو عتاب يسيل الدموع
على سفوح الخد..
أو دقات قلب يعلو أنينه!
هل تذكر ذاك اللقاء....
مشينا سنوات طوالا...
قطعنا مسافات وبحار!..
كنا نقاوم صراخ الفؤاد..
نبحث عن طريق الهروب...
نقاوم الريح المعطرة بأريج الحنين...
هل تذكر ذاك اللقاء ..
وعيونا خجلى.. تشتاق..
تريد الرحيل..
تبحث عن موطن في حضن الحبيب 
قبل ان يتمزق القلب..
يظل يشكو وجع السنين 
شراينه تحكي طلقات...
نطقت بها ذكريات يوم أليم....؟
هي ذكريات مقهى الرحيل!
جئت تحمل قارورة عطر..
تمسك زهرة ومنديلا حزين !
هذي دموعي ترسم ما تبقى من حنين ...
آه من أيام سرقت!
غابت، تركت قلبا ضائعا بين الرياح
يقاوم رفات حب عاصف!
يطوف بالأشجان سبعاً..
بين شوارع اللقاء...
هل يسأل المجنون 
لماذا كل هذا الجنون..  
وطرق العاشقين بحور..لا تنتهي..؟
كيف يطيب لك العيش 
ولا يزورك طيفي كل حين..؟
كيف تنسى عناقا من أنين..
شهدت عليه كل الشعوب؟
لمن أبوح بسرنا..
وفحيح الروح يسري والشوق داء مكين؟
لترحل العيون بلا وداع !
ولتتگئ الأنامل على أكف الآهاث؟ 
ألم يسكن صدري
 والصدى يعانق البكاء..؟
فؤادي يغني حزنا..
قضى عليه الحنين...
دعني أودعك بلا دموع وبلا أنين!
هذا وعد مني رغم الدموع..
سأتركك تطير راحلا
أو تمشي بخطوات أمير ..
إني زرعت وشما لن يزول
حتى بعد الموت والرحيل!
هل تذكر مقهانا ذات شتاء؟
لست أدري..
أنت سيد النسيان..
لا تعرف كيف، متى وأين كان اللقاء؟

 ✍#سميرة  4 يونيو 2020