الأحد، 8 ديسمبر 2019

احمد علي صدقي

قصة قصيرة
لكل ضيف إكرامه
تخاصم مع زوجته حول تأثيث جديد للبيت و وشراءها سيارة رباعية الدفع كما فعل صديقه مع زوجته.. استخفها وما استجاب لرغبتها المجحفة.. انتهت المشكلة بأن وضعته أمام أمرين، كلاهما مر: إما تجديد التأثيث وشراء السيارة وإما الطلاق..
كانا يدرسان بنفس المدرسة. وتعلق بها وتعلقت به فكانت ثمرة لقاءاتهما زواجا أنبت نباتا حسنا ما استطاعت اي شائبة ان تمنعه عن النمو حتى الاثمار.. لكن كل نبات اذا لم يعتن به يكون مصيره التلف..
في عملها كممرضة، تصاحبت مع إحدى العاملات معها، من بنات الأغنياء، فأصبحت هي الواعظة الناصحة لها في كل شيء حتى في أمور الحب وفلسفة الحياة..
في صباح يوم خصومتهما. نظر اليها شزرا ونظرت اليه نظرة قصدت فؤاده بسهمها. كانت سهام حبه لها تنغرس في صدره فيحس بها بردا وسلاما على قلبه أَمَّا اليوم فقد أحس بقساوة هذا السهم وأحس بجرح بليغ يخافه أن لا يندمل.. لم يكلمها وما كلمته.. ولكن تكلمت الأعين ودل ضعف بريقها على حزن ما ألفته.. خرج الرجل غاضبا بدون إفطار .. وهي تنظر اليه همهمت شيئا في داخلها لم يفهمه، فقال لها: ارجعي لرشدك يا حبيبة قلبي. فهل تُهْتِ أم أرادوا انحرافك؟ ثم أخذ دراجته الهوائية وذهب لعمله.
في العاشرة صباحا رن هاتفه فإذا بمكتب عدول يستدعيه للحضور.. خَمَّنَ حينها مضمون ما همهمته الزوجة صباحا وعرف أن الأمر أكبر مما تخيله.. طلب الإذن من رئيسه في العمل ومضى حيث ينتظره أكبر لغز قظ مضجعه البارحة وها هو الآن يقطع عليه مواصلة عمله.. 
سأله العدول عن سبب الخصام الذي أوصلهما للطلاق.. قال: هو تكلفي بشيء لا أستطيعه.. جادلته زوجته أمام العدول.. استسلم وساير الأمر حتى لا يذاع خصامهما بين الناس.. فَهِم العدول موقف الرجل وفَهِم مِنْ تبجح المرأة أن طلبها مجحف حقا.. طلب قد يضع أمام الزوج عقبة كؤود يصعب عليه صعودها، وهو في بداية مسيرته.. سعى العدول جاهدا أن يذلل تلك العقبة لهما بصلح جميل، لكن المرأة كانت متشبثة بشروطها.. افهمها الرجل أن في حالة عدم استجابة زوجها لطلبها وتطلقت، فالطلاق تدمير لأسرتها وإن لم يعاكسها واستجاب لرغبتها فالوقوع في براثن بنك بأخذ قرض مالي هو ايضا تدمير لهذه الأسرة الطرية التي هي في بداية مشوارها.. فاكثر العائلات ارهقت كاهلها بثقل ديون لا تستطيع تسديدها فعاشت بقية حياتها مربوطة بصخرة تعاسة خنقتها حتى الموت.. لم يبخل العدول بجهد بل استمر في محاورتها بكل مفاهيمه حتى اقناعها بالصلح. تراوغت كثيرا لكن اقتنعت في الأخير أن الصلح خير.. تقبلت كلام العدول.. تصافحوا.. شَكَرَا العدول على عمله.. خرجا متجهين كل نحو وجهة عمله..
 والرجل في طريقه، فكر في الأمر مليا وتساءل كيف تحدث خصومة بينه وبين زوجته بهذه الحدة، وقد كان وإياها في وئام لا تشوبه شائبة.. فهي من كانت تقول له: أنا الراضية فلا أسخط أبدا، وأنا البشوشة فلا أقلق أبدا.. تقول له: أنت خلقت لتنعم بي وأنا خلقت لأنعم بك.. فكيف بهذا التغيير المفاجئ؟ خمن كثيرا ثم استنتج  أن السبب قطعا هو في معاشرة تلك الصديقة التي ما حبذ هو يوما صداقتها رغم انه صديق وفي لزوجها.. كان يعرف جيدا أن معاشرة اساسها الثرثرة، والغرور وكثرة الاموال وسيارة  رباعية الدفع و ملابس من شركات ذات صيت عالمي هو نهر جارف لا بد ان يجرف معه زوجته. وهذا ما وقع.. امرأة مدللة .. تفاخر بلا حدود أمام من أراد ومن كره.. امرأة دللها زوجها و استجاب لكل رغباتها وهو نفسه المدلل من أب مستشار يكدس الاموال في الابناك فلا يعرف مصدرها ولا كم هي في ارصدته البنكية..  تصاحبت امرأته مع هذه المرأة، بموجب عملهما والسكن بنفس الحي.. غدت تمر عليها كل صباح، بسيارتها، لتحملها معها الى العمل.. عرف انه لن يكون سبب هذا الشقاء إلا منها.. فهي التي قد تكون نفخت في روعها ودفعتها لطلب هذا الطلب الذي لا قدرة لنا للتصدي لِمِحَنِه..
 رجع مساء من عمله، وجدها  كئيبة.. منكمشة على نفسها تجثم على صدرها صخرة تعاسة لم تستطع تحمل ثقلها.. حاورها في الموضوع.. توصلا لتراض بينهما.. تناست قلوبهما، التي كانت قد تعودت على الحب منذ زمان، هَمَّ ما وقع.. مرت بخاطره فكرة ظنها ناجعة لنسيان ما وقع.. ناقش معها فكرة استدعاء صديقتها وزوجها للعشاء.. دعوة كان هدفه منها تخفيف حزن زوجته من جراء ما وقع، ثم لحاجة ملحة في نفسه يريد قضاءها.. أخبرها بأنه فكر في وجبة عشاء شهية تجمعهما مع الضيفين للدردشة سعيا للترفيه.. فرحت بالمقترح.. حبذت الأمر، واعتبرته ردة فعل إيجابية تشكر بها صديقتها التي تنقلها كل يوم الى عملها ويزيد اللقاء من توطيد العلاقة معها.. علاقة ما حبذها زوجها بموجب ما وقع و يسعى جاهدا لقطعها.. 
في الصباح تركها تهيء المنزل و تَتَهَيَّأَ لإحضار العشاء.. خرج ليأتيها بملتزمات التحضير.. مر بالبنك.. أخذ كل ما كان يختزنه بالرصيد.. كان رصيده  قليل من المال اقتلعه من قوت يومهما لشراء دراجة نارية هو في حاجة اليها للذهاب لعمله.. برصيده الآن في جيبه، انطلق نحو بائع للذهب.. تفقد ما عنده من أجمل الحلي.. اقتنى عقدا وخاتما ثم أدى ثمنهما وخرج.. مر بصديقه بائع الزهور.. طلب منه ان يحَضِّر له أجمل باقة ورود مما عنده وسلم له العلبة التي بها العقد بعد أن كتب بطاقة وضعها بداخلها وكتب أخرى، طلب من البائع ان يضعا بباقة الورود.. ثم أوصاه أن يرسل الكل الى المنزل في الثامنة مساء.. أخبره أن لا يسلم هذه الأشياء إلا لصاحبة المنزل وأن لا يخبرها بالمُرْسِل.. اشترى الخضر والفواكه وقصد المنزل.. وضع ما أحضره بالمطبخ.. وجد زوجته منهمكة في تدبير شؤون البيت.. غارقة وسط أليات بيت الضيافة(الصالون) ترتبها.. أعانها في ما استطاعه.. عندما انتهيا من تهيئ البيت، تناولا  غداءهما مع الأولاد.. بعده مباشرة انهمكت الزوجة في تحضير طعام العشاء للضيوف.. نادته لمساعدتها.. لبى رغبتها.. كان بقربها كممرض مع طبيبة.. يناولها من المعدات ما دعته لتناوله.. بين الرفوف والثلاجة كان رائحا راجعا تغمره فرحة لم تضارعها فرحة من قبل.. فرحة مصالحة زوجته وفرحة ما دبره لها كمفاجأة.. فتحت رائحة الطعام شهيته حاول كبحها لكن زغردة بطنه كانت تفضح ما كان يخفيه. فكلما اقترب الطعام من نضجه وفاحت رائحة لذته، تفتحت شهيته وزغرد بطنه أكثر.. أخذ يقضم من هذا الفاكهة وتلك وهذه الحلوى وتلك ويتناول بأصبعه شيئا من هذه الآنية وشيئا من تلك.. ازعج الطباخة بتصرفه فأقالته من عمله.. استمر بها العمل حتى قربت السابعة مساء.. قالت له حينها وهي مبتسمة والإنهاك باد على محياها: بما أن صديقك سيأتي بزوجته، يجب علي أن أهيئ نفسي لأن أكون في أبهى يومي. قال لها: أريدك ان تكوني أجمل من صديقتك. فأنا أعرفها، فهي تتزين بلا مناسبات فكيف بها وهي في زيارتك. فأنت اليوم بيت قصيدها لتريك أبهى ما عندها.. لا محالة فستكون في أبهى يومها، لتفخر عليك بما لديها من ملذات الحياة.. تبسمت ودخلت بيت النوم وأقفلت الباب.. بعد ساعة من الوقت قضتها في الاعتناء بهندامها، خرجت وهي كالقمر في ليلة البدر. ثم قالت:
- أظن ساعة الضيوف قد اقتربت.  قال لها:
- اقتربت الساعة وبزغ القمر.
رمقته بعينين كحلاوين وأهدته من ثغرها ابتسامة زادت نور وجهها بريقا. نظر إليها رأى وجهه في عينيها.. فاضت عيناه دموع فرح وقد استرجع حبيبة كان ريح الاستخفاف قد عصف بها.. نظرت اليه رأت وجهها في عينيه.. فاضت عيناها دموعا من الفرح وقد رأت فيه زوجا صابرا على كل هفواتها.. عانقها وعانقته.. اقتسما البهجة بضحكة طفلين انبعثت من قلبيهما وقطرات دموع الفرح تتدحرج على خديهما.. ذهبت الى المطبخ لإحضار ما لذ مما طبخت وذهب هو يهيئ الطفلين للحفل.. رن جرس الباب.. خرج.. كان بالباب، من أحضر الهدايا.. ناداها لتستلمها فهي باسمها.. تسلمتها.. أخذ  الظرفين المصاحبين للهديتين ليطلع على ما هو مكتوب بمها.. فتح الذي بالباقة وقرأ: هذه هدية لك ممن يحبك وممن لا يستطيع الاستغناء عنك.. الامضاء: حبيبك العزيز.. عبس وجهه واندهشت هي مما قرأ ومن كتبه.. فتح العلبة واخرج منها ما بها.. انبهرت المرأة بالعقد الثمين الذي اخرجه منها ، ثم فتح الظرف و قرأ: هذا عقد من ذهب ولكن عندي ثمنه بخيس بالنسبة لمعدن أنت منه ايتها الطيبة.. الامضاء: حبيبك الذي لن ينساك.. تقمص وجها عبوسا وسألها: من يكون هذا الحبيب؟ هل لك حبيب غيري يا امرأة؟ قالت: لا. لكن أظن أن صديقك هو من كتب هذا.. نادى ابناءه.. وضعهما قرب أمهما ثم أخذ هاتفه وانضم اليهم وأخذ سيلفي مع الطفلين والأم وبيدها باقة الورود.. أخذ علبة الهدية.. أخرج منها العقد.. علقه في رقبة الزوجة.. أخذ لهم سيلفي آخر، والمرأة منبهرة لا تعرف ما حل بها.. سألها ألا زلت لم تعرفي من أرسل اليك الهديتين؟ أجابت: والله لقد التبست علي الامور فما عدت أعرف رأسي من قدمي.. طبطب على كتفها ثم أمرها بإحضار وجبة العشاء.. قالت له: ألا ننتظر قدوم الضيوف؟.. قال لها: ألا زلت لم تتعرفي على من هو ضيفك العزيز؟ قالت: لا.. قال: إنه حبيبك الذي تعرفينه جيدا.. إنه حبيبك الذي لن ينساك أبدا.. إنه الرجل الذي كنت له امرأة انجبت له هاذين الطفلين الغاليين.. فهل يمكن أن يكون في الوجود ضيوفا أحسن منك أنت والاولاد.. لا زالت لم تستوعب الأمر فقالت كيف؟ أخرج الخاتم الذي كان بجيبه ثم تناول أصبعها ووضعه فيه. فقالت:
-ولم كل هذا؟ قال:
- قال لها: أنا ضيفك اليوم، وانت ضيفتي، وهذه الهدايا لك، زوجتي.. هدايا أريد بها أن أقيد حبنا الذي كدنا نضحي به رغبة في اشباع تفاهات الحياة.. حب كاد يموت بكيد الكائدين.. فهمت ما يعنيه وضحكت وقالت: من اليوم التاكسي عندي افضل من سيارة رباعية الدفع لامرأة تحرضني على خصومة زوجي.. ضحكت المراة وضحك الرجل وضحك الطفلين.. نظر اليها وهي تبكي من الفرح وقطرات الدموع تتساقط من عينيها وقد اختلطت بالكحل فرسمت خطوطا على خدها كوشم على خد هندية من هنود السيو.. دموع تساقطت على عقدها فوق الصدر فزاد بريقه.. كان ينظر اليها ويمعن النظر كأنه يراها بهذا الجمال لأول مرة.. ظهر له لأول مرة ما تتحلى به من أساور تزين معصمها.. ومن  خواتم تلمع في اصابعها.. زادتها فتحة قفطانها المغربي الجميل رونقا و قد أظهر بداية صدرها المعلق عليها ذلك العقد الذهبي الانيق.. رأى الشعر الناعم الذي تدلى فوق جبينها. رأى وجهه في وجهها فبكى على اشتغاله عن هذا الجمال بإكراهات العمل ثم ضحك.. تعانقوا، زوجة، وزوج، وطفلين بريئين.. تعانقوا جميعا عناقا وطد سعادة رافقتهم طيلة حياتهم.. كانت ذكرى هذه الليلة وثاقا غليظا أمضوه لكي لا ينكتوه أبدا...

كتبها احمد علي صدقي 
بالبيضاء يوم 02/12/2019.

محمد خصيف

تأبط فنانا 




وانا ارسم وازوق واقطع صورا فوتوغرافية التقطتها من قصاقات المجلات الاسبوعية، التي اجدها تساعدني فيما انا عازم عليه من رسائل انوي ايصالها الى ذلك الاخر القابع  ليل نهار على عتبة باب الرواح، حتى تزكمت خياشيم انفه وتشربت برياح الشرگي الباردة، الاتية عبر جبل الطر. وانا اركب ما الهمتنيه قريحتي، لم افتر على تخيل الصدى الذي سيكون منتصبا بباب المعرض يحتفي بتحفي. 
كتبت طلب معرضي ووضعته رهن اشارة الادارة موثقا بحكاية سيرتي مثبتة بصور. اتاني هاتف بريدي يخبرني اني مقبول للعرض بباب الرواح. سررت بالخبر وطرت فرحا وعمتني نشوة سرت في عروقي هزت نبضات فؤادي هزا. فتقوى حماسي وتحرك جيبي في سخاء ليعطف علي وانا امام l'encadreur اتامل ما غدت عليه لوحاتي/عشيقاتي التي اقترب زمن زفافها. وانا اتامل فستانها الزجاجي اراني اتصفح صور خطابها. من ياترى سيكون له شرف اخذها مني، انا العارضها برواق باب الرواح؟  
جاء يوم المعرض، يوم الزفاف. حضر الحاضرون وغاب الغائبون. وحضر الازواج مستترين، يتحينون فرصة التنحي والتخلي. 
التخلي على المخطوبات. 
اتى الى اذني صوت احدهم وهو يهمس لرفيقه: 
-سانتظر نهاية الحفل/المعرض لشراء ما اريده. 
رد عليه زميله:
-هناك اشياء لاباس بها، تعجبني اللوحات الصغيرة. 
تقدم مني احد الاصدقاء وهنأني على معرضي، ثم قال بصوت خافت وهو يومئ براسه مشيرا بحركة من عينيه نحو شخص واقف يتأمل احدى اللوحات:
-شفتي هذاك خينا تماك راه galeriste كيشري اللوحات. 
اعجبتني ملاحظة صديقي وتمنيت لو اقترب مني ذاك الشخص العريض الانيق، لم تكن لدي الجرأة للتقدم اليه لاحييه، فقد خانتني الكلمات والتوى لساني داخل فمي وارتخت مفاصل ركبتي فبقيت متسمرا في مكاني ارمقه وهو يتنقل من لوحة الى اخرى وبيده اللائحة. تمنيت لو تقدم هو نحوي وبادرني بالحديث، لكنه كان في شغل عني، ما يهمه الان عشيقاتي المصلوبات علي الجدران الموحدية. 
مرت ساعة على انطلاق الحفل وغصت القاعة بالمدعويين والزوار، طافوا باروقة المعرض واكلوا وشربوا ومنهم من اسرفوا، ثم شرعت الخطوات تحبو نحو عتبة القاعة الموحدية. بقيت انظر وانتظر وبيدي نسخة من اللائحة وفي جيبي وريقة بها النقيطات الحمراء اليابسة التي تنتظر سيلان دمعها الدموي حينما تتجهز احدى لوحاتي للرحيل. انتظرت وطال انتظاري. وفجأة رمقت السيد العريض الانيق ذي الارداف الثقيلةيملأ احدى الاركان وبيده لائحتي. ايقنت مع نفسي ان الخلاص آت. انه خلاصي. 
استجمعت انفاسي وتقدمت منه. حياني مصافحا وهويردد: جميل. جميل. اعمال جميلة واصيلة. انها تختلف عما سبق. ولها نكهة التزامية. Bravo.
شكرته بكلمة واحدة ولزمت الصمت. 
- وضع ذراعه على كتفي كانه يعرفني منذ عقود. كاني صديقه وجرفني معه حيث اللوحات الصغيرة. بادرني بالحديث:
- اعجبتني هذه اللوحات الصغيرة التي بها collage، ستتركها لي. سآخذها كلها. لاتبعها. هل معك نقطا حمراء؟  ضعها عليها الان. 
- نعم معي. 
ادخلت يدي في جيبي وهي ترتعش خوفا وطمعا. اخرجت الوريقة التي بها النقط الحمراء، وبسرعة اختطفها من بين اصابعي وخطا نحو اللوحة يسم اسفلها احمرارا، شعرت برعشة تسري في عروقي وانا اقتفي خطوات الرجل، الgaleri ste والارقام تتوالى على ذهني بدون توقف. واي ارقام؟! شد الرجل ذو الارداف على يدي مصافحا وخاطبني قائلا:
-Au revoir, ساعود. 
غادر القاعة واردافه تتمايل يمينا ويسارا. بقيت واقفا ملفوفا بحيرتي وتساؤلات كثيرة تغوص بذهني: لماذا فعل هذا؟ ايحسب نفسه صاحب المعرض؟ اازيل النقط الحمراء؟ ااطلب منه شيكا اضمن به مبيعاتي؟ ماذا ساقول لزوجي، بعت؟ واين الاثبات؟ لم ابع شيئا؟ واخا فباب الرواح؟ انتبهت من غفلتي حين رجع الدم الى عروقي واستيقظت اعصابي من سباتها، واحسست بيد سي جيلالي، حارس القاعة يتبط على كتفي وهو يردد:
-سي محمد، ايه...سي محمد، ساغلق القاعة. 
التفتت اليه وحركة رأسي تقول له: نعم اغلق وارحنا. 
مرت علي الخمسة عشر يوما وانا في حيرة من نفسي، ومن سوء الحظ لم تتوافد اعين المشترين والمهتمين الا على تلك اللويحات الزجاجية المحمرة الشفاه. ولا احد يهتم بغيرها. حضرني المثل الشعبي: ما بان ليك غي في لمزوجة. كنت كلما دخلت القاعة اترك جهة العشيقات المخطوبات واطوف بالاركان الاخرى عساي اصطدم باحدى الباقيات وقد احمرت وجنتيها. لكني اجد الجميع صائمات عن الكلام، يتتبعنني باعين دامعات. 
جاء اليوم الاخير. يوم جمع المحصول. وبينما  احزم لوحاتي واذا بالشبح العريض ذي الارداف يرتسم ظله بجانبي. رفعت راسي اليه فوجدت عيناه الضيقتين، ترمياني بنظرات ملؤها التاسف والشفقة. كشف عن ابتسامة خبيثة وانحنى علي هامسا: فين اللوحات، ياك ما بعتيها؟ 
اشرت اليها وهي متكأة على بعضها، مسندة الى الجدار الحجري. 
احسست بذراعة الثقيله المشحمة تخر على كتفي كانها صخرة موحدية هوت علي من عل. سحبني من مكاني، من وسط عشيقاتي المتراميات على الارض وهن ينظرن الي وانا مجرور تحت تيار الذراع المشحمة. بادرني قائلا:
-سآخذ منك تلك اللوحات كلها، لكن بدون اطار. لقد عودت زبائني على نوع اخر من الاطارات حتى اصبحت ميزة خاصة برواقي. وستكون هذه اول لبنة نضعها لمشروعنا. ما سترسمه من الان ساخذه منك، لاتقلق. ولاتبع لغيري. سيكون بيننا عقد موثق. 
وهو يتكلم، لم اعد احس بثقله الذي بات يضغط على جسدي المنهوك. اصبحت كتفه كريشة حمامة احملها فوق راسي. سرنا وسرنا نطوف بارجاء القاعة الموحدية وكاننا نزورها لاول مرة. 
تابع يسرد علي قوانين لعبته الماكرة:
-سنتفق على المواضيع التي ستتناولها في لوحاتك مستقبلا، لان هذه المعروضة حاليا لاتعجبني، فيها شوية سياسة. ههههه. ونحن نتعامل مع الفن، اشبغينا شي سياسة. ههههه. سنتفق على المقاسات، نبدأ بمقاسات كهذه، صغيرة ثم ننتقل الى مقاسات اكبر. واخا؟ OK?  
- نعم،  كما ترى. 
وهو يتأبطني كمحفظة مدرسية، وانا مطأطئ الرأس اتلقى نبرات صوته الانثوي تنقر صفيحة مخي:
-بالنسبة للثمن، ساعطيك مئتا درهم عن كل لوحة. انها صغيرة وبدون اطار،، وانت مبتدئ، غير معروف، وانوي انشاء الله تشجيعك، و من حظك انك تتعامل مع گليريه مشهورة، واعمالك ستعرض بالخارج، فرنسا وباريس وبلجيكا واسبانيا ومدريد وحتى نيويورك. وستطبع على كتالوجات ومجلات وووو. كم عدد تلك اللوحات الموجودة الان؟ 
-عشرة. 
- اذا ساعطيك الف درهم، وبعد اسبوع مر علي بالقاعة اعطيك الباقي، ولكن جيب معاك شي حويجة، عنداك تجيني خاوي.

احمد علي صدقي

رقصة الحياة.
كم هي قصيرة الحياة حينما نزور مقبرة لنتعظ ونقرأ على شاهد قبر أن فلانا ازداد سنة كذا... ومات سنة كذا... نستخلص من هاذين التاريخين أن مدة الحياة تساوي مدة نطق ذلك "الواو" الذي بينهما..  ولكن كم هي طويلة المسيرة خلال اعوامها.. حين ننظر الى وراءنا ونتقصى من أين بدأنا والى أين انتهينا، نعجز عن عد الساعات التي ااستثمرناها في مشاريع التعب والجري وراء السراب.. في البحث عن قطمير سعادة تحت ركام من التعاسة وعن نور أمل نراه في الافق.. نتقدم اليه وهو عنا يبتعد.. 
نبدأ الحياة ببكاءنا على مغادرة مكان دافئ حملنا تسعة اشهر.. اسكننا مجانا.. وأطعمنا خير الطعام.. نبكي على وداع فضاء ألفناه، يقدفنا لفضاء شقاءٍ، يصعب علينا استكشاف كنهه و خوض العيش فيه.. فضاء نبدأ مسيرتنا فيه بالاتكال على قوة غيرنا. ولن يعيرها ايانا بسهولة بل يبخل بها علينا في كثرة الأحيان.. نستغريه بضحكاتنا البريئة.. ليحبنا ونستهويه ببراءتنا ليتعود على حبنا.. و قد يتحول مرات الى عاشق يفنى حبه في حبنا.. ثم نكبر شيئا ما، فنثور.. نطالب باستقلالنا عن كل الآخرين.. نزحف، وبلا كلل نسير.. نسقط.. نُجْرَحْ.. نبكي.. عازمين على التحرك من مكاننا.. سنة الله في الارض.. فمن لا يتحرك يموت.. ثم نمشي على أربع.. ثم نحاول الوقوف كما هم واقفون الآخرون.. وضعهم يغرينا ونحن اقزام وهم أمامنا بطول الجبال.. نحاول الوقوف ونتشبت بموقفنا.. الوقوف هدفنا و المشي أملنا.. ثم نقف على اثنين.. ونجري.. ونكتشف.. ونسقط.. ونجرح.. ونبكي.. و نُتَهْتِهْ.. وكالببغاء نحاول تقليد كل شيء.. نردد صدى من تكلم.. نحاول النطق بما نطق به الآخرون.. تستهوينا غرابة ولحن ما سمعناهم يقولون أنه اللغة او الكلام.. نتحمل لنصل أَشُدَّنا.. ثم نفتخر بقيمتنا.. بشخصنا.. بذكاءنا.. بنجاحاتنا..  بإنجازاتنا.. ثم نبهت في أعين الزمان ونرى انفسنا وقد فقدنا قوتنا وذبل كل شيء في أعيننا كما ذبلت قوتنا كثلج في شمس ساخنة، فماه..  فيستولي علينا ضعفنا ويرغمنا على الاستسلام لعكاز نتحايل على انفسنا بزخرفته.. نتكئ عليه.. على ثلاثة ارجل امسينا نتحرك قبل أن نزحف ثانية من جديد.. ثم نطالب بالإعانة.. ويكون الختام ببكاء الآخرين علينا، و حث التراب على وجوهنا.. يسلموننا لبيت مظلم لا يتركون فيه معنا سوى وحشة قاسية هي الصديقة احببناها ام كرهناه..
اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثارنا على من عادانا وانصرنا على من عدانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا ارحم الراحمين يا رب العالمين.. آمييين...

احمد علي صدقي من المغرب

بقلم جمال حلمي

دعن أدون 
الشعر والزمة
 لعله يرضي أمانيها
........................................................

وأنسج من الحروف
أعذبها كي أثمل 
قلبها وأرويها..... 
.......................................................

دعن  أبدع في
وصفها 
عسى يرضيها ويثنيها ..
.......................................................

وتأتين طوعا لاكرها 
وبالأحضان 
تبادلني كما كنا 
منذ وقت قليلَ
.......................................................

أيتها الحسناء 
أرتسم  الحسن 
فوق وجهك 
وعينيك البدر 
سكن نواصيها ....
........................................................

فائقة الجمال انت 
القمر تتبع 
خطاك  
والنجم  يحرسك 
من الأرض ومافيها ...
........................................................

دعن  أحظى بالذي 
أرضاه منها 
فهي كما النيل  
أحتثي أعذبة كي
اشفي النفس سقماها .
........................................................

يالني ما عاد في العمر  
الكثير  ........
الآخرة  فينا تنادينا 
.......................................................

وأستبد  العمر أعمارنا 
وماعاد باليد  حيلة 
.......................................................

دعن   أخاطب  الزمان 
  ( أيها الزمان ) 
( صادفني ) والفؤاد 
 كسرا فمن ذا الذي يجبرة ؟
وماهي   .........  الوسيلة  ؟

.......................................................
( دعن أدون الشعر ) 
.......................................................
بقلم جمال حلمي
.......................................................

زين المصطفى بلمختار الجديدي

قراءة في  فلسفة دفيد هيوم ،ايمانويل كانط ،وكارل ماركس

الوجود انطباع واذراك وفعل:

لا يذرك العقل ما يخفى من الذرر
    وما اذراك من فهم له في الدنيا كم نظر
وحس المرء بالشئ وجود والشئ  يفرضه   
   وما يخفى عن الحس فقد يخفى  عن الاثر
ويعطي العلم معرفة وجود الشئ ان وجد
      وقد عن الفهم  خيال السمع والبصر
ويبقى الشئ منتفيا اذا عقل ما اذركه
      وكم اشياء نجهلها وقد تاتي بكم سور
وما الافكار في علم سوى اشياء نذركها
     بفكر خالص بحث  يزيل الحب من قشر
مكان كائن يجري  فهل نعلم بدايته
   وهل نعلم نهايته  وهذا الكون في سير
وهل نعلم بذي الزمن متى انطلقت مواقته
   وهل ينهى مع الابد  كشئ ينهى بالضرر
يقال الشئ قالبه  وكم عدت قوالبنا
   وما الافكار قالبها سوى انماط من فكر
لها في الاصل تجربة تقيس الشى تمثله
   كمثل الصورة الاصل وتركيب من الصور
وذهن المرء مركزه  يقود الذهن منطقه
   فان يخلو من الرؤيا يضيع الذهن بالوطر
وقد يحلو لمن ماع سؤال الغيب في اجل
  وما للغيب من رد سوى الاخبار بالشرر
وراء الكون احجبة ما كان العقل يذركها
  فكيف العقل ان رد عن المجهول في الستر
متى عقل يسير لها فبالاثبات يجزمها
  ولن تثبت بلا عقل وان جاءت بكم عبر
ويمشي الناس في خوف ضروب الخوف تحكمها
  يضيع العيش في الدنيا وتمشي الدنيا في الكذر
وترمي العقل الحادا وهذا العقل ينبؤها
    بان الله موجود ما فوق الخلق والبشر
كتاب الله مفتوح حصيف العقل يقرأه
   وما الاقوال من قول سوى غيم بلا مطر
وكم دين لنا يأتي  بغيب ليس نعرفه
    فمن اذراك بالغيب  سوى ضعف من البصر
وهل يصدق تخيلنا ودنيا العقل ما فتئت
  تنافي الظن كي تأتي ببحث العقل في السرر
وهذا الدين عقد لنا  من الازمان قد ورد
  ونفس الدين اجبرنا على الطاعات والحذر
فعبد الله قيل لنا فإن يرزى فإن له
  من الجنات في خلد باخرى العدل والجبر
ليرضى العبد بالقدر ودنيا العيش زائلة
  ورزق العبد مكتوب  بايد الغيب  والقدر
ويبقى العبد موثوقا بحبل الظلم يؤلمه
   ويرضى الذل والظلم في دنيا الكبث والمرر
يمني النفس في عدل باخرى الحق ينصفه
  وهل يصدق على عقل بان يؤامن ولا يذر
فحق العبد يكفله صراع العبد جرأته
   ينادي العبد في الدنيا  بحق العيش والبرر
وللآنام حقهمو  بان تؤمن سريرتهم
   فلا حق لمن يدعو الى  الايمان بالعور
فدين العبد يأخذه وخلق الله حجته
   كتاب الله قد كتب ما فوق الارض والقمر
ورب الكون معصوم ..خبيث الفعل نعمله
   وكل الشر قد ياتي من الاخطاء في السفر
وليت العقل علمنا بان نسمو بانفسنا
   ظنون الجهل قد حفرت لنا في الارض كم حفر….

                     زين المصطفى بلمختار الجديدي

د.رمضان الحضري

الرمادي ونتائج الاستبطان
***********


من شهور عديدة وأنا أنتظر أن تتنزل كلمات مناسبة ولائقة لأكتبها عن ديوان شعر محمد نجيب الرمادي 
( الحب الذي يكتبنا / الجزء الخامس ) ، قرأت الديوان مرات عديدة ، حيث إنني بين يدي مفكر يغوص في أعماق ذاته ، يخرج لحظات من ذاته ثم يعود مسرعا ليجول فيها ، يقسم بالغربة إذا ابتعد عن ذاته لحظة ، وذاته تتمثل في فكرة وشعور ، يقدمهما للمتلقي على أطباق الحروف المصطفاة بعناية ، ولذا فإن تصنيف الديوان يكون صعبا على كل ناقد ، لكن دوما منظوري الخاص في القراءة يأتي تحت ( من حق كل إنسان أن يقول مايشاء كما يشاء وأشترطُ عليه أن يقنعنا أو يقنع جماعته التي يعيش بينها ويأخذ منها ليعطيها النص مرة أخرى في شكل حيوي جديد ) ، ماهو الشكل لموضوعه ، هذا أمر يخضع لقدراته ومتطلباته ورؤاه ووجهة نظره وثقافته .
ولذا فإنني سوف أتناول ديوانه في نقطتين لاثالثة لهما هما : _
1 _ الكشوف الاستبطانية 
2 _ موائد الأسلوب
***********
أولا : الكشوف الاستبطانية : _
من اليسير على كل إنسان يملك حاسة البصر وحاسة السمع ، أن ينقل للناس صورة العالم الخارجي من حوله ، فكلنا يستطيع أن يصور الأشجار والأنهار والطيور والبحار ، ويصف الأشخاص والحوادث والمواقف التي رآها ، من خلال حاسة البصر وحاسة السمع ، ومن خلال استخدام الخيال يمكنه أن يطور مايسمع ومايرى ، بإعادة الترتيب والتركيب واستخدام تقنيات جديدة لتجعل الموضوع أكثر فاعلية ومتعة ونفعية .
لكن حينما يدخل الكاتب في ذاته ليستبطنها ، فلست أدري ، ولا أظن أن علماء النفس يعرفون كيف يدخل الإنسان إلى ذاته ، فطريقة الدخول للذات معقدة للغاية ، فالدروب غير معروفة ، وكيفية الوصول غير مألوفة ، ناهيك عن متطلبات الداخل الواصل لذاته ، ثم أين تكمن الذات في المرء ؟ بالتأكيد لا إجابات شافية فلو كانت الذات هي الروح ( يسألونك عن الروح ) ولو كانت العقل أو الفؤاد أو القلب أو الشعور أو كل هذه مجتمعة فترانا كيف نلج إليهم ؟!
ومحمد نجيب الرمادي 
اختار هذه الدروب غير المألوفة ، وأقنعنا بأنه قد وصل إلى أعماق النفس البشرية وحاول أن يحفر فيها باحثا عن جذور تلك النفس ، يقول محمد نجيب الرمادي في نص بعنوان ( لا أحد ينتظر أحدا ) : _
تتغير مفاهيم الانتظار
تبعا لمستويات اللهفة
وتتغير مستويات اللهفة 
تبعا لمستويات الحب
الكامن في الأعماق
بقلب العاشق المشتاق
تتوالى الأعذار وتبقى النتيجة واحدة 
وتمضي الحياة
والحياة قطار يتحرك 
في اتجاه واحد عنه لايحيد ولا يميل
كأن الرحيل يسابق الرحيل
تتغير سرعته فقط
بتغير الظروف لا الفصول
فلا ربيع يؤثر فيه ولا خريف
وذلك هو الأمر المخيف
*************
( ويقول في ذات النص ) : _
ونحن ننتظر
وفي قلب الانتظار
نسافر دونما انتظار
تتغير ملامحنا وألواننا
ويملنا الانتظار
مع أننا لا ننتظر
********
وفي النهاية يقول : _
فلماذا الحزن والبكاء من جديد
وفّر دمعك
فلم يعد هناك من جديد
************
وأن الجديد الوحيد
في هذه الحياة
هو انتظار الموت 
من جديد
*******
هذا الاجتزاء من النص يفسده ، لكنني اخترت على سبيل تقديم العناوين لا متن النص ، وسوف أحيل القاريء للديوان صـ 26 ، 27 .
فالكاتب في هذا النص يغوص داخل ذاته للغاية ، حتى الذين يتذكرهم سواء كانت نور أو محمود درويش يتذكرهم وهو في أعماق نفسه ، لم يخرج لهما للترحيب بهما أو لإحسان استقبالهما ، لكنه استدعاهما
في الأعماق ، كما استدعى غيرهما من خلال تناص واضح لنصوص عربية سابقة ، هو ذلك العابد الذي يأخذ حاجاته ويدخل معبده ، ويغلق على ذاته بابها ، وينظر في الذات ليتمكن من دمج حاجاته الخارجية مع حاجات نفسه الداخلية .
ولحظة الاستبطان الذاتي هي دوما أصدق اللحظات لأنها تعبير عن الذات وحوار معها أشبه بحوار المرء مع نفسه أو مايسمى اصطلاحا في الفنون المسرحية 
( المونولوج الداخلي ) ، حيث يبتعد الإنسان بذاته عن المؤثرات الخارجية ، وينفرد بذاته دون رقيب خارجي يؤثر في حواره أو يغير من صيغة قراره .
فالكاتب ينقل لنا معرفة ذاتية وهي أننا حينما ننتظر فنحن لا ننتظر بل نسافر في لحظات الانتظار ، فليس الجسد هو مايعني كاتبنا بالمرة ، بل سفر الذات إلى عوالم بعيدة وأماكن عديدة وأزمنة حزينة أو سعيدة
، بل هو يرى أن الانتظار الوحيد دوما والجديد هو انتظار الموت ، والموت هنا ليس نهاية الانتظار ، لكنه انتظار من نوع جديد .
************
ثانياً : موائد الأسلوب : _
من العسير على مثلي أن يفصل في هذه النصوص تفصيلا سريعا ، حيث إن هذه النصوص تمثل نسقا شعريا جديدا متفردا ، لايمكن الحكم عليه بكل هذا اليسر ، ولذا فسوف أتحدث في هذه النقطة في اللقاء القادم بإذن الله جل في علاه .
د.رمضان الحضري 

د رمضان الحضري

التفات النوع 
بين علاء عبدالهادي وعبدالعزيز جويدة


****************
هـــــبلٌ هـبلٌ هـبلٌ هـبلُ
ذاكَ الحـضنُ وتلك القُبَلُ
هــــذا وزنٌ صــحٌ جـداً
لــن يأتيَهُ أبـداً خــــــللُ
ما الموسيقا إن يعزفها؟!
مجنونٌ أصغى له طـللُ
**************





لقد ارتقيتُ مرتقى صعبا ، حيث وضعتُ نفسي موضعَ المجيبِ عن أسئلةٍ لا طاقة لي بتحمل عواقب الإجابة عنها ، فهذا الكلام رغم أنني أكتبه فصيحا لكنه ليس مريحا للقاعدة العامة من شعراء العرب ونقادها ، لكنها الأيام عودتني أن كثرة الغبار لا تطفيء ضوء الشمس ولا نور البدر .
فالأمر قد تخطى القول بأن هناك خطوطا حمراء أو صفراء أو حتى فوق الحمراء وفوق البنفسجية ، حيث يعيش المجتمع العربي حالة من حالات الاحتضار ، فالسكات فوق الاحتمال ، والعلاج قاس للغاية ، لكن بذور القابلية للحياة لازالت موجودة تحت هذه التربة الخصبة العفية ، وعلينا أن نرويها لتندفع عصارة الحاضر فيها جنبا إلى جنب مع عصارة التاريخ لتعيد الحياة لمن أشرفوا على فقدانها .
والسؤال الأول : أين موقع الناقد في أدبنا العربي ؟ !
في ذات اليوم الذي أخذت كتاب النقد المعنون بـ ( قصيدة النثر والتفات النوع ) من النقادة والشاعر المصري الكبير / علاء عبدالهادي ، وصلني ديوان بعنوان ( على صدر الصهيل أنام ) للشاعر المصري الكبير / عبدالعزيز جويدة ، وظللت أياما بين النقد وبين الشعر ، حتى طفحت الأسئلة على شفتي وأزمها مرددا ( صبرا حتى أعيد القراءة ) ، وأهم الكتب المحببة إلى نفسي ، تلك الكتب التي تجعلني أطرح أسئلة على نفسي ولا أستطيع أن أجيب عنها ، غالبا تشبه كتب الفتنة الكبرى التي نجانا الله من دمائها ، لكننا لم نستطع أن نحفظ ألسنتنا منها حتى اللحظة .
فحينما ينحاز الناقد لطائفة دون أخرى فهو مع الطائفة وليس ناقدا ، تماما كالذي يدعو لانتخاب شخص ما حتى مبررات وطنية ، فهو منحاز للشخص لا للوطن .
وكالذي يدعو للإلتزام بقاعدة ما فهو يدعو للقاعدة وينحاز لها ، وهو ليس منحازا لمنهاج علمي ، فالناقد عندي هو الذي يقف على أبعاد متساوية من كل الأشخاص ومن كل القواعد ، ويحلل ويبرهن ويقدم كل شخص في موقعه دون تعلية أو تخفيض ، ويقدم كل قاعدة بمميزاتها وعيوبها دون إهمال أو تفريط ، وهكذا تكون أهم مقومات الناقد المعرفة التامة عما يتحدث ، فيقول ما يعرف ، ليعرف المتلقي مايقول .
فالناقد المنحاز للشعر العمودي هو ليس ناقدا ، لكنه مدافع عن الشعر العمودي ، وكذا المنحاز لقصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر ، حيث إن الناقد الحق هو من عرف وفهم كل القواعد وتحدث عنها جميعها على قدم المساواة ، ويترك للمبدع أن يختار مايشاء ، ليكتب كيف يشاء ، فربما يقدم لنا قناعات جديدة تفيدنا .
فإذا كان موقع الناقد في نقطة يرى كل القواعد عنده متساوية في القرب والبعد ، فَقَدْ فَقَدَ النقد العربي عبر تاريخه أكثر كتبه وأكثر نقاده من وجهة نظري ، حيث لايمكننا أن نعتد بحكم قاض نعرف أنه ظالم في حكمه ، حيث انحاز إلى أحد الخصوم .
السؤال الثاني : ما الشعر وما النثر ؟
الشعر والنثر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، فالنثر الجميل أرقى من الشعر القبيح ، والنثر غير المتكلف أرقى من النثر المتكلف ، والذي يحدد درجة الرقي لعمل ما هو الهدف ، فالهدف الذي تستطيع أن تصله بجملة نثر ، ما الدافع الذي يجعلك تكتب فيه قصيدة شعر أو متواليات نثرية متعددة ؟ !
فكلما كان الوصول للهدف ميسراً ومفيدا وممتعا كلما كانت الأدوات راقية وجميلة ، حيث تحملك على جناحين من المتعة والإفادة ، واللتان ينتج عنهما تغيرات في السلوك البشري للأفضل ، أهمها حدوث الاتزان النفسي للمتلقي حينما يقرأ أو يستمع لكلمات المبدع .
وهنا أقصد أن يخلو الكلام ( نثرا أو شعرا ) من الحشو النثري أو الضرورات الشعرية ، فالقاعدة المخلة بالوجدان النفسي وانسياب الفكرة هي قاعدة ليست سوية في عرف النقد الحقيقي بصرف النظر عما قيل سابقا .
وكل قواعدنا العربية نحوا وصرفا وعروضا بها شواذ لايمكن تقبلها عقليا مهما برروا ، فليست البحور العربية كما قالها وكما شرحها الخليل بن احمد الفراهيدي الأزدي العماني ، بل هناك بحور أخرى تركها الخليل وأهملها ربما بعضها اهم من البحور المذكورة ، وربما لو انتبه لها من جاءوا بعد الخليل لكانت تطويرا لشعرنا العربي ، فرغم أن الخليل خدم شعرنا العربي في تنظيره وتقعيده لبعض الأوزان إلا أنه أضر به حينما ترك أوزانا كان العرب يستخدمونها قبل الإسلام .
وحينما جاء الأخفش الأوسط ليستدرك على أستاذه بغزوة المتدارك ، اكتفى بالنصر وترك بقية الأوزان ، وجاء علماء كثر في لغتنا العربية لكنهم لم يفندوا أسباب الاصطفاء لهذه الأوزان وأسباب ترك غيرها ، وفي ظني أن بعضهم لم يكن على قناعة تامة مثل الجاحظ الذي كان يكره علم العروض ولم يحسن أن يتعلمه ، رغم مرافقته للخليل فترة تزيد عن أربعة أشهر بغية أن يتعلم هذا العلم الجديد في عصره . 
والسؤال الثالث : _ 
بين ( كتاب عبدالهادي وديوان جويدة ) .
أثار كتاب ( قصيدة النثر والتفات النوع ) ثورات من الأسئلة غير المطروقة سابقا ، كما فتح ديوان ( على صدر الصهيل أنام ) دروبا جديدة في شعرنا العربي ، وهذا ماسوف أتناوله في اللقاء القادم بإذن الله تعالى .