السبت، 8 يونيو 2019

بقلم اسماء المصلوحي

أسماء وأعلام في ذاكرة تطوان
"المجموعة الثانية"



59 - 
محمد المعادي
في مشاتل النقد الأدبي اليانعة

كان ازدياد الناقد الأدبي الوازن محمد المعادي سنة 1960 في مدينة تازة.
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مسقط رأسه، قبل أن يشد رحاله نحو مدينة تطوان، حيث أكمل تعليمه العالي واستقر بها نهائيا إلى حين رحيله.
شرع في الكتابة منذ كان تلميذا في المرحلة الثانوية، ثم تعاطى النقد الأدبي، في الشعر والسرد، إبان دراسته في كلية الآداب بمرتيل.
حاصل على شهادة دكتوراه في موضوع "مفهوم الإيقاع ومستويات التشكيل في تجربة الشعراء الشباب بالمغرب" من كلية الآداب بتطوان.
عمل أستاذا للغة العربية في ثانوية جابر بن حيان بمدينة تطوان.
انضم إلى اتحاد كتاب المغرب، ووصفه الرئيس السابق لهذه المنظمة، الناقد الدكتور عبد الرحيم العلام، بأنه "معروف بتشجيعه وتعاونه المنتج مع الجمعيات الثقافية، وعلى رأسها اتحاد كتاب المغرب".
- نشر عددا وافرا من المقالات والدراسات في الصحف والمجلات المغربية والعربية.
يعتبر من بين أهم النقاد المغاربة الذين اشتغلوا على تجربة الكتابة الإبداعية عند الأدباء المغاربة الشباب.
كما أنه ساهم في الكثير من الندوات العلمية والأدبية، وكذا الملتقيات الثقافية في عدة مدن مغربية.
أنجز الدكتور محمد المعادي الكثير من الدراسات النقدية لعدد من الأعمال الأدبية لأدباء وأديبات منطقة الشمال المغربي، وخاصة تطوان وطنجة.
كما اتسم هذا الناقد المتميز بقدرته الدائمة على تشجيع ودعم المواهب الأدبية الجديدة، والأخذ بيدها.
أصدر العديد من المؤلفات النقدية، نذكر منها هنا:
- حدود القراءة والتأويل.
- جمالية التأويل والتلقي في الخطاب القصصي والروائي بالمغرب.
- التجربة الشعرية الجديدة بالمغرب.
يقول عنه الكاتب الطنجوي حسن بيريش:
"محمد المعادي ناقد متميز يذهب في تحليل النصوص إلى أقاصيها.ورجل رائع يترك في النفس بصمة من ألق شخصيته الأمارة بالإعجاب".
توفي يوم 29 يونيو سنة 2015 إثر حادثة سير في الطريق بين طنجة وتطوان.

بقلم اسماء المصلوحي

بقلم مجد الدين سعودي

حسن السوسي
 في ديوانه الشعري《 روح الياسمين 》:
الشعر بطعم الياسمين
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


القسم الأول

_ _ _ _ _ _ _ 

برولوغ

_ _ _ _ _

حسن السوسي ...

اعلامي حقيقي زمن البهتان ...
شاعر رأسماله هذه المكاشفات الشعرية والجمال الانساني ... واعلامي يناصر قضايا الوطن ...
عاشق لفلسطين ...
صوت من لا صوت له ...
الشيء الذي دفع الأديبة مليكة الجباري في التظهير الى القول : (( حسن السوسي شاعر كتب منذ نعومة أظفاره شعرا ، ومقالات سياسية ... بقي على العهد ولم يحد عن قيمه ولغته ، رغم المدة التي قضاها في الغربة بلندن وباريس .
عرف كصحفي اعلامي محنك ، ومحلل سياسي فطحل . دافع عن قضايا وطنه باستماتة نادرة ، في العديد من المقالات السياسية التي نشرت له في صحف ومجلات عربية ، وطنية وأجنبية ... )) .
وشاعرنا حسن السوسي يفتح كوة في جدار الأمل ، فيعبر بلغة الشعر عن الياسمين والبياض ، ويعبر عن الشعر بلغة بياض الياسمين ..
سألنا الأديب والإعلامي حسن السوسي هل يجد نفسه في الشعر أو القصة أو الاعلام؟
فكان جوابه : ((الشعر بالنسبة لحظات متميزة تتخلل مسار الحياة ولا تعرف موعداً بعينه ولا تتقيد بإرادة ،إنما هي تأتي هكذا فتنحو نحو تسجيلها بالطريقة المتاحة  وفي لحظتها بالذات. أعتبر نفسي خارج المهنة وأضعها ضمن الهواية الضاغطة أحيانا. القصة بالنسبة لي هي ترجمة لمختلف مراحل الحياة الإنسانية. أحببت في صغري القصص القرآني وظل لهذا الحب قوته في دواخلي ، لذلك أميل أحيانا إلى تسجيل الوقائع ضمن منظومة من التخيل الذي لا يتقيد بالوقائع بل يضفي عليها مسحة من الإبداع الضروري لمنحها حياتها الخاصة ، الإعلام بالنسبة لي كان حلما لازمني منذ الصغر لست أدري لماذا لكن هذا واقع يعود إلى نهاية ستينيات القرن الماضي. ظروف الحياة الفعلية شدتني إلى الإعلام رغم تكويني الجامعي الفلسفي. باختصار حسن السوسي إعلامي مهنةً ، يحب الشعر والآداب بصفة عامة ويقتحم ميادينها من حين لآخر على سبيل المحاولة والمتعة .))
وعن الشعراء والأدباء الذين أثروا في مسيرته الأدبية ، يقول : (( أنتمي إلى جيل قرأ الكثير من النصوص الأدبية والنقدية العربية وغير العربية. قرأت نجيب محفوظ كما قرأت إميل زولا ، أحببت شعر المتنبي والبحتري وأبو تمام وابن الرومي ،كما أحببت فيكتور هوجو وبودلير وابولينير ورامبو، لدي ميل كبير إلى محمود درويش وسميح القاسم وومعين ابسيسو ونزار قباني،  كما أحببت عمرو بن كلثوم وأبو نواس وأبو العتاهية  ... أنا مزيج من كل هذه القراءات التي لم أتوقف قط عن تذوقها  ، أقرأ أكثر مما أكتب ليس لأنني أتهيب الكتابة وإنما لأنني أعتقد أن الكتابة لا ينبغي أن تتجاوز لحظة إنصات لمن يكتبون أو كتبوا عن موهبة ومران ...)) .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


1 ياسمين السيرة الذاتية 

_ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ 

حسن السوسي...
من منطقة المغرب الشرقي...
حاصل على إجازة في الفلسفة ...
مارس مهنة المتاعب (الصحافة) منذ مطلع الثمانينات...
مسؤول سابق بالقسم العربي لجريدة أنوال الأسبوعية لمدة ست سنوات ...
كتب في عديد من الجرائد والمجلات المغربية والعربية (الاتحاد الاشتراكي ، السفير اللبنانية ، الحياة اللبنانية ، الأهرام القاهرية ... ) .
مدير تحرير سابق لمجلة (الشعب العربي) في باريس.
قدم عدة برامج سياسية في شبكة الأخبار العربية لندن.
محلل سياسي في عدة قنوات فضائية (سكاي نيوز ، الغد ، الحوار ، المغاربية ، الحرة ).
قناته في اليوتوب تعرف التفاعل والانتشار ...
له ديوان شعري بعنوان ( روح الياسمين) .
من مشاريعه القادمة:
( كتاب حول القضية الوطنية .
كتاب حول الثقافة السياسية.
كتاب حول الممارسة السياسية. )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

2 ياسمين الاهداء

_ _ _ _ _ _ _ _ _ 

هو اهداء بطعم المحبة والاعتراف (الزوجة والابناء) بسبب تحملهم غربته عن الوطن والعيش بعيدا :

(( الى زوجتي رقية،
الى أبنائي سميح ، سلمى ، شادي ونزار الذين تحملوا الغربة عن الوطن وغربتي الخاصة ، في الزمان والمكان ...
لكم حبي ، واليكم اعتذاري عن كل ما تسببت فيه من معاناة إضافية لكم ، حقيقة ، ولو دون قصد . الصفحة 3 ) .
وطعم الغربة مرير ، وهذه الشاعرة الفلسطينية (انتصار الدنان) المغتربة في لبنان تشتكي من الغربة وتقول في قصيدة (غرباء نرحل) :
(غرباء نرحل دون عنوان
.... خاوية قبورنا باردة
... ملّت أجسادهم الانتظار
سفينة العمر ترحل
والجسد يشتهي طعم التراب
تراب الوطن.)
والأديب حسن السوسي يحس بوجع الغربة والبعد ، فكان اهداؤه لعائلته الصغيرة التي تحملت بعده وحنينها وشوقها له .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 
3 ياسمين العنوان
_ __ _ _ _ _ _ _

لقد اختار الأستاذ حسن السوسي (روح الياسمين) عنوانا لديوانه للأسباب التالية : (اخترت هذا العنوان لأمرين: أولهما كون هذا النص مركزيا ضمن المجموعة ، لذلك كان ضروريا إبرازه عنوانا دالاً ، الثاني: لأن الياسمين بالنسبة لي أمل دائم لأن عبقه لا يعرف الحدود ويخترق كل تخوم المكان والزمان. ولأن داخل المجموعة نصوصا تنضح بالألم أحيانا فلست أريدها أن تكون دليلي إلى الحياة كما لا أريدها أن تكون كذلك لغيري من الذين يقرأون تلك النصوص ... ) .

وللأستاذ حسن السوسي حكاية مع الياسمين كالتالي : (حكاية إنسان مع الطبيعة ومفاتنها أولا، وحكاية إنسان تلقى كثيرً باقات ياسمين ضمن بيئة تحتفي بالياسمين باعتباره رمز الحب في لونه وفي عبيره على السواء ... ) .
وفي هذا السياق هناك أسطورة يونانية قديمة تدور حول البياض والياسمين ، ملخصها أن عاشقين افترقا ، فهامت العاشقة بين الكواكب تشكي لها لواعجها ، وكان العاشق يتبعها من كوكب لآخر بحثا عنها ، وعندما وصلت العاشقة الغاضبة كوكب الأرض ، بكت ، فكانت تنبت زهرة بيضاء مكان كل دمعة ، حتى امتلأت الأرض بالزهور البيضاء ، ثم غادرت الأرض ، فوصل حبيبها الى الأرض ، ليستنتج بأن حبيبته مرت من الأرض ، فكان يعانق الزهور ، وكلما قبض على زهرة الا وانحنت له ، فيضع عليها علامة  ومن تم يتغير لونها، وهكذا ، ووصل زهرة الياسمين فأبت الانحناء له وحافظت على لونها الأبيض الى الآن ... والعبرة أن من ينحني يسهل تغييرة وتشكيله ، ومن يرفض الانحناء يبقى أبيضا شامخا وعزيزا ...
وتقول الأديبة المغربية مليكة الجباري في ظهر ديوان (روح الياسمين) : ((للياسمين روح تحرر فيه الشاعر (تقصد حسن السوسي) من قيود السياسة ليضيء عوالمنا بلغة مجازية . أحيا فيها الزمن ، وأشعل في دواخلها الحياة ، ليهدينا باقة شعر واكليل عطر ، تطرد الضجيج القابع خلفنا ... )) .
وجاء في موسوعة (ويكيبيديا) في مقال بعنوان ( ياسمين) ما يلي :
(( وقد تغنّى الشعراء بالياسمين وغنوا له، وتدلّى على شرفات المنازل وغطّى أدراج البيوت ومداخلها وعتباتها، وفي مدينة دمشق عطّرت رائحة الياسمين المساءات والأزقة والأفق الواسع حتى عُرفت بمدينة الياسمين، وبدت كما يصفها الشاعر الأندلسي (ابن البار) :
(فتلـك عروش الياسمـين وزهـره  كزهر النجوم وسط أفلاكها تبدو)
ولعل أكثر من تغنى بـياسمين دمشق وبياضه الناصع الشاعر (نزار قباني) الذي أهدته دمشق (أبجدية الياسمين) حسب تعبيره، وحكاية نزار قباني مع الياسمينة الدمشقية بدأت منذ فتح عينيه على هذه الحياة لأول مرة، ترعرع في ظلها لتصبح جزءاً من حياته وتفكيره وشعره ونثره، فالياسمينة الدمشقية موجودة في الكثير من قصائد نزار قباني . وأظهر تعلقه الشديد بها حتى أواخر حياته حينما كان يوصي ويصر على أن يُدفن في التراب نفسه الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينة دمشق، حيث قال : (إنني أرغب في أن ينقل جثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين) ..
أما الشاعر محمود درويش فيقول في قصيدته "في الشام" بمجموعته (لا تعتذر عما فعلت) : (في الشام، أعرف من أنا وسط الزحام، يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة عليّ، يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمينة ثم نام) .
وفي ما مضى "أبو البقاء عبد الله البدري"، عالم من القرن التاسع الهجري، ذكر في كتابه (نزهة الأنام في محاسن الشام): (أن من محاسن الشام (الحواكير) وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، زُرعت بالرياحين والياسمين والأزهار المتنوعة ليحمل منها النسيم العابر طيب الريح، ويسري به إلى أماكن أخرى من المدينة... . ويكيبيديا )) .
 وعن أهمية الزهور وضمنها الياسمين ، في مقال له بعنوان (أساطير الزهور .. لغة رمزية ومفردات برائحة الأزل ) ، يقول عبدالقادر طافش :
(( يقول المثل الصيني: «إذا كان لديك رغيفان فبع أحدهما واشتر بثمنه زهرة، فإذا كان الخبز غذاء للجسد فالزهر غذاء للروح» ...
ويواصل : (( علاقة الزهور بالأساطير علاقة قديمة قدم الإنسان نفسه، ففي الثقافات القديمة ارتبطت الأزهار بالرموز ارتباطاً وثيقاً فكان زهر الغار رمزاً للنصر، والزيتون رمزاً للسلام، وزهرة الشوك رمزاً للآلام في أقسى صورها، وزهرة الياسمين غدت رمزاً للطهارة لارتباطها بأم السيد المسيح مريم العذراء عليها السلام. ))
والجدير بالذكر أن لفظ الياسمين جاءت في عدة عناوين لمجموعات شعرية وقصصية وغيرها ، نذكر منها على سبيل الحصر :
(موسم الهجرة الى الياسمين) لمعتز هاني (وهي مجموعة قصصية)
(أبجدية الياسمين لنزار قباني) (وهو ديوان شعري)
(سفر الياسمين) لعلي الشوابكة (وهو ديوان شعري)
(بانتظار الياسمين) لسمير حسين (وهو مسلسل تلفزيوني)
(دموع الياسمين) لمحمد القاطوف (وهو ديوان شعري)
(سيدة الياسمين) لمحمد محضار (وهو ديوان شعري)
(وعد الياسمين) لرابح فيلالي ( وهي رواية)
(فراشات بعطر الياسمين) للقاص محمد أبوناصر (وهي مجموعة قصصية)
(شجرة الياسمين) لغسان سعود (وهي رواية)
(أحلام الياسمين) لأمجاد الأسدي (وهي رواية)
(غصن الياسمين) لمهند التكريتي (وهي مجموعة قصص قصيرة)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

القسم الثاني

_ _ _ _ _ _ 

1 عبق الياسمين

_ _ _ _ _ _ _ _ _

يحضر الياسمين رمزا للوجود والطهارة وتحدي الغربة لدى محمود درويش الذي يقول

في قصيدة (ليل يفيض من الجسد):
(ياسمين على ليل تموز ، أغنية
لغريبين يلتقيان على شارع
لا يؤدى الى هدف ...
من أنا بعد عينين لوزيتين؟ يقول الغريب
من أنا بعد منفاك في؟ تقول الغريبة.
اذن حسنا ، فلنكن حذرين لئلا
نحرك ملح البحار القديمة في جسد يتذكر ... )
ويواصل محمود درويش في نفس القصيدة مخاطبة الياسمين :
(يا سيدي؟ هل لدينا من العدل ما سوف
 يكفينا ليجعلنا عادلين غدا؟
 كيف أشفى من الياسمين غدا؟ ... ) 
ويتابع بوح العاشقين للياسمين :
 ( هكذا يترك العاشقين وداعهما 
فوضويا ، كرائحة الياسمين على ليل تموز ...
في كل تموز يحملني الياسمين الى 
شارع لا يؤدى الى هدف،
 بيد أني أتابع أغنيتي : 
ياسمين على أغنية تموز )
والملاحظ أن الشاعر حسن السوسي وظف الياسمين في عدة قصائد ، ففي قصيدة (للياسمين روح) ، تبتدئ كل المقاطع بالياسمين:
(للياسمين روح
يذكي روح اللواعج
الحرى ... الصفحة 9 )
و :
(بلسم هو 
ياسمين الصباح
لسهاد تملك
ليال
كأبد الدهور ... الصفحة 10 )
و :
(بلسم 
هو الياسمين
لكلام باهت
عن لحظات الاندمال ... الصفحة 11 )
و :
(نور
هو ياسمين الفجر
يخترق عتمة
غيوم الأيام ... الصفحة 12 )
و :
(للياسمين روح
الصباحات ... الصفحة 13 )
و :
(للياسمين طعم
التواطؤ الجميل
بين حقيقة الوجد
وسورة التمنع ... الصفحة 14 )
و :
للياسمين
لحن انقياد الروح ... الصفحة 15 )
و :
(للياسمين
لون تباريح
نهاية تشابك 
الألوان ... الصفحة 16 )
و :
(للياسمين
همسة البوح
الضالع في سويداء
قلب
أثخنته سهام
نافذة الحد ... الصفحة 17 )
و :
(للياسمين لغة
روحها
ختل
الروح آسرة
الأسرار
للياسمين 
فتنة مخضبة ... الصفحة 18 و 19 )
وسار الشاعر حسن السوسي على هذا المنوال في المقاطع السبع المتبقية من القصيدة ...
يناجي ياسمينه في قصيدة (سدول الوهم) ، فيقول :
(أحيى ياسمين الليل
لواعج ياسمين
الفجر ... الصفحة 37 )
بينما يتحول الياسمين الى زنبقة يفوح عبيرها في قصيدة (مقلة السريرة) :
(تتهادى زنبقة
الفجر
في حقل
الورود
يخفرها رحيق
البراعم الندية ... الصفحة 59 ) 
وها هو الياسمين يكتسي عطر المروج ، فيصدح شاعرنا في قصيدة (عطر المروج) :
(عطر ، عطر ، عطر
فاح
ملء السماء.
عطر المروج
فاح ، فجرا
في كبرياء ... الصفحة 126 )

_ _ _ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


2 عبق الحنين 

_ __ _ _ _ _ _

يقول إبراهيم ناجي في قصيدة (الحنين) :


   (( أمسى يعذبني ويضنيني

 شوقٌ طغى طغيانَ مجنون

 أين الشفاء ولمَ يعد بيدي
 إلاَّ أضاليلٌ تداويني

 أبغي الهدوء ولا هدوء وفي
 صدري عبابٌ غير مأمون

 يهتاج إن لَجَّ الحنين به
 ويئن فيه أنينَ مطعون

 ويظل يضرب في أضالعه
 وكأنها قضبان مسجون )
ويواصل إبراهيم ناجي في نفس القصيدة :

( ويحَ الحنين وما يجرعني
 من مُرِّه ويبيت يسقيني

 ربيتُه طفلاً بذلتُ له
 ما شاء من خفضٍ ومن لينِ

 فاليوم لمّا اشتدّ ساعدُه
 وربا كنوارِ البساتينِ

 لَم يرضَ غير شبيبتي ودمي
 زاداً يعيشُ به ويفنيني

 كم ليلةٍ ليلاءَ لازمني
 لا يرتضي خلاً له دوني

 ألفي له همساً يخاطبني
 وأرى له ظلاً يماشيني

 متنفساً لهباً يهبُّ على
 وجهي كأنفاسِ البراكينِ

 ويضمُنا الليلُ العظيمُ وما
 كالليلِ مأوى للمساكينِ ))
 وحنين شاعرنا حسن السوسي ذو شجون ، فهو يفتح كتاب الذكريات في قصيدة (ملحمة الذكرى) ، ويقول بحزن :
(من غياهب الذكرى
تخفق اللواعج بالحب الأبدي

من شرايين الذكرى

تحتدم الهواجس
في بؤرة الوجد
جارفة كدر السنين
عن أديم التجلي
وآلام التوغل
في جروح المدى ... الصفحة 44 )
وبلغة التمني والحسرة :
(ود لو تمادى الحنين
في عصيانه العنيد
خدعة السراب
في فيافي العمر
ود لو عادت الذكرى
الى غيبتها الحميمية
تجلو عنها سجف العتمة ... الصفحة 47 )
ويواصل :
(ود لو تخفره السنون
في مسيرة التوجس
عبر مفازات
يعوي في فراغها
أزيز القيظ ولهاث الذئاب
لم يطرقها رحيل الأرق
في ليلة العمر
لم تطمثها
قبل أنفاسه الحرى المتوسلة
سدوم الترحال . الصفحة 48 )
يقول في قصيدة (تألق الصدى) :
(هو الحنين 
الى المرابع
الأولى
هو النهل
من المنابع
الأولى؟ ... الصفحة 54 و 55 )
وكذلك :
(هو الحنين
الى
منبع المرابع
الأولى؟

هو رواية

صبابة
رحلة الصدى

وترانيم التجلي


حفريات الألم

دهاليز اللذات
لهب
شرارة البدء
حرارة الذكرى
وتألق الصدى
في دروب
الحنين ... الصفحة 58 )
يعود لنوستالجيا الوطن في قصيدة (حبلى هذه الديار) :
(أشجار الصنوبر
فيك للنسور
مرافئ
وقلبي
أيتها النسور المحلقة
الريف
الأطلسان
شلال دمنا
المسفوح
بعطر السفوح ...140 و 141 )
ويختم قصيدته قائلا :
(تعالى النشيد :
مرحى بالريف
مرحى بالأطلسيين
مرحى بالهدير . الصفحة 144 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

3 عبق الجنون والحلم

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _

عبق الجنون

_ _ _ _ _ _ _

يقول نزار قباني في قصيدة (القصيدة تولد من أصابعها) :


 (( 

3
ولدتُ في برج الحمل .
برج المجانين الذين قرروا
أن يسرقوا من السماء النار …
4
خرجتُ من محارتي
مضرجاً كالسمكة ..
وفي يدي طبشورة تبحث عن جدار ..))
ويواصل نزار قباني لعبة الجنون والتمرد في نفس القصيدة :
((
5
هواية التكسير ..
كانت مهنتي .
وشهوة الخروج من
عباءة الأخوال و الأعمام …
6
يوم اشتروا لي قلماً .. ودفتراً
قررت أن أكون من عائلة البروق ..
لا عائلة الأحجار .. )) 
_ _  _ _ _  _ ___ _ _
ويمشي الشاعر حسن السوسي على نفس خط الجنون في قصيدته (عقل الجنون) :
(قيس عاقل ،
لا مجنون سواي.
ليلى تقفو أثر العشق
توقد جذوته
في الأعماق . الصفحة 27 )
وكذلك :
(لا مجنون سواي.
أسامر ليلي طلاسم
بوح ليس مثل البوح
أفك شفرة الصمت،
أقرأ اللاحروف المنقوشة
على شغاف قلب الذكرى
أعيد الكرة
تلو أختها
صبحي وأصيلي ... الصفحة 28 )
ويواصل :
(لا مجنون سواي
لا عقل
يدلني على جنوني ... الصفحة 29 )
ويتساءل :
(فكيف أدرك جنوني كنه الجنون
وكيف أزعم يتم جنوني
وأن لا مجنون سواي .  الصفحة 29 )
ويختم جنونه قائلا :
(ليلى عقل اللواعج
وقيس سادر في لجة عقل الجنون ... الصفحة 29 )
في قصيدة (مناجاة مختلسة) ، يكون الجنون بطعم الرغبات :
(رونق خاص
همس دافئ
عتاب مضمر
عن الغياب الحاضر
تسمو في أفق الضياء
تعامق سورة النجوم
الرافلة في حلل
موشاة بنور
الرغبات المؤجلة
رغبات الجنون
اليقظ
رغبات جنون
الجنون ... الصفحة 71 )
_ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

عبق الحلم

_ _ _ _ _ _

يقول أدونيس في قصيدة (حلم):

 ( غبْتَ ، اختفَيْتَ ؟ عرفتُ أنكَ سائحٌ
شرَراً ولؤلؤةٌ وموجَ غواية
تمضي تعودُ مع الفصولْ
ورأيتُ نارك في الحقولْ
عيناك أجنحةٌ ووجهك طالعٌ
كالأفقِ، يكتنزُ الشموس، ويغسلُ الأرضَ الكئيبه
غبتَ، اختفيتَ؟ رأيتُ وجهكَ في الحقولْ
ماءٌ يسافر في الجذور إلى مدائنه الغريبَهْ
في العشب ، في نَهَرِ الفصولْ.)
في قصيدة (رعشة قوس قزح) ، يأتي الحلم على الشكل التالي:
(داعب نسيم الفجر وجنة البراءة باستحياء
ارتاد الحلم باحة الأفق البلورية
داهمت البسمة
برفق
ثغر الأمل
فانفرجت
بلطف
أسارير الزمن
الآتي مع خيوط النور المتناسلة
تيارا هادرا ... الصفحة 30 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

4 عبق الحياة

_ _ _ _ _ _ _

الذات الشاعرة متشبثة بالحياة ، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس ، وهذا ما نجده في قصيدة (سر الولع بالحياة) :

أذاع سر الولع
بالحياة
منذ أنفاسه
الأولى
صرخ في وجه
الديجور
قبل انكشاف
معالم الوهن
في رحلة عمر ... الصفحة 62 )
يقول الشاعر عبد اللطيف اللعبي في استجواب مع جريدة (القدس العربي) :
(( تعتبر القارة الإنسانية منطقة استكشاف دائم للقصيدة، والأخيرة «سفر غاية مركز الإنسان»، كما كتبت في مكان ما. إذن، نسافر وشعراء آخرين، نحو الأكثر صميمية لهذا «المخلوق الغريب» الذي تحدث عنه أخي الأكبر التركي ناظم حكمت. إننا مدركون، للمخاطر التي تحيط بسفرنا هذا. لذلك تخلى بعضنا عن منطقه بل وجلده. يرتكز عملنا على سهر دائم، وتعبئة مستمرة لما يمتلكه الإنسان قياسا إلى الكائنات والأشياء التي يتقاسم معها هذا العالم: الوعي، ومن ثمة، الذهول، الاستفهام، الإحساس الجمالي، الرغبة، الحب، شيطان المعرفة، الشعور بالتناهي، وأحيانا السخط، والشفقة، باختصار، كل هذه المقومات التي ينبغي التذكير بأنها تقريبا محرك الحياة الصحيحة. إذا اقتضى الأمر صيغة أخرى من أجل اختزال ما تمثله القصيدة بالنسبة إلي، فأقول بأنها تحريض على الحياة!))
والحياة عشق، والذات العاشقة في قصيدة (وتنصهر اللحظات في اللحظات) ، تبوح :
(وميض عينيك
يسرق لبي
يسرح في فضاءات
العشق
وأظل أرشف الرضاب
ولا أرتوي
من المعين الزلال ... الصفحة 90 )
فيكون التشبث بالحلم والحياة رغم أهوال الاعتقال السياسي:
(وكل صباح
نستقبل الأمل المتوجس
نلامس الأفق
نستقبل الحزن المفعم
وتنصهر اللحظات
في اللحظات ... الصفحة 100 )
والحياة أغنية وعشق ، لهذا يقول في قصيدة (زهو أنيق) :
(أقبلت
تشدو لحن النسائم الصباحية .
تمعن
في ذكر صبابات
أفلت في غنائية
مرحة .... الصفحة 132 ) 
ويواصل : 
(لا وقت للحزن ،
لا أمل لليأس .... الصفحة 133 )

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


5 عبق القيم والمبادئ

_ _ _ _ _ _ _ _ _ 

التي لخصناها في العنوان التالي: 

ويمكن تلخيص قصيدته (صرخة موؤودة ) في العنوان التالي : (  فراشات المقاومة والانتصار والابداع تحلق في سماء فلسطين ) ، ولنواصل تحليل هذه القصيدة :
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

صباح مغاير: فراشات الثورة

_ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _

يقول محمود درويش :

(أَثرُ الفراشة لا يُرَى
أُثرُ الفراشة لا يزولُ!)
وأثر الصباح عند حسن السوسي لا يزول ، لأنه صباح مختلف ... صباح استثنائي :
(هو صباح ثائر...
هو صباح مغاير...)
هو صباح يبتدئ بالثورة ومواجهة الصهاينة بعزيمة حب الأرض :
(صباح ليس ككل
صباح
صباح صرخة
موؤودة في صخب
النواح )
هو صباح الصرخات من آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات ، حبا في فلسطين وتشبتا بالأرض ...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __

فلسطين : فراشات الوجود

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

هي فلسطين الأرض ، أرض الأنبياء والصمود والمحبة ، ويصدح حسن السوسي قائلا:

( من عمق أرض النبوءات
فلسطين
فلسطين الشهيدة
تنشد العودة
على جسر فلذات
الأكباد )
رغم الأسلاك الشائكة والحصار والقتل والتهجير ، ففلسطين في قلب الشاعر :
( وأسلاك العار
مغتالة
الخصب في
فلسطين
تروم اجتثاث السنديانة
من جذورها
غدرا )
_ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _  _ _ _ _ _ _ _

مقاومة الحصار : حتما ستطير الفراشات

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يقول محمود درويش في (حضرة الغياب) :

( الفراشات هي الذكريات
لمن يتقنون الغناء قرب
نبع الماء )
فتصبح الفراشات الباحثة عن التوهج والضوء هي أمل العودة والخروج من الشتات والتشبث بالحياة :
( صرخة فتى مفجوع
يرقب عودة
أب بلا عودة
قضى
بلا رحمة
على حاجز هنا
في نفق هناك
على طريق هنا
في حقل هناك
صرخة الأرض المسلوبة
تنشد الانعتاق من أسر
الحيف وسطوة الحقد
وجدران الضغينة ) 
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

فراشات النصر

_ _ _ _ _ _ _ _

هي فراشات عاشت محن فلسطين ، ولم تمت فلسطين رغم الشهداء والجراح:

( يتساقط الشهداء تلو الشهداء رافعين
شارات الانتصار
وألوية النصر الآتي
تحت أزيز الرصاص)
ورغم كل الآلام والجراح ، فالأمل يبقى حيا عبر صمود الأمهات المقاومات:
(تزغرد الأمهات رغم الجراح
كناية على الأمل المفتوح
على بوابات المستقبل
زغرودة الألم المكظوم
يقض مضاجع الاحتلال
يوقظ في أعماقه رهاب المستقبل
وظلام الغايات والمصير )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

في قصيدة (شغاف القلب) الممتلئة بالحياة ، يلتجئ الشاعر حسن السوسي لتقنية الحوار المسرحي ، فيكون الحوار بين ذاتين تتبادلان وتتقاسمان المعاناة والتمرد وروح الحياة :

(قال : ما أنت
غير قلعة للذوذ
عن قيم
الثريا والسمو
ترفعين الى العلا
أمجاد قوم
في زمن
عزت فيه
الأمجاد
وتنازل عن 
العلا
من كانوا
يرتعون في القمم
الشاهقة
ذات زمان
ما عادوا يأبهون
بالأفق
ما عادوا يقرئون
الكرامات السلام ... الصفحة 150 )
وكذلك :
(قال : فماذا يضير السمو
في شموخه
ان استمرأ الأوضاع
أوحال مستنقعات
الأوضاع؟
في زمن الانكسار
ومقاومة وهدة
الانحدار .
ماذا يضير القمم
في شموخها العنيد
الأبدي؟ ... الصفحة 151 )
فيكون الجواب :
( قالت : أنا شغاف
القلب
لا أعرف الزيف
لا أعشق البدائل
المزيفة
صباح مساء
في قوافل اليأس تنشد
الخلاص ... الصفحة 154 )
وختام الجواب الشافي هو :
(قال : شغاف القلب
أنت منذ الأزل
بريق منك
يرسم صوى
على طريق كل
مسافر
في الزمان والمكان
ما زاغ عن السبيل
سار يقفو أثر صوى
موشومة على أديم
محجة عمدتها
خطواتك
وعطرتها
أنفاسك الموغلة
في الحضور
وفي الحبور.  الصفحة 156 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خاتمة بطعم انتصار الياسمين

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

يقول محمود في قصيدة (أثر الفراشات):

(
أثر الفراشة لا يُرى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبيّة غامض
يستدرج المعنى
ويرحل حين يتّضح السبيل
هو خفّة الأبديّ في اليوميّ
أشواق إلى أعلى
وإشراق جميل
هو شامة في الضوء تومئ
حين يرشدنا إلى الكلمات
باطننا الدليل
هو مثل أغنية تحاول أن تقول
وتكتفي بالاقتباس من الظلال
ولا تقول !)
ومع ديوان الشاعر حسن السوسي (روح الياسمين) ، نقتبس كلام محمود درويش ونقول للإعلامي والأديب حسن السوسي:
أثر قصائدك لا يزول ...
قصائدك جاذبية نحو فلسطين الثورة ...
قصائدك أشواق واشراق جميل...
قصائدك شامة نابعة من القلب ...
وقصائدك مفعمة بالياسمين ...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _





مجدالدين سعودي - المغرب

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

بقلم الشاعر بكري جابر

مساؤكم طيب يارفاقأعلم أن أصدقاء الفتى الطيب لا يقبلون بغير التفرد والتميز والجمال ، لذا أقدم لكم كأسا من خمر النقد الصافي  ، من ديوان  ( روى ) للشاعرة الرائعة ( عبير عبد المنعم ) ، فلنحلق في سماء من سماوات الإبداع الحقيقي ، يصحبكم فيها  خيال الفتى الطيب وقلمه........وفي القتلِ حياةٌ  يا أُولي العشاق ....( لغة المجاز و مجاز اللغة )في قصيدة ( المحكمة ) لعبير عبد المنعمإذا كانت اللغةُ هي ألةُ التواصلِ الحياتي بين البشر ، بها يتعارفون و يتواصلون عقلاً و روحاً ، مشاعراً و احتياجاً ، فلا شك أن للغةِ عند الشعراءِ ماهيةً أخرى و استخداماً غير ... ، فاللغة عندهم حياةٌ  وعوالم أخرى ، فهي كونٌ فسيحٌ فيه يتريضون ويعيشون حيواتٍ  لا يعرفها غيرُهم ، يُخلِّقون بها عوالمَ سحرية وتشيكلاتٍ إبداعية تليقُ بجلال ما يحملون داخل ذواتهم الشاعرة  من صراعات و زفرات و رؤى و أحلام ، ينسجون بها أثوابا جمالية مغايرة ، بما يكنون داخل صدورهم من زفرات ، وما يحملون داخل ألبابهم من رؤى وقناعات ، متجاوزين بها حد المتعارف عليه ، فيُحمّلونها دلالاتٍ مجازية و وجدانية ترتقي بالروح وتسمو بالعقل ،  فللغةِ عندهم سحرٌ و استعمالاتٌ أخرى ، لها عبقٌ و بخورٌ يسلب الروح و يأسر العقل ، دون أن تقترب من جذوة نيرانهم  أخليةُ العوام ، أو تقبض على جذع الشجرة داخل أرواحهم ؛ لغةٌ يستنشقها المتلقي في جلالٍ و هُيام ، دون أن يقبض على  سر الوهج ، أو يُحجِّم بؤرة الفوران الشعوري داخل الذات الشاعرة ، فيحاكمها ، أو يوجه إليها لوماً  أو عتاباً ؛ و تلك مهارةٌ لا يمتلكها كثيرٌ ممَنْ يقرضون الشعر ، بل تتأتي للشاعرالشاعر بعد توغلٍ في بحور اللغة  ، والسبح عبر أمواج معانيها و فضائتها ، واقفاً على أبعاد تلك المفردات الحيّة وكُنهها ، فيستطيع تطويعها  كيفما يشاء  ، ويحمّلها ما يشاء من معانٍ و زفرات ، متواريا خلف حروف البيان بكل مكرٍ و دهاء ، مُحتَجبا خلف ذلك الحجاب اللغوي الشفيف ، إنْ خوفا من جورمجتمعٍ أو محاكمة سلطانٍ أو عُرف أو معتقدات ؛ فاللغة عندهم ذلك الفانوس السحري ، الذي يسكنه جِني المعني ، فيَتلوّن كيف يشاء ، حسب مقدرة الشاعر الساحر ، دون أن يصيبه عُتبٌ أو حساب ، وتلك الميزة تمتلكها جُل اللغات ، ولكن تقف لغة الضاد  فوق قمة هرم الإبداع  توريةً و مجازا و حلاوة وسحرا ، (فإن من البيان لسحر) .ونرى في قصيدة ( المحكمة ) للشاعرة عبير عبد المنعم ، ذلك بوضوح وبجلاء ، مجسدة (لغة المجاز  و مجاز اللغة ) بكل مهارة و اقتدار ، فنراها تُحمِّل اللفظة الواحدة  أبعادا غيرالأبعاد ، ورمزية ساحرة تفتح للمتلقى آفاقا  فوقية و تحتية غير تلك  الآفاق ، وممُسِكة بزمام اللغة في مهارة غير عادية ، فتُحمّلها ما تشاء من أبعاد و أبعاد ، متوارية خلف ألفاظ اللغة بدهاء الأنثى و مكر الشعراء ، حفاظا على ما لديها من أعراف و معتقدات ، تبثُ بين حروف قصيدتها ( المحكمة )  نيران لوعتها و احتراق الذات  لهفة و رغبة و اشتهاء ؛ ونحن هنا في ساحة محمكتها ، نحاول السبح عبر دلالات تلك اللغة المغايرة ، علنّا نفك طلاسم تلك الذات، ونفسر سر بخور اللغة و رمزية تلك الثورات الداخلية  لمجاز اللغة ولغة المجاز  .بداية ، نقف عند العتبة الأولى للنص ألَّا وهو العنوان ( المحكمة ) فأي محكمةٍ تلك ؟ ومَنْ أطراف المحاكمة ، وما الجُرم ؟ وما الحيثيات ، ومَنْ ذلك القاضي ؟ ومَنْ هو القاتل ومن المقتول ؟ وما سبب تلك الجريمة الشريفة النكراء ؟ نرى منذ الوهلة الأولى انفتاحا في التأويل ، وتفجيراً لفضاءات عِدة ، وذلك من خلال عناصر التشويق في النص ، وتعلن الشاعرة عن ذاتها منذ البداية ، أنك أمام رمزية عميقة و دهاء أنثوي ماتع ، ومجازا مغايرا، وأنك لابد أن تستجمع كل حواسك البشرية عند الدخول إلى ساحة محمكتها الشعرية ، و أنك أمام لغة تمتلك من المجاز مجازاتٍ ومجازات :محكمة ..... قال وأسنانه تصطك. قتلتهوأعترفمنذ البداية تختبئ عبير عبد المنعم خلف ضمير الغائب (قال ) ، وكأنها الراوي العليم المحايد، لتُبعد عنها تلك السُبة في القتل المتعمد ، وتتوراى خجلا وترفعا عن عين المجمتع و المحيط الأسري  ، الذي قد يكشف عن خبيئة نفسها  ، و سر تلك الجريمة الحب ، ثم تعود إلى ضمير المتكلم ( قتلتُه ) و كأنها تستحضر ذلك القاتل المجهول المعلوم  إلى ساحة محكمتها  ليتحدث عن نفسة ، فهل هي القاتل أم المقتول  ، أم كلاهما ؟! فأي مكر أنثوي ماتع هذا المكر ؟!..!! كان لابد أن يموت.. حياته فخ لوجودهم وفنائه... سيدي القاضي.... قتلته لأصنع من عموده الفقري دعامة لظهورهم... من أضلعه حصيرا لهم ... ومن عينيه غيما يمطرهم. ويلتهم لهيبا يتربص بهمونرى هنا تلك المشهدية المسرحية في ساحة القصيدة المحكمة ؛ قاضٍ و قاتلٌ و مقتولٌ و صغار ، وما  وراؤهم من فضاءات و مجازات متعددة ، ولنتسائل عن ماهية ذلك القاضي ، ومن ذلك القاتل المدافع عن جرمه ؟ ومن ذلك الشهيد المقتول  دون ذنب أو جريرة ؟ ومن هؤلاء الصغار  الذي من أجله ارتكب القاتل الشريف جرمه في قتل بعض ذاته ؟ وهنا تقف اللغة الشعرية شامخة ، ويتحدث عالم المجاز البراح ، ليفتح مجالا للتأويل  و وضع كل الفرضيات أمام المتلقى ، كلٌ حسب قرائته للنص ومدى جناح خياله و عمق لغته ، وفق ثقافته  وبصيرته  وتمثله لدلالات الألفاظ ، فهل القاضي  هنا هو ذلك الضمير الأنثوي الذي بين جنبيها  يحكامها على قتل ذاتها العشق ؟! قد يكون  ، وقد يكون ذلك الحب القتيل يقف قاضيا ومحاكما وجلادا ؟ قد يكون  ،  وهل المقتول هو ذلك الحب الذي وأدته بين جنبيها ، وجعلت من جوارحها قبرا له ؟ أم المقتول هو تلك الذات العاشقة التي قتلت جنينها حتى لا تُوصم به ويقضي على صغارها و يهدم عشها ؟ قد يكون ؛ ومن هؤلاء الصغار الذين من أجلهم قتلت مع سبق الإصرار ؟ هل هم صغارها الذي خشيت أن يكون ذلك الحب سببا في قتلهم وتشريدهم ؟ قد يكون ، أم هؤلاء الصغار هم تلك المشاعر البريئة الطهر ،  التي خشيت عليهم تغول ذلك الحب ، و أن تُقتل ـ المشاعر العذرية البكر ـ يوما ما ، تحت وطأة نار الجسد و برودة الوجد  ، أو تحولهم من العذرية البكر إلي المادية البحت ،  فتموت تلك الصغار البرئية على صخرة التوهج مرة أو الرفض ؟ قد يكون  ، هنا نرى المجاز هو البطل الأول في تلك القصيدة الساقية ، التي لا تكف عن الهدرو الهذيان حتى نهاية المحاكمة .قصيدة الساقية ،أو هكذا نطلق على ذلك النوع من الهدر الوجداني و العاصف ، الذي لا يقف إلا مع انتهاء تلك الشحنة العاطفية من البوح  والفوران .و لنقف عن لغة المجاز أو الصور الشعرية المجازية ،والنسج الخيالي من تصوير بلاغي ، مستخدمة التشيكلات البلاغية ، فنرى (قتلته لأصنع ، من عموده الفقري دعامة لظهورهم ، من أضلعه حصيرا لهم ،ومن عينيه غيما يمطرهم ، ويلتهم لهيبا يتربص بهم )فهنا يحلق التصوير البلاغي  بأجنحة  التصوير الإستعاري ، باستخدام الإستعارة التصريحة و المكنية  بوضوح جلي ، ومهارة العزف على منوال الإستعارة والتصوير الكلي للوحة الشعرية الكلية ؛ أما عن مجاز اللغة ، فهو تلك الأبعاد الدلالية التي تفجرها تلك الألفاظ ، و استخدام اللغة استخداما مغايرا ، لتتسع لمعاني و دلالات  فكرية ونفسية  مغايرة ،  بإستخدام تلك المرادفات بصورة مختلفة ، تفتح آفاقا متعدد أمام التأويل و وضع فرضيات متعددة ، فنرى (( دعامة، غيما يمطرهم ،لهيبا ، يتربص )وهنا من خلال التأمل لكل لفظة على حدة ، نراها تفتح دلالات متعددة  وتأويلات متباينة  ومتوازية لأفق اللفظةالواحدة  ، فعلى سبيل المثال ( غيما ) فهل أصبح دماء القتل غيما و سحابة تروي ؟! فالغيم هنا يفتح آفاقا مغايرة لتلك الفظة الغيمة المتعارف عليها ، من رِي وسقاء ، بفضاء أوسع من المتعارف عليه ، في لغة التضاد  المتنافر  ، وكذلك لفظة ( لهيبا ) فيتحول هنا ماء العشق العذب إلى لهيبا يحرق و يدمر ، وعلى البعد الآخر ، نجده هو ذلك اللهيب الذي يدفئ القلب من برودة الحياة  ويمنحه حياة ، فهنا أصبح إخماد ذلك اللهيب غيما و حياة  ، ولكن للصغار فقط ، وكذلك أصبح قتلا و هلاكا لتلك الذات العاشقة ، فأصبح لفظ  اللهيب ، يأخذ أكثر من بعد ومعنى ، فهو لهيب الحياة وماؤها ، وهو الهلاك  والتشريد و القتل ، وكذلك بقية الألفاظ التي تفتح مجالا لمجاز فوق المجاز، ولغة تحتية للمعني الظاهري .ثم تستمر القصيدة الساقية الهادرة في النزف ، والبوح في ساحة المحكمة الداخلية ، وجلد الذات الشاعرة للذات الأنثوية ـ التي سوغت في عرفها وثقافتها الجنوبية ـ جريمة القتل فأحالتها إلي حياة و نجاة ،تقول :سيدي ... قتلته وفجرت ذاته التي تشبهني..  أهديه لهم نشيدا لحنه فورة أعضائي حين رغبة !!.. ترانيم صلاة أوردتي.. تخرج من عينيتهتك ستر نيران متقدة في !!وهنا تظهر الذات الشاعرة جلية و اضحة وضوح الشمس ، في محاكمة الذات للذات ، ( ذاته التي تشبهني ) ( فورة أعضائي حين رغبة ) ( ترنيم صلاة أوردتي ... تخرج من عيني ) ( ستر نيران متقدة فيِّ ) هنا تبيّن الذات الشاعرة ، أنها القاتل و المقتول في آن واحد ، وأن القاتل ، هو الغائب الحاضر فيها و لا يغيب ، وهم كذلك لا يغيبون عن المشهد ( الصغار ) ، و الأعجب جملة ( ترانيم صلاة أوردتي ) فالمتعارف عليه أن القتل يكون للرجس والدنس الحرام ، ولكن هنا القتل للطهر والبراءة  ، لتتجسد تلك الثقافة الشرقية ، بعقل عبير  عبد المنعم  واقعا حيا ، في أن العشق الطاهر قد يتعارض مع البُنيان المجتمعي الجامد  ، فتقتل براءتها بمحض إرادتها ، إحياء و تجسيدا لتلك الثقافة الجنوبية ، و الموروث مجتمعي الذي نشأت فيه و تتبناه ، حتى و إن كانت رافضة له ، فتقتل ذاتها لتحيا في ذوات أخرى ، ولكن هيهات لذاك المقتول أن يغيّب في غياهيب قبر الضلوع ، فلايزال ( متقدة فيّ) فماذا فعلت إذن ؟!.ولكن تأبي تلك الذات الشاعرة ، إلا أن تكون حكيمة و فيلسوفة ناصحة للغير ، علّها تهدم ذلك الموروث  القميئ  في غيرها ،ناصحة و محذرة  ، فتتحدث  بلغة الحكمة والحزن ، قائلة و بعلو  صوت الذات الداخلية ، حذار أن تبحثوا عن سعادتكم في عيون الآخرين مهما يكن  ، فلن يمنحكم الغير  مهما كانوا حياة  بديلة عن تلك التي فقدتموها ، فتقول  :...  سأنشر رسالتيلا تدسوا احلامكم في عيون الأخريننقبواعن صرخات في عمق انفسكمهكذا تعترف  ، وهكذا تنقل خبراتها الحياتية بلغة الأنثى المقتولة إلى بني جنسها ، حتى لا يموتون مثلها ، ثم تسترسل منفصلة عن الوعي الشعوري  إلى اللاوعي  ، مفجرة صرخاتها في ساحة محكمتها التي تنصبها لذاتها ، و لمجتمع الجبر  ، محاكمة وجلدا علّها تتطهر ،  وتغسل ببوح إعترافها على مذبح التطهر ما يعتري روحها من عذاب  و ذنب ، علّها تهدأ قليلا ، فتقول  :.. سيدي القاضي.. قتلته فلم يكن معي ثمنا لحلوى يحبها لم استطع ان ادفأ اطرافه قتلته ... كان صراخه يجعلني هشا قتلته خفت عليهم حشرجة المناجل ووحشية المعاولفقتلته ...بفلسفة ( المطهر ) في الثقافة المسيحية ، تقف لتتطهر أمام الذات ، ولتنفض عن روحها ذلك الغبار المجتمعي الآثم ، هامسة في غفلة عن عيون المجتمع ، ومستخدمة أرقى لغة للإعتراف ، بلغة  المجاز  المتعدد الأبعاد ، وكأنها مريم البتول ، التي تُنزّه ذاتها عن دنس الخطيئة ، وكأن الحب قد صار في عينها خطيئة  وذنبا ، و لا ندري مما تتطهر ، أمن جريمة القتل أم من جريمة العشق ؟!  .لم استطع أن أدفئ أطرافه ،قتلتهكان صراخه يجعلني هشايا للصراع الداخلي ، و المصارحة  بطبيعة الأنثي التي تقف هشة  نشوانة، فاقدة القدرة على التحكم في صهد الذات أمام رغبة الذات ، فتقتل روح أنوثتها بمحض أنوثتها ، وهنا تظهر شموخ الأمومة و كبرياء التضحية و إنكار المشاعر و الذات ؛ (قتلته خفت عليهم حشرجة المناجل ، وحشرجة المعاول  ) لنقف هنا ليس عند لغة المجاز ، في التصوير الإستعاري للعواطف وشهوة الأنثى  بالمناجل الحادة و المعاول المفترسة ، لنتحول إلى مجاز اللغة في تلك الألفاظ الخلابة، فهنا تأخذ  (المناجل و المعاول) دلالات متباينة متوازية متنافرة ومتوافقة ، فنرى فورة الوجدان وثورة المشاعر تتحول إلى مناجل ، و المتعارف عليه أن المنجل للحصد و الذبح ، فهنا  المنجل قتل ، وهناك على المعني التحتي  يكون  طعام وحياة ، حياة لهؤلاء الصغار ، و في ذات الوقت قتل لبراعم الحب و ورد الحياة في الأنثى ، و كذلك لفظة ( المعاول ) التي تحيلك إلى معني غير المتعارف عليه من أنه آلة  للهدم  ، فيتحول على البعد الآخر  إلى آلة للتشييد والبناء ،  يشيد ويبني حياة هؤلاء الصغار ، فالمعاني التحتية للألفاظ أكثر عمقا وفتحا للعديد من التأويلات .ثم تأتيك  عبير عبد المنعم في لحظة صدق ، و اعتراف باكٍ ، ينزفها لغةً شعرية ، ودموعا  تتواري خلف حجاب الأمومة و الشموخ ، بمفتاح القصيدة  ، في لحظة صدق وندم  ، فتقول :
.. ربما كنت انانيا ربما تحطمت نظارتيفلم تعد تسعف خطواتي أو كانت المسرحية لا تحتمل وجوده.... مع أنه بريء نقي هاديء عبقري... لكن كان لابد أن يموتخشبة المسرح لم تتحملنا سويافهنا تعترف بالأنانية و قصر النظر ، و انعدام البصيرة و الجبروت ، وكل ذلك يتماس بقدر كبير  مع طبيعة المنشأ والمحيط المجتمعي في جنوب الصعيد ،من وأد لأية مشاعر قد تُعرض حياة الأسرة إلى ريح الهوى وعواصف العشق ، حتى و إن كان برئيا و هادئا ، نديا وعبقريا ، فخشية المسرح الجنوبي لا يعترف بمثل تلك الدراما الإنسانية ، فتأد المرأة الجنوبية جنينها العذري بين شقي رحى ، الأمومة و العُرف ، جبروتا و قهراً ، وقد نرفق بها فنقول فداء و وفاء .  ثم تأتي مرحلة العواء و العديد و الصراخ و الجلد ،  و الإنهيار في ساحة المحكمة ، أمام قاضيها الذات ، فنرى تلك الذات الشاعرة المتجبرة ، تتخلي وبكل جبروت أنثوي عن كل أقنعتها الجمود ، فتهذي حد الهذيان ، فنراها متحدثة بلا وعي ، ممزقة كل أقنعتها التي تتوراى خلفها ، في لحظة صدق ، و انفصال الذات الشاعرة عن تيار الوعي ، متماهية في اللاوعي ، فتزلزل أركان محكمتها وقاضيها  ، باكية نادمة ، عاشقة شرهة حد الجنون ، مستحضرةفي ذاتها المقتولة، كمحامي دفاع ، وصكوك غفران يغفر لها جريمة اللوعة و التصريح و المكاشفة الداخلية ، إن لام لائم أو صوّب نحوها سهام  الملامة والعتب ، فتصرخ و تتوجع ، خلف تلك الجدان الحجرية التي  قتلت نفسها عشقا و كبتا ، فتقول :الغيم لن يلد مثله ... أما هياتت اخذتهحملت فيهخبأته رحم روحها ميتاميتا ... سيدي القاضيأنا قتلته.... هي تحاول لملمة اشلاءه أنا اعترفكلما حاولت هي ...أنا افتته من جديدوهيهي تحاول ...!!!وهنا نرى ذلك الجبروت من تلك الأنثى ، التي رُغم مرحلة الإنهيار والصدق  الوجداني في  قمة الإنشطار الإنساني ، تتوارى خلف ضمير الغائب ( هي ) ، وكأن تيار الوعي ، عندها أقوي من اللاوعي حتي في لحظة الهذيان  ، وأن ذاتها التي ضحت بها وقتلتها ، تخشى عليها  حرارة التصريح  و الكشف ، فتخشي أن تخسر تلك الذات الواعية أن يُنزع عنها وسام  التضحية ، وتفقد نوط الشهادة  وأن تفقد  عرش المهابة و الجلال الذي ضحت من أجل أن تناله في عيون الآخرين ،  فالتصريح والمكاشفة بمكنون اللوعة و الوجد في نظرها لن يجدي ، و لن يعيد ما قد مات ،  فيكفيها خسارة واحدة بدلا من  خسارتين ، فلتبقي على ذلك الثمن الزهيد، الذي لن يشبع و قد يفيد ، و يكفي أنه المكسب  الوحيدالذي خرجت به من تلك الحرب الضروس ، التي فقدت فيها صهد الأنثوية  وزهر القلب ، فبكل وعي شعوري ، لا تتماهي في رفع الحجاب ، بالكشف عن مكنون الذات  ، وإِنْ يكن  حيا ذلك الذي قد تواري خلف حجاب ، فليظل متواريا . ... سيدي القاضي انتابتني حمى لا بل حراب تمرق عبر أكتافي ورياح توثقني ... ... قتلته ال بريء لأجلهم ليتني تركته يأكل نصف حلوىيحلم نصف حلم ...... هم الوهم الحقيقي ليتني تركته... يلهو معهم ويمرح ولم اقتلهوألقه غياهب الخديعة ...... كم مرة استدرت كي أنقذه.... لكنهم كانوا بحاجةلحصير وعمود يقيهم تصدع الغد حولهم ....كانوا بحاجة لعينيه ....... كان لابد أن أقتلهسيدي القاضي ... أعترفقتلني ...لابد لنا من وقفة نفسية و سيكلوجية مع طبيعة اللغة ، من خلال الإبحار بين أمواج حروف جملتين من أخطر  جمل القصيدة ، وتعبر بدلالة قاطعة الدلالة على تطوير طبيعة الأنثى مع مراحل الحياة و الزمن ، وأن مشاعرها تتنامي بتنامي الزمن ، ككل كائن  كلما مرت عليه السنون و تفاقم عليه  تيار الحنين  ، ألا وهما جملتي (  قتلته فلم يكن معي ثمنا لحلوى يحبها ) وهنا تعبيرا عن مرحلة عمرية معينة ، من الحدة و الصلابة  التي تتوافق مع ريعان الشباب ، ثم جملة  ( ليتني تركته يأكل نصف حلوى ) وهنا مرحلة أخري ،  فنري مرحلتين من حياة  المرء على العموم ، و الأنثى على وجه الخصوص ، خاصة تلك التي تنحدر من أقاصي الجنوب ،  فرغم أنها كانت تمتلك الحلوى  بكل نضارتها ( كل حلوى الأنوثة الطاغية الناضرة في ريعان الشباب ) ثم تمنعها  وتقصرها على هؤلاء الصغار ، و تدعي بتحجر قلب ظاهري ، و فطنة عقل و واقعية حياتية متوافقة مع المحيط المجتمعي الذي نشأت فيه ، فتدعي أنها لا تمتلك تلك الحلوى ، ثم عندما تمر السنون ويكبر هؤلاء  وتكبر هي معهم ، تشعر بالوحدة و الحنين ، خاصة عندما  ينصرف كلٌ إلى غايته في الحياة  ، مخلفين لها فراغا روحيا وحياتيا ، تفتح صندوق الذكريات ، وتتحس مظاهر حلوتها فتندم أشد الندم ، خاصة بعدما ينقضي دور الأمومة ،  يظهر بكل جلاء وجه الأنثى الأنثى  ، متحسسة بعض حلواها في مرأة الزمن ولسان حالها يقول :  ليتها كانت منحته بعض حلواها  ، ليلهو معهم ، وتلهو هي معهما  ، ولكن هيهات هيهات !!فهناك جملة مفصلية في قصيدة المحكمة عند عبير عبد المنعم،  تتكئ عليها ، وكأنها تلتمس لنفسها صك البراءة أمام نفسها ، و أنها ما ارتكبت تلك الجريمة النكراء ( القتل ) إلا شرفا ونبلا  ، وتلتمس لنفسها أيضا العزاء والسلوان ، ألا وهي جملة ( لكنهم كانوا بحاجة  ، لحصير وعمود يقيهم تصدع الغد حولهم )  ولنتسائل  إذا كان قتلك و قتله داخل جنبيك عمودا فقريا وحصيرا لهم ، فأين عمود أنثاك  الفقري و حصيرك أيتها الذات الشامخة المتهدمة ؟؟!!.تلك القصيدة الساقية الهادرة حد الهدر بهمس وصراخ  ، وعواء ونحيب ، تتشكل كل آليات النسج الدرامي  من خلال المنولوج الداخلي ، والبعد الفلسفي والنفسي  لمجاز اللغة  في التعبير عن الوعي و اللاوعي الشعوري للذات الشاعر ، والنسج بالتعبيرات المجازية في تصوير ليس تقليدي ، بل يتماهي مع فورةالوجدان وصدق التجربة  ، خاصة إذا كانت تلك الذات تمتلك و بمهارة من كنز اللغة ، ومعرفة دلالاتها البعيدة للمعاني التحتيه للمضمون الدلالي و لفحوى المفردات في كل حقل  ، فتستخدمها بوعي رمزي ، محافظة على بكارة تجربتها الشعرية من الوقوع في الغموض ، مع الإبحار الممتع في عمق الخيال ، و فتح فضاءات جديدة لأبعاد لغوية ، نطلق عليه مجاز اللغة ، الذي يحيل المتلقي لأبعاد جديدة للغة الشاعرة  بفضاءات قد تكون متنافرة ومتوازية ومتناقضة و منفتحة على شتى التأويلات ، ليغترف المتلقي من ذلك المعين الدلالي ما يتوافق وثقافته ، وما يسمح له جناح ذائقته بالتحليق مع الذات الشاعرة  ، مع الإمساك الجيد للخيط الدرامي ، وتصاعد الهذيان و الفوران الشعري ، واستخدام اللغة التي تتماشي مع طبيعة البيئة المكانية و الزمانية ، وكذلك الموروث الديني والقيمي ، والحفاظ على الحجاب الأنثوي الشفيف ، الذي لا يشين  حجاب التصريح ، باستخدام الضمير بكل مهارة واقتدار ، و التنقل الواعي  ما بين ضمير الغائب  و المتكلم والمخاطب ، بقلم المكر و الجمال و الدهاء ، وذلك حجاب رقيق يصف و لا يشف ، فتظل معه متوارية  في خفر ودلال ، خلف لغتها المتمايزة ، وإن كانت تنزف حد النزفن وهي الواقفة على باب البوح و الرجاء  .و إن كان ثراء التجربة ومجازا اللغة وحلاوة العرض  ونصاعة النسج ، لا يغني عن إغفال الإيقاع الموسيق و الإيقاع الذي افتقدته القصيدة ، ولكن نلتمس العذر لفورة الوجدان ، وغلبة الحالة  والصدق على الحبكة الصناعية ، فجاءت القصيدة مطبوعة بروح الوجد و النزف ، لا مصنوعة  بحبكة الصناعة و النظم .
بقلم .. الفتى الطيب / بكري جابر

الجمعة، 7 يونيو 2019

بقلم الشاعر محمد عبد القادر زعرورة

عِيدي  يَومَ اعود 

العيدُ يُفرِحُني لو كُنتُ                       في بلدي أمرحُ مَعَ الاترابِوُيُسعِدُني لو كُنتُ في                       وَطَني وُيُحَنِّي كَفَيَّ تُرابيتُلبِسُني والِدَتي قُمبازي                       وَتقولُ لي يا شيخُ الشَّبابِفي أيِّ عيدٍ أفرَحُ                      ويَغيبُ عَنُِي جَميعُ أحبابيالعيدُ يُؤلِمُني وَيُبكيني                   يَمُرُّ مُذَكِّراً بِالأهلِ والأصحابِيُذَكِّرُني بِتُرابٍ ذُقتُهُ                    أَحِنُّ أعشَقُهُ ويَعشَقُني تُرابيتُرابٌ حَبَوتُ عَلَيهِ قَبَّلَني                   قَبَّلتُهُ وَلَثَمتُهُ بِشوقٍ وَإعجابِأسقُطُ عَلَيهِ يَحضُنُني                       اسمُ اللهِ عَليكَ أعَزُّ أحبابيحَتَّى التُّرابُ جَلبتُهُ مِن                      بَلدتي سَرقوهُ فازدادَ عَذابيتُرابٌ من ثَرَى وَطَني                  أشَمشِمُهُ بِالعيدِ يُخَفِّفُ إكتِئابيسَرَقَتهُ مِنِّي عِصاباتٌ                    جَاءتْ لِتَقتُلَني لِعِشقي لِلإيابِوَالعَودَةُ لِلوَطَنِ الحَبيبِ                 مُعلِنَاً رَفضِيَ لِطَردي والاغتِصابِاغتِصابُ وَطنٍ وَأرضٍ              مُقَدَّسَةٍ أحبَبتُها بِسُهولِها والهِضابِبأيِّ عيدٍ فَرحَتي ؟! عِيدي                    يَومَ أعودُ مُحَرِّرَاً قُدسي تُرابي
في  /  ٥  /  ٦  /  ٢٠١٩  / بقلم الشاعر محمد عبد القادر زعرورة ...
....القمباز: ثَوبٌ فلسطيني من الحرير المُقَلَّم

بقلم رانيا خوجة

كل عام وأنت عيدي 
كل عام وأنت عيدي 
كل عام وأنت معي 
سعيد ..
كل عام وأنت بهجتي 
وسروري ..
وأسرق لك من ثغر القمر 
بسمة وأهديك ..
كل عام وأنت أملي 
يا أملي ..
أنت خير رفيق لي 
وأجمل أعيادي ..
فيك وجدت كل ما 
يسمو ويجبر ..
ساكن أنت بدمي 
يا عيدي ..
*******