الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

عمر الاشقر

 بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية .

(  اللغة العربية ليست لغة الضاد كما يقولون ) !!!


اليوم  تحتفل الأمة العربية باليوم العالمي للغة العربية في دورته التاسعة ، بعد أن تقرر في المجلس التنفيذي لليونسكو في أكتوبر 2012  تخصيص 18  دجنبر من كل عام لهذا الاحتفال ...

واللغة العربية تستحق بالفعل هذا التقدير والاعتبار ، لأنها من أقدم اللغات السامية ، ومن أكثرها انتشارا في العالم ، ومن أكثر اللغات ثراء وغنى ومرونة وفصاحة وبيانا وبلاغة وجمالا ، زيادة على أنها لغة القرآن والتنزيل ، ولغة العلم والفكر والفلسفة والأدب في فترة من الفترات التاريخية ...

وقد اعتاد الناس على تسمية اللغة العربية بلغة الضاد !

حتى بعض النقاد والأدباء واللغويين درجوا على هذه التسمية ، وتداولوها على أنها اسم على مسمى محدد ، أو لقب خاص معروف لا ينتقد .

ويرجع أصل هذه التسمية إلى عهود مضت ، وربما أرجعه البعض إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جاء فيه :

أنا أفصح من نطق بالضاد !

وجاء في قول المتنبي :

وبهم فخر كل من نطق بالضاد .

ومن قصيدة جميلة للشاعر والزعيم والمحارب السوري فخري البارودي :

بلاد العرب أوطاني     من الشام لبغدان

ومن نجد إلى يمن       إلى مصر إلى تطوان

إلى أن قال :

لسان الضاد يجمعنا !

وقال أمير الشعراء أحمد شوقي :

إن الذي ملأ اللغات محاسنا      جعل الجمال وسره في الضاد .

وبالبحث في كتب الأدب ودواوين الشعر ومؤلفات اللغة والتاريخ  شواهد متعددة على أن اللغة العربية هي لغة الضاد ، بدليل أن هذا الحرف هو الذي يميزها عن غيرها من اللغات .

والضاد هو الحرف الخامس عشر من حروف الهجاء ، ومخرجه من إحدى حافتي اللسان مع أطراف الثنايا العليا .

لكن الحقيقة أن اللغة العربية ليست لغة الضاد كما شاع وانتشر وذاع ...

بل هي لغة الظاء !

وقد غلط الناس في نسبة اللغة العربية إلى الضاد بدل الظاء .

فهذا الحرف هو الذي يميز فعلا اللغة العربية عن غيرها من اللغات ، أما حرف الضاد فموجود في عدد من اللغات غير اللغة العربية .

وحرف الظاء هو الحرف السابع عشر في ترتيب الهجاء ، وهو صوت قل من يحكمه من الناطقين بالعربية أنفسهم ، وقل من يحسن نطقه ويراعي صفاته ومخرجه ، ومع أنه يشبه حرف الضاد إلا أنه يختلف عنه في المعنى والدلالة .

فليس الظن هو الضن   فالأول شك راجح ، والثاني بخل ثابت .

وقد أشار كثير من اللغويين والنقاد القدامى وحتى بعض المحدثين إلى أن العربية هي لغة الظاء وليست لغة الضاد ،

منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب أول قاموس عربي اسمه " العين " .

وابن منظور صاحب " لسان العرب " الذي قال :

" إن الظاء حرف قد خص به لسان العرب لا يشركهم فيه أحد من ساءر الأمم " .

أما الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فغير ثابت في سنده ، وبهذه العلة لا يحتج به .

وظهر رأي آخر يقول بأن اللغة العربية ليست لغة الضاد ولا لغة الظاء ، بل هي لغة الحاء !

وهذا الحرف عند أصحاب هذا الرأي هو الذي يميز العربية عن بقية اللغات ، ومن الذين انتصروا لهذا الرأي الأديب الكبير عباس محمود العقاد .

وخلاصة القول أن العربية ليست لغة الضاد لوجود هذا الحرف في عدد من اللغات ، بل هي لغة الظاء كما قال ابن منظور ...


فاطمة المسعودي

 ابتهال


عيطت لسيدي ربي ملي ضاق الحال

من غيرو سبحانو يكون لي طبيب ؟


ديما موجود بيبانو مفتوحة بلا قفال

هو الحاضر و ف ضيق الحال ما يغيب


جيتك ربي نزاوݣ ملي عودي اذبال

ياالموجود ،من غيرك و الله مانصيب


جيتك يا ربي بهموم عالية كيف لجبال

نترجاك تسوط عليها بعفوك تريب


جيتك يا ربي ملي تقضاو جميع لَحْيال

حالي ما تنفع فيه حيلة يا مول لفرج لقريب


يا ربي عندي غير رضاك هو راس مال

نترجى عفوك و رجايا فيك ما يخيب


فاطمة المسعودي سلا


الجمعة، 17 ديسمبر 2021

مجدالدين سعودي – المغرب

بداية ننقل تحيات الود من الصوفي الصافي إلى  .. أخيه العزيز " مجدالدين سعودي "  والتي  يقول فيها ما يلي : 

《أشكرك جزيل الشكر على مجهودك الكبير في جمع أجوبة المحاورة وتقديمها للقراء ليتعرفوا على إنسان يتشارك مع أصدقائه في الفضاء الأزرق أمتع اللحظات من خلال ما تجود به أقلامهم من إبداع رصين وجاد ...

أشكرك أخي على روح ثقافة الاعتراف التي تتمتعون بها ، فأنتم من بين القلائل جدا من رأى في مسارنا النقدي مشروعا عربيا يستحق الاهتمام والمتابعة ، ويستحق التعريف بواحد ممن يشتغلون بكل عزيمة وإصرار لإنجاح هذا المشروع العربي ...والحمدلله تعالى أصبح يعرفنا الإخوة العرب في كل مكان ، وأصبحوا يدركون أن الحلم حقهم الطبيعي ، وإنجاح حلمهم حقهم الإنساني ونحن نتشارك معهم نفس الأحلام ...

للأسف الشديد النقد العربي البئيس لم يستطع الخروج بعد من وصاية وجلباب سيده ( الفرنكفوني أو الأنجلوسكسوني ) ....

أقول لكل أصدقائي : 

" ما أصعب أن تكتبوا باللغة العربية وبالعقلية العربية وبالهزام العربية والتقهقر العربي وبالنخوة العربية ... ما أصعب تكتبوا نقدا بنظرية عربية ..." 


تحياتي واحترامي لكل أصدقائي في الوطن العربي وخارجه.》


--------------------------------------------------------------------


اذن من هو عبد الرحمان الصوفي؟

 إنه مبدع صوفي يتعبد في محراب مدرسة النقد الذرائعية



يقول  مجدالدين سعودي 


في استهلال عن  _عبد الرحمان الصوفي...

انه اسم كبير ينحت في دنيا الإبداع الأدبي بكل أجناسه، بإبداع وإمتاع وإشعاع ، متسلحا بكم هائل من القراءات النقدية و الفكرية و الفلسفية و غيرها ...

ينهل من الفكر العالمي والعربي قصة و نقدا وشعرا ورواية وفكرا ورؤية ونهجا..

يحترم الجميع مؤمنا و مطبقا في نفس الوقت ثقافة الاعتراف و الاحترام المتبادل مع الآخر ..


عبد الرحمان الصوفي...


هو ناقد من العيار الثقيل ، يبحث عن روح الإبداع والخلق في كل ما يكتبه أو يلامسه نقديا...

مبدع حتى النخاع..

يشتغل بتأني و فكر ...

يحمل قلمه الخلاق لبناء نقدي ذرائعي جميل ، فيه كل مواصفات النقد الحديث و الحقيقي ..

يعطي للنصوص و المجموعات القصصية و الشعرية وغيرها الاهتمام الواسع والكبير، لا يهمل حتى التفاصيل الصغيرة..ولهذا تتطلب منه المقاربات النقدية شهورا وعملا دؤوبا.

يكتب بعمق الفلاسفة وعشق المتصوفة ونبل العباقرة، وكل كتاباته النقدية والإبداعية تعتبر قيمة مضافة للنقد والفكر الانساني.

( أحب الكتاب العرب إلى قلبه من المغرب هو (المهدي المنجرة)، ومن غير العرب الفرنسي (بيير بيار) صاحب (الناقد لم يعد مبدعا فاشلا) وله العديد من المؤلفات الهامة جدا، وأقرب المدارس النقدية إلى قلبه هي المدارس السيكولوجية والسيميائية ...وأقرب النقاد إلى قلبه هو محمود العقاد العصامي الذي قرأ له كثيرا وأعجب به حد الجنون. 1 )

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


سيرته الابداعية 


يوجز لنا الأستاذ عيد الرحمان الصوفي سيرته الابداعية في ما يلي :


( حياتي تشبه حياة الكثير من المهمشين في هذا البلد الآن ما أستطيع قوله عاشق للأدب والنقد الأدبي والفلسفة ...

حالم بنهضة أدبية وفكرية ونقدية في العالم العربي...

حالم بأن أحول علم العروض إلى عروض رقمي يمكن التعامل معه حاسوبيا ... .


اشتغلت أستاذا لمادة الفلسفة ( السلك الثانوي ) ، وأستاذا لمادة اللغة العربية ( جميع الأسلاك ) . أشتغل حاليا مديرا تربويا ( مؤسسة تعليمية خصوصية / طنجة ) ، ومؤطرا بيداغوجيا 

لمؤسسات خصوصية أخرى بنفس المدينة.


– الجامعة المغربية خلال أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ، لم يكن فيها فصل واضح بين مختلف تخصصات العلوم الإنسانية ، فطالب الأدب العربي يدرس المواد الأساسية المتعلقة بالتخصص ، و يدرس كذلك موادا ثانوية أخرى ، ( يمتحن فيها كذلك ) مثل الفلسفة والتاريخ والجغرافيا والدراسات الإسلامية واللغات ... وطالب شعبة الفلسفة يدرس بدوره مواد الأدب العربي وغيرها . وأشير أن الكثير من الطلبة الذين حصلوا على شواهد الإجازة سنة 1993 و 1994 ، وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام واقع البطالة . وضع فرض عليهم العودة للجامعة، والتسجيل في تخصص آخر، أي من شعبة الأدب العربي، إلى شعبة الفلسفة، أو شعبة القانون أو غيرهما. وعبدالرحمان االصوفي واحد من جيل ( حاملي الشواهد المعطلين بالمغرب ) .

– بداية حبي وعشقي للنقد الأدبي تعود لسنة 1987 ، أي خلال السنة الأولى من التعليم الثانوي ، والفضل يعود لأستاذ مادة اللغة العربية ، التي كان يمدني بكتب علم العروض ، وكتب البلاغة والبديع والبيان ، ودراسات للعقاد وطه حسين وغيرهما ، وكل ما كان يمدني به له علاقة بالمقرر آنذاك ...

- توطدت علاقتي بالنقد في فترة دراستي في الجامعة من خلال مادة ( علوم المناهج / والأجناس الأدبية ( التحليل الشعري / التحليل السردي وغيرهما ). كما أن فترة البطالة التي عشتها لأكثر من خمس سنوات ، جعلت مني بائعا للكتب القديمة ، مهنة مكنتني من الإطلاع على أمهات الكتب في النقد الأدبي وغيره . 2 )


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


المهمات والمسؤوليات الأدبية 


- الرئيس الثالث لحركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي في الوطن العربي.

- عضو مسؤول / لجنة النشر الذرائعية 

- رئيس اللجنة العلمية لإقرار الدراسات (حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي في الوطن العربي) ، والتي أقرت مؤخرا المقطوعة السردية كجنس جديد وغيرها (انظر الموسوعة الذرائعية). 

- كنت سابقا عضوا مسؤولا في البيت الثقافي بالهند.

- مسؤول إداري مسير " مجلة الرابطة السبئية لأمراء الشعر العربي " (علم العروض التطبيقي) سابقا .

- مسؤول مسير / مجلة رابطة قمر الأجناس الأدبية والنقد الأدبي 

- مسؤول مسير / اتحاد النقاد الذرائعيين في الوطن العربي 

- مسؤول مسير / رابطة التجديد والابتكار في الأدب العربي 

- مسؤول مسير / رابطة الكتابة السرية والفن التشكيلي 

- مسؤول مسير / رابطة الزجل المغاربية 

- مسؤول مسير / اتحاد المترجمين العرب التابع لحركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي في الوطن العربي.

- مسير مسؤول / مجلة الآداب التابعة لحركة التصحيح والتجديد والابتكار .

- أنشطة جمعوية في جهة طنجة تطوان الحسيمة وخارجاها 

- كتبت مقالات في الفلسفة

- درس النقد الأدبي كأستاذ في مدرسة " النقد الذرائعي " الأولى والثانية. استفاد منها الإخوة المغاربة والعرب منحت لهم شهادة النقد التطبيقي الذرائعي بعد التفوق . لكن للأسف منهم من تراجع عن الكتابة في النقد ..

يقول عبدالرحمان الصوفي : " حلمي أن لا أختلف مع أي أحد ابدا فكل المعارف التي نحملها هي نسبية لا مطلق فيها ، ومجال التعلم مفتوح بيني وبين الآخر من المهد إلى اللحد ... ) 


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


مؤلفاته النقدية : 


- طبع مؤلفه حول التجربة الشعرية للشاعرة "مليكة الجباري" ، المؤلف في 438 صفحة من الحجم الكبير والمؤلف سيكون متواجدا في المكتبات الجامعية.


نتمنى أن ترى النور قريبا المؤلفات التالية، وهي جاهزة تنتظر الطبع...


- مؤلف نقدي جماعي يضم ست تجارب شعرية مغربية ، عنوانه " تجارب شعرية مغربية في ميزان النظرية الذرائعية " 


- مؤلف نقدي يضم كذلك ست تجارب شعرية مغربية ، عنوانه " تجارب شعرية في ميزان مقاييس المدخل الرقمي الساند "

- مؤلف نقدي يضم كذلك ست تجارب شعرية زجلية مغربيه .

- مؤلف نقدي يضم ست تجارب روائية مغربية ، عنوانه ( تجارب روائية بين كان وما ينبغي أن يكون " 

- مؤلف نقدي يضم ست تجارب قصصية، عنوانه (الشكل والانفعالية في تجارب قصصية)

- مؤلف يخص تجربة أدبية وشعرية و مسرحية لأديب وشاعر ومسرحي مغربي 

- المشاركة في الكتب الجماعية فهي كثيرة ، تدخل في إطار شراكات مع جامعات عربية ، مستقبلا سيتعرف عليها القراء . 

- الدراسات النقدية التي نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المواقع الاليكترونية والوطنية والدولية فهي كثيرة جدا، لا يتسع المجال لذكرها كاملة.

- كتب مقالات فلسفية كثبرة .

- اهتم بتوقيعات لإنتاجات أدبية في مدينة طنجة وخارجها. 

- قدمت للكثير من الإصدارت العربية شعرا وسردا ونقدا 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


عشق روحي للنقد الأدبي


يقول عبد الرحمان الصوفي:

(– بداية حبي وعشقي للنقد الأدبي تعود لسنة 1987 ، أي خلال السنة الأولى من التعليم الثانوي، والفضل يعود لأستاذ مادة اللغة العربية، التي كان يمدني بكتب علم العروض، وكتب البلاغة والبديع والبيان، ودراسات للعقاد وطه حسين وغيرهما، وكل ما كان يمدني به له علاقة بالمقرر.

– توطدت علاقتي بالنقد في فترة دراستي في الجامعة من خلال مادة ( علوم المناهج / والأجناس الأدبية ( التحليل الشعري / التحليل السردي وغيرهما ). كما أن فترة البطالة التي عشتها لأكثر من خمس سنوات، جعلت مني بائعا للكتب القديمة، مهنة مكنتني من الاطلاع على أمهات الكتب في النقد الأدبي وغيره .2)

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


الكتابة وعبد الرحمان الصوفي


عبد الرحمان الصوفي بحسه النقدي ضد التعاريف العادية للكتابة مثل : ( الكتابة بالنسة لي هي الأوكسجين الذي به أحيا 1 ) أو ( الكتابة بالنسبة لي هو الماء الذي تسبح فيه سمكة 1 )،

فيكون جوابه عمق اشكالي: ( أيكتب الانسان الكتابة ، أم أن الكتابة هي التي تكتبه؟

وهنا يمكن تقسم الكتاب الى قسمين:

- كتاب يكتبون كتابة تكتبهم (شاهدة عليهم في سلة مهملات مزبلة التاريخ = كتابة صفراء= رهان خاسر.) .


- كتاب يكتبون الواقع والأحلام قضية انسانية ( الكتابة عندهم محلة حلاجية وكأنهم يسيرون على صراط أدق من الشعرة أحد من السيف = (الكتابة قضية= الرهان الرابح..).1

الكتابة بالنسبة لعبد الرحمان الصوفي ( هوية ذاتية ومجتمعية ومطلب قضية عدالة انسانية كونية ..1 ) ، ف (بها أحيا وفيها أعيش في زمانيها مطلقه ونسبيه 1) .

وعندما يكتب عبد الرحمان الصوفي فانه يكتب بصدق وبتمعن وتروي ورؤية فلسفية ، لهذا تأتي كتاباته صادقة وشفافة وعميقة ، ولههذا يقول (المهم أن الكتابة عندي هي اجتهاد وتعلم ، فبعد كل مقالة لا بد من تصحيح وتجديد وابتكار ، والغاية أن ننال أجر المجتهد. 1 )


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


علاقة الفلسفة بالنقد


يقول عبد الرحمان الصوفي بطلاقة: ( 


– أما علاقة الفلسفة بالنقد فهي علاقة وطيدة جدا، فالمنطلق والخلفية الفكرية الفلسفية للنظريات النقدية الأدبية عبر مد العصور الأدبية هي نظريات فلسفية ( المرجع ). وأقدم مثلا : ستيفن أولمان) في كتابه دور الكلمة في اللغة، يرى أن المعنى يمثّل نقطة التقابل في ثلاثة أنواع من علم المعنى:

1- علم المعنى اللغوي/Linguistic Semantics 

2- علم المعنى الفلسفي/ Philosophical Semantics 

3 – علم المعنى العام / General Semantics

( وللتوسع في معرفة علاقة الفلسفة بالنقد، يمكن الاطلاع على كتاب ( الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني و النقدي / تأليف : عبد الرزاق عوده الغالبي )2 . 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __ 


اختيارات عبد الرحمان الصوفي


واذا سألنا الناقد الأديب عبد الرحمان الصوفي أين يجد نفسه ، هل في كتابة القصة أم الخاطرة أم النقد الأدبي ؟ فيكون جوابه : ( 

كتابة القصة: أجد الماضي الخاص بي، أجد فيها أستاذي الرائع (عبدالسلام زفزاف) الذي حفزنا على الكتابة ونحن صغار (الأولى اعدادي)، وعرفنا على كبار الكتاب المغاربة ، منهم شقسقه (محمد زفزاف ، ادريس الخوري ...)

كتابة الخاطرة : هي بالنسبة لي الحاضر بكل تجلياته ...

كتابة النقد هي بالنسبة لي مشروع مستقبلي أبنيه لبنة لبنة ، وأدافع عنه بكل ما ما أوتيت من قوة ، مشروع يجعل عزيمتي تتجدد كل لحظة ، ناقد يتبنى نظرية نقدية عربية ، ولا تصلح لغير النص العربي...1 )

ويجدد تحذيره من الانبهار بالغرب قائلا: ( كفانا انبهارا بالغرب الذي حولنا الى كائنات استهلاكية غير قادرة على الخلق والابداع ... وكفانا احتقارا لذواتنا العربية ( فمطرب الحي هو الوحيد الذي يطرب وليس غيره . 1 ) 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


مواصفات أدبية في العمل الابداعي وعبد الرحمان الصوفي


(

بالنسبة لتجربتي في مجال النقد الأدبي:

أعتبر أن كتابة الدراسات النقدية ليست وحيا يتنزل على الناقد، بل هي بحث يأخذ من الناقد ما هو مادي ( التنقلات والأسفار – شراء المراجع وغيرهما ) ، وما هو معنوي ( الوقت ، إذ يحتاج انجاز دراسة نقدية شهرا من الأيام / لا أتحدث هنا عن ما ينشر في فضاء الفيسبوك ، ويسمونه نقدا / … الحديث في الموضوع ذو شجون …

لقد أنجزت الكثير من الدراسات النقدية الذارئعية ( منها دراسات بكامل المداخل الذرائعية ) وأنجزت دراسات ذرائعية مستقطعة ( واحدة المدخل ، أو بمدخلين ذرائعين ) ، كل هذه الدراسات نشرت في مواقع اليكترونية وطنية ودولية .

اشتغلت على تجربة الشاعرة المغربية ” مليكة الجباري ” … وتمكنا الحمد لله من طبع كتاب حول تجربتها الشعبية. قدمت للمؤلف الدكتورة عبير يحيي الخالدي.

نقتطف مما جاء في تقديمها : ” 

(( الناقد عبد الرحمن الصوفي هو ذاك الناقد المحترم ، بل والأكثر احترامًا للأديب والمتلقي العادي والمتلقي المتخصص على حد سواء ، بدأ مؤلَّفَه بذكر المنهج النقدي الذي اعتمده وهو المنهج الذرائعي ( النظرية الذرائعية / عبد الرزاق عودة الغالبي ) ، فطبق آلية النظرية الذرائعية على الأعمال الشعرية للشاعرة المغربية ” مليكة الجباري” والمنظومة ضمن خمسة دواوين ، يقوم الناقد بكل أمانة بإلقاء الضوء ، وتعريفنا على مجمل القصائد عبر تطبيق الآلية الذرائعية على تلك القصائد ، معتمدًا طريقة ذكية جدًّا ، وهي التعامل مع الدواوين وكأنها ديوان واحد ، والنفاذ إلى أعماقها عبر أقرب المداخل المتاحة، دون أن يشكل ذلك إرباكًا له، ودون أن ينتقص من القيمة الثرائية لأي ديوان أو قصيدة، فوجدنا الناقد عبد الرحمن الصوفي يلج الدواوين عبر مداخل ذرائعية منتقاة بمهارة، ويغوص في دقائقها ببراعة، ويخرج غانمًا بصيده الثمين، ويعرضه علينا عرض الكريم، ليدخل إلى ديوان آخر متبعًا نفس الإستراتيجية وهكذا حتى ينتهي من الدواوين الخمسة، وقد جمع منها الكثير من الدرر … )).

من هذا المنبر أوجه ندائي لكل الغيورين في الجمعيات والاتحادات والهيئات المهتمة بالأدب والنقد في المغرب أن يساعدونني على طبع خمس مؤلفات نقدية تطبيقية أخرى لتجارب إبداعية مغربية مختلفة .


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


في الذرائعية


( الذرائعية نظرية عربية لمنظرها عبد الرزاق عودة الغالبي، لا علاقة لهذه النظرية بذرائعية جون ديوي الأمريكي أو غيره.. النظرية الذرائعية نظرية نقدية تحليلية تعتمد على مداخل ونظريات نفسية وفلسفية في تحليل النصوص الأدبية ...( أنظر الدراسات التطبيقية للدكتورة عبير يحيى الخالدي وعقيلة مرادجي وعبد الرحمان الصوفي وغيرهم ...).

كما يمكن لطلبة الجامعات المغربية والعربية بمختلف أسلاكها (طلبة الاجازة، طلبة الماستر، طلبة الدكتوراه) أن يطلعوا على الموسوعة الذرائعية في الموقع العالميspresearchgate كما أنه يمكن لكل مهتم بالنظرية الذرائعية وكتبها ( النظرية والتطبيقية) أن يطلع على هذه الكتب الذرائعية في بعض مكتبات البلدان العربية (مصر ، العراق، الجزائر، المغرب، سوريا) ..ونعد القراء أن الكتب الذرائعية كلها ستكون موجودة في معرض الدار البيضاء للكتاب مستقبلا .1 ).

ويواصل عبد الرحمان الصوفي حديثه عن المراجع الذرائعية ، فيقول:

(المراجع الذرائعية كثيرة ، نظرية وتطبيقية ، منها ما طبع ومنها ما هو قيد الطبع وأهمها:

كتاب( الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي) لعبد الرزاق عودة الغالبي.

كتاب(دور كتاب: الذرائعية في التطبيق) لعبد الرزاق عودة الغالبي و عبير يحيى الخالدي.

كتاب ( الذرائعية في اعادة سيادة الأجناس الأدبية ) لعبدالرزاق عودة الغالبي.

كتاب (دراسات نقدية ذرائعية مستقطعة – التجربة الشعرية لمليكة الجباري ) لعبد الرحمان الصوفي.

كتاب (السياب يموت غدا) للدكتورة عبير يحيى الخالدي.

كتاب( حضور القيم في قصص الأطفال) لعقيلة مرادجي.1 )

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


خاتمة صوفية 


يكبر الكاتب في عيوننا كلما تواضع ، و كلما نقل المعرفة التي يمتلكها الى الآخرين ، فأفاد و استفاد ، و تعلم و علم ، و فتح عقله النير للآخرين ليستفيدوا من تجربته النقدية و توجيهاته و عمله الابداعي المتواصل ...

هو هذا الناقد و الأديب عبد الرحمان الطايع الذي يقول كلمته و يبصم مسيرته و مسيرة الآخرين الابداعية بجدية و مصداقية ..

لهذا نقول له : سي عبد الرحمان الصوفي ، قل كلمتك و تابع مشوارك الابداعي بثقة ..

كلما قرأنا لسي عبد الرحمان الصوفي ، كلما شعرنا بمتعة التعبير و سلامة التفكير و عمق التغيير ، فنهيم في بحار أقواسه الصامتة و الحكيمة بعشق صوفي و نتشبث بأمله و مدينته الإنسانية الفاضلة .

عبد الرحمان الصوفي هو فعلا كما قلنا صوفي يتعبد في محراب المدرسة الذرائعية للأسباب التالية: ( لأنه يتبنى نظرية علمية تقيم كتابات الناقد النقدية قبل أن تكون الغاية من النقد تقييم عمل أدبي، وحتى لا تدخل كتاباته في صنف الانشاء أو الانطباع أو فلسفة الأهواء اضافة الى الالتزام المنهجي الذي هو قضية كتابة . 1 ) .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _




احالات


1 حوار مجدالدين سعودي مع عبد الرحمان الصوفي

2 امنة برواضي في حوار مع (الناقد) مع الناقد الأدبي عبد الرحمان الصوفي 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _



الخميس، 16 ديسمبر 2021

الصوفي الصافي

 دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لرواية " ملاذ الوهم والتيه " ل " عبدالكريم عباسي" .



عنوان الدراسة النقدية الذرائعية : "  الحقيقة والذريعة أو الوعي الممكن في رواية " ملاذ الوهم والتيه ".

الدراسة من إعداد : عبدالرحمان الصوفي / المغرب


أولا - التقديم :


إن منطق الطرح النظري الذرائعي التحليلي يلزمنا ويحكم علينا على أن نكون في مستوى صيغة الإبداع وجنسه ، أن نغوص فيه بعيدا عن الانطباع والإنشاء والتسرع الكفيف و أدوات الزنازين النقدية الصدئة المستوردة ، وأن يكون دافع الغوص الذرائعي هو البحث عن الحقيقة الزئبقية ، التي تفرض على الغواص تسلحه وقبوله إمكانيات الحوارالنقدي المتعدد باستخدامه أدوات مدخلية منهجية عربية تتعامل بعدل مع السطح اللامع لقشرة النصوص ولا تحدث فيها أي شرخ قبل ولوج أعماق النصوص واستخراج لؤلؤها اللغوي العربي الساحر ، بعيدا عن قضبان زنازين النقد العربي البئيس الذي لم يخرج بعد من وصاية وجلباب سيده ( الفرنكفوني أو الأنجلوسكسوني ) .  ما أصعب أن نكتب باللغة العربية وبالعقلية العربية وبالهزام العربية وبالتقهقر العربي والنخوة العربية والإحساس العربي وبالحلم والآمال العربية ... ما أصعب أن نكتب نقدا بنظرية عربية ... ومن هنا نطرح الأسئلة الفكرية المشروعة التالية :

- هل استطاعت هذه المفاهيم النقدية الغربية إثبات حضورها وموقعها في تربة غير  تربتها ؟ .

- هل الواقع العربي الراهن على الأقل في ضوء ما عاشه ويعيشه من اضطرابات سوسيوثقافية جعلته بعيدا كل البعد عن إنتاج فعل نقدي عربي ؟

- هل ظروفه التاريخية جعلته محروما من الثقة في ذاته لإنتاج نظرية نقدية عربية ؟ .

أسئلتنا ليست احتقارا لما يكتبه النقاد العرب ، وإنما نريد التأكيد على أن الناقد الأدبي العربي لم يخرج بعد من وصاية آراء نقدية وليدة ترجمات أوروبية نتج عنها غموض في الرؤية الكلية للنص العربي وللعربية التي تتميز عن كل لغات الكون ( وهذه المميزات أصبح يعرفها كل مهتم ) ، أو آراء نقدية أخرى هي حنين إلى التراث النقدي الذي استهلك نفسه ، هذا بالإضافة إلى أن الناقد العربي وضع نفسه في زاوية لا يحسد عليها ، بسبب رغبته في إيجاد بيئة عربية لنظريات نقدية غربية فرضت قهرا على اللغة العربية لتطوعها وتجعلها جاهزة لتقبل قوالب نظرية جاهزة ...

إن الكتابة الروائية تدافع وتتفاعل مع قضايا عصرها ، وأن وعيها مرتبط بثقافة بيئتها ، فالروائي لا يمكنه أن يقف موقف الحياد من واقعه ، فإذا كنا فهمنا الواقعية الروائية في علاقتها بالواقع ، لأن الرواية التقليدية اهتمت بالواقع إلى حد التماهي معه ، ذلك أن كاتبها يسعى إلى تصوير الحقيقة عن طريق عرض المعضلات الفردية والإشكاليات الاجتماعية

والتاريخية والسياسية ... ويعكسها كما هي في الواقع بأدق تفاصيله ويصورها تصويرا أمينا ، ويقوم بتحليلها وشرحها والكشف عن أسباب الداء محاولا إيجاد حلول مناسبة قادرة أن تغير ذلك الواقع ( الواقع الكائن إلى ما ينبغي أن يكون ) ، إلى أن أصبحت واقعية الرواية تقاس بمدى مطابقتها لأصلها المرجعي ( الواقع ) ودرجة التماهي معه ....

لكن قد يتجاوز الروائي كل عوالم الواقع ليشكل عوالم على نحو الممكن والمحتمل والمستحيل والمتخيل ... حيث نشأت الكتابة الجديدة بوعي جديد ، بحكم تغيرات الواقع السوسيوثقافي ، الذي استمد أنساقه الفنية والأدبية والفكرية من عوالم سردية مثيرة للدهشة والحيرة والتأمل والصدمة والانفتاح والانغلاق ... أرادت من خلال هذه العوالم  إبراز البعد السياسي بالأساس ، والذي يمثل البؤرة الفجائعية في المرحلة الراهنة التي يجتازها العالم العربي خاصة ، لذلك نجد الرواية الجديدة تثير الكثير من التساؤلات دون الإجابة عنها ، وتهتم كذلك بتشخيص القضايا الثّقافية والاجتماعية وغيرهما  بإحساس قوي وشعور واع  بحركة الحياة المتسارعة وبالقضايا الكبرى المتعاقبة في الوطن العربي والعالم التي تفاجئ الروائي كل لحظة وحين ، فتجهله مضطرا لإسناد رؤيته  على أبعاد فنّية وفلسفية وعجائبية والأيديولوجية رغبة في تنويع تقديم عوالم الرواية  ، كما أن هذا النوع يهتم بالكيان والهوية وتحقيق الذّات ... وهذا لا بعني غياب الموقف ، بل إن المتخيل والممكن والمحتمل نجده متجليا في  مواقف اجتماعية وسياسية وثقافية ...

سنستند في غوصنا الذرائعي المستقطع في رواية " ملاذ الوهم والتيه لعبدالكريم عباسي ، على مفهوم الحقيقة والذريعة ( النظرية الذرائعية العربية ) أو الوعي الممكن  في الرواية .


ثانيا - توطئة :


يقول " عبد الرزاق عوده الغالبي " : " هل الحقيقة هي الأصل أم الأصل هو الحقيقة وما موقع الذريعة من ذلك...؟ ...وبرأيي ، لا حقيقة دون أصل تسنده ذريعة ، فإن التأصيل هو جوهر الفلسفة ، وهو القاعدة للوصول إلى الحقيقة ، وهو منظور يفضي نحو التأمل في الأشياء بشكل منطقي للوصول نحو عمق جوهرها ، وكل شيء في الحياة ينبع من ثنائية واقعها ملموس وأصلها مخفي ، وينظر الماديون على أنها نوع من الفلسفة الأحادية تتبنى المادة على أنها المكوّن الأساسي للطبيعة ، وأن كل الأشياء ، بما فيها الجوانب العقلانية كالوعي ، هي نتاج لتفاعلات مادية ، أما المادية بشكل مبسّط فتحدّد العالم بعناصر محددة (مثل العناصر الأربعة نار ، هواء ، ماء ، وتراب) وهي تنظر للحقيقة من منظور الوعي المادي ...

الفلسفة الأحادية monolithic philosophy التي يمارسها الفلاسفة الغربيون بثلاث أنواع : نوع مثالي ونوع مادي والثالث محايد ، لكنها تتفق على أن الأشياء المتنوعة الموجودة في الكون تتكون من مادة واحدة ، وبهذا تكون خاصية الكون الأساسية هي

الوحدة ، تتعارض هذه النظرية مع الثنائية ، التي تقول بوجود واقعَين (مادي وفكري) ، وتنظر للكون بنظرة مثالية و موقف فلسفي نظري وعملي يردّ كل ظواهر الوجود إلى

الفكر ، أو يجعل من الفكر منطلقًا لمعرفة الوجود أو الحقيقة ، مؤكدًا على أسبقية المثال (بكل معانيه) على الواقع ، هو المذهب القائل بأن حقيقة الكون أفكار وصور عقلية ، وأن العقل مصدر المعرفة في الواقع ، و يدحض فيها الجانب غير الملموس أي الجانب المخفي أي (الأصل) الذي يكون عند هذه الفلسفة (غياب) إلا بالرؤيا ، والواقع فيها يغطي اللاواقع ، والوعي ينفي اللاوعي ، والصوت ينفي الكتابة ، وهذا جوهر حديثي ، الذي زج فلاسفة الأحاديات اللغةَ فيه ، واستكثروا الميتافيزيقية على مريدي الجانب الثنائي...

ومن وجهة نظري العكس هو الصحيح ، وبمنظور حضاري علمي واقعي ، فلا يخلق حي إلا من جذر ، ولا يخرج مرئي إلا من مخفي ، ولا نهار إلا من ليل ، والنظرة المادية تقيس الشيء بوجوده الفيزيائي لإشغاله حيزًا من الفراغ ، وهذا إقرار لوجود المكان وأهميته في الوجود واللاوجود ، وهذا بحد ذاته يقودنا نحو التبادل المكاني ، فحلول الليل يحتل مكانه النهار ، وحلول النهار يحتل مكانه الليل ، وتلك حقيقة تفهم بالنتائج وليس باللمس أو الرؤيا ، فكل موجود في الدنيا ينبع من أصل غير مرئي ، وتلك هي "ثنائية" الموجودات التي أثبتها التقدم العلمي والحضاري ، وغيّب فيها الفلسفة في قرننا التكنولوجي هذا ،  فما عادت الفلسفة كافية لاكتشاف الحقائق ، بل عوّض التقدم العلمي بكشف الأسرار التي كانت في سابق عهدها وقبل قرن حيزًا من الافتراضات..." ( 1 )


ثالثا - المدخل البصري لرواية لرواية  " ملاذ الوهم والتيه " .


رواية " ملاذ التيه والوهم " ل " عبدالكريم عباسي " ، رواية من الحجم المتوسط ، تضم مائة وست وسبعين صفحة . تبدأ الوحدة السردية الأولى المعنونة ب " نحو المجهول " بملفوظ حواري " من فضلك ، متى ينصل إلى ...؟ ، وتنتهي بالوحدة السردية الأخيرة " نهاية المضيف " بالملفوظ الاتي : " وداعا ! ...وداعا أيها المخلص ! ..." ، وتتوسط الحواري الأول ، والملفوظ الأخير اثنان وثلاثون وحدة سردية أخرى ، نقتطف من عنوانها ( في ضيافة المقدم - هناااااااااااااااك - وراء الستار - غيرة " فقيه الدوار " - احتيال من المقبرة - الطلاسم - الحضرة - الحركة الانتقالية - نهاية الديك - تيه في الصقيع - ) وعناوين صغرى أخرى ، وكلها غايتها جعل القارئ يتدرج في متابعة المشروع السردي ككل .

صدرت الرواية في طبعتها الأولى عن دار النشر " مطابع الرباط نت " سنة 2016 ، لوحة الغلاف من إبداع للفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر .

تضم الرواية إهداء قصيرا جدا ( إلى الذي كاد أن يكون رسولا ) ( 2 ) . أما التقديم فأنجزه الدكتور " أحمد أباش " ، الذي جعل رواية " عبدالكريم عباسي " تتميز بثلاث سمات ،

وهي كالتالي :

" أولا : تكسير خطية السرد وبنية الزمن واستثمر التراث ، والبيئة

الطبيعية ، والبنية الاجتماعية وأعراقها ، وأعرافها المتنوعة والعادات الراسخة والتقاليد الموروثة ، وغيرها من المكونات الشكلية التي غذت النص وطورته بشكل كبير .

ثانيا : توجيه عمله إلى إرباك الخطى التقليدية في الرواية ذات النزعة الاستغرابية أو الاستشراقية أو هما معا التي أدت إلى غربة الأدیب وتعمیق الھوة بینه وبین قارئ له.

ثالثا : توظيف روايته لخدمة تأملات نظرية جديدة في صياغة الرواية المغربية. وهذه ظاهرة مشجعة، ومنذرة، بكل ثقة وبقوة ، أن نوعا جديدا من الرواية المغربية قادم لا محالة.

في كل الأحوال ، تتجاوز هذه الرواية محطات التحول التي لازال يعرفها أدب الرواية بالمغرب ، إذ تشرع صراحة ، في اعتقادنا ، في رسم الخطوط العريضة لاستقلال الأدب عن الخطابات الإيديولوجية باعتباره غاية لا وسيلة ، أدب يبلور أسئلة مغايرة ، متحرر من قيود المدرسة التقليدية ، منفتح على مرجعيات فكرية وفنية جديدة تبلور النظر في الخلفيات الفلسفية والديماغوجية التي حكمت الكتابة الروائية السابقة ، وتسمح بانطلاق الإبداع والبحث المتواصل عن جماليات جديدة مغايرة في الكتابة والتعبير ..." (3 ) الصفحة 8 و 9 .


رابعا : السيرة الذاتية لمؤلف رواية " ملاذ الوهم والتيه" .


* عبدالكريم عباسي :


-  من مواليد 1965

-  أستاذ مؤطر للغة الأمازيغية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفرع خريكة .

* حاصل على عدة جزائز جهوية ووطنية :

-  جائزتان جهويتان على التوالي في سنتي 2008 و 2009

منحتا له من أكاديمية جهة الشاوية- ورديغة ، في المجال المعلوماتي في الأمازيغية والبيداغوجيا .

-  جائزة الاستحقاق الوطني لأطر التربية والتكوين عن سنة 2010 , صنف التربية والتكوين ، منهحت له من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية .

* من إصدارات الكاتب :

-  قصة " المصيدة " في جزأين سنة 2014

-  ثلاث مجموعات قصصية مصورة للأطفال بالأمازيغية ، تتضمن 10 حكايات ، من منشورات مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية .

-  مترجم لعدة بحوث وأعمال بالأمازيغية ، كترجمة المجموعة القصصية " السوق اليومي " للقاص " هشام حراك " للغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ . وحاصل على عدة شواهد تقديرية وعضويات شرفية من عدة جمعيات ثقافية ، وأخرى مهتمة بالإنتاج الرقمي المعلوماتي .


خامسا - من الوهم إلى التيه / الوعي الممكن في العنوان / " ملاذ الوهم والتيه "


1 – العنونة كمفتاح وانفتاح على التفسير والتأويل :


الوعي في اللغة يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه والإحاطة به.

أما مفهوم “الوعي” (Cognition) فلهذا المصطلح دلالات عديدة، ولكن أهم معانيه تتجلى من خلال علمين أساسيين في الإنسانيات الحديثة : علم النفس وعلم الاجتماع.

في علم النفس : يشير مصطلح الوعي أولاً إلى حالة " اليقظة " العادية ، ويشير ثانيًا إلى قدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين وعن الأشياء والكائنات الأخرى .

أما علم الاجتماع : فقد شرع في التركيز على أن الوعي نتاج لتطور فسيولوجي لمخ الإنسان ، ولقدرة الإنسان على العمل وابتكار اللغة ، وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة فرديًّا أو اجتماعيًّا مع الدماغ (المخ)؛ وبالتالي، يصبح اللاوعي جزءًا من الوعي ، ويتبادلان في الوقت نفسه التأثير والتأثر (4 )

إذن ، الوعي الممكن  معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه ، ومن تفاعله معه ، وتترسخ هذه المعرفة بحيث تصبح مركوزة  في اللاوعي ، أي في العقل والشعور الباطن لدى الإنسان ، ثم هي معرفة قابلة للنمو والتطور .

يقول الناقد حميد ركاطة في دراسته لرواية " ملاذ الوهم والتيه " : ملاذ الوهم والتيه كعتبة ، تطرح أكثر من سؤال ، يحمل في طياته انتظارات كبيرة ، لكنها مفتوحة على المجهول ، وعلى نهاية موجعة. " فالعنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية ، نظرا لكونه مدخلا أساسيا في قراءة الابداع الأدبي والتخييلي بصفة عامة ، والروائي بصفة خاصة " وقد نادى بها كل من لوسيان غولدمان ، وهنري متيران ، وشارل كريفل ، وروجر روفر، وجيرار جينيت . و اعتبر د. جميل حمداوي دراسة هذا الأخير seuils)) أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة.( 2)

وتكشف مسارات الرواية تركيزها على سبعة محاور رئيسية نذكر من بينها: المقدس

والروحي والمدنس / تراتبية السلطة المخزنية بالبادية المغربية / صورة المرأة داخل

الرواية / هشاشة المنظومة التعليمية / الحياة البدوية والنظرة إلى الآخر/ فظاعة الموت / قصة الثعبان.

وقد تم تمرير الخطاب الروائي بالنسج على سارية رئيسية ارتكازا على الكتابة النفسية ، والوصف ، والتقابل الضدي ، وتضمين أكثر من حكايات جانبية ، وقد اعتمد في ذلك على تمرير سلس ، وفق ترتيب لا يفقد الحكاية الأصلية رونقها ، بل أفعمتها بمزيد من الحيوية ، والتشويق ، والإثارة. لنتساءل عن أهم الخلفيات الفنية والجمالية التي كتبت بها الرواية ؟ "  (5)

" كلما انتظر أمين الصبح ، يزداد طول الليل .. يعاكسه ..عيناه مركزتان على شقوق الباب والنوافذ ، ينتظر نورالصباح لعله يخرج ليستنشق الهواء الذي حرم منه طول ليلة ليست كسائر الليالي . ليلة بشهر ، بل بسنة . بات يتساءل في نفسه : هل سأبقى هكذا طول مكوثي هنا في هذا الدوار ؟ ..." ص : 40

تجارب الحيات بكل تجلياتها تروى في الرواية بطرائق وأساليب فنية متعددة ، تتولد عن رؤية المؤلف المنتجة لهذا العمل الروائي ، كما أن الاختلاف في استخدام وتفضيل إحدى التقنيات السردية عن أخرى ، يعود لاختار المؤلف الراغب في تقديم سرد جديد يكون من باب التجريب في الرواية .


سادسا - الوعي الممكن بالزمان في رواية " ملاذ الوهم والتيه "


1 –  الوعي الممكن والولوج إلى عالم الرواية :


جاء في  " مقاييس اللغة ":  " الواو والعين والياء : كلمةٌ تدل على ضَمِّ شَيْءٍ. وَوَعَيْتُ الْعِلْمَ أَعِيهِ وَعْيًا. وَأَوْعَيْتُ الْمَتَاعَ فِي الْوِعَاءِ أُوَعِّيهِ " (6/ 124).

وفي  " لسان العرب ": الْوَعْيُ : حِفْظُ الْقَلْبِ الشَّيْءَ. وَعَى الشَّيْءَ وَالْحَدِيثَ يَعِيهِ وَعْيًا وَأَوْعَاهُ : حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ وَقَبِلَهُ ، فَهُوَ وَاعٍ ، وَفُلَانٌ أَوْعَى مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَحْفَظُ وَأَفْهَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ : (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ). الْأَزْهَرِيُّ: الْوَعِيُّ الْحَافِظُ الْكَيِّسُ الْفَقِيهُ " (15/ 396) .

الوعي الممكن في شموليته هو معرفة للمجتمع والحياة ، معرفة تستمد ستمدها من التجارب ومن الوحي ، مما يجعل الوعي الممكن  متميزا ومتمايزا ، من حيث لا يقتصر هذا الوعي على الماديات وما تدركه الحواس .

ولا يشك عاقل في أن التحلي بالوعي الممكن بات ضرورة ملحة وضرورية ، فالكوارث التي نعيشها ، والهزائم التي تكتوي بنارها البلدان العربية وغياب العدل التبعية العمياء ، إنما  هي بسبب غياب الوعي المناسب للتحديات التاريخية المفروضة ، وللآمال المعلقة.

ولذا ، فقد شكا الشيخ محمد الغزالي من غياب الوعي عند الأمة ، فقال رحمه الله : "الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء. وقد انتمت إلى الإسلام اليوم أمم فاقدة

الوعي ، عوجاء الخطى ، قد يحسبها البعض أممًا حية ولكنها مغمى عليها. والحياة

الإسلامية تقوم على فكر ناضر؛ إذ الغباء في ديننا معصية ..."  ( 6 )


2 - الوعي الممكن بالأنساق الزمانية  في رواية " ملاذ الوهم والتيه " .


يعيدنا الوعي الممكن في رواية " ملاذ الوهم والتيه " إلى مهارة التلاعب بالأنساق الزمانية في رواية عبدالكريم عباسي ، نبين منها ما يلي :


أ - النسق الزمني الصاعد :


يعرض لنا هذا النسق بداية زمن الحبك الروائي ( من فضلك متى سنصل إلى ... ؟ ) ، ثم تتتابع الأحداث فيه تتابعاً زمنياً (كرونولوجياً) كما تتتابع الجمل على الورق ...ويبدأ زمن الحبك من الحاضر إلى المستقبل " نحو المجهول " ص : 10 ، حيث نقرأ

" ... كل شيء يغلي في داخله كبركان يكاد ينفجر ، فتنساب حممه لتحرق كل شيء ، الماضي والمستقبل ، تتلف أمله في لحظات لا تريد أن تجيبه إلا بأداة استفهام مرسومة في

سراب مخيلته ، وعلى محياه ذاهب ولا يعلم إلى أين هو متجه ، ولا يعرف إلا اسما مجهولا غير متداول . اسم مكان منعدم في الزمان . منعدما في واقعه ..." الصفحة :11

تجيد الرواية استعمال الوعي الممكن بالتوثيق والتصوير الوثائقي( كأن الطريق تشارك في مخاض عسير ) وبالسياسي ( كأنه ذاهب لمنفى إجباري ...أو سجن معزول في جزيرة مهجورة ) وبالجغرافي ( اختلط عليه الشرق بالغرب والشمال بالجنوب ) ...إن الوعي الممكن ساهم في التعبير الفاعل عن الواقع الموضوعي في الزمن الصاعد ، حيث صار الفعل الروائي مؤمنا بما هو أعلى من الواقع وهكذا تملصت الرواية بمهارة من فتور سرد الواقع . كما أن الشخصية المحورية تحضر بقوة من خلال بداية الوحدة السردية الأولى في هذا النسق الزمني الصاعد ( تكاد ) ( تكاد أمعاء أمين تخرج من بطنه ) ص : 12

ويتبين من الشخصية الروائية وحدة دلالية ، مثل أي علامة لغوية ، من خلال دالها ومدلولها ..

إن الوعي الممكن  بالزمن الصاعد في الرواية  ينشط السرد الروائي فيخرج به تدريجيا من الجزئي إلى الكلي .

" جلس أمين يتأمل حاله ، وما آلت إليه أوضاعه . يعلم أنه سيواجه صعوبات جمة . كيف سيجلب الماء ؟... كيف سيحصل على الخبر ؟ ...على الأمان ؟... كيف سينتقل في الدوار بدون قيود ؟... تساؤلات بقيت عالقة ، لن تجيبه عنها إلا الساعات القادمة .. لكن ، عليه أن يؤمن بالقدرة على خيره وشره ، وينتظر الآتي من الأيام ..." ص : 34


ب - النسق الزمني المتقطع:


يعرض لنا هذا النسق فترة ما من زمن الحكاية أي الزمن  الراهن ، ثم تتوالى الأحداث فيه متقطّعة بتقطّع أزمنتها عبر سيرها الهابط من الحاضر إلى الماضي ، أو الصاعد من الحاضر إلى المستقبل . وهذه التشظية للزمن تترافق وتتناغم مع تبدل في المكان والأحداث والشخصيات مما يمنح السرد في الرواية  حيوية  ودينامية ، وتتجسد في قدرته ( السرد )  على شد انتباه القارئ ، وتحفيزه على الربط بين مسافة سردية وأخرى وبين نسق زمني وآخر  ...

" عاد وهو يكر في هذا السيناريو الإنذاري . في كلام الشابين . في رد الفعل الأول . دخل إلى القسم - المسكن وهو في صدمة كبيرة . أعد وجبة غذائه الخفيفة ، وأعد كأس شاي .

لكنه فقد شهية الأكل جراء ما رأى وما سمع ، فتذكر ما حذره منه الشيخ رحو ..." ص : 36


ج - النسق الزمني الهابط :


يعرض لنا هذا النسق نهاية زمن الحكاية ، ثم يبدأ بالنزول تدريجيا عبر المفارقات الزمنية وصولا إلى بدايتها ، لكن النسق الزمني الهابط في الرواية يتداخل بتقنيات الاستباق والاسترجاع التي تكسر تتابعه ليغدو زمنا متعدد الأبعاد حيث يتداخل فيه الحاضر بالماضي ، والمعيش بالمتذكر في اللحظة نفسها . وهذا اللعب بالزمن يسرع وتيرة السرد ويحرره من رتابته ،  ويحفّز المتلقي على الانتباه عند الانتقال من مسافة سردية إلى أخرى ومن نسق زمني إلى آخر .

" يكفي تذكر شعر شوقي الذي دعا فيه الكل للقيام للمعلم ، ليوفيه الناس التبجيلا ..ذاك الذي كاد أن يكون رسولا ..." ص : 43

زمن الرواية زمن درامي يخفي في طياته أشكالا متعددة من الصراع في الداخل ( الباطن ) والخارج ( المحيط / الواقع ) تنعكس على بطل الرواية عبر مواجهته لنفسه وشروط حياته الجديدة القاسية في مجتمع وبين أناس وواقع يجهل عنه كل شيء ، مما جعل البطل " أمين " يتبنى قيم الخير ، صارت هذه القيم العجائبي الذي لن تموت أبدا ، وإن مات البطل " أمين في الرواية ...

" وبعد أيام ، حضر والده إلى الدوار لأخذ بعض وثائقه الإدارية ، وجمع بعض أغراضه من قسمه ، ومن المنزل الذي كان يسكنه . عندما فتح الباب الخشبي الكبير ، إذا به يرى ما لم يره المرحوم أمين منذ أن حل بهذا المكان ..." ص : 173

نلاحظ في رواية " ملاذ الوهم والتيه " أن الأنساق الزمانية تتداخل أحيانا في هذه الوحدة السردية أو تلك إلى الحد الذي يصعب فيه الفصل ما بينها . غايتنا مقاربة أشكال اشتغال الرواية على الزمن وتقنياته ، ومعرفة المستوى الفني الذي بلغته في هذا المجال . لقد حقّقت الرواية إنجازا مهما في اشتغالها على الزمن ، وفي توظيفه فنيا ودلاليا ، بما يعزز

تجربة " عبدالكريم عباسي " ويدفع بمغامرته الإبداعية إلى أوسع مدى. ونلاحظ في روايات أخرى أن نسق الزمن المتقطّع يكاد يهيمن على مجمل التجارب الإبداعية الجديدة التي تتوخى التجريب وكسر المألوف ، فيما يتراجع نسق الزمن الصاعد الذي لازم الرواية التقليدية على وجه الخصوص ، وما يزال النسق الزمني الهابط يحافظ على موقعه بين هذين النمطين بوصفه تقنية للتشويق ، وعنصراً بنائيا في الحبكة الروائية القائمة على الحكاية ...

" بعد يومين من غياب سكان الدوار ، وفي ليلة مظلمة حالكة ، تصعب فيها الرؤية الليلية في البادية ، وتتشابك فيها الأغصان مع بعضها ، والأشجار والأحجار تلخبط السير في المسارب ، فيصعب التنقل من مكان إلى آخر ، استغل إمام الدوار غياب والدي فاطمة تبيضاويت اللذين ذهبا لزيارة الولي الصالح . جاء خلسة يتسلل بين الأشجار . تسلق شجرة

تعانق جدار المنزل ، فصعد عبر جذعها وأغصانها إلى سطح منزل فاطمة المنغمسة في نومها وأحلامها العميقة ..." ص : 93

تنفتح السردية الموقوتة في رواية " ملاذ الوهم والتيه " على التشظى وتمنح الرواية

سعة مشوقة . وهذه الخلية ( السردية الموقوتة ) تواصل وتتكرر بين الحين والآخر في صفحات الرواية ، " كأن لها وظيفة الأنعكاس الشرطي وفق نظرية بافلوف "  .

ونختم هذا المحور بسرد وجهات نظر حول زمن الرواية ، فهناك من يرى أنه هو زمن

الحدث ، يذهب آخر الى انه زمن الكتابة ، وثالث يراه زمن القراءة ، ورابع يقول ان زمن الرواية ، وهناك من يقر با لأزمنة الثلاث في الرواية  وهي : " زمن الحدث ، وزمن الكتابة ، وزمن القراءة . لكن " آدم مندلاو " في بحثه «نظرية الزمن في الرواية» وأنماطها المختلفة وعلاقته باللغة ، يرى ان مشاهير الروائيين كانوا دائما منشغلين بالزمن في قيمه وأنواعه " ( 7 ) .

يقول الناقد  حميد ركاطة : " رواية ملاذ الوهم والتيه ، للروائي المغربي الأستاذ عبد الكريم عباسي ، قدمت فصولا مثيرة عن حياة معلم بالبادية المغربية ، ومعاناته ، وصموده ، وعن آماله ،  وصراعه المرير سواء داخل القرية ، أو مع الطبيعة وقسوتها ، ليكشف عن تخاذل منظومة تعليمية بأكملها ، وعن هشاشتها وعن بنياتها المهزوزة. وما تمارسه من اقصاء ممنهج في حق رجال التعليم ، الذين يتعرضون لشتى أنواع التنكيل والقهر والدونية. لقد تجلت صورة المعلم واضحة ، كما أنها اتخذت أوجها متعددة بين معلم متمرد على قوانين الدوار، ( نجيب الذي كان يصنع الماحيا ) إلى معلم تمكن من التعايش بعد فصول صراع مرير ( البطل) ، إلى معلم تنتهك حرماته بعدما صار محط أطماع الغرباء كما حدث للمعلمة التي هتك عرضها. وهو هتك له أكثر من دلاله على غياب التقدير الاجتماعي ، والحضوة ، والهيبة. فالمعلم برز كطريدة يحاول الجميع اصطيادها : ما قامت به بنات

الدوار ، وكذلك العم ابراهيم ، كما أنه غير ذي قيمة اجتماعية ، كما تقدم الصور الأولى لحضور المعلم للقرية ويقابل طلبه للسكن داخل الدوار بالرفض من طرف القرية ، والحرب الشرسة التي خاضها معه إمام الدوار ، والطرد الذي تعرض له أصدقاؤه في الفرعية المجاورة التي حل بها ضيفا عليهم. وتضامن السكان مع المرأة العجوز صاحبة الديك.كما قدمت الرواية إلى جانب الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها رجال التعليم كذلك من طرف رؤسائهم المباشرين الذين تخفي تصرفاتهم وتضمر كل أساليب الاستغلال البشعة (صورتي المدير والمفتش) كذلك.لقد فتحت الرواية أكثر من مسار لمناقشة العقلية البدوية ، وعاداتها وتقاليدها ، من خلال حفر سيكولوجي ، وسوسيولوجي ، كعينة صغيرة داخل قرية لتقديم صورة عن واقع عام عن وطن بأكمله. سواء في تراتبية سلطاته ، أو علاقاته ، وقضاياه الأكثر الحاحا ، ومصيرية. لتبقى رواية ملاذ الوهم والتيه، إضافة نوعية للخزانة المغربية بسدها لنقص في نقل واقع الكتابة روائيا عن البادية المغربية ... " ( 8 )


سابعا : مجالات الوعي الممكن في رواية " ملاذ الوهم والتيه " .


أما عن الوعي الممكن المطلوب ومجالاته في الرواية ، فيمكن أن نقول إن الوعي المتواجد في هذه رواية " ملاذ الوهم والتيه "  فهو نوعان : وعي ممكن  بالذات  في الزمان والمكان ، ووعي ممكن بالآخر كذلك في الزمان والمكان .

1 - الوعي الممكن بالذات في الزمان والمكان  :

يشمل الوعي الممكن بالذات في اختلاف الزمان : ماضيا ، وحاضرا ، ومستقبلا . والوعي الممكن بها في اختلاف المكان سواء محليا أو وطنيا أو عربيا ...

فالوعي الممكن بالذات ماضيا : أي معرفة من نحن ، وكيف وأين نشأنا ، وما مسيرتنا ومسارنا ، وهل لنا تاريخ نتصل به ونستفيد منه للنطلق نحو المستقبل ، أم إننا نبدأ من نقطة الصفر ، . وكيف يكون ماضينا زادا ينير الدرب ويقوم الخطوات لمستقبل مشرق ...

أما الوعي اللمكن بالذات حاضرًا : أي معرفة واقعنا الذي نحياه بكل تجلياته وقضاياه في مختلف المجالات ، بدقة ، فندركه كما هو ، دون تجميل أو تقبيح ، ودون تهويل أو تحقير. وإضافة للوعي الممكن بما يفرضه علينا واقعنا من قضايا واهتمامات وأولويات ، حتى نحسن التعاطي معه ، ولا ننفصل عنه ونرتمي في حضن التغريب ...

أما الوعي الممكن بالذات مستقبلا : أي بالآمال المرتجاة ، والرؤية الصادقة التي لا تخيب وبالفرص المتوقَّعة ، وبكيفية التعامل معها من خلال الإمكانات المتوافرة ، حتى نجمع بين المثالية والواقعية في وسطية واتزان ، ولانزيغ عن طريق الخير ...

" التحق أمين بالمنزل الجديد - القديم . يتخيل إليه كأنه فأر يتنقل من جحر إلى آخر ، حاملا أمتعته وأغراضه أينما حل وارتحل ، باحثا عن الراحة والاطمئنان والاستقرار والأمان ، في وقت هو جدير بمن يفكر فيه ، ويوفر له ما يزمه من ظروف الراحة وشروط العمل ، وألا يصب هو تفكيره وانشغاله إلا في مهنته ومهمته كتربوي يؤدي رسالته النبيلة ..." ص 52

وأما الوعي الممكن بالذات في اختلاف المكان في الرواية ، فصار إنطلاقتها ومفتاحها وبؤرتها ...

تقول الناقدة  " حليمة وازيدي " في دراستها للرواية : " ... لأن جل أحداث النص وجل الأفعال التي يقوم بها الممثلون ترتبط به، فهو سيعمل على إدماج فضاءات أخرى ستنمو حولها أحداث النص. كالمدرسة والبيت...يحيل هذا الفضاء على القهر والظلم والإلغاء، تجسدها المعاناة التي يتكبدها كل راغب في الوصول إلى هذا الدوار الذي يوجد في أعماق الجبال ...

فبالرغم من أن الفضاء المكاني الجبل يعد جزء من الطبيعة وفضاء مفتوحا ومنفتحا على العالم واتساعه، ويوهم بالحرية، إلا أنه بالنسبة لأمين وباقي شخصيات النص فضاء يمثل سجنا، ويرمز إلى القوة والشدة والصمت القاتل، نظرا لصعوبة التنقل وغياب البنيات التحتية كالطرق مثلا لتسهيل عملية التنقل.

فالفضاء المكاني الدوار يعد فضاء بؤريا، فهو يدمج مجموعة فضاءات أخرى كالفضاء المكاني المدرسة.

ـ الفضاء المكاني المدرسة: يعمل الكاتب على تعرية واقع المدرسة المغربية شكلا ومضمونا "نصف كرسي"، "مكتب لم يبق منه إلا الاسم" و "مستوايات متعددة في قسم واحد مشترك" فإذا كانت المدرسة فضاء للتثقيف ونشر الوعي والتفتح على عوالم مجهولة، فإنها في هذا النص لا تحمل مواصفات المدرسة، بل مكان يجتمع فيه تلاميذ يذل مظهرهم الخارجي على مدى بؤسهم ومعاناتهم ... : ( 9 )

رواية عبدالكريم عباسي من الروايات العربية التي أخذت بسحر التخييل والسرد المغلف بغلاف الذاتية .


3 - الوعي الممكن بالآخر في  الزمان والمكان في الرواية :


بجانب الوعي المكن بالذات ، هناك الوعي الممكن  بالآخر ، ولا تستقيم معرفة الذات

حتى نعرف الآخر . فيجب أن نعرف كيف يفكر الآخر ، وما نقاط قوته وضعفه ، وما عوامل التلاقي والحوار التي تجمعنا به ، وأسباب الاختلاف والنزاع التي تفرقنا. ( وهل "الآخر"كتلة مصمتة لا مفر من الصدام معه ، أم هناك "آخر" يمكن الحوار والتفاهم معه على أرضيه مشتركة ، و" آخر" غير ممكن معه ذلك ) . والوعي اللمكن بالآخر تصدر وهيمن على الكثير الملفوظات والمقاطع السرية في الرواية .

" بدأ خالي ابراهيم يكسر اللوز ويمد أمين به ليأكله بدل وضعه في بلغته أو كيسه كالمعتاد ..انهال عليه بجملة من الأسئلة المتتالية المحرجة . يصبها عليه كطلقات نارية . أحيانا تبدو هادفة لحبه للمعرفة ، وأحيانا أخرى تشبه أسئلة بوليسية ..." ص 113

الوعي الممكن بالآخر مرتبط بالمكان في الرواية كمحطة أساسية في رواية " ملاذ الوهم والتيه " ، لما له من دلالات وإسقاطات وإيحاءات منها المباشر والغير المباشر في تشكل هذا الوعي الممكن في الرواية . فالمكان ذاكرة جمعية كاشفة عن مكونات الصراع بين ثقافتين متغايرتين ، فالوضع الذي وجد في أمين البطل نفسه شبيه بوضع الذي وجد فيه بطل " موسم الهجرة إلى الشمال " . يرتبط الوعي الممكن بالآخر ارتباطا وثيقا بالمكان وسيعطى لهما الدور الكويني الأساسي في الرواية . يقول موسى ربابعة : " ...فالمكان بغض النظر من ماهيته وكينونته وتمظهراته لا يستند على الجغرافيا فقط ، وإنما يغدو جزءا مهما من نسيج البناء الروائي ..." ( 10 )

" أما أنا يا سيادة الإمام ، فسأتسبب لك في السجن إن شاء الله . إذا لم تبتعد عن طريقي ، وتحترم حرمة النساء في هذا الدوار الذي احتضنك وأمنك وأطعمك ، وأفاض احترامه وتقديره وثقته بك وتطعن رجاله من الخلف بكل وقاحة ! . أخبرك أنني على علم بكل

جرائمك ، بل كل الناس يعلمون ذلك ، ويتحينون فرصة وقوعك في الفخ ..! " ص : 84


4 - الوعي الممكن بالجماعة في رواية " ملاذ الوهم والتيه " :


إن الوعي الممكن يزيد وينقص ، وليس أمرا ثابتا في الرواية .. فقد يتوافر هذا الوعي عند المؤلف في بعض المواقف ، وقد ينحسر في وحدة سردية أخرى . وقد يتوافر الوعي الممكن في الرواية بقضية دون قضية أخرى . وهذا التكنيك سلكه المؤلف ليرفع درجة الوعي بقراءة التجربة من خلال التحلي باليقظة والتأمل والنبش الذي يولد التشويق والمتعة بالمقروء .

إن الوعي الممكن الجماعي في الرواية بلغ من التعقيد والتشابك اختلط فيه العرف بالتقاليد والعادات والدين ....

" في أحد الأيام قرر أمين أن يذهب لأداء صلاة الجمعة التي تقام في المسجد الصغير

الوحيد بالدوار . مسجد يؤدي عدة أدوار اجتماعية ودينية وسياسية أحيانا ، إلى جانب الشعائر الدينية ، يعقد فيه رجال " الجماعة " كل اجتماعاتهم ولقاءاتهم للمذاكرة في كل القضايا التي تهم الدوار ، وفيه تقام الولائم أحيانا كلما تعلق الأمر باجتماع مطول أو مصيري خصوصا وقت الانتخابات ، أو حلول شخصية مهمة ، أو مسؤول من الدولة . حاول أمين أن يتصالح مع ذاته ويقنع نفسه ويخرج من انعزاليته ، ويتغلب على سخطه عن الظروف الصعبة التي وجد نفسه حبيسها ومكرها على التكيف معها ..." ص 53

تتعرض الرواية لحالات كثيرة في تجويف الوعي عند الناس ( سكان الدوار ) ، أي تجريف الوعي عند أعداد وشرائح لا يستهان بها داخل المجموعة والجماعة ، بحيث أصبحت رؤيتها مشوشة بالفهم الخاطئ للدين وطريقة إدراكها لذاتها ، وقيمها ، والعالم من حولها ، طريقة غير سوية. الأمر الذي استدعى من أمين  مضاعفة الجهد لنشر نور العلم وتصحيح مسار الجماعة . كما أن أمين جعل من الوعي الممكن قضية أعطاها أهمية كبيرة ، وجعلها قضية حياة أو موت ، وجود أو فناء ، فاعلية أو خمول وتخلف .

" لقد أحدثت فكرة انتقاله رجة كبيرة وسط الساكنة . فلم يعد حديث الجميع إلا عن المستجد الذي نزل عليهم كالصاعقة . لأنهم يعلمون أن المدرسة ستشل بدونه ، ويخافون أن تتكرر قصتهم كالتي حدثت مع الأستاذ سي جمال بائع " الماحيا " والتي لم ينسوها إلا بعسر الأنفس . وبحسن سي الفقيه أمين الذي قلب الأمور إلى الأفضل ... " ص : 132

إن زاوية الرؤية وتصور الذات وعلاقتها بالآخر ، تضع الفرد أمام ضرورة البحث عن ذاته في الواقع المعيش ، الذي يتيح عادة إمكانيات التفاعل والتبادل والاندماج والتواصل والتثاقف ... للقد مالت الرواية الاعتقاد الذي يرتبط الإنسان و يميل إليه ، هذا الاعتقاد  الذي تتحقق فيه ذات الجماعة .

كما أن تحقيق الذات الجماعة هو وعي ممكن يحققه الفرد في إطار هذه  الجماعة وفي ظل الظروف التي يعيشها ، هذا الوعي الذي يمكنه  من معرفة المحيط  المكاني وتحديد مكانته ودوره  الفاعل فيه أو يعمل على منحه واكتسابه دورا ومكانة للتفعيل والتفاعل ، وبذلك يتحقق لديه وعي أو جزء من وعي الانتماء إلى الجماعة  ، وهنا يصبح يمتلك وعيا أو جزءا من وعي لذاته .

" ألقى أمين درسه بكل ثقة في النفس رغم أنها أول تجربة على المنبر . شدت خطبته انتباه الكل ، وشرح مصائب الشعودة ..وتوغل في موضوعها ..وبسطه للناس وبين كيف أنها تنخر جسد المجتمع وتشتت الأسر ، وتسير في دروبها النساء والفتيات اللواتي هن نصف المجتمع . فكيف يصلح هذا المجتمع إذا ضاع نصفه ونال منه الشيطان ؟ ..." ص : 85

البطل أمين لم يرفض الواقع الذي أصبح ملما به ، بل مارس دوره اجتماعياً وثقافياً وتربويا ،  ولذلك أصبح وعيه لذاته وللواقع المجتمعي مقبولا ، فأمين لم يغادر الجماعة جسدياً أو فكرياً أو نفسيا .... فأصبح البطل منتسباً عضوياً وفكرياً وثقافيا ، كما أن أبدى استعداده  الكامل للقيام بدوره الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين.

" أصبح الدوار شبه خال تماما ، لم يبق فيه سوى أمين ، وبعض الشبان الذين أوكلت لهم مهمة المداومة على مراقبة المساكن وحراستها ليل نهار ، بالإضافة إلى فقيه المسجد ، وبعض العجزة والمرضى ، وفاطمة تبيضاويت المتمردة على على تقاليد الدوار . حتى تلامذة المدرسة غادروا صحبة آبائهم ، وأصبح أمين في عطلة استثنائية إلى أن يعودوا من رحلتهم السنوية من " سيدي بوحاجة " ..." ص 92 و 93


ثامنا : خاتمة :


لعبت  الثقافة في رواية ملاذ الوهم التيه " دورا أساسا وأسهمت بفعالية في أعمال التغيير الاجتماعي في بادية نائية  ، إلى جانب بلورة الوعي في مستوى الممكن والمقبول ، والمقصود بالثقافي في الرواية  تلك المشتركات المركبة من الاجتماعي والديني والسياسي...، والمعبر عنها في الطقوس والعادات والتقاليد والأعراف وفي الممارسات والسلوك في دورة الحياة اليومية للأفراد والجماعات داخل الحيز المكاني في الرواية ( الدوار ومحيطه ) . ومن المتعارف عليه أن هذا النوع من الثقافة يمارس عادة  في الاجتماعي والديني والسياسي في إطار الوحدة الاجتماعية الضيقة. مثل القبيلة أو العشيرة أو الدوار ، حيث تتوزع فيها الوظائف والأدوار وفقاً لقاعدة  ( أمغار ) الأبوية .

أما أمين بطل الرواية فكان يمارس الثقافي بشكله الواسع ، في عمله وفي  التعارف والتثاقف والتفاكر والتماهي والحوار والاندماج وأداء الواجبات وقبول الحقوق في موازاة الممارسات الطقوسية والعبادية.


المصادر والمراجع :


1 – الموسوعة الذرائعية /

أ - النظرية الذرائعية في التطبيق على النصوص العربية / عبد الرزاق عودة الغالبي / عبير يحيي الخالدي

ب - الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبد الرزاق عودة الغالبي  /

ج - دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبد الرزاق عودة الغالبي

2 – رواية " ملاذ الوهم والتيه " / المؤلف عبدالكريم عباسي / منشورات مطابع الرباط نت / الطبعة الأولى 2016

3 – الدكتور أحمد أباش / مقتطف من التقديم لرواية " ملاذ الوهم والتيه "

4 – مصطلحات فكرية / سامي خشبة / الصفحة 253 و 255

5 – دراسة نقدية / التمظهرات الروائية الجديدة في رواية " ملاذ الوهم والتيه " / الناقد حميد ركاطة

6 – انظر مقدمة كتاب الشيخ الغزالي / كنوز من السنة / الصفحة 7

7 – مرسيا إلياد / الحنين إلى الأصول / ترجمة حسن قيسي / دار قابس للطباعة والنشر / الطبعة الأولى / الصفحة 39

8 – المرجع 5 نفسه .

9 – دراسة نقدية لقرواية " ملاذ الوهم والتيه / الكينونة المغتالة في " ملاذ الوهم والتيه " / الناقدة حليمة وازيدي

10 - د . موسى ربابعة / آليات التأويل السيميائي / مكتبة آفاق ، الكويت / الطبعة الأولى / الصفحة 175



بوسهال

 سيء الحظ..

سيء الحظ...أنا...!!

هوى نجمي وما دنا..

شريد الخطى...أنا...

هـم طيشي بك وزنا..

رديء الحال.. أنا...

ما هدأ بالي وما هنا..

......................

جسر...أنا...!!

صــدري عــار  للـعـبـور..

بئر...أنا...

ليـوسف واق مــن  شرور..

بحر...أنا...

في أعماقي أعراس وقبـور..

مطر...أنا...

متردد بين غياب وحضور..

حجر...أنا...

قصير الـظل لبنات قصـور.. 

..................................

سيء الحظ...!!

في عيوني تنطفيء شمس المساء..

كسير الحلم..

بين ضلـوعي تنـفجر بؤر الشقـاء..

شقي المسار..

أذلني النفي من وطني والإقصاء..

غريب الأطوار..

أرقني الشوق ولا حضن للإحتماء..

سيء الحظ أنا .....سيء الحظ أنا....



    همون بوسهال..نونبر 2021

الصوفي الصافي بصمات نقدية

دراسة  نقدية ذرائعية مستقطعة لمسرحية " ماوراء الوراء " لمؤلفها " مجدالدين سعودي " 

عنوان الدراسة : الواقعية المتمردة في : " ما وراء الوراء "* / الجزء الأول 



======      مقدمة ================

الدراما هي نوع أدبي أدبي مؤثر جدا ، يسمح بتداخلات متعددة في التعبير ، فيتقاسم حوارها الأدبي أكثر من شخصية ، كل حواراتهم يربطها ويجمعها موضوع واحد . يقدم فيها " المونولوج " للممثل أو المتلقي الواحد تعبيرا عن المواقف الحساسة والداخلية والنفسية المضطربة ، مثل مونولوج ( أكائن أنا أم غير كائن ؟ ) من مسرحية " هملت " ل " شيكسبير " . وهي مواقف أدبية لا يصلح للتعبير عن التضاد النفسي الداخلي فيها إلا للمونولوج . وجلي أتتبع وتخضع اللغة المختارة لطبيعة المشهد أو الموقف ، كما يستحسن أن تصبح اللغة للشخصيات والانفعالات . تتطور الأحداث في الدراما من الواقع ويتضح ذلك من حوار الشخصيات ، فتعرض الحي والواقع والحدث والتصرفات ، وأمام حضور جماهيري ، ومن خلال الأحداث يعرض الموضوع طاجزا . يعتقد البعض بعدم وجود درامات تكتب للكتابة ( درامات توفيق الحكيم - درامات عبدالله القويري ...) ، فالداما سواء مثلت أم لم تمثل فهي تتضمن داخلها عناصر الأدب الدرامي أو العرض المسرحي ، ويتضح ذلك في شكلها المونولوجي والديالوجي والمنظري والحدثي .
الدراما هي أقدر على إبراز المضمون الدرامي للأدب بطريقة مكثفة ، ويضم التركيب الأدبي للدراما ( مقدمة الصراع ) ، أي الكلمة الافتتاحية أو البرولوج ، ثم العرض العام أو ما يطلق عليه ( مدخل المسرحية ) ، أو الفصل الأول وفيه تقدم الشروحات والإبانات ، ثم صلب المشكلة أو العقدة ( الفصل الثاني في بعض الأحيان ) ، وفيه تتجسد التضادات وصولا إلى الذروة ، ثم تنتهي الدراما بالحل في الفصل الثالث ( في الجزء الأخير منه )  . ويختلف الأمر في المسرحيات ذات الخمسة فصول . الفكرة في الدراما تمر بمراحل هامة متصارعة مع القواعد الأدبية والفنية من خلال علاقات داخلية نظريا وتطبيقيا محافظ على تتباع المشاهد من خلال قضايا التسلسل الدرامي مع التضاد المفاجئ ، أي الإبقاء على محددات درجات الاضطراب والاحتفاظ بالصراعات ساخنة .
يقول عبدالرزاق عودة الغالبي : " تعرف المسرحية بأنها : نص قصصي حواري ، يصاحبه مناظر ومؤثرات فنية مختلفة . ويراعى في المسرحية جانبان : جانب النص المكتوب ، وجانب التمثيل الذي ينقل النص إلى المشاهدين حيا ، وتتفق المسرحية مع القصة في بعض الجوانب وتختلف عنها في جوانب أخرى ، فالمسرح فن خالص لا يقنع بغير الإيحاء ...ومن هنا كانت الكتابة للمسرح عملية خلق لا عملية تعبير ...فالتعبير نقل لما هو موجود بالفعل ، أما الخلق فعملية تحويل ما هو موجود إلى كائن جديد ، أما العناصر المشتركة بين المسرحية والقصة تتمثل في : الحدث ، والشخوص ، والفكرة ، والزمان ، والمكان ، في حين أن العناصر المميزة للمسرحية تنحصر في البناء ، والحوار ، والصراع ، وأدوات العرض المرئي ...." ( 1 ) 

سنخصص لدراسة عتبات العنوان ( ماوراء الوراء ) دراسة نقدية ذرائعية خاصة إن شاء الله ، أما في دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة هذه  فسنغوص في نص مسرحية " ما وراء الوراء " ( من كتاب " ما وراء الوراء " الذي يضم بين دفتين نصوص مسرحيات أخرى ) من خلال المفاتيح النقدية التالية " 

     √√√√√√    الفكرة 
      √√√√√√  الشخصية المونودرامية 
      √√√√√√  الواقعية المتمردة 
      √√√√√√  تجاوز المسرحية لكتابة التكريس والخطاب النفعي 

ملحوظة : قدمت مسرحية ( ما وراء الوراء ) على خشبة المسرح بعنوان ( العوامة ) .

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1 - المدخل البصري لكتاب نصوص مسرحية " ما وراء الوراء " لمجدالدين سعودي .

كتاب النصوص المسرحية متوسط الحجم ، تحتوي مابين غلافيه مائة وسبع وعشرون صفحة ، افتتح بإهداء جاء فيه : " إلى الصامتين والسائرين في دروب الإبداع بقوة ...
إلى المهمشين في أوطان الثراء الفاحش ...
إلى النائمين في الشوارع ...
إلى البسطاء الذين يعيشون الفقر والقهر ...
إلى الحالمين بغد أفضل ...
أهدي نصوص المسرحية المعنونة ب ( ما وراء الوراء ) ..." 
يضم الباب الأول مسرحيتين : 
- مسرحية : " ما وراء الوراء " من الصفحة 6 إلى الصفحة 36
- مسرحية : " الخيول البابلية " من الصفحة 37 إلى الصفحة 52  
ويضم الفصل الثاني :
- مسرحية : " احتضار سيزيف " من الصفحة 53 إلى الصفحة 91
- مسرحية : " لعبة الحياة "  من الصفحة 92 إلى الصفحة 127

دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة هذه ، سنغوص من خلالها في مسرحية " ما وراء الوراء " من الصفحة 6 إلى الصفحة 36 ، النص مسرحي مونودرامي .

ملحوظة : لمسنا تمردا على التجنيس في الكتابة المسرحية عند الأديب مجدالدين سعودي وكذلك نمط كتابة الدراما كما حددناها في المقدمة .

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

2 -  الوجه الآخر للكاتب / الوجه المسرحي ( سيرة ذاتية ) :

(   أضف أخي سيرتك الذاتية المسرحية )  أنت حر  سواء كانت مختصرة أو مطولة / تحياتي 

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

3 - الفكرة  / الشخصية / الواقعية المتمردة / تجاوز الخطاب النفعي / نموذج مسرحية " ما وراء الوراء " .

√√√√√ الفكرة : 

إن الفكرة في الدراما هي ما تحيط بها ألف فكرة وفكرة ، سواء على المستوى الداخلي وكذلك الخارجي ، عادية وغير عادية ، مقبولة أو من الصعب  وقبولة إلى غير ذلك من المتناقضات التي تجبر الكاتب وتجعله يقف محتارا ومتسائلا حول (درامته )  والاتجاه الذي يسلكه وكيف يحقق فكرة  ( درامته ) . هناك مشاكل تطرح خاصة في الفصل الثالث حيرت كبار كتاب الدراما ، لأنه الفصل الذي يتجسد فيه كل شيء ، ولما تتضمنه النهاية كذلك والحيرة في اختيارها ، فهل ستكون كوميدية أو تراجيدية ، أو مفتوحة أمام الجمهور و المتلقي تفهمها كما تريد ، كما أن هذا الفصل تتحول فيه الكوميديا إلى تراجيديا ، والأحداث المتأزمة إلى حلول سريعة ومفاجئة . 
إن الفكرة التي يرغب الكاتب " مجدالدين سعودي " في مسرحيته " ما وراء الوراء " انبثقت بطريقة احترافية ، خرجت من الحقيقة الخام في فكرة بكر  ، وقد تكون عاشت معه في الشعور واللاشعور ، هي فكرة اللقطة التي لا تتجاوز الثواني ، لكنها تجر آلاف ابأفكار وتعود بالزمن من جديد . يقول " عبدالكريم برشيد " : " إن الخطاب المسرحي يملك دائما حق تجديد أدواته وتقنياته وذلك استجابة لتغيير البيئات المكانية والزمانية ، واختلاف طبيعة وذهنية أقطاب الخطاب ، وبهذا وجب أن نعيد النظر ليس في المسرح كمسرح ، ولكن في الصيغة التي تسربت إلينا من الغرب ، وهي صيغة لا تخرج عن كونها مجرد اجتهاد فقط ، وهو اجتهاد مرتبط - ليس بنا نخن - ولكن بالآخرين ، وذلك باعتبار أن أهم الثقافات وذهنيات تنتمي لبيئات مكانية وزمانية مغايرة ، ومن هنا وجب أن توضع هذه الصيغة الغربية موضع الشك والتساؤل ...." ( 2 ) 

لنتأمل منطلق فكرة مسرحية "  ما وراء الوراء "( 3)  وبعدها نغوص في التحليل .

قطع الديكور والإكسيسوارات : ( -  لوحة كبيرة للقمر باللون البني  - عوامة عبارة عن مركب صغير يركب فيه البطل حسب تسلسل الإحداث - مشنقة كبيرة تغطي مساحة كبيرة في الخشبة - عصا - عصابة سوداء - ملابس وكتب وجرائد ممزقة - قناع مخيف - مجهر وهمي بحجم كبير - عكازة ) ( ما وراء الوراء ) الصفحة 7 .

نتأمل منطلق الشخصية البطل في مسرحية " ما وراء الوراء " وبعدها نستعد للغوص .

( في بداية المسرحية يكون الممثل مسترخيا ، ثم يبدأ في السير في كل أنحاء الخشبة سيرا بطيئا ، تبدو عليه إمارات الحزن والتعب ، خطواته ثقيلة ، بين الفينة والأخرى يضع يديه على رأسه دلالة على وجود الألم ، يفرك عينيه ليتأكد من وجود النور ، بعد عملية السير المرهقة يجلس داخل العوامة .... ) ( ما وراء الوراء ) الصفحة8.

√√√√√√√  - الإكسيسوارات : 

المسرح جزء من الحياة ، وقطعة من الواقع ، لهذا كان طبيعيا أن نجد كل الاكسيسوارات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بحياة الإنسان ، نتائجه ( الاكسيسوارات )  مهمة في المرئيات التي تحمل في طياتها الصورة المسرحية وصدقها ، وهو يسير والفكرة في النهاية بفكرة المسرحية سواء في الثبات أو التحول  إلى القبول والاستحسان .

√ - الفكرة :

الحدث في مسرحية " ما وراء الوراء " بدأ صامتا ، أي بدون حوار ، بحركات اليدين والرجلين ، والشعور بالحزن والألم ، واستخدام للشخصية حواس أخرى ، فهذا الحدث الصامت بدون الكلمة أو النص المسرحي ، نجده في كل مكان وفي كل حياة ، لأن كل إنسان ممثل في الحياة وهي المسرح الكبير ، يقول " كارل جروس " في كتابه " ألعاب الشعوب " : " ...لعب الحيوانات كالكلاب والقطط ، بالحجارة والأخشاب ...يمكننا أن نسميه حدثا ، أي الصيد والاصطياد ...نشاط حدثي ملموس كما لو كان مسرحية صامتة التعبير ...." ( 4 )
الفكرة تسير في خط المضمون الدرامي السياسي في الوطن العربي مثل ( كفاح شعب - مسمار جحا - شندواي الحمراء وغيرها ) . تتضمن الفكرة مضمونا سياسيا دراميا تؤثر وتتأثر بالمضمونين الاجتماعي والثقافي .
للأدب الدرامي عموما في الوطن العربي ارتباط كبير بالأرض وما يجري عليها من أحداث وعواصف وكفاح وصراع ، تدفع به إلى الأمام وهو مرتكز على أرض الواقع بأحداثها الكبيرة والصغيرة ، و هو ما يؤدي إلى صدق الفن وشفافية التعبير . والسؤال الذي يطرح نفسه علينا : ما هو وزن واقع الدراما العربية ؟
إن قلة انتشار المسارح حجب عن الجمهور ومتذوقي الثقافة المسرحية ، مما أدى إلى إحباط قوى المحاولات الأدبية التي قد تضيف جديدا للأدب الدرامي العربي ، باستثناء انفلات محاولات " الطيب الصديقي " و " الفريد فرج " ، فهما كافحا في وضع تصورات العودة إلى الأصل بحثا عن الأصالة عن طريق أدب درامي عربي .
تقول الممثلة الأردنية "  مجد القصص " في مقالتها المعنونة ب( المونودراما : مسرح الشخص الواحد ) : " فمن خصائص النص الدرامي ، الموضوع : غالبا ما تكون موضوعات المونودراما مؤساوية الطابع ، ناتجة عن تجربة ذاتية مريرة ، هذه المأساوية هي ما يفتح الأسئلة المصيرية الكونية والوجودية . الزمن : يكون الزمن في المونودراما ملحمي البعد ، بمعنى أن يكون متععد المستويات ، ولكن يكون الزمن الحاضر النصيب الأكبر ، ويمكن أن تختلط المستويات دون تسلسل منطقي . المكان : المكان أيضا متعدد المستويات في المونودراما ، حيث تستحضر الشخصية الوحيدة ملامح الأمكنة خلال عملية التداعيات الفكرية . اللغة : تميل اللغة في النص المونودرامي إلى السرد ...." ( 5  )

تتضمن الفكر في مسرحية " ما وراء الوراء " ( برولوغ ) و اثنى عشر موقفا : 
1 - فجر 
2 - فجر الفجر 
3 - ضحك 
4 - حراسة 
5 - الشهادة والولادة 
6 - هيجان 
7 - البيان الأول 
8 - ثورة 
9 - استجواب 
10 - عبث 
11 - حلم 
12 - الرسالة 

قبيل ستار النهاية ( ستار النهاية ) الصفخة 35 / ( اليوم أكملت الرسالة ، ورضيت لكم طريقي نبراسا ، اليوم انتهت حياتي ، فلتبتدئ حياتكم ...فلتبتدئ ....فلتبتدئ ....فلتبتدئ ....) 

√√√√√√  - الشخصية ( البطل الدرامي / المينودراما   ) في مسرحية " ما وراء الوراء " :

منذ بداية تاريخ المسرح والإنسان متجسد فيه ( الشخصية المسرحية ) المرتبطة بأحداث المسرحية . تصبح الشخصية مثيرة إذا كانت ذات طبيعة خاصة أو أو غريبة في أحد أشكال الحياة ، أو هي أحد النماذج في المجتمع  ، فهي ( الشخصية ) حاملة لفكر الكاتب الدرامي ، تنوب عنه وعن لسانه . يقول " الدكتور كمال عيد " : " ...البطل الدرامي العصري في حياتنا هذه لا بد وأن تلمس شخصيته عناصر الحرب ، حتى لو كانت حربا ضد تصرفات مجتمع أو سلوك أفراد ...كما أن النشاط الدرامي هو أحد عناصر شخصية البطل الدرامي أيضا ..".(6  ) 
الشخصة في مسرحية " ما وراء الوراء " هي شخصية مينودرامية أي " تقوم على ممثل واحد يسرد توالي الأحداث عن طريق الحوار ، هو مشهد واحد ونص مسرحي واحد للمثل واحد ، وهو المسؤول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها جنبا إلى جنب ..." ( 7 ) 

سنقتطف من حوار المواقف ما يقربنا من شخصية البطل ، والذي سوف لن يتعرف الجمهور  على اسمه إلا في الجمل الحوارية في  آخر الموقف الاثنى عشر ، اسمه " عبدالصبور ".

- عبدالصبور ( برولوغ ) : " هكذا أجلس لأستريح وأطلق ذاتي السجينة ( يبدأ عملية التجذيف ) تسبح ...تسبح ...تسبح ...وأطلق العنان لأفكاري لتمرح ...وتمرح ....وتمرح ....وأسرق لحظات الأفراح ...وأفراح ...وأفراح ...( صمت ) ، لكن أحس بكابوس الأعاصير يطبق علي الخناق ، وبضربات همجية تمطرق وجودي وتعيدني لزمن الولادة والشهادة ...." الصفحة 8 

- عبدالصبور في الموقف الأول : " ....أصوات مقيتة ومبهمة تمارس علي هوس الأوامر ...غياب قسري ...تغييب وإرهاب تحت راية الوطن " الصفحة 10

- عبدالصبور في الموقف الثاني : " ... هذه المرة ، قال المطقطق الجديد : ( يا بن الأفعى ، لقد فجرت القمر ؟؟؟ ...لكن أخبرني من أين أتتك القنابل والمدافع ؟ كيف حصلت على الخرائط وتصميم الشوارع والمراكز الحيوية ...لا بد أن لك خطة لتغيير إشارات المرور وأنظمة الوقوف والركوع ...تكلم يابن الأفعى يا مفجر القمر ..." الصفحة 12

- عبدالصبور في الموقف الثالث : " ...( ويغضب موجها الخطاب للمطقطقين ) : أسكروا أيتها النعاج الضالة ، لقد انتهت العوامة ، اغتالها الأعداء والأصدقاء والصدر الذي اتكأنا عليه سابقا ، اغتالها المجاهدون في سبيل السقوط والركوع ، فاشربوا أيتها الحثالة نخب السقوط ..." الصفحة 15 

- عبدالصبور في الموقف الرابع : " ....أنا الطفل الهمجي الآتي من أعماق البحر ...من عنبر الصمت المستمر ...من كابوس الحلم القاتل ...من الغوص والتمعن في بحر الديمومة ، أنا البطل الغير متوج ...." الصفحة 16 

- عبدالصبور في الموقف الخامس : " ...( صراخ ) ... ولم أشعر إلا والجحيم يطقطقني ، يكسر عظامي ، يسرق روحي ، واشتبكت الطقطقات بالقدقدات والقلقلات لأفقد الوعي لمدة طويلة ...طويلة ....( يمشي كالمعطوب ) ( بصوت منخفض ) طويلة ..." الصفحة 19

- عبدالصبور في الموقف السادس : " ...( يفتح الرسالة ويبدأ في القراءة بصوت متأني ) : الحكاية ياسادة ، حكاية الانتظار الذي تحول إلى اختصار ، حكاية الانظار ، حكاية وجود ذابلة بالاصفرار ، البارحة ، اليوم ، وغدا ، العوامة بقيت كما كانت ، الحركة فيها ماتت ، المحرك معطوب ، ومن يحركه مازال ...( يجسد عملية النوم ) ...والدوامة أخذت العوامة ...( يخبئ الرسالة في مكان آمن ) .... " الصفحة 21

- عبدالصبور في الموقف السابع : " ....يا أنا يا أنتم ، يا من يأكل الذل والبهتان ، يا من يغطى وهو حي بالأكفان ، يامن يباع ويشترى في سوق المزايدة وفي البورصة السوداء ، وسط العواصف الهوجاء ، يا أنا يا أنتم ، كم لعقتم من هم وشربتم من سم ، ونمتم في فراش من دم ....( موسيقى صامتة ) ...." الصفحة 23

- عبدالصبور في الموقف الثامن : " ...( يبحث داخل العوامة عن البيان ثم يبدأ في القراءة ) : أيها الصائمون من طلوع الشمس إلى غروبها ليفطروا بقضيتنا ، نعلم أننا لم نسقط لا زلنا سائرين متحدين الحصار ، سنخرج من ألف حصار وحصار أنبياء نعلم الناس كيف تكتب الضاد المضادة لضاد البلاغة والحشو والمواعظ ..." الصفحة 26 

- عبدالصبور في الموقف التاسع :" ...بدأت الطقطقات تطاردني ....تغازلني .....تحاصرني ..." الصفحة 27 

- عب.الصبور في الموقف العاشر : " ...نبتدئ دمى  ، نكبر دمى ، الحجر لا يقهر ، والصخر لا يقهر ، وبالحجر والصخر نكبر على بلاط الأحزان ، سنتوالد من جديد ، سنتقمص لغة جديدة ، سنقتل فينا كل شيء لنولد من جديد ، سنتقمص لغة جديدة ، سنقتل فينا كل شيء لنولد من جديد ، سنمحي العنتريات من التاريخ المعلب لئلا لا نكون مسيح الجهل فنصلب من طرف أبي جهل ....." الصفحة 29 

- عبدالصبور في الموقف الحادي عشر : " ... قال عبدالصبور : ( كنت أعرف يا رفيقي أنني سأموت اليوم أو غدا ، لأن حياتي تضايق المطقطقين والمقدقدين والمقلقلين ، وكما تعلم فالغذر هو سلاح الجبناء ..." الصفحة 31 

- عبدالصبور في الموقف الثاني عشر : " ....سأقرأ حكمتك يا عبدالصبور : ( روما العظيمة الجبارة حطمتها شعوب بدائية ....) ..اتظر يا عبدالصبور ...عبدالصبور.. (.تسمع طقطقات ...اغتيال البطل ...تسمع أناته واحتضاره ..." الصفحة 35

تعيش شخصية عبدالصبور المونودرامية نوعين من الصراع ، صراع داخلي بين عبدالصبور الإنسان وعواطفه ونفسه ، حيث تنمو حالة التداعي وتبرز حالة وحدانيته ،  وصراع صراع خارجي يتمثل في الصراع بين الإنسان وشخصية أخرى تتجسد في سلطة الحكم والزمن والقدر والوت . تقول مجد القصص :" المونودراما تحتاج إلى كاتب تشغله قضايا ذات أهمية ، يتناولها بعمق ودون تسطيح ، عبر الحدث الدرامي المتنامي ، ومن خلال عملية الكشف الكامنة في الصراع الداخلي التي تعيشه الشخصية ، التي يجب أن تملك ديناميكية على الخشبة ، شخصية غير ساكنة ، شخصية تملك لغتها المسرحية بحيويتها ..." ( 8 ) 
عبدالصبور المونودرامي يوصل رسالة المسرحية عبر ( الكلام / الإيماءة / الإشادة / حركة الجسد / الصمت / الانفعال الداخلي : الضحك / الحزن ....) . في المغرب يبرز اسم عبدالحق الزروالي ككاتب ومخرج وممثل وحيد فوق خشبة المسرح ، وأسماء عربية أخرى برعت في المونودراما .
جزء كبير من الهوية الثقافية والفكرية والسياسية ل" عبدالصبور " متواجد في قصيدة ( اتجمعوا ) كلمات الراحل ( أحمد فؤاد نجم ) ، نقتطف لكم جزءا من القصيدة : 

باسم الإله الشعب 
رب المضربين 
الصايم 
المحروم على مر السنين 
يا منشدين الحي 
حيوا حينا 
واحنا هنا 
ع العهد دايما مخلصين 
محلا القصايد
في الشدايد ...والغنا 
محلا الكلام الحب 
أوقات الشفا 
احنا اللي تهنا ع الطريق 
من بعضنا 
متفرقين 
والسجن هوا المتقي 
آه يارفقة 
من متاهات الطريق 
لما الليالي 
بيتخنق فيها الطريق 
يمشي الصديق في الضلمة ...... 

√√√√√   الواقعية المتمردة : 

يعرف التيار الأدبي الواقعي في العالم العربي توسعا منذ أسست لانطلاقته درامات " نعمان عاشور " من خلال مسرحيته ( الناس اللي تحت ) ، فكانت بداية لظهور درامات اجتماعية . تيار الواقعية تقرب كثيرا من واقع المجتمعلات العربية ، فساعد وسهام في معاجة القضايا الحيوية في الأقطار العربية . 
الواقعية في مسرحية " ما وراء الوراء " تتغدى على عناصر أدبية واقعية بكل تفاصيلها السياسية والاجتماعية والشعبية ، هذه الشعبية على وجه الخصوص والتي لم تنفصل لحظة عن شخصية " عبدالصبور " ، الشخصية البسيطة والتي أعطت للحظة عبقها الواقعي دون زيف أو زخرفة وفي كل السولوك والتصرفات . المخاطب في مسرحية " ما وراء الوراء " الطبقة الشعبية هذه الطبقة التي ظلت شبه مغيبة في الكتابات الدرامية المغربية ( كتابة التكريس لا كتابة التغيير )  هي مسرحية لإبراز ثقافة شعبية المضمون وشعبية الهدف ، المسرحية هي وسيلة توصلنا إلى غاية ، أي تحطيم النظام الطبقي ، حيث احترام الإنسان ومشاعره وقدراته وحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأنه " يوجد دائما في الأدب وجهة نظر للطبقة ، والمهم هو معرفة ما نوع وجهة النظر هذه ؟ " ( 9 ) (  المرجع ( 8 ) نفسه    ) .
اثنى عشر موقفا تضمها المسرحية تحوي كل مفاهيم التمرد والمقاومة القائم بين ( نعم / النعمة ) و ( لا / التي تجلب كل أنواع السخط ، هي ( لا ) التي تعني أن " عبدالصبور " تجاوزت الأشياء عنده حدها ، وأنه لم يعد باستطاعته التحمل والاحتمال ، فهو يرفض ال(نعم ) التي تلغي كل أنواع الصراع الذي يوصل إلى الخلاص والعدل ونيل الحرية ، فحتى لو كلفه ذلك حياته  .
عبدالصبور هو رمز للكتابة البديلة والتي مهمتها تفجير كل ما هو سائد ، وبناء رؤيا جديدة في المضمون الفكري والوحي الاجتماعي والتاريخي ، وهي ولادة لجيل جديد غاضب رافض لكل الممارسات اللاديمقراطية السائدة في الواقع الاجتماعي والسياسي والفني ....فكر كتابة بديل يلغي الفئوية والنخبوية في إنتاج مسرح جاد هادف .

√√√√   تجاوز مسرحية " ما وراء الوراء " الخطاب النفعي في المسرح المغربي .

الخطاب النفعي في المسرح يتكيف مع السائد الموجود ، سكونية تعتمد على تكريس ما هو كائن ، والمحافظة على العلاقات السائدة والعقلية المهيمة ، وهي رافد من روافد الفكر المسيطر ، لكي يبقى تكريس النفعية خادما لمصالح أيديولوجية الطبقة المسيطرة ، والتي تتخد من كل الفنون وبخاصة المسرح قناة إعلامية تضمن محافظتها على السيطرة . في خطاب المسرح النفعي نقرأ ونسمع سكونية الإنسان ، أي خطاب يحجب الوعي عن كل سياسي وثقافي . يقول " عبدالرحمن بن زيدان " : " وهذا يدعو إلى اكتشاف ايديولوجية النص المتكررة في الدراما العائلية البورجوازية في مسرحية " العائلة المثقفة " و " بنت الحراز " و " الزوجة الموظفة " ، حيث التمثيل وحده يقوم بالدور الرئيسي في عملة " التواصل " بين المسرح من جهة والأصالة من جهة أخرى . بخطاب يسمم المشاهدة والمشاركة والفعل ". (10 ) ( المرجع ( 2 ) نفسه ) .
ونقتطف شواهد من حوارات المواقف الاثنى عشر  عن تجاوز مسرحية " ما وراء الوراء " الخطاب النفعي وهي كما يلي : 
- عبدالصبور : " ....قلت للكرسي ، وأنا أتحسس ألم المآسي : أنت يا كرسي الساكن فيه يتعنتر ، وبتفهاهته يتأسطر ...." الصفحة 9 
- عبدالصبور : " ...غياب قسري ...تغييب وإرهاب تحت راية الوطن ...." الصفحة 10
عبدالصبور : " ....وفي تعقلنه وصول يوم القيامة ...." الصفحة 13
- عبدالصبور : " ...التفت إلى اليسار ، فرأيت كالعادة شيخا بثياب عصرية من مشايخ البهتان ، يوقع صك الغفران ، لأبي جهل ليعفيه من تهمة الجهل ...." الصفحة 15
- عبدالصبور : " ....أنت مسيج كأن رأسك تنبثق منه القنابل النووية ، ملابسك مسيجة كأن عدوى التمرد تخرج منها ...." الصفحة 17
ونترك للمتلقي اكتشاف الكثير من مفاتيح تجاوز الخطاب النفعي في مسرحية " ما وراء الوراء " لكاتبها " مجدالدين سعودي .

يقول الأديب " كمال عبدالواحد " في دراسة نقدية له ل( ماوراء الوراء ) : " البطل يظهر مكتمل الوعي منذ البداية ويعرف خصومه ( سلطة الجبناء ) ، فإنه ينهي حياة المسرحية بالرسالة أو لنقل تحديد معالم الطريق الأخيرة مستوحيا الخطاب الديني في دلالاته النهائية الختامية ( اليوم أكملت لكم الرسالة ورضيت لكم طريقي نبراسا ) ، هذه الطريق التي تجلي البنية العميقة لخلفية الخطاب بأكمله ، في التقابل المضاد بين عوامل المصادرة والقهر أمام قيم التحرر والفعل الخلاق ، أي فعل الذات وافق حديثها في مواجهة عموامل التدجين والاقبار . إن عنف التخيل وعنف الخطاب يحيل على ذات مبدعة حقا ، تستند إلى رؤية تقدمية إن لم نقل نزعة فلسفية عميقة ، من هنا يأتي - تقديري الكبير - الذي يتمرد على مسألة التجنيس كمعادل جمالي لتمرد موضوعي على تمظهرات الواقع " .( 11) 

============    خاتمة  =====================

المسرح الواقعي والرمزي يستوحي الأحوال الاجتماعية كقاعدة انطلاق له ، فيستند إليها للارتقاء نحو أفاق شاسعة ، فيوظفها دراميا وفنيا ومسرحيا رغبة في إبداع صورة حقيقية أمينة تعكس بجلاء المجتمع ، وتفضح ما به من زوايا مظلمة . هذا النوع من المسرح ( مسرح التغيير ) يحمل على عاتقه التوعية الاجتماعية في أوسع شموليتها  من خلال التعبير عن مشاعر وهموم وآلام ومتاعب الشعب .
يقول " عبدالرحمن بن زيدان " : إن العملية الإبداعية - في مجال المسرح - نابعة من نفس الظروف والمعطيات الاجتماعية والثقافية التي تستمد منها باقي الفنون هواجسها الإبداعية التي تسكنها ، وهي أساس أسئلة تطرح على العالم ، يتلاقى الخلاقون السائرون ، فيؤلفون على تباينهم ..أرضا ...واحدة يتباعدون فيها متجاورون ، ويختلفون مؤتلفين ، متوخين من طموحاتهم تحديد وظيفة الكتابة ومسؤوليتها لإعطاء هوية عميقة لأبعاد المسرح ، حتى تكتمل له مقومات التبلور والرسوخ ، في علاقته بالمعطيات السوسيو ثقافية ، والذاتي والموضوعي . وبالضرورة الاجتماعية التي تحكمه كإنتاج أدبي وواقع أدبي مادي يتحدد بالمجموع التاريخي للممارسات الاجتماعية ، ويدرس في كل مستوياته كأثر معقد لكل تناقضات زمانه . إنه المكان الذي يحل فيه الخيال الأدبي جملة التناقضات الاجتماعية المادية التي لا تجد لها حلا في الأيديولوجية العامة ، أو بتعبير أوضح إنه الفضاء الصراعي الذي تأخذ فيه عدة عناصر لا متجانسة شكلا معينا ، وهو شكل يخفي التناقضات على الرغم من أنها قائمة فيه . فعندما نرجع إلى كل عمل أدبي نجده شكلا لغويا له عدة أبعاد لكنها مرتبطة فيما بينها ارتباطا وثيقا ، فهناك المستوى الصوتي للكلمات والمستوى الدلالي للجمل ووحداته العليا ، ومستوى اللوحات المرئية ومستوى الحقائق المصورة ، ومن ناحية أخرى يجب أن نفرق بين تتابع الأجزاء والبناء المتميز الذي يحتوي عليه العمل المسرحي في مضمونه من البداية إلى النهاية " (12) ( المرجع ( 2 ) نفسه ) . 

===================================================================

        √√√√√√          هوامش :

1 - النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي وعبير يحيى الخالدي 
2 - عبدالرحمن بن زيدان / في المسرح المغربي / منشورات إفريقيا الشرق / 1985 / الصفحة 98 
3 - مجدالدين سعودي / كتاب نصوص مسرحية ( ما وراء الوراء ) 
4 - الدكتور كمال عيد / المسرح بين الفكرة والتجريب / ط1 / الصفحة 90
5 - ويكيبديا 

6 - مجد القصص /  المونودراما  / جريدة الغد الأردنية / 5 كانون الأول 2008
7 - مجد القصص / الممثل :  مواجهة عميقة مع دواخل الذات بدون أقنعة / جريدة الغد الأردنية 24 تشرين الثاني 2008 .
8 - نعمان عاشور / مجلة المسرح عدد 55 / يوليو 1968 / الصفحة 18
9 - المرجع 8 نفسه الصفحة 21
10 - المرجع ( 2 ) نفسه / الصفحة 15

11 - مقتطف من دراسة للأديب كمال عبدالواحد لمسرحية " ما وراء الوارء " لمجدالدين سعودي 
12 - المرجع (2) نفسه ) الصفحة 8