الأحد، 28 يوليو 2019

بقلم محمد سعيد بلمقدم

ابتعدي ما شئت ..
فإني في إثرك ما شاءت المسافة ..
ارتحلي على هواك مثل فراشة ..
كوني للشمس للنهار القادم ..
كوني مظلة لغيري ولغيري سحابة ..
وابتعدي ..
ابتعدي ..
حتى لا سكون ولا هدنة ..
أيتها القصيدة التي لا تنتظر أحدا ..
أيتها الخرافية المدى ..
المجنونة الصدى لاتنتظري أحدا ..
بمن فيهم أنا هذا الوحيد ..
سيري على جناح الريح ..
حلقي عانقي الافق البعيد ..
فأنت الآن على تخوم الصحراء ..
وانا في مدن الكآبة ..
اواصل حلم ازعاج الكلام بأي كلام ..
وانظر لكفي الخائف نظرة اتهام ..
الى ما تصافح الأشباح وترضى ..
بحمل مفاتيح ممرات الظلام ..
فابتعدي ..
ابتعدي ..
لم أدرك بعد رضاك الحنون ..
فكل الذي يتبقى لي من إثرك المضيء ..
بعض الغبار المتساقط من غضبي ..
وقصة حب يائسة ستنتهي بجنون ..
ولكم لاحقتك يا سيدتي مني الظنون ..
فلما لم أظفر بقوافيك ..
قلت لانفاسي المتلاحقة فيك ..
حسبك ابتعدي ..
ثم خاطبتك ابتعدي ..
ابتعدي ما شئت يا سراب العمر ..
يا بالغة اللطافة ..
ابتعدي فلربما أنت الحقيقة وأنا ..
بعض الوهم المترنح مثل ظلي بسخافة ..
فابتعدي ..
ابتعدي ..
فمن الوارد في سيرتي ألا أعلم شيئا على الاطلاق ..
ان ارحل عن هذه الدنيا مثل رضيع ..
ألا افرق بين الصدق وبين النفاق ..
أن ارحل منسكبا كشعاع شمس حضر ..
في يوم ماطر جدا واحتضر ..
حاملا في حضنه لهفة العناق ..
وكل خيبات اللهفة والاشواق ..
مثل شاعر انتحر عند اقدام قصيدة ..
بالغة الغموض ..
يهواها ولا تهواه ..
وحين أيقن انه مرفوض ..
غادر في صمت وما انتظر ..
ان تسخر منه قلوب الحجر ..
أن يضحك من بلادته الحضور ..
حين يشبه الحب بالمطر ..
في زمن السقوط ..
فلاشيء سوى السقوط ..
إلى اعماق الحفر ..
الليل يا حبييتي لم ينجلي .. 
والقيد اللعين ما انكسر ..
اف للقيد والليل فابتعدي ..
فلربما تكفي الصور ..
كي اقول انك حاضرة ..
وأن يديك في حضن يدي ..
لا شيء عليك فابتعدي ..
ابتعدي .. 
العمر ليلة ليلاء ..
ومن سمائها غاب القمر ..
ابتعدي ..
من الوارد ألا أضع الاقدام على عتبات اليقين ..
أن أقطع كل هذه السنين ..
أمني النفس باللقاء الأكيد ..
بالجلوس ذات صفو وجها لوجه مع القدر العنيد ..
فأخبره بعض همومي 
واقاسمه في جلستنا الصريحة ..
بعض سجائري ..
وأعد بين يديه خسائري ..
وظفائر صبري وزلاتي ..
وصغائري .. 
وموتي المتجدد عند كل صباح ..
وبكائي على أطلالي ..
وصراخي في عز الأسى يا هاجري ..
من الوارد ألا أحظى بالشرف العظيم ..
ان أموت غريبا في وادي المهمشين ..
وألا اراك من حولي ترفلين ..
بكل اناقتك العجيبة ..
ان نعيش العمر كل العمر ..
غريب يغازل في مدى التيه غريبة ..
أن أفارق هذه الدنيا ذات يوم ..
ولا أقبل جبهتك الحبيبة ..
فابتعدي ..

ابتعدي ..
وحتى ذلك الحين ..
حيث تغرب شمس آخر أيامي الكئيبة ..
ابتعدي كما تشائين ..
يكفي أن ظلك الشارد يؤنسني ..
وبعض أنينيك حين تتعثرين ..
بخفي المارق كالبرق على سُرُج الحنين ..
آه كم عشقتك ..
كم أسكنتك في أمكنة لا تشبهني ..
وفرحت .. 
فرحت مثل أب رائع جدا ..
رآك رويدا رويدا تكبرين ..
تتحولين أمام عينيه من طلفة ..
إلى سيدة خارقة ..
ثم تبتعدين ..
آه عليك .. 
ابتعدي ..
آه أحبك .. 
ابتعدي ..
آه أريدك مثلما يريد النهر مصبه ..
فابتعدي ..
كي يغسل صمته في المدى المالح ..
مثل قلب زوجة عاشقة .. 
يقول اهلها يكفي ..
وتقول لا هذه كفي أمدها كي نصالح ..
آه يا ساكنة الحياة والموت إلى أبد الآبدين ..
ابتعدي ..
هرمت ياسيدتي أمام المرايا ..
وهذا وجهي اخيفه عن الصبايا ..
كأني طفل وصوتك أحلى الهدايا ..
تبعثرت تأثرت ضلت خطايا ..
بكيت .. بكيت ..
نثرت دمي رمادا هنا وهناك ..
وكنت إذا صحوت ذات فزعة ..
يخبرني الليل أنك سوف تحضرين ..
فداويت آلام البعد بالاماني ..
وسكبت اسمك في كل الاغاني ..
وشرعت أبني واهدم آمالي ..
ماهمني ان تسخر مني الليالي ..
ولا اختلافي عن سائر الرجال ..
ولا فكرة ألا تحضرين ..
فقلت بعد الشرود ابتعدي ..
وقلت بعد الشكوك ابتعدي .. 
وقلت قلت قلت ما لا تعلمين ..
فابتعدي ..
ابتعدي ..
ياحبي يا فرحي يا بشراي يا ندمي ..
ماهمني وربك إلى أين تمضي قدمي ..
ما همني صدق الوعد لو تعدي ..
ماهمني وربك ان تبتعدي ..
لكني برغم طول الصبر حزين ..
حزين جدا ..
وهذه المقهى في طنجة تشهد لي ..
و هذه الحدائق تشهد لي ..
وعيون الساهدات تشهد لي ..
وحقائب المهاجرين في الميناء تشهد لي ..
تشهد لي رائحة البحر عند الصباح ..
وكؤوس الراح التي قلبت جراحي ..
ضدي .. 
وهيجت في داخلي صنوف الرعد ..
خوف الصد .. 
خوف البعد ألا ينتهي ..
ان يختنق الذي اشتهي ..
واموت في غربتي وحدي ..
في وطني بين قومي ..
لا قوم لي .. 
لا أهل وذاك المنزل البسيط الذي اعود اليه .. 
ليس لي ..
وتلك النوافذ التي تمنح الدفء ..
تشبه في قرارة شوقي ..
همي المؤبد .. 
لن ينجلي ..
فابتعدي ..
ابتعدي ..
إني حزين حتى النخاع ..
ويعشقني منذ انجبتني امي ..
صوت العفاريت وليل الضياع ..
ويطلبني العيش مرغما دون متاع ..
عبدا كادحا في ارض الخداع ..
وانت حين تقتربين .
تاتين باثواب الوداع ..
تضحكين فاقول في نفسي ابتعدي ..
تقبلين فمي فيقول فمي في سره ابتعدي ..
ولا تبتعدين عني قيد شعرة ..
فلقد أقمت بداخلي ذات يوم ..
سجنا ومكتبة وروض اطفال ..
وجعلتني طفلا يتيما ومنعتني أن أكبر ..
في كل صبح أرى الضاحكين ..
والعابرين من غير سؤال ..
عني ..
فأقول قدر الله ماشاء ..
أصمت طول النهار و أنام عند المساء ..
أحمل هما مثل الجبال ..
فما كل الهموم نبوح بها وما كل مافي القلب يقال ..
امضي .. 
ابتعدي ..
مدي الحبال ..
شدي الرحال ..
وانطلقي ..
فلقد تعبت من السؤال ..
عن الوطن الذي تعشقين ..
عن الوجهة التي تقصدين ..
وكنت اظنني وطنا ..
فلما ابتعدت عرفت اني ..
لست سوى بعض احتمال ..
أو رجلا اتعبه النهار ..
يشرب الوقت فنجان انتظار ..
يضحك يحكي عن السفر القادم ..
يشرح للريح هذيل الحمائم ..
يضحك يحكي وفي سره يبكي ..
بؤس الحال وعيش المرار ..
وذاك أنه يعلم يا سيدتي ..
أن قد فاته القطار ..
.............
.............
جزء من نص بعنوان ( دنيا ) .

محمد سعيد المقدم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق