الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

مليكة مستظرف

مليكة مستظرف : قصة (امرأة عاشقة.. امرأة مهزومة..)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

ذهبت الى العرافة, وضعت ورق اللعب على صدري ورددت وراءها “هاقلبي, هاتخمامي …”. تجشأت كثيرا وقالت انه بيني وبينه سحرا جعله يهرب مني. لكنها أكدت لي أنه سيعود وعندها سأكون ملزمة ”بذبيحة كبيرة” و “ليلة كناوية”. لم أفهم جيدا معنى “ذبيحة كبيرة” لكن حركت رأسي بالموافقة. ثم قوست حاجبيها, و أغمضت عينيها وأخذت تحرك شفتيها بسرعة , تكلم أشخاصا تراهم هي فقط. وأخبرتني أن جنيا أسود يدعى”ميمون” سكن جسدي هو السبب في كل ما يحدث لي. شعرت بالفزع لمجرد التفكير أنني اقتسم هذا الجسد النحيل مع جني أسود مشاغب. خرجت من بيتها الذي كان بحجم خم للدجاج. علقت بثيابي رائحة البخور.اللعنة.
أخذت رزمة من الاوراق المالية وأعطتني بدلا عنها شموعا. بيت العرافة يقع في ازقة ملتوية و متشعبة كالمتاهة. وأنا سأدخل متاهة و حروبا أخرى مع الجن و العفاريت كأنه لا تكفيني معاركي مع الانس, حتى ازج بنفسي في معارك مع الجن. اشعلت الشموع لكي يشتعل حبه من جديد, لكنه لم يأت. بدأت أفكر جديا في اقامة ”ليلة كناوية” وزيارة الولي “بويا عمر”.
أنظر من نافذة غرفتي ,قطتي أصبحت تمشي بصعوبة بعدما ازداد بطنها انتفاخا فأصبح بحجم اجاصة. أبي طردها من البيت وأنا أقدم لها الطعام خلسة. تركت البيت منذ مدة لتلحق قطا أجرب أغواها, و بعد ذلك عادت تتمسح بي . أنا كذلك تركت العالم بأسره وتبعته. لم يكن وسيما . كان يشبه دبا صغيرا أصلع بكرش مرتخية تخفي أعضاءه التناسلية, ومِؤخرة ضخمة ووجه مدور. كنت دائما أكره الرجال ذوي المؤخرات الضخمة و الوجوه المدورة. فكيف أحببته؟ هو هكذا الحب دائما يأتي بلا موعد. الحب كالموت , كالمرض يأتي دائما حين لا ننتظره و في الاوقات و الاماكن الاكثر غرابة. الحب يجعلنا نتصرف كالاطفال بلا منطق. لماذا لا يخترعون مصلا ضد الاصابة بالحب؟
أحس بالبرد . أنظر الى السماء. تبدو سوداء هجرتها النجوم. ستمطر لا محالة. أعطس ثلاث عطسات, سأ صاب بنزلة برد . لا احب فصل الشتاء , فصل الانوف الحمراء والازقة الموحلة. عندما كنت طفلة كنت احب فصل الشتاء. أخرج برفقة “اولاد الدرب”, نصرخ بفرح لا يضاهيه اي فرح , ”آشتاتاتا أصبي صبي”. صوت “نعيمة سميح” المنبعث من الراديو الصغير, يبدو مرتخيا وملتويا. البطارية توشك على النفاذ, “ياك آجرحي جريت وجاريت”.
هو لا يحب “نعيمة سميح” و ” أم كلثوم”. يقول أن هذه النوعية من الاغاني تجعله يتثاءب. كيفت حياتي حسب رغباته و أهوائه ومزاجه. لا نخرج الا حين يريد هو. لا نرتاد سوى الاماكن التي يرتاح لها هو . رغباتي انا مزاجي انا…. لا يهم فيما بعد… فيما بعد.
أسمع آذان الفجر, يجعلني أشعر برغبة في البكاء. أتمنى لو أبكي بصوت مرتفع و أركل الارض بقدمي كما كنت أفعل و أنا طفلة , فتأتي أمي و تضعني في حجرها و تهدهدني و تغني بصوت خفيض, ” الله الله محمد رسول الله”, فأرتاح وأنام .أسمع خطوات أمي متجهة الى الحمام لكي تتوضأ.أبي يصلي في رمضان فقط. أما هو فحين سألته لماذا لا يصلي, قال انه يؤمن بالله وكفى, وليس في حاجة الى اثبات ذلك خمس مرات في اليوم.
عندما جاء لخطبتي, رأته أمي من فتحة الباب, ضربت خديها بكفيها حتى ارتسمت أصابع عشرة على وجهها, وقالت,” لازين ولامجي بكري”. لكنك أمي دائما ترددين, ”الرس المغطي احسن من الراس العريان”., ثم انني احبه.عاودت النظر اليه من فتحة الباب. بدا وسيما في قميصه الاصفر. تذكرت انني اكره اللون الاصفر. لون الاسنان الصفراء المتعفنة والابتسامة الصفراء المنافقة,و” للاميرا” الجنية التي تعشق الاصفر.أبي بدا ممتعضا هو الاخر. أخذ يعبث بالشعيرات الاربعة التي نبتت فوق صدره بلا مناسبة.نفث دخان سيجارته في وجهي وقال ” انها عملية خاسرة بالتأكيد”. لكن أبي, متى كانت العواطف تحسب بآلة حاسبة؟ هل أكلم اأبي ام تاجرا في سوق الخردة؟
نظر الي و أكمل ” ثم انه موظف”. نطقها كأنها سبة أو تهمة, لكنني أحبه. هز كتفيه وقال ”اذهبي الى الجحيم … جيل ما كيحشمش”. و هل تخجل انت ابي عندما زوجتني و أنا بعد طفلة بجديلتين؟ كسبت يومها من وراء تزويجي / بيعي كثيرا. أتذكريومها جاءت أمي أخذتني الى الحمام, غسلت جسمي و نتفت شعر ابطي و عانتي, وقالت لي كلاما احمر له وجهي خجلا. وخضبت النساء يدي بالحناء و كحلن عيني… كانت زغاريدهن أشبه بالصراخ والولولة. وبعدها وجدت نفسي أمام رجل طويل جدا. أول شيء فعله صفعني وقال ” نهار الاول يموت المش”. وعرفت بعد ذلك انني المش او القط الذي يجب ان يموت. هذا كل ما أعرفه عن الزواج,حمام ,حناء وزغاريد ورجل يصفعك لكي يثبت أنه الاقوى, وبعد ذلك يملأ بطنك أطفالا و يهرب. زوجي الاول هرب وترك لي خازوقا. وهذا الذي أحببته هرب و ترك لي خازوقا آخر, كلهم يهربون عندما تصبح الامور جادة. أمي تلوي شفتها السفلى و تسأل عن سبب اختفائه. الجني الاسود مازال يسكن جسدي , أختي تخرج لي لسانها وتشهر في وجهي أصبعها الوسطى. العرافة تقول يلزمك “ليلة كناوية” و “ذبيحة كبيرة” وكثير من الاوراق المالية. تضع النقود بين نهديها وتشعل سيجارة من نوع ”كازا” و تطلب التسليم. جارتي تقول ان العرافة كانت “شيخة”*, وعندما جار عليها الزمن أصبحت عرافة.
أشعر بالجوع. ألبس الخف .سأذهب الى المطبخ وآكل فطيرة مدهونة بالعسل. أتراجع في آخر لحظة. يجب أن أقلع عن هذه العادة السيئة. فعندما أغضب لا أجد سوى المطبخ أنفس فيه عن غضبي. في بعض الاحيان , آكل كل شيء و أي شيء وأنا أبكي. يبدو منظري مضحكا و مقرفا. بعدها أذهب الى الحمام وأدخل اصابعي في حلقي و أتخلص من كل شيء.
يجب أن أكون قوية.هذه المرة لن أنفس عن غضبي و حنقي في الأكل . سأذهب اليه هو في مقر عمله, وأخرج له لساني وأقول له “ان الكون لا يبدأ وينتهي عند قدميك”.
سأقول له ”أنا نادمة لأنني أعطيتك أكثر مما تستحق من الحب و الاهتمام”.
سأقول له”أنا نادمة لأنني كنت مستعدة لأي شيء معك, و لم تكن مستعدا سوى للكذب و النفاق. فهنيئا لك على قدرتك الفائقة على الكذب”.
غدا سأحرق صوره و رسائله و هداياه وأكاذيبه. ولن أشعل الشموع ثانية لكي يشتعل حبه ويعود.ولن أقيم “ليلة كناوية”.
أوف أشعر بالجوع, سآكل فطيرة واحدة لا غير. ترى كم تكلف ” ليلة كناوية”؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
..

مليكة مستظرف

بقلم سميرة مسرار

رحلة الصحراء
(3) الجزء الثالث

تسمرت ياسمين في مكانها، صار جسدها ثقيلا عليها وساقاها عاجزتين عن الحركة وكأن الأرض جثمت عليها بكل ثقلها فداست على مكامن الإحساس بذاتها. يا له من شعور غريب انتابها، فتساءلت لمَ هذا الخفقان القوي الذي يكاد صوته يعلو على صوت فارسها!؟ وهي كذلك، إذا بيد صفاء تمسك بكتفها فتوقظها من شرودها:

ــ ما بك حبيبتي؟ هل تحسين بألم؟ ألم يناسبك الأكل؟

استغربت ياسمين من هذه العناية التي أرجعتها إلى عالمها المعتاد:

- لمَ تسأليني على غير عادتك؟ هل لاحظت شيئا في تصرفاتي لا يليق بهذا المقام؟ أنا بخير، لا يؤلمني شيء؟

ردت عليها صفاء مستغربة:

- خُيّل لي أنك بعيدة جدا، تائهة رغم أنك قريبة منا، أو قولي قريبة وبعيدة في نفس الوقت...

استردت ياسمين سيطرتها على نفسها، وقالت:

ــ لا شيء، كنت أفكر في رسالة يوسف. فاجأتني وأثارت في نفسي جملة أحاسيس دفينة: طفولتي ومعاناتي ووضعيتي كامرأة في مجتمع لا يرحم.

كادت تسقط من عينيها دمعتان، لكنها حبستهما في مقلتيها لأنها تمرّنت على إخفاء بكائها أمام الناس، بل وتعلمت كيف تطرد أشباح ضعفها الحقيقي وتتقمص في بعض الأحيان القوة الجريئة التي تراها الأنسب لمقامها.

انضمت إليهما جميلة وهي تضحك وتقول ممازحة:

ــ يا الله، يا صديقتي المدللة! رغم عزوفك عن الحب، فإنك تجدين دائما من يتغزل بك، وكأن القدر يعاندك ليؤكد لك أنك امرأة جميلة تستفز قلوب الرجال، يعجبون بك أولا ثم يسقطون صرعى أمام عيونك اللوزيتين وقدك الفارع.

عند سماع هذا الإطراء ــ وإن كان يصدر عن صديقة مشاكسة وممازحة ــ شعرت ياسمين بانتشاء بالغ ما كان أحوجها إليه في هذه اللحظة بالذات، ولكنها كانت بحاجة إلى التركيز لتتمكن من إدارة أمور أحاسيسها المتضاربة. لم تجد بدا من الاستنجاد بهاتفها، غاصت فيه من جديد متظاهرة بقراءة رسالة يوسف، هكذا تمكنت من الاختلاء بنفسها فسافرت بذاكرتها عبر الزمن وهي تتردد بين حبّين لا تجمع بينهما إلا ذاتها المستعصية. زاغت عيناها في هاتفها الذي كان يسقط من يدها من حين لآخر بسبب شرودها وهي تتحدث إلى نفسها:

ــ غريبة هذه الدنيا! في حياتنا أناس يعيشون معنا، نتقاسم معهم يوميا آمالنا المشرقة وهمومنا المؤرقة، ونتبادل معهم اهتمامات شتى. وقد تنقضي أعمارنا بينهم، ومع ذلك لا نغرم بهم وإن كنا لا نقدر على مفارقتهم، ربما بسبب العادة والألفة. يوسف الوسيم لم يتخلَّ عني أبدا، لقد ظل دائما بجانبي. هربت من بيت والدي فاستقبلني في غرفته البسيطة التي كان يستأجرها وهو طالب في الجامعة، لم يطلب مني المساهمة في مصاريف العيش. فعل كل ذلك في غفلة من عائلته التي لم تكن لتقبل بتحمله مسؤولية فتاة وهو ما زال في سن العشرين، عمل نادلا في ملهى ليلي لسنوات عديدة حتى يغطي مصاريفنا مما أثر على مساره الدراسي، ظل في خدمتي دون شكوى أو ملل.

أخذت هاتفها الذي سقط منها مرة أخرى، ثم عادت إلى سفرها المتعب عبر أودية ذاكرتها المثقلة:

ــ غريبة أرواحنا! كم تظل تسافر في كل الدروب وتجوب أزقة الأحداث، لا تعترف بقيود الزمن ولا بجاذبية الأرض، تزور البعيد وتسأل عن الحبيب، تبحث عن القريب ثم تعود إلى سجن جسمها وكأنها لم تغادره قط...!

هنا تذكرت دموع أمها التي كانت تخفيها عنها وعن أخواتها وهم صغار، كان وجهها الحزين في خصام دائم مع السعادة، كرهت خضوعها لأبيها المتسلط، كرهت كلمة «نعم» وعاهدت نفسها على ألا تقولها أبدا لأي رجل ولو كان عمرها بيده.

قالت لها صديقتها رقية وهي تنزع منها هاتفها:

ــ إيوا بقاي معنا! انت غرقت في بير وما بغيتي تخرجي!

اصطنعت الابتسامة في وجه صاحباتها لتعيد إلى وجهها الشاحب ــ بسبب استرجاع الماضي ــ شيئا من نضارته المعتادة. شجعت نفسها لتعود إلى مجلسها ولو برهة من الزمن حتى لا يفتضح أمر شرودها وعنائها بين ماضيها وحبّين، واحدهما متين متقادم، والآخر جديد ومبهم وجميل.  نظرت في كل الاتجاهات بعينين ما زالتا شاردتين وكأنها ودعت خلفها جميع تقنيات العالم ورفاهيته ورمت عن كاهلها كل أثقال الحياة. صادفت عودتها إلى عالمها المحيط بها صوت أغنية، تحت ضوء خافت وقمر ظل يراقب همسات شفتين، في خيمة نُصبت لقتل الليل بلذة اللقاء وزرع السعادة في نفوس المتعبين عبر الكلمة واللحن والصوت وصبيب الشاي.

  استرخى جسدها قليلا وإن كانت لا زالت فريسة عناء الحب والاختيار التي أُطلقت سهامُها عليها وأَسقَطت دفاعاتها. لم تتمكن من استرجاع نفسها إليها كليا، بل ظلت تذوب كالسكر في الماء. سألت قلبها المدمى:

ــ ما الحب؟ أهو الحنان المتدفق كالنهر السريع الجريان؟ أم هو لحظة الشوق للذوبان في الحبيب؟ أم هو العاطفة النقية التي تسعد القلب الحزين فتمنحه الإحساس بأن الكون بين يديه؟ 

صرخت من كل أعماقها:

ــ كيف أتأكد من شعوري وسط كل هذا الازدحام؟ ثم إن جميلة وصفاء ورقية لا يفارقنني مثل ظلي، يا الله ! أكاد أُجنّ...

فجأة، سمعت فارسها يخاطبها:

ــ ياسمين! لماذا لا تقعدين بجانبنا؟ تقدمي لستمتعي بالطرب!

أحست بالسعادة عند سماع صوته، استجابت لطلبه مثل طفلة صغيرة، وانتقلت للجلوس بجانبه قريبا من المغنية.

كان الجو باردا كبساط الأرض، أو لعل ذلك ما خُيّل لها بسبب رعشة جسدها من أثر قصف الأسمر لها بنظرات تذيب الجبال. مسكها من يدها وأجلسها بثقة لامتناهية أفقدتها كل محاولة للمقاومة، ثم خاطبها:

ــ ياسمين الجميلة،  احكي لي عنك!

أجابت:

ــ أنا أنثى تألمتُ كثيرا، لكن لا أحكي همومي إلا لدفتري الصغير، أبتسم وأنا حزينة، أختار أجمل الملابس وأقوى العطور لأخبئ ضعفي، لا أترك كحلي يسيل من عيني ولا لساني يحدث عني، همي النجاح وهدفي الحرية!

ــ غريبة أنت حقا يا أميرة! بمجرد دخولك إلى الخيمة خفق قلبي. حاولت أن أقتحم عالمك، ولكنك لم تخرجي بعد من قصرك الزجاجي. أسمعك الآن وأحس بثقل الزمان على لسانك...

ــ حياتي كلها كانت جدا ونضالا.

ــ أي نضال؟ أنت قصيدة، فما لك والنضال؟ هذا شغل الذكور المحطَّمين؟

هنا تذكرت يوسف الراقي، وتذكرت نضالاتها من أجل المرأة والمواطن المسكين، تذكرت آلاف الصفحات التي التهمتها لتملأ عقلها بأفكار نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي وغيرهما من النساء اللواتي قضين حياتهن في الدفاع عن تعليم المرأة وحقها في التصويت واختيار الرجل المناسب ومحاربة العنف ضدها وحماية الأطفال القاصرين. لكم قرأت لقاسم أمين وهو يدافع عن تحرير المرأة، وكم أعجبت بجريدة 8 مارس حتى أنها كانت تقرأها ليلا وتدسها تحت وسادتها كلما فتحت عليها أمها باب الغرفة.

سرحت بذاكرتها في سنوات نضالاتها النسوية في صفوف طلبة المغرب، فأحست بلذة لامتناهية أخرجها منها صوت الصحراوي الأسمر:

ــ والحب؟  

ــ لم أفكر فيه ولم أصادفه كما ينبغي!

ــ كيف ذلك؟

ــ لا أدري، لعله قدري!

هربت منه لحظة بعيونها فرأت رقية جالسة بجانب أحد البدو، كانت تحدثه بدون توقف ولا ملل منذ بداية السهرة، لاحظت كل هذا وإن كانت تشرد بذاكرتها عما حولها من حين لآخر. كانا جد متقاربين فأثارها ذلك، كادت تنتفض وهي تقول في سرها:

ــ كيف تسمح رقية لنفسها بكل هذا وهي متزوجة؟ المفروض أن تكون وفية لزوجها الذي بدأت معه علاقتها في الجامعة!

ثم راجعت نفسها، وقالت:

ــ وهل أنا في مستوى المسؤولية حتى أعطي دروسي للآخرين؟ وما ذنب يوسف؟ أنا مشتتة؟ أخاف أن تعاتبني نفسي القاسية في يوم من الأيام فأعود من جديد إلى اجترار الماضي! مهما يكن، أتضايق من تصرف رقية. لماذا؟ لا أعرف؟

التفتت إلى جميلة، وقالت لها بصوت خافت:

ــ ماذا تفعل رقية؟ هل فقدت عقلها؟

تنبهت جميلة لوضعية رقية فنادت عليها لتقترب منها هي وصفاء، لكن رقية لم تستمع إليها ربما لأن حديثها مع ذلك الرجل الغريب كان أهم من كل شيء.

أحس حماد بما كان يجري بينهن، فقال: 

ــ لا تستغربا، فأخي لا يتوقف عن التفاخر بقبيلتنا وعائلتنا، وهو متزوج من موريتانية هي الآن في زيارة لعائلتها. وأنت ــ أميرتي ــ لا تقلقي على صديقتك فقلب أخي مسلوب منذ سنوات!

سألته ياسمين:

ــ وأنت؟

أجابها، وقد عدل من وقفته وخفف من ثقته :

ــ أحس وكأن قلبي يُسرق مني في هذه اللحظة!

تأوهت، وقالت في نفسها:

ــ أتراه قد شرب من نفس كأسها أم أنها الصدفة التي جعلت قلبيهما يهويان فيتهاويان؟

رفعت نظرها إليه وهي تخاطبه بعيونها، وتسأله في صمت:

ــ هل الأقدار هي التي لعبت لعبتها؟ أم أنه قلبي الذي لم يستطع أن يصبر أكثر من ذلك؟ أم أنها الحياة التي أرادت أن تعطيني درسا في العشق في هذا الفصل من عمري؟

كانت تناجي نفسها، فيقظها سؤاله:

ــ ياسمين، هل ترغبين في جولة بالمنتجع؟ أنت لم تشاهدي منه سوى هذه الخيمة.

لم تصدق أذنيها، هل يريد فعلا أن يبقى معها لوحدهما أم خيل لها ذلك؟ ظلت حالمة، مد لها يده، فتعلقت بها دون تردد. آنذاك استفاقت على صوت صفاء:

ــ إلى أين أنتما ذاهبان؟

لم تجبها ياسمين، كانت تقول لها في نفسها:

ــ اتركيني يا أيتها البلهاء، لا أريد الموت البطيء، بل أبحث عن الدنيا التي حرمت نفسي منها!

استجابت صفاء لتضرّع صديقتها لأنهما كانتا قد تعودتا على الحديث بلغة العيون، خاصة وأنهما تتعارفان منذ وقت بعيد.

خرجت ياسمين وحماد من الخيمة ويداهما متماسكتان، شرعا في جولتهما من وراء المنتجع، مرّا بمكان الشواء، فأخذ في شرح كيفية تحضير الأكل الصحراوي، ثم انتقل بها إلى مرابط البعير. كان يتحدث وهي تنصت بدون تركيز حتى وصلا إلى فضاء واسع. بدأ يريها اتجاه البحر ويصف لها رمال سواحله المترامية كمد البصر على ضفاف الأطلسي.

أحس بشرودها، فسألها:

ــ هل تسمعين؟

أجابته:

ــ صوت البحر؟

قال وهو يتظاهر بالاستغراب:

ــ لا، صوت قلبي!
سميرة مسرار 




(يتبع)

الاثنين، 23 سبتمبر 2019

بقلم محمد الجايدي

ذاكرةالرماد 

ان تقرأ ذاكرة الرماد للزميل العزيز ادريس حيدر وانت في مطار مدريد لخمس ساعات تنتظر طائرة تقلك الى نهاية رحلتك، يركبك احساس بالغبطة والدهشة والفضول و الغضب كذلك، يرحل بك ادريس الى ماض يشبه كثيرا ماضيك، وواقع لا يختلف عن واقعك، وتنظر حواليك مخافة ان يهرب بك الوقت، وتعود الى الخلف. لكن مع ذلك تجد واقعك الحالي يصرخ بك، و، فيك، واقع تعصره الاحباطات والعنف والعفن والخيانة وكذلك الشهامة والبطولة. ان ادريس يعيد كتابة سيرة الواقع الذي مضي واستمر في حاضر مرئي معاش، انه يحكي جزءاً من سيرة مدينة القصر الكبير، وهو جزء من سيرة الوطن، جزء من سيرته الذاتية التي تتمرأى بين الصفحة والأخرى. وتصيبك الدهشة وانت ترى نفسك هناك، سواء كنت من ذاك الجيل حين يتحدث عن الماضي، او من هذا الجيل وهو يعرج على الحاضر الذي وان كان انسلخ من حقبة الرصاص ليسقط في حقبة رصاص من نوع آخر جديد. هل تغير الوضع، أم هي صفحات تعاد قراءتها بشكل آخر، ربما بدون شكل وتنقيط.

شكرا لك زميلي وصديقي ادريس رغم ان الأخطاء الجسيمة التي طالت الطبعة والتي اشتكيت منها، فإن العمل أوصل ما أردته الينا بكل تلك الأمانة والصدق، بالهزء أحيانا والألم احيانا والسخرية المرة.
هذه ذاكرة الرماد.... اقرأوها.

محمد الجايدي

الأحد، 22 سبتمبر 2019

المهدي نايف ال ياسري ال مناف

شعلة كركوك

مدينتي تحترق بنيران صديقة
وأدعو الله واشكو له حالي

وطأة ارجل الغزاة وداست
على رقاب القوم في سود الليالي

واصبحو أشتات تتصارع بينها
ولا اغاض امير القوم ولم يبالي

اريد نسيم الصبح حتى اسمه
وضاقت الانفاس وسعر الهوى غالي

ولا ضباب في الدنيا ألوذ به
وأصبح السلطان من عقله خالي

وطال يومي يومها وكأنني
سأنتظر دهرا لتحقيق امالي

وفاض دمع العين مني يسيل
ورقصت حزنا على ما جرالي

وأليت أن لا ابوح يوما بها
واكتمها عن اسماع عذالي

ولم ابح بكل ماجرى علنا
واكتب لهم بالصحو مابدالي

ونيران الصديقة اسرجت
وأحرقت كل مابقى من الامالي

يالها من صدفة مجنونة حدثت
وذهبت بكل احلام اطفالي

يا خالق الكون هل من نهاية
هل من فرج ام باقية التالي

الم يكن لنهايتها من امل
اعيد بها مافقد من حلالي

ام تبق الأمور كما مخطط لها
سارية المفعول طول الليالي


بقلم
مهدي نايف الياسري ال مناف
اوهايو في 22 /9 / 2019.

بذوق مجد الدين سعودي فقرات من رواية شرق اوسط للاديب عبد الرحمان منيف


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يحكي رجب: "سألوني عن ماضيّ، ماذا أقول لهم؟ ما أشد سخرية الكلمات (حدثنا عن ماضيك)، لما رؤوا الارتباك في وجهي ولكي لا أضيع قالوا: عندما كنت طفلا، هل أصبتَ بأمراض، أي أمراض، هل أنت متزوج؟ وسألوني عن أمي وأبي.كنت أجيب بارتباك، قلت لهم إن مرض القلب قتل أمي, وأبي مات بسل العظام, وتركت لهم حتى اللحظة الأخيرة المفاجأة التي أردت أن تكون ورقتي الأخيرة".



ينطق رجب فجأة بالسر الذي يفسر مرض هذا الجسد، فلكي يعرف الأطباء, هؤلاء الغرباء، علة هذا الجسد الضعيف، يجب أن يعرفوا قصة ذلك الإنسان الذي بداخله، بل يجب أن يعرفوا قصة ملايين من البشر مثله تئن أجسادهم بذلك الألم, قال رجب فجأة: "الشيء المهم الذي لم أقله بعد والذي يفسر مرضي هو إني كنت سجينا، سُجنت خمس سنين متواصلة، ليس هذا كل شيء، ففي البداية تعرضت لأنواع عديدة من التعذيب" (1).



بدت كلمات رجب باردة وغريبة، فمنذ زمن لم يسمع هؤلاء الغرباء عن سجين سياسي، فبلادهم تنعم بالحرية, كأنه "دمية من عصور سحيقة، هل يعرف هؤلاء الناس معنى أن يكون الإنسان سجينا؟".
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

عبد الرحمان منيف : رواية (شرق المتوسط)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

بقلم عبد الستار الخديمي

قصة قصيرة
***مرفأ التيه***
في غمرة من فوضى المشاعر سألته في وجل: هل أحببتني أم بالأحرى هل بقي من الحبّ مسافة؟ كانت تبحث عما يرتب الفوضى ويجمع الشتات ويروي ظمأ الأيام العجاف.. كانت تائهة ضائعة شاحبة شاخصة.. تلملم نفسها المبعثرة في نفسها.. وتربت على قلبها الساكن تحت صدرها المهتز في فورة بركان هاج بعد سكينة دهر.. تتذكر أنهم كانوا يسمونها بذات العيون الناعسة والرموش الساحرة والابتسامة الفخ تصطاد بلا هوادة.. التحفت بنرجسية الجمال والدلال وكانت تجهل أنهم جهلوها ونافقوها ودفعوها إلى شفير الهاوية..
 لم تسقط ولم تنحن وبقيت شامخة شموخ النخل.. بقيت تترقب وتجدف في بحر حيرتها ورغبتها وغربتها..
 في كل غفوة كان الطيف المجلل بالبياض يأتيها ويهمس في أذنيها: أنت عروس كل العصور، انتظري في شغف ولهفة.. ستكونين ملكة تتربع على كل العروش.. فأنت المفرد الذي لا جمع له وأنت الجمع الذي لا مفرد له..
 ضاعف الطيف من نرجسيتها فقتلتها نرجسيتها واتضحت رؤياها: من أراد كل شيء خسر كل شيء..
 نعم أحبّك الكل وتاه عنك الحب الحقيقي.. فابحثي عنه في ثناياك في الليالي المقمرة..
كان متردّدا، وجلا، خجلا.. الردّ يعني موقفا، والموقف يعني التزاما.. ما بين خفقان القلب والرغبة في الحب ووطأة الواقع يكمن مربط الفرس، الصمت خيانة والبوح انتحار وما بينهما برزخ من الشك والريبة.. تيقن بأن البوح إعصار، قد ينعم بحبها الفريد وقد تتكسر مجاديفه في عمق البحر الهائج..
لا يمكن أن يكون إلا بمواصفات الطيف يزور في لحظات التيه والوجوم ليعلن عن الوجود.. ويذوي في ثنايا النسيان.. لم يكن سؤالها إلا فخّا.. نرجسيتها أسست نرجسيته.. لا يريد البوح خوفا من البوح..
كانت الرؤيا.. وكانت تدس وجهها بلونه المخملي وعينيها اللامعتين الدامعتين دوما في حضنه البارد رغم اتساع صدره كجلمود الصخر.. فيربت على كتفيها ويمرر كفه الثقيلة على خصلات شعرها المتناثر حول جبينها الملتحف بلون القمر في عز كينونته.. كانت كالقطة الشريدة الطريدة التي أصابها الذعر والفزع.. إنها بكل بساطة تبحث عن الدفء.. تبحث عن محطة لقطارها الذي طال سفره.. تبحث عن مرفأ لغربتها.. تنوء بثقل السنين على كتفيها.. ولكنها لا تزال جميلة فاتنة قاتلة برموش عينيها.. إنها لا تبحث عن رجل بقدر ما تبحث عن أمل ينير دروب مستقبلها.. يطهّر ماضيها وحاضرها من رجس الأيام.. ولكن هيهات كان صدره رغم اتساعه صقيعا متجهما كأيام الشتاء.. نطق بصوته الخشن في حشرجة وقال: نامي يا صغيرتي لعل البنفسج يزهز في الشتاء..
وفي عمق ذاته قرر أن يتحد مع نرجسيتها ومآسيها ويكون عونا للطيف.. أو هو الطيف يرافقها دوما في أحلامها ويزرع الأمل في دروبها.


بقلم الأستاذ عبدالستار الخديمي/تونس

محمد متولي محمد

بيت العنكبوت 
كفى صمتـا !
فقد أودى بنا الصمت ُ
كفى موتـا !
فلم يشفع لنا موت ُ
لقد صدئت حناجرُنا
وأصبحنا كأهلِ الكهف
أغرابا عن ِ الدنيا
وها نحن نباع اليوم في الأسواق
للنُخاس
وها نحن نموت كما يموت
الطير ُ في الأقفاص ِ
سكتنا حتى ظن الناس ُ
.. .. أن سكوتنا خرسٌ
ولولا هذه الأحجار باقية
عليها النقش و النحتُ
لما ارتفعت لنا رأس
ولا بَقِى لنا صوت ٌ
كفى صمتا ً.. كفى خرَسا ً
فلن تبقى لنا أرض ٌ
ولا أهل ٌ
ولا بيت ٌ !
ونحن ُ نعيش ُ كحروف ٍ مقطّعَة ٍ
يفرّق بيننا فعل ٌ
ويجمع ُ بيننا نعت ُ
لن يبقى سوى أشلاء من وطن ٍ
يذكرنا بهِ رَسْم ٌ
وتحفظه لنا صور ُ
بفُرْقتنا نمزّقه
وبالأهواء , والأطماع نحرقه
فكم " نيرون " يخدعنا ؟
يقدّمنا قرابينا ً لكرسي ٍّ
و نحن وراءه نسعى
ولا نبصر سوى المَرْعَى
ولا ندري بأن نهاية الدرب
هي القطران و الزفت ُ
ألسنا كلّنا عرب ٌ ؟
يلملم ُ شملنا وطن ٌ .... وتاريخ ٌ
وتجمع ُ بيننا .... لغة ٌ
لم َ الكرْه ُ ؟!
لم َ البغض ُ ؟!
لم َ الحقد ُ ؟!
لم َ المَقت ُ ؟!
لمَ يا أيها العرب ُ ؟!
إذا الأموال ُ جاءتكم كحيتان ٍ مشرّعة ٍ
تقاتلتم كأعداء ٍ ولم يمنعكم السبت ُ !
ولا الأقصى ولا البيت ُ
فوجه الأرض مصبوغ ٌ كيوم النحر
من دمكم !
وبطن ُ الجُب ّ ممتلئ ٌ لآخره ِ
بإخوتكم
كأن ّ قلوبكم أحجار
لا يجري بها ماء ٌ
ولا يخرج لها نبت ٌ
فتلك حياتكم باتت
تخيّم ُ فوقها النيران والبارود
والألغام ُ والزيت ُ
تعالوا نأخذ العهد
فإن أسعفكم الأمل ُ
فلن يسعفكم الوقتُ
عروبتكم تناديكم
فمدّوا الآن أيديكم
لنخرج من شرانقنا
ونصرخ َ في وجوه ِ الناس ِ قاطبة ً
فقد ولّى زمان ُالخوف ِ
و الصمت ُ
وجاءت لحظة الميلاد
أنا العربي ُ قد عُدت ُ
وإن أحرقتم الأرجاء من حولي
لكي أبقى حبيس الأمس ِ والماضي
فلن أبقى حبيسهما
وسوف أخوض في النيران
فكم في النار قد خضت

تأليف  متولي محمد متولي