الثلاثاء، 1 مارس 2022

لحرار سعيد // المملكة المغربية

 يقظة .....وذكرى أبي 



على غير عادتي وفي ليلة مضطربة بريح متقلبة الاتجاه وكأنها تحاول جر السحاب الى ارض تحتاج الى غيث بعدجفاف ،سحاب جاف في انتظار امر إلهي ليصبح صبيبا  وصيبا نافعا لأرض عطشانة وظمآنة لحرث وزرع وثمار رغم سوء أخلاق اهلها و حال بعضهم    ،استفقت بعد منتصف الليل بساعة ونصف ،كانت الساعة تشير الى الواحدة والنصف صباحا  ،استفقت وكأني نمت ليلة كاملة بنومة عميقة في رحلة لا محطة لها  ،استفقت وحواسي مسترخية وهادئة بعد عناء الامس في عمل شاق وقاس بالنسبة لسني، تحت أشعة شمس قارصة وحارة ظمآنة لم ترتشف ولو جرعة ماء منذ أن وجدت وخلقت  لتجعل من عرقنا صبيبها المفضل،شمس في  فصل شتاء من العادة أن يكون ممطرا  ،شتاء لم يكن أيضا هو كعاته  ماطرا ،شتاء جافا غير مجرى الحياة اليومية المعاشة،قلت فيها المواد وكثر فيها الغلاء والدعاء والناس تبتهل في كل صلاة وتتضرع إلى الغياث ليرسل رحماته وغيثه إلى الزرع والضرع ،ذلك الغيث الذي يحيي الأرض بعد موتها حتى تهتز وتربو ليخضر بساطتها  وتولد من جديد بكامل عنفوانها وجمالها لتعطي للحياة نفسا قويا وجديدا ،نعم كانت يقظة اصطحبتها  يقظة فكرية شبه فلسفية  يقظة تحركت فيها أفكاري وتلاها وجداني  الروحي أولا، بعد تعويذة وبسملة واستغفار ،ثم انتقل إلى متاهات فضاءه دون تحديد الوجهة ولا الهوية  ، يقظة استويت بعدها قليلا لازيح غطائي قليلا واستند لوسادة أوقفتها ، وبين أفكاري المتشتتة والمتعددة  الاتجاه ونظرتي التي مسحت من عيني رغبة النوم ،أخذت الموجه  وأشعلت التلفاز أمامي للاستأناس بصوت خافت خشية إزعاج من في البيت من نيام ،اشعلته  على صوت قرآة للقرآن  في قناة قرآنية دائمة الارسال والتي كانت مستقرة في تحركاتي التلفزية مرسلة من الكعبة المشرفة نظرا لتناوب قراء على تلاوة القرآن  متمكنين من مختلف القرآت  والتي كانت تحفزني للاستماع والاستمتاع بما في الآيات الكريمات من حكم وعبر ومواعظ وشفاء وسعادة في  الدنيا ونعيم في الآخرة ، تلك لحظات من اطيب اللحظات وأقدسها   لحظات ليلية فيها قدسية وجلال لحظات تقرب من الله مع تقربه من عباده  باسطا فضله للتائبين والمستغفرين والقائمين بالليل للصلاة وتلاوة القرآن ،   يقظة بعد لحظة توقف مسارها في محطة من محطات حياتي الماضية والتي حملت بين طياتها سربا من الذكريات المختلفة التي  كانت صعبة علي في حينها ،أما اليوم وقد مرت ومضت  وأكلتها السنون  كما تاكل الساعات الدقائق والثواني ،أراها اليوم وكأنها حلم من أيام رحلت وحملت ثقلها على عاتقها الذي لم يكن في أي يوم من الايام متهالكا  أو ضعيفا  ،يحمل كل شيئ كالسيل الجارف في نهر أو واد لا يخاف من من في طريقه ليحتضنه إلى مصير مجهول الهدف في مصب هناك في ذاكرة ملآى وخزانة إلهية عجيبة .توقفت اراقب أحداثا مرت منها ما هوأليم وما هو محزن ومنها من هو  سار ومفرح  ،استعنت بمزاجي المتفائل في هذه الليلة الغير عادية مع هذه اليقظة المباغثة،تحايلت على مخيلتي لتمدني بمدد للحقيقة من  الواقعة التي كانت مفصلا بين حياة متأرجحة وحياة مستقرة لازلت أعيشها إلى الآن وقد مرت عليها سنون مسحت آثار تأرجحها ، حياة كانت مليئة بالتناقضات والتحديات في لحظات الفتوة والعنفوان وشجاعة النفس الطموحة إلى  ما هو أفضل و

أحسن ،وبعد تعليم جدي ونجاح وجهد ثقافي كبير وحصولي على شهادة الدروس الثانوية والتي كانت في زمانها عزا ومفخرة وقدفقدت اليوم تواضعها حيث كانت في الماضي مستقبلا مضمونا في مجال التوظيف العام والخاص، وأيضا لإنقاذ عائلة بأكملها من فقر متجذر،  رغم تضحية أب ارهقت السنوات  بنيته و فكره من أعمال مختلفة الاوجه وأضناه  السعي   إلى إسعاد أسرته التي وصل أفرادها إلى أربعة ذكور وخمس إناث ،كلهم في تمدرس مختلف الأقسام والمدارس،وكنت أكبرهم وأفقههم وأكثر جرأة وكأني احلم بخلافة  والدي في مهامه القاسية لاستلام منه قيادة هذه الاسرة بعد توظيفي الذي أصبح  قاب قوسين او أدنى وعلى مرمى حجر...لكن عثرات حدثت جعلت مني حالة استثنائية غيرت الأحلام والاماني إلى متاعب لم تكن في الحسبان ، إستسلمت لقدري وخضت غمارا في وجهة  مضنية ومتعبة نسيت فيها نفسي ،دراستي،شهادتي،أملي،سعادة أسرتي،خلافة أبي ،وجهة شاقة أدفن فيها معاناتي و تعاستي،وكأنني أواصل إرث والدي المتعب وأخلفه في مصيره عكس ما كانت الاماني  ،لأتمم  معاناة كقدر محتوم ، تذكرت ما رواه لي والدي عن بداية حياته وأوائل رجولته ،حين كانت سائدة في تفكير جل الشباب آنذاك...وفي ما حكاه لي : تركت بلدتي ونعيمها ،تركت الأهل وشتاتهم في مآربهم والتي كانت تقتصر على فلاحة متواضعة على مقاس تلك المنطقة الصحراوية النائية  والعناية بالنخيل تلك الباسقات اللتي تأتي بثمار متنوعة الاذواق وحلة المذاق، وماشية من المعز والابل ،تركتها بحثا عن حياة افضل في مناطق أخرى ، تابعت المسير إلى بلاد ثانية كنت أسمع عن رغد العيش فيها ،لكنها كانت دعاية من مستعمر لكسب طاقات الغرباء،  مستعمر قديم أضحى يمني نفسه انه صاحب الأرض الشرعي ،زرع فيها كل ثقافته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية كي يصنع هوية بمفهومه  الخاص،هوية جديدة لاستمرار  احتلاله ،ليبقى حاضنا طاغيا ومزورا  لتاريخ وجذور ومقومات عاشت فيها أجيال ورجال ،وصلت بعد عناء سفر طويل التقط من هنا وهناك فتات رزق حتى أبلغ وجهتي ،وفي طريقي وأثناء بحثي عن مأوى وحاجة ، التقيت باجنبي ممن جاؤوا لاستغلال ثروات البلاد ،التقيته وهو في صدد البحث عن سواعد للقيام بما يصبو ويطمح إليه ،تعقبني قليلا  وانا في عمل عشوائي تمعن مليا في بنيتي وفي طريقتي في العمل ووعيي المتواضع   فقرر أن يصطحبني إلى شركته  التي كانت تنتج النبيذ ومشتقاته، نظرا لوفرة أشجار الكروم في تلك المنطقة من تلك البلاد الجديدة علي إلا من أهلها ومعاملتهم التي تشبهنا كثيرا لقربنا و جوارنا وعلاقتها الاجتماعية المتلاحمة من لغة ودين وتقاليد،والتي أصبحت اليوم عرضة للتفرقة والمشاحنة من طرف من يسوسون هذه الربوع  حسب مصالحهم ورغباتهم الخاصة ،استضافني ذللك الاجنبي واغذقني بالمستقبل السعيد معه  و في خدمته  ،فرحت كثيرا على هذا الحظ الذي استقبلني وانا في بداية الطريق بالعمل والسكن في منزل غير بعيد عن الشركة فيه كل مقومات العيش مع أسرة  تلوح معالمها في أفق تفكيري وشغفي حين صادفت فتاة جميلة متأدبة  خجولة تمشي على استحياء تاتي لزيارة صديقة لها في هذ الحي قرب هذه الشركة التي أحط الرحال فيها،حي جميل إلا أن جماله تعكره رائحة تخمير  مليئ ببقايا النبيذ المختمر في مستنقع خطير تظن أديمه يابسا لكن مجرد خطوة تغرق صاحبها   وتجعله عرضة للاختناق مفاجئ، وكنت حارسا لهذا المستنقع  ليلا لقربه من  المنزل وعاملا في النهار،استوقفت تلك الفتاة مرات اتلاعب معها بأفكار الزواج والشراكة فقبلت  وتم العقد والقران بحضور اخيها وولي أمرها  وتم القبول ،لغياب والديها في دار  البقاء وتمت العشرة دون مزامير ولاطبول اسفر عن ازدياد ثلاث ذكور وابنتان وعيش سعيد ،وثقافة أجنبية في مدارس أجنبية بعيدة عن وتقاليدنا في كتاتيب لحفظ القرآن والتمسك بديننا الحنيف ،اشتد وطيس  التحرير  من المجاهدين ومن لهم غيرة على بلادهم واهلها هؤلاء الاشاوس والابطال الذين يجدون في الشهادة سعادة ،تصاعدت حدة المواجهة  في كل الانحناء من تلك البلاد في انتفاضة وملحمة يشتهر ويشهد  التاريخ بذكرها تعالت الهجمات على الارتال والأفراد  واختفت قوة المستعمر و جبروته تحت وطأة هذه التضحيات في سبيل التحرير رغم المغريات  التي خلقها لتبعد  الناس عن موروثهم  الاصيل،  وكان العملاء والخونة في ذروة  مهامهم اللعينة وفي وشايتهم القاتلة ،في تعاون مخزي مع الاعداء ،والتي كثيرا ما تدمي قلوب الاحرار وتميت فيهم الكرامة والنخوة وتجعلهم عرضة للوشاية وتسبب في   أشد العذاب والقسوة التي تغيب فيها الرحمة تماما لتبقى الوحشية الإنسانية في وهجها  ونهجها الخبيث والمؤدي....،نعم والدي الذي الذي ذاق  الامرين ، عذاب الغربة عن أهله ومذاق العذاب  من هذا المستعمر الغاشم الذي لا يرحم كنا صغارا  نسمع أحيانا طلقات نارية نختبئ وراء براميل او نحتي بحائط .وفي كل صباح بعد أن تهيئنا والدتي افطار طيبا لذيذا وتلبسنا احلى لباس نتجه إلى المدرسة القريبة وسط ارتال من الدبابات  والمزمجرات و حشود من الجنود الذين كانوا يلاطفوننا ويداعبوننا في الطريق وموزعون لنا الحلوى لكسب مودتنا  فنبتسم وتستمر في سيرنا إلى المدرسة    رغم عداوتهم لآباءنا وأهلنا عاطفة لا يستغلها  الإنسان،الإنسان  المشتاق إلى الدماء وسيلانها على مصلحة  خاصة وأنانية وطغيان مضر،بعد رجوعنا في أحد الأيام وقد عهدنا والدي دائما في استقبالنا و انتظارنا بباب المنزل كعادته  اليومية،لكن   في مساء هذا اليوم فقدنا رؤيته ،سألنا والدتي في حيرة غير معهودة  أجابتنا  وهي تمسح دمعة تائهة على خدها بأن فرقة عسكرية اقتحمت بيتنا عشية دخلت بدون اسئذان الى كل أركان منزلنا وفتشت كل شئ فيه تحت انتظارها مندهشة   ،اصطحبتنا للداخل  ننظر ما حدث،  فإذا بالملابس مبعثرة  والرفوف كذالك وكل شئ في المنزل على غير عادته من الترتيب ،نعم لقد فتشوا و بعثروا وأخافوا واقتادوا والدي إلى وجهة لا تعلمها والدتي ،  علمنا بعد هذه الواقعة مع قادم الايام أنها من صنع  وشاية جار يبعد عنا قليلا  كان في عداوة مع والدي و في منا فسة شرسة   ليكسب ذالك الجار الخبيث  ثقة ذللك الأجنبي فيزيح والدي عن طريقه الماكرة  ،  فاختار له وشاية خبيثة مثل خبثه وذالك باتصاله بجنود استغل وجودهم أمام منزله وأخبرهم  بأن والدي يخبأ السلاح للمجاهدين   وانه يمدهم بمعلومات عن تواجد وحدات الجنود التي كانت تحتمي وراء ذللك المستنقع خشية من الثوار والمجاهدين ورجال التحرير ،وفيما نحن كذالك اد جاءت دورية عسكرية علمت بوجودنا في البيت حملونا في سياراتهم إلى المخفر وكم كانت مفاجئتنا مؤلمة  وفي غرفة شبه مظلمة ،ورجال امن محاطين بإنسان يظهر لي في هذه العتمة الخفيفة في هذه الغرفة الضيقة كشبح مصلوب ،معلق اليدين عاريا إلا من ثوب على خاصرته  استحياء بين وحوش لا تعرف للحياء طريقا ،وكم كانت دهشتي حينما رأيت  أن ذالك الشبح هو والدي مجردا تماما من ملا بسه ويديه ملعقتين وهو في حالة يرثى لها من جراء التعذيب و آلام والعذاب ، وعلى كتفيه قطع  صعقات كهربائية تؤلمه وتحرق جلده بكيت بدمع الطفولة المشحون بالاستعطاف والتوسل ثم جردوني انا واخي من لباسنا ،أخي الذي يصغرني، ثم طرحونا أرضا على فوهة مجرى للمياه المتعفنة وأمام أنظار والدنا الذي انحنى رأسه مرهقا بالآلام من  بشتى أنواع  التعذيب والصعقات الكهربائية لينظر إلينا في حسرة كالمغشي عليه لا يدري حيلة تنقذه من بطش هؤلاء  الوحوش الآدمية ،بقينا في هذه الحالة البئيسة المؤلمة وسط أسئلة واستجواب حول علاقة أبي بالمجاهدين كما نسميهم، وعن الدعم الذي يقدمه والدي لهم ،وكيف كان يرشد المجاهدين ويدلهم على مواقع الجنود الغرباء في النواحي حسب قول ذلك الواشي اللعين  ،بقينا هكذا  إلى ساعة متأخرة من الليل ،لتأتي دورية أخرى  لتصحبنا  إلى منزلنا ،والمرور بين نقط تفتيش ومراقبة ووالدنا هناك في تلك الغرفة وفي  شبه غيبوبة الى مصير قاس و مؤلم ،تحت بطشهم  وتعنفهم   دون رحمة ،استقبلتنا والدتنا  بدموع وحنان وكأنها ترانا لاول مرة بعد غياب طويل واحتضنتنا تقبلنا قبلات تزيدنا لوعة وحسرة وأسى ،أسرعت المسكينة تهيئ لنا طعاما خفيفا لسد رمقنا من جوع وتواسينا من إرهاق على هذا الظلم الذي لحقنا من جراء تصرف شيطاني من ذللك الجار السئ الأخلاق الذي أراد تدمير أسرة من أجل حسد  و حقد  وكراهية مصلحية وفي الغد جاءت دورية تحمل والدنا وقد خرت قواه وارهقه التعذيب، تعذيب  ظالم مجاني يمر علينا كصاعقة مدمرة تسحق كل شئ ،ومعهم طبيب يعالج حرقاته في جسد ه البريئ، جسد كان بالأمس يسعى لإطعام أسرة بعرق الجبين فإذا به اليوم مشلول الحركات تحت أنين الصعقات،تلك مرحلة ألم كانت تمر مع الايام وكان معلمي المدرسة يأتون إلينا ونحن في تلك الغرفة ويتوددون لتلك الوحوش بأن يخلوا سبيلنا فنحن صغار ولا حول ولا قوة لنا المرجع إلى القسم المدرسي  لأنه أولى لنا من هذه الغرفة التي تفوح منها رائحة الدم والتعذيب ،نعم تلك مرحلة  مرت .مرت لتقلب صفحة من صفحات الحياة،   أوحت لو الدي و بعد تعافيه تدريجيا أصبح يفكر في الهجرة والرجوع إلى أهله وأهل والدتي للنزوح والهروب من هذا الكابوس الذي أصبح يلاحقه ويطارده ويقتفي  أثره أينما حل وارتحل ، كان لوالدتي إبنا أختها سائقين يتاجران في الخضر ينتقلان فأصبحت معروفين  ويعبران الحدود بكل سهولة  ،وكانا أصحاب دراية واسعة بالطريق ،وكانا على علم  بمجريات  أمورنا كما أخبرتهما والدتي في اتصالات سابقة  ووالدي كذلك  بأننا على استعداد  للهجرة بأي طريقة ممكنة في أقرب الظروف حين تصبح الفرصة  سانحة و مواتية  ،وفي محاولة لإنقذنا جاءا  ليلا إلى منزلنا بشاحنتهما ..... أختبأنا نحن ووالدتنا في مؤخرة الشاحنة تحت ترتيب لمتاعنا بحكمة بالغة لألا يكتشف وجودنا جنود التفتيش في طريقنا ونحن قاصدين  أمل  الخروج من بلاد كانت أملا وأصبحت ألما، وفي منتصف تلك  الليلة المظلمة التي  تأخر فيها القمر عن محياها  وكأنه لا يحب وداعنا هنا في هذه البلاد  ليستقبلنا  هناك في بلادنا .ودعنا منزلنا وقد تركنا فيه بقايا من متاعنا نظرا لكثرته على حمولة الشاحنة ،ذالك المنزل الذي كان يأوينا و ذالك العمل الذي كنا نقتات من طعامه  والمدرسة التي جمعت صبانا ولعبنا ونشاطنا وحياة كانت في أولها رغدا  فأصبحت عدما بعد وجود، تركنا كل شئ حتى احزاننا وآلامنا إلى رحلة لازال أفقها بعيدا لناظرنا لاندري له اتجاها ولا محطة ..... 

.......لحرار سعيد....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق