‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال ادبي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال ادبي. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 2 مارس 2020

دكتور رمضان الحضري

الفنون
(تغيّر الماهية والوظيفة
***************
في الثلث الأول من القرن الثامن عشر كانت أكبر أحلام الشعب الأمريكي أن يحصل على استقلاله عن بريطانيا ، وفي نهاية القرن الثامن عشر كانت أحلامهم أن يزرعوا أرضهم لتكفيهم المحاصيل ، وبدأت نهضتهم بزراعة التبغ وتصديره ، ثم زراعة المحاصيل وتصديرها ، ولم تكن هناك خطة للعلوم ولا للتكنولوجيا ، فكانوا ينتظرون القادمين بالعلوم من أوربا وبخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا .
ومع مطلع القرن العشرين انتبهت الولايات المتحدة الأمريكية للعلوم والفنون والآداب إلى جانب الزراعة والصناعة حتى أصبحت أكبر دول العالم فى التكنولوجيا والأقتصاد والقوة العسكرية ، وربما تعتبرالقطب الأوحد فى العالم خاصة بعد إنتهاء فترة الحرب البارده التى استمرت حوالى 46 سنة ، حيث إنهار الإتحاد السوفيتى عام 1991 ، مما جعل الولايات المتحدة أكثر سيطرة على مستوى الكرة الأرضية .
هذه تقدمة تتعلق كثيرا بموضوع الفنون ، حيث إن الفنون شأنها شأن المجتمعات تتطور وتتغير حسب الأهداف والوظيفة الجديدة المنوطة بها .
فكان الرسام يرسم وجوه الأشخاص قبل إختراع كاميرا التصوير ، فلما ظهرت الكاميرا أصبح التصوير من خصائص الكاميرا وليس من خصائص الرسام ، وكان الخطاط إلى وقت قريب هو الذى يزين الحروف والكلمات حتى جاء الكمبيوتر فأصبح دور الخطاط محدودا ، وكانت الفرقة الموسيقية تؤدى بكاملها لحن الأغنية ، بينما الأن يمكن تسجيل صوت كل ألة موسيقية منفردا .
 ماقلته سابقا محض معلوم لدى عامة المثقفين ، بيد أن خيالي يرى أن أول من رسم شجرة على الرمال ظل يحرس رسمه طويلا وربما بنى كوخا حتى لايمر أحد فوق رسمه ، وربما بنى فوقها كوخا حتى لاتمسحها الرياح ، وربما من رسم طائرا كان يخاف أن يمسك بجناحه ظنا منه أنه سوف يقع على الأرض ، رغم أنه مرسوم على الأرض ، ويؤيد كلامي هذا ماحدث في بعض معارض الفنون التشكيلية حينما قالت سيدة لرسام معلقة على صورة امرأة ، إن ذراع المرأة الأيمن أطول من ذراعها الأيسر ، فقال لها الرسام ياسيدتي هذه صورة وليست امرأة ، وكذا ماحدث من أحد أباطرة الصين ، حينما قال لرسام قصره : امسح صورة النهر التي رسمتها على هذا الجدار ، لأنني من يوم أن رأيتها لا أستطيع النوم جيدا من صوت خرير الماء في هذا النهر .
نعم الفنون مؤثرة جدا في حياة الناس ، بل هي الجانب الأكبر من حياة الناس ، حيث تتعامل الفنون مع الحواس والوجدان والشعور ، والروح والإحساس ، وهي الجوانب الأهم في الشخصية البشرية ، فمرض الجسم سهل أن يشفى بسرعة أكبر من مرض الروح والشعور .
فالجسم الجريح حينما يكون متفائلا ويملك قابلية للشفاء فغالبا يصل للشفاء بسرعة ، بينما الإحباط والخوف والاكتئاب والهلع والقلق والصراع والفصام وغيرها من الأمراض النفسية يكون الشفاء منها عسيرا بدرجة كبيرة ، وقد ضرب العرب مثلا لذلك واضحا جليا حينما قالوا : لو أن هناك شاة مجروحة فالعناية بجرحها وطعامها سوف يجعلان الشفاء أمرا سهلا وسريعا ، بينما لو أتينا بشاة قوية وربطنا أمامها ذئب فسوف تخاف 
وتمتنع عن الطعام وتموت ، إذا كانت هذه مشاعر الحيوانات ، فما بالنا بمشاعر الإنسانية .  
وتاريخ الفنون هو تاريخ البشرية تماما ، فقد أرخ لها البعض بحوالي أربعين ألف سنة قبل الميلاد ، والبعض الآخر أوصلها إلى مائة ألف سنة قبل الميلاد ، وتم الكشف عن رسوم على جدران الكهوف تصل إلى ثلاثين ألف سنة قبل الميلاد ، وقد تحدث ديورانت _ في كتابه الشهير ( قصة الحضارة ) والذي ترجمه الفيلسوف المصري العظيم / زكي نجيب محمود _ عن هذه التواريخ بالتفصيل في الجزء الأول من كتابه .
فحضارة البشرية بدأت بالفنون غالبا وهذا ظني ، ولم تبدأ بالعلوم أبدا ، لأن حاجات الإنسان النفسية تفوق حاجاته العلمية ، وسعي الإنسان خلف الجمال يفوق سعيه خلف الاختراعات والاكتشافات ، ولذا فكل الأمم المتقدمة تتقدم فنيا وثقافيا قبل أن تتقدم علميا وتكنولوجيا ، وقد قامت الحضارة الأوربية الحديثة على آراء جوتة شاعر ألمانيا العظيم ، وتلميذه النجيب الفيلسوف / هيدجر ، وكان تأثير شكسبير وموباسان وكاييم وغيرهم أكبر من تأثير العلماء في أوربا ، حيث إن الفنون تمثل قوة الدفع النفسي والإنفعالي ، وهي المحرض الرئيس على الإبتكار والاكتشاف .
وتنقسم الفنون إلى فنون تشكيلية مثل :
 الرسم والتصوير والتصميم والمونتاج والنحت 
والعمارة والخط والإضاءة .
وفنون تعبيرية وحركية مثل : 
الرقص والسيرك والتمثيل والدمى والإلقاء .
وهناك فنون تطبيقية مثل :
الديكور والسجاد وتصميم الأزياء والخزف والحلي
والتطريز وصناعة الأثاث والمجوهرات .
وهناك فنون الكتابة مثل :
الشعر والرواية والمقال والتحرير الصحفي وغيرها .
وهناك فنون صوتية مثل :
الإذاعة والغناء والموسيقى والترتيل .
لست مهتما هنا بالتأريخ للفنون ، ولكنني مهتم بمحاولة إثبات أن الفنون تعيد تشكيل نفسها حسب العصر الذي تعيش فيه ، وربما العكس كذلك ، فأعني أن الفنون هي التي تقوم بتشكيل العصر ، فليس شعر المتنبي كشعر امريء القيس ، وليس شعر شوقي كشعر المتنبي ، وليس شعر نزار قباني كشعر شوقي ، وليس شعر عبدالعزيز جويدة كشعر نزار قباني .
هي حركة الحياة التي تحركها الفنون ، أو حركة الفنون التي تحركها الحياة ، وفي جميع الأحوال فإن ماهية الفنون تتغير حسب تغير الأهداف ومفردات الحياة ، فقد كان هدف الشاعر العربي قبل الإسلام أن ينتصر لقبيلته ، وتحول بعد الإسلام لينتصر الشاعر لدينه وعروبته ، وتحول في العصر الحديث لينتصر لدينه وعروبته  ودولته ، فتغيرت الأهداف .
وكان الشاعر العربي ينتظر محبوبته في أماكن الرعي أو عند عيون الماء ، أو يدخل عليها خدرها وخيمتها .
بينما الآن ينتظر الشاعر محبوبته في موقف باص أو مقهى أو ملهى أو في شارع ما ، فتغيرت الأدوات .
كان الشاعر قديما فارسا يدافع عن قبيلته بالسيف والدرع والخيل ، بينما الشاعر الآن يدافع بالكلمة عبر وسائل الاتصال المرئية أو المسموعة او المقروءة ، ولذا لم يبق من السيف إلا رمزيته فقط ، فقد انتهى دوره في الحروب للأبد .
أما ماهية الفنون ووظيفتها في الوقت الحالي ، فهذا موضوع اللقاء القادم بأمر الله تعالى .






الخميس، 13 فبراير 2020

د رمضان الحضري

المشهد الشعري المصري
******
أعلن اعتذاري قبل أن أكتب مقالتي هذه ، حيث بالتأكيد سوف أنسى
أسماء متعددة سهوا ، وأترك بعضها قصدا وتجنبا للحرج الذي قد
يصيبها ، فلا يمكنني أن أتحدث عن كل الحقائق أو عن جميع
الأسماء ، ولكن الأسماء التي سوف أتحدث عنها مبدعة بحق
وسوف يظل أثر هذه الشخصيات مستمرا لفترة تطول أو تقصر
متناسبة مع الموهبة والقدرة على الإبداع .
والذي لاشك فيه أن استفاقة الشعر العربي _ بعد قرون الانحطاط
التي طالت دهرا وطالت كل جوانب الحياة _ كانت على يد أفذاذ
في الموهبة والقدرة على إعادة العقل العربي لمكانته الصحيحة
فبدأ البارودي الصحوة بنصوص تكاد أن تكون قد قتلت فترة
القطيعة بين العربي وشعره ، وبلغ الشعر ذروته على يد أمير
الشعراء أحمد شوقي ، الذي استحق اللقب وأنا أعتبره رتبة
وليس لقبا عام 1927م ، وفي أغسطس من عام 1927م ، كان
أمير الشعراء قد سافر إلى سويسرا حيث كان يمتلك ( فيلا ) على
جبل هناك ، وفوجئ بكبار شعراء أوربا وأكبر نقادها بقيادة
جان فوكو جاءوا لزيارته ، فظنهم شوقي مهنئين ، فقال فوكو
بل لنعلن أنك أمير شعراء العالم ، نعم بلغ الشعر المصري والعربي
بلاد أوربا وأثر فيهم حتى قبل شوقي بأكثر من قرنين ، ولكن
الأوربيين لم يكونوا قد تأثروا بفترة الانحطاط العثمانية أو
سابقتها المملوكية ، لكنهم تأثروا بشعرنا العربي منذ عصر
 ما قبل الإسلام وحتى العصر العباسي الثاني والشعر
الأندلسي على وجه التحديد .
لست قاصدا للتأريخ هنا بقدر قصدي بيان فترات تأثير الشعر
العربي على الحياة في بلادنا العربية وخارجها وبيان الأسباب
حيث ستفيدنا في هذه المقالة على نسق ما .
ظن البعض أن تفوق شوقي في شعره يرجع لسفره لأوربا
ويناقضون أنفسهم مرة ثانية ويرجعونه لتمكنه من لغته
العربية ، والحق أن شوقي شأنه شأن طه حسين موهوب
ويمتلك القدرات التي تجعله يستغل كل مناخ يعيش فيه بل ويطور
في المجتمع الذي يحيا به .
وكان حافظ إبراهيم على ذات النسق وخليل مطران الذي
أدخل الرومانسية للوطن العربي تضاهي وتتطور عن الرومانسية
الغربية ، وبعدها بدأ الشعراء الذين يريدون التطور يدخلون في
الفخ الغربي ، وينوعون في الشعر العربي ذات تنويعات الشعر
الغربي ، بل ويأخذون الصور الغربية ليضعوها في شعرنا فتجد
من يتحدث عن بلاد الضباب وينسى أنه يشير إلى لندن ، ومن
عن النوارس ولايدري أن بلادنا العربية ليست بها نوارس ،
ناهيك عن أنواع الورود والزهور الأوربية ولقاءات الأحبة
 الأوربيين وعباراتهم التي كادت أن تصلنا في شعرنا مترجمة
، وقد زاد الطين بلة أن النقاد العرب بدأوا في جلب النظريات
النقدية الأوربية المعلبة والمستوردة ويطبقونها على أدبنا
ولا يزالون يفعلون حتى كتابة هذه الكلمات ، وهم يدركون أن
ما ينطبق على لغة لا ينطبق على غيرها ، فما ينطبق على اللاتينية
لايمكن أن ينطبق على العربية ، والعربية بالتحدي لا تطابقها لغة
أخرى حتى لو كانت من ذات الفصيلة كالعبرية أو الفارسية
 أوغيرهما .
والأدب لغة مرتبطة بواقع ، واللغة عربية والواقع عربي إسلامي
والاختلاف بين اللغات يستوجب اختلاف بين العقول ، والاختلاف
بين الواقعين يستوجب اختلاف في المكتوب ، نعم هناك مبادئ
عامة إنسانية بين كل الشعوب ، ولكن الفنون لكي تكون أكثر
تأثيرا في مجتمعاتها لابد أن تحصل على الخصوصية والذاتية
المجتمعية ، وهذا ما جعل اسم طه حسين والعقاد والحكيم وإدريس
ونجيب محفوظ وغيرهم مستمرا بيننا ، بينما تختفي أسماء كثيرة
ربما كانت أكثر انتاجا في الكتابة ولكنها ارتبطت بحوادث تنتهي
 معها الكتابة وتمحي من الذاكرة ، حتى العبقري نفسه إذا كتب
في حادثة مرتبطة بزمن أو موقع أو شخص ، لا تطول كتابته كثيرا
فمثلا ما جدوى قصيدة شوقي في رثاء مصطفى كامل لنا الآن ؟
هي نص لغوي ليس إلا ، بينما حين يتحدث عن حبه لوطنه يبقى
النص خالدا ، حينما يتحدث حافظ عن لغتنا العربية يبقى النص
شاهدا ، هذا من ناحية الموضوع .
أما من ناحية التشكيل الفني فإن الموهبة والقدرات هي الت تحدد
خلود النصوص من عدم خلودها ، وتتجلى الموهبة في طرافة
التصوير والتعبير واستحداث موسيقا داخلية ترتبط بوجدان المتلقي
وتخاطب في الشعور والنزوع والإدراك ، وتجدد له الفهم والوعي
وتقدم له وجهات نظر جديدة ، وتحدد له ميولا أخرى لتغير له
اتجاهاته نحو الأسمى والأجمل .
وهذا ما يجعلني أذكر من مصر عبدالعزيز جويدة وأحمد سويلم
وعماد قطري وعلي عمران ومحمود حسن وعاطف الجندي
ومصطفى رجب وثروت سليم وحاتم عبدالهادي وعلاء شكر
ومحمد مملوك  ومحمد ناجي وعصام بدر وياسر فريد وأمير
صلاح سالم ومحمد جاويش وسليمان الهواري وحسين أبو الطيب
وعبد القادر عيد عياد وحسونة فتحي والدكتور سمير محسن .
 إلى جانب الشاعرات فوزية شاهين وإلهام عفيفي وسكينة جوهر
 وهبة الفقي وشيرين العدوي وإيمان حسين وحنان محمود ودينا
 عاصم ونورا جويدة .
وكما قال الجاحظ : إن الذاكرة ملكة مستبدة ، فإن ذاكرة الشعوب
لا تحفظ إلا من استطاع أن يستمر فيها بموهبة وقدرات خاصة
فيظل اسم امرؤ القيس والمتنبي وشوقي ومن استطاع أن يوظف
موهبته ويستخدم قدراته ، واختفت أسماء الآلاف من الذين كانوا
يحسبون أنفسهم شعراء مؤثرين ، بل إن بعض من يظنون أنهم
أصحاب مدارس شعرية اختفت أشعارهم وهم أحياء فلا تجد من
يذكرهم أو يذكر لهم بيتا أو سطرا ، حتى أننا لا نجد من يذكر بيتا
لأعظم منظري الشعر عند العرب وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي
الأزدي العماني البصري ، رغم أنه كان شاعرا ، ولم نحفظ
لسيدتنا صفية عمة رسول الله شعرها ، وحفظنا شعر الصعاليك
والتهاجي بين جرير والفرزدق والأخطل .
فالشعر موهبة وقدرة لا يرتبط بحب وكره ولا دين وكفر وإن
 كان يرتبط عند العرب بقيم ومبادئ وحسن خلق من حلم
 وشجاعة وكرم .
فالمشهد الشعري المصري الحالي يبشر بوعي معظم الشعراء
الذين ذكرتهم لماهية الشعر ووظيفته ، وخصوصية اللغة والمجتمع
العربي والإسلامي ، مما يجعل شعرهم هو الأقدر على الاستمرارية
بينما يوجد بعض الشعراء الأحياء الذين لايمكننا أن نذكر لهم نصا
يستر سنيهم حتى تمر ، أو يرضي ذائقتنا حتى تقر .
فالشاعر المصري الحقيقي هو من استطاع أن يطور أدواته مع
القفزات العصرية الشاسعة ، ليعترف أنه لم تعد هناك حدود
صادقة بين الشعوب في العالم كما كانت حتى نهاية القرن
الماضي ، ولكن معظم الحدود هي أغطية وهمية لعدم قدرة
بعض الدول المتخلفة على إدارة حياة أفرادها ، واستمرارية
اتباع النظم بعيدا عن اتباع العلوم والتطور ، فيتبعون ثقافة
النظام ويتركون نظام الثقافة ، ويتبعون تعليم النظام ويتركون
نظام التعليم ، فيظل البناء التحتي تابعا لا مشاركا ، ويظل البناء
 الفوقي مفرقا لا جامعا .
وهذا ما يجعل الشاعر الحق قائدا ثقافيا يشير لصحيح
الدرب ، ويعلي من الهمم فيوقظ العقل والقلب ، لا تابعا
يثير العامة بشقشقة بيان أو سجع كهان ، فيصبح شعره
سلعته لا وجهته ، وتصبح كلماته لجيبه لا لبلده ومبادئه .
وقد فقه شعراء مصر الحاليون وضع مجتمعهم ودولتهم
وما يحيط بها من مخاطر ومؤامرات ، وكلهم يعلم أن
بلدهم تخلصت بأعجوبة من الحوت الكبير الذي كان
يريد أن يبتلعها ، وهم يعلمون أن رأس الحوت في واشنطن
وذيله في تل أبيب ، وأن أشعارهم سوف تصل ، فلم يكن
الغرب ليمدنا بالشبكة العنكبوتية إلا إذا كانت ستدر عليه
دخلين لا دخلا واحدا ، فهم يستفيدون بما نقدمه من معلومات
وخاصة عامة الناس ، ويبيعون لنا بضاعتهم بأغلى الأثمان ،
وهذا ما جعل شعراء مصر يكتبون ويدركون أن بعد ضغط
زر النشر بثانية سيقرأ كلامهم الأمريكي والصيني من الغرب
ومن الشرق ، ولست أشك لحظة أن شعراء مصر يدافعون
عنها كما يدافع شباب جيشها على الحدود ، وكل شاعر حقيقي
يموت لأجل صدق حروفه مرات ومرات في قصيدته ، ولا يجد
من يكرمه أو يشكر له بعض صنيعه .
وسوف أقدم بعضا من قصائد الشعراء الذين ذكرتهم لبيان تأثير
شعره في المشهد الشعري المصري ، وهذا في اللقاء القادم غدا بإذن الله تعالى .

د.رمضان الحضري 

الأحد، 8 ديسمبر 2019

د.رمضان الحضري

الرمادي ونتائج الاستبطان
***********


من شهور عديدة وأنا أنتظر أن تتنزل كلمات مناسبة ولائقة لأكتبها عن ديوان شعر محمد نجيب الرمادي 
( الحب الذي يكتبنا / الجزء الخامس ) ، قرأت الديوان مرات عديدة ، حيث إنني بين يدي مفكر يغوص في أعماق ذاته ، يخرج لحظات من ذاته ثم يعود مسرعا ليجول فيها ، يقسم بالغربة إذا ابتعد عن ذاته لحظة ، وذاته تتمثل في فكرة وشعور ، يقدمهما للمتلقي على أطباق الحروف المصطفاة بعناية ، ولذا فإن تصنيف الديوان يكون صعبا على كل ناقد ، لكن دوما منظوري الخاص في القراءة يأتي تحت ( من حق كل إنسان أن يقول مايشاء كما يشاء وأشترطُ عليه أن يقنعنا أو يقنع جماعته التي يعيش بينها ويأخذ منها ليعطيها النص مرة أخرى في شكل حيوي جديد ) ، ماهو الشكل لموضوعه ، هذا أمر يخضع لقدراته ومتطلباته ورؤاه ووجهة نظره وثقافته .
ولذا فإنني سوف أتناول ديوانه في نقطتين لاثالثة لهما هما : _
1 _ الكشوف الاستبطانية 
2 _ موائد الأسلوب
***********
أولا : الكشوف الاستبطانية : _
من اليسير على كل إنسان يملك حاسة البصر وحاسة السمع ، أن ينقل للناس صورة العالم الخارجي من حوله ، فكلنا يستطيع أن يصور الأشجار والأنهار والطيور والبحار ، ويصف الأشخاص والحوادث والمواقف التي رآها ، من خلال حاسة البصر وحاسة السمع ، ومن خلال استخدام الخيال يمكنه أن يطور مايسمع ومايرى ، بإعادة الترتيب والتركيب واستخدام تقنيات جديدة لتجعل الموضوع أكثر فاعلية ومتعة ونفعية .
لكن حينما يدخل الكاتب في ذاته ليستبطنها ، فلست أدري ، ولا أظن أن علماء النفس يعرفون كيف يدخل الإنسان إلى ذاته ، فطريقة الدخول للذات معقدة للغاية ، فالدروب غير معروفة ، وكيفية الوصول غير مألوفة ، ناهيك عن متطلبات الداخل الواصل لذاته ، ثم أين تكمن الذات في المرء ؟ بالتأكيد لا إجابات شافية فلو كانت الذات هي الروح ( يسألونك عن الروح ) ولو كانت العقل أو الفؤاد أو القلب أو الشعور أو كل هذه مجتمعة فترانا كيف نلج إليهم ؟!
ومحمد نجيب الرمادي 
اختار هذه الدروب غير المألوفة ، وأقنعنا بأنه قد وصل إلى أعماق النفس البشرية وحاول أن يحفر فيها باحثا عن جذور تلك النفس ، يقول محمد نجيب الرمادي في نص بعنوان ( لا أحد ينتظر أحدا ) : _
تتغير مفاهيم الانتظار
تبعا لمستويات اللهفة
وتتغير مستويات اللهفة 
تبعا لمستويات الحب
الكامن في الأعماق
بقلب العاشق المشتاق
تتوالى الأعذار وتبقى النتيجة واحدة 
وتمضي الحياة
والحياة قطار يتحرك 
في اتجاه واحد عنه لايحيد ولا يميل
كأن الرحيل يسابق الرحيل
تتغير سرعته فقط
بتغير الظروف لا الفصول
فلا ربيع يؤثر فيه ولا خريف
وذلك هو الأمر المخيف
*************
( ويقول في ذات النص ) : _
ونحن ننتظر
وفي قلب الانتظار
نسافر دونما انتظار
تتغير ملامحنا وألواننا
ويملنا الانتظار
مع أننا لا ننتظر
********
وفي النهاية يقول : _
فلماذا الحزن والبكاء من جديد
وفّر دمعك
فلم يعد هناك من جديد
************
وأن الجديد الوحيد
في هذه الحياة
هو انتظار الموت 
من جديد
*******
هذا الاجتزاء من النص يفسده ، لكنني اخترت على سبيل تقديم العناوين لا متن النص ، وسوف أحيل القاريء للديوان صـ 26 ، 27 .
فالكاتب في هذا النص يغوص داخل ذاته للغاية ، حتى الذين يتذكرهم سواء كانت نور أو محمود درويش يتذكرهم وهو في أعماق نفسه ، لم يخرج لهما للترحيب بهما أو لإحسان استقبالهما ، لكنه استدعاهما
في الأعماق ، كما استدعى غيرهما من خلال تناص واضح لنصوص عربية سابقة ، هو ذلك العابد الذي يأخذ حاجاته ويدخل معبده ، ويغلق على ذاته بابها ، وينظر في الذات ليتمكن من دمج حاجاته الخارجية مع حاجات نفسه الداخلية .
ولحظة الاستبطان الذاتي هي دوما أصدق اللحظات لأنها تعبير عن الذات وحوار معها أشبه بحوار المرء مع نفسه أو مايسمى اصطلاحا في الفنون المسرحية 
( المونولوج الداخلي ) ، حيث يبتعد الإنسان بذاته عن المؤثرات الخارجية ، وينفرد بذاته دون رقيب خارجي يؤثر في حواره أو يغير من صيغة قراره .
فالكاتب ينقل لنا معرفة ذاتية وهي أننا حينما ننتظر فنحن لا ننتظر بل نسافر في لحظات الانتظار ، فليس الجسد هو مايعني كاتبنا بالمرة ، بل سفر الذات إلى عوالم بعيدة وأماكن عديدة وأزمنة حزينة أو سعيدة
، بل هو يرى أن الانتظار الوحيد دوما والجديد هو انتظار الموت ، والموت هنا ليس نهاية الانتظار ، لكنه انتظار من نوع جديد .
************
ثانياً : موائد الأسلوب : _
من العسير على مثلي أن يفصل في هذه النصوص تفصيلا سريعا ، حيث إن هذه النصوص تمثل نسقا شعريا جديدا متفردا ، لايمكن الحكم عليه بكل هذا اليسر ، ولذا فسوف أتحدث في هذه النقطة في اللقاء القادم بإذن الله جل في علاه .
د.رمضان الحضري 

د رمضان الحضري

التفات النوع 
بين علاء عبدالهادي وعبدالعزيز جويدة


****************
هـــــبلٌ هـبلٌ هـبلٌ هـبلُ
ذاكَ الحـضنُ وتلك القُبَلُ
هــــذا وزنٌ صــحٌ جـداً
لــن يأتيَهُ أبـداً خــــــللُ
ما الموسيقا إن يعزفها؟!
مجنونٌ أصغى له طـللُ
**************





لقد ارتقيتُ مرتقى صعبا ، حيث وضعتُ نفسي موضعَ المجيبِ عن أسئلةٍ لا طاقة لي بتحمل عواقب الإجابة عنها ، فهذا الكلام رغم أنني أكتبه فصيحا لكنه ليس مريحا للقاعدة العامة من شعراء العرب ونقادها ، لكنها الأيام عودتني أن كثرة الغبار لا تطفيء ضوء الشمس ولا نور البدر .
فالأمر قد تخطى القول بأن هناك خطوطا حمراء أو صفراء أو حتى فوق الحمراء وفوق البنفسجية ، حيث يعيش المجتمع العربي حالة من حالات الاحتضار ، فالسكات فوق الاحتمال ، والعلاج قاس للغاية ، لكن بذور القابلية للحياة لازالت موجودة تحت هذه التربة الخصبة العفية ، وعلينا أن نرويها لتندفع عصارة الحاضر فيها جنبا إلى جنب مع عصارة التاريخ لتعيد الحياة لمن أشرفوا على فقدانها .
والسؤال الأول : أين موقع الناقد في أدبنا العربي ؟ !
في ذات اليوم الذي أخذت كتاب النقد المعنون بـ ( قصيدة النثر والتفات النوع ) من النقادة والشاعر المصري الكبير / علاء عبدالهادي ، وصلني ديوان بعنوان ( على صدر الصهيل أنام ) للشاعر المصري الكبير / عبدالعزيز جويدة ، وظللت أياما بين النقد وبين الشعر ، حتى طفحت الأسئلة على شفتي وأزمها مرددا ( صبرا حتى أعيد القراءة ) ، وأهم الكتب المحببة إلى نفسي ، تلك الكتب التي تجعلني أطرح أسئلة على نفسي ولا أستطيع أن أجيب عنها ، غالبا تشبه كتب الفتنة الكبرى التي نجانا الله من دمائها ، لكننا لم نستطع أن نحفظ ألسنتنا منها حتى اللحظة .
فحينما ينحاز الناقد لطائفة دون أخرى فهو مع الطائفة وليس ناقدا ، تماما كالذي يدعو لانتخاب شخص ما حتى مبررات وطنية ، فهو منحاز للشخص لا للوطن .
وكالذي يدعو للإلتزام بقاعدة ما فهو يدعو للقاعدة وينحاز لها ، وهو ليس منحازا لمنهاج علمي ، فالناقد عندي هو الذي يقف على أبعاد متساوية من كل الأشخاص ومن كل القواعد ، ويحلل ويبرهن ويقدم كل شخص في موقعه دون تعلية أو تخفيض ، ويقدم كل قاعدة بمميزاتها وعيوبها دون إهمال أو تفريط ، وهكذا تكون أهم مقومات الناقد المعرفة التامة عما يتحدث ، فيقول ما يعرف ، ليعرف المتلقي مايقول .
فالناقد المنحاز للشعر العمودي هو ليس ناقدا ، لكنه مدافع عن الشعر العمودي ، وكذا المنحاز لقصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر ، حيث إن الناقد الحق هو من عرف وفهم كل القواعد وتحدث عنها جميعها على قدم المساواة ، ويترك للمبدع أن يختار مايشاء ، ليكتب كيف يشاء ، فربما يقدم لنا قناعات جديدة تفيدنا .
فإذا كان موقع الناقد في نقطة يرى كل القواعد عنده متساوية في القرب والبعد ، فَقَدْ فَقَدَ النقد العربي عبر تاريخه أكثر كتبه وأكثر نقاده من وجهة نظري ، حيث لايمكننا أن نعتد بحكم قاض نعرف أنه ظالم في حكمه ، حيث انحاز إلى أحد الخصوم .
السؤال الثاني : ما الشعر وما النثر ؟
الشعر والنثر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، فالنثر الجميل أرقى من الشعر القبيح ، والنثر غير المتكلف أرقى من النثر المتكلف ، والذي يحدد درجة الرقي لعمل ما هو الهدف ، فالهدف الذي تستطيع أن تصله بجملة نثر ، ما الدافع الذي يجعلك تكتب فيه قصيدة شعر أو متواليات نثرية متعددة ؟ !
فكلما كان الوصول للهدف ميسراً ومفيدا وممتعا كلما كانت الأدوات راقية وجميلة ، حيث تحملك على جناحين من المتعة والإفادة ، واللتان ينتج عنهما تغيرات في السلوك البشري للأفضل ، أهمها حدوث الاتزان النفسي للمتلقي حينما يقرأ أو يستمع لكلمات المبدع .
وهنا أقصد أن يخلو الكلام ( نثرا أو شعرا ) من الحشو النثري أو الضرورات الشعرية ، فالقاعدة المخلة بالوجدان النفسي وانسياب الفكرة هي قاعدة ليست سوية في عرف النقد الحقيقي بصرف النظر عما قيل سابقا .
وكل قواعدنا العربية نحوا وصرفا وعروضا بها شواذ لايمكن تقبلها عقليا مهما برروا ، فليست البحور العربية كما قالها وكما شرحها الخليل بن احمد الفراهيدي الأزدي العماني ، بل هناك بحور أخرى تركها الخليل وأهملها ربما بعضها اهم من البحور المذكورة ، وربما لو انتبه لها من جاءوا بعد الخليل لكانت تطويرا لشعرنا العربي ، فرغم أن الخليل خدم شعرنا العربي في تنظيره وتقعيده لبعض الأوزان إلا أنه أضر به حينما ترك أوزانا كان العرب يستخدمونها قبل الإسلام .
وحينما جاء الأخفش الأوسط ليستدرك على أستاذه بغزوة المتدارك ، اكتفى بالنصر وترك بقية الأوزان ، وجاء علماء كثر في لغتنا العربية لكنهم لم يفندوا أسباب الاصطفاء لهذه الأوزان وأسباب ترك غيرها ، وفي ظني أن بعضهم لم يكن على قناعة تامة مثل الجاحظ الذي كان يكره علم العروض ولم يحسن أن يتعلمه ، رغم مرافقته للخليل فترة تزيد عن أربعة أشهر بغية أن يتعلم هذا العلم الجديد في عصره . 
والسؤال الثالث : _ 
بين ( كتاب عبدالهادي وديوان جويدة ) .
أثار كتاب ( قصيدة النثر والتفات النوع ) ثورات من الأسئلة غير المطروقة سابقا ، كما فتح ديوان ( على صدر الصهيل أنام ) دروبا جديدة في شعرنا العربي ، وهذا ماسوف أتناوله في اللقاء القادم بإذن الله تعالى .

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

د.غالب القرالة


المذاهب اللغوية في اللغة العربية
-2- المذهب الرومنسي:
المذهب الأدبي
هو إتجاه في التعبير الأدبي يتميز بسمات خاصة ويتجلى فيه مظهر واضح من التطور الفكري......
وهو لاينشأ عادة من تباين الأراء حوله حقبة من الزمن وإن كان ذلك من شأنه أن يؤدي الى بلورة هذا الأتجاه الجديد في التعبير وإنما يكون وليد مايضطرب في عصر بعينه من تغيرات في أوضاع المجتمع وطابع الحياة ...
أذن في عصر معين كثمرة لظروف ومقتضيات خاصة فيطغى على غيره من المذاهب ويظل سائدا حتى إذا فترت دواعية رأيناه يتخلى تدريجيا عن سيطرته أمام مذهب أدبي جديد تهيأت له اسباب الوجود وإن كان ذلك لايعني بحال أن آثار المذهب القديم تختفي كلية من الأدب ...
والمذاهب الأدبية على إختلاف ألوانها هي تعبيرات أدبية متميزة تقوم على دعائم من العقل والعاطفة والخيال ......
وقد يتاح لإحدى هذه الدعائم في عصر من العصور غلبة وسلطان فإذا هي مذهب أدبي سائد يستعلي على غيره من مذاهب التعبير وعلى هذا تتعاقب المذاهب الأدبية بتعاقب العصور ......
ويأخذ اللاحق ماترك السابق مع النقص منه أو الزيادة عليه تبعا لأوضاع المجتمع في عصره ..
-2- المذهب الرومانسي:
التعريف والاصطلاح:
يعود مصطلح الرومانسيّة إلى كلمة رومان (Roman) ومعناها في العصر الوسيط:
حكاية المغامرات شعراً ونثراً كما تدل على المشاهد الريفيّة بما فيها من الروعة والوحشة والتي تحيل إلى العالم الأسطوريّ والخرافيّ والمواقف الشاعرية وأول ظهور لهذا المصطلح كان في ألمانيا في القرن الثاني عشر ولم يكن واضح المعالم فقد كانت له دلالات متعددة منها:
القَصص الخيالي
والتصوير المثير للانفعال
والفروسية
والمغامرة والحبّ
والمنحى الشعبيّ أو الخروج عن القواعد والمعايير المتعارف عليها
والأدب المكتوب بلغاتٍ محليّة غير اللغات القديمة كالفرنسية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية
وفي المجمل أصبح المصطلح يعني كل ما هو مقابل لكلمة (كلاسيك) لذلك وُصِفَ بالرومانسية شعراء وروائيون ومسرحيّون عاشوا قبل عصر الرومانسية مثل شكسبير وكالديرون وموليير ودانتي وسرفانتس لأنهم أتوا بأدب جديد ولم يكونوا يعولون على الاهتمام بالأشكال القديمة.
الرومانسية
لغة : مشتقة من كلمة لاتينية  romanioseوقد اطلقت هذه الكلمة على اللغات والاداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ويرى البعض ان romance لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة ابيات ثمانية المقاطع تكون فيها الابيات الزوجية مشتركة في القافية والابيات الفردية مطلقة .
اصطلاحا : هي مذهب ادبي ينزع التجديد والابداع والاهتمام بالفرد وعواطفه ومشاعره وفي نفس الوقت هي ثورة على المذهب الكلاسيكي باصوله وقواعده وقد رفضت فيه اغراقه في الصنعة ومبالغته في تعظيم العقل وامعانه في تمجيد العظماء والسير على منوالهم فالرومانسية تفتح مجالا واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الاحساس المنطلق والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
تزعمها فيكتور هيجو والف مسرحيته الرومانسية (كرومويل) وكتب مقدمة طويلة تعد مرجعا للرومانسيين الحديثين وملخص نظرية هيجو : ان كل ما تحتوي عليه الطبيعة يوجد في الفن ايضا
عوامل ظهور الرومانسية
تغيير الظروف الاجتماعية
الثورة على القواع الكلاسيكية
تطور العلم والادب
خصائص الرومانسية
الاهتمام بالعاطفة وبالاعمال الشعرية
الاهتمام بالفرد ورغبته
الميل الى الشعر الغنائي
مناجاة الطبيعة ومعاملتها انها كائن حي يشارك الشعراء مشاعرهم
تتصف بالشكوى والحزن والالم
تعتمد على الخيال والتصوير في التعبير عن الافكار
تحاول الابداع والتجديد في اسلوب الشعر واغراضه
لاتحفل بالقواعد اللغوية الموروثة بل تهتم بالتعبير عن المعنى
وقد ظهرت الرومانسية في الادب العربي الحديث
خصائص رومانسية الادب العربي الحديث من الشعر
الخيال المجنح المحلق
تكرار الالفاظ والاهتمام بالتعبير عن المعنى
جعل احزان الفرد واحلامه محور الحديث والتركيز عليه
التفاعل مع الطبيعة
الانصراف الى الطبيعة
التعبير عن تجربة ذاتية وعدم تكلف الالفاظ وتصنعها
ولتعليل سر اهتمام الرومانسيين بالطبيعة :
لان الطبيعة في نظرهم رمز للطهر والصفاء وهي توحي لهم بموضوعات مثل الحب والحنين والتحرر وكلها قريبة الى قلوبهم .
ولتعليل ميل الادب الرومانسي الى الشعر الغنائي
لان الشعر الغنائي مجالا اوسع للتعبير عن المشاعر والعواطف ورسم الصور الفنية الموحية بهذه العواطف .
ونوازن بين الكلاسيكية والرومانسية من حيث المضمون--- المجال والطبيعة والفرد والعاطفة ووظيفة الادب والخيال .
الكلاسيكية الرومانسية
المضمنون
تستمد مضمونها من الطبقة في المدينة وحياتهم الاجتماعية
تستمد مضمونها من الفرد ومشاعره ومن الطبيعة
المجال :
المسرح الادبي التمثيلي
الشعر الغنائي
الطبيعة
منها يستلهمون القوانين العامة
هي رمز الطهر والصفاء وقد صبوغها بمشاعرهم واحاسيسهم
اللغة
تهتم بقواعد اللغة والتراكيب السليمة في التعبير
لاتحفل بقواعد اللغة الموروثه
وتعبر عن المعنى بعبارت قبلية
الفرد
تغلب من الطبقة وتهتم بها
تهتم بالفرد ومشاعره وعواطفه
العاطفة
توازن بين الفكر والعاطفة وترى ان الميل مع العواطف يفسد الحياة
تغلب العاطفة على الفكر فالعاطفة جياشة
وظيفة الادب
محاكاة الادب القديمة
الادب خلق وابداع
الخيال
العقل يتحكم بالخيال
حلق اصحاب الرومانسية بالخيال وابتعدوا عن الواقع
الرومانسية الابداعية عند الشعراء العرب
مهد لظهور عباس محمود العقاد وميخائيل نعيمة في كتابيهما الديوان والغربال ودعا ابن العقاد الى تحطيم اصنام الادب ويقصد بهم شوقي والمنفلوطي وهذا تفسير الدعوة الاولى لظهور الرومانسية الابداعية وهي التمرد على الاصول الفنية المتوارثة ويتجلى المذهب الرومانسي في شعر شعراء المهجر الذي نرى من سماته كما مر بنا المشاركة الوجدانية التي تقوم على استبطان الشاعر لنفسه وتعمقه في فهم اسرارها كما نرى في شعرهم التأمل في حقائق الكون والحياة والموت .
ومن شعراء الرومانسية :
ابراهيم ناجي  وابو القاسم الشابي  ومحمود طه  وفدوى طوقان والياس ابو شبكة .



الأحد، 29 سبتمبر 2019

د.غالب القرالة


الاتساق والانسجام في اللغة  :
استجابة لطلب بعض الطلبة سوف اتناول في هذه المقالة موضوع الاتساق والانسجام في اللغة :
  اللغة أداة اتصال بين البشر تحقق غرض التبليغ والتواصل ولذلك كانت محل دراسة وعناية وتحليل من اجل كشف أسرارها وسبر أغوارها ومعرفة مكنونها فحظيت  بنصيب وافر من الاهتمام من قبل المختصين في هذا المجال منذ القدم  فقد كانت الجملة في بداية هذا الدرس اللساني بؤرة الاهتمام ومركز الدوران واعتبرت الوحدة الأساسية للدراسة  خصوصا عند أصحاب النظريات اللسانية  لكن الاهتمام الشديد باللغة والتطور الحاصل في جميع العلوم أحدث قفزة نوعية في هذا الجانب ونقل محورية البحث اللساني إلى درجة اعلي مما كان عليه خصوصا قبل أربعة عقود من الزمن تقريبا فتجاوز محورية الجملة في الدراسة لما شملته هذه الأخيرة من نقائص إذ لا يمكن دراسة المعنى منفصلا عن سياقه اللساني المتمثل في البنية اللغوية الكبرى (النص) .
ويعني الاتّساق الكيفية التي يحدث بها التماسك النصي بترابط عناصره وهو مفهوم دلالي يحيل إلى العلاقات المعنوية القائمة داخل النص تمنحه صفة النَّص انية ويشمل مفهوم الاتِّساق هذا عدداً من المنسقات كالإحالات إلى
الضمائر والإشارة والحذف والاستبدال والوصل والاتِّساق المعجمي .
الانسجام في اللغة أصله مِن السيلان وصب الشيء من الماء والدمع ثم نُقِل بالمجاز لمعاني التوافق والتناسب والتلاؤم والتناسق والانتظام وقد أُضيفت هذه المعاني إلى الكلام فأصبح انسجام الكلام يعني توافُقَ أجزائه وعدم تعارُضِها فالكلام المنسجم هو الذي  انتظم ألفاظًا وعباراتٍ مِن غير تعقيد وكان سلسًا أنيقًا متوافقًا في الأفكار والشعور والميول و يكاد يسيل رِقةً لعدم تكلُّفه ... وقد أطلَق السيوطي هذا الاسم على النثر المقفَّى الذي يُشبه الشعر وإن لم يَقصِد كاتبُه ذلك .
أما في الاصطلاح فالانسجام له عدة ترجمات في اللغة العربية أشهرها الحَبْكُ والتماسك الدلالي والتنسيق كما نجد عند محمد مفتاح وهو يُعرِّفه  بالعلاقات المعنوية والمنطقية بين الجمل  حيث لا تكون هناك روابطُ ظاهرة بينها.
ومن أهم ما يحدد هل كانت مجموعة من الجمل تشكِّلُ نصاً متناسقاً هو الترابط النّصي لمكونات النص المتشكّل منها مما يسهم في خلق بنية النص الكلية عن طريق هذه العلاقات والروابط .
ويمثِّلُ هذا الإجراء منهج تحديد نصانية النص فما لم يحقق شروطاً محددةً  تجعل منه نصا مترابطاً دلالياً ونحوياً ومعجمياً فإنّه لا يعد نصاً أو أنَّه يفقد جزءاً من شروط النصانية لأنَّه لا بد من تحقيق الاتِّساق النحوي والمعجمي بالدرجة التي تتحقق بها عناصر الاتِّساق الدلالي فإذا افتقر النص إلى مثل هذه الشروط فإنّه يمكن الحكم عليه بالاختلال وعدم الاتِّساق وبهذا فإن الأمر يشبه الآليات المستعملة في نظرية الأفضلية التي تعد من آخر المسائل التي نادى بها علم اللغة الوصفي.
ومن هذا المنطلق نشأ علم جديد يهتم بدراسة النصوص وتحليلها وهذا ما يعرف اليوم بلسانيات النص هذا ما يبحث في تماسك النص  حتى يكون وحدة كلية تؤدي أغراض معينة في مقامات تبليغية محددة  وقد تميز هذا العلم بحداثته  وتنوع موضوعاته فتعددت المدارس اللسانية النصية وظهرت العديد من المصطلحات الخاصة به ومن أهم المفاهيم التي عنيت بها لسانيات النص مفهوما '' الاتساق والانسجام''
اللذان يحتلان موقعا مركزيا في الأبحاث والدراسات التي تندرج في مجال هذا العلم .
فمن أهم ملامح لسانيات النص دراسة الروابط مع التأكيد على ضرورة المزج بين المستويات اللغوية المختلفة وهذا بالاتساق الذي يتضح في تلك النظرة الكلية للنص برصد وسائل الترابط العميق بين الوحدات الجزئية، دون فصل بين هذه الأجزاء.
فلسانيات النص تراعي في وصفها وتحليلاتها عناصر لم توضع في الاعتبار من قبل، وتلجأ  في تفسيراتها إلى قواعد تركيبية  وقواعد دلالية ومنطقية بحيث تسعى إلى تحقيق هدف يتجاوز قواعد إنتاج الجملة إلى قواعد إنتاج النص إذ لم يعد الاهتمام مقتصرا على الأبعاد التركيبية للعناصر اللغوية في انفرادها وتركيبها، بل لزم أن تتداخل معها الأبعاد الدلالية والتداولية  حتى  يمكن أن تفرز نظاما من القيم والوظائف التي تشكل جوهر اللغة إذ ليس من المجدي الاهتمام بالوصف الظاهري للمفردات .
فالاتساق والانسجام من اهم المسائل التي تطرحها لسانيات ما بعد الجملة ومن أهم القضايا التي لقيت اهتماما كبيرا من علماء العرب والمسلمين في دراستهم النص القرآني او النصوص الأدبية .
ومفهوم الاتّساق من المفاهيم الجديدة التي دخلت مجال النقد الأدبي فهو يستند إلى المبادئ التي  وردت في علم اللغة منذ أن بدأت المدارس اللغوية الحديثة بالظهور وتبلورت على يد العالم السويسري دي سوسير ثم تبلورت نظريات تحليل الخطاب بعد أفول مجد المدرسة اللغوية الإنجليزية وتسلّم المدرسة اللغوية الأمريكية ريادة علم اللغة في العالم فكأن هاليداي ظن أن الإنجليز ما زالوا يقودون الحركة اللغوية الحديثة فجاء بنظرية لتحليل الخطاب ليقول إن العلماء الإنجليز ما زالوا موجودين
ومن الامثلة على الاتساق في القرآن الكريم :
الاحالة
ا-دور الضمائر في السور القرآنية استخدام الضمائر بانواعها الثلاث فتوظف ضمائر الغائب بكثرة في سورة الصافات مثلا ومنه ضمير الغائب-- والسموات والارض وما بينهما ورب المشارق –الاية 50 ونوعها (احالة قبلية ) المحال اليه هو الله
وان هذا لهو ( الفوز العظيم )  ونوعها (احالة قبلية ) والمحال اليه المؤمن
ونجد ضمير المخاطب بقوله تعالى :  قال هل (انتم مطلعون ) احالة قبلية
اما ضمير المتكلم بقوله تعالى : (وانا لنحن المسبحون ) احالة قبلية
ب-وفي الاسماء الموصولة بقوله تعالى : ( فأنكم وما تعبدون ) احالة قبلية
ج-واسماء الاشارة بقوله تعالى :  بعضهم ( على بعض يتساءلون ) احالة قبلية
د-الضمير المستتر بقوله تعالى :  قال هل ( انتم مطلعون ) احالة قبلية
2- الحذف ( التحليل النصي للسورة )
تحليل الايات التي حذف فيها الاسم
انا جعلناها (فتنة للظالمين )
من خلال التحليل نجد ان التماسك بين عناصر الاية الواحدة واضح بدليل مذكور فقد جاء المحذوف من لفظ المذكور ومعناه كما في الاية ( سمعا من يسمعون وقذفا من يقذفون ) فقد حقق الاتساق بين عناصر الاية الواحدة
ب – حذف الفعل : كما في قوله تعالى فالزاجرات ( زجرا ) هنا الحذف لم يقتصر على الفعل وحده بل تعداه الى حذف الفاعل لاننا من الصعب ان نفصل الفعل عن فاعله وهذا النوع من الحذف مع النوع اللاحق من الحذف وهو حذف الجملة وما يميزه الفعل الاظهر ويكون حذف جملة كاملة العناصر .
ج- حذف الجملة او اكثر
ومنه حدف الجملة حذف جملة القسم مثلا وجملة الشرط وجملة جواب الشرط وهناك حذف الكلام بجملته وحذف اكثر من جملة
كقوله تعالى :  الصافات (صفا)والتقدير (ورب الصافات ) وهذا الحذف حقق الاتساق في الاية بين كلمة القسم (ورب) وجملة الصافات صفا
3- العطف : التحليل
تتكون سورة الصافات من قصص وكل قصة تتحدث عن قضية معينة وتجتمع كلها في ان قضيتها الاساسية هي التوحيد والعقيدة
وبقوله تعالى : (الصافات صفا ) فالزاجرات زجرا احدث هذا العطف اتساقا بين الاية الاولى وما بعدها
4 – التكرار
ظاهرة التكرار في القرآن الكريم ظاهرة لافتة للنظر...تستريح لوجوده النفس و تتقبله الطبع و يحس المستمع باستجابة له يدرك عمقها وتتميز سورة الصافات ببعض التكرارات تمنح النص خصوصية و تسهم في اتساقه معجميا أفقيا ثم اتساقه معجميا كليا و مثل هذا التكرار بين الترابط و التلاحم  وبين عبارات و الآيات و كذلك وحدات السورة مؤكدة بذلك الهدف العام للسورة.

د.غالب القرالة
المراجع :

الخميس، 26 سبتمبر 2019

د.رمضان الحضري

التشابه والاشتباه في الشعر
*************

أخذت كلمتا ( التشابه والاشتباه ) في لغتنا العربية عدة معان مختلفة ، ( فالتشابه ) قد يعني وجود شبه بين شيئين أو أكثر ، وفي الهندسة ( يتشابه المثلثان ) يعني تساوت الزوايا المتقابلة ، وفي الميكانيكا ( تشابه المحركان ) في الأجزاء أو الحركة ، وكذا في الأحياء وغيرها من العلوم ، ولكن الكلمة تحتمل تفسيرات أخرى مثل ( تشابه الأمر عليهم ) بمعنى اختلط وغمض ، وأصبحت هناك مشكلة إلتباس ، ( والاشتباه ) يعني الغموض واللبس وضبابية الرؤية وعدم الوضوح .
حاولت كثيرا أن أتجاوز هذه المقال لأسباب تخص معظم شعراء الوطن العربي في الوقت الحالي تقريبا ، فلربما هتكتُ أستارا بالية  ، وأوغرت صدورا خاوية ، فحينما نعلم أن اتحاد كتاب مصر يقدم جائزة باسم ( أمير الشعراء أحمد شوقي ) ، ومعروف منهاج شوقي في الشعر ، ولكن الجائزة تقدم لأحمد عبدالمعطي حجازي الذي هدم شعر شوقي ، وبالتالي هدم الشعر المصري ، بالإضافة أن كلمات حجازي لايمكن لناقد أن يعتبرها شعرا ، وحسبنا أن نقرأ له مجموعة من الكلمات وضع لها عنوان ( سلة ليمون ) : _
تحت شعاع الشمس المسنون
و الولد ينادي بالصوت المحزون
عشرون بقرش
بالقرش الواحد عشرون  
سلّة ليمون ، غادرت القرية في الفجر
كانت حتّى هذا الوقت الملعون ،
خضراء ، منداة بالطلّ
سابحة في أمواج الظلّ
كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير
أوّاه 
من روّعها ؟
أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر 
حملتها في غبش الإصباح
لشوارع مختنقات ، مزدحمات ،
أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟
تمشي بحريق البنزين 
مسكين 
لا أحد يشمّك يا ليمون 
و الشمس تجفف طلّك يا ليمون 
و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات
عشرون بقرش
بالقرش الواحد عشرون 
سلّة ليمون 
تحت شعاع الشمس المسنون
و قعت فيها عيني ،
فتذكّرت القرية
*******

هذه مجموعة الجمل التي كتبها الصحفي الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي ، وأقسم على كل الكتب المنزلة من عند مولانا جل وعلا ، أن هذه الكلمات لاعلاقة لها بشعر العرب ، ولا شعر الغرب ، ولا أي شعر حتى لو كان الشاعر مبتدئا ، فإذا كان هذا هو الشعر فإن ماكتبه امريء القيس والمتنبي وشوقي ونزار وصلاح عبدالصبور والسياب والعظيم محمود درويش ليس شعرا ، وبالتالي فحجازي اشتبه عليه الأمر فظن أن ما يكتبه شعرا ، والأروع أنه لازال يخيف بعض النقاد القدامى ليعلنوا أنه شاعر ، وماهو بشاعر ، وماعلمه شعرا من أحد ، وهذا الدليل واضح مهيع ، فالنص 
مجموعة من الجمل الخبرية الإخبارية للعرض والخبر ، لاتقدم توجها ولا نوعا جماليا ولا صورة ولا رسما ، ويعطون صاحب القصيدة جائزة شوقي ، هذه سفاهة ما بعدها سفاهة ، واتحاد كتاب يستحق المحاسبة على طمس هوية الشعر المصري والشعر العربي ، وبعض النقدة سيقولون أن القصيدة تحمل فكرا لوجستيا وحبا مازوخيا ونمطا لسانيا بنيويا مهلبيا ، حيث إن الشاعر تذكر قريته ، وتذكر فيها شجرة ليمون ، خسيء من قال عن هذه الكلمات السوقيات أنها من شعر العرب .  
 هذا إلى جانب أن ما يقدم في برامج تعليمنا حتى اللحظة في دولنا العربية لايرقى للمشاركة في الحضارة العالمية القائمة ، فشطر من شعراء العرب لا يزال مقيماً في حقول تراثية غير قابلة لإنجاب الإبداع ، وشطر آخر اكتفى بما يمكنه وما تعلمه فأنتج ما يمكنه ، وترك ما يجب عليه .
  فالشطر التراثي استمر على رأي ابن منظور في الشعر حينما عرفه بقوله : ( الشعر منظوم القول غلب عليه لـشرفه بـالوزن
والقافيـة ، وقائلـه شـاعر لأنـه يـشعر بـه غـيره أي يعلـم بـه ) ، وهو ذات التعريف الذي قال به الفيروز آبادي ( أطلق العرب على علم شعرا، وإن غلب على الكلام المنظوم لشرفه بالوزن والقافية ) وقد رأي محمد بن سلام الجمحي أن ( المنطق على المتكلم أوسع منه على الشعر، والشعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي والمتكلم مطلق يتخير الكلم ) . 
وقد عرّف المبرد الشاعر بقوله : ( أن صاحب الكلام الموصوف ـ الشاعر ـ أحمد لأنه أتى بمثل فالوزن والقافية هما ميزتان أساسيتان عند هؤلاء ) .
كما عرّف قدامة بن جعفر الشعر حينما قال : ( قول موزون مقفى يدل على معنى ) .
وهو نفس تعريف الحاتمي ( اللفظ والمعنى والوزن والقافية ) .
وقد جمع ابن فارس كل التعريفات السابقة فقال : ( الشعر كلام موزون مقفى دل على معنى ويكون أكثر من بيت لأنه جائز اتفاق سطر واحد بوزن يشبه وزن الشعر عن غير قصد ) .
يتضح من التعريفات النقدية للشعر أنها قمة في التشابه ، وكما بدأ النقد الأدبي بالتشابه ، بدأ كذلك الشعر العربي بالتشابه ، حتى ترى طرفة بن العبد يأخذ نفس مفردات امريء القيس .
يقول امرؤ القيس في معلقته : _
وقوفًا بي صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلِك، أسًى وتجمّلِ

ويقول طرفة بن العبد في معلقته : _
وقوفًا بي صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلِك، أسًى وتجلّد
ويقول عمرو بن الأهثم بعدهما : _
 وقوفا بها صحبي على مطيَّهم
يقولون لا تجهلْ ولست بجهّال
*********
ومن قول تأبّط شرًّا : _
ولستُ بمِفراحٍ إذا الدهر سرّني
ولا جازعٍ من صَرْفه المتحوِّلِ
يأتي بعده هُدْبة بن الخَشْرم ويقول : _
ولستُ بمِفراحٍ إذا الدهر سرّني
ولا جازعٍ من صَرْفه المتقلِّبِ
************

وقال الأبيرِد :
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
إذا السنة الشهباء أعوزها القطرُ
وقال الراعي النُّمَيْري من بعده
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
إذا ما اشترى المَخزاةَ بالمجد بيهسُ
وجاء أبو نواس بعدهما : _
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
ويعلم أن الدائرات تدور .
************
هذا التأثر القليل بشطر من قصيدة أو نقل بيت من قصيدة لا يعني سرقة في هذه الفترة بقدر ما يعني أن الشاعر قرأ أشعار من سبقوه ، وبعبارة أخرى هو مثقف تأثر بمن سبقه ، ونقل منه ما يصلح في نصه ، وهو يعرف ويعترف بذلك .
لكن الكارثة الكبرى التي يمر بها الشعر العربي في وقتنا الحالي أكبر من كل احتمال ، حيث تتشابه الطنطة في ظل فقدان التوجه وفقدان المعنى ، واكاد أقول فقدان الشعر لروحه ، وهذا ما سوف اتحدث عنه في اللقاء القادم بامر الله تعالى .


د.رمضان الحضري

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

غالب قرالة

د.غالب القرالة
خصائص الشعر العربي 
 الشّعر العربيّ
الشّعر العربيّ  : هو أحد الفنون الأدبيّة التي تصف الحياة من وجهة نظر الشّاعر ويعتمد الشّعر على العاطفة والإيقاع والخيال وهو كلّ شعر كُتِب ووُزِن باللّغة العربيّة .
تعريف الشّعر : اتُّفِق على تعريف الشّعر بأنّه كلام موزونٌ مُقفّىً وهو شكلٌ من أشكال الأدب العربيِّ الذي ظهر منذ زمنٍ طويلٍ ويُعدّ الشّعر الوسيلةَ الأكثر انتشاراً واستخداماً عند العرب في التّعبير عن مشاعرهم ورغباتهم وفخرهم بأنسابهم وقبائلهم وانتصاراتهم وحروبهم وكرمهم وصفاتهم الشخصيّة مثل:
القوّة والغيرة ويتّصف الشّعر بأنّه كلامٌ جميلٌ يحمل في طيّاته أجمل المعاني والتّشبيهات ويعبّر بصدقٍ عمّا يدور في وجدان الشّاعر وقد سمّاه العرب شِعراً لأنّهم شعروا به عندما أصبح موزوناً.
يُقسّم الشّعر العربيّ إلى مجموعةٍ من الأقسام وهي:
الجاهليّ والإسلاميّ والأمويّ والعباسي والأندلسي والمعاصر
ولكلّ قسم من هذه الأقسام خصائص.
خصائص الشّعر العربيّ الشّعر الجاهليّ نُظم في أغراض الشّعر المختلفة مثل:
الحماسة والفخر والاعتذار والهجاء والغزل بشِقّيْه الصّريح والعفيف والرّثاء والحكمة والمدح والوصف والهجاء.
حمل كمّاً كبيراً من المَعاني الواضحة والبديهيّة البعيدة عن التّعمق والتّعقيد.
ضمّ القصيدة الواحدة في الشّعر الجاهلي العديد من الموضوعات لذا يمتاز بطابعه المفكّك وقليل التفاصيل.
ألفاظه قويّة ومحكَمة النّسج وتميل إلى الإيجاز.
قليل التّصوير وجزئيّ الخيال وفي حال ورود الخيال فإنّه مأخود من الطبيعة.
مُوحّد الوزن والقافية.
الشّعر الإسلاميّ  : تنوّعت مواضيعه بين الإشادة بالرّسول والحثّ على الأعمال الصّالحة والجهاد، والفَخر بالفتوحات الإسلاميّة والانتصارات ورثاء الشهداء.
أُخذت معانيه من روح الإسلام ومبادئه كما أنّ ألفاظه تأثّرت بشكل واضح بالقرآن الكريم. استمدّ تصويره وخياله من البيئة الموجودة في ذلك الوقت بالإضافة إلى روح القرآن وفكره. مُوحّد القافية والوزن.
الشّعر الأمويّ : تنوّعت مواضيعه بين الغزل الصّريح والعفيف والنقائض والمواضيع السّياسية.
اشتُقَّت معانيه من القرآن الكريم وتميّزت بعمقها وخصوبتها مقارنةً بالشّعر الجاهلي.
غلبت على ألفاظه الجزالة في موضوعي الهجاء والفخر والرّقة والسّهولة والعذوبة والسّلاسة في موضوع الغزل.
استمدّ تصوّراته الخياليّة من البيئة العربيّة المحيطة بالإضافة إلى القرآن الكريم.
مُوحّد القافية والوزن.
الشّعر العباسيّ : تنوّعت مواضيع الشّعر العباسي بين:
الحماسة، والفخر، والمدح القبَلِيّ والفرديّ، والوصف، والغزل العذريّ والصّريح، والرثاء، والزهد، والتصوّف، والحكمة، والحكايات على ألسنة الحيوانات والطيور، والحماسة .
كما أنّ الشّعراء العباسيين كتبوا في الحقائق الفلسفية والعلمية.
اتّسمت معانيه بالتحليل والعمق والاستقصاء والغزارة.
تسلسلت أفكار الشّعر العباسي بطريقةٍ منطقية والجدير ذكره أنّ العباسيين ابتكروا معانيَ جديدة من البيئة الحضارية الحديثة ولكنّ هذه المعاني ضعفت حتى وصلت درجة السّطحية والتفاهة في نهاية العصر.
سهولة الألفاظ كما استُخدمت الألفاظ العجميّة.
اتّسم الخيال والتصوير بالرّوعة والخصوبة والثراء.
الشّعر الأندلسيّ  : تنوّعت مواضيعه بين الوصف والاستنجاد بالرسول عليه السلام وبعض الصّحابة الكبار ورثاء الممالك الزّائلة كما أنّ شعراء العصر الأندلسي نظموا في الفلسفة والفنون.
اتّسمت أفكاره ومعانيه بالبساطة والوضوح والبعد عن الصعوبة والتعقيد والتلميح للوقائع والأحداث التاريخية.
كانت عباراته وألفاظه سهلةً وواضحةً وعذبة ورقيقة وبعيدةً عن الألفاظ الغريبة كما أنّ الصّيغة أخذت أهميّةً بالغةً من الشاعر.
صوره الخياليّة مأخوذة من البيئة الأندلسيّة ذات الصّور المزدحمة والبيئة الجماليّة الطبيعية الغنية.
مُوحّد الوزن والقافية كما أنّ الشّعراء الأندلسيين اكتشفوا العديد من الأوزان الجديدة مثل الموشّحات.
الشّعر المعاصر تغلب عليه مواضيع المشاعرُ الوطنية وكذلك الإحساس بالشّعب وبهذا تراجع الفخر الشخصي في الشّعر المعاصر.
تتمحور كلّ قصيدة حول موضوع واحد كما أنّ الخيال في القصيدة لم يعُد مقتصراً على البيئة المحيطة.
يستخدم أسلوب الرمزيات وهذا الأسلوب لم يُستخدم من قبل.
يستخدم الألفاط الشعبية والعاميّة وظهرت فيه الملاحم الشّعريّة.
يتحرّر الشّعر المعاصر من وحدة الوزن والقافية. غالب قرالة 



مصطفى البداوي

عن قصتها امراة عاشقة 
قصة جديرة بالقراءة و الاحترام. جرأة   في التفاصيل والطرح  .جمال السرد  ورقي المعاني. تحليل نفسية تجمع التناقضات  والثورة على التقاليد  البالية.
حالة اجتماعية لا زالت تتكرر  ، كاتبة واديبة من الطراز الرفيع.متمردة وتركبها لعنة المغاربة.  فهي صاحبة الجراة والتي لا تخشى أحدا.  داهمها الموت عدة مرات ولكنها توفيت في  9 شبتمبر 2006.
كتب فيها الصحفي  في جريدة الاخبار  قائلا.
الرباط ــ ياسين عدنان

مرة أخرى ماتت مليكة مستظرف (1969). لكن يبدو أنها اليوم تموت لآخر مرة. كأن حياتها الصعبة المثخنة بالجراح لم تكن أكثر من تدريب على الموت. امرأة احتملت ما لا طاقة لأحد به: “الأطباء حكموا عليَّ بالموت عام 1986، وبقيت حية. وعام 1990 حكموا عليّ بالموت أيضاً ولم أمت. وعام 1992 أقسموا أنني لن أعيش بعدما دخلت في غيبوبة تامة. وأنا نفسي في فترة من الفترات أقدمتُ على الانتحار، لكنَّ الموت لفظني”. قدرتُها على تحمل الألم كانت استثنائية، وبراعتها في سرد ألمها وتعرية جراحها وجراح مجتمعها بلغة صادمة مستفزة كانت تذكّرنا جميعاً بمحمد شكري. شكري جديد بتاء التأنيث لكن للأسف من دون اهتمام إعلامي ولا ترجمات عالمية.
الكاتبة المغربية التي غادرت قبل أيام، هكذا في صمت، على سرير مرضها الطويل في الدار البيضاء، لم تكن تكره شيئاً قدر كرهها للصمت. منذ روايتها الأولى “جراح الروح والجسد” أطلقت صرختها الأولى: “لن أبتلع لساني وأصمت، بل سأتقيأ على وجوهكم كل ما ظل محبوساً طوال هذه السنين. سأنشر غسيلي الوسخ على الملأ ليراه الجميع. لم يعد يهمني أحد”.
وهكذا كتبت مليكة قصة الطفلة التي تعرضت للاغتصاب فوق سطح العمارة في سن الرابعة. ثم تكررت الحكاية مع البقال الطيب، ومع القريب القروي: أحسست يداً مرتعشة تتحسس صدري ونهدي. أي نهد لطفلة لم تتجاوز السادسة؟ لم أعترض. كنت أعرف أنه لا جدوى من المقاومة. استسلمتُ وأنا ألعن كل شيء في سري”.
كبرت الطفلة وصارت كاتبة لا تتردد في لعن الجميع جهراً. لكن يبدو أن الجراح قررت هي الأخرى أن تكبر معها. جسدها الهش أبى إلا أن يمعن في خيانتها، فأصيبت بالقصور الكلوي في سن الـ14.
مذاك تواظب على جلسات غسيل الدم ثلاث مرات في الأسبوع: “عمري الحقيقي لا أحسبه بالسنوات، بل باللحظات الجميلة التي عشتها. وعندما يسألونني اليوم كم عمرك، أجيبهم: أنا في الرابعة عشرة. أحس بأن عمري توقف هناك وكل هذه السنوات مجرد أشواط إضافية أنعم الله بها عليّ في انتظار الورقة الحمراء”.
كانت مليكة تحلم بكتابة رواية ثانية قبل أن تموت. ولأنها كتبت أغلب فصول روايتها الأخرى خلال جلسات غسيل الدم، قررت كتابة عمل ثان تحت عنوان “الجناح 31”، عن معاناتها ومعاناة الآخرين في هذا الجناح لمرضى القصور الكلوي. وطبعاً، لم تتمكن مليكة من إنهاء الرواية بعد اشتداد المرض.
لم تعد الرواية ممكنة يا مليكة؟ فما العمل الآن؟ صارت القصة القصيرة خيارها الأخير. وتحولت الرواية الموعودة إلى نص قصصي مؤثر تحت عنوان “مأدبة الدم” ضمته إلى تسع قصص أخرى ونشرته في مجموعة قصصية صاعقة جاء عنوانها “ترانت سيس”. ويحيل رقم 36 بالفرنسية لدى المغاربة إلى الجنون، فهو رقم جناح الأمراض النفسية والعاطفية في أحد أكبر مستشفيات الدار البيضاء. وطبعاً جاءت شخوص مليكة مستظرف في هذه المجموعة مقهورة متوترة مشرّعة على الجنون.
طفلة قصة “ترانت سيس” تعيش مع والدها المهتز نفسياً الذي يستقبل عشيقاته في البيت مساء كل سبت، فيما البنت تنزوي في غرفتها وترسم نساء بلا ملامح وتتساءل: كيف هو شكل أمي؟. فتى قصة “مجرد اختلاف” يرفضه الجميع ويُعامل بقسوة. أما الطبيب فقد نصحه بأن يتقبل جسده كما هو. لكنه ظل عاجزاً عن إقناع الآخرين باختلافه. وفي المنزل، يجد دائماً عقوبة أبيه المملة في انتظاره: “أكتبْ ألف مرة: أنا رجل، أنا رجل...”. ثم مريضة قصة “الهذيان” التي تتعرض لمحاولة اغتصاب على سرير مرضها في المستشفى.
كل شخوص قصص مليكة مستظرف من هذا النوع. شخصيات مغلوبة على أمرها. رجال معطوبون ونساء بلا رجال يكابدن جحيماً يومياً اسمه الدار البيضاء: جحيم المدينة. جحيم الرجال. جحيم التقاليد. وليل الدار البيضاء الصعب والضاري يكاد يفتح الجميع على الجنون.
بعد “ترانت سيس”، كتبت مليكة مستظرف المزيد من القصص. بين جلسة علاجية وأخرى كانت تكتب قصة جديدة. آخر قصة كتبتها جاءت تحت عنوان “موت”، أهدتها إلى كل هذا الدم الطاهر المسفوح في فلسطين ولبنان، ونشرتها في آب الماضي على موقع “دروب” الإلكتروني. فهل كانت مليكة وهي تنفطر لكل هذا الموت الذي هجم دفعة واحدة على لبنان تتنبأ بموتها الشخصي؟
عندما رفض القاص المغربي أحمد بوزفور جائزة المغرب للكتاب قبل سنتين، قال في بيان الرفض إنه يخجل من مليكة مستظرف التي تموت تحت أنظارنا جميعاً، ونحن ساكتون ننتظر أن تموت نهائياً لنرثيها. الآن ماتت مليكة. وها نحن بكل جبن نتفانى في رثائها. رحلت صاحبة “جراح الروح والجسد” و“ترانت سيس” من دون أن تقدم لها المؤسسات الثقافية المغربية أي مساعدة. لا شك في أننا نشعر اليوم جميعاً بالخجل، لكن المؤكد أن الخجل وحده لا يكفي.

الأربعاء، 18 سبتمبر 2019

د.غالب قرالة


اللغة العربية :
لغة القرآن الكريم والدستورالوطني والقومي العربي ثروة الامة العربية والاسلامية . وان الكلام معجزة وهبها الله سبحانه وتعالى لنبي البشر حيث جاء في القران الكريم قوله :
في سورة البقرة -2:31- {وعلم آدم الأسماء كلها}.
واللغة نعمه اختص بها الله سبحانه وتعالى الانسان دون بقية خلقه بها يتفاهون ويتواصلون ويحاورون ويتبادلون الافكار والاراء والمعلومات ويعبرون عن حاجاتهم ومشاعرهم كما انها وسيلتهم في التربية والتعليم والتنشئة المجتمعية . وطبيعة اللغة تعد اللغة ظاهرة مجتمعية من ارقى مظاهر السلوك الانساني واوضح سمات انتماء الفرد المجتمعية وهي مجموعة من الرموز المنطوقة التي تستخدم للاتصال والتواصل والتفاعل بين افراد جماعة لغوية متجانسة ينقل بها الفرد افكاره ويعبر بها عن مشاعره وحاجاته بالكلام او الكتابه فالكلمة رمز فريد يدل على شيئ محدد له صورة في ذهن المستمع يرفعه للقيام عن قراؤتها او سماعها فاللغة والتي تعددت الاراء في تفسير نشؤ اللغة والاقرب للحقيقة قوله تعالى –
{وعلم آدم الأسماء كلها} –
واللغة كالخلية في جسم الكائن الحي تنمو وننطور وتتجدد بفعل عوامل كثيرة كالتقدم العلمي والتطمولوجي الذي ادخل للعربية مفردات جديدة لم تكن معروفة من قبل ككلمة حاسوب وتلفاز وقناة فضائية ومكوك فضائي وقمر اصطناعي وغيرها من الكلمات كما توقف تداول الكثير من المفردات العربية كالجلمود والغضنفر والخوعم وتعني الاحمق وغيرها .
طفلة بعمر الزهور تكتب عن اللغة العربية وتدافع بقوة عن لغتها الام (بوركت من الله تعالى) ووزير في حكومة دولة لغتها الدستورية والقومية هي العربية يصرح أمام الرأي العام "أن اللغة العربية ميتة  وظلت كذلك منذ الجاهلية ولم تتطور منذ 14 قرنا والفرنسية والانجليزية  ثروة يجب أن توزع بشكل عادل بين المغاربة".
(عندما يقول وزير في الحكومة هذا الكلام الهراء يعني أن لغة وطنه  -- لغة دستور وطنه-- لا تصلح لا للعلم ولا لزمن الثقافة الرقمية لأنها لغة مشلولة غير قادرة على النهوض لأنها منتهية الصلاحية منذ ألف وأربعمائة سنة.
وبهذا التصريح الغريب الأهوج يكون الوزير في الحكومة الحالية قد أطلق سلسلة رصاصات عشوائية على اللغة الهوية  -- لغة الدستور بل أبعد من ذلك أطلق رصاصته العشوائية على ثقافة البلاد التي يعمل بها وزيرا وعلى تاريخها وحضارتها التي تمتد من العصر الجاهلي إلى العصر الالكتروني ). كما جاء في مقالة للاستاذ محمد اديب السيلاوي .
واستطرد قائلا : ( اللغة التي اغتالها الوزيرمن اكتر اللغات انتشارا في العالم -- من أقدم اللغات الحية في الأرض -- تملك حرف الضاد الذي لا تملكه أي لغة أخرى في العالم --هي أكتر اللغات تحدتا ونطقا ضمن مجموعة اللغات السامية  وإحدى أكتر اللغات انتشارا في العالم يتحدثها ويكتب بها حوالي خمسمائة مليون نسمة.
وتعد هذه اللغة من أهم مقومات الهوية العربية ساهمت في حفظ التاريخ العربي من زمن الجاهلية إلى زمن الألفية الثالثة.
وتعد أيضا اللغة الحضارية الأولى في العالم لزمن طويل أثرت في الكثير من اللغات الأخرى التي أخذت منها العديد من الكلمات والمصطلحات.
كما تعد لغة العديد من الشعوب والقبائل القديمة التي ساهمت في نهوض العديد من الحضارات فكريا وعلميا وأدبيا وهي أم اللغات الإعرابية الحميرية والبابلية والآرامية والعبرية والحبشية.
استطاعت هذه اللغة ان تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها امم شتى فاستطاعت ان تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة والمنطق والتصوف إضافة إلى الآداب والفنون.. )
واللغة العربية جزء لا يتجزأ من السيادة العربية  والحفاظ عليها هو حماية لهذه السيادة ولذلك فإن التحدي الذي تواجهها اليوم من اعداء الامة العربية هو الحفاظ على خصوصيتها وضمان استمرارها وإشعاعها وحماية مكوناتها ومقوماتها وقيمها التي تشكل العناصر الجوهرية لكل امة عربية.
واللغة العربية : تعتبر معجزة من الله سبحانه وتعالى خص بها عباده المؤمنيين .
والتفاعل بين الحضارات ادخل الى اللغة العربية الكثير من المفردات من ثقافات الامم الاخرى كالفارسية والتركية والاسبانية وغيرها وادخل الى لغات هذه الامم الاف المفردات العربية وتختص اللغة بمجموعه من الخصائص منها :
1- تختص بالانسان وهي نعمة اختص بها الله سبحانة وتعالى الانسان دون نفيه خلقه للتفاهم والتواصل والتحاور وتبادل الافكار والاراء والمعلومات ويعبر بها عن حاجاته ومشاعره وهي وسيلة للتربية والتعليم والتنشئة المجتمعية .
2- ظاهرة هويته : للغة شكلان :
أ‌- الاول المنطوق المسموع وهو الاصل
ب‌- والثاني المكتوب المقرؤ الذي لايصل في اهميته المستوى الشكل الاول لان مشاعر الفرح والحزن والغضب والندم والقول والرفض لاتظهر في الكتابه بنفس درجة ظهورها في الكلام لان الكتابة نبرات الكلام ونغماته والمشاعر المصاحبة له .
3- نمو مفرداتها : تنمو اللغة كالكائن الحي باستيعابها للمفردات التي تعبر عن كل جديد في مجال الاختراعات والمكتشفات كما يساعد على ذلك التطور الاجتماعي والاقتصادي وتراكم خبرات المتحدثين بها .
4- جملها غير محدودة : تتميز اللغة بغناها بالمفردات والتعابير وامكانية تشكيل اعداد كبيرة من الجمل والفقرات مما يمكنها من استيعاب كل قديم وحديث من الافكار والاحداث والمخترعات .
5- ترافقها لغة الحركة : يستخدم المتكلم في العادة حركات اليدين والاصابع والراس وتعبيرات الوجه والعينين للمساعدة في ايصال افكاره والافصاح عن مشاعره واقناع مستمعيه .
6- تتاثر بالمركز الاجتماعي : تتاثر نبرة الكلام بعلاقة المستمع بالمتكلم ميزة كلام الطالب لمعلمه غير نبرة كلامه لصديقه وكلام الابن لوالده ليس ككلامه لابنه فالمركز الاجتماعي لكل من المتكلم والمستمع يحدد مستوى كلام الطرفين ونبرته .
 وبمقالة للطفلة ريحانة الزهور ( حاجي تسنيم ) كتبت عن اللغة العربية وقالت : لغتي -
تكلمت اللغة العربية مع اللغات الأجنيية قائلة :
العربية: كيف حالكم ؟
الأجنبية : بخير شكرا . وكيف حالك أنت ؟
العربية :أصبحتُ غريبة حتى ملأ الغبار قواميسي وكتبي وأصبحت كائنا غريبا عليهم .
الأجنبية : ماذا حصل لك.
العربية : أبدلوني بالفايسبوك وتكتوك هاأنا باقية في غرفة الإنعاش لا أحد يسأل عني وعن صديقي الشعر الذي هو مصاب بمرض القلب آه آه أين أنت يامتنبي .
الأجنبية : أكيد أنهم يحبون اللغات الأجنبية
العربية : أنا لغة الضاد أنا لغة الدين فمرحبا بكم في عالمي
الأجنبية : الكثير من طلابك يحبون التكلم بالفرنسية والإنجليزية خوفا منك لأن الإعراب والنحو أتعب عقولهم بسبب الأصفار الموجهة اليهم
العربية: يستطيع تلاميذي النجاح فالمطالعة تمكنهم من اللغة والارادة ايضا تحقق الفوز
الاجنبية: لدي كتّاب ابهرت رواياتهم العالم  وتعجبت انت لامرهم حتى قمت بترجمتها مثل رواية البؤساء ل فيكتور هيجو وكليلة ودمنة من الهندية الى الفارسية ثم العربية
العربية:ليس عيب ان أقرا لكم  فهذا  يزيدني فخرا فالمطالعة والترجمة شيئ جميل وانا ايضا اعطيتكم رواية جميلة ترجمة إلى لغاتكم مثل : إبن الفقير لمولود فرعون والكثير
الأجنبية : أعتذر منك فأنت الأصل ونحن الفروع المتصلة بك
العربية : فلنتحد ونتقدم بالعلم مضيا



الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

د.غالب القرالة


عدم الفهم لمعنى بعض الكلمات في الأدب الجاهلي

- يعاني الكثير من باحثي الادب العربي في العصر الجاهلي ومن المهتمين بالادب العربي من مشكلة عدم الفهم لبعض الالفاظ التي ترد خصوصا في الابيات الشعرية للشعراء في العصر الجاهلي لاختلافها في المعني من مفهوم الباحثين والمهتمين بالادب الجاهلي في الوقت الحاضر لاختلاف بعض الكلمات في المضمون عما ورد في لغتنا العربية وهي لغة القرآن الكريم الا بالرجوع الى المعاجم والقواميس العربية للبحث عن معاني بعض الكلمات ( ومثال على ذلك ) قول :
وهي مريرة كمر العنصل
والمر هنا معروف هو المرار او الحنظل وغيره من الاسماء المعروفة لدى الشعوب العربية واثناء الرجوع الى القاموس او المعجم نجد ان معناها هو (البصل )
ولا بد من البحث هنا عن الفائدة في طبيعة البيئة الثقافية التي انتجت الادب الجاهلي :
فيما يسعف على فهم افضل لطبيعة هذا الادب وولادته الفنية والاجتماعية مع تقديم صورة عامة عن طبيعة الثقافة العربية قبل الاسلام وهي الثقافة التي شكلت الاساس الذي نشات علية الثقافة العربية فيما بعد حين تطورت تطورا كبيرا وجديدا بظهور الاسلام
ويبدو ان مؤرخي المسلمين –بقصد او بغير قصد من جانبهم – قد مالوا الى تجاهل كثير من جوانب ثقافة هذا العصر فلم يهتموا الا بالادب وربما قلنا ان اهتمامهم بهذا الادب لم يتعد النصوص التي قبلوا روايتها حين وجدوها لاتتعارض مع القيم الدينية الجديدة ولم يشذ عن ذلك الا القليل كما سنرى وقد حمل ذلك بعض الباحثين على الشك في طبيعة المروي من الشعر الجاهلي لانهم لم يجدوا فية ما يتوقع الباحث من وصف الحياة الجاهلية من جوانبها المختلفة وفي هذايقول الدكتور طه حسين
كان القدماء مسلمين مخلصين في حب الاسلام فاخضعوا كل شيئ للاسلام وحبهم اياه ولم يعرضوا البحث علمي ولا لفصل من فصول الادب او لون من الوان الفن الا من حيث انه يؤيد الاسلام ويعزه ويعلي كلمته فما لايهم مذهبهم هذا اخذوه وما نافرة انصرفوا عنه انصرافا ويبدواان هذا صحيح الى حد كبير وان كان الدكتور طه حسين قد ذهب الى نهاية الشوط في دعواه فعمم  الشك واطلق الحكم ونفى ثقته نفيا تاما بما يروى من الادب الجاهلي وفي هذا من المبالغة الظالمة ما فية وانما نريد ان نقول هنا ان التعرف على ملامح من طبيعة الثقافة العربية قبل الاسلام ليس بالامر اليسير وقد غاب عنا الكثيرمن مصادرها لظروف تاريخية مختلفة منها تحرج علماء المسلمين عن رواية مالا يتفق والاسلام من تراث الجاهلين ومن جهة اخرى فليس من الصواب ان نوافق هؤلاء الدارسين الذين يريدون ان يقدموا لنا صورة مظلمة شديدة الظلام عن ثقافة العصر الجاهلي فليس من الممكن ان ينشاء هذا الفن الادبي العالي وهو الشعرالجاهلي دون ان يكون هذا المجتمع قد بلغ درجة معينة من الثقافة الراقية الى حد ما كذلك ماتروية بعض الكتب القديمة احيانا عن هذا العصر قد يتعارض مع هذا التصور القائم له في كثير من الكتب الاسلامية الاخرى وهكذا سقط العصر الجاهلي بين الشك المطلق الذي يقول به الدكتور طه حسين ومن نهج منهجه وبين التجهيل المطلق الذي نادى بها كثير من علماء المسلمين ومن المؤكد ان القران الكريم  يصور هذه الحياة الجاهلية تصويرا اصدق واقرب الى واقعها الفعلي من تصوير الادب الجاهلي لها
التلاعب اللفظي:
والأساس فيه هو محاولة المتندر أن يكسب الألفاظ معاني غير معانيها الواضحة. فإذا ما اكتشف السامع أن ما يقصده المتكلم هو هذا المعنى الغريب يسخر من فهمه الأول لمعنى الجملة، فيضحك، ويكون التلاعب اللفظي: باختصار الفكرة، أو بالإضافة إليها بحيث تخرجها عن معناها الأصلي أو بتبديل الكلمات المكونة لها، أو بنحت بعض ألفاظها أو بتقسيمها، أو بالعبث باعجامها واود ان اورد بعض الابيات الشعرية والنثرالادبي والخطابة  التي تحتوي على بعض الكلمات غير المفهومة من قبل المهتمين والباحثين بالادب الجاهلي والتي يعاني منها الكثير من المهتمين بدراسة الادب الجاهلي كقول :
للشاعر..الليث بن فاز الغضنفري :
 ومدركل بالشنصلين تجوقلـت
 عفص له بالفيلطوز العقصـل
 ومدحشر بالحشرمين تحشرجت
 شرا فتـاه فخـر كالخزعبـل
 والكيكذوب الهيكذوب تهيعهت
 من روكة للقعلبـوط القعطـل
 تدفق في البطحاء بعد تبهطـل
 وقعقع في البيداء غير مزركلِ
 وسار بأركان العقيش مقرنصاً
 وهام بكل القارطـات بشنكـلِ
 يقول وما بال البحاط مقرطمـاً
 ويسعى دواماً بين هك وهنكـلِ
 إذا أقبل البعراط طـاح بهمـةٍ
 وإن أقرط المحطوش ناء بكلكلِ
 يكاد على فرط الحطيف يبقبق
 ويضرب ما بين الهماط وكندلِ
من أنت أيها الجبار العنيد؟ لمن ضؤل شأنه.
قال  ابن رشق القيرواني وفي نفسه يقول :
تبديت الى الناس           فقالوا انت ابليس
رأوا شيخا قبيح الوجه       في طمرية تدئيس
ورجلا فعلها في الارض   ماتفعله القوس
قال حسان بن ثابت :
بني ام المؤمنين الم يرعكم       وانتم من نوائب اهل نجد
تهكم عامر بابي البراء            ليخفره وما خطا كعمد
وتهكم فلان على ما لايعنيه
اي اقتحم عليه
وتهكم علينا
اي تعدى
وفي هذا الصدد يقول:
تهكم عمرو على جارنا          والقى عليه له كلكلا
وقول:
والنظر بارق لاغشا لمهاضيب
يلي راعده يضرب لقاع ويسيل
يازين حبك مابه شك ولاتجريب
منساك كود انسى حلو التعاليل
وقد روى عن ابراهيم النظام في كلام له كثير بعدد خصال كلب من شكل كلاب الرعاء فكان اخلا كلامه قوله :
ان كنت ستع فاذهب مع الستاع وعليك بالبراري والفياض
وان كنت بهيمة فاسكت عنا سكوت البهائم
وقول للجاحظ  في قضية العنصر الذاتي في رؤية الالوان قال :
وخبرني عن لون ذنب الطاؤوس ماهو اتقول انه لاحقيقة له وانما يتلون بقدر المقابلة ؟
او تقول :
ان هناك لونا بعينه والباقي يحتل
وقال في قضية الصور الثابتة في المرآة :
وما تلك الصورة الثابتة في المرآة ؟
اعرض او جوهر ؟
ام شيئ وحقيقة لن تخيل ؟
والذي ترى اهو وجهك او غير وجهك ؟
فان كان عرضا فما الذي ولده وما وجبه والوجه لم يماسه ولم يعمل فيه ؟
وهل ابطلت تلك الصورة المرئية صورة مكانها في المرآة ؟
ولم انت لست تراه في نفس صفحة المرآة ولم وكأنك تراها في الهواء خلف جوفها )
وهل ابطل ذلك اللون الذي هو مثال كونك لون المرآة ؟
فان لم يكن ابطله فهناك اذا صورتان في جسم واحد او لونا واحد في جوهر واحد ؟
وان كان قد ابطل لون الجديد فكيف يعمل فيه وحيزه ؟
وهو لامماس ولا فيصل ولا مصادم وسواء ذكرنا صفيحة الحديد ام ما خلفها من الهواء وقد قدامها من الفرجة وكل ذلك جسم ذو لون فان اعتللت بالشعاع الفاصل والشعاع يخالف في الحس وكذلك للحساس وكذلك المحسوس وكيف نرى المخالف وكيف والشعاع لون وبياض والنفس الحساسة لاتدرك بشيئ من الحواس )
وجمع الثعالبي في كتابه "الكناية والتعريض" طائفة من الأمثلة، كذلك الذي دار بين معاوية بن أبي سفيان والأحنف بن قيس، إذ سأل الأول الثاني قائلا:
ما الشيء الملفف في البجاد؟
فقال الأحنف: هو السخينة يا أمير المؤمنين !!
وقد أراد معاوية قول الشاعر:
إذا ما مات ميت من تميم * فسرك أن تعيش فجيء بزاد
بخبزٍ أو بتمر أو بسمن * أو الشيء الملفف في البجاد
وأراد الأحنف بقوله :
السخينة، أن قريشا يأكلونها ويعيرون بها وهي أغلظ من الحساء وأرق من العصيدة وإنما تؤكل في كلب الزمان، وشدة الدهر، وقد سموا قريشا سخينة تعييرا لهم بذلك.
وكان عبد الأعلى بن عبد الرحمن الأموي عتب على بعض ولد الحارث فقال له معرضا بما قال حسان:
كما نيط خلف * الراكب القدح الفرد
فقال:
إخال بالعم وبالجد * مفتخرا بالقدح الفرد
الهج بحسان وأشعاره * فإنها أدعى إلى المجد
وساير شريك بن عبد الله النميري يزيد بن هبيرة الفزازي فبرزت بغلة شريك، فقال له يزيد: غض من لجامها !
فقال: إنها مكتوبة أصلح الله الأمير!!
فضحك ، وقال :
ما ذهبت حيث أردت.
وإنما عرض بقوله :
(غض من لجامها)
ان اللفظ واحد لا يتبدل وفي تكرير للالفاظ كذلك في جمل بعينها ليوحي الينا بتتبعه لكل الحركات قال في القصة نفسها :
( ثم عاد الى مؤقه باشد من مرته الاولى فتنحى عنه بقدر ما سكنت حركته ثم عاد الى موضعه فتنحى عنه بقدر ما رد يده وسكنت حركته ثم عاد الى موضعه ثم الجاه الى ان دب عن وجهه بطرف كمه ثم الجاه الى ان تابع بين ذلك )
والتكرار هنا هو ثمرة من ثمار الميل الى التدقيق والتقصي والوضوح الذي حث عليه لان تركه مضر وتسديدة وثمره فرة
وهذا ما جعله يحمل على كتب استاذه الاخفش لما فيها من صعوبة وغموض كما حمل على كل متكلفا ويظهر ذلك في قوله
(وقلت لابي الحسن الاخفش انت اعلم الناس بالنحو فلم لاتجعل كتبك مفهومة كلها ؟
وما بالنا نفهم بعضها ولا نفهم اخرها ؟
وما بالك تقدم بعض الغويص وتؤخر بعض المفهوم ؟
قال :
انا رجل لم اضع كتبي هذه لله وليست هي من كتب الدين ولو وضعتها هذه الموضع الذي تدعو اليه قلت حاجاتهم الي فيها وانما كانت غايتي المنالة فانا اضع بعضها هذا الموضع المفهوم لتبرءهم حلاوة ما فهموا الى التماس ما لم يفهموا وانما قد كسبت في هذا التدبير اذ كنت الى التكسب ذهبت ولكن مابال ابراهيم النظام وفلان وفلان يكتبون الكتب لله بزعمهم ثم ياخذها مثلى في موافقته وحسن نظره وشدة عنايته ولا يفهم اكثرها).

د.غالب  القرالة 

الجمعة، 2 أغسطس 2019

بقلم الدكتور عبد العزيز اليخلوفي

"السلطة  تحديات التغيير…"

قبل أربعة عقود من الزمن، تعرفنا على الكاتب والصحفي الأستاذ محمد أديب السلاوي ناقدا فنيا في الصحافة الوطنية المغربية، وفي السبعينات والثمانينات تعرفنا على إصداراته الأولى في المسرح والفنون التشكيلية والشعر والقصة والرواية، وهي الإصدارات التي ساهمت إلى حد كبير في التعريف بالرصيد المغربي من هذه الفنون، وفي إغناء النقاش الثقافي حولها داخل المغرب وخارجه.
وقبل بضع سنوات، ولج ناقدنا الموفق، مجالا معرفيا مغايرا، أكثر قربا من الصحافة والسياسة والمجتمع المدني، فأصدر سلسلة من الموضوعات، تعالج بالكثير من الرصانة والمعرفة قضايا بعيدة عن “الثقافة الفنية”، ولكنها في منتهى الأهمية والحساسية بالنسبة لمشهدنا السياسي/ الاجتماعي، مثل المخدرات والرشوة وأطفال الفقر والفساد والانتخابات، حيث أبان عن جانب آخر عن مواهبه ومعارفه وثقافته.
ويجب الاعتراف بأن الأستاذ محمد أديب السلاوي، الذي أتشرف وأعتز بتقديم كتابه الجديد عن “السلطة وتحديات التغيير”، إلى قراء اللغة العربية، أنه استطاع من خلال كتبه السياسية/ الاجتماعية، فك العزلة عن قضايا، اتخذت لزمن طويل صفة “الطابور المحرم” في التناول الإعلامي، كما في التناول الأكاديمي، حيث وافق في تعريتها وتقريبها إلى الملتقى، من خلال تفكيكها وإعادة تركيبها، وفق منهجيته البسيطة والسهلة. وأكيد، لم يأت خوض الأستاذ المشهد الإعلامي المغربي، تحمل خلال الأربعين سنة الماضية مسؤوليات مهنية عديدة في الصحافة المغربية والدولية، وفي الإعلام المؤسساتي، وأصدر العديد من المطبوعات الإعلامية، تراكمت تجربته في التعامل مع الملفات الشائكة المطروحة على مغرب يسعى إلى الانتقال والتجديد والدمقرطة، وتعمقت نظرته في المسألة الاجتماعية/ السياسية، وإلى ما يعتريها من إشكالات بالكثير من الحنكة والاحترافية.
من حيث التصنيف، ينتمي هذا الكتاب إلى فصيلة كتبه السياسية، الاجتماعية، يتخذ نفس المنهج البسيط والسهل، الذي طرح به القضايا السابقة: هل دقت ساعة الإصلاح؟ الانتخابات في المغرب إلى أين؟ المخدرات، الرشوة، أطفال الفقر، ويتبني نفس الخطاب المعقلن في التحليل والمعالجة.
يقوم الصحفي/ الباحث، في هذا الكتاب بتشريح السلطة التي ارتبطت لزمن طويل بالهاجس الأمني وتحولت إلى سيف على رقاب شعب يؤمن بالحرية، ويناضل من أجل الديمقراطية ويسعى إلى التنمية.
في نظرنا يتجاوز هذا الكتاب، تصنيفه البيوغرافي، في ذلك لأنه يطرح مسألة السلطة في بلادنا بثقلها وحساسيتها، من خلال فضائها الواسعة والشاسع، بمنهج واقعي، يعتمد كثافة المعلومات ودقة الاستقراء والتحليل واستقطاب الإفادات والمراجع والشهادات وطواعية اللغة وجماليتها.
الكتاب لا يكتفي، باللقاء الضوء على مفاهيم السلطة في الدين واللغة، ولا بالغوص والتمعن في الآليات المخزنية. ولكنه يذهب أبعد من ذلك، إلى تشريح أحد نماذجها البارزة بجرأة وموضوعية، وهو ما يعكس إلى حد بعيد إلمام الكاتب ومعرفته الوافرة بإشكالية السلطة، وبالتحديات التي تواجه تحديتها ودمقرطتها، في مغرب يتطلع إلى الاستقرار، إلى ترسيخ دولة القانون.
وعلى أن الكاتب حاول الحفاظ على حياده كإعلامي باحث، ولكن لم يمنعه ذلك من الوصول إلى خلاصات تعكس ميولاته السياسية، وانحيازه المطلق لأطروحات المجتمع المدني حول السلطة وإشكالياتها، يعتبر مؤلف هذا الكتاب، أن ثقة المواطن في السلطة، ليست أمرا مستحيلا، إلا أن المواطن لا يمكنه أن يقدم صكوك هذه الثقة مجانا، وإنما بناء على ميثاق ضمني يضمن حقوقه، ويعتبر أن مفهوما جديدا للسلطة، لا يمكن اختزاله في تغيير الأشخاص. ولكن في تغيير الثقافة المخزنية، التي طبعت مؤسسات السلطة وآلياتها بطابعها المتجمد، لفترة طويلة من الزمن المغربي…
إن هذا الخطاب يجعلنا نميل إلى تصنيف هذا الكتاب ضمن إطاره السياسي/ الإصلاحي، الذي يستمد قوته وموضوعية من لحظته التاريخية الراهنة، ومن حمولاتها السياسية الوازنة.
إنه بكل تأكيد، كتاب يستحق القراءة، ليس من أجل خطابه الواقعي فحسب، ولكن أيضا من أجل جرأته في طرح التحديات التي تواجه “سلطة” بلد يتأهل للانتقال والتغيير بالكثير من التبصر والثقة.
احتلت “السلطة” كقضية ومفهوم وإشكالية، حيزا واسعا في الأدبيات الحزبية المغربية وفي اهتمام الباحثين والدارسين والإعلاميين، كما في الدراسات الأكاديمية، السياسية والقانونية، خلال العقود الأربعة الماضية.
ويعود هذا الاهتمام بالدرجة الأولى إلى التحول الذي عرفته “السلطة” خلال هذه العقود حيث تحولت على يد بعض “رجالاتها” إلى ديكتاتورية عنيفة، أشاعت ثقافة العنف والفساد والرشوة، وحمت الاستغلال والزبونية والمحسوبية والاغتناء اللامشروع، وخدمت أهداف ومصالح طبقة طفيلية، تنامت جذورها الموروثة بعصور الانحطاط، لتصنيع الخرائط السياسية وتشكل البرلمانات والحكومات بالشكل الذي يحمي مصالحها.
إن السلطة في المغرب، وحتى في الوقت الذي تصادمت فيه مع الضغوطات الدولية من أجل تحقيق حد أدنى من الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقرار الاجتماعي في البلاد، واجهت الأمر بحدة وعنف وتحد، من أجل بقائها على “السيادة” ، وصنعت حكومات وبرلمانات على “ذوقها”. وهو ما أدى إلى أزمة ثقة خائفة في البلاد، بعد أرعة عقود من التجاذب والصراع.
ولاشك أن إقالة السيد ادريس البصري الذي استمر وزيرا للسلطة ربع قرن من الزمن المغربي وإعلان ملك العهد الجديد محمد السادس، عن ضرورة إعطاء مفهوم جديد للسلطة (12 أكتوبر 1999) وفق ما تقتضيه دولة الحق والقانون، قد بدد توترات طويلة مثقلة بالتجاذبات، وأعطى إشارة قوية للأمل، ليحتل موقعه في نفوس المغاربة الذين داهمهم اليأس والقلق، والذين ذهب اليأس بحياتهم.
إن إشارات الملك الشاب في خطاب الدار البيضاء (12 أكتوبر 1999) أعطت الضوء الأخضر لإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال الجسور والقوانين التشريعية، وأعادت الثقة بينهما من خلال تشاركهما في بناء مغرب جديد/ حديث في تطلعاته وإنجازاته. فكان القرار الملكي بإبعاد ادرس البصري عن وزارة الداخلية (في ليلة الألفية الثالثة)، لا يهدف فقط إلى إعطاء مفهوم جديد للسلطة، ولكن بالدرجة الأولى، كان يهدف إلى مصالحة المواطن المغربي مع هذه السلطة، وهو ما يعني تجاوز النظرة الأمنية والإدارية الجافة، التي اعتمدت عليها دولة المخزن لفترة طويلة. وهو ما يتطلب إضافة إلى الإرادة القوية للملك الشاب، فتح أوراش حقيقية لمواجهة تحديات الانتقال من العقلية المخزنية التي استباحت في الماضي كرامة المواطن وحقوقه، إلى “العقلية الديمقراطية” التي تحمي للمواطن كرامته، في دولة المؤسسات/ دولة الحق والقانون.
إن الأمر هنا، لا يتعلق فقط بتجديد آلية السلطة، ولكنه أساسا يتعلق بالتحديث الضروري “لدولة المخزن” وانتقالها الفعلي، إلى دولة عصرية في هياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تضبط سلطاتها وفق مفاهيم الديمقراطية الحديثة، ذلك أن انخراط المغرب الجديد في الديمقراطية كاختيار مجتمعي، يجعل السلطة حجر الزاوية في أي مشروع إصلاحي، تنموي يساير التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشترطها هذه الديمقراطية في حدودها الداخلية والخارجية.
هكذا نجد في مناقشتها للدعوة الملكية/ تجديد مفهوم السلطة، تربط مختلف الفعاليات السياسية والإعلامية والحقوقية هذه المسألة بتوسيع آفاق الديمقراطية وتنظيف ساحة الإدارة العمومية من نفوذ الفساد، معتبرة أن الطريق الصحيح والواقعي لإعطاء السلطة مفهوما حداثيا وجديدا، هو بناء إدارة وطنية خالية من الفساد، والمفسدين، قائمة على أسس الديمقراطية ودولة الحق والقانون.
في هذا الاتجاه أكد خطاب السياسي المغربي في مختلف توجهاته، على ضرورة أن تجسد السلطة طبيعة النظام السياسي في لبلاد، وهو ما يعني ضرورة تحول هذه السلطة، إلى قراءة يومية مستديمة لسلوكيات أطرها/ رجالها وإدخال تعديلات جوهرية في قوانينها وفي سلوكياتها الأخلاقية والسياسية وفي طبيعة ثقافتها في نفس الآن.
يتخذ هذا الكتاب من دعوة الملك الشاب جلالة محمد السادس حول “تجديد مفهوم السلطة” منطلقا لتفكيك هذا المفهوم وإعادة تركيبه، وفق أطروحات الباحثين وأطروحات المجتمع المدني، التي مازالت حتى الآن مفتوحة على أوراش، تبحث عن “السلطة البديلة” الجديرة بالمفهوم الحداثي الجديد، وبتطلعات العهد المغربي الجديد، وقد اعتمدت هذه المحاولة على منهج بسيط، أفرز “كتل الخطابات الرسمية وغير الرسمية” حول إعادة بناء السلطة في المغرب الجديد، وأعاد توزيعها على أربعة محاور، هي في الحقيقة مداخل أساسية لمفاهيم السلطة المتعددة، تحاول إعطاء صورة تقريبية لإشكاليتها في مغرب اليوم، وتلقي الضوء على التحديات التي تواجهها في بعض جوانبها السياسية والإدارية كما سيلاحظ القارئ فإن مسألة تحديث السلطة، مسألة ممتدة عبر كل الأجهزة والمؤسسات، وهو ما يجعل تحديثها وتحديد مفاهيمها، مسألة في منتهى لتعقيد… والخطورة، وعلى أن الأمر يتجاوز قليلا العمل الصحفي/ الإعلامي، فإن هذا الملف/ الإضاءة، يحاول جهد الإمكان، توظيف الأفكار السياسية الاجتماعية والثقافية والإعلامية التي تترجم إلى حد ما، اهتمامات وتوجهات الري العام الوطني نحو هذه المسألة، ويعكس في ذات الوقت، تطلعات نخبته المهنية بالتغيير والتحديث.
وتجب الإشارة هنا إلى أن هذا الملف، ينتمي من حيث منهجه وأسلوبه، إلى صنف الملفات السابقة التي نشرتها مؤخرا عن المخدرات والرشوة والإصلاحات السياسية والفقر والانتخابات، فهو حلقة من سلسلة ملفات إعلامية اختارت منذ البداية، المساهمة في مسلسل التغيير الذي تنشده القوى الحية والمؤمنة في البلاد.
وعلى أنه لا يزيد عن كونه محاولة، فإن يطرح نفسه “كورقة إعلامية” في النقاش الدائر حول “السلطة البديلة” وما يصاحبها من شروط وتحديات، معتبرا أن خروج السلطة من واقعها المتردي، مازال يحتاج من النخبة المغربية مشاركة أكثر فعالية، بالإضافة إلى العمل والتضامن والجرأة… وليس هذا بعزيز عليها.

بقلم عبد العزيز اليخلوفي