الأحد، 25 أبريل 2021

 صفحات مبعثرة من:

أوراق من ذاكرة متمردة

عبد النبي الشراط 


حالات خاصة داخل الزنزانة


1) في يوم ما جاؤوا بعالم جيولوجي أمريكي، وحين أدخلوه الزنزانة ذهل للمشهد فبدأ يصرخ ويشتم الملك باللغة الإنجليزية، سألوه ما بك؟ قدم نفسه :

أنا عالم جيولوجي أمريكي، جبت العالم كله واستقبلت من أغلب الرؤساء والملوك في دول متعددة، مرة بطلب مني ومرات بطلب منهم، جئت للمغرب كي ألتقي بالملك الحسن الثاني.. سألت شرطي المرور  عن سكن الملك كي ألتقيه، طلب مني الشرطي أن أنتظر قليلا، بعد ذلك جاءت سيارة الشرطة لتحملني إلى هنا..


( سب وشتم عنيف للملك) وسأل ما هذا المكان؟ تولى الإجابة من يجيد الإنجليزية طبعا، وكانوا يترجمون للباقين.

نحن هنا معتقلون سياسيون معارضون للنظام، وقد إعتقلونا على خلفية الانتفاضة التي تجري في الكثير من المدن المغربية هذه الأيام، ومن سوء حظك أن صادفت هذه الأحداث، كما من حسن حظك أنهم جاؤوا بك لهذه الزنزانة التي تضم كتاب وصحفيين ومفكرين، فلا تقلق ولا شك أن سفارة بلدكم ستتدخل ليفرج عنك في أقرب وقت..

مرت ثلاثة أيام اطلع فيها العالم الجيولوجي على طبيعة العلاقة بين الإسلاميين واليساريين في هذه الزنزانة، فذهل مرة أخرى لأن الفكرة التي كانت لديه عن الموضوع أنه لا يمكن لهؤلاء أن يلتقوا مع بعضهم البعض حتى في جهنم، وازداد إعجابه بالموقف الخاص بتوزيع التغذية بشكل عادل بين المعتقلين وقد أصبح واحدا منهم تماما حيث كان يحصل على حصته من الغذاء. وهو ما جعله يغير رأيه عن العرب الذين يُقدمون في وسائل الإعلام الغربية على أنهم غير متحضرين، وبعد يومين أو ثلاث نادى عليه الحارس، فاعتقد أنه سيفرج عنه، لكن الحارس منحه كيسا يحتوي على أغذية بعثوا بها إليه من سفارة أمريكا بالرباط، ودون أن يفحص ما بداخل الكيس سلمه لرئيس لجنة التغذية، لأنه كان تعود على نام الزنزانة.

بعد أيام قليلة نفذ صبره، فبدأ يشتم ويسب الملك.. من جديد وشرع في احتجاج خاص، بدأ بتمزيق قميصه في اليوم الأول من احتجاجه، وفي اليوم الموالي مزق قطعة أخرى من لباسه، في اليوم الثالث مزق سرواله (البنطلون) ولم يعد على جسمه سوى الملابس الداخلية، وكان كلما مزق قطعة من ملابسه رمى بها على وجه الشرطي حارس الزنزانة مصحوبة بسب وشتم الملك الحسن الثاني.. لم يقضي معنا كثيرا، لكننا استمتعنا بوجوده بيننا، كانت الشرطة تتفاوض مع سفارة بلاده بشأن الإفراج عنه فتم ذلك.

2) جئت زائرا فرجعت عاشقا ومعشوقا..

هذه الكلمات جزء من قصيدة شعرية ضل معتقل مصري (ساقه القدر عندنا أيضا) يتغنى بها لمحبوبته المغربية التي تنحدر من مدينة شفشاون والتي لم يكن له حديث آخر إلأ  عنها، ولا نعلم سبب اعتقاله حيث بدوره قضى أياما  وغادر دون أن ندري إلى أين..

3) مواطن من دولة غانا أعتقل بدوره لأنه سأل شرطي المرور عن مسكن الملك، كان هذا الإفريقي الزنجي يتحدث العربية بلكنة ركيكة، ولكنه كان بارعا في تجويد القرآن الكريم، حين كان يشعر بالقلق يشرع في التجويد، وبسبب إتقانه لهذا الفن، بالإضافة لجمالية صوته، كنا نحن الإسلاميون واليساريون نطلب منه من حين لآخر أن يتلو أو يجود آيات من القرآن الكريم.

4) يهودي معنا في الزنزانة:

أتت الأقدار بيهودي مغربي يملك شركة كبيرة بالدار البيضاء ، ومناسبة اعتقاله جاءت على خلفية دخوله لفندق هيلتون بالرباط ليتناول وجبة غذاء، وكان الفندق يستعد لاستقبال مؤتمر  الجالية اليهودية في العالم، بالتالي أي شخص كان يقصد الفندق ويشتبه به يتم اعتقاله حرصا على سلامة اليهود الآخرين ( المؤتمرين) الذين اصطحبوا معهم كل شيء، حتى الأطعمة والصحون استوردوها من فرنسا، حتى يقطعوا الطريق على من يريد بهم سوءا.. وبالرغم من أن هذا يهودي أيضا، فإن جريمته الوحيدة أنه مغربي، وقد يلحق الأذى باليهود الآخرين..

قصة اليهودي هذا أنه أصيب بالذعر والهلع لما علم أنه بين الإسلاميين واليساريين والفريقان يختلفان في كل شيء، إلا في كره إسرائيل، واعتقد أنهم جاؤوا به إلى هنا كي يقتل..فشرع في البكاء..البكاء والبكاء فقط.

حاول الإخوان والرفاق تهدئته فلم يفلحوا، كان رجلا قصير القامة ممتلئ الجسم ولكنه بدا طفلا صغيرا لا يقوى على كتم دموعه. ومع الأيام تأقلم مع الوضع، وكان بدوره ينال نصيبه من الطعام والشراب كسائر المعتقلين، فتحول من بكاء إلى حاكي للنكت والقصص، خاصة وأنه يجيد الدارجة المغربية، ووصل به حد تغيير وجهة نظره أنه كان يشتم إسرائيل والغرب ويمجد العرب .

لم تطل به الإقامة بيننا كثيرا حيث تدخل رئيس الجالية اليهودية بالمغرب فأطلقوا سراحه.

5) قصة معتقل خاص..

لعل أكثر واحد من معتقلي الزنزانة الشهيرة ذاق آلام التعذيب أكثر، هو الشاب عبد الكريم ( على ما أتذكر) كان يجهل القراءة والكتابة، ويمتهن إحدى الحرف التقليدية، لعله شبه لهم في مظاهرة ما فتم اعتقاله، كان منطويا جدا على نفسه، ولا يكلم أحدا.. طيلة مدة ليست بالقصيرة، تعودنا أن يأتوا لأخذه من بيننا بعد منتصف الليل، ثم يعيدوه إلينا ممزق الأضلع من شدة الضرب الذي كانوا يمارسونه عليه بقسوة، كنا نسأله..فلا يرد، لقد تعرض لصدمة نفسية خطيرة بسبب اعتقاله وهو الذي لا علاقة له بالسياسة ولا بالأحزاب ولا بالنضال إطلاقا..كان مجرد ضحية من ضحايا الأجهزة البوليسية، وبعد طول مدة بدأ يشاركنا الحديث، ولعل نقاشنا الهادئ ومرحنا المبالغ فيه أحيانا، ما جعله يغير طريقة تفكيره، علمنا أنه مجرد ضحية لا غير، ولكننا لا نملك من أمرنا شيئا بخصوص قضيته، فتهمته كانت ثقيلة جدا، ولعل أهمها هو السؤال الذي كانوا يطرحونه عليه في كل ليلة.

ما هو التنظيم السري الذي تنتمي إليه؟

بعد أسبوعين من التعذيب الشديد قرر أن يعترف..

فكر وقدر ثم قرر أن يعترف لهم بالتنظيم الخطير الذي ينتمي إليه فما هو هذا التنظيم؟

خلال النقاش كان يسمع ذكر بعض الأحزاب والتنظيمات فاختار واحدا منها، لكن لسوء حظه وبسبب عدم إتقانه لحفظ الكلمات والأسماء بدل أن يقول حزب التقدم والاشتراكية ( رغم أنه لا علاقة له به) قال أنه ينتمي لحزب الشعاع فبدأت رحلة جديدة من التعذيب والأسئلة..



أين توجد هذه المنظمة السرية؟ ما اسم رئيسها؟ من أعضاؤها؟ ما هو توجهها؟ إلخ... وانضافت متاعب جديدة لعبد الكريم، لكن حينما أبلغنا باعترافه كدنا جميعا نختنق من الضحك لغرابة الإسم الذي اختاره كي ينتهي تعذيبه، لقد كان يعتقد أنه إذا اعترف لهم سوف يكفون عنه، وقد حصل العكس..في نهاية المطاف إقتنع رجال الأمن بمظلوميته، وأنهم عذبوه ظلما، ومع ذلك كانت عقوبته الحبسية ستة أشهر، رغم تقديمه للمحكمة مكسر اليد والرجل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق