الجمعة، 7 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

"السلطة" بين الحامل والمحمول في الزمن العربي.

-1-
في قواميس اللغة والفلسفة والعلوم الإنسانية ،للثقافة والمثقف /للحامل والمحمول في التعابير العتيقة للغة الضاد، صفات محددة وشروط معلومة وقيم مرسومة.
"الحامل" هو المثقف الذي يتميز بالحذق والفهم واليقظة والذكاء/هو ناقد الممارسات الخاطئة، على خلفية معرفية يستطيع من خلالها تحديد الساحات الخاضعة للنقد انطلاقا من مرجعية نظرية محددة /هو الذي يواجه تحديات الفساد والسلطة الظالمة /هو من يحمل هوية الثقافة في عقله وقلبه وتصرفاته /هو من يتميز بالاستقلالية، ويتصف بقدر واسع من المعارف الفكرية المتنوعة
للدكتور زكي نجيب محمود : المثقف هو الذي يحمل أفكارا من إبداعه، أو من إبداع غيره، ويعتقد أن هذه الأفكار جديرة بأن تجد طريقها إلى التطبيق في حياة الناس.
وبالنسبة للدكتور ادوارد سعيد : المثقف هو من وهب ملكة عقله لتوضيح رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو تجسيد أي من هذه أو تبيانها بألفاظ واضحة لجمهور ما.
وبالنسبة للدكتور محمد عابد الجابري : المثقف هو الذي يقول ما يعرفه / هو ذلك الذي يلتصق بهموم وطنه، وبهموم الطبقات المقهورة والكادحة / هو الذي يضع نفسه في خدمة المجتمع، ويواجه تحدياته المختلفة ،دفاعا عن الحق والحقيقة، ورفضا لكل أشكال الظلم والقهر والتسلط في المجتمع.
وبالنسبة لعالم الاجتماع الأمريكي لويس كوزر : المثقف وريث الكهنة والأنبياء، أنه معني بالبحث عن الحقيقة والاحتفاظ بها، وبالقيم الجمعية المقدسة، تلك التي تتحكم بالجماعة والمجتمع.
-2-
أما المحمول، أي "الثقافة" فقد احتلت هي الأخرى مواقع متميزة في قواميس اللغة والفلسفة والمعرفة والعلوم الإنسانية والانتروبولوجيا، باعتبارها هي الحياة الإنسانية بأشمل معانيها وأعمق تجلياتها/هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والأعراف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيت هو عضو في المجتمع /وهي خارج كل هذه القيم موقف نقدي جريء ومسؤولية كبرى ورسالة إنسانية / وهي تشمل الفقهاء والعلماء والكتاب والشعراء والفنانين وكل المبدعين / وهي الرابط الموضوعي بين واقع الأمة وتراثها الفكري والحضاري /وهي التي تعبر عن الخصائص الحضارية التي تتميز بها كل امة من الأمم / وهي نمو معرفي تراكمي على المدى الطويل /وهي العقائد والقيم والقواعد التي يتقبلها المجتمع.
-3-
وليس بعيدا عن الحامل والمحمول،( المثقف والثقافة) ،هناك البعد الثالث في هذا الموضوع المتسع،./هو البعد الذي يدرك جيدا خطورة الثقافة و المثقف اللذان يملكان القدرة الفائقة على العبور إلى عقل الأخر، والقدرة على مشاركته أهم القضايا التي تشغله.
البعد الثالث هنا هي السلطة والذين يعملون تحت ظلها من المثقفين، والذين يشكلون رسائلها القوية لترويج أفكارها وسياساتها وبرامجها وخطبها، المدافعين عن قوتها، عن بطشها ورعبها، والعاملين على تامين سيادتها.
هذا الصنف من المثقفين، يحولون الفكر إلى سلعة تباع وتشترى، يسخرون ما يملكونه من علم ومعرفة ومنطق للتأثير على المجتمع لصالح أسياد السلطة، يتحولون إلى مدافعين عن فسادها وكذبها وتلاعباتها بمعايير الثقافة وقيمها ،وهو ما جعل الفعل الثقافي في مواجهة مستمرة و دائمة مع السلطة الجائرة.
-4-
السؤال: ماهي العلاقة بين الحامل والمحمول والسلطة في الوطن العربي اليوم ؟ هل هي علاقة فكرية موضوعية متوازنة أم علاقة محكومة بالمصالح الذاتية والطارئة للجانبين.. ؟
في واقع الأمر أن علاقة الثقافة والمثقف والسلطة في الوطن العربي، كانت ولازالت علاقة يحكمها الشك والريبة وعدم الثقة، لان السلطة كانت دائما ولا زالت، هي القادرة على فرض قوانينها وسياساتها، هي القادرة على قهر معارضيها وسجنهم وإحراق كتبهم ونفيهم وإعدامهم إن اقتضى الأمر ذلك.
في الأزمان الغابرة اتهمت السلطات العربية الحاكمة الفقهاء والمفكرين والمثقفين المعارضين لها ولبطشها، فاعتقلت بعضهم ونفت وأحرقت كتب البعض الآخر، وحكمت بالإعدام علي العديد منهم.
وفي الزمن الراهن لم يختلف الأمر،مازالت السلطات العربية تواجه الثقافة المعارضة وأهلها الرافضين لها أو لسياساتها، بالعنف والقسوة والتشريد والتهميش والسجن والإقصاء.
لقد مرت العلاقة بين المثقف والسلطة بين الثقافة والسلطة، ،بتطورات واستقطابات واصدامات عديدة ومتنوعة ،بدأ من عصر المديح والهجاء وانتهاء بعصر الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، حيت تحرر المثقف من قيود السلطة التي أصبحت تواجه ثقافة الثورات والاحتجاجات والصراعات الجماهيرية. .
مع ذلك ،الصراع بين قطبي الثقافة وأهلها والسلطة وأهلها لم ينته بعد على الساحة العربية، مازال المثقف خادم ثقافة السلطة وأسيادها، هو اخطر على الثقافة من السلطة ذاتها، ليس فقط لأنه يرضى السلطة التي يعمل تحت ظلها، ولكن لأنه يبذل الجهد المستحيل من أجل أن يكون الصواب إلى جانبها، حتى لو كانت خاطئة، ومن أجل إسكات الأصوات التي تعارضها حتى لو كانت على صواب...ومازال المثقف صاحب الفكر الحر، صاحب الرؤية الواعدة عدوا للسلطة، وتلك هي المشكلة المستعصية التي مازالت تواجه الساحة العربية ،في كل تضاريسها الجغرافية.
أفلا تنظرون... ؟


محمد أديب السلاوي

الاثنين، 3 فبراير 2020

محمد أديب السلاوي

التنمية والتخلف، ماهي شروط الحوار بينهما... ؟

في كل مكان وفي كل زمان، يحتاج الإنسان دائما وباستمرار إلى التنمية، تنمية قدراته ليتمكن من القيام بواجباته، بأنشطته وأعماله، وليتمكن من توسيع خبراته، وهو ما يجعل شروط "التنمية" ضرورة لا غنى عنها على كافة الأصعدة، ليس فقط لأنها تنطلق من نظرية التطور الاجتماعي، ولكن لأنها أيضا تجعل الحياة مريحة وفعالة.
التنمية بهذا المعنى في المرجعيات العلمية، ليست فقط رافعة أساسية للتطور، ولكنها ابعد واكتر من ذلك هي العنصر الأساسي للاستقرار والتطور الشامل، تتخذ أشكالا مختلفة، لا تهدف فقط لرقي الوضع الإنساني، ولكنها تهدف أساسا إلى بناء الإنسان وفق ما تسعى إليه قيم النهضة والتقدم والحضارة.
التنمية بهذا المعنى أيضا، هي مخطط علمي/ اقتصادي/ ثقافي يهدف إلى إحداث تغيرات في الفرد والجماعة والتنظيم من حيت المعلومات والخبرات، ومن حيت الأداء وطرق العمل. إنها عملية شاملة / عملية تغيير ونقل المجتمع من وضع إلى آخر أحسن، تهدف إلى تنمية الموارد والإمكانات الداخلية للمجتمع.
مغربيا ، تواجه التنمية ،كما هو الشأن في الدول النامية إشكالات و معوقات متعددة، تواجه إحباطات التخلف الاقتصادي/ التخلف المعرفي/ الأمية / البطالة / انخفاض الدخل القومي / الزيادة السكانية خارج التخطيط /سيادة النفقات غير الاقتصادية./ أي تواجه احباطات التخلف.
ولان التنمية ترتبط في كل مكان وزمان بالاقتصاد والسياسة والثقافة، ترتبط أيضا بالتعليم والرعاية الصحية والحد من الفقر وبالمساواة بين الجنسين والتأهب للحوادث وتحسين الظروف المعيشية ودعم البنية التحتية والخروج من فخ التخلف وإعادة توزيع الثروة، إضافة إلى الاستقرار الداخلي والديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الإنسان، وجميعها تشكل الشروط الموضوعية لبناء التنمية. والخروج من حالة التخلف.
وفي رأي علماء التنمية، أن "التخلف" احد الحقول الواسعة التي تنفتح عليها التنمية في الدول المتخلفة، ذلك لان كل الجوانب التي تعالجها التنمية في هذه الدول يكون التخلف فصيلة أساسية في البحت والمعالجة والتنظير، وهو ما يعني أن التنمية هي العلاج الأسمى لكل ظواهر ومواضيع التخلف ولاشك أن العلاقة بين الحقلين(التنمية والتخلف) قيمة سوسيولوجية، من الصعب تفكيكهما أو تشريحهما خارج شروطهما الموضوعية، / التخلف هو اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، سياسي، لذلك فان الوعي بالتخلف لا يتم إلا حينما تحدد الدول المتخلفة أهدافها البعيدة والقريبة من التنمية. أي تنمية تريد؟ ما هي الحدود التي تريدها بين التخلف والتقدم؟.
إن التنمية والتخلف في وضعهما العلمي، يعكسان بقوة الأداء الحضاري لأي مجتمع في لحظة تاريخية. التخلف يعكس العجز الذي يكبل المجتمعات، ومن تم يصبح البحت في مكامنه هو الطريق السليم نحو التنمية وآفاقها القريبة والبعيدة.
أفلا تنظرون.....؟



محمد أديب السلاوي

الأحد، 2 فبراير 2020

عبد الرحمان البكري

نغـــــــم الهجيـــــــر
****************



هذا النص 64 بيت سينشر على اجزاء
مع تحياتى : عبدالرحمن بكرى
************************
أيــــا من كان راعينـــا . وبــالأشــــواق يبقينـــــا
ملكْنــا الـــودَّ أجلى فى الصدور فصـــار يدنينـــا
وفيــض العشق يـومــاً مـــا خلى دوماً يصافينـــا
فمـــاذا حـــلَّ منكــم بعـــد ذاك الصـبِْ فتبلينـــــا
جرعنــا الضيم غـــرساً مرسلا يجــرى مــأّقينــا
وذقنـــا المـــرَّ من بعــــده شقـــاءاً كان يكـوينـــا
فمـــــا أوفى لنـــا ذكــــــرا ومـا أربى بحامينـــا
فـــإنّْـــا بالصبــابـة نصطلى نــــزْف المغيرينـــا
بلــوعات الأسى جمــر اللهيــب روى مريدينــا
أمـــا كنت الـــوعى للقلـب تـــرشدهُ أراضينــــا
فتــــروى بالفـــــؤاد بـــوار ودٍّ فى صحارينــــا
وقــــد كنت الـــرؤى بالليـــل جـــــمّ المحبّينــــا
وديـــعً فى فــــراشٍ نــــــاعمٍ يسـرى ليــالينــــا
وكنــت السكْنَ لفْــــــؤادٍ شَـرُود خــلى المجلّينــا
رمى بـــالشوق غــــمٍّ للعــــدى بجــوار نادينـــا
وكنـــت الشهْــد للـــروحِ الجديب كمـن يواسينـا
خصيــبٌ قـــد عـلا بالحصْــد يـرقى بالمنيبينـــا
ألا تـــذكرْ نسيـم الفجـــر يــــومً كان يسرينـــــا
بـأغصان العبيـــر يجـــول بثْنــاءٍ يحــاشينـــــــا
ألا تـــذكر لقــانــــا فى ليـــالِ شتـــــا يدفّينــــــا
رطيـــبٍ بالحنيــن الـصرْفِ داعبنــا ينــادينــــا
وهـل تـــذكر عناقيـــد الكروم وكـم تــلاهينــــا
بــدتْ حسْنً يجـوب هوى غروبِ تــلا تلاقينــا
فهـــلّْ لنــــا بأيّـــــامٍ نعيـــد بهـــا تَـــدَاوينـــــــا
شتـات الشوق بالأنغـــام نبْـع الوصْــلِ يشدينـــا

يتبع .........
عبدالرحمن بكرى

الجمعة، 17 يناير 2020

محمد احمد إسماعيل

رسالتي لأمي
.......
ستنتهي غدًا
الحفلة التنكرية
ويسقط الماكياج
حينما
يصيح مخرج العرض
ويعلن انتهاء المسرحية
وحينها..
ستعرفين أنني
مت.. لأنني كنت بلا قناع
حين سقطت - عامدا -
ما بين لهفة اللصوص
ورجفة الجياعْ
..
ستعرفين أنني...
فرَّقني الشعر على الحروف
مثلما يفرقون في كؤوسهم دمي
ستعرفين أنني معلق - مازلت -
في المشيمة
وحبلُك السريُّ
- كان في المسافة
التي تفرقنا -
علامة الرجوع
فحينما تبللين شعري الظمآن بالدموع
وحينما تقبلين جبهتي
سيرفع اللهُ الغطاءَ
عن عيوني
وتعرفين حينها
من كاد لي
وتعرفين..
قاتلي...!
...........................

...........................
من قصيدة (رسائل)
محمد أحمد إسماعيل 2004

الشاعر محمد احمد إسماعيل

اثنانِ في جنازتي
كلاهما مشى خلفي متسعَ الأحداقْ
الموتُ.. والعراق

مُغرَّبًا كنتُ.. عن شمسِ جيكورَ
وعن وجهِ وَفيقة
شباكُها العالي تركته
هناك في الحديقة
معلقٌ به قلبي كعقربِ الأيامْ
يدقُّ..
كلَّما دقَّتْ عظامي صخرةُ الآلامْ
"يهتف بي أن أكتب القصيدة
فأكتبُ ما في دمي وأشطبُ
حتي تلين الفكرة العنيدة"*
فأمضغ الكلام حصرمًا
أنزِعُه من شجرِ الأحلامْ
ـــــ
غادرتُ جسدي
وجئتُ.. يا عراق
متشحًا بالمِلح.. والدموعْ
في كلِّ حلمٍ أركبُ الحصانْ
فيُفتحُ البابُ.. إلى المنفَى
ويحرقُ الطريقُ للرجوعْ
ويستحثُّ المظلمون مقلتَيَّ
لأعصرَ الضياء
فيفلتُ الخليجُ من دمي
وتدخل الغربانُ رئتيَّ
وتأكلُ القمحَ الذي..
تركتُه لصبيتي الذين
لا يجيئونَ..
وترفضُ الطلوعْ
"وكل عام - حين يعشب الثرى – نجوع
ما مر عام...
والعراق ليس فيه جوعْ "*
....
الغرباءُ..
لا يجيئون فُرادَى
وليس لي قلبٌ تعلَّمَ الأسماءَ كلَّها
حتى أردَّهُم بلغةِ المحبينَ
فيحفظوا.. لساني
فكيف أُهرِقُ الماءَ الفُراتيَّ
على أكفِّهم
ولا يَرَونَ فيه روحي
تفورُ كالحِساءِ في قدورِ الفقراءْ
وكيف أُشعلُ القنديلَ في نزوتِهم
ولا يُعاينونَ اللغةَ الصلعاءَ
في فتيلهِ ..
تَذُبُّ عن كِياني
وكيف أبلغُ البصرةَ
والعكازُ قد تركتُه لوطني
ليحرسَ الأشباحَ..
في فجيعةِ البستانْ
ـــــــــــ

من قصيدة (أحزان السَّيَّابِ السبعة)
القاهرة 2008

محمد ابو الفضل العالمي

الكاتب والناقد المغربي محمد اديب السلاوي يتوج بجائزة الاتحاد العربي للثقافة


اعلن  الاتحاد العربي للثقافة بدمشق يوم التلاتاء الماضي
(13 يناير 2020)في بلاغ لأمانته العامة، انه تتمينا للعطاء التري  والمنجزات التي قدمها، واعترافا بدوره الفعال في تحقيق اهذاف الاتحاد العربي للثقافة، مما كان له الاتر  في تطوير الثقافة العربية  ودفعها الى حيت التميز و الابداع، يمنح الاتحاد العربي للثقافة بدمشق، بناء على توصيات هيئة التحكيم، واعتماد مجلس الامناء جائزة الاتحاد العربي للثقافة، الى الكاتب المغربي الاستاذ محمد اديب السلاوي.

xxx

ويحظى الكاتب والاعلامي محمد أديب السلاوي في الساحة الثقافية والابداعية العربية الراهنة، بموقع متميز، اذ يعتبر من بين اكتر الكتاب المغاربة/العرب غزارة في التاليف والانتاج الثقافي والاعلامي والسياسي، نقدا وتنظيرا، فهوذو تجربة موسوعية موسومة بالتعدد، اذ راكم تجربته مند بداية ستينيات القرن الماضي الى الان، بين التحرير الاعلامي والمقالة السياسية والنقد الفني/المسرحي والتشكيلي، والنقد الادبي والثقافي، وهو ما ساعده ليكون رصيده من الكتب  يتجاوز الخمسين كتابا، وما يزال في جعبته الكتير.

xxx

ازداد الكاتب والاعلامي محمد أديب السلاوي بالعاصمة العلمية فاس سنة 1939.
بعد ان انهى دراسته الاكاديمية، قام بعدة تداريب في الاعلام والصحافة بمصر ولبنان والمانيا.
عمل محررا وسكرتيرا للتحرير ومديرا للتحرير بعدة صحف مغربية، كما اصدر عدة صحف اسبوعية تعنى بالسياسة والثقافة والفنون.
وعلى مستوى الاعلام الدولي، عمل ملحقا اعلاميا بالمكتب الدائم للتعريب، ورئيسا للتحرير بالمنظمة البريطانية للفضاء بمركزها في الرياض/المملكة العربية السعودية.
ساهم في تحرير العديد من المجلات الثقافية العربية، منها دعوة الحق، الفكر، الاقلام، الاداب، المعرفة، الفيصل، اليمامة،
حتى الان اصدر خمسين كتابا، منها كتب في النقد والثقافة والسياسة والاعلام. والقضايا الاجتماعية.

   محمد ابو الفضل العلمي

فاطمة مندي

وفاة أخي

ثمة نهران التقيا ، فأوردا جدولين جميلين يصبان في أرض لم تكن مؤهلة لمصبهما، كان احداهما يكبر بمصب أخيه بسنوات قليلة .
قبل أن يموتا والديهما، لم يكونا نهرين، كانا بعينين يسودهما كحل ضفافهما بأبوية أكبر من ان تكن رائعة، كانا يحلمان بولديهما كما تحلم النوق بفصيلها.
ما كان لفوارغ الصمت أن تحيك لقلبه المزيد من الفجا ئع بعد أن أصمه خبر وفاة والديه فى حادث مروع حد التحجر .
ودعهما بقلب هزيل ودموع حارقة ، الصدمة غيرت خارطة حياته، وألف الاعتكاف بذكراهما كل مساء ليعتصر الصبر شوقا؛ أملا أن يدفع عن قلبه برد فقد انهما بقبص من الماضى، وهو يعلم أن بتر القلب هو بتر الوجع ، وأن كبرياء مفارقة الوجع كعصاة سليمان.مهما صمد فالليل أكله.
بقى الصغيران بلا أهل ،بلا دخل، قرر الصبى الآكبر بتر دراسته والنزوح إلى سوق العمل .
عكف الصبى على تربية أخاه وتكملة مشوار والده ، وافنى مشوار دراسته مؤقتا ليكمل مشوار اخاه.
عمل فى الورش الميكانيكية ، وأظهر رجولة متقدمة، وأد احلامه دفنها مع والديه، من أجل تربية اخاه الذى يصغره بأ ربعة أعوام، كان الأخ الصغير مازال فى الصف الرابع الآبتدائى .
تتركز فى أعماق ذاكرته كلمة والده: خلى بالك من أخوك، أهتم به، لا تتركه وحيداً، كما لو أن والده كان يعلم أن العمر قصير .

كان يعلم أنه مهما صبر فالليل طويل، ومشواره مع أخاه يحتاج اميالا من الصبر.

ظل يحمل على عاتقه حسن تربية الأخ الأصغر، سنوات طويلة.
عانى كثيرا بين عمله ومراعاة الصغير، كان بعد عناء عمله الطويل يسهر اوقات اضافيه فى المنزل بين التنظيف واعداد الوجبات والمذاكرة مع الصغير ثم يذهب إلى فراشة منهك القوى يقتله الاجهاد.

مرت الأيام والسنون ، وكبر الأخوان معا، بعد طول جهاد، وعناء ، وصبر، وتخرج الصغير من كلية الطب، ،سر به اخاه، و الشقيق الأكبر أكمل هو الاخر دراسته فى المنزل ولكنه درس فى كلية نظرية.

وأحس بعد عناء طويل أنه أدى رسالته ، ونفذ وصية والده.

وتمضى الآيام بعجلات مسرعة ، يتكرر غياب الصغير عن المنزل بحجة العمل ،عندما يتملك الشوق من خافق الاخ الآكبر لرؤية الصغير يقرر الذهاب له فى مقر عمله، ينظر إليه عن بعد، يرأه وقف مع زملاءه يرتدى ما يميز الأطباء ،سروال أبيض، يخفق قلبه منتشياً ؛ بنجاح زراعته وازدهارها، يقف بعيداً ينظر إلى الصغير فى إنبهار، يرسل إليه بعض نظرات الفخر والآعجاب تحتضنه وتنعش اساريره.

فجاءه ينتبه الصغير لوجود أخاه ، فتتغير ملامحه، ويملئ العبوس محياه ، مشيرا إلى الأخ الأكبر بزاوية عينه بالآنصراف.

يمضى الأخ الكبير يعتصره الألم، لأنه لم يستطع سماع صوت الصغير، ولم يثلج صدره بضمة تثلج صدره وتطفئ لهيب شوقه و بعده .

يبقى الأخ الأ كبر وحيداً يشتاق إلى رؤية الصغير وحيائه يمنعه من الذهاب لرؤيته أو إحراجه .

زهدت نفسه كل شئ وتلونت الأشياء أمامه بألوان باهته، يتسلل إلى قلبه شئ من حزن، وأتشحت الدنيا بلون اليأس، وارتسمت على خارطة وجهه علامات حزينه، قام من مرقده وقرر الخروج إلى الهواء الطلق، وتغير روتين أيامه، وتناول الطعام فى خارج المنزل، في أحد المطاعم، لكسر الملل والحزن الذى تسلل إلى حياته .

دلف إلى المطعم، تقدم أقرب طاولة، جلس يتصفح قائمة الطعام ،
وعندما استقر على طعام، نظر إلى الشيف ليخبره بالآختيار، على مرمرى بصره رأى اخوه يجلس مع فتاة التي كانت قف بجواره في المستشفى.
وقف من ثبات ونظر إلى اخاه نظرات عتاب، واستنكار، أشاح الصغير بوجهه فى الإتجاه الآخر، خرج من المطعم يعتصره الألم، والندم على عمره وأحلامه من أجل الصغير.

فى الطريق تنزلق الدموع مواسية وعاتبة، والنفس تهدهد اساريره وتهدئها ،والعقل يعنف ويعاتب قلبه، والقلب يرفض اللوم أو الحزن.

يقف قبالة النيل يعاتبه، شاخص النظر إلى زرقة مياهه قائلا : لماذا يانيل طعم مياهك صار مر؟ وطعامنا الذى ترويه بمائك صار ماسخ كأيامك ؟ حتى صارت نفوسنا مريضة، وتشتت معانينا، وتاهت معها سعادتنا .

انتبه من شروده إلى يد تربت على كتفه، فأستدار فوجده صديق عمره وطفولته
تعانق الصديقان، وفهم أنه رجع من الخارج كان يكمل دراسته هناك وبعد السلام الحار و مزيد من القبل الحارة لفراق السنين، سأله صديقه ماذا بك اراك باكيا
لماذا ؟

أجاب الأخ الأكبر: أخى الصغير مريض بمرض خطير.
أردف الصديق : إن شاء الله ربنا يشفيه، وحشتنى جدا، لن أقبل أعتذارك لى.

سأله : عن ماذا؟
أجاب الصديق : أن تقضى اليوم معى أريد أن أعوض ما فا تنى فى الغربة، أقضى معى اليوم، سري عني واسري عنك.

ركبا الأثنان عربة الصديق ومضى معا يوما ممتعا، تجولا فى معظم شوارع القاهرة، وتناولا الطعام أكثر من مرة، ومع ظهور أول خيط من ضوء النهار، قرر الصديقان العوده إلى منازلهم ، وأمام منزل الأخ الأكبر وقفت عربة الصديق ونزل لتوديع صديقه قائلا: يوم الخميس زفاف شقيقتي هستناك.

قال الأخ الأكبر : حاضر .

فى حفل الزفاف لمح الصديق الأخ الأكبر دالفا إلى القاعة، هرول عليه معانقا.
قال الاخ الاكبر: الف الف مبروك عقبالك، فقال الصديق : لا عقبالك اولا أقبل كى تهنئ شقيقتى .
وتقدم الصديقان من بدج العروسان وهنئ الأخ الأكبر العروس متمنيا لها مزيد من الفرحة والحياة الهانئة، ومن خلفه أقبل العريس كان يسلم على بعض زملائه ،
فأستدار لتهنئته ومد يده للمصافحة، وهنا الجمت المفاجاءة فاه.
وقفت الكلمات فى حلقه ، إنه أخاه ونزلت دموعه مسترسلة تباعا،
تقدم صديقه وقال للشقيق الأكبر : أعرفك دكتور أحمد زوج شقيقتى ، واستدار بوجه إلى الشقيق الآكبر وقال موجها

حديثه للعريس: أعرفك يا عريس هذا اروع صديق لى واحسن صديق لى إنه يعلوا مرتبة الأخ والحبيب إنه صديق طفولتى وصديق عمرى، أحبه واحترمه جدا ولو أننى عندى شقيقة أخرى ما بخلت بها عليه وأنا مطمئن، لأننى اهديها بأروع هديه .
هرول الأخ الأكبر مسرعا.
هرول فى أثره الصديق وامسك به من دبر فوجده يبكي بكاءا صامتا.
سأله فى ذهول ودهشة: ماذا بك أنت تبكي.. لماذا ؟
هل شقيقك بخير؟ فعلى صوت بكاءه قائلا : لقد تلقيت الأن خبر وفاة أخى.

فاطمه مندى