‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال تحليلي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال تحليلي. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 8 أغسطس 2019

بقلم محمد أديب السلاوي

العنف على الخريطة العربية، مجنون، مجنون، مجنون...

-1-
العنف في العالم العربي، أصبح كالماء والهواء، مألوف في حياتنا السياسية / في حياتنا الاجتماعية / وفي حياتنا الدينية أيضا. أين ما أدرت وجهك، فثمة عنف يلاحقك. في المدرسة / في البيت / وفي الشارع، وفي الأسواق، كما يلاحقك في السلطة ومكاتبها وإدارتها العمومية. ذلك لان العنف وكما حال التطرف والإرهاب والعدوانية والصراع السياسي و الطائفي والإيديولوجي، أصبح يشكل امتدادا في عمق الفعل العربي مشرقا ومغربا، وهو كنزعة هدامة أصبحت تهدد الخريطة العربية بالاحتراق، إن لم نقل بالفناء.
بعد مرحلة طويلة من التاريخ، كانت هذه الخريطة مطبوعة بالقمع والإقصاء والتهميش والصراعات الساخنة بين السلطة والمعارضة، بين الحركات الوطنية والحركات الاستعمارية، تطل عليها مرحلة جديدة مطبوعة بكل أشكال العنف، وهو ما حول هذه الخريطة، إلى صورة مشوهة / صورة لا تطاق.
الدولة العربية الحديثة، شيدت نفسها ورصت بنيانها على تضاريس هذه الخريطة بالعنف والاستبداد / بالقمع الدموي / بالتسلط السياسي والديني...ضدا في طموح شعوبها / ضدا في مبادئ حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون و ضدا في كرامة الإنسان. مشاهد هذه الحقيقة ما زالت تطل علينا من كل تضاريس هذه الخريطة، وأبطال العنف الأسود الذين نصبوا أنفسهم أسيادها، ما زالت صورهم حاضرة في أذهاننا ساطعة لامعة في عقولنا.
الدولة العربية الحديثة، قامت على احتكار آليات العنف / هي التي تملك الأسلحة / هي التي تشيد وتدير الشجون / هي التي تقضي بالإعدام وتنفذه في معارضيها، هي التي تصنع القوانين / هي التي تملك الرأسمال البشري والمالي والصناعي / المادي والمعنوي، وهي التي تديره وتوزعه.
-2-
إن الجسد العربي أنهكته موجات العنف المتعاقبة / عنف الديكتاتوريات / عنف الجهل والأمية والفقر والتهميش / العنف الذي دمر الإنسان العربي، على مرأى ومسمع من قيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان. بعد عنف داعش الذي أتم تدمير ما تبقى من العراق بعد تحريرها من الاحتلال الأمريكي، وما تبقى من سوريا التي دمرها نظام الأسد، إضافة إلى العنف الذي دمر ما تبقى من ليبيا، بعد تخليصها من دمار القذافي، بعد كل هذا، يأتي عنف التطرف والطائفية الذي جر اليمن ومصر وما تبقى من الخريطة العربية، إلى الجحيم.
أما عن المغرب العربي، فالأوضاع بها تغلى في سكون مريب، ولا احد يعرف لا متى ستنفجر، ولا متى ستأخذ طريقها نحو العقل والطمأنينة.
وخارج كل هذا "العنف" سيظل مشهد العنف الإسرائيلي، الذي اسقط فلسطين في الوحل حاضرا ومخيفا، انه اسقط فلسطين وقضيتها إلى مدار مظلم، افقد المستقبل والهوية لإنسانها، لتاريخها وتراثها، وجعلها قضية تبحث عن عنوان في خراب الخريطة العربية.
معنى ذلك، في نهاية المطاف، أن العنف على الخريطة العربية، بعدما دمر الإنسان والأنظمة والبنيات التحتية، ترك وراءه مشاهد الخراب المخيف، الذي لا طعم ولا لون له، وهو ما يجعل الإنسان العربي في القرن الواحد والعشرين محكوم عليه بالإعدام، مع وقف التنفيذ.
-3-
يرى العديد من الباحثين والمؤرخين والمعلقين السياسيين في جهات عديدة من العالم الراهن، أن الهجوم المرعب على مبنى مركز التجارة العالمي في 11 شتنبر 2001 هو الذي فجر إشكالية العنف والإرهاب على تضاريس الخريطة العربية، التي أصبحت بعد هذا الحدث مباشرة، خريطة "جهنمية" مشتعلة بالنهار والليل.
إن إشكالية العنف على الأرض العربية، بعد الحدث الأليم (11 سبتمبر) أخذت تتطور بسرعة فائقة، بعد أن ظهرت " جماعات الجهاد" و"داعش" ومن قبلهما "جماعة القاعدة" و"جماعات التكفيريين والجهاديين" إضافة إلى الإرهاب الإسرائيلي الذي يضرب بعنف ويدمر بعنف ويغتال بعنف الإنسان الفلسطيني، والإنسان العربي على العموم . وبصورة عامة بعد القضاء على أنظمة وظهور أخرى، بعد أحداث الربيع العربي، وبعد دخول الدول المسلحة الكبرى على خط التغيرات المحدثة على الخريطة العربية، التي جاءت لتغذية هذه الإشكالية بما تملكه من استراتيجيات وأسلحة تدميرية ومعلومات واتصالات الكترونية، بعد كل ذلك، أصبحت لإشكالية العنف مشروعيتها القصوى على هذه الخريطة.
تطرح علينا وعلى العالم من حولنا هذه الإشكالية مئات الأسئلة، لما لهذه الحالة من إشكاليات وتمظهرات واتجاهات وأهداف ومستويات من الصعب الوقوف عندها أو قراءتها. بعد أحداث الربيع العربي، وبعد دخول الدول المسلحة الكبرى على خط التغيرات المحدثة على الخريطة العربية، التي جاءت لتغذية هذه الإشكالية بما تملكه من أسلحة تدميرية ومعلومات واتصالات الكترونية.
إن مشاهد العنف في الحياة العربية اليوم، (بعد الحادي عشر من شتنبر 2001) بقدر ما تتجه إلى المستقبل المجهول، إذ لا يدري أحد منا إلى أين تتجه الصراعات العنيفة على الأرض العربية، تتجه هذه المشاهد إلى صراع مستقبلي عنيف بين الحضارات والثقافات / بين المكونات الاثنية التي تتشكل منها مجتمعاتنا العربية، وهو ما يعطي لحالة العنف، مشهدا شاملا من الصعب قراءته أو تفكيكه أوإعادة تركيبه.
-4-
كيف لنا أن نفسر الدماء التي تسيل يوميا بغزارة في سوريا والعراق واليمن ومصر ولبنان وليبيا وتونس وفلسطين والجزائر، وفي دول الخليج العربي؟ كيف نفسر هذه الموجة الهوجاء من الجماعات المتطرفة والطوائف والحكومات والأحزاب التي تحترف القتل والخراب والعنف الجهنمي باسم الإسلام السياسي أو باسم السلطة، والتي تجاهد في المسلمين خارج كل المقاييس ؟.
من أغرب الوقائع التي تعرفها الخريطة العربية اليوم، في مشرقها ومغربها، أن كل النخب الثقافية والسياسية، وحتى المتطرفة منها، تدعي رفضها للعنف في جميع صوره وأنماطه، وبعضها يؤكد أن العنف سلوك مناف للمفاهيم السياسية وللقيم الدينية وللمبادئ الإيديولوجية الصحيحة ولجوهر الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، ولكن غالبية هذه النخب تستعمل العنف كمصدر للمشروعية لتمكين الإنسان العربي من حقوقه وواجباته! ؟.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقوة على الخريطة العربية : كيف يمكن إحداث التغيير؟ كيف يتم القضاء على هذا العنف وبأي سلاح...؟ والى أي حد يستطيع العالم العربي القضاء على القهر المادي والمعنوي / السياسي والديني الذي تمارسه طوائف الجهاديين والتكفيريين وأحزاب الإسلام السياسي ، والسلطات الإرهابية...؟


من يستطيع الإجابة عن هذا الركام من الأسئلة في عالم اليوم ؟

محمد اديب السلاوي 

الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

بقلم محمد اديب السلاوي

الفنان محمد بنعلي الرباطي (1861_1939)
الأب الروحي للفن التشكيلي الحديث بالمغرب.

-1-
على فضاء عروس الشمال مدينة طنجة ،المطلة على القارة الأوروبية وفنونها وثقافتها وحضارتها، والتي استقطبت مبكرا أفواجا من الكتاب والفنانين والمفكرين من أوروبا وأمريكا / على فضاء هذه المدينة المغرقة في العشق الإبداعي، خطى الفنان الرائد محمد بنعلي الرباطي ،في مطلع القرن  الماضي خطواته الأولى في فن الرسم التي جعلت منه أول رائد للفنون التشكيلية بالمغرب.
لم يعرف محمد بنعلي الرباطي تعليما أكاديميا في فن الرسم، إلا أن اعتياده على مشاهدة الرسم وتعامله مع عدد من الفنانين العالميين المقيمين بمدينة طنجة، واحتكاكه بمراسمهم ، أيقض رغبته ومواهبه للرسم والإبداع.
منذ البداية أبدع عالما قريبا من الواقعية، جسدت أعماله التشكيلية كل ما رأته عيناه، كل ما عاشه من أحدات ومشاهد، إذ جعل موطنه طنجة موضوع مشاهدة بصرية تشكيلية، أبهرت المبدعين الغربيين قبل غيرهم، في وقت لم يكن فيه للمغرب أي معرفة بالفنون التشكيلية الحديثة.
-2-
في سنة 1916 نظم له الفنان الايرلندي السير لا فيري معرضا لأعماله التشكيلية برواق غوبيل بلندن / بريطانيا، وكان هذا الحدث سابقة في المملكة المتحدة، حيت لم يسبق لأي فنان مسلم أن عرض أعماله الفنية بها.
وبعد ثلاث سنوات نظم معرضه الثاني بمرسيليا/فرنسا، بحضور العديد من الفنانين الغربيين والمهتمين بالإبداع التشكيلي.
في المعرضين قدم الفنان بنعلي الرباطي أعمالا إبداعية، شكلت مدينة طنجة، منبع إلهامه الموضوع والقضية، إذ قدم باللون الصافي الوجوه والأسواق والعادات، الرجال والنساء والأزقة والحارات ومواكب الأعراس التي أبان من خلالها مهارته الإبداعية وقدراته في الرسم والنقش والتزويق وعمق الرؤيا وعمق التمكن من الريشة
وسواء في لندن أو في مرسيليا، استأثرت أعماله التشكيلية باهتمام العديد من النقاد والكتاب والفنانين، لما لها من أصالة وأهمية، حيت كانت ملاحظة العديد منهم .تتركز على شخصياته المبسطة، بضربات ريشة محددة،والتي تسلط الضوء على تألق الألوان، وعلى النظرة التعبيرية للفنان..
في سنة 1922 نظم معرضه الثالث بقصر المامونية بمسقط رئسه/ الرباط بدعوة من مصلحة الفن المعاصر التابعة للإقامة الفرنسية، إذ حضر حفل تدشين هذا المعرض نخبة من الشخصيات الفرنسية والمغربية التي أبهرت بالجمال الإبداعي الذي يطبع أعمال هذا الفنان.
من هذا المعرض توجهت العديد من أعمال الفنان بنعلي الرباطي إلى متاحف باريس ولندن وستوكولم، بعدما وصفته أقلام بعض النقاد برائد الفطرية وأطلقت عليه أقلام أخرى رائد الواقعية التشخيصية الذي تعتمد أعماله التشكيلية الدقة في الخط والرسم، ما يجعلها قريبة من التصوير الاستشراقي.
-3-
*ازداد الفنان محمد بنعلي الرباطي بمدينة الرباط سنة 1861
*في سنة 1886 انتقل مع أسرته إلى مدينة طنجة
*في سنة 1903 عمل طباخا لدى الفنان الايرلندي السير جون لافيري (فنان بلاط ملكة بريطانيا) وببيت هذا الفنان يبدأ بنعلي الرباطي في ممارسة التصوير التشكيلي بالصباغة المائية. 
*في سنة 1916 صحب السير لافيري إلى العاصمة البريطانية لندن، حيت أقام معرضه الأول في رواق غوبيل.
*في سنة 1919رحل إلى مدينة مرسيليا /فرنسا لينظم معرضه الثاني مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى، ويظل مقيما بها إلى سنة1922 حيت عاد إلى مدينة طنجة.
*في هذه السنة (1922) نظمت له مصلحة الفن المعاصر بمسقط رأسه الرباط معرضه الثالث بقصر المامونية.
*في سنة 1933 حصل على مرسم خاص برياض السلطان بمدينة طنجة، إذ أصبح فنانا معترفا به من طرف السلطات الرسمية. وفي هذه السنة أيضا افتتح رواقه الخاص بقصبة طنجة، وقد يكون هو أول رواق للفنون التشكيلية بالمغرب.
*في سنة 1939توفى الفنان الرائد،الأب الروحي للفن التشكيلي الحديث بالمغرب،تاركا أعمالا فنية تؤرخ لمرحلة مهدت للحداثة الفنية بالمغرب، تشهد على ريادته الإبداعية.
أعماله تعد تركة تاريخية، تؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ مدينة طنجة، بنظرة تحترم القيم والتقاليد المغربية. 
*خلال حياته رحمه الله عمل إلى جانب هوايته الرسم، عمل طباخا ونجارا وعاملا في معامل السكر وإطفائيا في الجيش الاسباني، وحارسا في وكالة بنكية.
رحم الله فناننا الكبير، الذي لم يأخذ حقه حتى الآن إذ مازال بيته بقصبة طنجة ينتظرإنقاذه من السقوط وتحويله إلى متحف يحمل اسمه وأعماله وما كتب عنه.
أفلا تنظرون... ؟.



محمد اديب السلاوي 

الأربعاء، 31 يوليو 2019

بقلم محمد اديب السلاوي

الجيل المغربي الراهن.. 
من معركة التحرير إلى معركة 

-1-

إن الجيل الحالي الذي يخوض معارك الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان بالمغرب على كل الواجهات يأتي مباشرة في الترتيب الزمني الجيل الثاني بعد الذي خاض معركة التحرير بكل ضراوتها وعنفها وخطورتها انطلاقا من معركة حمو الزياني إلى معركة عبد الكريم الخطابي، ومنها إلى معارك الاستقلال والحريات العامة.
جيل فتح عينيه على المغرب وقد أنهى صراعه المسلح مع الاستعمار المباشر ليدخل في صراع بناء الاستقلال الذي لا يقل خطورة ولا أهمية عن الصراع السابق. إنه الجيل الذي وقع على وثيقة الاستقلال وآمن بأن حركية الحياة والتاريخ تفرض منطقها الذي يدفع بالحياة إلى الاستمرار بمشاكلها وأزماتها وصراعاتها وإرثها المتواصل.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بحدة على الأجيال المغربية الجديدة: هل استطاع المغرب توظيف مكاسب أجياله السابقة وصراعاتها في بناء المغرب المستقل؟
إن ما تؤكده الوقائع والأحداث أن جيل عهد الاستقلال ركب سفينة التحدي منذ البداية لا فقط لأنه استلم مغربا متعدد المشاكل والأزمات من الإدارة الاستعمارية، ولكن أيضا لأنه استلم مغربا في حاجة ماسة إلى دمجه في العصر الحديث وانخراطه في نادي الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات.
إنه ورث قضايا ومشاكل وأزمات تمتد بجذورها إلى حقبة طويلة من التاريخ حيث كان الكل يجري في غرف مظلمة وكان الرأي والقرار يتخذان بعيدا عن الجماهير وعن اهتماماتها وطموحاتها، إنه كان يطمح لوطنه بعدما استرد استقلاله أن يلعب دوره التاريخي على الساحة وهو في حالة تسمح له أن يوفر الكرامة والعيش الكريم والتربية والصحة والشغل لكافة المواطنين، وأن يعم الازدهار كل القطاعات الوطنية، وأن يلعب دوره بنجاح وإتقان ومسؤولية، وأن يسهم في الصراع الدولي على قدر حجمه التاريخي، وأن ينتزع حقوقه المغتصبة في التراب الوطني بكل قواه، وأن ينتزع حقه من وسائل الازدهار والتقدم الحضاري والتكنولوجي، وبجهده وعرقه وصدقه.
تلك كانت طموحات جيل ما بعد جيل التحرير، فهل تبخرت هذه الطموحات أم أصابها الإحباط والتراجع؟

-2-

نعم، فتح الجيل المغربي الجديد عينيه على مغرب مطوق بالأزمات، ووجد نفسه في عهد الاستقلال يتحمل العديد من المسؤوليات الموروثة عن الأجيال الماضية، ومن ضمنها حماية الاستقلال والوحدة الترابية وتأمين حقوق الإنسان وحرية الرأي ودعم دولة الحق والقانون وتوسيع دائرة الديمقراطية وحماية مكتسباتها ومزجها بالمثل والقيم الذاتية والقومية للمواطن المغربي، ووجد نفسه أيضا يتحمل مسؤوليات أخرى ترتبط بشروط الاستقلال، تدخل ضمن ذلك الإرث العظيم الذي تسلمه من يد الجيل السابق، منها مسؤولية تعميق خطة التربية والتعليم في نفوس العباد لتكون ملائمة أكثر للواقع الثقافي والاجتماعي والحضاري حتى يصبح التعليم مفتاح التقدم والازدهار، ومفتاح تحقيق كل أحلام الاستقلال وحقا من حقوق المواطن من المهد إلى اللحد.
وجد الجيل الجديد نفسه وجها لوجه أمام مسؤوليات مستعجلة تتصل بتأمين الخبز والشغل والصحة لملايين المواطنين في بلد مازالت بنياته الاقتصادية تشتكي من أمراض الماضي بسبب التخلف الذي يطوقه من كل الزوايا وبفعل مخلفات الفترة الاستعمارية، وهي مسؤوليات أغلبها استثنائية، ولكنها حاسمة، وهي المسؤوليات نفسها التي جعلته يركب سفينة محفوظة بالمخاطر، يناضل من داخلها ضد اليأس والإحباط كجيل استثنائي بكل المقاييس والمواصفات.

-3-

إلى منتصف القرن الماضي، كانت "الأزمة" في أوروبا الغربية نتاجا طبيعيا ومباشرا للخلخلة الاقتصادية التي عرفتها هذه القارة بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تكن تمس المناحي الأخرى في حياة الناس، لأنها كانت محاصرة بموانع الثقافة والفكر، وبأسس التربية الأولية للأفراد... لكن يبدو أن أزماتنا المغربية تتخذ اليوم منحى آخر، تطورت كمفهوم وكواقع اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي عام، إلى الحد الذي أصبحت شاملة تتحدى كل الموانع الموضوعة في طريقها.
وإلى منتصف القرن الماضي أيضا، كانت "الأزمة" في المغرب ديمغرافية واقتصادية بحثة، لكن بسببها بدأت المقومات الأخلاقية في الانهيار، وبدأت التوازنات الاجتماعية والاقتصادية... وحتى السياسية في الانحدار، وأصبحت الأزمة تأخذ حجم الغول الذي يلتهم كل ما في طريقه.
إن الحالة المغربية لا يواجهها اليوم التحدي الديمغرافي وحده، بل تواجهها تحديات متنوعة ومتداخلة ومرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها السياسي والثقافي، ومنها الاجتماعي والاقتصادي، ومنها الأخلاقي. ولأن المغرب كان على أبواب تحوله التاريخي، وبصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية والمعنوية، الاقتصادية والأخلاقية، تظل واقفة في وجه التحول المنشود، وهي العراقيل التي تذوب عادة أمام الإرادة الجماعية لكل انتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.

العديد من المحللين "للحالة المغربية" يعتبرون أن مسألة التحول والانتقال والخروج من الأزمات، أو من بعضها على الأقل، مسؤولية جماعية، مسؤولية الدولة والحكومة والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، مسؤولية الأبناك ورجال الأعمال والمستثمرين، مسؤولية الأساتذة والمعلمين والخبراء… والمجتمع المدني كافة. وهو ما يعني بصيغة أخرى أن النخبة الواعية بظروف هذه "الحالة" وخلفياتها التاريخية والمادية وأثارها السلبية على الحاضر والمستقبل، هي الأكثر مسؤولية والأكثر وعيا بها، وهي وحدها القادرة على تقريب الانتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.

والسؤال : متى تقوم هذه النخبة بدورها في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال وبشروط خروجه أو إخراجه من أزمته/أزماته؟ وماذا فعلت هذه النخبة للحد من اليأس الذي يبتلع الحالة المغربية على مرأى ومسمع من أزماته المشتعلة؟.

بقلمالآديب  محمد  أديب السلاوي 

الاثنين، 29 يوليو 2019

بقلم محمد اديب السلاوي

متى يلتحق العالم العربي بعصر العولمة... ؟

                                            1

العالم العربي يحتضن اليوم حوالي 300 مليون نسمة، يتربع على 14 مليون كلم مربع، يتوفر على مجموعة هامة من التروات المعدنية والاستراتيجية، منها البترول والغاز والحديد والذهب  والفوسفاط والفلاحة والصيد البحري، مع ذلك يعيش باستمرار ازمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ،بسبب فشل السياسات المتحكمة في التنمية والاقتصاد والتعليم والبحث العلمي، والتي تغيب المواطن العربي عن الفعل الديمقراطي وتهمش الطاقات الابداعية والابتكارية والثقافية.

في ظل هذه السياسات  تواجه المجتمعات العربية تحديات كبيرة بسبب الاخفاقات المتوالية في التنمية البشرية والمستدامة.

تقول الدراسات المتوفرة عن هذا الموضوع، ان المنطقة العربية،لم تتمكن من توظيف الاوضاع العالمية الجديدة لتحقيق اهدافها على صعيد التنمية والتصنيع، مع انها مضطرة الى الالتزام بسياسات المجموعات الاقتصادية الكبرى التي تقود الخريطة الدولية.

وحيت  ان المنطقة العربية فشلت في توفير الشروط الملائمة للاندماج الاقتصادي في الاوضاع الدولية، تراجعت ديناميتها الانتاجية  وخسرت جاذبيتها وموقعها في الاقتصاد الدولي.

تقول هذه الدراسات: ان الصادرات العربية لم تعد تمتل مجتمعة سوى 5% من مجمل الصادرات العالمية بعدما كانت تزيد على  12.5%  قبل عقدين من الزمن،اضافة الى تراجع الناتج القومي العربي اكتر من 41% من مجموع الناتج العالمي، وفقدان الاقتصاد العربي قدرته على استيعاب البطالة المتراكمة على كل القطاعات، وهو ما يصيب التنمية بالجمود في ظل العولمة.

                                        2

يقول العديد من الخبراء المختصين، ان الدخول الى عصر العولمة اصبح خيارا لا رجعة فيه، ومن يتخلف عنه يفوته القطار، ويصبح مهمشا وربما يخرج من التاريخ، لان رياح التغييروالاصلاح والتحديت والعولمة ستدخل المجتمعات ليس من ابوابها الخلفية، وانما من اوسع ابوابها.

العولمة لم تعد مفهوما ،بل اصبحت نمط حياة سائدا في اقتصاديات الدول الكبرى والصغرى،تتمتل في النمو المتزايد في العلاقات التجارية بين الدول، في دمج الاقتصاديات المحلية في الاسواق الدولية المختلفة وفي زيادة عمق  العلاقات التي تربط بين الاطراف الدولية، وهو ما ساعد على بناء نظام اقتصادي دولي، اكتر اندماجا مع الحداتة وادواتها ومستجداتها العلمية والرقمية والثقافية.

 في هذا الاطار برزت للعولمة تعريفات فلسفية عديدة. 
*عرفها رونالد روبيرتسون، بانها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم  وزيادة  وعي افراد ومجتمعات بهذا الانكماش.
*وعرفها انتوني غيدفيز، بانها مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداتة، تتكيف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي ،حيت يحدت تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج، يتم فيها ربط المحلي  بالعالمي، بروابط اقتصادية وثقافية وانسانية.
*ويذهب اخرون في تعريفها، بانها القوى التي لا يمكن السيطرة عليها كالاسواق الحرةالعالمية، والشركات المتعددة الجنسيات التي ليس لها ولاء لاية دولة قومية.

وفي نظر علماء الاقتصاد ان تلاتة مجموعات دولية هي التي اوجدت العولمة، وهي التي تقودها
*دول المركز المسيرة لمنظومة العولمة، المسؤولة عن رسم توجهاتها الاساسية.
*الدول القادرة على الاندماج في صنع القرار الاقتصادي الدولي.
*البلدان الغير مهيأة للاندماج، الواقعة على هامش الاقتصاد الدولي.

يعني ذلك ان العولمة اصبحت اطارا يحاكي جملة من التحولات التي يشهدها العالم ،والتي يعاد من خلالها اعادة تشكيل الخريطة العالمية بسائر تضاريسها وابعادها

                                             3

. من خلال هذه التعريفات السريعة تبدو العولمة الية ضخمة تجسد بقيمها والياتها نظام هيمنة اكثر شمولا وقسوة من كل ما عرفته البشرية  في السابق، لذلك تحمل معها في نظر العديد من الخبراء المختصين، مخاطر التركيز الهائل للتروة المادية والعلمية والثقافية في ايدي فئة قليلة من سكان العالم الدين  يتوافر لديهم  القدرات والمواقع و الاليات اللازمة للتحكم والهيمنة.

تسعى العولمة بهذه الصفة، اخضاع جميع المجتمعات لنمط اقتصادي واحد، موحد عالميا، بقيم تفكير واحدة، باسواق واحدة، براسمال عالمي واحد، وهوما يجعل العالم امام مرحلة جديدة  ونوعية مختلفة عما كان في القرن الماضي. 

في راي العديدمن العلماء والمثقفين، ان هذه المرحلة من تاريخ البشرية التي جاءتنا بالعولمة ،لا يمكن فهمها الا انها استمرار للمرحلة الامبريالية السابقة، بما فيها من علاقات هيمنة وصراعات سياسية واقتصادية دولية.، الا انها تتكئ في الزمن الراهن  على التورة العلمية، لذلك يغدو الاعتراف بها شرطا ضروريا واساسيا، بصرف النظر عن المستفيد من هذه التورة وتمارها.

                                       4

في زمن العولمة بات العالم العربي  بما يعانيه من تخلف وفساد وتهميش ، بات ساحة مستجابة للتراجع، وهو ما يعني حاجته الى جهود كبيرة للاصلاح والتحديت، تتجاوز الاطر التقليدية الراكدة،للدخول عصر الحداتة الذي اصبح شرطا اساسيا وضروريا للانخراط في عصر العولمة، العولمة التي لا تعني فقط تحديت بعض العناصر المادية، وانما التقدم في مضمار العلم  والتكنولوجيا وتحديت المجتمع وما يتصل به  من تعليم وصناعة ومعرفة وقيم ثقافية

يعني ذلك بوضوح  ان دخول عصر العولمة، يحتاج من العالم العربي في وضعه الراهن، الى تغيير كلي لنمط الحياة، لطرائق التفكير، ويحتاج الى العمل والسلوك بما ينسجم وروح هذا العصر، اي القدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة: تورة المعلومات،تحويل الامكانات المتاحة الى قوة ديناميكية مبدعة.

يعني ذلك ايضا، ان دخول العالم العربي عصر العولمة.
يتطلب منه بداية تطوير قوانينه الاقتصادية حتى يتمكن من مواكبة تطورات الاقتصاد العالمي، ودعم مستويات الانتاج العربي وتحديدا في قطاع الصناعة، خصوصا الرقمية، من حيت مواصفات وجودة المنتجات

السؤال الصعب الذي يواجه حالتنا مع العولمة. :هل تتوفر حكوماتنا العربية على مفاهيم العولمة،والمستويات التي وصلت اليها. وهل تدرك هذه الحكومات  ان العولمة حالة حتمية لا يمكن تجاهلها. وهل تدري كيف تواجه سيول العولمة. وماهو الموقف المطلوب من ظاهرة العولمة... ؟

هي اسئلة عديدة ومتشعبة تطرحها العولمة على حكوماتنا العربية، الا ان هذه الحكومات مازالت تبحت عن نفسها في الصراعات التي اوجدتها خارج المنطق وخارج القيم السياسية.لعصر الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الانسان، وتلك هي الاشكالية التي تجعل العولمة مصطلحا غريبا في بيتنا الحكومي.

افلا تنظرون ؟. 
.
بقلم الآديب محمد أديب ااسلاوي 

السبت، 27 يوليو 2019

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

متى يلتحق العالم العربي بعصر العولمة...

                                            1

العالم العربي يحتضن اليوم حوالي 300 مليون نسمة، يتربع على 14 مليون كلم مربع، يتوفر على مجموعة هامة من التروات المعدنية والاستراتيجية، منها البترول والغاز والحديد والذهب  والفوسفاط والفلاحة والصيد البحري، مع ذلك يعيش باستمرار ازمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ،بسبب فشل السياسات المتحكمة في التنمية والاقتصاد والتعليم والبحث العلمي، والتي تغيب المواطن العربي عن الفعل الديمقراطي وتهمش الطاقات الابداعية والابتكارية والثقافية.

في ظل هذه السياسات  تواجه المجتمعات العربية تحديات كبيرة بسبب الاخفاقات المتوالية في التنمية البشرية والمستدامة.

تقول الدراسات المتوفرة عن هذا الموضوع، ان المنطقة العربية،لم تتمكن من توظيف الاوضاع العالمية الجديدة لتحقيق اهدافها على صعيد التنمية والتصنيع، مع انها مضطرة الى الالتزام بسياسات المجموعات الاقتصادية الكبرى التي تقود الخريطة الدولية.

وحيت  ان المنطقة العربية فشلت في توفير الشروط الملائمة للاندماج الاقتصادي في الاوضاع الدولية، تراجعت ديناميتها الانتاجية  وخسرت جاذبيتها وموقعها في الاقتصاد الدولي.

تقول هذه الدراسات: ان الصادرات العربية لم تعد تمتل مجتمعة سوى 5% من مجمل الصادرات العالمية بعدما كانت تزيد على  12.5%  قبل عقدين من الزمن،اضافة الى تراجع الناتج القومي العربي اكتر من 41% من مجموع الناتج العالمي، وفقدان الاقتصاد العربي قدرته على استيعاب البطالة المتراكمة على كل القطاعات، وهو ما يصيب التنمية بالجمود في ظل العولمة.

                                        2

يقول العديد من الخبراء المختصين، ان الدخول الى عصر العولمة اصبح خيارا لا رجعة فيه، ومن يتخلف عنه يفوته القطار، ويصبح مهمشا وربما يخرج من التاريخ، لان رياح التغييروالاصلاح والتحديت والعولمة ستدخل المجتمعات ليس من ابوابها الخلفية، وانما من اوسع ابوابها.

العولمة لم تعد مفهوما ،بل اصبحت نمط حياة سائدا في اقتصاديات الدول الكبرى والصغرى،تتمتل في النمو المتزايد في العلاقات التجارية بين الدول، في دمج الاقتصاديات المحلية في الاسواق الدولية المختلفة وفي زيادة عمق  العلاقات التي تربط بين الاطراف الدولية، وهو ما ساعد على بناء نظام اقتصادي دولي، اكتر اندماجا مع الحداتة وادواتها ومستجداتها العلمية والرقمية والثقافية.

 في هذا الاطار برزت للعولمة تعريفات فلسفية عديدة.
*عرفها رونالد روبيرتسون، بانها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم  وزيادة  وعي افراد ومجتمعات بهذا الانكماش.
*وعرفها انتوني غيدفيز، بانها مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداتة، تتكيف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي ،حيت يحدت تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج، يتم فيها ربط المحلي  بالعالمي، بروابط اقتصادية وثقافية وانسانية.
*ويذهب اخرون في تعريفها، بانها القوى التي لا يمكن السيطرة عليها كالاسواق الحرةالعالمية، والشركات المتعددة الجنسيات التي ليس لها ولاء لاية دولة قومية.

وفي نظر علماء الاقتصاد ان تلاتة مجموعات دولية هي التي اوجدت العولمة، وهي التي تقودها
*دول المركز المسيرة لمنظومة العولمة، المسؤولة عن رسم توجهاتها الاساسية.
*الدول القادرة على الاندماج في صنع القرار الاقتصادي الدولي.
*البلدان الغير مهيأة للاندماج، الواقعة على هامش الاقتصاد الدولي.

يعني ذلك ان العولمة اصبحت اطارا يحاكي جملة من التحولات التي يشهدها العالم ،والتي يعاد من خلالها اعادة تشكيل الخريطة العالمية بسائر تضاريسها وابعادها

                                             3

. من خلال هذه التعريفات السريعة تبدو العولمة الية ضخمة تجسد بقيمها والياتها نظام هيمنة اكثر شمولا وقسوة من كل ما عرفته البشرية  في السابق، لذلك تحمل معها في نظر العديد من الخبراء المختصين، مخاطر التركيز الهائل للتروة المادية والعلمية والثقافية في ايدي فئة قليلة من سكان العالم الدين  يتوافر لديهم  القدرات والمواقع و الاليات اللازمة للتحكم والهيمنة.

تسعى العولمة بهذه الصفة، اخضاع جميع المجتمعات لنمط اقتصادي واحد، موحد عالميا، بقيم تفكير واحدة، باسواق واحدة، براسمال عالمي واحد، وهوما يجعل العالم امام مرحلة جديدة  ونوعية مختلفة عما كان في القرن الماضي.

في راي العديدمن العلماء والمثقفين، ان هذه المرحلة من تاريخ البشرية التي جاءتنا بالعولمة ،لا يمكن فهمها الا انها استمرار للمرحلة الامبريالية السابقة، بما فيها من علاقات هيمنة وصراعات سياسية واقتصادية دولية.، الا انها تتكئ في الزمن الراهن  على التورة العلمية، لذلك يغدو الاعتراف بها شرطا ضروريا واساسيا، بصرف النظر عن المستفيد من هذه التورة وتمارها.

                                       4

في زمن العولمة بات العالم العربي  بما يعانيه من تخلف وفساد وتهميش ، بات ساحة مستجابة للتراجع، وهو ما يعني حاجته الى جهود كبيرة للاصلاح والتحديت، تتجاوز الاطر التقليدية الراكدة،للدخول عصر الحداتة الذي اصبح شرطا اساسيا وضروريا للانخراط في عصر العولمة، العولمة التي لا تعني فقط تحديت بعض العناصر المادية، وانما التقدم في مضمار العلم  والتكنولوجيا وتحديت المجتمع وما يتصل به  من تعليم وصناعة ومعرفة وقيم ثقافية

يعني ذلك بوضوح  ان دخول عصر العولمة، يحتاج من العالم العربي في وضعه الراهن، الى تغيير كلي لنمط الحياة، لطرائق التفكير، ويحتاج الى العمل والسلوك بما ينسجم وروح هذا العصر، اي القدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة: تورة المعلومات،تحويل الامكانات المتاحة الى قوة ديناميكية مبدعة.

يعني ذلك ايضا، ان دخول العالم العربي عصر العولمة.
يتطلب منه بداية تطوير قوانينه الاقتصادية حتى يتمكن من مواكبة تطورات الاقتصاد العالمي، ودعم مستويات الانتاج العربي وتحديدا في قطاع الصناعة، خصوصا الرقمية، من حيت مواصفات وجودة المنتجات

السؤال الصعب الذي يواجه حالتنا مع العولمة. :هل تتوفر حكوماتنا العربية على مفاهيم العولمة،والمستويات التي وصلت اليها. وهل تدرك هذه الحكومات  ان العولمة حالة حتمية لا يمكن تجاهلها. وهل تدري كيف تواجه سيول العولمة. وماهو الموقف المطلوب من ظاهرة العولمة... ؟

هي اسئلة عديدة ومتشعبة تطرحها العولمة على حكوماتنا العربية، الا ان هذه الحكومات مازالت تبحت عن نفسها في الصراعات التي اوجدتها خارج المنطق وخارج القيم السياسية.لعصر الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الانسان، وتلك هي الاشكالية التي تجعل العولمة مصطلحا غريبا في بيتنا الحكومي.

افلا تنظرون ؟. .


بقلم الآديب محمد آديب السلاوي

بقلم الآديب محمد اديب السلاوي

لماذا يفضل المغاربة الانجليزية على الفرنسية في مجال التعليم... ؟


-1-

في مغرب اليوم، وضدا في كل الحقائق العلمية والسياسية والثقافية والتاريخية،ما زال للفرنسية أنصارها في الحكومة والبرلمان وفي القطاعات النافدة ،الذين يدفعونها لتتموقع بقوة كلغة في قطاعات التربية والتعليم والبحث العلمي. متجاهلين أن هذه اللغة تصارعت طويلا مع لغة الهوية والدين والدستور/ اللغة العربية.
وبعيدا عن هذا الصراع يتجاهل أنصار الفرنسية، ما تعرفه هذه اللغة في عالم اليوم /عالم الحداثة والتكنولوجية والعولمة من أقوال وتراجع وتخلف وتقهقر بشهادة أهلها وأبناء جلدها، حيت لم تعد قادرة لا على مواكبة قطار التنمية ولا على مواكبة التكنولوجية والبحث العلمي في زمن الألفية الثالثة، بعدما أصبحت اللغة الانجليزية تسيطر على كل المجالات والقطاعات العلمية والاقتصادية والتجارية والدبلوماسية.
إن اللغة الفرنسية التي اعتمدها أنصارها لتكون لغة ثانية أولى بتعليمنا، أصبحت في موطنها تتجه نحو الانكماش، تبتعد يوما بعد يوم عن العالمية، مصيرها المستقبلي أردنا أم لم نرد، يحولها إلى لغة محلية، لا تستخدم إلا في المجتمع الشعبي الفرنسي.
يقول الخبراء في هذا المجال، أن تراجع اللغة الفرنسية، لا يقتصر على ناطقيها خارج فرنسا فحسب، بل يشمل أيضا فرنسا نفسها التي أصبح أجيالها الصاعدة يعانون ضعفا في التعليم والبحث العلمي، وفي التعامل مع الشبكة المعلوماتية التي أصبحت تعتمد اللغة الانجليزية كلغة أساسية.
من اجل أن تربح الفرانكفونية بعض الوقت، أصبحت فرنسا تعمل المستحيل من اجل تغيير سياستها العتيقة مع الشعوب التي كانت مستعمرة لها، وإقناعها بسياسة بديلة تحت مسمى التعدد اللغوي، والانفتاح على الأخر لغويا وثقافيا ومجتمعيا، إلا أن هذه السياسة جاءت متأخرة عن وقتها، وأصبحت لا تفيد لا رؤية الشعوب التي كانت مستعمرة لفرنسا، ولا لتطلعات أجيالها الصاعدة.

-2-
ليس فقط من اجل واقع اللغة الفرنسية في عالم اليوم يريد المغاربة التخلص من الهيمنة الفرنسية في التعليم والبحث العلمي ،ولكن الأمر يتعلق بلا شك بأسباب جوهرية أخرى، يمكن تلخيصها في خمسة نقاط.
1- اللغة الانجليزية هي من اللغات الدولية التي تنتشر في كافة دول العالم بسبب استخدامها في الاقتصاد والتجارة والدراسات العلمية والتواصل السياسي والدبلوماسي.
2- تكتسب اللغة الانجليزية طابعا رسميا عالميا، يمكن الاعتماد عليها كلغة رسمية بمختلف أنحاء العالم،فهي الأكثر استخداما والأوسع انتشارا،فهي الوسيلة المثلى لإمداد جسور التواصل بين الثقافات المختلفة.
3- تمنحك اللغة الانجليزية حق الوصول إلى أفضل الجامعات في العالم، وتفتح عالمك على المعرفة الإنسانية.
4- حسب الإحصاءات، فان واحد من كل خمسة أشخاص في العالم يجيد القراءة والتحدت بالإنجليزية، وهي إضافة إلى دلك لغة رئيسية لخمسين دولة.
5- بالنسبة لطلبة العلم، تعد اللغة الإنجليزية اليوم فرضا لا خيار فيه، حيت أن المراجع العلمية والدراسات البحثية لا تصدر إلا باللغة الانجليزية. 

إضافة إلى دلك،فان تعلم اللغة الإنجليزية لم يعد مقتصرا في العديد من البلدان الإفريقية والأوروبية والأسيوية على العلم، بل يتعداه إلى المعاملات التجارية والاستثمارية والسياحية، التي تنطق جميعها بهده اللغة.

-3-

السؤال المحير الذي يضع نفسه في هذا الموضوع : قبل عرض القانون الإطار الذي جعل اللغة الفرنسية اللغة الثانية الأساسية بالتعليم العمومي والبحث العلمي على البرلمان للتصويت عليه وإقراره، كان العديد من وزراء حكومة بنكيران وحكومة العثماني مع استبدال اللغة الفرنسية باللغة الانجليزية في التعليم والبحث العلمي، لأهميتها العلمية.ولموقعها في التنمية والاقتصاد والعلوم. لماذا تخلو عن قناعتهم وانقلبوا على أنفسهم... ؟
طبعا لا احد يعرف من وراء تثبيت "مسمار جحا" في قلب بيتنا، وعلى عقلنا، وفي مسارنا الثقافي والحضاري والعلمي، في زمن يتطلع فيه كل المغاربة إلى التحرر من الهيمنة الفرنسية والانخراط بعقل جديد في زمن الألفية الثالثة.

أفلا تنظرون... ؟

بقلم محمد اديب السلاوي 

الخميس، 27 يونيو 2019

محمد اديب السلاوي

لماذا جعل الله" اقرأ" أمرا إلاهيا.... ؟



-1-

في المغرب الراهن، تعاني التنمية الثقافية / التنمية البشرية، و يعاني التعليم، كما يعاني كل المجتمع، من أزمة حادة اسمها "القراءة".

الصناعة الثقافية ،صناعة الكتاب،إبداعات المسرح والسينما والفنون التشكيلية والتكنولوجيا ،لا يمكنها أن تؤدي دورها في التنمية خارج شرط القراءة والكتابة

اجتماعيا وتربويا  وعلميا وثقافيا، مازلنا هنا نعتبر مفهوم القراءة أمرا بسيطا، لا حاجة لنا للبحث في أغواره، علما أننا في مراتب متأخرة حضاريا وثقافيا وعلميا وتربويا بسبب القراءة.

الأمة التي لا تقرا، امة غير نافعة لا لنفسها ولا للحضارة الإنسانية، لا تجد الحلول لمشاكلها، تعتمد باستمرار على العقل الآخر من اجل عيشها وحضورها وتواصلها مع العالم.

الإحصاءات الدولية في موضوع القراءة تقول أننا  نقرأ في أحسن الحالات  ساعة  واحدة في السنة، مقابل عشرات و مئات الساعات من القراءة في الغرب واسيا، وهو ما يعنى أن القراءة في البلاد المتحضرة، هي باب المعرفة، هي باب التقدم الحضاري والعلمي.

-2-

لماذا تحتل القراءة كل هذه الأهمية... ؟

إنها أول أمر إلاهي انزله الله جلت قدرته على رسوله محمد ا(ص). قال له سبحانه بصيغة الأمر،" اقرأ " وهو ما جعل/ يجعل القراءة في مقام رفيع

القراءة تعني تنمية المهارات العقلية والفكرية، تعني الصحة العقلية وغداء العقل، هي محفز الدماغ للقيام بمهامه وتطوير قدراته.

القِـرَاءة تعني أيضا تراكم الأفكار، تعلم الخبرات، القدرة على التعبير، بناء الشخصية على أسس صحيحة

القِـرَاءة أيضا، هي تحفيز العقل على العمل الايجابي، على بقاء الدماغ نشطا، متفاعلا، قادرا على التركيز والتحليل، على تحيين الذاكرة وتطويرها.

والقراءة أولا وأخيرا هي أهم أدوات التربية والتعليم، هي واحدة من المهارات التي تجعل القارئ داخل دائرة المعرفة.

-3-

يقول خبراء القراءة أن القارئ عالم بماضيه وحاضره وأمين على مستقبله، دلك لان القراءة ليست فقط عملية لاسترجاع المعلومات المخزنة بالعقل، إنها أبعد من دلك، عملية تفكيرية،تشتمل على فك الرموز المخزنة للوصول إلى المعاني، المعلومات، الأفكار التي يحتاجها القارئ للاندماج في ثقافته وعاداته وقيمه.

مع الأسف الشديد ،تسود في مجتمعنا نسبة كبيرة من الأمية، لدلك يصعب علينا الاستفادة من إمكانات القراءة وقيمها، وتبعا لذلك يصعب علينا تحقيق التنمية البشرية وأهدافها المرجوة، وهو  ما يتطلب منا.

 جعل درس القراءة شرطا أساسيا في مناهجنا التعليمية، من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، إنها، أي القراءة طريقنا الوحيد لجعل مواردنا البشرية قادرة على السير، /على تحقيق أهداف التنمية البشرية التي نحلم بها،دون تحقيقها.

أفلا تنظرون.... ؟. 
محمد اديب السلاوي

الخميس، 20 يونيو 2019

بقلم محمد اديب السلاوي


الاختلاف الذي يعني  عندهم الموت المحقق.
















-1-
بغياب الدكتور محمد مرسي  رئيس مصر السابق  يوم الاثنين الماضي أمام محكمة القاهرة، يعود الحديث مجددا عن الرأي الذي يغتال الرأي الآخر/عن إشكالية السلطة التي تغتال خصومها في الرأي، منذ آلاف السنين، إذ كان سؤال السلطة ومشروعيتها الهاجس المسيطر زمن الفراعنة، زمن سقراط، زمن الخلافة الراشدية.... كما في الزمن الراهن.
يقول التاريخ، أن اغتيال السلطة لخصومها إشكالية باشرتها الدكتاتورية قديما وحديثا.
* عدموا سقراط بالسم ولكنه بقي حيا يصول ويجول في العقل البشري حتى الآن.
* نفوا الفيلسوف  الرواقي ابكتيتوس من روما، بنفس تهمة سقراط، ومات مهمشا، ولكنه مازال حيا في الوجدان الفكري.
* ضربوا ابن تيمية وساقوه إلى سجن القلعة ليموت هناك، ولكنه مازال في موقعه الثقافي.
* اغتالوا القائد ياسر عرفات ولكنه مازال هو الرئيس الفلسطيني الذي يرهب الصهيونية وإسرائيل.
* اغتالوا الزعيم الثوري المهدي بنبركة ونحتوا اسمه ليبقي زعيما ثوريا للعالم الثالث.
* اغتالوا اليوم رجلا اسمه محمد مرسي ولم يكن يحظى بالإجماع ولكن اغتياله خلق منه شهيدا، مفكرا، مطرز إسلاميا، وهي الصفات التي لم يكن يحلم بها في حياته.
-2-
في تاريخنا العربي الإسلامي، آلاف الضحايا الدين اغتيلوا أو عذبوا  أو سجنوا أو أحرقت كتبهم، على يد السلطة أو قادتها الذين كانوا وما زالوا يعملون بقوة من أجل أن نكون أمة خرساء، عمياء، لا تفكر، لا تعبر، ولا تبدع إلا بما يسمحون.
عرف تاريخنا العربي حالة من الانقسام الحاد، والاستقطاب المرضي، حيت كانت وما تزال بين الذين يفكرون والذين يرفضون التفكير، فانطبع هذا التاريخ بالرذيلة الحوارية إلى أن أصبحت أساسا للخلاف والاختلاف.
هكذا تحول اختلاف الرأي في ثقافتنا إلي جريمة، إلى عراك يؤدي أحيانا إلى الموت، وفي أحسن الحالات يؤدي إلى العزلة والتهميش والإحباط.
السبب، أن سلطاتنا العربية تربت مند البداية على الانتصار والغلبة والإقحام وليس علي فكرة التعددية والتشارك والتعايش بسلمية العقل والتفكير.
كانت  السلفية في العهد العربي  القديم  تسعى إلى استحضار مفاهيم الأمة بمعناها القراني، ولكنها اصطدمت حتى الآن بمفاهيم السلطة السلطانية، ففشلت المفاهيم الأولى  أمام  الثانية، ولكنها لم تختفي إذ مازالت تستقطب أنصارها بالليل والنهار.
-3-
السؤال الذي تطرحه هذه الإشكالية في زمن الألفية الثالثة، هل من الضروري أن تغتال السلطة خصومها،هل من الضروري أن تكون لهذه السلطة ،شرطة لا تسمح للتفكير المضاد أن يعبر عن نفسه، عن أرائه... ؟
في الزمن الراهن، العالم سيخاصمنا بقوة عن ما حدت بتاريخنا  من أحدات دامية من أجل أن تبقى السلطة سلطانا فوق العقل.
اليوم كل العالم يطالبنا  بالسماح لجميع الأفكار بالتواجد، بالتعبير، بالتنافس الايجابي/ الديمقراطي للوصول إلي السلطة، لم يعد مسموحا، اغتيال الخصوم،أو نفيهم ،ذلك لأن الحياة والفكر والتعبير عن الرأي والرأي المخالف هو حق للجميع.
من هنا نقول للدين اغتالوا أو شاركوا في اغتيال د. محمد مرسي، أنكم مجرمون في حق رجل يختلف معكم، بوجهة نظر في الحكم، لا يمكن للتاريخ أن يسامحكم، ولا يمكن للعقل أن ينساها لكم.... .
أفلا تعقلون..... ؟.

محمد اديب السلاوي 

الثلاثاء، 18 يونيو 2019

بقلم محمد أديب السلاوي

  الفساد، كيف هزم سياساتنا الحكومية ؟
تتمتع كلمة "الفساد" في اللغة العربية بليونة فائقة، فهي سهلة الاستيعاب والاستقراء، ليست عصية الفهم و لكنها مع ذلك تصبح عصية الهضم والتحليل في الكثير من الأحيان.في القران الكريم جاء ذكر الفساد في العشرات من آياته المقدسة، في أشكال و صفات مختلفة، فهو يمتد من الذين يسفكون الدماء ، إلى الذين يهلكون الحرث و النسل. ومن الذين يقتلون الأنفس بغير حق ، إلى الذين يأكلون أموال الناس بالباطل.وفي المفاهيم الشعبية الأكثر اقترابا من الفطرية، يعني الفساد افتقاد الطهارة / الاستخفاف بالمسؤولية / خيانة الأمانة.وفي المفاهيم السياسية، يعني الفساد : طعن الأمة في ظهرها / التلاعب بمصالحها و قيمها وتقاليدها.وفي القواميس اللغوية و المتون الفلسفية ، يأتي الفساد بأشكال و صور عديدة ومتنوعة، من الصعب تحديدها، وأحيانا يصبح من الصعب التعرف عليها، فهو (أي الفساد)، يختلف من ثقافة لأخرى ، و لكنه يظل هو فعل ضد الإصلاح، ضد الأخلاق، ضد الديانات السماوية و ضد القيم الإنسانية ، يتقارب ويتوازى مع كل انحطاط و تدهور و سقوط و تخلف و جهل وظلامية. الفساد يعني تكسير مدونة السلوك الأخلاقية و الاجتماعية، أو مدونة السلوك السياسية و الاقتصادية و الإدارية، لاستخلاص منفعة أو منافع خاصة، خارج القانون، و خارج الأخلاق، و خارج القيم الإنسانية.الفساد في حياتنا :والفساد في الحياة المغربية، كلمة قاسية، لا تختفي إلا لتظهر من جديد، بسب موجاته المتتالية والمتعاقبة التي أغارت على البلاد و العباد قبل عهد الحماية، وخلال عهد الاستقلال، حيث طبعت باستمرار السياسات الإنمائية و المشاريع الاقتصادية. وهو ما ثبت المغرب على لائحة الدول الفقيرة والمتخلفة. وجعله واحدة من الدول الأكثر تعرضا للاهتزاز و التصادم... فالفساد الذي يربط بين الاختلاسات المباشرة و غير المباشرة للمال العام من طرف ذوي السلطة و النفوذ، و تشريع الرواتب الضخمة و العالية، يتوازى مع كل انحطاط و تدهور...يتوازى مع الفساد السياسي / الاخلاقي / الاقتصادي، لا ترعاه سوى الأنفس المريضة التي فقدت بصيرتها و تخلت عن قيم مواطنتها.هكذا أصبح الفساد في الحياة المغربية، قاعدة ليس لها استثناء، يتجاوز شكل الظاهرة الموقته ليتحول إلى آلية من آليات التسيير الإداري / السياسي/ الاجتماعي / الاقتصادي، بعد أن تغلغل في المؤسسات والمشروعات، وحولها إلى مقاولات للاغتناء اللامشروع، والتزوير، والرشوة، والاتجار الجنسي، والاتجار في المخدرات، وتسلق المناصب والقيادات السياسية.ما هي أسبابه؟وعن أسباب هذا الفساد الضخم، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن " السلطة السياسية " في عالمنا اليوم، هي أصل و هوية كل فساد. تعلل ذلك بالقرارات و التصرفات السياسية للعديد من الشرائح و الفئات... فالسياسة لا تنحصر أثارها في القطاع السياسي، بل تمتد إلى الأفراد و المؤسسات والمجتمعات و القطاعات، خاصة وأن فاعليتها في كل الأمم و الشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح و المسؤوليات المتحكمة في المجتمع و القيم و الأخلاق والأموال فيما بينها، وهو ما يجعل "الفساد" ابنا شرعيا للسياسة و لنخبتها.وبتجربة الشعوب التي نخرها سوس الفساد (ولنا في الوطن العربي بعض من أصنافها)، فإن النخبة السياسية "المخدومة" و التي تصل السلطة خارج المشروعية أو بواسطة انتخابات مزورة، أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، تعطي الفساد قدرة على التوالد و التنامي و التجديد. و تزوده "بالآليات" والقوانين التي تمكنه من فرض نفسه على البلاد و العباد، ليلقى بظلاله على مصالح الناس، أينما و جدوا و كيفما كانت حالتهم الاجتماعية و المادية.وبحكم العلاقات التي تفرضها السياسة على نخبتها، تصبح المصالح بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية و القانون، فعلى يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم المتخلف، وصودرت الحريات العامة، و غيبت الرقابة القضائية و الشعبية، و ألغيت مؤسسات المجتمع المدني، لتصبح "السياسة" مصدرا أساسيا للفساد، في أصنافه و مستوياته المختلفة.إن اتساع الأدوار السياسية و الاقتصادية و المالية للفاعلين السياسيين، قد أدى في أقطار عديدة من العالم السائر في طريق النمو، إلى اتساع مواز لمنظومة الفساد... و بالتالي أدى إلى انهيارات اقتصادية و أخلاقية، مازالت أثارها السلبية جاثمة على الأرض.وقد كشفت العديد من الدراسات الأكاديمية، أن الفساد الأخلاقي/ السياسي/ الإداري / المالي، هو فساد مترابط و متداخل مع ظواهر الإجرام الأخرى، المتصلة بالمجتمع و مؤسساته المختلفة. وكشفت هذه الدراسات، أنه بسبب التراكم أصبح للفساد في العالم المتخلف تقاليده و مؤسساته و سلطاته، لتصبح مكافحته صعبة و مستحيلة في العديد من الدول، إذ بلغ اليأس حدا جعل العديد من الناس بهذه الدول، يسلمون بأن المكافحة لن تكون سوى ضرب من العبث، أو ربما كانت كالاعتراض على قوانين الطبيعة، بعدما أصبح الاعتياد على الفساد، سنة أو نهج في العيش و في المعاملات والخدمات و في السياسات، له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهى عنه.منظومته :في جهات عديدة من العالم، يتداخل الفساد مع القطاعات المنتجة و الأساسية ، و يجعل من نفسه منظومة مترابطة ومتداخلة مع ظواهر الإجرام الأخرى المتصلة بالمجتمع والأخلاق و السياسة...ليصبح (الفساد) ليس فقط هو الرشوة و سرقة المال العام و المحسوبية و الزبونية و الظلم، والاتجار في الجنس والمخدرات، والدعارة التي أغرقت بلدان عديدة من العالم السائر في طريق النمو، الساكن في براثين التخلف، ولكن ليصبح أيضا كل صفة من صفات الرذيلة و الشر والسوء و الغبن التي تسحق المجتمع و قيمه الروحية و المادية.وعلى أرض الواقع، ساهمت "منظومة الفساد" هنا في المغرب، وفي العديد من الدول الفقيرة، في إحباط وتآكل المشروعية السياسية، لعلاقة السلطة بالمجتمع، مما أدى إلى فشل مبادراتها الديمقراطية و مبادراتها في الاستثمار الخارجي. و إلى استئثار جهة أو جهات معينة بالثروة الوطنية و بالامتيازات الاقتصادية و السياسية ، و هو ما أدى بالتالي إلى تعميق الهوة بين الشعوب و بين طموحاتها في الانتقال و التغيير والإصلاح والتقدم.المفسدون :وأينما وجد الفساد، و جد المفسدون. والمفسدون هم أرباب الفساد، الصف "القوي" الذي يحاصر الديمقراطية و حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية و التنمية المستدامة و الحرية و القانون و المواطنة. و الذي يدفع إلى طغيان قانون القوة، بدل قوة القانون. و إلى تمركز السلطة و المال و الامتيازات واقتصاد الريع، في جهة واحدة، و إلى تغييب المراقبة و المساءلة...و إلى اتساع رقعة التسفل و البغاء و الانحلال الخلقي.المفسدون، هم الذين يجذبون أوطانهم إلى الأسفل لتغرق في تخلفها و تناقضاتها أمام العالم. وهم الذين يشكلون قوة خفية قاهرة، تعتمد كل أساليب الاحتيال و القهر و التجاوز و الإفساد و الاستغلال، من اجل تركيز نفسها في القطاعات و المجتمعات، و تعميق الهوة بين أوطانها و التقدم الحضاري.و المفسدون هم المخادعون / عديمو الضمير، الذين في قلوبهم مرض، هم السفهاء، هم المستهترون، هم الطغاة، المظلون. هم الذين قال عنهم جلت قدرته: الصم، البكم، العمي، الذين لا يبصرون.و المفسدون قبل ذلك و بعده، هم فئة من السياسيين و الإداريين و الاقتصاديين و المسؤولين أصحاب القرار، الذين باعوا ضمائرهم للشيطان، لا تميزهم عن الآخرين – في الإدارات العمومية، وفي الأبناك و صناديق الدولة، و الأحزاب السياسية و الجماعات المحلية / القروية و البلدية - سوى قدرتهم على اللصوصية، وعلى صياغة القرارات الفوقية الخاطئة و المتعثرة التي تخدم مصالحهم الخاصة، وقدرتهم على احتقار شعور الأغلبية العظمى من المواطنين و امتهانهم و استعبادهم ، و قدرتهم الفائقة على تجفيف صناديق الدولة المالية، و على إنتاج المزيد من الفقر و الاستغلال و الضلال و القمع و الفساد. الحكومة والفساد :يعني ذلك بوضوح، أن الفساد ليس مقدور علينا كما يدعي ذلك صناعه، بل هو إرادة بشعة تتقصد الفساد و الإفساد، ترعاه و تزكيه و تبرره وتدفع به ليكون قدرا محتوما.إنه "صناعة" لا أخلاقية، يحاول أصحابها الحصول من خلالها على أكبر قدر من المكاسب الحرام، و الامتيازات الحرام و الأموال الحرام و السلط الحرام. إن الفساد المالي / الفساد الإداري / الفساد السياسي، لا يمكن أن يضمن الحماية للمجتمع، لا في التعليم والثقافة، ولا في الاقتصاد والصحة، لا في السكن والكرامة الإنسانية، ولكنه يسهم بقوة في إنتاج جيش من الفقراء، الأميين، الغاضبين الذين لا يمكن التحكم في غضبهم، ولا في رفضهم لأوضاعهم الاجتماعية والسياسية، لا اليوم ولا غدا.مع الأسف، كان أمل الشعب المغربي، في العقد الأخير من الزمن الراهن، معقودا على الحكومة الملتحية، أن يكون القضاء على الفساد أولوية سياسية / اجتماعية لوجودها على ساحة السلطة، ولكن هاهي تستعد لرحيلها، وهي لا حاربت الفساد، ولا قضت على المفسدين، لا هي حمت المجتمع من أضراره ومخاطره، ولا هي استطاعت أن تعد مخططا استراتيجيا لهذه الحماية.أفلا تنظرون...؟
بقلم محمد أديب السلاوي


الاثنين، 17 يونيو 2019

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

السياسة، هل تقودكم إلى حيث لا تعلمون...؟
-1-
السياسة إذن، تظل في الأحزاب والمؤسسات المنتخبة والحكومات والأنظمة، وفي كل الأجواء والمناخات والمفاهيم، تظل كلمة ذات إشعاع براق ومخيف في نفس الآن، فهي الوسيلة التي يصل بواسطتها ممارسوها إما إلى الأعلى أو إلى الأسفل، إلى السلطة والحكم، أو إلى السجون والمنافي والمعتقلات... وعلى أنها بهذا الحجم من الخطورة والاتساع، فهي تسكن العقول والاهتمامات والتطلعات في كل شبر من الأرض.
وخارج هذا المفهوم الواسع والشامل، تبقى السياسة، في مناطق عديدة من العالم، على صلة وثقة بالتسلط والاستبداد والقمع وفرض الإرادة على العدل والمساواة والحقوق، وفي مناطق أخرى تصبح هي القدرة على الفعل سلبا وإيجابا، هي القدرة على الريادة والسيادة، وهي الغاية التي تبرز الوسيلة في كل وقت وحين، وهي نضالات ومراوغات وحروب، وهي المحصلة التفاعلية لكل التيارات المذهبية أو الإيديولوجية، وبالتالي هي فن الممكن في كل زمان ومكان.
يرى الفقه الدستوري في السياسة، عكس ما يراه فيها فقه القانون، فهي في نظر هذا الأخير، كل نشاط سلطوي محوره الدولة، وهي كل نشاط إنساني محوره الإنسان، وأن العلاقة بين الإنسان والدولة/ بين الحاكمين والمحكومين، هي الصفة المميزة للنشاط السياسي عن غيره، ذلك لأن الدولة لا تتكون من الخشب أو الحجر، وإنما من الإنسان، والدولة في نظر السياسيين، ليست المجتمع الوحيد الذي ينطوي تحت لوائه المواطنين، إذ يوجد بالمجتمع أحزاب ونقابات وجمعيات تتم داخلها ظواهر التأكيد على الفرد وقيادة الناس، وكلها ظواهر ذات طابع سياسي.
يعني ذلك، أن السياسة تمتد في كل الأزمنة وفي مختلف الأمكنة إلى العقول والمصالح والإرادات، لكنها لا تهدف دائما إلى تحقيق المصالح العامة، قد تكون المصالح الخاصة هي ما يتحكم في سلوكيات وتصرفات الفاعلين السياسيين الذين يحركون الأدوات السياسية، فكثيرا ما يتم عند بعض السياسيين، الركوب على المصالح العامة لتحقيق المصالح الخاصة، لأن النخبة السياسية، تشكل باستمرار موقع القرار في دواليب الدولة، كما في الأحزاب والمنظمات والمؤسسات المنتخبة، وغالبا ما تكون هذه النخبة في الدول المتخلفة والدول المستضعفة، هي منبع الفساد السياسي(1) ومرجعيته الأساسية، لما تملكه من حق القرار والمبادرة.
-2-
في نظر العديد من الكتاب والمحللين المعاصرين، أن السياسة، كانت باستمرار هي منبع الأزمات التي ضربت/ تضرب القطاعات المالية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان السائرة في طريق النمو، إنها أزمات تعود بالأساس إلى الضعف الذي أظهرته الفاعلية السياسية، أمام الإغراءات المالية وإغراءات الامتيازات، التي منحتها هذه الدول للفاعلين السياسيين، من أجل لعب الدور الذي عليهم أن يلعبوه في الزمان والمكان.
إن ما حدث خلال العقود الأخيرة في الباكستان وأندونسيا والفلبين، وفي المغرب ومصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين وفي جهات عديدة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، من انهيارات مالية وسياسية، يؤكد "مسؤولية" النخب السياسية في تكريس الفساد والتخلف. فسوهارتو، وموبوتو، واسترادا ومبارك وبنعلي والقذافي وصالح نماذج تنتمي إلى هذه النخب، احترفت السياسة، وجعلت منها وسيلة للاغتناء اللامشروع والتسلط ونشر ثقافة الفساد بين الأجهزة والمؤسسات والأنظمة، وتحول عندها الفعل السياسي إلى مس من الشيطان، وهو ما جعل هذا لفعل يتجه بها إلى التكليف بشكل خادع وبراق وفارغ، مع التحولات العالمية ومتطلباتها السياسية والاقتصادية، مما أذى بها إلى السقوط والانهيار في اللحظات الأخيرة من حياتها.
 في هذا الباب يرى فقهاء القانون أن السياسة هي فن الممكن، وامتيازها الوحيد، أنها ترتبط بالحكم والسلطة، فهي القدرة على الفعل، حسب المعايير المتخذة كمقياس لاعتماد الأحكام القيمة على الناس والأشياء والعلاقات والتنظيمات المؤسساتية لشكل الدولة. والسياسة فن يتكيف مع الزمان والمكان ولا يتأثر بهما، هي فن يرمي للريادة أو السيادة أو الحكم، وذلك بهدف إحكام دفتي السلطة والحكم إغلاقا أو فتحا حسب الأحوال، وحيثما هبت ريح السياسة تجد رجل السياسة كالمزارع يعمل بالمرصاد لاستغلالها أحسن استغلال لفائدته الشخصية والذاتية، أو لفائدة الحكم والسلطة والتسلط. والسياسة، حسب المحللين والخبراء والسياسيين أنفسهم، لا تروم الأخلاق إلا التي تخدم الحكم والسلطة، فهي فن ممكن البقاء السياسي رائد في السياسة، إذ أن الغاية تبرر الوسيلة، (كما جاء عند "ميكافيلي") فهي عكس "العدل" الذي تشكل الأخلاق كنهه وعموده الفقري، وشرط من شروطه الأساسية، وهو ما يجعله في الأنظمة الديمقراطية مستقلا، مفصولا عن السياسة والسلطة. نعم إن السياسة هي فن الممكن، كما أقرت بذلك أطروحات المختصين، ولكنها على يد النخب الفاسدة، تتحول إلى "فن المستحيل" تفعل بها ما تريد على أرض الواقع، تغتني وتحكم وتتسلط، وتحول الأوطان إلى جحيم.
-3-
يجب الاعتراف، أن أفلاطون، وأن لم يحقق المدنية الفاضلة من خلال مفاهيمه السياسية، "في جمهوريته"، فإنه استطاع أن يجعل من السياسة مقودا طيعا لقيادة العالم والسيطرة على دواليبته.فالإنسان اليوم... وبعد عشرات المئات من السنين، سواء كان داخل الملعب السياسي أو خارجه. سواء كان فاعلا، أو متفرجا عليه، فإنه أصبح بإرادته أو بدونها، يمارس "اللعبة السياسية" سلبا أو إيجابا. إن العالم اليوم يحيا ويتنفس من هواء السياسة يتغذى من ثقافتها، ويحتكم إلى قوانينها ومواثيقها ومفاهيمها وإيديولوجياتها... وأحيانا يتلون بألوانها وأصباغها. لذلك، فإن الإنسان في عالم اليوم، في الدول المتقدمة والمختلفة لا يشكل أكثر من بيدق من بيادقها، أو فارسا من فرسانها، يلعب بإرادته أو ضد إرادته على رقعتها الشاسعة والواسعة ما دام موجودا على قيد الحياة.
*****1  -  يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية. كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب. ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال  والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى/ من أجل التوسع في هذا المفهوم، راجع كتابنا "عند ما يأتي الفساد" دار الحدث (الرباط) سنة 2000.

الاثنين، 4 فبراير 2019

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

الأسئلة المحرجة للألفية الثالثة...

                                                                   

                                                                                محمد أديب السلاوي

                                          -1-

       الأسئلة المتراكمة على فضاءات المغرب الراهن، تكاد تكون مستعصية،حرجة و محرجة، تعطي الإنطباع منذ الوهلة الأولى أن مغرب العقد الثاني من الألفية الثالثة،سوف لا يبقى مستقرا فقط على القضايا و المشاكل والازمات التي كرست فقره و تخلفه على الخريطة العربية الإفريقية،منذ عدة عقود بسبب الفساد السياسي/ المالي/الإجتماعي، المتعدد الصفات والأهداف، و لكنه سوف ينجر لا قدر الله إلى الأسوأـ بسبب الإتساع المطرد لبطالة الشباب و انسداد أبواب الرزق في وجوههم، و بسبب اتساع رقعة العنف و التهميش و التسلط و انتشار الأمراض، و الفقر و التفقير على حساب الإفلاس المتواصل للسياسات الحكومية، و برامجها و إستراتيجيتها في التعليم و التشغيل و الثقافة و الصناعة و الاقتصاد و الإعلام و كل القطاعات المنتجة، و هو ما جعلها في نظر العديد من الخبراء داخل المغرب وخارجه، سياسات مثقلة بالركود و الهزالة و الهشاشة و الخيبة و التراجع و اختلال التوازنات و العجز في المبادرة و اتخاذ القرارات.

- 2 –

ليس خفيا على أحد أن مغرب اليوم يعيش في ظل حكومة ضعيفة، تفتقر إلى الرؤى السليمة، سلسلة من الأزمات: من أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، ومن أزمة الشغل إلى أزمة السكن ومن أزمة الانكماش الإقتصادي إلى أزمة ارتفاع أسعار المواد الطاقية و المواد الغذائية، ومن أزمة انخفاض عدد مناصب الشغل و تراجع توازن الميزانيات و الحسابات الخارجية إلى أزمة ارتفاع مديونية الخزينة العامة و تراجع احتياطي العملة،و من أزمة الديمقراطية الداخلية بالأحزاب السياسية إلى أزمة الثقة في المؤسسات. سلسلة مترابطة من الأزمات تنعكس جميعها سلبا على الأفراد و الجماعات على مغرب مثقل بالصراعات و التحديات.
و لاشك أن هذه الأزمات جميعا لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية في عهد حكومة السيد عبد الله بنكيران: التعليم/ الصحة/ السكن/ الفلاحة/ الصناعة/ الشغل/ الخدمات، و لكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي يمس التخطيط منذ عدة عقود من الزمن، و هو ما جعل التخلف حقيقة لا جدال فيها.

في ظل هذه الحقيقة المقلقة، يأتي السؤال ملحا : ما هي صيغة المستقبل الذي ينتظر بلدا متخلفا،وجد نفسه كذلك في زمن التقدم العلمي و التكنولوجي و العولمة و هو يعاني من أمراض و أزمات و إشكالات ثقافية و حضارية و اقتصادية متداخلة و متشابكة، ورث غالبيتها عن الماضي الاستعماري،  و كرس بعضها في عهد الاستقلال...؟
ما يزيد من قلق هذا السؤال، أن مغرب اليوم المطوق بهذه الأزمات والإشكالات ليس له أي دخل في الصورة التي وجد نفسه عليها، أنه استيقظ من إغماءاته التي استمرت قرابة قرن من الزمن، ليجد نفسه في مطلع الألفية الثالثة مكبلا بعشرات القيود والالتزامات، قيود الفقر و البطالة و الأمية و التخلف التكنولوجي، التي لم تستطع لا حكومة بنكيران، و لا الحكومات التي قبلها التحكم في مفاتحها، وليجد نفسه أيضا يعاني من تفشي الجريمة والفساد الأخلاقي، والفساد الإداري والفساد المالي، ومن الإنفجارات الديموغرافية الغير مخططة، وهو ما يفرض عليه إيجاد المزيد من الخبز والأدوية و المدارس و المستشفيات و مناصب الشغل. و المزيد من القروض و الخبراء الأجانب، لمواجهة التخلف.

- 3  -

 السؤال الذي تطرحه المشاكل الاجتماعية / الاقتصادية / السياسية، المترابطة و المتشابكة على مغرب الألفية الثالثة، كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2020، حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي أربعين مليونا.....؟
في نظرنا تتعاظم أهمية هذا السؤال في القطاعين الاقتصادي و الاجتماعي، كلما نظرنا إليه من زاوية الإختلالات التي مازالت تضرب التعليم والصناعة و الفلاحة و "سوق الشغل" والتي تؤثر سلبا على مختلف القطاعات الإنتاجية، وبالتالي على مسار التنمية المستدامة ... كما تتعاظم أهميته، من جانب أخر أمام المؤهلات المحدودة للاقتصاد المغربي في توسيع هذه السوق والتقلص المستمر لإمكانيات الهجرة و العمل خارج الحدود.

يعني ذلك أن مغرب اليوم الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية و دولة الحق و القانون / دولة المؤسسات، يواجه تحديات "ثقيلة"  متعددة و متداخلة و متشابكة،لا قدرة لهذه الحكومة على مواجهتها، فالنمو الديموغرافي ومحدودية الاقتصاد وتقليص الهجرة، لاتعني فقط التراكم المستمر للأزمة الاجتماعية، و لكن أيضا تعني "تحفيز" الأزمات الأخرى على الظهور و التأثير.
تقول المؤشرات أن نسبة البطالة قد تصل خلال السنوات القليلة القادمة، إذ لم يعالج الآمر بصرامة، إلى 25% من إجمالي السكان النشطين، بمن فيهم الخريجين و الذين لا حرفة و لا تكوين لهم.

و تقول هذه المؤشرات أيضا، أن فئات اجتماعية جديدة قد تنتقل خلال نهاية هذا العقد  - إذ لم يعالج الأمر-  إلى العيش تحت مستوى الفقر.
يعني ذلك بوضوح، أن الوضعية المغربية الراهنة المثقلة  بسلسلة من الأزمات، تتطلب إصلاحات جذرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين من مناصب الشغل، وإعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم و الصحة و السكن و غيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الاجتماعي، و هو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على العولمة و التنافسية و الديمقراطية.

و من باب الاستئناس، يمكن أن نذكر أن وضعية المغرب الراهنة، لا تتطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة تحديات العولمة، كما يتراءى لزعماء الحكومة الحالية، و لكن أيضا تتطلب إحداث خمسة ملايين منصب شغل، و مضاعفة عدد المعلمين و الأساتذة و مكوني التكوين المهني و الأطر التربوية و الإدارية، و مضاعفة عدد الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية و الثانوية، و مضاعفة عدد المعاهد العلمية و الجامعات لتأمين المقاعد المدرسية و الجامعية و التكوينية/الحرفية لكل المؤهلين و القادرين على التعليم، وذلك دون ما تفرضه من إصلاح و توسيع و إعادة هيكلة للصحة و الصناعة، و الصناعة التقليدية و الزراعة والتجارة و كل المجالات والقطاعات الحيوية الأخرى...... وهو ما يجعل الأزمة حادة، و ثقيلة ..... وربما خطيرة أيضا.

- 4 –

يقول الخبراء، عندما تصبح "الديموغرافيا" حالة مستمرة من التنافر بين نموها و بين التخطيط لها، يتدخل الإصلاح باستعجال لإدراك الموقف.
" فالحالة المغربية" تواجهها تحديات متنوعة و متداخلة و مرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها ما يتصل بالنمو الديموغرافي ومنها ما يتصل بالتخطيط الاقتصادي/ الاجتماعي ومنها ما يتصل بالمناهج الدراسية وضآلة الإنتاج، ولآن المغرب على أبواب تحوله التاريخي، وبصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية ليست وحدها تبقى واقفة في وجه هذا التحول .... وأن غياب السياسات و الإستراتيجيات العقلانية، تبقى من العراقيل التي تقف في وجه التحول، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.

العديد من المحللين والمستقرئين "للحالة المغربية" يعتبرون أن مسألة التحول والانتقال والخروج من الأزمات أو من بعضها على الأقل، هي مسؤولية جماعية، مسؤولية الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية و الحقوقية، ومسؤولية الأبناك و رجال الأعمال والأساتذة والمعلمين والخبراء..... ذلك أن النخبة الواعية بظروف هذه "الحالة" وخلفياتها التاريخية والمادية وأثارها السلبية على الحاضر و المستقبل، هي الأكثر مسؤولية والأكثر وعيا بها، و لكنها مع ذلك، ترى أن حكومة وطنية منسجمة وواعية وحدها القادرة على تقريب الانتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.

والسؤال : كيف لهذه النخبة أن تقوم بدورها في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال ؟.... وهي نفسها مازالت لم تتخلص من الأزمات المحيطة بها من كل جانب. 


    أفلا تنظـــرون.....؟

بقلم الأديب محمد أديب السلاوي