الأحد، 8 ديسمبر 2019

محمد الفاطمي الدبلي

وَليْسَ يَفْلحُ منْ في الجَهْلِ قَدْ وَحلا

لا يَجْتَني النَّفْعَ مَنْ لمْ يُتْقِنِ العمَلا***وَلا ينالُ الهُدى منْ آثَرَ الحِــــــــيَلا

وأرجَحُ النَّاسِ عقْلاً منْ بِفِطْنَتِهِ***لا يَعْرفُ الحَيْفَ والتَّــــدْليسَ والوجَلا

تَرْقى النُّفوسُ إلى الخَيْراتِ جاِهدَةً***فَتُدْرِكُ العَصْرَ والتَّغْيـــــيرَ والأَمَلا

وَبالإِرادةِ يَجْري العزْمُ نــــحْوَ غَدٍ***فَيَمْنَحُ العَــــــــــقْلَ بِالإقْدامِ ما سَأَلا

تَصْحو الشُّعوبُ إذا ما العِلْمُ أَيْقَظَها***وَلَيْسَ يَفْلَحُ مَنْ في الجَهْلِ قَدْ وَحَلا
////
ماذا سَأكْتُبُ والأَقْلامُ تَحْتَضِرُ***وَالسَّاعَةُ اقْتَرَبَتْ والنَّاسُ تَنْتَـــــــــــظِرُ؟

نُمْسي وَنُصْبِحُ في ظَلْماءَ دامِسَةٍ***وَالكُلُّ يَعْلَمُ ما يُخْــــــــــــــفي لنا القَدَرُ

تَبْقى الشُّعوبُ إلى الحُكَّامِ خاضعَةً***تَحْني الرُّؤوسَ وَتَحْتَ القَمْعِ تُعْتَصَرُ

لا يَمْلِكُ العَزْمَ إلاَّ شَعْبُ مُجْتَــــمَعٍ***لَمّاَ يُريدُ بِصِدْقِ الجِـــــــــــدُّ يَنْتَصِرُ

وَمَنْ أَرادوا العُلى تَأْتي بِلا عَمَلٍ***أَتاهُمُ الوَهَنُ القأضي بما انْتَـــــظَـروا
////
أبْكي على وَطني والنَّاسُ تَبْتَـسِمُ***كَأَنَّ حُزْني بِرَيْبِ الفِعْلِ يَتَّــــــــــسِــمُ

هَبَّ البَغاءُ على الأَوْطانِ مُنْتَـــقِماً***مِنَ العَقــــــــيدَةِ والفُسَّاقُ ما نَدِمــوا

كَأَنَّ أُمَّتَنا في البُؤْسِ قَدْ غَرِقَتْ***فَطالها الجَهْـــــــلُ والإِمْلاقُ والسَّــــقَمُ

وَلَيْسَ يُقْبَلُ إنْ أَنْكَرْتَ مِحْنَتَنا***فَواقِعُ الحالِ بِالنُّقصانِ يَصْـــــــــــطَــدِمُ

مازلتُ أُومِنُ بالتَّغْييرِ في وَطَني***لوْلاهُ ما حَقَّقتْ أَحْلامَها الأُمَــــــــمُ
////
إشاعَةُ الظُّلْمِ في الأَوْطانِ طُغْيانُ***وَالحُكْمُ في بَلَدي حَيْفٌ وَبُهْــــــتانُ

والنَّهْبُ والزُّورُ والأَسْماءُ واحِدَةٌ***والبَغْيُ طاغٍ وَشَـــرُّ النَّاسِ أَلْوانُ

نَكادُ نُصْبِحُ كالعُبْدانِ في بَلَـــــدي***وَما لنا كشـعوبِ الأَرْضِ أَوطانُ

كالكادِحينَ على نارٍ مَعيشَتُـــــــهُمْ***وَكلُّ عَيْشٍ يُهينُ النَّاسَ خُـسْرانُ

وَلَيْسَ يَقْوى على التَّغْييرِ مُجْتَـــمَعٌ***أَعاقَ نَهْضَتَهُ جَهْلٌ وَطُغْـــــيانُ
////
قُلْ لي:بِأَيِّ جَديدٍ جِئْتَ يا عامُ؟***مازالَ في وَطَني التَّغْيـــــيرُ أَوْهامُ

بِئْسَ الشُّعوبُ أَذَلَّ الجُبْنُ نَعْرَتَهُمْ***واللَّيْلُ عَسْعَسَ والحُــــكَّامُ ظُلاَّمُ

ما أَقْبَحَ الجُبْنَ عِنْدَ النَّاسِ إنْ ظُلِموا***إنَّ الجَبانَ يِســوءِ الطَّبْعِ لَوَّامُ

وَكُلُّ شَعْبٍ سَيَجْني ما سَيَزْرَعُهُ***والعِلْمُ نُورٌ وَجَهْلُ النَّاسِ إِعْــدامُ

يَجْري الزَّمانِ وَكُلُّ الخَلْقِ يَتْبَعُهُ***وَسِــرُّ نَشْأَتِــــــنا ساعاتٌ وَأَيَّامُ
////
كَيْفَ المَآلُ إذا ما ساءَتِ الحالُ***وَهَبَّ وَيْلٌ بِضَـــرْبِ النَّارِ قَتَّالُ؟

وَقَـــدْ سَأَلْتُ لِأَنَّ الـقُدْسَ صادَرَها***أَعْداءُ رَبِّي بِـدينِ الحَـقِّ جُهَّالُ

وَكيْفَ أَسْكُتُ عَنْ تَهْويدِ حاضِرَةٍ***وَما لَها بِأَقاصـي الأرْضِ أَمْثالُ؟

أَنالَها الشَّرَفَ الأَعْلى مُعَــــلِّمُنا***مُحَمَّدُ المُنْذِرُ المُــــخْتارُ مِفْضال

لِذلكَ القُدْسُ لَنْ نَرْضاهُ عاصِمَةً***لِلْمُعْتَدينَ وَجُـــبْنُ الــــنَّاسِ إِذْلالُ

محمد الفاطمي الدبلي

محمد خصيف

شهادة اختطاف


 ياللمفاجأة.
هذه لوحتي! عشيقتي!
نزعت مني نزعا. اختطفت مني قسرا. افتقدتها منذ أزيد من عشرين سنة ولم تترك لي حتى فرصة استنشاق زيت حلتها الكتاني ولا أمتع بصري بألوانها البهية. إحساس انتابني فجأة، وغمرني كشعور خشن سرى يدغدغ أطرافي، حينما رأيت لوحتي القرنفلية معلقة تستنشق غبار الدكان النتئ، اقتربت منها لأتاكد من هويتها، وإذا هي فعلا تحمل بطاقة تربط نسبها بنسبي، وتلميعها يعكس صورتي. اكتشفت أن كتانها يلف ذاتي، وآثار أناملي مازالت حاضرة تتراقص على صفحتها البنية. التفتتُ نحو صاحب الدكان وسألته:
-كم ثمن هذه اللوحة؟
-إنها، قديمة، لفنان مات منذ زمان.
-أريد شراءها. كم تبيعها؟
وقبل أن يصلني رده، ترامت إلى مسامعي خشخشة تنم عن حركة، فالتفت وإذا بي أرى لوحتي تنفض غبارها وتحدق في بعينين مغرورتين، اختلط دمعهما بلون الصباغة القرنفلية، وفاحت منهما رائحة ال vernis .خاطبتني بنبرة قوية:
-لست للبيع.
-إنك عشيقتي. ألاتتذكرينني؟ فقدتك من زمان، وطال بحثي عنك. لم أعثر لك على أثر. ضعت مني، ولم أدر كيف. إني مازلت أحبك. أحبك.
-إنك تعرف كيف أضعتني.
-تركتك في أمان. في قاعة نادرة قل نظيرها، يرعاك شخص مومن، أمنته عليك أنت وأختك زريقة.
-ذاك الذي أمنته علينا، كان  إنسانا طيبا، سهر على رعاياتنا، لكنه خُدع. وقع ضحية مكر وخداع من شخص يدعى الجرائدي، ضياء الدين الجرائدي. إنك تعرفه.
-ماذا حصل؟ احك لي. 
-ذات مساء كنا متحلقتين حول مؤتمننا يحكي لنا نوادره وطرائفه حول الفن والفنانين، فولج علينا  الجرائدي ليخبر مؤتمننا الذي أمنته علينا أنك كلفته ببيعي أنا وأختي.
-كذب! أنا لم أكلف أحد!
-وثق منه صاحب القاعة بعدما فك خيوط الشك والريبة التي باتت تحاك حول رأسه، فسلمنا إليه.
-وبعد؟
-أخذنا ضياء الدين وطاف بنا على مجموعة من معارفه، لكن لاأحد منهم اشترانا. كان يطلب ثمنا عاليا. تركنا في بيته لمدة، وكلما زاره أحد السكارى المعروفين لديه، تجده يقدمنا إليه. لكن حيله لم تنفع وبقينا مصلوبتين بصالونه لمدة فاقت السنتين.
-ثم؟
-ولما ضاق ذرعا منا، جاء بنا إلى هنا، وباعنا.
-بكم؟
-لايهم بكم بيع يوسف. مايهم هو من هو يوسف.
-بكم باعكما؟
-بدراهم معدودة وكان فينا من الزاهدين، لأنه كان عازم على السفر إلى الخارج.
تذكرت ما حدث. وماروته لي عشيقتي أرجع ذاكرتي إلى المثلث الأحمر الذي كنا نجتمع حوله نحتسي القهوة ونأكل الكعكة ونتبادل الأحاديث حول الفن وأهله ومشايخه
ومريديه. تذكرت الجرائدي ونصه الإيزوتيريكي الذي كتبه لنا نحن مجموعة الأربعة. تذكرته وهو يلح علي كي أدفع له ألف درهم مقابل سطوره الفارغة إلا من كلمات جافة كالقلم الذي كتبت به. كلمات لامعنى لها. استغنيت عن النص لأنني لو نشرته لتكثفت سحابة التعتيم وأبعدتنا عوض أن تقربنا من جمهورنا وعشاق فننا. كنت أعلم بداهة أن الجرائدي سيصفف كلماته مستنجدا ببصيص نور الهينيكين. فهو من أولئك الذين لاتحلو لهم الكتابة عن الفن إلا إذا تجرعوا عصارة الشعير واستظلوا بنور الهينيكين. وبما أنني لم أقدم له شيئا بداية، فطبيعي أن النور سيكون باهتا   ونصه غير مقروء.
لم ألب طلبه لأنني لم أستغل النص لنشره، ولم يتحقق تنظيم ذاك المعرض أصلا.
رفعت رأسي أحدق في وجه لوحتي الشاحب المطلي بغبار الحانوت، وشريط الأحداث مافتئ يتواتر لينير ذاكرتي.
خاطبتني عشيقتي في تحسر:
-رأيت ماذا فعلت بنا، أبدلتنا بنص مكتوب. حنا رخاص عندك حتا لهاد الدرجة؟!
هي تتكلم وأنا أحس بأوتار عنقي ترتخي لدرجة أن رأسي زاغ عن كتفي وشعرت بدوخة تلفني وأنوار تتراقص أمام عيناي. لم تعد رجلايا قادرة على تحملي.
عدت إلى صاحب الدكان فوجدته متكئا يرشف شايه الساخن، وهو في غياب تام عن دراما عشيقتي، غير مكثرت لمأساتنا. وبعد هنيهة،  رفع رأسه ينظر إلي كأنه يراني لأول مرة، ثم بادرني قائلا:
-أراك قد أطلت التأمل في اللوحة. هل أعجبتك؟
قبل أن أجيبه أحسست وكأن فؤادي يرد عليه: أودي غير سكوت راك ما عارف والو.
-نعم أعجبتني، وسآخذها منك.
تحركت اللوحة فجأة و بقوة تحررت من مسمارها العشري وصرخت في وجهي وقد تغير لونها:
-أخرج، لن أذهب معك. ألم تسمع ما أخبرك به من قبل، لقد مات عشيقي. مات. مات. مات.
 ثم أجهشت بالبكاء.
كانت حشرجة صوتها تكلمني وقد هممت بالرحيل وفرائصي ترتعش فوق عتبة الباب:
-لن أذهب معك، هنا مقبرتي. المسمار دق فوق نعشي، وآل مصيري إلى الجوطية. أخرج. أنت مازلت فنان ... وأنا لن أكون تحفة.










محمد خصيف

محمد حسينو

شامنا يا أم العز 

يا شام يا أم العز وتاج الغار
لا تخافي مهما الزمن غدر وجار
يا شام إنتي في العين ولو الدمع جار
يا شام فيك الدم في المغارة فار
وفي بصرى وقف فيك سيد الأبرار
والراهب بحيرة كشف سر الأسرار
وإليك يا شام بأمر ربه سار
كنت سورية ولبنان وفلسطين والاردن والعراق بالجوار
لكنهم بأمر سيد صهيون وضعوا بينكم الأسوار
يا شام لا تخافي من الروم والسلجوق والأميركان الأشرار
فيك العلم والنخوة ورأس مدينة العلم والأسرار
كفى هدما للعقل والبنيان وهدر الدم والعار
تعالوا وابنوا مهد البشرية والأبجدية أحرار
فالموت في دفن الرأس في الرمال ووراء الأسوار
الأخوة الأعداء صرنا... فما أحلى الحوار
هو بلسم للجراح  وشفاء للوباء من الجوار
لكن إخوتي ان الكي اخر علاج للعناد الجبار


بقلم* محمد حسينو * سورية*

احمد علي صدقي

قصة قصيرة
لكل ضيف إكرامه
تخاصم مع زوجته حول تأثيث جديد للبيت و وشراءها سيارة رباعية الدفع كما فعل صديقه مع زوجته.. استخفها وما استجاب لرغبتها المجحفة.. انتهت المشكلة بأن وضعته أمام أمرين، كلاهما مر: إما تجديد التأثيث وشراء السيارة وإما الطلاق..
كانا يدرسان بنفس المدرسة. وتعلق بها وتعلقت به فكانت ثمرة لقاءاتهما زواجا أنبت نباتا حسنا ما استطاعت اي شائبة ان تمنعه عن النمو حتى الاثمار.. لكن كل نبات اذا لم يعتن به يكون مصيره التلف..
في عملها كممرضة، تصاحبت مع إحدى العاملات معها، من بنات الأغنياء، فأصبحت هي الواعظة الناصحة لها في كل شيء حتى في أمور الحب وفلسفة الحياة..
في صباح يوم خصومتهما. نظر اليها شزرا ونظرت اليه نظرة قصدت فؤاده بسهمها. كانت سهام حبه لها تنغرس في صدره فيحس بها بردا وسلاما على قلبه أَمَّا اليوم فقد أحس بقساوة هذا السهم وأحس بجرح بليغ يخافه أن لا يندمل.. لم يكلمها وما كلمته.. ولكن تكلمت الأعين ودل ضعف بريقها على حزن ما ألفته.. خرج الرجل غاضبا بدون إفطار .. وهي تنظر اليه همهمت شيئا في داخلها لم يفهمه، فقال لها: ارجعي لرشدك يا حبيبة قلبي. فهل تُهْتِ أم أرادوا انحرافك؟ ثم أخذ دراجته الهوائية وذهب لعمله.
في العاشرة صباحا رن هاتفه فإذا بمكتب عدول يستدعيه للحضور.. خَمَّنَ حينها مضمون ما همهمته الزوجة صباحا وعرف أن الأمر أكبر مما تخيله.. طلب الإذن من رئيسه في العمل ومضى حيث ينتظره أكبر لغز قظ مضجعه البارحة وها هو الآن يقطع عليه مواصلة عمله.. 
سأله العدول عن سبب الخصام الذي أوصلهما للطلاق.. قال: هو تكلفي بشيء لا أستطيعه.. جادلته زوجته أمام العدول.. استسلم وساير الأمر حتى لا يذاع خصامهما بين الناس.. فَهِم العدول موقف الرجل وفَهِم مِنْ تبجح المرأة أن طلبها مجحف حقا.. طلب قد يضع أمام الزوج عقبة كؤود يصعب عليه صعودها، وهو في بداية مسيرته.. سعى العدول جاهدا أن يذلل تلك العقبة لهما بصلح جميل، لكن المرأة كانت متشبثة بشروطها.. افهمها الرجل أن في حالة عدم استجابة زوجها لطلبها وتطلقت، فالطلاق تدمير لأسرتها وإن لم يعاكسها واستجاب لرغبتها فالوقوع في براثن بنك بأخذ قرض مالي هو ايضا تدمير لهذه الأسرة الطرية التي هي في بداية مشوارها.. فاكثر العائلات ارهقت كاهلها بثقل ديون لا تستطيع تسديدها فعاشت بقية حياتها مربوطة بصخرة تعاسة خنقتها حتى الموت.. لم يبخل العدول بجهد بل استمر في محاورتها بكل مفاهيمه حتى اقناعها بالصلح. تراوغت كثيرا لكن اقتنعت في الأخير أن الصلح خير.. تقبلت كلام العدول.. تصافحوا.. شَكَرَا العدول على عمله.. خرجا متجهين كل نحو وجهة عمله..
 والرجل في طريقه، فكر في الأمر مليا وتساءل كيف تحدث خصومة بينه وبين زوجته بهذه الحدة، وقد كان وإياها في وئام لا تشوبه شائبة.. فهي من كانت تقول له: أنا الراضية فلا أسخط أبدا، وأنا البشوشة فلا أقلق أبدا.. تقول له: أنت خلقت لتنعم بي وأنا خلقت لأنعم بك.. فكيف بهذا التغيير المفاجئ؟ خمن كثيرا ثم استنتج  أن السبب قطعا هو في معاشرة تلك الصديقة التي ما حبذ هو يوما صداقتها رغم انه صديق وفي لزوجها.. كان يعرف جيدا أن معاشرة اساسها الثرثرة، والغرور وكثرة الاموال وسيارة  رباعية الدفع و ملابس من شركات ذات صيت عالمي هو نهر جارف لا بد ان يجرف معه زوجته. وهذا ما وقع.. امرأة مدللة .. تفاخر بلا حدود أمام من أراد ومن كره.. امرأة دللها زوجها و استجاب لكل رغباتها وهو نفسه المدلل من أب مستشار يكدس الاموال في الابناك فلا يعرف مصدرها ولا كم هي في ارصدته البنكية..  تصاحبت امرأته مع هذه المرأة، بموجب عملهما والسكن بنفس الحي.. غدت تمر عليها كل صباح، بسيارتها، لتحملها معها الى العمل.. عرف انه لن يكون سبب هذا الشقاء إلا منها.. فهي التي قد تكون نفخت في روعها ودفعتها لطلب هذا الطلب الذي لا قدرة لنا للتصدي لِمِحَنِه..
 رجع مساء من عمله، وجدها  كئيبة.. منكمشة على نفسها تجثم على صدرها صخرة تعاسة لم تستطع تحمل ثقلها.. حاورها في الموضوع.. توصلا لتراض بينهما.. تناست قلوبهما، التي كانت قد تعودت على الحب منذ زمان، هَمَّ ما وقع.. مرت بخاطره فكرة ظنها ناجعة لنسيان ما وقع.. ناقش معها فكرة استدعاء صديقتها وزوجها للعشاء.. دعوة كان هدفه منها تخفيف حزن زوجته من جراء ما وقع، ثم لحاجة ملحة في نفسه يريد قضاءها.. أخبرها بأنه فكر في وجبة عشاء شهية تجمعهما مع الضيفين للدردشة سعيا للترفيه.. فرحت بالمقترح.. حبذت الأمر، واعتبرته ردة فعل إيجابية تشكر بها صديقتها التي تنقلها كل يوم الى عملها ويزيد اللقاء من توطيد العلاقة معها.. علاقة ما حبذها زوجها بموجب ما وقع و يسعى جاهدا لقطعها.. 
في الصباح تركها تهيء المنزل و تَتَهَيَّأَ لإحضار العشاء.. خرج ليأتيها بملتزمات التحضير.. مر بالبنك.. أخذ كل ما كان يختزنه بالرصيد.. كان رصيده  قليل من المال اقتلعه من قوت يومهما لشراء دراجة نارية هو في حاجة اليها للذهاب لعمله.. برصيده الآن في جيبه، انطلق نحو بائع للذهب.. تفقد ما عنده من أجمل الحلي.. اقتنى عقدا وخاتما ثم أدى ثمنهما وخرج.. مر بصديقه بائع الزهور.. طلب منه ان يحَضِّر له أجمل باقة ورود مما عنده وسلم له العلبة التي بها العقد بعد أن كتب بطاقة وضعها بداخلها وكتب أخرى، طلب من البائع ان يضعا بباقة الورود.. ثم أوصاه أن يرسل الكل الى المنزل في الثامنة مساء.. أخبره أن لا يسلم هذه الأشياء إلا لصاحبة المنزل وأن لا يخبرها بالمُرْسِل.. اشترى الخضر والفواكه وقصد المنزل.. وضع ما أحضره بالمطبخ.. وجد زوجته منهمكة في تدبير شؤون البيت.. غارقة وسط أليات بيت الضيافة(الصالون) ترتبها.. أعانها في ما استطاعه.. عندما انتهيا من تهيئ البيت، تناولا  غداءهما مع الأولاد.. بعده مباشرة انهمكت الزوجة في تحضير طعام العشاء للضيوف.. نادته لمساعدتها.. لبى رغبتها.. كان بقربها كممرض مع طبيبة.. يناولها من المعدات ما دعته لتناوله.. بين الرفوف والثلاجة كان رائحا راجعا تغمره فرحة لم تضارعها فرحة من قبل.. فرحة مصالحة زوجته وفرحة ما دبره لها كمفاجأة.. فتحت رائحة الطعام شهيته حاول كبحها لكن زغردة بطنه كانت تفضح ما كان يخفيه. فكلما اقترب الطعام من نضجه وفاحت رائحة لذته، تفتحت شهيته وزغرد بطنه أكثر.. أخذ يقضم من هذا الفاكهة وتلك وهذه الحلوى وتلك ويتناول بأصبعه شيئا من هذه الآنية وشيئا من تلك.. ازعج الطباخة بتصرفه فأقالته من عمله.. استمر بها العمل حتى قربت السابعة مساء.. قالت له حينها وهي مبتسمة والإنهاك باد على محياها: بما أن صديقك سيأتي بزوجته، يجب علي أن أهيئ نفسي لأن أكون في أبهى يومي. قال لها: أريدك ان تكوني أجمل من صديقتك. فأنا أعرفها، فهي تتزين بلا مناسبات فكيف بها وهي في زيارتك. فأنت اليوم بيت قصيدها لتريك أبهى ما عندها.. لا محالة فستكون في أبهى يومها، لتفخر عليك بما لديها من ملذات الحياة.. تبسمت ودخلت بيت النوم وأقفلت الباب.. بعد ساعة من الوقت قضتها في الاعتناء بهندامها، خرجت وهي كالقمر في ليلة البدر. ثم قالت:
- أظن ساعة الضيوف قد اقتربت.  قال لها:
- اقتربت الساعة وبزغ القمر.
رمقته بعينين كحلاوين وأهدته من ثغرها ابتسامة زادت نور وجهها بريقا. نظر إليها رأى وجهه في عينيها.. فاضت عيناه دموع فرح وقد استرجع حبيبة كان ريح الاستخفاف قد عصف بها.. نظرت اليه رأت وجهها في عينيه.. فاضت عيناها دموعا من الفرح وقد رأت فيه زوجا صابرا على كل هفواتها.. عانقها وعانقته.. اقتسما البهجة بضحكة طفلين انبعثت من قلبيهما وقطرات دموع الفرح تتدحرج على خديهما.. ذهبت الى المطبخ لإحضار ما لذ مما طبخت وذهب هو يهيئ الطفلين للحفل.. رن جرس الباب.. خرج.. كان بالباب، من أحضر الهدايا.. ناداها لتستلمها فهي باسمها.. تسلمتها.. أخذ  الظرفين المصاحبين للهديتين ليطلع على ما هو مكتوب بمها.. فتح الذي بالباقة وقرأ: هذه هدية لك ممن يحبك وممن لا يستطيع الاستغناء عنك.. الامضاء: حبيبك العزيز.. عبس وجهه واندهشت هي مما قرأ ومن كتبه.. فتح العلبة واخرج منها ما بها.. انبهرت المرأة بالعقد الثمين الذي اخرجه منها ، ثم فتح الظرف و قرأ: هذا عقد من ذهب ولكن عندي ثمنه بخيس بالنسبة لمعدن أنت منه ايتها الطيبة.. الامضاء: حبيبك الذي لن ينساك.. تقمص وجها عبوسا وسألها: من يكون هذا الحبيب؟ هل لك حبيب غيري يا امرأة؟ قالت: لا. لكن أظن أن صديقك هو من كتب هذا.. نادى ابناءه.. وضعهما قرب أمهما ثم أخذ هاتفه وانضم اليهم وأخذ سيلفي مع الطفلين والأم وبيدها باقة الورود.. أخذ علبة الهدية.. أخرج منها العقد.. علقه في رقبة الزوجة.. أخذ لهم سيلفي آخر، والمرأة منبهرة لا تعرف ما حل بها.. سألها ألا زلت لم تعرفي من أرسل اليك الهديتين؟ أجابت: والله لقد التبست علي الامور فما عدت أعرف رأسي من قدمي.. طبطب على كتفها ثم أمرها بإحضار وجبة العشاء.. قالت له: ألا ننتظر قدوم الضيوف؟.. قال لها: ألا زلت لم تتعرفي على من هو ضيفك العزيز؟ قالت: لا.. قال: إنه حبيبك الذي تعرفينه جيدا.. إنه حبيبك الذي لن ينساك أبدا.. إنه الرجل الذي كنت له امرأة انجبت له هاذين الطفلين الغاليين.. فهل يمكن أن يكون في الوجود ضيوفا أحسن منك أنت والاولاد.. لا زالت لم تستوعب الأمر فقالت كيف؟ أخرج الخاتم الذي كان بجيبه ثم تناول أصبعها ووضعه فيه. فقالت:
-ولم كل هذا؟ قال:
- قال لها: أنا ضيفك اليوم، وانت ضيفتي، وهذه الهدايا لك، زوجتي.. هدايا أريد بها أن أقيد حبنا الذي كدنا نضحي به رغبة في اشباع تفاهات الحياة.. حب كاد يموت بكيد الكائدين.. فهمت ما يعنيه وضحكت وقالت: من اليوم التاكسي عندي افضل من سيارة رباعية الدفع لامرأة تحرضني على خصومة زوجي.. ضحكت المراة وضحك الرجل وضحك الطفلين.. نظر اليها وهي تبكي من الفرح وقطرات الدموع تتساقط من عينيها وقد اختلطت بالكحل فرسمت خطوطا على خدها كوشم على خد هندية من هنود السيو.. دموع تساقطت على عقدها فوق الصدر فزاد بريقه.. كان ينظر اليها ويمعن النظر كأنه يراها بهذا الجمال لأول مرة.. ظهر له لأول مرة ما تتحلى به من أساور تزين معصمها.. ومن  خواتم تلمع في اصابعها.. زادتها فتحة قفطانها المغربي الجميل رونقا و قد أظهر بداية صدرها المعلق عليها ذلك العقد الذهبي الانيق.. رأى الشعر الناعم الذي تدلى فوق جبينها. رأى وجهه في وجهها فبكى على اشتغاله عن هذا الجمال بإكراهات العمل ثم ضحك.. تعانقوا، زوجة، وزوج، وطفلين بريئين.. تعانقوا جميعا عناقا وطد سعادة رافقتهم طيلة حياتهم.. كانت ذكرى هذه الليلة وثاقا غليظا أمضوه لكي لا ينكتوه أبدا...

كتبها احمد علي صدقي 
بالبيضاء يوم 02/12/2019.

محمد خصيف

تأبط فنانا 




وانا ارسم وازوق واقطع صورا فوتوغرافية التقطتها من قصاقات المجلات الاسبوعية، التي اجدها تساعدني فيما انا عازم عليه من رسائل انوي ايصالها الى ذلك الاخر القابع  ليل نهار على عتبة باب الرواح، حتى تزكمت خياشيم انفه وتشربت برياح الشرگي الباردة، الاتية عبر جبل الطر. وانا اركب ما الهمتنيه قريحتي، لم افتر على تخيل الصدى الذي سيكون منتصبا بباب المعرض يحتفي بتحفي. 
كتبت طلب معرضي ووضعته رهن اشارة الادارة موثقا بحكاية سيرتي مثبتة بصور. اتاني هاتف بريدي يخبرني اني مقبول للعرض بباب الرواح. سررت بالخبر وطرت فرحا وعمتني نشوة سرت في عروقي هزت نبضات فؤادي هزا. فتقوى حماسي وتحرك جيبي في سخاء ليعطف علي وانا امام l'encadreur اتامل ما غدت عليه لوحاتي/عشيقاتي التي اقترب زمن زفافها. وانا اتامل فستانها الزجاجي اراني اتصفح صور خطابها. من ياترى سيكون له شرف اخذها مني، انا العارضها برواق باب الرواح؟  
جاء يوم المعرض، يوم الزفاف. حضر الحاضرون وغاب الغائبون. وحضر الازواج مستترين، يتحينون فرصة التنحي والتخلي. 
التخلي على المخطوبات. 
اتى الى اذني صوت احدهم وهو يهمس لرفيقه: 
-سانتظر نهاية الحفل/المعرض لشراء ما اريده. 
رد عليه زميله:
-هناك اشياء لاباس بها، تعجبني اللوحات الصغيرة. 
تقدم مني احد الاصدقاء وهنأني على معرضي، ثم قال بصوت خافت وهو يومئ براسه مشيرا بحركة من عينيه نحو شخص واقف يتأمل احدى اللوحات:
-شفتي هذاك خينا تماك راه galeriste كيشري اللوحات. 
اعجبتني ملاحظة صديقي وتمنيت لو اقترب مني ذاك الشخص العريض الانيق، لم تكن لدي الجرأة للتقدم اليه لاحييه، فقد خانتني الكلمات والتوى لساني داخل فمي وارتخت مفاصل ركبتي فبقيت متسمرا في مكاني ارمقه وهو يتنقل من لوحة الى اخرى وبيده اللائحة. تمنيت لو تقدم هو نحوي وبادرني بالحديث، لكنه كان في شغل عني، ما يهمه الان عشيقاتي المصلوبات علي الجدران الموحدية. 
مرت ساعة على انطلاق الحفل وغصت القاعة بالمدعويين والزوار، طافوا باروقة المعرض واكلوا وشربوا ومنهم من اسرفوا، ثم شرعت الخطوات تحبو نحو عتبة القاعة الموحدية. بقيت انظر وانتظر وبيدي نسخة من اللائحة وفي جيبي وريقة بها النقيطات الحمراء اليابسة التي تنتظر سيلان دمعها الدموي حينما تتجهز احدى لوحاتي للرحيل. انتظرت وطال انتظاري. وفجأة رمقت السيد العريض الانيق ذي الارداف الثقيلةيملأ احدى الاركان وبيده لائحتي. ايقنت مع نفسي ان الخلاص آت. انه خلاصي. 
استجمعت انفاسي وتقدمت منه. حياني مصافحا وهويردد: جميل. جميل. اعمال جميلة واصيلة. انها تختلف عما سبق. ولها نكهة التزامية. Bravo.
شكرته بكلمة واحدة ولزمت الصمت. 
- وضع ذراعه على كتفي كانه يعرفني منذ عقود. كاني صديقه وجرفني معه حيث اللوحات الصغيرة. بادرني بالحديث:
- اعجبتني هذه اللوحات الصغيرة التي بها collage، ستتركها لي. سآخذها كلها. لاتبعها. هل معك نقطا حمراء؟  ضعها عليها الان. 
- نعم معي. 
ادخلت يدي في جيبي وهي ترتعش خوفا وطمعا. اخرجت الوريقة التي بها النقط الحمراء، وبسرعة اختطفها من بين اصابعي وخطا نحو اللوحة يسم اسفلها احمرارا، شعرت برعشة تسري في عروقي وانا اقتفي خطوات الرجل، الgaleri ste والارقام تتوالى على ذهني بدون توقف. واي ارقام؟! شد الرجل ذو الارداف على يدي مصافحا وخاطبني قائلا:
-Au revoir, ساعود. 
غادر القاعة واردافه تتمايل يمينا ويسارا. بقيت واقفا ملفوفا بحيرتي وتساؤلات كثيرة تغوص بذهني: لماذا فعل هذا؟ ايحسب نفسه صاحب المعرض؟ اازيل النقط الحمراء؟ ااطلب منه شيكا اضمن به مبيعاتي؟ ماذا ساقول لزوجي، بعت؟ واين الاثبات؟ لم ابع شيئا؟ واخا فباب الرواح؟ انتبهت من غفلتي حين رجع الدم الى عروقي واستيقظت اعصابي من سباتها، واحسست بيد سي جيلالي، حارس القاعة يتبط على كتفي وهو يردد:
-سي محمد، ايه...سي محمد، ساغلق القاعة. 
التفتت اليه وحركة رأسي تقول له: نعم اغلق وارحنا. 
مرت علي الخمسة عشر يوما وانا في حيرة من نفسي، ومن سوء الحظ لم تتوافد اعين المشترين والمهتمين الا على تلك اللويحات الزجاجية المحمرة الشفاه. ولا احد يهتم بغيرها. حضرني المثل الشعبي: ما بان ليك غي في لمزوجة. كنت كلما دخلت القاعة اترك جهة العشيقات المخطوبات واطوف بالاركان الاخرى عساي اصطدم باحدى الباقيات وقد احمرت وجنتيها. لكني اجد الجميع صائمات عن الكلام، يتتبعنني باعين دامعات. 
جاء اليوم الاخير. يوم جمع المحصول. وبينما  احزم لوحاتي واذا بالشبح العريض ذي الارداف يرتسم ظله بجانبي. رفعت راسي اليه فوجدت عيناه الضيقتين، ترمياني بنظرات ملؤها التاسف والشفقة. كشف عن ابتسامة خبيثة وانحنى علي هامسا: فين اللوحات، ياك ما بعتيها؟ 
اشرت اليها وهي متكأة على بعضها، مسندة الى الجدار الحجري. 
احسست بذراعة الثقيله المشحمة تخر على كتفي كانها صخرة موحدية هوت علي من عل. سحبني من مكاني، من وسط عشيقاتي المتراميات على الارض وهن ينظرن الي وانا مجرور تحت تيار الذراع المشحمة. بادرني قائلا:
-سآخذ منك تلك اللوحات كلها، لكن بدون اطار. لقد عودت زبائني على نوع اخر من الاطارات حتى اصبحت ميزة خاصة برواقي. وستكون هذه اول لبنة نضعها لمشروعنا. ما سترسمه من الان ساخذه منك، لاتقلق. ولاتبع لغيري. سيكون بيننا عقد موثق. 
وهو يتكلم، لم اعد احس بثقله الذي بات يضغط على جسدي المنهوك. اصبحت كتفه كريشة حمامة احملها فوق راسي. سرنا وسرنا نطوف بارجاء القاعة الموحدية وكاننا نزورها لاول مرة. 
تابع يسرد علي قوانين لعبته الماكرة:
-سنتفق على المواضيع التي ستتناولها في لوحاتك مستقبلا، لان هذه المعروضة حاليا لاتعجبني، فيها شوية سياسة. ههههه. ونحن نتعامل مع الفن، اشبغينا شي سياسة. ههههه. سنتفق على المقاسات، نبدأ بمقاسات كهذه، صغيرة ثم ننتقل الى مقاسات اكبر. واخا؟ OK?  
- نعم،  كما ترى. 
وهو يتأبطني كمحفظة مدرسية، وانا مطأطئ الرأس اتلقى نبرات صوته الانثوي تنقر صفيحة مخي:
-بالنسبة للثمن، ساعطيك مئتا درهم عن كل لوحة. انها صغيرة وبدون اطار،، وانت مبتدئ، غير معروف، وانوي انشاء الله تشجيعك، و من حظك انك تتعامل مع گليريه مشهورة، واعمالك ستعرض بالخارج، فرنسا وباريس وبلجيكا واسبانيا ومدريد وحتى نيويورك. وستطبع على كتالوجات ومجلات وووو. كم عدد تلك اللوحات الموجودة الان؟ 
-عشرة. 
- اذا ساعطيك الف درهم، وبعد اسبوع مر علي بالقاعة اعطيك الباقي، ولكن جيب معاك شي حويجة، عنداك تجيني خاوي.

احمد علي صدقي

رقصة الحياة.
كم هي قصيرة الحياة حينما نزور مقبرة لنتعظ ونقرأ على شاهد قبر أن فلانا ازداد سنة كذا... ومات سنة كذا... نستخلص من هاذين التاريخين أن مدة الحياة تساوي مدة نطق ذلك "الواو" الذي بينهما..  ولكن كم هي طويلة المسيرة خلال اعوامها.. حين ننظر الى وراءنا ونتقصى من أين بدأنا والى أين انتهينا، نعجز عن عد الساعات التي ااستثمرناها في مشاريع التعب والجري وراء السراب.. في البحث عن قطمير سعادة تحت ركام من التعاسة وعن نور أمل نراه في الافق.. نتقدم اليه وهو عنا يبتعد.. 
نبدأ الحياة ببكاءنا على مغادرة مكان دافئ حملنا تسعة اشهر.. اسكننا مجانا.. وأطعمنا خير الطعام.. نبكي على وداع فضاء ألفناه، يقدفنا لفضاء شقاءٍ، يصعب علينا استكشاف كنهه و خوض العيش فيه.. فضاء نبدأ مسيرتنا فيه بالاتكال على قوة غيرنا. ولن يعيرها ايانا بسهولة بل يبخل بها علينا في كثرة الأحيان.. نستغريه بضحكاتنا البريئة.. ليحبنا ونستهويه ببراءتنا ليتعود على حبنا.. و قد يتحول مرات الى عاشق يفنى حبه في حبنا.. ثم نكبر شيئا ما، فنثور.. نطالب باستقلالنا عن كل الآخرين.. نزحف، وبلا كلل نسير.. نسقط.. نُجْرَحْ.. نبكي.. عازمين على التحرك من مكاننا.. سنة الله في الارض.. فمن لا يتحرك يموت.. ثم نمشي على أربع.. ثم نحاول الوقوف كما هم واقفون الآخرون.. وضعهم يغرينا ونحن اقزام وهم أمامنا بطول الجبال.. نحاول الوقوف ونتشبت بموقفنا.. الوقوف هدفنا و المشي أملنا.. ثم نقف على اثنين.. ونجري.. ونكتشف.. ونسقط.. ونجرح.. ونبكي.. و نُتَهْتِهْ.. وكالببغاء نحاول تقليد كل شيء.. نردد صدى من تكلم.. نحاول النطق بما نطق به الآخرون.. تستهوينا غرابة ولحن ما سمعناهم يقولون أنه اللغة او الكلام.. نتحمل لنصل أَشُدَّنا.. ثم نفتخر بقيمتنا.. بشخصنا.. بذكاءنا.. بنجاحاتنا..  بإنجازاتنا.. ثم نبهت في أعين الزمان ونرى انفسنا وقد فقدنا قوتنا وذبل كل شيء في أعيننا كما ذبلت قوتنا كثلج في شمس ساخنة، فماه..  فيستولي علينا ضعفنا ويرغمنا على الاستسلام لعكاز نتحايل على انفسنا بزخرفته.. نتكئ عليه.. على ثلاثة ارجل امسينا نتحرك قبل أن نزحف ثانية من جديد.. ثم نطالب بالإعانة.. ويكون الختام ببكاء الآخرين علينا، و حث التراب على وجوهنا.. يسلموننا لبيت مظلم لا يتركون فيه معنا سوى وحشة قاسية هي الصديقة احببناها ام كرهناه..
اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثارنا على من عادانا وانصرنا على من عدانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا ارحم الراحمين يا رب العالمين.. آمييين...

احمد علي صدقي من المغرب

بقلم جمال حلمي

دعن أدون 
الشعر والزمة
 لعله يرضي أمانيها
........................................................

وأنسج من الحروف
أعذبها كي أثمل 
قلبها وأرويها..... 
.......................................................

دعن  أبدع في
وصفها 
عسى يرضيها ويثنيها ..
.......................................................

وتأتين طوعا لاكرها 
وبالأحضان 
تبادلني كما كنا 
منذ وقت قليلَ
.......................................................

أيتها الحسناء 
أرتسم  الحسن 
فوق وجهك 
وعينيك البدر 
سكن نواصيها ....
........................................................

فائقة الجمال انت 
القمر تتبع 
خطاك  
والنجم  يحرسك 
من الأرض ومافيها ...
........................................................

دعن  أحظى بالذي 
أرضاه منها 
فهي كما النيل  
أحتثي أعذبة كي
اشفي النفس سقماها .
........................................................

يالني ما عاد في العمر  
الكثير  ........
الآخرة  فينا تنادينا 
.......................................................

وأستبد  العمر أعمارنا 
وماعاد باليد  حيلة 
.......................................................

دعن   أخاطب  الزمان 
  ( أيها الزمان ) 
( صادفني ) والفؤاد 
 كسرا فمن ذا الذي يجبرة ؟
وماهي   .........  الوسيلة  ؟

.......................................................
( دعن أدون الشعر ) 
.......................................................
بقلم جمال حلمي
.......................................................