الخميس، 15 أكتوبر 2020

بقلم د. رمضان الحضري

 ذكريات الشباب

رؤية نقدية في ديوان عبدالقادر القط

************


رحم الله الأستاذ الدكتور عبدالقادر حسن القط _ رحمة واسعة 



_ لأنه قدّم حياته كلها لبلده ولفنه النقدي الذي أجاده فكان علامة بارزة في تاريخ أدبنا العربي الحديث ، وقدم حياته لعلومه ومبادئه لقاء أن يجد مكانا ليدفن في وطنه .

عاصر أكبر فترات التحول الثقافي والسياسي في مصر والوطن العربي ، حيث ولد في العاشر من إبريل عام 1916م ، وتوفي في السادس عشر من شهر يونيو عام 2002م ، فعاصر فترات الملكية لمدة تزيد عن خمسة وثلاثين عاما ، وعاصر ثورة يوليو ، وتحول المملكة المصرية إلى جمهورية مصر العربية كما عاصر العدوان الثلاثي عام 1956م ونكسة يونيو عام 1967م ، وعاش فترة حكم عبدالناصر ، كما عاش فترة حكم أنور السادات وعاصر انتصارات أكتوبر عام1973م ، وعاش فترة طويلة في حكم مبارك وشهد التغييرات السياسية المتعددة عبر هذه الفترات كلها .

كما تعرف على التغييرات الثقافية والفنية التي مرت بها مصر خلال هذه الفترة المهمة ، فتتلمذ على يد طه حسين ومحمد مندور ولويس عوض وعبدالوهاب عزام في جامعة القاهرة ، ثم سافر إلى لندن عام 1945م ليحصل على درجة الدكتوراة فتعرف هناك على الأدب الأوربي وخاصة فترة مابعد الحرب العالمية الثانية ، وعاد عام 1951م ليكون أحد المؤسسين لجامعة عين شمس ويعمل بكلية الآداب ويترأس قسم اللغة العربية في الفترة من 1962م وحتى عام 1973م ، ثم عميدا لكلية الآداب جامعة عين شمس ، كما عمل كرئيس تحرير لأكثر من مجلة أدبية أشهرها مجلة الشعر ومجلة إبداع .

وكان مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة لفترة طويلة حتى عام 1980م .

وحصل على جائزة الملك فيصل عام 1980م وجائزة الدولة التقديرية عام 1985م وجائزة مبارك عام 2002م ، وتوفي بعد حصوله على جائزة مبارك بأسبوع تقريبا .

وللقط مؤلفات غاية في الأهمية في النقد الأدبي أهمها كتابه ( الاتجاه الوجداني ) ، وله مترجمات مهمة لشكسبير وتينسي وليامز وهنري جيمس وبوشكين وتشيكوف وغيرهم .

عاصر القط الجيل الثاني بعد شوقي في الشعر ، فعاصر أنور المعداوي وعلي الجندي ومحمود حسن إسماعيل وأحمد رامي وإبراهيم ناجي وصالح جودت والهمشري وعبدالفتاح مصطفى ، كما شهد ودافع عن الشعر الحر ضد هجمات النقاد الذين دافعواعن القصيدة الكلاسيكية القديمة .

 ***************

ديوان ( ذكريات شباب ) هو الديوان الوحيد للدكتور عبدالقادر القط ، وقد كتب قصائده في الفترة من 1941 م وحتى 1943 م ، ويشتمل على أكثر من عشرين قصيدة شعرية ، هي أغلب ماكتب عبدالقادر القط من شعر ، بل تقريبا كل ماكتب من شعر ، وكان أثر الرومانسية واضحا للغاية ، فيظهر في الديوان أثر جماعة أبوللو ومدرسة الديوان ورابطة المهاجر ، ولكن غالبا كان متأثرا بجماعة أبوللو .

قدّم الدكتور القط بنفسه للطبعة الأولى ، ثم قدم سعد درويش للطبعة الثانية والتي أسظل بها حيث نشرت الطبعة الثانية عام 1987م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .



ويبدأ الديوان بقصيدة ( قلق ) والتي مطلعها :

أي إحساس بصدري يتنزى

أي أخلاط بنفسي تضطرب

ومعانٍ أوسعت روحي وخزا

وأمانٍ كالأتون الملتهب

********

وينتهي الديوان بقصيدة ( اذهبي ) والتي يقول في مطلعها:

اذهبي قد سئمت فيكِ النضالا

وتهاوى إلى الفناء اليقين

اذهبي ما أريد بعد جمالا

تغتلي تحته دماء وطين

**********

يقدم الديوان درسا مهما في علاقة اللغة بالشعر من جهة وعلاقة الشعر بالواقع الطبيعي والاجتماعي من جهة أخرى ، فالنص الشعري في ديوان ( ذكريات شباب ) يتأرجح في دائرة العلاقة بين ذات الشاعر باعتبارها الأنا الشاعرة وبين الموضوع باعتباره العالم المحيط بهذه الأنا ، وشأنه شأن شعراء عصره ، حيث إن هناك علاقة يمكن تسميتها بعلاقة ( الاتصال / الانفصال ) أو مايسميه البعض بعدم تكيف الشاعر مع مايحيط به .

**********

أولا : علاقة اللغة بالشعر .

****************

والمقصود بهذا العنوان الصغير ، أن أجيب عن سؤال هو : هل قوة اللغة وصحتها تعني صحة الشعر وقوته ؟ ، والسؤال بعبارة أخرى هل حينما يمتلك المتكلم معجما لغويا كبيرا وصحيحا يمكنه أن يكون شاعرا عظيما ؟! وهل كل الشعراء العباقرة يمتلكون معجما لغويا متسعا ؟ .

كل هذه التساؤلات تدور حول منطقة واحدة ، ويمكن الإجابة عنها بأسئلة أككثر تحديدا حيث إنها من المسلمات ، فمثلا هل كان العبقري اللغوي وأول من وضع المعاجم في العالم كله ( الخليل بن احمد الفراهيدي الأزدي ) هل كان شاعرا عبقريا ، مع معرفته الكبيرة باللغة العربية وعلومها ، وهو من أكبر المؤسسين لعلم النحو العربي ، ومكتشف علم العروض ومؤسسه ؟ مع العلم أن هناك أبياتأً عديدة منسوبة إلى الخليل بن أحمد مثل :

لَو كُنتَ تَعلَمُ ما أَقولُ عَذَرتَني

أَو كُنتَ تَعلَمُ ما تَقولُ عَذَلتُكا

لِكِن جَهِلتَ مَقالَتي فَعَذَلتَني

وَعَلِمتُ أَنَّكَ جاهِلٌ فَعَذَرتُكا

يتضح من البيتين قدرة الخليل بن أحمد على نظم الشعر لتمكنه اللغوي ، لكن عين الناقد لاتستطيع أن ترى روح الشاعر ، وحينما تغيب روح الشاعر عن عين الناقد يصبح الكلام الموزون نظما لا شعرا .

فالبيتان السابقان خاليان من التصوير ، رغم مافيهما من حوارية ، وفارغان من الجماليات رغم مافيهما من صحة اللغة واستقامة المعاني ، ودقة الفكرة ، وظني أن النثر في هذا الموقف أبلغ من الشعر ، حيث لافضل للشعر على النثر ولا للنثر على الشعر ، ولكن الفضل للكلمة التي تبلغ الرسالة وتحقق الهدف ، سواء كانت نثراً أم شعراً .

وحينما يقول عبدالقادر القط  : _

عشقتك لم أحفل بما قال قائل

ولم تستثرني عن هواك الزواجر

وما اعتقدتك النفس يوما حبيسة

لنسك به تلغو العقول القواصر *

فالبيتان من موسيقى بحر الطويل فعولن مفاعيلن ، فالأوزان صحيحة ، والمفردات فصيحة ، والمعاني واضحة ، لكن مايثيره الشعر في نفس المتلقي من شجون ، وما يلقاه القاريء من تحول في فكره أو تغير في شعوره ، أو تعديل لرؤيته ، لايمكن للمتلقي أن يجدها .

فالقط لغوي بارع يمكنه أن يستخدم قدراته اللغوية في موسقة الأفكار داخل ضفتي البحر الشعري ، في فصاحة وصحة تركيب ، لكن كل هذه المقومات لاتكفي لبناء صرح شعري حقيقي يثير النفس .


************

_ الديوان ، صـ 92

ثانياً : الأنا والموضوع

************** 

ويهدف هذا العنوان إلى بيان علاقة الذات الشاعرة بما يحيط بها طبيعيا واجتماعيا ، وتتضح هذه العلاقة في رؤية الشاعر للموجودات من حوله من جهة ، وتفاعله مع المجتمع من جهة أخرى .

يقول الشاعر عبدالقادر القط :

لا لن أنام وللظلام بغرفتي كف أراها

سأنير شمعتي الضئيلة ثم أسهر في ضياها

وأبيت مرتفقا بنافذتي تؤرقني صباها

وأراقب الدرب المليء بعصبة ثقلت خطاها

يمشون في حلق القيود وكلهم حر أباها

يتململون بعزمة وقدت رءوسهم دماها

يتلمسون على الظلام طريقة ناء مداها *

النص رومانتيكي به استطرادات الرومانسية عند جماعة 

____


الديوان : صـــ 100 


أبوللو ، وشعور المقاومة والاغتراب عند رابطة المهاجر ، ومعاناة الرومانتيكي غير المسببة في الحياة .

فهو لايقبل رؤية الظلام في غرفته وسوف يشعل شمعته الصغيرة وسوف يسهر في ضوئها ، ماسبب سهره ؟ وماسبب إضواء شمعته ؟ ، ومن أولئك المقيدين ؟ ومن قيدهم ؟ .

كل هذه أسئلة منطقية جدا ، ولذا فالمعاناة الرومانسية التي جلبها الشاعر العربي كانت معاناة غير مبررة عند من يعيشون في وطننا العربي الذي تخلف كثيرا عن ركب الحضارة ، ورضي بمجموعة من النظريات المعلبة والمستوردة ، واقتنع ببعض المصطلحات السياسية والاجتماعية اللتين لا تتناسبان مع أعراف أو تقاليد المجتمع العربي ، ليصبح المجتمع مستوردا للصدى ، ولا يمكنه صناعة الأجراس الحقيقية .

تكمن عبقرية عبدالقادر القط الحقيقية في النقد الأدبي ، فقد كان نقادة لا يجارى ، يدافع عن كل تطوير وتجديد في الأدب العربي ، ويتناول موضوعات بين التقدمية السامقة والأصالة المغرقة ، وكم حاول مد الجسور القوية بين الادب العربي والأدب الغربي في محاولات جادة وجديرة لكي نطلق عليه بانها كان عيناً ذكية تقدم لنا الأدب الغربي في صورة نموذجية يمكن الإحتذاء بها .

رحم الله العلامة النقادة اللغوي عبدالقادر القط .

********



بقلم الدكتور رمضان الحضري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق