الأحد، 13 ديسمبر 2020

جميلة محمد

 اجمع ياذرة

 حجرك ودمك ودموعك

وارميهم للبحر 


المد  هاج ضدك

ضيع طريقك الغذ


مزق شراعك

أغرق سفينتك


انت اليوم وحدك 

يا عهد

**

خد وهات 

لا شيء بدون مقابل

كل شيء للبيع قابل


المزاد مفتوح

و علني


على عينك يا تاجر 

اجمع

زيفك ،عهودك ووعودك 

وارميهم للبحر

**

كن انت

لا تستسلم يا قلمي

غوص في المحبرة

اسبح عكس التيار


كن انت 

كن انا

كن نحن 

كن صرخة الصمت 


**

كن 

 بحار ،ربان وطيار

كن عنيد 

كن  جبار 


و قف

 في وجه الإعصار


**

لاتنحني

 يا شجر ة الضاد 


افتحي عيونك

امسحي العار


لملمي حروف القصيدة 

واكتب على مشارف

القدس

*

 ملحمة  تحدي خالدة 


عنوانها :

لا

للمساومة

*

لا 

للبيع

*

لا

 للهزيمة

*

لا 

للانكسار

*******


...

جميلة محمد 

المملكة المغربية 

لا للتطبيع

الصحراء مغربية والقدس عربية



بقلم مولاي الحسن بنسيدي علي ...

 ..         من ينعي من !؟



.          وداعا صلاح 


قد تأتي الكلمات مرتبة، ونعتقد أنها عادية ولا نوليها اهتماما؛ وقد تستقر في العقل الباطني مهملة لا  تحدث فينا أثرا، فننساها أو نتجاهلها 

وما أن يوقظها الراكد من إحساسنا المتبقي؛ تهتز مشاعرنا وتنتفظ أجسادنا ذعرا، وتشخص أبصارنا، ويعترينا الصمت المفاجئ، فلا نقوى على الكلام 

نستمع حينها إلى الصوت المخبوء في دواخلنا بكثير من الدهشة والانفعال .

كم هي الكلمات المؤثرة والمجلجة التي لا نعيرها اهتماما؛ ذات الحكمة البالغة؛ والتي لا نرد لها بالا، فنمر عليها مر العابثين، ممن انغمسوا في متاهات الحياة، فأخذتهم الدنيا بزينتها وملذاتها 

فيكون الموت المفاجئ  الذي يمشي بيننا مختالا فيؤزنا أزا، قد  نشعر به، وأحيانا نراه في أحبة لنا، فننعيهم بجميل العبارات، فنذرف على رحيلهم دموعا، ونشيعهم بالدعاء، وقلوبنا منفطرة،  وبمشاعر ممزقة،  فنصلي من أجلهم، ولحظتها ننسى ما يربطنا بالعالم الخارجي، فنتذكر عالمنا الأبدي، وننفر من دنيا فانية. 

في اللحظات العصيبة يتذكر الإنسان وأنا له الذكرى؛ 

وقال تعالى: (ويسألونك عن الساعة أيان مرساها، فيما أنت من ذكرها،إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها، كأنهم يوم يوم يرونها لم يلبثوا فيها إلا عشية أو ضحاها) .

نقف على ما ورد  كلما قرأنا في كتاب الله من حزب النبأ؛ فتأخذنا غفوة النسيان، فنتيه في كبد وشضف العيش؛  

ونعتقد أننا مخلدون، ولن يقدر علينا أحد، أو لم يرنا أحد،

ويقول الله تعالى: ( لا أقسم بهذا البلدوأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه يقول اهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره احد الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديانه النجدين فلا اقتحم العقبه وما غدراك ما العقبة ..)

تسرق الحياة من أجمل الأشياء؛ الشباب، والصحة، والعمر؛ وتأخذ منا ما نحب؛ ولدا ووالدا، وجارا وصديقا، وحبيبا عزيزا،

فلا يبقى من ذكراهم غير بضع كلمات، أو بعض مواقف، 

وها هي كلمة بعضهم تغوص في عمق ذاتي، فتحدث بها أثرا بل جرحا غائرا.. 

قالها صلاح الدين الغماري؛ الذي دخل بيوت الناس وسكن قلوبهم؛ فأحبوه وأصبح واحدا منهم وكسب صداقتهم وحبهم وتجاوزت سمعته حدود المكان. 

ردد كلماته المشجعة والمحفزة في ظل الجائحة ومن أجل تجاوز أزمتها، وكان دعاؤه كل مساء؛ اللهم ارفع عن عبادك الوباء وارزق العباد الصحة والعافية، وشافي كل مريض،

لكن ما وقر في أذني من كلماته التي تخرج من بين شفتيه الباسمتين :

"إنتهت النشرة الأخيرة إلى اللقاء"؛ جملة لطالما سمعناها منه، وتعودنا أن نسمعها، بل نترقبها آخر كل نشرة اخبارية، ولم نكن ندري أنه ينعينا بها؛ فغدا أو بعده طال الأجل أم قصر سنلقاه، وتتأكد مقولته إلى اللقاء .

وجمل أخرى نفذت إلى آذاننا منه، في ظل كوفيد19 بلغة الشعب بعامية البلد، يفهمها المتعلم وغير المتعلم، الصغير والكبير، ننتظر كل مساء طلته وجديد الأخبار، تحليله، واستضافته لمحاوريه ومناقشتهم باسم المواطنين، ينقل تخوفهم وأسئلتهم يعيش قلقهم وانفعالاتهم 

كان يأمل في كل تصريح له؛ أن يرفع الله عنا هذه الجائحة كورونا بانتهاء سنة 2020، وحلول العام المقبل 

انتقل الى عفو الله، قبل أن يرى أثر أمله، لم يهزمه كوفيد بل اراده الله الى جواره؛ توقف نبضه بعد نشرة الأخبار الأخيرة، وكأنه أراد أن يودعنا الوداع الأخير، مبتسما كعادته، إلى اللقاء. 

وعوض أن ننتظره كل مساء في دنيا الأشباح، ها هو ينتظرنا في عالم الأرواح. 

بقي ذكره من صالح أعماله، رحل جسدا، وبقي حيا معنا بروحه  

أستحضر قول الشاعر العربي :

‏ما مات من زرع الفضائلَ في الورى

بل عاش عمراً ثانياً تحت الثرى

فالذِّكْــرُ يُحْيي ميِّتاً ولرُبَّــما

مات الذي ما زال يسمعُ أو يرى

هبت مدينة مكناس عن بكرة أبيها؛ لإلقاء النظرة على جثمانه ولاحقت موكبه الجنائزي المهيب الذي لم يخصص لزعيم سياسي ولا لأحد من المشاهير ولم تشهد مثله البلاد منذ أمد بعيد فكانت أكبر جنازة شعبية بعد وفاة المغفور له الحسن الثاني ملك المغرب- إلى مأواه الأخير، والحناجر تصدح بالدعاء له بالرحمة والمغفرة 

قومو قومو تمدح لله 

يالعاشقين في النبي رسول الله 

هاذي ساعة من ساعات الله 

يحضر فيها النبي رسول الله 

كلمات وأدعية رددها الشعب المغربي من طنجة إلى لكويرة، وهي تودعك يا صديقي؛ وصديق كل المغاربة، وأخ وابن كل المواطنين . وكل المدن المغربية تبكيك وترثيك 

فإلى اللقاء أخي صلاح الدين الغماري الاعلامي الشهير ورحمك الله وألهم ذويك الصبر  

تحبسني دموعي عن مواصلة الكتابة في تأبينك ولا أملك غير دعواتي لك بالرحمة الواسعة لانني احبك وكثير مثلي يحبونك في الله 

لأن الحب نبتة طيبة زرعها الله في قلوب عباده لتسمو بهم إلى ملكوته العلوية فيباركها أصفياؤه وأتقياؤه ويرفعونها إليه سبحانه فيتباهى بها أمامهم هذا صنيعي وهذا زرعي أجعله في أرواح كريمة وفي قلوب من أحبهم فاشهدو  أنني أحبهم وجعلتهم في ظلي  يوم لا ظل  إلا ظله 

فطوبى للمتحابين في الله 

فاللهم املأ قلوبنا محبة واجعلنا ممن تحبهم 


وارحم عزيزا على قلبي عبدك بن امتك وبن عبدك صلاح الدين الغماري 

..

بقلم مولاي الحسن بنسيدي علي

...

السبت، 12 ديسمبر 2020

جميلة محمد القنوفي

وفاة الصحفي المغربي نور الدين العماري شكلت صدمة لعائلته ولكل محبيه 

بشكل مفاجيء...توفي ليلة الجمعة 11|11|2020 وهو ضيف عند أخته بالمحمدية .ونقل إلى مسقط رأسه مكناس حيث دفن ..



 أكبر جنازة لاعلامي  بالمغرب

و من حيث الحشد الجماهيري  اكبر جنازة بعد جنازة الملك الحسن الثاني رحمه الله .

وأكثر وفاة لشخصية إعلامية شغلت وسائل الإعلام ووسائط التواصل بمختلف أنواعها..ابكت مغاربة الداخل والخارج..وأسأله إقلاما ودموعا كثيرة ..

لله ما أعطى ولله ما اخد 
لماذا احب المغاربة الرجل..إلى هذه الدرجة ..انها المصداقية والصدق والشفافية و التلقائية في الأداء...
رحم الله الغماري وغمره بشبائب رحمته. 
جميلة محمد





الجمعة، 11 ديسمبر 2020

جميلة محمد القنوفي

 ما ساكتاش 


العنف كيف ما كان  نفسي   أو  جسدي؛ سياسي أو إقتصادي أو فكري أو ديني  .. فهو يكون دائما إهانة لكرامة الإنسان ..و أصبح اليوم العنف ضد المرأة من أخطر الظواهر  في العالم  ...و سكوت المرأة  عن ما تتعرض له من تعسف وظلم وتهديد واغتصاب ووعيد و استغلال غالبا ما يكون خوفا من حكم  المجتمع و الناس الذين لا يرحمون  ...

يضاف الى ذلك تربتها الصارمة  بالتخويف على الخضوع   و الخنوع و الصبر على الدل  باسم التقاليد و الاعراف و  العادات والدين و  ...

 خرجت أجيالا  من  نساء الصمت  والمكابرة 

مما سمح لتفاقم   صور  العنف بأشكاله المتنوعة و التي تتخفى  بوقار شديد خلف الكثير من الأقنعة الجذابة ..التي  تلعب دور المدافع في حين هي تمعن في إهانة المرأة  واحباطها ...واستغلالها في ابشع صورة .

ما هي  الحلول المقترحة 

من اين نبدأ 

اقول من أنفسنا دائما 

التعليم والتربية والتوعية هم الأساس لإنجاح نضال المرأة من اجل الحفاظ فقط على كرامتها..كبداية 

 و  لكن كيف نربي ونعلم و نوعي وندرب ونتقف ؟

 و على أي أساس نعلم وندرب و نربي  و نوعي ونثقف؟

  و قد ضاعت  منا بوصلة الطريق  و غابت  القدوة و غابت مكارم الأخلاق في المعاملات بين الرجال و النساء 

وبين فيئات المجتمع و انسجته ؟

من سيدافع عن هذا الطرح..اذا ماتزال  الكثير من الشخصيات  والأقلام  المفروض فيها ان نكون رافعة لهذا التحدي..ماتزال هي العقبة وطرفا من الأطراف المساهمة في امتهان كرامة النساء و الامعان في  أدلالهن ،


كيف نغير تلك القناعات القديمة والمعززة للمزيد من الظلم للنساء ؟

كيف نجعل الجميع ينخرطون في الدفاع عن كرامة المرأة.. وسلامتها الجسدية والنفسية ..

أليست الام مدرسة الأجيال و  الأوطان .

كيف لمدرسة منهكة ، مريضة ، غير سوية  ، مهانة وممتهنة  ..ان تخرج أجيالا سوية وصالحة وفاعلة ونشيطة  ومنتجة ..وايجابية..  ؟  

من تم وجب التفكير بجدية في تصحيح الكثير من المعاملات المجحفة والتي تعتبر عنفا ضد النساء كل النساء بالقرى والمدن .. أميات ومثقفات....في البيوت وعاملات....

يكفي أن ننظر لربات البيوت على انهن غير عاملات وغير منتجات ...

يكفي أن نطلب من الام ان ترضع و تربي وتقوم بواجبات الزوجية والبيت  ..ثم تلتحق في نفس الوقت بالزوج إلى العمل ..وتعمل مثلها مثل الرجل .. وتعامل على أنها رجل ..

ولا ينظر إلى جهودها خارج العمل ..وفي البيت لا ينظر الزوج إلى جهودها خارج البيت ..

وتفنى هي في رحلة إثبات الذات والجذارة في دوامة العمل المستمر الذي ينهي حياتها المهنية والزوجية قبل الأوان....باستنزاف طاقتها كليا  في وقت قياسي ودون منحها فرصة استجماع القوى والانفاس..لتعلن مرغمة نهاية رحلة صراعها من اجل البقاء .. بعد انهيار كل قواها..

ويستغرب البعض  احباط  واكتئاب النساء اللواتي عرفن بجدهن واجتهادهن  لوقت طويل . وحتى  البعض في محيطيهن لا يصدقون انهيارهن العصبي واكتئابهن ...لكن سوء تدبير  الموارد البشرية النسوية و هدر الطاقة النسوية ..واستنزافها  الممنهج ...حتما له عواقب على المدى البعيد والمتوسط ..وهذا استنتاج من واقع التجربة ..وليس مجرد كلام من اجل الكلام ..ضريبته يؤديها  الاولاد ..والأسرة والعمل نفسه . والمجتمع نفسه ، عندما تصبح هذه المرأة غير قادرة على إتمام الرحلة و إنهاء عدوها على المسار ..حتى سن التقاعد ..فتفلس نفسيا وجسديا...في ريعان شبابها .وحيث المفروض ان يكون أوج عطائها..لتتحول إلى  ام مريضة  وعاملة مهملة و عالة على من حولها .....اذا لم تستطع تدارك الأمر وإعادة تجديد ارادتها  و عزمها على البقاء .مستمسكة بأهذاب أحلامها المؤجلة ، صانعة لها محفزات للنضال والاستمرار ..محاولة .. رأب التصدعات  والشروخ التي حفرتها  ممارسات الحيف والظلم والعنف النفسي والجسدي المستمر التي طالما عانت منه وخضعت لمطرقته.

في محاولة للعودة للحياة ..

مكسرة القواليب  متمردة  على كل ما يفت في عضدها  ويكسر عزيمتها

 .......ماسكتاش 



جميلة محمد 

المملكة المغربية

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

بقلم علي سعيد ..

 .

                      هكذا تكلم رفعت سلام


رفعت سلام:المثقفون بدأوا ضد المؤسسة وانتهوا في حضنها

لم تكن الدعوة لاستضافته من قبل المركز العالمي للشعر في فرنسا مجرد احتفاء ذي طابع فولكلوري بشاعر تصادف أنه ينتمي للآخر العربي الذي تشتم في مفرداته رائحة شرق التكايا والسبايا والبخور قدر ما كانت تكريماً من عشاق رامبو لصاحب الإشراقات العربية التي كانت نافذة تقافزت منها أجيال الحداثة الشعرية وسماء تماوج في خضمها شعراء قصيدة النثر بكل نزعاتهم الثورية واندفاعاتهم الراديكالية لإطاحة موروث شعري دارج ومتجمد، صورة ومفردة وإيقاع حياة.


إن رفعت سلام الذي صادته الدعوة دون غيره من شعراء القصيدة العربية الحديثة لم يكتف بدوره كرائد سبعيني لقصيدة النثر المصرية، بدءا من ديوان "إنها تومئ لي" و هكذا قلت للهاوية وانتهاء بديوانه الأخير كأنها نهاية الأرض بل امتدت إسهاماته لحقل الترجمة فكان المترجم الفذ لأهم مآثر ماياكوفسكي وريتسوس .


وقسطنطين كفافيس فضلا عن نجاحه في تقديم نفسه كواحد من المثقفين القلائل الذين امتلكوا رؤية تنظيرية متكاملة للواقع العربي سياسياً وفكرياً وهو ما تبدى على اتساعه في كتابه "بحثاً عن التراث العربي" الذي صدر في أكثر من طبعة بين القاهرة وبيروت.


وفي حوار خص به "البيان" قبيل سفره لباريس بأيام بدا الشاعر المصري رفعت سلام محتفظاً براديكاليته فأكد أن أحمد عبدالمعطي حجازي توفي شعرياً برحيل عبدالناصر وتحديداً بعد "مرثية للعمر الجميل" .


وأن محمود درويش لم يكتب ــ بعد "مديح الظل العالي" - ما يستحق أن يقرأ معتبراً أن الدولة المصرية نجحت في تدجين جابر عصفور والشاعر حلمي سالم بكراسي سلطوية زائفة في المجلس الأعلى ولجنة الشعر معرباً عن أسفه لتسول أسماء روائية كبيرة ترجمت أعمالها إلى الفرنسية.


قلنا لرفعت سلام:


٭ كيف تقرأ المشهد الشعري العربي الآن؟


ــ ليس هناك مشهد شعري عربي واحد.. هناك مجموعة من المشاهد الشعرية العربية فكيف يمكن ـ مثلا ـ أن تضع الجزائر حيث السيادة للقصيدة العمودية إزاء ما أعرفه عن التجربة الشعرية في البحرين التي تتصدر الحداثة العربية في الشعر وبين هذين النموذجين لا ندري شيئا عما يحدث في ليبيا حيث لا توجد إلا حالات فردية لا تصف مشهدا.


لذا فليس أمامنا إلا الحديث الحذر عن ملامح عامة ففي بعض المناطق هناك سيادة للقصيدة العمودية وهناك هيمنة للقصيدة الحداثية في بعض المناطق العربية أو في المهجر الشعري وفي إطارها يختلط الحابل بالنابل.


لست منزعجا تماما من اختلاط الحابل بالنابل في القصيدة الحداثية فالزمن ـ وأنا أعول عليه كثيرا في تنقية الحركات الإبداعية عموما ـ كفيل بأن يفصل الحابل عن النابل.


وهنا لابد من ملاحظة أن ما يسمى بجيل الرواد لم يعد قائما شعريا حتى وإن كان بعضهم قائما جسديا أو صحفيا في هذا الموقع أو ذاك، أما الجيل الثاني فتقديري أنه لم يبق منه سوى سعدي يوسف كشاعر حي يعمق تجربته الشعرية.


أما بقية أجيال ما قبل السبعينات فقد أصبحوا في ذمة التاريخ النقدي. أما جيل السبعينيين فلا يزال في صدارة ليس فقط المشهد الشعري بل والكراسي الشعرية فيصح استخدامهم بين حين وآخر على حسب الوظيفة أو الكرسي.


٭ هل أصبحوا مثقفي سلطة؟


ــ هم كذلك إذا تحدثت عن مصر ولك أن تتأمل علاقة أي منهم بالمؤسسة الرسمية هذه أو تلك، بدأوا ضد المؤسسة وانتهوا في حضنها، بدأوا في مجلة "إضاءة" المستقلة عن المؤسسة بل والخارجة عليها أما الآن فمن منهم ليس عضوا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة؟!


من منهم لا ينشر في "مكتبة الأسرة"؟! من منهم لا يسعى لتوطيد صلته بصاحب هذا الكرسي أو ذاك؟!


٭ استوقفتني مقولة »اختلاط الحابل بالنابل« هل نطمع في تعريف إجرائي للحابل والنابل»؟


ــ كل ما هو شعري يستعصي على التعريف وبالتالي ليس علينا سوى الاعتماد على استيعابنا النقدي لحركة الشعر العربي للتمييز بين القصيدة وما يمكن أن يكون خاطرة تنطوي على شئ من الاستسهال ورغبة البعض في أن يصبح شاعرا .


وهو ما حدث حتى في زمن القصيدة التفعيلية فمع صلاح عبدالصبور وحجازي تلمح أكثر من ثلاثين اسما وكل منهم يعتقد أنه الشاعر الأوحد وأصدروا دواوين ودخلوا في دراسات نقدية لكن من الذي تبقى منهم؟.


بالنسبة لجيلنا كان هناك ما يقرب من خمسة وعشرين اسما.. أين هم الآن؟ البعض كف عن الكتابة أصلا والبعض قدم ديوانه الأول ولم يجد جديدا يضيفه إليه والبعض سافر بلا عودة ولم يبق سوى الآحاد.


٭ إذا كان بالإمكان في ظل سيطرة التفعيلة التماس أو معيار ما للحديث عن شعرية مثل الالتزام بالوزن أو التفعيلة فماذا عن قصيدة النثر؟


ـ الالتزام بالتفعيلة لم ينقذ القصيدة الحرة من غثاء كثير سيطر في تلك الحقبة ولم تنج منه إلا أسماء قليلة تستحق أن تتوقف عندها الذاكرة العربية شعريا وبالنسبة لقصيدة النثر المسألة أصعب فلربما منع الالتزام بالتفعيلة أسماء إضافية من الولوج إلى الساحة حينذاك أما الآن فليس هناك ما يمنع حيث تحررت القصيدة تماما من شروط خارجية .


وأصبح على الشاعر أن يثبت شاعريته دون الالتزام بأي شروط من خارج القصيدة وهو مكسب انتزعه الشعراء العرب من أنياب الأسد وفي كل الأحوال أحسب أننا لسنا في عجلة للقول إن هذا شاعر وهذا ليس بشاعر فالزمن .


ــ كما أتصور ـ كفيل بكشف الغث والثمين وأنا أرى مقالات نقدية كثيرة بعضها لأقلام كبيرة ومشهورة تتعامل مع بعض الكتابات باعتبارها قمة الحداثة الشعرية وهي ليست كذلك ويبدو أن الفساد الذي ضرب مؤسسات المال والسياسة تخلل الكتابات النقدية أيضا.


٭ حدثنا عن شعراء أو نماذج شعرية نثرية تعجبك.


ــ من الأجانب تعجبني »إشراقات رامبو« و»فصل في الجحيم« وليس قصائده الأخرى لأنها موزونة، وعلى الصعيد الشعري في الوطن العربي هناك سعدي يوسف وبعض الأعمال الشعرية لأدونيس .


وهناك كتابات محمد بنيس، المهدي بالخير، محمد بنطلحة، أمجد ناصر، قاسم حداد، عباس بيضون أما في مصر فقصيدة النثر لها إشكالية خاصة فقد بدأ انتشار قصيدة النثر في العالم العربي من عام 1958 .


وفي ذلك الوقت كان صلاح عبد الصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وغيرهما يقاتلون من أجل انتزاع الشرعية لقصيدة التفعيلة وفي عام 1962 أصدرت لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة بيانا يكفر فيه شعراء قصيدة التفعيلة حمل توقيع أسماء كبيرة منها الدكتور شوقي ضيف.


وظلت الحرب شرسة ضد التفعيلة إلى أن اضطر الجميع للاعتراف بها في منتصف السبعينات في الوقت الذي كانت فيه قصيدة النثر تكتب وتنشر خصوصا في مجلة الشعر التي هي أول من عرف بكتاب سوزان برنار »قصيدة النثر« التي استندت اليه أيضا مقالات أنسي الحاج وأدونيس، سواء اعترفا بذلك أو لم يعترفا.


بينما كنا في مصر أسرى حرب التكفير ضد قصيدة التفعيلة. أدونيس لم يدخل مصر شاعرا إلا على يد جيل السبعينات اعترف بذلك أو لم يعترف، بعد أن كثرت الكتابات في الثمانينات على أنه رائد شعري مهم، استفدنا من تجربته في البداية. وأصبح معترفا به كقامة شعرية.


في مواجهة تفعيلية صلاح عبدالصبور وحجازي اللذين مثلا السطوة المصرية التي تتعدى محاولة التأثير السياسي في المنطقة إلى الرغبة في التأثير حتى في الأدب والإبداع وذلك عبر المجلس الأعلى للثقافة والسماح بتسنم الشعراء الرواد كراسي ثقافية معينة.


ولم يحتل صلاح عبدالصبور موقعه كرئيس للهيئة العامة للكتاب إلا بعد الاعتراف به كشاعر أول بما يعني رضا الدولة عن قصيدة التفعيلة الأمر الذي تبدى في السماح له بتأسيس مجلة للشعر عام 1971 صدر منها عدد واحد فقط فكيف يمكنك .


وسط كل هذا المناخ المتحفظ أن تطرح قصيدة النثر في ظل دولة شرسة لا تعترف بك ولا تسحب تحفظاتها عليك إلا إذا اكتملت حركتك الشعرية وأصبحت أمرا واقعا وضاغطا وهو ما حدث مع جيلي في عام 1984 عندما سمح لنا لأول مرة بإلقاء الشعر في معرض القاهرة الدولي.


٭ أي أن الاعتراف بقصيدة النثر تأخر إلى منتصف الثمانينات.


ــ لم يكن السماح لنا بإلقاء الشعر في معرض القاهرة للكتاب اعترافاً بقصيدة النثر بقدر ما كان اعترافا بحق السبعينيين في طرح أنفسهم كشعراء وكان أغلب أبناء جيلي في ذلك الوقت يكتبون القصيدة العمودية بمختلف أشكالها بما في ذلك شكل التدوير التفعيلي الذي أنتجه شعراء الجيل الثاني من شعراء التفعيلة مثل حسب الشيخ جعفر .


وسعدي يوسف وأمل دنقل. لقد تأجل الاعتراف بقصيدة النثر إلى اليوم وأذكر أنه منذ خمس أو ست سنوات، وتحديدا بعد ظهور الترجمة الكاملة لكتاب "قصيدة النثر" قابلت الدكتور جابر عصفور الذي أبدى اهتمامه بالكتاب.


وقلت له إن قصيدة النثر مظلومة وتستحق مؤتمرا فكلفني بإعداد مشروع المؤتمر ومحاوره فوافق عليه وأحاله لمساعده للتنفيذ وعندما علمت لجنة الشعر بهذا المشروع أقامت الدنيا ولم تقعدها إلى حد أن شعراء من جيلنا محسوبون على قصيدة النثر قاتلوا بالمخلب .


والناب ضد هذا المؤتمر خصوصا حلمي سالم الذي طاب له في هذه اللحظة بالتحديد أن يتحدث من منطلق كرسيه في لجنة الشعر متسائلا: كيف يتقدم رفعت سلام بمشروع المؤتمر وهو ليس عضوا بلجنة الشعر؟!


٭ من وجهة نظرك لماذا لم يتطور النقد العربي ليواكب تطور القصيدة العربية؟


ــ النقد العربي منذ الخمسينات يتكئ على النقل وليس العقل، على تطبيق النظريات الغربية القادمة إلينا من الغرب دون محاولة إبداع نقدي يوازي هذا الذي جرى للقصيدة العربية وليس كل ما يرد إلينا من الغرب صالحا للتطبيق بحذافيره فمن المؤكد أن هناك خصوصية للتطور الشعري العربي.


وأذكر أن شاعرا فرنسيا كبيرا طلب مني ذات مرة ترجمة قصيدة صغيرة لنشرها هناك فاخترت قصيدة دون أن أنتبه إلى أنها تتكئ ـــ في جملة منها ـــ على نص قرآني فلم يستطع استيعابها حتى بعد أن كتبنا له هامشا مطولا لتوضيحها فلم يستطع.. نحن أبناء تراث مختلف..


في حقبة ما هيمن النقاد علينا باستخدام المفاهيم البنيوية حتى دون استيعابها وامتلأت المقالات بالمثلثات والمربعات والدوائر حتى إنني كان يستعصي علي استكمال قراءة حتى بعض ما كتب عني.


٭ »أيها المترجم.. أيها الخائن« عبارة تتردد كثيرا.. هل ترى أن الترجمة خيانة؟


ــ هي جملة إنشائية ذات أصل إيطالي وتضم كلمتين تنطويان على درجة عالية من الجناس ما سهل ترديدها .


ومن ثم انتشارها أما في واقع الأمر فالمترجم هو الجندي المجهول في الثقافة العربية وما من مترجم عربي أخذ حقه في الإنصاف حتى الآن فلقد قرأنا الإلياذة والأوديسا والأرض الخراب والفردوس المفقود وترجمات دانتي ونيرودا وغيرهما على أيدي هؤلاء الجنود المجهولين.


أما الخيانة في الترجمة فتتوقف على المترجم نفسه وخلفيته المعرفية فمثلا عندما ترجم نعيم عطية وهو أستاذ متخصص في اليونانية ديوان شاعر الاسكندرية العظيم قسطنطين كفافيس إلى العربية ألبسه ثوبا دينيا بينما يعرف القاصي والداني أن كفافيس ملحد.


٭ لكن هل خصم رفعت سلام المترجم من رصيده كشاعر؟


ــ لا بل على العكس استفاد رفعت سلام الشاعر من عمله كمترجم فحين تعمل عند شاعر كبير مثل »مياكوفسكي« في ديوانه »غيمة في بنطلون« فأنت تتعلم منه الكثير، كيف يشدك؟ كيف يدهشك؟.


كما تتعلم منه التواضع فأنت تراه عملاقا وسط مملكة شادها بشاعريته الفذة، كما أتعلم من العمل على نص متعدد الأوجه، فأنت تترجم السطر الشعري الواحد بأكثر من طريقة وبأكثر من مستوى للتذوق بينما يكون المستوى الواحد فقط من نصيب القارئ.


٭ دائما ما ينقلب رموز التمرد في الشعر العربي من الراديكالية إلى التجمد كما في حالة محمود درويش وحجازي اللذين أخذا يهاجمان القصيدة الجديدة.. كيف ترى الأمر؟


ــ هذه مسألة فطرية تماما مصدرها إحساس الشاعر الرائد بأن جيلا جديدا بدأ يزيحه والواقع أن حجازي انتهى شعريا بوفاة عبدالناصر وتحديدا بعد »مرثية للعمر الجميل« أما درويش فقد انتهى كشاعر تقريبا بعد »مديح الظل العالي« التي كتبها بعد خروج عرفات من بيروت. لقد تماهى كل منهما في قضية بعينها بل وزعيم بذاته .


وانتهيا بانتهائه وكما انتهى حجازي بموت عبدالناصر انتهى درويش بأوسلو ثم موت عرفات. أنا مثلا استمعت لدرويش منذ عامين في ندوة بالقاهرة فوجدته باهتا يقرأ قصائد أكثر من عادية لو ألقاها شاعر آخر ما تكلف أحد عناء الاستماع إليه.


٭ هل تأتي دعوتك إلى فرنسا في إطار احترامهم العميق لأدبنا وشعرنا أم تراهم ينظرون لنا كمجرد فولكلور؟!


ــ تجربتي الشخصية تقول إنهم يكنون احتراما عميقا لمصر التاريخية وليس مصر الراهنة، هذا الثقل الحضاري لم يستطع الواقع الراهن بكل مساوئه أن يطمسه لديهم وبالتالي إذا ما كنت منتبها لقواعد التعامل البسيطة سيحترمونك كمصري وليس كفولكلور وسيأخذونك مأخذ الجد إلى أن تنطق فيرون كلامك شعرا أم هراء.


هؤلاء الناس لم يوجهوا إلى هذه الدعوة إلا لأنني أقمت أمسية شعرية في ديسمبر الماضي ورأوا كيف استقبلني الجمهور وكيف قدمني واحد من أكبر شعراء فرنسا تقديما لم أسمعه هنا في بلدي باللغة العربية .




وبالتالي قدموا لي هذا العرض شفاهة في مواجهة بعض الكتاب العرب الذين يقدمون أنفسهم كفولكلور يوقظون لدى الآخر هذه النظرة الاستعلائية هل من اللائق أن أقول لك إن بعض الكتاب ذهبوا إلى فرنسا بحثا عن النساء.


والمخدرات وبعضهم يستقبل المترجمين الفرنسيين هنا في المطار ويحمل لهم شنطهم لعله بذلك يغريهم بترجمة أعماله للغة الفرنسية.


٭ يتهم البعض مشروعك بالاستغلاق أحيانا.. ما تعقيبك؟


ــ هناك احتمال لأن يكون ذلك صحيحا ففي بعض الأعمال كنت أحاول أن أتخطى هيمنة الأحادية العربية بنوع من التعددية الداخلية... تعددية الأصوات بمعنى محاولة الحيلولة دون احتكار صوت .


وبعد وإيقاع واحد للقصيدة والسماح بتحاور عدد من الأصوات ابتداء من قصيدة »تنحدر صخور الوقت« في ديواني الأول »وردة الفوضى الجميلة« انتهاء بالديوان الأخير »كأنها نهاية الأرض« وهذا النوع من التركيب ربما يكون هو السبب في تبدي حالة من الاستغلاق.


٭ لكن هل يتماس حرصك على تحاور وتعدد الأصوات مع شعور ما بانشطار الذات؟


ــ ليست قضية انشطار قدر ما أنها قضية تعدد الذات التي لا يمكن أن تكون واحدة فأنت تحمل في ذاتك الحضارية أكثر من أنا وأكثر من هوية بحكم الانتماء لحضارات وثقافات متعددة فأنت تنتمي لصوت الفلاح الفصيح .


وصوت المؤذن وأجراس الكنائس وذلك الهروب في حارات القاهرة أمام المماليك ورأس طومان باي المعلق على باب زويلة ودماء سالت أمام جامعة القاهرة وأشعار نيرودا التي تفتتح بأن »الدماء تسيل في الشوارع« ومصرع الليندي في شيلي .


وأحيانا صراخ ماياكوفسكي أمام بوابات الكرملين وطابور المنفيين وأحدهم ديستوفيسكي إلى سيبريا. إنك لا تستطيع أن تنفصل لا عن تواريخك ولا أزمنتك فيخرج منك هذا الكائن المركب والمتعدد.


٭ لكن الغرب يترجم الآن نصوصا لشعراء وكتاب هم أقرب إلى الفولكلور كسعدني السلاموني مثلا.


ــ الأخبار التي تشيع لدينا عن الترجمة زائفة والكتاب هم مصدرها الرئيسي، كما أن أغلب الأعمال التي ترجمت لا توزع في فرنسا إلا بنسخ محدودة ورأيت ندوات لبعض هؤلاء لم يكن الجمهور يزيد فيها عن أربعة أو خمسة أشخاص من الفضوليين هناك نظام طبعة محدودة للاختبار فإذا ما نجح.


وتلقفته الأيدي يبدأ التفكير في الطبعة الشعبية التي توزع مع باعة الصحف في إطار كتاب الجيب وهذه الطبعة لم يصل إليها من الأدباء العرب إلا نجيب محفوظ.


٭ لكن إذا كان محفوظ هو أبرز الروائيين العرب الذين ترجموا إلى الفرنسية فماذا عن الشعراء؟


ــ أدونيس هو الشاعر العربي الوحيد الذي ترجم إلى الفرنسية بشكل واسع ولذلك يتصاعد حلمه سنويا بالفوز بجائزة نوبل.


٭ هل يستحق نوبل باعتقادك؟


ــ حصل عليها شعراء أقل قامة منه شعريا خصوصا هؤلاء الذين ينتمون لدول ما كان يسمى بأوروبا الشرقية رغم أنهم يعبرون عن لغات محدودة الانتشار لا يستخدمها أكثر من 30 مليونا.. أما أدونيس فهو شاعر كبير يمثل لغة واسعة الانتشار وهو مؤهل بلا شك.


٭ هل تتفق مع مقولة انتهاء عصر الشعر وأننا نحيا عصر الرواية؟


ــ رداً على هذه المقولة الاستبساطية كتبت مقالا في جريدة العربي بعنوان »ليس زمن الرواية ولا الشعر..


إنه زمن عمرو دياب« وهو مقال كان بداية لخلافاتي مع جابر عصفور فلقد رأيت في الكتاب استخفافا بالكثير من القيم والقارئ فهو لا يبرهن على مقولته بأن الزمن زمن الرواية إلا بالإدعاء بأن جوائز نوبل منحت لروائيين أكثر مما منحت لشعراء فأحضرت ثبتا بمن فازوا بالجائزة فوجدت أن الأمر ليس كذلك.


كما أنه إذا كان الانتشار هو المقياس فإن الأديبين الأكثر توزيعا في العالم العربي هما نزار قباني ومحمود درويش وهما شاعران. أما البرهان الثاني الذي قدمه فيزعم أن الترجمات الأوروبية للأدب العربي تركز على الرواية وليس الشعر .


وهذا كلام مرسل فبوصفي مترجما أعرف أن ترجمة القصة أسهل من ترجمة الشعر كما أنني بحثت في الأسماء الأكثر ترجمة فوجدت أن أكثر من ترجم له هو السيدة أليفة رفعت التي لا يعرفها أحد.


والثانية هي نوال السعداوي التي يهتم الغربيون بترجمتها لأنها تتحدث عن الختان وليس نجيب محفوظ ولا صنع الله ابراهيم ولا غيرهما من أفذاذ الرواية فهل هذا يصلح كمقدمات يمكن أن تستند إليها لإصدار حكم واستخلاص نتائج جادة.


         القاهرة ــ علي سعيد

      البيان / 23.10.2005

السبت، 5 ديسمبر 2020

عبد الرحمن اشرقي

 أطفال تحت قبضة “البوليساريو” وبندقية الدمار عوض محفظة المدرسة



إنتقدت تقارير إعلامية أوروبية ودولية متطابقة تحويل “البوليساريو” لأموال مساعدات إنسانية قادمة من منظمات إنسانية وهيئات خيرية عالمية، خصصت لبناء مدارس و شراء تجهيزات تربوية وتعليمية بمخيمات تندوف، نحو  شراء ما أسمته ذات التقارير بأرواح الطفولة المنهكة في المخيمات، وببعض قبائل دول جنوب الصحراء، ممن يتحولون لمرتزقة قتلة، من طرف عصابات المتاجرة في البشر .



وخلصت ذات التقارير المذكورة، إلى دعوة المنتظم الدولي لوقف هذه الجرائم البشعة واللانسانية المرتكبة في حق اطفال أبرياء تحولوا تحت سطوة صناع الحرب اللامشروعة إلى “جنود” قتلة


.عبد الرحمن اشرقي

‏⁧‎

د. عز الدين حسين أبو صفية

حنتش بنتش 

كانا يواظبان على الالتقاء في مقهى الانشراح المقام على أطراف الحي السكني الشعبي الذي يقطناه و على بعد مئتي متر تقع مقبرة الحي التي يدفن في مقابرها الموتى من سكان هذا الحي كان كلا من (سعيد و مسعود) بعد عودتهما من أمالهما يتناول كل منهما طعام الغذاء في منزله هو و أفراد اسرته و يرقدا ساعة للاستراحة و من ثم يذهب كل منهما إلى المقهى و يجلسا قبالة بعضهما البعض تتوسطهما طاولة خشبية صغيرة في ساحة المقهى المطلة على البحر الذي لا يبعد عنهما سوى مئة متر يكون الجو بدأت حرارته تنحسر مع اقتراب قرص الشمس من الغروب فتبدأ نسائم الهواء الاتي من الشمال بشكل هادي تداعب بشرتهما فيأخذهما الحماس للاستمرار في اللعب مع النرد و يتحديان بعضهما البعض بالفوز. في الطرف الآخر من الشارع المقابل للمقهى و المواجه للمقبرة يتجمع عشرات من الأولاد و بعض الشباب بعد ساعات الغروب يتوجهون إلى المقبرة يمارسون عادات وألعاب قديمة و يستثيرون الراقدون في القبور من الموتى الذين مضى على موتهم عشرات السنين ظنا منهم بأن الموت عند استثارتهم يقومون من مراقدهم و يغادرون القبور و يهاجمون الاولاد و كانت هذه الأفكار راسخة في اذهان الكثير من الناس و يتبادلون الأحاديث عنها و ينسجون من خيالهم قصصاً خيالية عن الموتى و يطلقون عليهم اسماء غريبة تُثير الخوف والرعب عن الناس وأهم لقب كان يُطلق على الموتى لقب ( القتيل) وهو عبارة عن شبح يتخيلونه يطارد الاولاد في عتمة أزقة الحي، و كانت تدور قصصا كثيرا حول هذه الأحداث غير الحقيقية، و على مدى عشرات السنين استمر الاولاد و الكثير من البنات و بعض الرجال و النساء بممارسة الذهاب إلى المقبرة لاستثارة الموتى بقولهم ( حنتش بنتش و اللي يلحق بنتش) و المقصود بهذه الجملة دعوة الموتى أو بعضهم بالخروج من القبور لمهاجمتهم حيث يهرب الجميع وهم متخيلين بأن الأشباح تطاردهم و يهرب الجميع إلى منازلهم و هم يتصارخون و الكثير من الأولاد و بعض الرجال يصدرون أصواتاً و كأنهم يتعرضون للهجوم و الضرب من قبل الأشباح، ثم في الصباح يمتلئ الحي بالقصص الخيالية وغير الحقيقية عن أحداث الليلة فمنهم من يدعي انه ضُرب من أشباح و اخرين يدعون انه تم حجزهم بجوار القبور و تنتشر الكثير من القصص و الحكايات و يتناولها الكثير من الناس بالجدية أحياناً و بالاستهزاء احيانا أخرى . كان ( سعيد و مسعود ) أثناء لعبهم النرد في المقهى يتناولون بعض هذه القصص و كان (سعيد) ينكر حقيقة أن يكون الموتى يخرجون من قبورهم على شكل أشباح و هذه قصص ينسجها خيال سكان الحي لأسباب عدة تندرج تحت عوامل نفسية أو تربوية محاولة منهم التخفيف من تفكيرهم في ازماتهم الحياتية و البيئية و أبعاد فكرهم عن افكار لها علاقة بالظروف التي عاشوها منذ زمن و فقدوا أعزاءهم و بعض أبنائهم في شجارات أو حروب قديمة قتل خلالها من قتل من الأبناء، كما أن الآباء يحاولون بهذه القصص الحد من خروج الأبناء من منازلهم في ساعات الليل المظلمة خاصة و ان الحي غير مزود بالإنارة و يكون الظلام دامساً خاصة في فترة غياب القمر و بتلك الحكايات يؤثرون على أولادهم فيقنعونهم بتجنب الخروج من البيوت أثناء الليل . قال ( أدهم ) وهو احد الرجال الجالسين على المقهى أن هذه قصص لا ترتبط بحقيقة الأمر لا من قريب و لا بعيد، فتحداه ( همام ) بأن يذهب مع الاولاد المتجهين إلى المقبرة و أن يقوم بدق مسماراً في إحدى القبور و هو بذلك يتحداه بأن الحكايات التي تدور بين الناس عن خروج أشباح القتلى و تهاجم من يستفزهم من الأولاد هي حكايات صحيحة. وافق ( أدهم ) على ان يذهب مع الاولاد المتجهين إلى المقبرة و كان يرتدي عباءته و ساروا جميعاً حتى وصلوا المقبرة و انتشروا بين القبور و اختار ( أدهم ) احد القبور و اخرج من جيبه مسمارا كبيرا و مطرقةً احضرها معه لتثبيت المسمار في جدار القبر حسب اتفاقه مع أصدقائه و بدأ بالطرق على المسمار حتى أنهى تثبيته بالكامل عندما بدأ الجميع يصرخون (حنتش بنتش و الي بلحق بنتش)، و خلال عتمة هذه الليلة و الخوف يزعزع قلوب الجميع بدأوا بالهروب من المقبرة تتجنبا لمهاجمة أشباح الموتى لهم و هم يصرخون بصوت عالٍ والبعض الآخر يصرخ الماً من وهمٍ أصابه بأنه ضرب من أشباح و آخر انه أُمسِك به منهم و كذلك ( أدهم ) الذي قام بدق المسمار و هو يحاول الهروب و كان يصرخ بشكل هستيري و يطلب النجدة ولكن هرب الجميع . و كالعادة في الصباح يدور الحديث بين الناس عن احداث تلك الليلة ويتناولوا في حديثهم أن صراخًا غير عادياً كان يصدر عن ( أدهم ) فظن البعض بأن سبب ذلك بأنه لأول مرة يذهب إلى المقبرة لذلك الهدف و لكن الجميع بدأوا يتساءلون عنه فذهب بعضهم إلى منزله ليسألوا عنه، كان أهل بيته مندهشين من عدم عودته للبيت ولمم يعلموا بأنه كان قد ذهب إلى المقبرة مع الأولاد ، و هنا دار همس بين من ذهبوا لمنزله و اعتقدوا بأنه قد يكون قد تعرض للأذى من الأشباح و على الفور توجهوا إلى المقبرة و أخذوا يبحثون عنه بين القبور فوجدوه ملقى على أحد القبور وقد فارق الحياة؛ ميتا من الخوف لعدم تمكنه من الهروب في تلك الليلة. دهش الجميع و ظنوا بأنه قد يكون بأنه قد أَمسك به احد الأشباح و منعه من المغادرة فكان يصرخ بذاك الصراخ الهستيري و يطلب النجدة و لكنهم جميعاً تفاجأوا بأنه لم يكن ينتبه و هو يثبت المسمار في جدار القبر بأن طرف عباءته كان تحت المسمار فثبتت العباءة بالمسمار بجدار القبر و عندما اطلق الاولاد عبارة (حنتش بنتش اللي بلحق بنتش) حاول الهروب معهم لكنه لم يتمكن بالمطلق فملأه الخوف و الرعب ظننا منه بأن احد أشباح الموتى امسك به فظل يصرخ بشكل جنوني و الخوف يمزق تفكيره و قلبه الذي خلال ساعة من الصراخ و الخوف قد توقف قلبه ومات .



د. عز الدين حسين أبو صفية