الجمعة، 27 سبتمبر 2019

من اختيار حسان الامين

المتهم بريء حتى تثبت إدانته
تزوج شاب بحبيبته ولم ينجبا أطفالا فقررا أن يربيا كلبا فاشترو كلبا صغيرا وبدأوا يعاملوه كأنه طفل وكلما كبر الكلب عاملوه
 بكل حب واحترام وبعد خمس سنوات أنجبت الأم طفلاً ففرحوا به فرحا شديداً وبطبيعة الحال قل اهتمامهم بالكلب لدرجة أنهم أحسو أن الكلب يغار من الطفل وبدأ الطفل يكبر وفي أحد الأيام قرر الآبوين أن يتركا الطفل ينام في غرفته لوحده حتى يتعلم الاعتماد على نفسه وذهبو لينامو في غرفتهم وفي منتصف الليل سمعو صوت الطفل يصرخ والكلب ينبح فذهبو مسرعين ليعرفو سبب صراخ الطفل . فرأي الأب رقبة طفله تسيل منها الدماء وقد فارق الحياة وتغطي الدماء فم واسنان الكلب فأسرع الأب إلي المطبخ وأخذ أكبر سكينة وطعن الكلب عدة طعنات والكلب صامت لم يحاول الدفاع عن نفسه لأن من صفاته الوفاء حتى الموت وبعد وفاة الكلب وجدت الأم بقايا أفعي علي السرير بالقرب من رقبة الطفل وتأكد الأب أن سبب وفاة الطفل هو لدغة الأفعى وإن الكلب آكل رأس الأفعى دفاعاً عن ابنه . صرخ الأب صرخة هزت أرجاء المنزل لأنه قتل أوفي صديق له ..... لا تتسرع بالحكم على الآخرين فالمتهم بريء
حتى تثبت إدانته .!!!!

بقلم حسن عبد الله

وتسألوني من أنا؟!
أما يكفيكُمُ علماً .. ويكفيني أنا شرفاً
أنا ابنُ أمي وكفى؟!

أنا ابنُ من في قبرِها
والنورُ منها في فؤادي ما انطفى
أنا ابنُ من في كلِّ أرضٍ
وأينما ولَّيتُ وجهي
سمعتُ نبضَ فؤادِها بحروفِ اسمي هاتفا

أنا ابنُ من إنْ تسألوا عن وصفِها
فلتعلموا ..
أوصافُ أمي كلُّ وصفٍ مصطفى
أمي حصادُ الخير مُذْ خلقَ الله البريةَ
توأمٌ هيَ والربيعُ
فلا جَفتْ أمي الربيعَ .. ولا الربيعُ فؤادَ أمي قد جفا

أنا ابن من كانت تُقبِّلُ وَجنَتي
أفلا ترونَ بوَجنَتي ماكانَ في وجناتِ أمي من صفا؟!

أنا ابنُ من كانت تُطبطبُ فوقَ كَتِفي
قبلَ صحوةِ شمسِنا
فإذا صحوتُ ..
رأيتُ سربَ النورِ منها على فؤادي مُرفرِفا

أنا ابنُ من قالت: بنيَّ ..
لاتبكي إذا مامتُّ .. لا تبكي وخُذْ
خُذْ عطرَ أمِّكَ يا بنيَّ وديعةً
وانثرهُ فوقَ الشمسِ .. فوقَ الزهرِّ .. فوقَ صحراءِ القلوبِ وقل سلاماً
قلت: يا أمَّاهُ .. نعمَ الكنزُ كنزي وكفى

أنا ابنُ أمي وكفى
وبهذه ..
أنا خيرُ من عن نفسِهِ قد عرَّفَ

#زخات_قلم حسين_عبدالله

الصورة: من أمسيتي في تونس العاصمة (4 سبتمبر2016) حيث كانت هذه أولى كلماتي لأتوشحَ بعطر أمي الذي كان ينبَجسُ من مسامات جبيني


أحمد الشاهدي

 بوح قلب 

الكثير .... الكثير
ذاك الذي يلزمني لأصل إليك
أيتها الساكنة ثنايا القلب
المتربعة على عرش الروح
بعز و أنفة
يسكنني طيفك
يحتل كل مساحات التفكير
يشغل من بالي الكثير .. الكثير
حين يعز الدفء
ولا يُعلى على الفراش الدافئ الوثير
حين تلبس الطبيعة ثوب البياض
كبياض قلبي المودع لديك
تداعبه نسماتك
تجدينه جواداً بكل الجمال فياض!!!

أنا الرحالة
أنا الجوال
محاطا بزرقة الموج العميق
فوقي زرقة السماء
وأمامي زرقة الماء
و بشموخ و كبرياء
أقاوم البعد المفروض
أُجابِه الواقع المعروض
ولا أستسلم بِيُسر
إلا بين يديك
و يبوح القلب إليك
بالسر المثير
و بالكثير .. الكثير
أيتها البدر المنير!!!

شعر مولاي لحسن بن سيدي علي

..       إليك عني 
لا حمرة الوجنين
لا  زرقة العينين 
لا  قوامك الفاتن  
لا بياض  جيدك  الأسيل 
كالثلج ذائب 
 على ربوتك منهمر 
يهزني 

أ تحت قوس النصر 
توشيحنني
حقا أحبك 
لكني  لست   بخائن
 فما تزال  صور أجدادي  
على مشانقك أمام العين 
كما المسيح  صلبوه هناك  وهنا
 بغير حق..


  سرقت  تاريخي  
توابت     الفراعنة  من خالص الذهب
مخطوطات  الكندي..
 و ابن سينافي الكمياء 
و ..في الطب 
  سومريات بابل 
 بقوانين حمو رابي 
والحدائق المعلقة ..
عود زرياب  
وأوتار انغامه المتدفقة 
تواشيح الأندلس
والتوربادور
ودواوين شعر الفطاحل
كل علوم  أجدادي
كل فنونهم 
بين أسوار اللوفر سجينة

وتدعي  أنك مدينة الأنوار  
إليك عني   يا كاذبة 

قد  جف  مداد  حبري 
 و نهر لاسين  بعروقي يجري  
يمحو حسرتي  
 على سالف العهود والعصر


دعيني باريز أهدأ و أصالحك 
 أتأمل مسحة الجمال فيك 
وأفتح صفحة جديدة 

مازلت أسترجع حلاوة المر 
صحيح لست بنفرتيتي 
ولا بشجرة الدر 
ولست أجمل  من بلقيس 
ولا من فاطمة الفهرية 
ولا من جوديت كهانا .
ولست أكثر تحررا 
من السيدة الحرة
 لكنك باريز  ...


باريز لا تبكيني أكثر 
لا تهيجي مواجعي أكثر  
وإليك عني 
كنا ومازلنا خير أجناد البشر 
أصحاب عز وإباء و فخر 
مسحت باريز دمعتي 
حضنتني بقوة 
وتحت أنوار عيونك الجميلة 
إرتشفت كاسات  اللاندم 
وأهديتها في حبك 
في صحة  إيديت بياف
في روح سيدة باريس 
Dame de paris
  قصيدة تسامح ونصر ..





...
مولاي الحسن بنسيدي علي 
تنقيح وتهديب الشاعرة جميلة محمد

الخميس، 26 سبتمبر 2019

د.رمضان الحضري

التشابه والاشتباه في الشعر
*************

أخذت كلمتا ( التشابه والاشتباه ) في لغتنا العربية عدة معان مختلفة ، ( فالتشابه ) قد يعني وجود شبه بين شيئين أو أكثر ، وفي الهندسة ( يتشابه المثلثان ) يعني تساوت الزوايا المتقابلة ، وفي الميكانيكا ( تشابه المحركان ) في الأجزاء أو الحركة ، وكذا في الأحياء وغيرها من العلوم ، ولكن الكلمة تحتمل تفسيرات أخرى مثل ( تشابه الأمر عليهم ) بمعنى اختلط وغمض ، وأصبحت هناك مشكلة إلتباس ، ( والاشتباه ) يعني الغموض واللبس وضبابية الرؤية وعدم الوضوح .
حاولت كثيرا أن أتجاوز هذه المقال لأسباب تخص معظم شعراء الوطن العربي في الوقت الحالي تقريبا ، فلربما هتكتُ أستارا بالية  ، وأوغرت صدورا خاوية ، فحينما نعلم أن اتحاد كتاب مصر يقدم جائزة باسم ( أمير الشعراء أحمد شوقي ) ، ومعروف منهاج شوقي في الشعر ، ولكن الجائزة تقدم لأحمد عبدالمعطي حجازي الذي هدم شعر شوقي ، وبالتالي هدم الشعر المصري ، بالإضافة أن كلمات حجازي لايمكن لناقد أن يعتبرها شعرا ، وحسبنا أن نقرأ له مجموعة من الكلمات وضع لها عنوان ( سلة ليمون ) : _
تحت شعاع الشمس المسنون
و الولد ينادي بالصوت المحزون
عشرون بقرش
بالقرش الواحد عشرون  
سلّة ليمون ، غادرت القرية في الفجر
كانت حتّى هذا الوقت الملعون ،
خضراء ، منداة بالطلّ
سابحة في أمواج الظلّ
كانت في غفوتها الخضراء عروس الطير
أوّاه 
من روّعها ؟
أيّ يد جاعت ، قطفتها هذا الفجر 
حملتها في غبش الإصباح
لشوارع مختنقات ، مزدحمات ،
أقدام لا تتوقّف ، سيّارات ؟
تمشي بحريق البنزين 
مسكين 
لا أحد يشمّك يا ليمون 
و الشمس تجفف طلّك يا ليمون 
و الولد الأسمر يجري ، لا يلحق بالسيّارات
عشرون بقرش
بالقرش الواحد عشرون 
سلّة ليمون 
تحت شعاع الشمس المسنون
و قعت فيها عيني ،
فتذكّرت القرية
*******

هذه مجموعة الجمل التي كتبها الصحفي الأستاذ أحمد عبدالمعطي حجازي ، وأقسم على كل الكتب المنزلة من عند مولانا جل وعلا ، أن هذه الكلمات لاعلاقة لها بشعر العرب ، ولا شعر الغرب ، ولا أي شعر حتى لو كان الشاعر مبتدئا ، فإذا كان هذا هو الشعر فإن ماكتبه امريء القيس والمتنبي وشوقي ونزار وصلاح عبدالصبور والسياب والعظيم محمود درويش ليس شعرا ، وبالتالي فحجازي اشتبه عليه الأمر فظن أن ما يكتبه شعرا ، والأروع أنه لازال يخيف بعض النقاد القدامى ليعلنوا أنه شاعر ، وماهو بشاعر ، وماعلمه شعرا من أحد ، وهذا الدليل واضح مهيع ، فالنص 
مجموعة من الجمل الخبرية الإخبارية للعرض والخبر ، لاتقدم توجها ولا نوعا جماليا ولا صورة ولا رسما ، ويعطون صاحب القصيدة جائزة شوقي ، هذه سفاهة ما بعدها سفاهة ، واتحاد كتاب يستحق المحاسبة على طمس هوية الشعر المصري والشعر العربي ، وبعض النقدة سيقولون أن القصيدة تحمل فكرا لوجستيا وحبا مازوخيا ونمطا لسانيا بنيويا مهلبيا ، حيث إن الشاعر تذكر قريته ، وتذكر فيها شجرة ليمون ، خسيء من قال عن هذه الكلمات السوقيات أنها من شعر العرب .  
 هذا إلى جانب أن ما يقدم في برامج تعليمنا حتى اللحظة في دولنا العربية لايرقى للمشاركة في الحضارة العالمية القائمة ، فشطر من شعراء العرب لا يزال مقيماً في حقول تراثية غير قابلة لإنجاب الإبداع ، وشطر آخر اكتفى بما يمكنه وما تعلمه فأنتج ما يمكنه ، وترك ما يجب عليه .
  فالشطر التراثي استمر على رأي ابن منظور في الشعر حينما عرفه بقوله : ( الشعر منظوم القول غلب عليه لـشرفه بـالوزن
والقافيـة ، وقائلـه شـاعر لأنـه يـشعر بـه غـيره أي يعلـم بـه ) ، وهو ذات التعريف الذي قال به الفيروز آبادي ( أطلق العرب على علم شعرا، وإن غلب على الكلام المنظوم لشرفه بالوزن والقافية ) وقد رأي محمد بن سلام الجمحي أن ( المنطق على المتكلم أوسع منه على الشعر، والشعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي والمتكلم مطلق يتخير الكلم ) . 
وقد عرّف المبرد الشاعر بقوله : ( أن صاحب الكلام الموصوف ـ الشاعر ـ أحمد لأنه أتى بمثل فالوزن والقافية هما ميزتان أساسيتان عند هؤلاء ) .
كما عرّف قدامة بن جعفر الشعر حينما قال : ( قول موزون مقفى يدل على معنى ) .
وهو نفس تعريف الحاتمي ( اللفظ والمعنى والوزن والقافية ) .
وقد جمع ابن فارس كل التعريفات السابقة فقال : ( الشعر كلام موزون مقفى دل على معنى ويكون أكثر من بيت لأنه جائز اتفاق سطر واحد بوزن يشبه وزن الشعر عن غير قصد ) .
يتضح من التعريفات النقدية للشعر أنها قمة في التشابه ، وكما بدأ النقد الأدبي بالتشابه ، بدأ كذلك الشعر العربي بالتشابه ، حتى ترى طرفة بن العبد يأخذ نفس مفردات امريء القيس .
يقول امرؤ القيس في معلقته : _
وقوفًا بي صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلِك، أسًى وتجمّلِ

ويقول طرفة بن العبد في معلقته : _
وقوفًا بي صحبي عليّ مطيَّهم
يقولون لا تهلِك، أسًى وتجلّد
ويقول عمرو بن الأهثم بعدهما : _
 وقوفا بها صحبي على مطيَّهم
يقولون لا تجهلْ ولست بجهّال
*********
ومن قول تأبّط شرًّا : _
ولستُ بمِفراحٍ إذا الدهر سرّني
ولا جازعٍ من صَرْفه المتحوِّلِ
يأتي بعده هُدْبة بن الخَشْرم ويقول : _
ولستُ بمِفراحٍ إذا الدهر سرّني
ولا جازعٍ من صَرْفه المتقلِّبِ
************

وقال الأبيرِد :
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
إذا السنة الشهباء أعوزها القطرُ
وقال الراعي النُّمَيْري من بعده
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
إذا ما اشترى المَخزاةَ بالمجد بيهسُ
وجاء أبو نواس بعدهما : _
فتًى يشتري حسنَ الثناءِ بماله
ويعلم أن الدائرات تدور .
************
هذا التأثر القليل بشطر من قصيدة أو نقل بيت من قصيدة لا يعني سرقة في هذه الفترة بقدر ما يعني أن الشاعر قرأ أشعار من سبقوه ، وبعبارة أخرى هو مثقف تأثر بمن سبقه ، ونقل منه ما يصلح في نصه ، وهو يعرف ويعترف بذلك .
لكن الكارثة الكبرى التي يمر بها الشعر العربي في وقتنا الحالي أكبر من كل احتمال ، حيث تتشابه الطنطة في ظل فقدان التوجه وفقدان المعنى ، واكاد أقول فقدان الشعر لروحه ، وهذا ما سوف اتحدث عنه في اللقاء القادم بامر الله تعالى .


د.رمضان الحضري

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

جميلة محمد

نحلم بعالم افضل

 ..طالما رايناه في خيالنا ..عالم نقي ،سام .ترتفع فيها قيم الصداقة الحقة ..الوفاء والصدق والاثار ..وبعيدا عن المصالح .بعيدا عن الاستغلال بانواعه ..بعيدا عن الزيف والاقنعة ...
نحلم ومن حقنا ان نحلم بحياة اجمل وابسط من ان تغشاها  ستائر الكبر والعزة والعجرفة ..
نحلم بعالم  اكثر جمالا وقلوبا انصع بياضا واهدا ...في حضرة هذا الضجيج وهاته الدوامة التي تجرنا جرا في سواقيها ..
نرتفع قليلا عن سطحيات  رؤانا ..نقفز على ما يبكينا ويؤرقنا ويزعجنا ..ونبرمج انفسنا ..على الخير والجمال والحب والتسامح والتعايش ..والايجابية في كل تجلياتها ..
سنترك حساب المزيفين  للزمن ..
ستسقط اقنعتهم وسيكتشون ..
يظنون الحساب بعيدا 
ونعلم جميعا انه قريب ...
جميلة محمد

بقلم د.رمضان الحضري

النزعة الدرامية 
في شعر العامية المصرية
( درويش السيد _ عادل عبدالموجود _ محمد جمعة )

*************
الصراع هو أبسط تعريف لكلمة الدراما ، وهو يعني وجود متناقضات بين شيئين أو أكثر ، وهذا التناقض لايعني تناقضا في الشكل فقط ، فلا أعني التناقض بين الليل والنهار أو الخير والشر أو الأبيض والأسود أو غيرها ، ولكن هذا التناقض لابد أن يحمل أثرا نفسيا في عقل المبدع والمتلقي .
كان الشاعر العربي _ قديما _ غنائيا يسير في اتجاه واحد ، فإذا كان حزينا رأى الكون كله حزينا مثله ، والعكس صحيح ، يقول أبو فراس الحمداني :
أقول وقد ناحت بقربي حمامة 
أيا جارتا هل تشعرين بحالي 
أيا جارتي ما أنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي
فالشاعر لأنه حزين رأي الكون من حوله حزينا ، بينما الحزن الاكبر والمؤثر في النفوس أن يكون الإنسان حزينا والكون من حوله يكون فرحا ، كما يقول بدر شاكر السياب :
أجنحة أربعة تخفق 
أجنحة في دوحة تخفق 
وأنت لاحب ولا دار
فالشاعر هنا يرى أن هناك طيورا فرحة وبينهما حب ويمتلكان عشان ، بينما هو كإنسان لا يملك حبا ولا عشا ، ومن هنا تكون المأساة أكبر تأثيرا في النفس .
وقد انتبه شعراء العامية المصرية إلى أهمية ان يكون شعرهم العامي يحمل النزعة الدرامية حيث إن كل فنون القول تصبو للوصول إلى التعبير الدرامي ، فحينما تكون الصفحة بيضاء وأريد أن أزيد بياضها ، فلا أضع لونا أبيض أكثر ، بل يكفيني أن أضع خطا أسود على هذه الصفحة ليتضح لونها الأبيض أكثر بياضا .
فالمتناقضات يظهر بعضها البعض ، فلا يشعر بالعدل إلا من ذاق مرارة الظلم ، ولا يستعذب اللقاء إلا من شرب من بحار الغربة ، وهذا ما انتبه إليه المتنبي العظيم حينما وصف محبوبته بقوله :
الوجه مثل الصبح مبيض 
والشعر مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا 
والضد يظهر حسنه الضد
من هنا نرى حرص شعر العامية على مواكبة حركة التطور في الشعر ، وسوف أقدم ثلاثة نماذج مختلفة من شعراء العامية المصرية ، يتميز كل شاعر منهم بلونه الخاص في التناول وبناء النص ، وهم ( الشاعر درويش السيد والشاعر عادل عبد الموجود والشاعر محمد جمعة ) . 
*******************
يقول الشاعر درويش السيد
 في ديوانه ( تكعيبة عشق ) في قصيدة بعنوان ( مسحراتي ) :
مسحراتي وفارد ع البلد شوقي 
ترن الطبلة في عروقي
الحلوة صاحية 
وسامعة الندا ولا 
اصبر شوية عبال ياحلوة ماتروقي
ياحلوة صحي الولاد السمر وارقيهم 
هاتي الكتاب والقلم والحب مليهم
واحد دا يبقى الإله 
اتنين انا وانتي
ما انتي اللي حبك امل يكبر ويحميهم 
الف الف البلد ليله ورا ليله
والبه بحبك قوي ف الشمس ضليلة 
والته تلاته اربعة نتلم حواليكي
ألاقيكي فاردة بحنان طبلية العيلة 
مسحراتى وداير بصحى سابع جار
وصى عليه النبى
الصحبه بأستمرار
جبريل نزل له وقال له
ياأمين وصى
الجار لجاره يعيشوا
فى حب ليل ونهار
مدالادين بالسماح
شبكها تبقى بيوت
خلى الولاد الملاح
تتربى ع النبوت
فتح بيبان القلوب
الصحبه والجيره
شرط الاميره تكون
العشره بنت بنوت
مسحراتى وداير
بلعب فى القمر كوره
عشاق جوارى وحوارى
القلب مكسوره
لوكنتى عارف بأن
القلب ده عيل
ماكنت اليل ولا
أعشقها فى الصوره
يابنت يامودده
كيد كادنى
مين اللى قال الفدا
تقبق حروف ودنى
انااصلى عارف بأن
القلب مش خالص
لمى البوالص وخلى
المينا ترفضنى
مسحراتى وقلمى
مشرط العشاق
اكتب اهات القلم
تصبح فى يوم ترياق
واصبر على قفيتى
حبه ورا حبه
وأبدى بزور المحبه
تطرح على الأوراق
شمس الاصيل فتحت
شافت هموم الناس
والبنت اهى اتمرجحت
على ندهة الحراس
انا قرش ناحيه ملك
والناحيه دى كتابه
كدابه لو صدقت
انى هبيع الفاس
*******
كان إبداع فؤاد حداد في المسحراتي يفوق الوصف ، حيث كان يتناول مشكلات وطنه العربي من ماء المحيط إلى ماء الخليج ، بينما تأتي بناية درويش السيد تفوق الخيال في معالجته لموضوعات اجتماعية مهمة ، فالنص يحمل الصيغة التربوية الأخلاقية ، النص تذكرة بما كان وما آن ، هو لايقيم مقارنة بينهما ، لكنه يقيم حلما بأن يعود ما كان ليعيش معنا في حاضرنا ، وإقامة الحلم هو أساس إقامة الحياة ، فالمجتمع الذي لايحلم لا يتقدم ، يعني أنه بلغ السقف المطلوب ، فتوقف عن الحلم ، والدولة المحتلة التي لاتحلم لايمكنها أن تتحرر ، والمجتمع الذي فسدت أخلاقه بدون حلم لن تعود له أخلاقه .
ولهذا أصر الشاعر درويش السيد بأن يحلم ليمزج بين الحقيقة وبين الواقع لكي نحتمل هذا الواقع ، إن الحياة الجميلة في الماضي والحنين إليها يحقق توازنا نفسيا للكاتب والمجتمع ، فهو يحلم بجمال الفتاة النقي ، لا يحلم بجسم ولا جنس ولكن يحلم بجمال في عقله وخصال محبوبته ، يحلم بطبلية ولعب الصبية في الليلة القمراء ، يحلم بحب الجار ، يحلم بأن يتعلم الناس أن الواحد هو الله ، وليس قبل الواحد من أحد ولا بعده من واحد .
نعم الشاعر يفهم أن للشعر وظيفة اجتماعية تربوية وأخلاقية ، وهو يحاول أن يقوم بها ، وفي ظني انه نجح نجاحا مبهرا .
************
أما الشاعر عادل عبد الموجود
 فله نص بعنوان ( لو تفهمينى ) 
يقول فيه :
( قل ما تبقى من قاموسك فى الهوى
فاللغو لا يرفع ذليلا إن هوى
من هان عنده كل ود إن علا
هان  علينا واستحق   مانوى )
كل أول له نهاية
والنهاية شيء يقينى
وكان ضرورى إنك تقينى
شر أيام المطر
قبل السحاب مايجمعه
فى  المفردات الملحقات بالنافية
فى " المش باحبك" او فى " لا "
انا مش هاكمل فى الطريق للمنتهى
ما أصله باين مبتداه
من جحر واحد ألف لدغة معلمه
قلب الفؤاد
ومن الرشاد
اتجنب الجحر الرضى
فبكيفك انت اتمردى
واختارى من الأسباب ألوف
وابقى احفرينى فى جذع مكتوب فيه غياب
وجذوره عطشانه لحنين
فمنين يكون جواك أصلا فيه  جنين ؟
وان كان على العشق اللى كان
خلاص ده كان
مجنون بعبلة  ... وعبلة ..ايه ؟
شيفاه جنان
ماهو حتى عنتر  كان بطل
كمل حياته  بالف عبلة من زمان
لكنى فعلا باعشقك رغم  الخلاف
رغم المسافة الواسعة  بنا والاختلاف
فان كنت فاكرة بانى عايش فى الحياة
ونسيت ملامح ضحكتك  والقلب تاه
لا ياحبيبتى الدنيا من غيرك فلاة
باستنى طرح الصبر من ريح الزمن
وعشان خطايا الذنب لازم من تمن
فيظل جفنى يضل جفنى للقا
وانت البصيرة مشرنقة
فاعيد مشاهد من سيناريو كان ضرورى تتكتب
وكان ضرورى تكون مناسبة للبطل
أو انه لازم يعتزل من وقت فات
ماهو مش مهم يكون أمير
وبيان مزركش للخلايق بالحرير
ماهو دوره كان يادوب سند
كان دور حقير
واكمن دوره فى الرواية كان يعدى كالخيال
وماكانشى له تأثير كبير
يادوب يفوت عليه السهو
يلمس وحدته
فما تقبليش منه الصلاة
والسجدتين مش محتاجاهم فى الحياة
ماهو أدى دوره وحط فيك مش سند 
ألفين سند
وانا المقسوم
فى جوايا إلى شطرين
وجود فاعل بيتفاعل
مع الامرين
يكون ازوريس
بيزرع فى الشجر يطرح شيطان من  ست 
فتشقى  ازيس
وتزرف من الدموع  على الخير
وجود تانى فى بير يوسف
ومستنى
لوقت تمر سيارة
عشان يتباع
بكام لحلوح
يكون قدرى لأي عزيز
لكنى برضه باعشقك
لو تنصبي لى من الحيل
تمثال هبل
بيعيد زواقك ويا فستان الزفاف
لعريس جديد
مدهون دهب فتهمى عنى وتبعدى
زلزلى
زلزلى  أرضك خلاص شمسك طفت
كونك ماعادش بينسكن لما اختفت
والروح عشان اتهمشت راحت بكت
تستنى طرح الأمكنة بس بحذر
وقت اما قلتى  ها نفترق    لو تفهمى
كان شطرتين العشق توأم     توأمى
يبقى انفصال الروح بيوجع  بالقوى
الحبة جوة الحبة     واحد وانشطر
قلبك   ساعات  بيدق  طلقات الخلاص
طب فين رصاص الرحمة ينزل كالمطر
والطلق يفلق من الحجر قلب الحجر
يملاه  مرار    و الجرح  علم  واتحفر
يالابسة وش العشق  تحته  الف راق
بوشوش مارقت للهوى من يوم ماراق
من يوم ليوم بتعندى
ولألف عذر بتسندى
فإن  كان  هواكى  تبعدى
يالله  ابعدى
واهو برضه هافضل اعشقك
ما انت الحياة
وانت اللى ضلك جوة منى لمنتهاه
اعيد ملامح ضحكتك وارجع وليد
يازرع فارد للسما ف كل اتجاه
**************
هنا يوضح الشاعر كيف يكون شعر العامية فلسفيا مدركا للحقائق ، فهو يرى العالم مجتمعا في المكان والزمان ، فبئر يوسف وسيارة العصر القديم وبحر إيزيس وأوزوريس ، ومحاولات تجميع الاشلاء المتناثرة ، وغربة عنترة وعبلة ، كلها غربة قديمة جديدة ، فغنى العزيز يقابله فقر الفقير ، وعلو همة يوسف يقابلها السعر الزهيد 
( كام لحلوح ) ، والقصة القديمة تحولت لسيناريو ، فإذا كان عنترة وعبلة كلمات قديمة ذهنية ، فإن الشاعر حادثة نشاهدها بأعيننا ، فكل ماكان معلوما سماعيا أصبح مشاهدا عينيا ، هنا قمة الفلسفة ، حين تصبح كل الأماكن مكانا واحدا ، وتصبح كل الأزمنة متداخلة لتصير زمنا واحدا ، كان بودي أن تتاح لي الفرصة كاملة للحديث عن بناء القصيدة العامية ، وكيف تصبح القصيدة العامية مجسدة في المجتمع شأنها شأن أفراد المجتمع ، فهنا قصيدة عادل عبد الموجود ترسم نفس ملامحه ، في الحركة الحثيثة ، والكلمة الرقيقة ، والثورة الصامتة ، نفس الإحجام والإقدام على استحياء في كلتا الحالتين ، لو رسمت القصيدة شخصا دون معرفة شاعرها سوف يكون الرسم وجه عادل عبد الموجود ، كيف يكون ذلك ؟ وكيف رأيت أنا هذا ؟ يمكن أن نوضح هذه النقطة في حديثنا داخل المؤتمر بامر الله تعالى .
**************  
وللشاعر محمد جمعة 

نص بعنوان ( زحمة افكار ) يقول :
********
زحمة  افكار  جوه دماغي
عملالي  دمار  جابت  داغي
منها  عن حالي  الغير عادي
زحمة  افكااااار
راضي  بموالي  و مش راضي
حادي  بادي  ف  حضنك بلادي
نتأخر  نلزق  في  الماضي
دا  بقى استهتااااااار
والمحشي  النحشي  كونحشي
واللي بيفوت  ما بيرجعشي
طب  قولي  الطز   ازاي  تخرج
بره   المضماااااار
ريحة  الأسعار قلبت  مخي
والفته  المطبوخه  بيخني
مع  بصله  وتومها مدوخني
مع فلفل  حاااااااار
والسوق ... السوق  الجواني
و الفاكهه  بتزغلل  عيني
لو  اطولها  اخطفها  و ل ولادي
اديها  فراااااار
وسياسة  الناسه  كواناسه
عنبتنا  وطرحت  قلقاسه
والكل  بيلحس  في الكوسه
ما فيهاش  دي  هزاااار
بمزاجي  ألاعبك  وانهبني
وح اسيبك  دايما  تغلبني
بس  تريحني و على مهلي
وخليني  اختاااااار
مسموح لي  امشي أو  اهرول
واسأل  ليه  بكره  كتير  طول ...؟
وكأن   الطالع    دا   مدهول
يمكن   فشااااار
اديني الشايب  انا  راضي
واسقيني من الكوز  الفاضي
مرمطني  وقولي  انت رياضي
من  غير  إنذااااار
قعدني ف كوشه و جوزني
واسقيني الجوزه  ومزجني
طلع  دخاني  وعذبني
وبلاش إشهاااااار
سخني   و ارجع   بردني
حليني   شويه   ومررني
بعني  أو  اقلك   أجرني
جربني  إيجاااااار
شخلعني و علقني  ب لحمي
على كيفك  صد   و مرجحني
و اتوكل  قبل  ما تدبحني
طلع لي  قرااااار
ادفني  صاحي  بمصباحي
اردم   احزاني   وافراحي
بس  اوعي تمزمز  ف جراحي
بكفايه مرااااار
حرر   افكاري  و حررني
وإعلف  في  حماري  وخدرني
سوقني  ما انا  شايف وبضهري
آخر  المشوااااار
إدعي  ف صلواتك  تعدمني
إرمي  جمراتك  و ارجمني
وإن عشت  ..... بايدك  بهدلني
ماهي  دي  الأقداااار
امنحني بطاقة  ودعمني
تموين بعباطة يشيل همي
و احذفني  وشيل خالتي وعمي
و ارميني ف نااااار
امنح  بيمينك  قبضني
بشمالك خدهم  نفضني
شطب في جيوبي وقرقضني
ما هي قط و فااااار
فرقني  وارجع   قسمني
م انا  عايز ( كومي) يلازمني
رغم  انه  ف  ايدي  بتهزمني
ماهو  دا  استحمااااار
فرفشني  بكورة أو  إنعشني
دوري  مع  كاس  كله بيمشي
مع  اهلي ... زمالك  تناغشني
في  الجون  إبهااااار
مصري .... وبحبك يا بلادي
لكن  غيلانك  أصفادي
انا  عشمي  ف خيرك  يا فؤادي
من  غير  اسراااار
*************
شعر محمد جمعة نوع من الكوميديا السوداء ( شر البلية مايضحك )
يقدم مفردات اجتماعية سياسية اقتصادية رياضية ثقافية ، ويلعب على وتر الخفة والفكاهة ، ويعيد لنا نقدات بديع خيري وفتحي قورة في أسلوب بيرم التونسي ، فالشاعر يقدم نصه على أنه أفكار كثيرة داخل رأسه لاتجد لها مكانا ، فلابد أن يجعل المتلقي يشترك مكانه في البحث عن أماكن لهذه الأفكار ، هو يعلن منذ اللحظة الأولى أن هذه الأفكار مجهدة وليست مغرية ، ومتعبة وليس في سردها لطف ولا رقة ، لكن كثرتها جعلته يبوح بها 
إن العذابَ يُطاقُ غيرَ مُضاعفٍ 
فإذا تضاعفَ صارَ غيرَ مُطاقِ 
نعم الشاعر هو قمر بلاده الذي يعكس ضوء الحياة في مجتمعه على صفحته ، ومحمد جمعة ينقل صوتا اجتماعيا ناصحا أمينا واضحا بلا مواربة لكل من حوله ، فهو يتحدث عن ذات مجتمعية لا عن شخصية شعرية ، وهذا ما يدعو له النقد دوما ، أن الشاعر مسئول أمام الله ، لأن الشاعر ضمير الأمة ولسان ينطق عمن لا يجيدون الكلام ، وعين ترى الطريق لمن عموا ، وأذنا تسمع نيابة عمن صموا ، وقلبا ينبض بالحب للجميع ، هكذا كان شعر محمد جمعة .
**********
ستظل العامية المصرية لسان حال الوطن العربي وبخاصة شعب مصر ، فالعامية المصرية هو صوت الضعفاء إذا ظلموا ، وحاجة الفقراء إذا طلبوا ، ونداء المخلصين إذا نصحوا .
شكرا للشعراء المصريين / درويش السيد وعادل عبدالموجود ومحمد جمعة الذين أمدوني بأشعارهم لأكتب هذا الدرس ، وشكرا للشاعر المصري العظيم محمد البهنساوي رئيس شعبة العامية المصرية بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر ، فإن وفقت فهذا من فضل ربي ، وإن كان غير ذلك فهو جهد المقلين اجتهدوا وعلى الله السداد .
***********

د.رمضان الحضري