الأحد، 21 أبريل 2019

بقلم الآديب الكبير محمد أديب السلاوي


"الحروفية والحروفيون"


 قراءة لعودة الوعي بالحرف العربي.
《عزام مذكور
فنان تشكيلي》

”الحروفية والحروفيون” كتاب اضيف إلى خزانتنا الوطنية قبل عدة سنوات. كتاب جديد في النقد التشكيلي يحتفل به الفنانون والحقل الفني، لاسيما وأن هذا الحقل مفتقر إلى كتب متخصصة من هذا النوع، كتب يكون من بين أهدافها تحليل تيار معين أو إعطاء ارتسامات حول حركة ما في التشكيل المغربي . نهنئ كذلك الفنان الناشر محمد البوكيلي الذي أعطى لهذا الكتاب حلته الفنية.
  محمد أديب السلاوي رائد في النقد التشكيلي بالمغرب، غني عن التعريف، فقد أسس عدة صحف من بينها الطريق سنة 1963 والصحافة سنة 1971 وصدى الصحافة سنة 1989 والشعبية سنة 1993 ونشر عدة كتب في الشعر والنقد المسرحي و الروائي، وكذلك كتب حول القضايا السياسية والاجتماعية التي يتخبط فيها المغرب الحديث، أما في التشكيل، فقد كتب ” التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة ” و”أعلام التشكيل المغربي” و”التشكيل المغربي في رحلة البحث عن الذات” و”التشكيل المغربي بصيغة المؤنث”، و”المشهد التشكيلي بالمغرب”.
    كتاب محمد أديب السلاوي “الحروفية والحروفيون” وهو الرابع في سلسلة كتبه في التشكيل، حاول إبراز حركة معينة في التشكيل لا يعيرها النقاد اهتماما و لو أنها تعد امتدادا للفن الإسلامي الذي ننهل منه استلهامنا.
          شخصيا، وكناقد فني أولج الحروفية ضمن تيار ”مدرسة العلامة” الذي يعد فرعا من فروع التجريد الغنائي أو الهندسي، وهذا التيار بدوره يجمع بين الحروفية والرمز والعلامة والشكل الهندسي والعضوي المستلهم من التراث العالمي.

          ولا يمكن لأي فنان أن يتخصص في نوع ما من هذه الفروع إلا القليل، فالشرقاوي مثلا، واعتبره الرائد الأول لمدرسة العلامة، حاول في بحثه و بكل وعي فني أن يجمع بين الحروفية والعلامة البربرية والشكل العضوي. أما المليحي، و الذي استلهم بحث من ” الهارد ايدج ” الأمريكية فلم يعر للحرف اهتماما إلا في فترة و جيزة، و كذلك الملاخ و لطيفة التيجاني.
          الحروفيون قليلون في المغرب، مقارنة مع إخوانهم في إيران أو العراق أو سوريا، و لم يأتوا بالجديد من حيث إبداع الحرف، فإبداعهم يتجه صوب تركيب الفضاء التشكيلي وحركية الحرف وبنية الاشكال، ولهذه الأسباب يحسن إدماجهم ضمن تيار مدرسة العلامة.
          ينقسم كتاب الأستاذ محمد أديب السلاوي ” الحروفية والحروفيون ” إلى ثلاثة أبواب : الباب الأول ”حروف الإبداع المقدس” هو تعريف بالخط العربي من حيث تنظيماته و جماليته وزخارفه و عناصره. وهذا الباب له أهميته القصوى، فهو يعطينا لمحة عن بنية الحرف العربي وقدسيته و جماليته كجزء من الفن الإسلامي، وكذلك الإحساس الروحاني الذي يتملكنا اتجاهه.
          الباب الثاني: ”الحروفية المغربية” هو قراءة لعودة الوعي بالحرف العربي، وعلاقة الحرف العربي بالتراث، وكذلك تقييم لعمل بعض الحروفيين المغاربة وهم الشرقاوي وحنين والحريري والسنوسي والملاخ والمليحي والصديقي والتيجاني. ولأهمية عودة الوعي بالحرف العربي في الوطن الإسلامي المعاصر، كان من اللازم تخصيص باب لهذا الموضوع. فنحن ندري كيف استلهم الفنانون أمثال ”كوندينسكي” و”بول كلي” أبحاثهم من الفن الإسلامي، وكيف استلهم الفنانون الغربيون بعد الأربعينات أمثال ”هارتونك” و”سولاج” و”ماتيو” و”توبي” و”فرانس كلين” أبحاثهم من الحرف الصيني، وكيف بدأ البحث في الحرف الصيني واللاتيني والعربي، وكيف تأسست حركة الحروفية في الغرب وفي العالم الإسلامي وفي العراق على الخصوص.
          الحروفية حركة عالمية بدأت في القرن العشرين، و تطورت مفاهيمها و جماليتها في الوطن الإسلامي و لاسيما عند الزندرودي من إيران و جميل حمودي و ضياء العزاوي و شاكر حسن من العراق، و سامي برهان و محمود حماد و تركي محمود بك من سورية، و نجا مهداوي من تونس، ومحمد شبرين من السودان وغيتيل عدنان من لبنان. فلا يمكن تحليل أو تقييم الحروفية في المغرب دون البحث في نشأتها وتطورها و تنوعها في الغرب وفي الوطن الإسلامي، لكونها امتدادا لهذه الحركة العالمية و الإسلامية.
          وبما أن الكتاب مخصص للحروفيين المغاربة، كان من اللازم كذلك و على الأقل الإدلاء بأسماء هؤلاء الحروفيين و بنبذة عن حياتهم الفنية. فالمؤلف نسي أو تناسى أفوس و مقداد القطبي و غيرهم، و أدخل في هذه الحركة فنانين لم يبحثوا في الخط العربي إلا في ظرف وجيز من حياتهم الفنية، أمثال الشرقاوي و المليجي والميلودي و الملاخ.
          وانفرد الباب الثالث و الأخيرمن هذا الكتاب،  بتحليل لعمل الفنان محمد البوكيلي، و هذا كذلك مهم من وجهة نظر معينة، فالفنان محمد البوكيلي لا يعرض أعماله للجمهور المغربي على الأقل، إلا قليلا، فهذه فرصة لجمهور القراء والفنانين والنقاد على الخصوص لاكتشاف و تفهم هذا العمل الفني.


مكتبة  محمد أديب السلاوي

السبت، 20 أبريل 2019

بقلم الشاعر أحمد شاهين

حبى الوحيد 


كل المشاعر
بعدها
ماتت أكيد
لا فى قبلها
ولا بعدها
حٌبى الوحيد
وياها بس
لقيت هنايا
أشواق وهمس
ونور وأيه
ونسيت فى 
أحضانها الخطايا
وبقيت سعيد
كل المشاعر 
بعدها
ماتت أكيد
فارقتنى. لكن
عايشه فيا
وفجرى من
يومها ما جاش
راضى أنا 
بكونى الضحيه
لو ألف غيرها
باقول بلاش
مين زيها؟
فى عيونى أنا
وقلبى شوقه
ما انتهاش
وياها بس
لقيت هنايا 
أشواق وهمس
ونور وأيه
ونسيت فى 
أحضانها الخطايا
وبقيت سعيد
كل المشاعر 
بعدها 
ماتت أكيد
أصعب فراق
مش بس موت
فيه فراق أكيد
أصعب كتير
لما الحبيب 
بارق صوت
يقول أشوف
وشك بخير
ملعونه يا ظروفنا
الكئيبه
فين الضمير؟
وياها بس 
لقيت هنايا
أشواق وهمس
ونور وأيه
ونسيت فى
أحضانها الخطايا
وبقيت سعيد
كل المشاعر
بعدها
ماتت
أكيد.

كلمات / أحمد شاهين
19 / 4 / 2019

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

الحق في القراءة

~متى يصبح الزاميا لتلاميد التعليم الأساسي... ؟

القراءة منذ كانت/منذ وجدت، وهي طريقنا إلى المعرفة والعلم والتقدم والتحضر والمدنية.

والقراءة هي صنو الكتاب الذي فتح أعين البشرية على التاريخ والجغرافيا والعلوم واسرار الطبيعة وتجارب الإنسانية ورؤاها للحاضر والمستقبل.

و للقراءة كما للكتابة لذة خاصة، لا يستطيع الإنسان  ممارستها إلا بالتربية وحب المعرفة والإرتباط الفعلي بأسرارها ، إنها كالحب الذي ينير القلوب والعقول بأنوار الجمال /كالسحر الذي يرقى بالمشاعر إلى مصادر الإلهام.

السؤال الذي يطرح نفسه على إشكالية القراءة:هل يتوفر تعليمنا الأساسي على درس القراءة... ؟

 في عالم اليوم/عالم الألفية الثالتة تجتهد مناهج التعليم الأساسي في الدول المتقدمة  من أجل جذب  تلاميذ التعليم الأساسي إلى الكتاب/إلى القراءة التي تحيي في الطفل طفولته/التي تقوده إلى فهم جيد لطفله الخاص الساكن في قلبه وعقله، في مشاعره وأحلامه/التي تقوده إلى الإنتقال إلى مستقبله.

في عالم اليوم أيضا، ومن أجل القراءة،هذه الغاية النبيلة، تم تجهيز مدارس التعليم الأساسي بمكتبات الطفولة لدعم درس القراءة، ولفتح باب المعرفة أمام العقول الصغيرة، ولتنمية  حسها الجمالي والمعرفي.

في رأي أحد  المختصين في علوم التربية، إن زمن القراءة  لأطفال التعليم الأساسي، يمدد زمن حياتهم/يمدد إرتباطهم بقضايا الحياة وبحبهم للمعرفة.

لذلك يكون على مدرسة التعليم الأساسي في الزمن الراهن/في المغرب الراهن، تلقين تلاميذتها كيفية التأقلم مع القراءة من خلال صيغ الواجبات الدراسية،لأن مجتمعنا أصبح في حاجة ماسة إلى إندماج أجياله الصاعدة في هويتم/في قيمهم الثقافية، وتمكينهم من القدرة على السفر في هذه العوالم عبر القراءة والكتاب، وهو ما يعني  ان تجعل المدرسة من الكتاب /من القراءة جزء من المعلم والتلميذ والمناهج الدراسية، وأن تجعل من درس القراءة درسا لتعميق أسس المحبة والسلام بين المدرسة وتلاميذتها.

متى يحدت دلك، متى تجعل مدارسنا القراءة درسا  في مناهجها التربوية وفي طقوس تدريسها... ؟

نضع السؤال ولا ننتظر الاجابة.
بقلم محمد أديب السلاوي

الأحد، 24 مارس 2019

بقلم الشاعرة فاطمة لعبدي

الى شعراء الأرض في يومهم العالمي ♥️

 الاحتفال باليوم العالمي للشعر هل هو عبث ؟؟هل هو مسالة تفاخر وتباهي أم هي مسالة إجرائية وضرورية خاصة بالنسبة لنا شعوب ترفل عواطفها قحطا من الماء الى الماء ؟
لست عالمة انتروبولوجيا ولا التاريخ والفيلولوجيا لأحدد بالظبط كيف تحولنا الى كائنات بأنياب بارزة وأيادي ملطخة بالدم ،فلربما خلقنا هكذا ،ولكن لي اليقين الثابت أننا فقدنا الجمال وأنبتنا العوسج والقبح في كلماتنا وفي عواطفنا .
تحولنا الى كائنات هجينة ،خليط بين الانسان والحيوان هدا حسب ما لقنونا إياه من معلومات ان الحيوان هو كائن مفترس ربما هي دريعة لجرائمنا اتجاه هذه الكائنات العاجزة امام جبروت الانسان والا فاننا نقف امام مواقف كثيرة غاية في الحب والوفاء والحنان للحيوانات .
ماذا تبقى لنا لنستعيد وجهنا العابس وقلبنا المنفطر ؟؟
الكلمة هي طوق نجاتنا ،طريقنا الى الحب سبيلنا الى المحبة .وهؤلاء القيمين على شؤوننا الذين يبخسون الفعل الثقافي في مقابل الإعلاء  لكل ماهو اقتصادي ومالي اقول لكم : انتم تقترفون اكبر فعل اجرامي عندما تغيبون وتحتقرون مفعول الكلمة . 
فيا أيها الشعراء ،أيها الحالمون ايها المبجلون لا تقفوا امام الة التبخيس هذه اكتبوا واغزلو الكلام بدم القلب انسجوه في وجه الظلام والظلم والاحتقار .
علمونا كيف نحب وليس فقط بل علمونا بهاء الكلمات ،وبهاء التعبير فقلوبنا ارض قاحلة ومستودع للموت .
علمونا اننا ادا تكلمنا عن الحب بكلمات جميلة ونفس طيب وصادق فإننا نعني مانقول وليس لمجاراة الموضة والتبهاي او  النصب لغرض في نفوس مريضة .
علمونا أنه فقط بالكلمات المنتقاة بجمالية وحب سنشق طريقنا الى العلم والاقتصاد والسياسة .
ايها الشعراء يا طريقنا الى الحب إشحنو قصائدكم بالسلم والسلام والحب والمحبة .


كل عام وانتم القدوة والجمال
فاطمة لعبدي 

الثلاثاء، 5 مارس 2019

قراءة نقدية بقلم بكري جابر في قصيدة (اوقدي) للشاعر عماد على قطري


طفل الندي وترانيم الغياب

استخدام أسلوب المفارقات


لكل مغنٍ نايُه الخاص الذي يعزف به، وقيثارته المحببة لقلبه، فكل زفرة داخل النفس البشرية تنتقي آلتها التي تعزفها شجنا وآهات، تحملّها ما يهيج داخلها طربا ولوعة، رسالة حب وثورة تعري ما بالنفس من هموم، وعند الشاعر الحق نجد القصيدة تختار نايها وقيثارتها التي تعزفها، حروفا وثورة ورؤى، وهذا ما نراه في قصيدة (أوقدي) للشاعر عماد علي قطري، فقد اختارت قصيدته ثوب التفعيلة رداءا لها وإزارا، لما بنفسه من طوفان مشاعر، وهيجان داخلي، وثورة وجدانية لا يقوي ثوب الخليل العمودي علي احتوائها، فعمد عن قصد إلي إطار التفعيلة واختار بحرا من أرقي بحور الشعر العربي (الطويل) بتفعيلاته الهادرة الثائرة، ليتفق وحالة الثورة والتمرد عنده، فهذا البحر الهائج المائج الأمواج والمضطرب دوما، يلائم تلك الحالة الشجنية والثورة الوطنية لحالة (عماد قطري) الذي يتشظي في ثنايا قصيدته يِمنةً ويسرةً، عروجا وهبوطا بين مشاعر مضطربة ومتباينة، لا يقوي علي تلجيمها أو الحد منها، فيضمنها بحره التفعيلي (الطويل) علِّه يحوي بعض ما به، من شجن وألم وحب واغتراب.
و مفتاح القصيدة عند عماد قطري، مفتاح لا يُجهد القارئ أو يرهقه في البحث عنه داخل محيط النص، فنجده يعتمد منذ اللحظة الأولي علي اللفظة المباشرة، دون افتعال أو التخفي وراء أيقونة الرمز المفتعل، فتطالعك لفظة (أوقدي) لتضعك بذلك الأسلوب الطلبي (الأمر) ملتمسا منها أن تضيء له ولبني وطنه وجيله معالم الطريق، ورغم مباشرة اللفظة، نجده متضمنة ضمير الغائب الحاضر (هي)، فهي ذلك الوطن الظاهر الخفي، دون تصريح ممجوج ، فلا يمكن أن ينصرف الذهن إلي غيرها ؛ ولنقف برهة عند ما نسميه (اللفظة القصيدة) أو (القصيدة اللفظ) فذلك اللفظ وحده قادر تفجير مضامين ومضامين عدة، أو كما يقول نقاد القصة القصيرة (القصة الومضة).
يلجأ الشاعر عماد قطري إلي أسلوب (الإجمال الذي يعقبه تفصيل)،ثم يرتحل بنا علي جناح قصيده وبحره الصاخب الثائر، سابحا بنا في أمواج وأشجان الوطن، بين أمواج غربته وأحلامه المؤجلة والتياعه، ليرصد لنا تفاصيل حقبة زمنية قد اعتري ضبابها وجه الوطن وغربت طيوره، إنْ غربة داخلية، أو غربة خارجية سفرا وارتحالا، يقول عماد قطري :
 أوقدي شمعة في ظلام الفؤاد
لا تقولي :
لماذا الفتي القروي استحل البعاد؟
أوقديها لعل الذي سطّرته المنافي يذوب
عاند القلب ريح التشظي
ولكن أيجدي مع الريح همس النسيم؟
فها هو الأسلوب الإنشائي يطالعك منذ الجملة الأولى، ما بين الأمر الإلتماسي (أوقدي) والنهي التمنيّ (لا تقولي)، ثم يعقبه الإستفهام الثائر المعاتب (لماذا الفتي القروي استحل البعا ؟)
ويضعك الشاعر منذ البدايات،أمام استخدام أسلوب التضاد ليكون التئكة التي سيعتمد عليها في قصيدته، ليميط اللثام عن لحظتين، الحلم واليأس (شمعة ظلام الفؤاد) وبين حالتين لهذا الفتي القروي، الذي من سماته التمسك بالأرض ورفض الهجرة والسفر والإغتراب، وبين المنافي المفروضة عليه قهرا وقسرا (الفتي القروي، المنافي، عاند القلب، ريح التشظي) ثم المواجهة بين نسيم الوداعة والسلام الفطري، وبين ريح الاغتراب (الريح، همس النسيم) ؛ فمذ الدفقة الأولي لميلاد القصيدة، تأتيك الدفقة الشعورية ثائرة هادرة صاخبة بين متناقضات عِدة، واصفة بدقة حال الشاعر وما يعتريه من حب ورفض وثورة، ومن خلال تلك الدفقة الشعورية، يشحن الشاعر قصيدته منذ البدايات بكم من الأساليب الإنشائية، تستطيع من خلالها أن تتعرف علي أمواج النص والمناحي التي سيعرج بنا فيها؛ ولنقف أمام بعض الألفاظ الدالة علي ثورة الوجدان في جملة (ولكن أيجدي مع الريح همس النسيم ؟) نجد لفظتي (الريح) ثم (همس النسيم) فنجد الشاعر بثقافته القرآنية الواسعة يعي المدلول الجيد للفظة (الريح) وليست (الرياح) فالريح تكون مدمرة وعاصفة ومهلكة، أما الرياح فدوما تأتي بالسحب والخير والري والنماء ؛ وكذلك المفارقة النفسية والمعبرة جدا في استخدامه لـ (همس النسيم) بعد كلمة الريح، ليبين مدي قسوتها علي أبنائها والقهر والجبرت.
ثم ينتقل بنا الشاعر إلي ما أصابه من جراحات وهموم، واغتراب ووجع وهلع، فهو ذلك الفارس المثخن بالوطن والحب والإنتماء، وكثيرا ما عاودته طبيعته البشرية، كغيره من البشر، من وهن ووضعف، وأن يبيع الوجد ويركن إلي الهدوء والراحة أو ما يظنه راحة وهدوءا واطمئنان، لكن هيهات لمثله أن يبيعها ويشتري لنفسه لحظة هدوء، فنلحظ وهو يركن إلي لحظة هدوء (هدوء المحارب) نجده يحارب القبح والطغيان البشري والتوحش والتغول الإنساني، فعندما يترك سيف الثورة والنضال، يركن إلي سيف الإنسانية والحب في محاربة الجمود والجحود والبرد، فهو كله فارس ، إن لم يكن بسيف النزال السياسي، فبسيف النبل والإنسانية، وكلاهما وطن، يقول :
 فالفتي مثخن بالوطن
بالجراح التي علمتنا الرحيل
بالدموع التي لوثت وجه أم البلاد
مثخن والخيول التي أسرجتها الشموس
اعتراها الهوى
واستقال الصباح
مرة تلو مرة
يقسم القلب أن يستريح
يشتري خبزه والجريدة
يشرب الشاي في ركن مقهي بلا لافتة
يمنح البحر عند العصاري نسيما
يكور صدر البنات
يمسح الحزن عن طفلة في رصيف وحيد
يسكب الفرح في خطوة مستحيلة
يسكب الصمت زهوا أمام الجمال
ما أصعب ما يحمله الشعراء من هموم وأحلام فوق كواهلهم، فعندما يتعب المحارب ويلجأ إلي صخرة، كي يستريح من عناء الوطن والنضال، وتعتريه لحظة يأس واستسلام أمام ريح التشظي والإغتراب، لا يتخلي عن مهمته الإنسانية كفيلسوف وقديس صوفي، فيمارس إنسانيته كمصلح اجتماعي ومتصوف إنساني، ليجلّي الحزن عن وجه الطفولة، ويمنح الفرح لخطوة حيرى؛ فهل تلك الطفلة الحزينة التي يمسح عن صدرها الحزن، ويمنح خطوتها لحظة فرح، ومن تلك، غير ذلك الوطن الذي هو مُسخنٌ به؟
ثم تسكتين النفس الشاعرة برهة، فيُيُمم وجهه نحو الماضي، في قداسة وخشوع، يهيم في النور الذي أضاءته سلفا، فيهيم كقديس في معبد الأمس ليمنح روحه رشفة من حياة من وحي وعبق الأمس،و كأنه الراهب يتماهي مع ترانيم معبدها المقدس ، يقول عماد قطري :
أوقدي شمعة
أمس أوقدتها ما سري الضوء
أو عادني طعم فرح قديم
ربما في الترانيم يهوي الفتي والدعاء
ثم سرعان ما تثور داخل ذاته بعد لحظة صمت واستراحة محارب متأمل ريح الثورة، وكأنه قد شحذ روحه من سراج الأمس، فيهب ثائرا علي جناح القصيدة قائلا :
أوقدي...
لا تبالي بما أرسلت سكة الآه
من عاديات الغواية
مثقل بالبلاد التي شردتنا
بالحنين الذي يسرق الوقت
من ساعة لا تجيد الكذب
جاء صوت المذيع استعدوا
وما قال هذا الغبي الطريقة
وما قال كيف استطعنا اجتياز المضيق
ويجيد عماد قطري العزف علي لغة المفارقات الدالة، والتناقضات الموحية، ولنقف أمام لوحتين الأولي تشكلها حروف (سكة الآه، عاديات الغواية، شردتنا، يسرق الوقت) وبين لوحة أخري تشكلها تلك كلمات (لا تبالي، مثقل بالبلاد، الحنين) لوحتان في ظاهرها التناقض والتضاد، وفي باطنهما الحب والوجد والعشق والسهاد، فرغم عاديات الغواية وسكة الآه إلا أنه مثقل بها ، ينبض بالتحنان والحنين ؛ ثم بين ثنايا حروفه يؤصل للحظة الثورة ، وكهنة الإعلام الغبي، للذين قد غمّوا الأعين وضللوا الطريق (جاء صوت المذيع استعدوا / وما قال هذا الغبي الطريق) وإن كنا نعاتبه بحب وهو العليم أنهم ما قالوا يوما، ما الطريق، ولن يقولوا أيها الفارس النبيل.
 ونسير مع العزف علي لغة المفارقات وبكل لون، فهي مزمار الشاعر الشجي والناي الثائر الذي يعزف به، إنْ عن طريق التضاد الإيجابي بين الألفاظ كما سبق، أو عن طريق المقابلات في الصورة التشكيلية المتقابلة، ليرسم لوحة درامية وهادرة علي أمواج الثورة والعتاب، والعزف الروحي والفكري، ولنتأمل رسم تلك اللوح التصويرية في ذلك المقطع :
كنت ذاك الفتي المنتمي للبلاد الوطن
والبلاد استراحت من الفجر
والشمس
والمتعبين
لا يفيد البكاء اللعين
لم تعد هذه الأرض حبلي بغير الوداع
والغزاة اللذين امتطوا صهوة النيل
قالوا : لنا المجد
قلنا : آمين
فالعيون التي أدمنت جوعنا
لم تزل مقفلة
قال طفل الندي : ربما مثقلة
قال ذاك الذي عنده بعض علم
عيون المدي من حجر
فافقئي كل حين عيون الوشاة
وافقئي كل صبح
عيون اللذين ارتدوا وجهنا
كي يبيعوا البنات
اصرخي في وجوه الملاعين باعوا البياض
واضربي الظلم بالنيل حتي اخضرار الوريد
وامنحي الوقت وقتا ليمحو الزبد
ربما لا تجيء النبوءات لكن
هي الأرض شوقا تتوق المياه
فنحن هنا في هذا المقطع أمام أربع لوحات شعرية ، وهي مقاطع موحية لصور تعبيرية، ومشاهد حركية تأتي متقاطعة ومتوازية، لتبرز الصراع الداخلي للشاعر، والواقع الراهن .
 اللوحة الأولي : كنت ذلك الفتي المنتهي .... فتي منتمي كلية للبلاد الوطن، متغرب وماهجرن وتلك البلاد قد استراحت، انتابها السكون والصمت، واستراحت من الفجر والشمس، فصار متعبا دامع العينين حزينا، يائسا فاقدا للأمل وإنْ تحبل الأرض بجنين الحرية والشمس .
اللوحة الثانية : ترسم هؤلاء الغزاة، الذي الجموا فرسانها الجمود والصمت، واحتلوا وجه النيل وسرقوا المجد، وقالوا لنا المجد، والكل قال بعجز وقهر، آمين .
اللوحة الثالثة :
مايزال فتي الندي يحلم ويلتمس لها الأعذار، رافضا فكرة الموت، فهو عنده عِلم بحقيقة التاريخ، وديدن الحياة ودورتها، فيري ما هي إلا كبوة وستعود، وسيزول الزيد وتنبت الأرض مرة آخي بالحياة
اللوحة الرابعة : فتي ثائر، يستصرخها أن تصرخ وتثور، وأن تفقئ أعين الليل والوشاة، الذين تحدثوا باسم النيل وسرقوا وجوههم، طالبا منها أن تخلع رداءها العذر، فما هو إلا الوقت وستتحقق النبوءات .
أربع لوحات شعرية متقابلة ومتوازية في آن واحد، تعبر بمشهدية الصورة والتعبير الحركي النابض، عن الثورة الداخلية والإضطرابات النفسية من صراع داخلي، ليرصد ما يعترك النفس، ويرصد تلك المرحلة الآنية من عمر الوطن، فأجاد استخدام الصورة الكلية في لوحات شعرية منسوجة بعناية .
وفي نهاية القصيدة، يعود الموج الثائر إلي الهدوء والسير الهامس، فكأنه البحر يتجه نحو المصب هادئا، رغم ما يعتريه بعض النوات في تكرار كلمة المفتتح (أوقدي) فهي أيقونة النص وجوهره، فهو ذلك الفارس الذي قد أُجهد وبُح صوته علي أمواج الثورة والوجد والعتاب،، فلم يعد لديه إلا حفنة من دماء الحُر الأبيّ، وبعض ضلوع من شوق وانتماء، يصلحون ليكونوا سيفا وإن ضعف في رمال الغربة لتحارب به الليل والظلم والإغتراب ، يقول عماد قطري المجهد علي راحتي قصيدته هامسا قبل الختام:
أوقدي شمعة من دمي
أوقديها
فلا شيء عندي سوي قبضة من دماء
حفنة من ضلوع
تصلح الآن سيفي قصاص
مزقة من شرايين قلبي
وهذا الحنين
أوقدي إنّني طفلك المستحيل
أ
و
ق
د
ي
نحن إذاً أمام قصيدة شكلتها لغة المفارقات بعناية ؛ مفارقات لغوية، وأسلوبية، وتصويرية، وحالات نفسية متضاربة، ولكن تلك المفارقات البلاغية،رسمت لنا لوحة شعرية تمتلئ بزخم تصويري من كافة النواحي، بداية من الأساليب الإنشائية والتضاد والمقابلة والتصوير الإستعاري،والتصويري الكلي، والبحر الشعري الهادر، واللغة الحية النابضة، والبناء الدرامي المتماسك الذي يتصاعد ويتهامس، متماشيا مع أمواج الحالة النفسية، والصراع الداخلي بدقة واعية، ناهيك عن الموسيقي الداخلية والخارجية التي تتفق ورح القصيدة وماهية الصراع

بقلم بكري جابر

البحر بقلم حسن هادي الكاظم

البَحـْـــــرُ

يَغرَقُ فِي عِيُونكْ
وَالصُبـْـحُ
لَنْ يَأتِي بِدُونكْ
وَضَجِيجُ كُلِ الكَونِ
يُسْكِتُهُ سُكْونكْ
حَتْى النُجْومِ جَمْيعُها
وَالبَدرُ صَارْوُا
يَحْسِدُونكْ
مْاذا تَقولِين لِصُحْبَتِي
لَوْ جَاءْوُا . .
عَنِي يَسْألونكْ ؟
وَأنْا الَذْي جِئْتُ
إلَيكِ مِنَ البَعْيدِ
أحجُكِ . .
وَرَجوْتك ِأنْ تَمْنَحي
قَلْبِي جُنونكْ
أوْ تَأسَريْنِي
فِي شِبْاكِ رُموشْكِ
كَيْ تُطْبقْي سِجْنَاً
عَليّ جُفْونكْ
أدْرِي السِجُونَ
مُخْيفَةً
لَكِنَ مْا أَحْلى
سِجْونكْ
هَلْ تَعْلَمِين يا حُلْوَتي
كُلَ الَذْي فِي الأرْضِ
مَوتَاً يَعْشَقُونكْ
وَأنْا أمْوُتُ جَمْيعَهُمْ
نَذْرَاً فِدْاءَ الِى
سِنْينكْ
لِنسْاءِ كُلِ الأرَضِ
نُونُ النِسوَةِ
لكِنَنِي لَمْ أحْتَرِقْ
إلا بِنُونكْ

من رائعة حسن هادي الكاظم 
 نون النسوة _________

ملاك بقلم بكري دباس

ملاك

يا مَلاكي لا تُواري ما ظَهَرْ
أنتِ في حُسنكِ أخجَلتِ القَمَرْ 

عَجَباً للحُسنِ يوري أضلُعي  
ولَهيبٌ في الشَّرايينِ اسْتَعَرْ 

حَدِّثيني واسْمَعي ماحَلَّ بي
أقبِلي نَحوي لِكَي أجلو النَّظَرْ 

خَبِّريني بَعدَ أن طالَ النَّوى
وافترقنا هَلْ لعَهدي منْ أثَرْ

وإذا ما حَلَّ ذِكري مَرَّةً  
هَلْ عَلى بالِ المُحِبّينَ خَطَرْ 

نَظْرَةٌ في الدَّربِ أضحى وَقْعُها 
في صَميمِ القلبِ أدهى وَأمَرْ 

ﻣﺎ التِقاءُ ﺍلخِلِّ بالخِلِّ ﻋَﻠﻰ
صُدفَةٍ إلاّ بتَرتيبِ القَدَرْ 

عِندَ لُقيانا ذَكَرنا ما مَضى 
أُمسِياتٍ مِن أَﺣﺎﺩﻳﺚِ ﺍﻟﺴَﻤَﺮْ

أطلُبُ الوَصلَ لِتُروى مُهجَتي 
جَدِّدي العَهدَ لمَلهوفٍ ﺻَﺒَﺮْ 

فَشِفائي مِن رُضابٍ عَذبُهُ
تَرتَوي الأرواحُ مِنهُ وَتُسَرْ 

رَصَّعَتْ للجيدِ ﻋِﻘﺪﺍً ﺯﺍﻫِﻴﺎً
كَثرةُ التَّقبيلِ خَلَّتهُ انْتَثَرْ

وَرُقادي بَينَ دُرّاقٍ غَدا 
ناعِمَ المَلمَسِ مِن أحلى الثَّمَرْ 

وَمَراقي مَسَّ كَشْحاً ضامِراً
فَشَكَتْ أردافُهُ  مِمّا غَمَرْ 

أهِ ما أحلى وَأهنا عَيشَنا 
فَهُنا قُرب الحَبيبِ المُستَقَرْ  

ما ألذَّ النَّومَ في أحضانِها
مَن يَذُقهُ طابَ عَيشاً بالظَّفَرْ 

أسكَرَتْني خَمرَةٌ مِن ثَغرِها   
وَدِنانُ الخَمرِ عِطراً تُعتَصَرْ

والْتِقاءُ الرّوحِ بالرّوحِ غَدا
سِرُّ صَفوي بالمُفيدِ المُختَصَرْ 

لا تَكوني ﻛَﺨَﻴﺎﻝٍ عابِرٍ 
ﺷَﻐَﻞَ ﺍﻟﻔِﻜﺮَ ﻭَﺧَﻠّﺎني ﻭَمَرْ 

وَجُروحُ القلبِ يُشفيها الهَوى
يُنقِذُ المَلهوفَ حَتّى لَو عَسَرْ

وانْقَضى اللَّيلُ وَلَمْ أرْوِ الظَّما
كيفَ أُروى طالَما الشَّوقُ اسْتَمَرْ 

بكري دباس.