الخميس، 16 ديسمبر 2021

جميلة سعدون

 سعيدة المنبهي 

بقلم جميلة سعدون

+++++++++++++

يوم 11 دجنبر1977  يوم استشهاد سعيدة لمنبهي

ولدت سعيدة لمنبهي  بمراكش  سنة 1952  تابعت دراستها فحصلت على البكالوريا لتلتحق بكلية الآداب شعبة  اللغة الانجليزية بالرباط

ناضلت سعيدة في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ثم التحقت بمهنة التدريس كأستاذة للغة الانجليزية وناضلت كمدرسة في إطار الاتحاد المغربي للشغل

التحقت سعيدة بمنظمة إلى الامام الماركسية اللينينية   السرية

بسبب هذا الانتماء تعرضت  سعيدة للاختطاف  يوم 16 اكتوبر 1976 لتقضي ثلاث أشهر بدرب مولاي الشريف السيء الذكر وتتعرض لأبشع أشكال التعذيب والتنكيل 

حوكمت سعيدة بسبع  سنوات  فتحملت كل ألوان العذاب بسبب قناعاتها الراسخة ومبادئها الصلبة

خلال المحاكمة عبرت سعيدة عن مواقفها من النظام و تقرير المصير و أوضاع النساء  وكانت تهمتها المساس بأمن الدولة 

خلال إقامتها بالسجن اهتمت بأوضاع السجينات و بقضايا النساء فكان المعتقل فضاء للاستماع لشهادات ضحايا البؤس والفقر 

أنجزت سعيدة  دراسة حول الاسباب الاقتصادية والاجتماعية لتعاطي الدعارة في ظل النظام  السياسي القائم كما حفرت جدران المعتقل بأظافرها لتؤرخ لمحن الوطن

دخلت سعيدة في إضراب عن الطعام يوم 08 نونبر 1977 من أجل قانون للمعتقل السياسي وتحسين ظروفه  وفك العزلة عن المعتقلات السياسيات فدام الاضراب 34 يوما لتستشهد يوم 11 دجنبر 1977

دخلت سعيدة تاريخ النضال السياسي ولازالت ملهمة للأجيال المناضلة ورمز للنساء التواقات للتحرر وتدمير الاضطهاد وكل أشكال الهيمنة


جميلة سعدون

 النسوية الماركسية وإعادة الإنتاج : مرحلة تصالح جديدة


 الحلقة الثانية

يعتبر شعار ’’ الشخصي، سياسي’’ شعار للخوض في تفكيك العلاقات المنظمة لدائرة إعادة الإنتاج: العمل المنزلي، الانجاب، العلاقات الحميمية ’’. شعار طرحته الحركة النسائية ،70 القرن العشرين ردا على فصل دائرتي الإنتاج وإعادة الإنتاج الذي انتهجته الحركة الماركسية، فيما قبل

انطلق التأصيل النظري للأسس المادية للهيمنة الذكورية ومفهوم إعادة الانتاج مع سيلفيا فدريسي   وليز فوجيل و تتيهي بتشاريا  وسينيزيا أروزا ونانسي فرايزر  ..ومع نقاش  موقع  العمل المنزلي داخل النظام الرأسمالي  وعلاقة أنشطة إعادة الإنتاج بفائض القيمة  

طورت فرايزر تحليلها لمفهوم إعادة الإنتاج الاجتماعي كمجموعة أنشطة وحاجيات ضرورية، تسمح للمجتمع بإنتاج وإعادة إنتاج نفسه وتجديد السكان. من تغدية وراحة وحب وعلاقات حميمية، تلك الرابطة التي تربط الفرد بمحيطه الاجتماعي وكل الخدمات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة والتعليم  

 أضافت أن هذه العلاقات لا تقتصر على أنشطة البيت، بل تشمل كل انشطة الاحياء الجماعية وعلاقات الصداقة والتواصل


 في حوار لها مع’’ ألتو واتش، ALTO WATCH’’ تناولت مفهوم العمل كمفهوم أكبر من العمل المأجور وإنتاج السلع والبضائع،   

عمل يشمل  أنشطة النساء الغير مرئية والمجانية  التي دونها  لا يستمر العمل المأجور ، فالإنتاج واستخلاص الأرباح  بالنسبة لها يتطلب  الانجاب لتجديد اليد العاملة  كما يتطلب رعايتها وضمان صحتها واستمرارها في الإنتاج ورعاية المسنين بعد استنزاف قوة عملهم 

كل هذا يتم  من خلال عملية المأسسة  التي تقوم بها الرأسمالية  بفرض التقسيم الجنسي للعمل  وتكريس تبعية النساء للرجال 

لم يفت فرايزر توضيح الدور الموكول للنسوية وجعل أنشطة إعادة الإنتاج أنشطة مرئية لها علاقة مباشرة بأنشطة الانتاج ، ولم يفتها أيضا الوقوف على مفهوم الطبقة العاملة الذي لم يعد بالنسبة لها تلك الطبقة المكونة من عمال المصانع بل هي الطبقة التي تتكون اليوم من العمال والعاملات بأجر أو بدون ،وتخص بالذكر عمل النساء الملونات والمهاجرات وربات  البيوت   اللواتي ينجزن أعمال النظافة والرعاية  و التعليم  والخدمات التجارية والعاملات بالقطاع الزراعي و الغير مهيكل ...وحثت في هذا السياق النسوية على توسيع هذا المفهوم

عرجت فرايزر على الفهم الضيق للصراع الطبقي وما ينتج عنه من تعارض  بين النضال الطبقي و النضال النسائي  كأجزاء  مكونة لاشكال   الصراع  المفروض ان تكون شمولية  ضمن شمولية  النضال ،وليس في تعارض مع بعضها  ،فالرأسمال اليوم يستنزف  الانسان والطبيعة على حد سواء، و دون تعويض،  وذلك بخلق حدائق خلفية   من الموارد الطبيعية والنهب الذي يلحقها والتدمير الايكولوجي الذي يتسبب فيه الافتراس الرأسمالي  وكذا  استهلاك قوة العمل وخلق أوضاع من الهشاشة وعدم الاستقرار في كل وضع  وحين


عبد المالك العسري

بورتري 

 رحم الله من زين حناجرنا بالقرآن الكريم

 في  اليوم العالمي  للمدرس  ،اخترت   مدرسنا  الاول الفقيه المرحوم الحاج  احمد  الريسوني


 

لاعيد  نشر  بورتريه  كنت  قد  كتبته  عنه 


لا تكاد سيرة من سير أعلام القصر الكبير في المنتصف الأول من القرن العشرين – والى جيل الستينيات – تخلو من ذكر "الجامع " وهي المؤسسة التي لعبت دورا هاما في حياة المجتمع القصري ، هي جزء من هوية المدينة العربية المسلمة حافظت على شخصيتها المغربية ، فقبل الدفع بآي طفل في حرفة ما ، كان من اللازم أن يمر بمرحلة " الجامع " تذكر السير بالكثير من الحنين "الجامع "أو المسيد ويذكر أصحابها فقهائهم بالكثير من الترحم ، إذا قدر لي إن اكتب سيرتي ، فإنني لن أتاخر في إعطاء معلمي وفقيهي الأول المرحوم الحاج احمد الريسوني ، المكانة التي تليق به ،فقيه من فقهاء باب الواد العتيدة ، ورد اسمه في العديد من المراجع التي أرخت للمدينة ، هو الحاج احمد بن الحاج علي الريسوني ازداد بالقصر الكبير سنة 1317 هجرية الموافق 1900 ميلادية ، يرجع نسبه إلى الأسرة الشريفة الريسونية بتازروت انتقلت إلى قبيلة آل سريف ومن تم الى القصر الكبير حسب وثيقة عدلية أطلعني عليها ابنه الحاج مصطفى الريسوني مؤرخة ب 20جمادى الأولى 1289 الموافق ل25 غشت 1872 تتبث النسب المتصل بالقطب المولى عبد السلام بن مشيش وترصد حركة انتقال الأسرة من تازروت بالقرب من جبل العلم إلى قبيلة آل سريف بمدشر مغطير ومن ثم إلى القصر الكبير ، عاش يتيم الاب وكفلته أمه التي سهرت على تربيته تلقى تعليمه الأولي بكتاب الفقيه احمد الريسوني ابن عم له وهو المعروف بالفقيه الزحاف ، لما حفظ القرا ن والمتون المصاحبة له ، ظهر عليه نبوغ مبكر وهو يتلقى دروسا بالجامع الأعظم ، تولى التدريس في سن مبكرة معوضا لأخيه ، وكان اصغر فقيه بالمدينة وربما درس طلبة في مثل سنه أو يكبرونه ، داع صيت الفقيه الريسوني في باب الواد ، وعهدت إليه الكثير من الأسر أبناءها ، ونجد العديد من الأسماء التي برزت لاحقا كإدريس الضحاك والمرحوم عبد السلام نخشى وأخيه المرحوم سي محمد نخشى واحمد الفاسي وأفراد من عائلة الطود والغرابلي والعسري وغيرها من الأسر .

ففي إحصاء للكتاتيب القرآنية بالقصر الكبير لسنة 1947 نجد الفقيه احمد بن الحاج الريسوني يتصدر الجدول بأعلى عدد الطلاب ( ستون طالبا ) باعلى راتب شهري 240 بسيطة حسب الجدول المأخوذ من كتاب الدكتور سعيد حجي " القصر الكبير خلال مرحلة الحماية 1912/1956″ صفحة 276 وهو الجدول المأخوذ بدوره من وثائق الأستاذ محمد اخريف .

عرضت عليه مهمة ممارسة التوثيق العدلي عبر رسالة تعيين سنة 1937 موقعة من طرف الصدر الاعظم بالمنطقة الخليفية احمد الغنمية الا انه اعتذر مفضلا تعليم الاطفال كتاب الله متشبثا بكتابه الصغير الملاصق لمدخل درب الغرابلي شتاء ومسجد الشجرة صيفا ، وعند افتتاح المدرسة القرآنية تم استدعاء الفقيه احمد الريسوني رفقة تلاميذه وخصصوا له هناك قسما ، ويوم الافتتاح الرسمي حضرت الهيئة الرسمية على رأسها المراقب الاسباني ، وما آن انتهت مراسيم الافتتاح حتى عاد الفقيه صحبة تلاميذه الى كتابه ، قائلا ان كتاب الله لا يدرس برعاية النصارى ، رغم العرض الذي قدم له للتدريس بالمدرسة القرآنية .


 


ذات صباح تقدمت امرأة على استحياء إلى الفقيه الحاج احمد الريسوني ، امرأة مربوعة القد يرافقها طفل كفيف لم يتجاوز الخامسة من العمر ، تقبل يد الفقيه وتوصيه بابنها الكفيف بلكنتها القصرية ، لم تكن المراة إلا للا خدوج الطاجنية ولم يكن الطفل إلا ابنها عبد السلام عامر ، توصيه بابنها ، ويتقبله الفقيه ويتعهده ويخصص فريقا من التلاميذ ليأخذوا بيد الوافد الجديد ، علموه كيف يأخذ لوحه كيف يمحيه كيف "يصلصله " يكتبون له الآيات المقررة وسرعان ما ينسجم الطفل عبد السلام عامر في فضاء المسيد وينال حظه من ما تيسر من القرآن الكريم قبل أن يلتحق بالمدرسة الأهلية .

– يكون التلاميذ منشغلين بالحفظ أو الكتابة ويدخل المسيد رجل أو امرأة يطلبون بركة الفقيه ، لتخفيف أو إيقاف آلام ضرس ، يأخذ مسمارا ويضعه على الضرس المصاب ويرتل تعاويده ويطلب من المريض أن يذهب ويدق المسمار بشجرة ضريح سيدي يحيى ابن الملاح ، والذي سيطلق عليه سيدي بوضريسة لكثرة المسامير التي دقت بالشجرة التي تظلل ضريحه ، وعالج بعض أمراض العيون وقصدته الراغبات في الحمل من اجل الدعاء ..

المرحوم الفقيه احمد الريسوني أول من أدخل الفتاة القصرية لتحفظ كتاب الله إلى جانب الذكور ويكون أول من مارس عملية مقاربة النوع في هذا المجال ، أحضر بناته أولا لتشجيع باقي الأسر على إرسال بناتها وكذلك فعلت أغلب الأسر بباب الواد ، عشت قريبا من أسرته للمصاهرة التي جمعتنا ،رأيت عن قرب علاقته بأبنائه وبناته ، بأبوة غامرة كان يحتضنهم ، كيف رعى زوجته المرحومة الحاجة خديجة أقصبي التي أصيبت بشلل رعاها بحب وحنان ورعاية صحبة ابنيها الحاج محمد والحاج مصطفى ، لم يكن ينادي احد ابنيه أو إحدى بناته بأسمائهم إلا مسبوقا بالمرضي أوالمرضية ،


 


هكذا كان المرحوم الفقيه احمد الريسوني عاش زاهدا متواضعا ،مبتعدا عن الأضواء ولعلي لم اذكر في هذه لمقالة إلا النزر القليل من سيرته ، رحمه الله ..



عبد المالك العسري

 تفعيلا لاختصاصاتها في مجال النهوض بحقوق الطفل وحمايتها، شاركت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان طنجة تطوان الحسيمة، ممثلة بعضويها الأستاذين محمد حمضي وعبد المالك العسري، يوم الجمعة 05 نونبر 2021 بوزان، في ندوة حول ''تعزيز المنظومة الحقوقية للطفل على ضوء النموذج التنموي الجديد''.



شارك أيضا في هذه الندوة، ممثلو القطاعات الوزارية المعنية، وفاعلون مدنيون وخبراء في مجال الطفولة والإعاقة والتعليم والعدل والسياسات العمومية.



تندرج هذه الندوة، التي نظمتها ''حركة الطفولة الشعبية فرع وزان'' بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل '' قطاع الشباب'' وبتعاون مع جماعة وزان، في إطار فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الطفل المنعقد تحت شعار '' النهوض بحقوق الطفل : أي دور للفاعلين المحليين''.




 بورتري 

(ابوالوفاء ) 

سيدي  احمد البجنوني 

العابر /المسافر في الشرايين بدون كره  طفولي 



كل منا يؤمن بأنه سيلقى  به في غياهب  العدم ، إن عاجلا او آجلا ،حين تتوقف عقارب  الزمن وخاتمة دقاتها ،في حركات بندولية متأرجحة بين الفرح  والألم .

لكن المنتصر من يقوى  على فتح  كوة خاصة  على الوجود الإنساني ،حيث يجد له مكانا تحت الشمس يميزه عن الآخرين رغم الرحابة اللامحدودة للوجود .وهو ماسماه الفيلسوف الفرنسي ( مشيل فوكو -فن الوجود-)

إذ نظر الى الحياة ليست كمجال شامل لكل الكائنات الحية ،انما كانتماء  خاص  للفرد الذي  يجعل من حياته الخاصة مشروعا جماليا موجها لاشباع شخصي اي الحياة كخبرة للعابر والمتلاشي ، 

الذي يحقق نفسه بايقاع الاختفاء الوشيك .

إن الترجل  على  صهوة الحياة دونما ترك بصمة موشومة على ذاكرة الغير ، يصير حياة الإنسان مفرغة من مغزاها الإنساني وهدفها السامي ، الموزع للناس بين الوضيع  والرفيع  ، والفاضل  والمناضل والناذل ....و  

هكذا  في كل  يوم من  الرابع  من دجنبر تنبعث ذكرى رجل اعتبرناه  رمزا للوفاء لمهنة التدريس جراء  الم المهنة الذي  انغرس في  قلبه ممزوجا بامتداد الحلم في الجسد المحاصر بالرغبة  في صنع أجيال من التلاميذ يصعدون خفافا  من القرى القرى النائية البئيسة ، والمدن الصغيرة الجريئة  آنذاك كالقصر الكبير لاختراق آفاق المستقبل بعزيمة صلبة ، ورغبة مؤمنة بتحقيق ما تولد لدى ابنائها  من  أحلام .

كل الذين تسللوا الى عينيه يرمقونهما بإحساس طفولي ، وحدس لا يخطئ ،يجدون فيها احصنة تهيج القسم وما احتضن من تلاميذ بدون استثناء للإمتداد بهم جميعا نحو أفق ذوقي جمالي يستطيع  ان يرهف السمع تلق.

إذن التعليم عند الوفي كالحصان الأصيل لا يخدع يستشعر ذبذبات الأخطار من بعيد فيتاهب   لتداركها ممارسا او مطلعا الآخرين عليها .

لهذا كلما ذكر  اسم الأستاذ البجنوني رحمه الله إلا  وتنبجس ذكرى جميلة عاشتها رحاب أول  قاعة على اليسار في الطابق العلوي من مدرسة سيدي بواحمد ،المدرسة التي جمعت بألفة قوية بين الجغرافيا والتاريخ ...

إن استعادة الذكريات مع هذ الرجل الفذ لا يكون بدافع بكائيات عاطلة عن الفعل بل لإطلاع الارواح على جلال وجمال رسالة التدريس والتوق  الى كمال التكوين الصلب التأسيس .

لقد  علمنا الحبر الملازم لكل  هموممنا حكمة اساسية وهو انه  حتى ولو لم يكثرث ببعض رجالاتنا أحياء ،فأقل ما  نسديه إاليهم  من هو الاعتراف  بمجهوداتهم .

هذه  قطرة  من فيض ،إذ خلال كل مساء أحد أيام الأسبوع  ينادي الأستاذ على تلميذ  ذكي كي  يأتيه  من  منزله بمذياع صغير ،الدرس لا يتوقف بين الفينة والأخرى ينظر الى ساعته ،فلا يهنأ له بال حتى يصل التلميذ ، ولا  تنقطع  أواصرنا بالدرس إلا  عندما  يأمرنا  بذلك .

يعم الصمت وكأن فوق  رؤوسنا الطير ، مشدوهين نرنو بعيون حيرى ،إلى الجهاز ، حتى  يحين  وقت وقت البرنامج الإذاعي الذي  يعلمه الأستاذ فيشغل المذياع ،كم كانت دهشتنا حينما نسمع  صوت المذيع يتوجه الينا بإرشاداته التي تلقننا كيفية القاء نشيد  ما ، بضبط مخارج حروفه ، وانسجام كلماته مع ايقاعاتها النغمية ووقفاتها ونبراتها ...

هكذا  بعد  مضي  السنين داخل زنزانة العمر كنا  نبدع حريتنا من بعض الأحايين عند استفسار مثل هذه الذكريات الجميلة للواذ بها كي نخفف من ثقل اليومي  الرتيب ، خصوصا  تلك التي  اعتبرنا فيها مثل هذه  الروح الطاهرة أثمن مما تجنجت من خلالها أحلامنا وهجست  حيالها رغباتنا ، التي تحققت  رغم صلابة الواقع وقساوته .

فعلى مثل  هذه الأرواح نترحم بخشوع وللأستاذ ابو الوفاء  رحمه الله لا نملك مع ذكراه إلا الحزن على غيابه الأبدي والحب والوفاء لبقائه  محفورا على سحايا الذاكرة ،لأنه كما تقول  الحكمة  القديمة  فحيثما يوجد حب  يوجد  حزن .


جميلة محمد

 اسعدني بقبول الدعوة للمشاركة في الباروناما الأدبية الدولية باثينا يناير المقبل  الأديب ، الشاعر الكبير 


"يوسف أصلان" من تركيا ..بكل رقي ومحبة و تواضع ...

وهذه ...نبذة عن الآديب ..


 بيوغرافيا ..."سيرة شخصية "


# من هو المؤلف يوسف اصلان؟

إنه المترجم والكاتب والشاعر يوسف أصلان ولد في ملاطية (فتحية) عام 1954.

و انتقل إلى أضنة في سن مبكرة جدًا.

و بعد تقاعده كتب أكثر من 3000 قصيدة وحكاية ومقال!منها : 

"غريب ميرتو" ،

"أنوار فتحية" ،

"مصير فتاة إليف" ،

وهو اي "يوسف اصلان " مؤلف الرواية الشهيرة "Karayılan".

في 30 أكتوبر 2020 ، فاز بالجائزة الوطنية للأدب "القلم الذهبي لروسيا" - وهي أعلى جائزة دولية في روسيا.

حدث هذا الحدث لأول مرة في تركيا.

حصل يوسف أصلان على شارة أدبية من الذهب الخالص مع روايته الرائعة "قرايلان".

كما قام يوسف أصلان بتعميم الأدب العالمي من خلال ترجمة قصائد المؤلفين الأجانب إلى اللغة التركية.

أصبح صاحب الدبلومات الألمانية.

رسالة شكر شخصية من الاتحاد العالمي للكتاب التابع لليونسكو إلى إم في. شكسبير في مدينة ميونيخ والشاعر الناطق بالروسية جينادي ديك من قرية غوترسلوه. تمت ترجمة الرواية العسكرية التاريخية "البلقان" للكاتبة سفيتلانا سافيتسكايا بسرعة كبيرة إلى التركية من قبلها ، وقد لاحظ اتحاد كتاب الدولة في الاتحاد الروسي المستوى الأدبي لهذا العمل الرائع.

قدم إن إف إيفانوف ، رئيس اتحاد الكتاب الروس ، شخصيًا للكاتب والمترجم يوسف أصلان الجائزة الأدبية التي تحمل اسم ماجستير في البيت المركزي للكتاب في موسكو.

وبدعم من الميدالية ، قال شلوخوف: "لتحقيق إنجازات مهمة في الإبداع. ماجستير شولوخوف ". خ. غايوبوف (طاجيكستان) المخرج والمترجم والمترجم ج. شاريبوفا (أوزبكستان) ، كما عمل على ترجمة رواية" البلقان ".

أصبح فريق المشروع بأكمله ، بما في ذلك مؤلف الرواية ، الفائزين في مسابقة آسيا الوسطى "أفضل كتاب لعام 2021".

إلى الممثلين الأربعة لروسيا وتركيا وطاجيكستان وأوزبكستان ، رئيس اتحاد الكتاب والمؤرخين في آسيا الوسطى "Yangi Ovoz" Zh.A. وقد قام شخصياً بتسليم ميداليات "توران بيرمديجي". مونولدوروف (قيرغيزستان).

تمت ترجمة الشاعر يوسف أصلان إلى اللغة الروسية للفوز في مسابقة عام 2021 ، تكريما للذكرى 580 للحكيم الناطق بالتركية أليشر نافوي.

أدرجت أشعاره وترجماته الرائعة ، إلى جانب 30 من الحاصلين على جوائز أخرى من مختلف دول العالم ، في "الكتاب الذهبي لآسيا الوسطى" مع وسام الجائزة لهم.

أ. نافوي.

حصل على دبلوم "جمال الأدب الروسي".

الكاتبة والنجمة الروسية الشهيرة - سفيتلانا سافيتسكايا وبمشاركة رئيس روسيا وأعضاء الحكومة الروسية ونواب مجلس الدوما ومجلس الاتحاد الروسي وأعضاء مجلس الشعب والمنظمات العامة ومسؤولين آخرين (" YUSUF LION. مؤلف العديد من الكتب. SP و I Yangi Ovoz مترجم بجدارة ، تركيا. G. Adana). اعتبر مستحقًا للجائزة الكبرى من قبل لجنة التحكيم ، وهي علامة مرموقة جدًا لروسيا و "روسيا شجاعة".

نظرًا لخدماته في الثقافة والفن ، تم قبوله ليكون من بين شعراء وكتاب العالم (العالمي) بناءً على توصية في عام 2021.

يواصل مترجم كتاب الأمثال هذا ، يوسف أصلان ، عمله ويعيش في أضنة ، تركيا.



محمد قجة

 الشيخ الأكبر "محي الدين بن عربي"

وأثره الحضاري في حوض المتوسط


( خلاصة محاضرة القيت في مؤتمر "الحوار بين ضفتي المتوسط " الذي اقيم مرتين في بيروت وبرشلونة )


أولاً- تمهيد:ذ 




بقي البحر الأبيض المتوسط مركز الحضارات العالمية منذ فجر التاريخ حتى القرن التاسع عشر، فعلى شواطئه وفي البلاد المحيطة به قامت حضارات الرافدين وبلاد الشام ومصر القديمة، وامتدت تلك الحضارات شرقاً نحو العمق الآسيوي لتبلغ الهند، وغرباً حتى المحيط الأطلسي. وشهدت العصور التاريخية المبكرة نشوء الحضارات السومرية والأكادية والبابلية والأشورية والفرعونية والحثية والميتانية والكنعانية والفينيقية. وذلك كله في الإقليم الشرقي للمتوسط والزاوية الجنوبية الشرقية منه. ثم ظهر الفرس الأخمينيون الذين كانوا همزة الوصل بين حضارات الشرق الأقصى والحضارات القديمة في حوضي النيل والرافدين. أما على الجانب الشمالي للمتوسط فقد كانت هناك حضارة الإغريق ثم الرومان، وكان لا بد أن تنشأ الصراعات الهادفة إلى بسط النفوذ على المتوسط سياسياً وثقافياً واقتصادياً، فكانت الحروب الإغريقية–الفينيقية، ثم الإغريقية–الفارسية. ثم الحروب الرومانية–الفينيقية في غرب المتوسط وسقوط قرطاجة عام 146 ق.م.

وكان المتوسط يشهد قيام تلك الحضارات وسقوطها بين مد وجزر، فتارة يغدو المتوسط بحيرة كنعانية فينيقية، وطوراً يصبح بحيرة رومانية، ثم يعود النفوذ إلى جنوب المتوسط وشرقه مع المدّ العربي الإسلامي بعد الفتوحات الكبرى في القرن السابع للميلاد.


وكأن دورة الزمان توزع الأدوار بين الشعوب والحضارات، ففي حين عرف الألف الثاني والأول قبل الميلاد هيمنة قادمة  من شرق المتوسط وجنوبه الشرقي. انقلب الأمر إلى هيمنة أوربية من شمال المتوسط تمثلت بالإغريق فالرومان والبيزنطيين  حتى ظهور الفتوحات الإسلامية، وهي فترة تقارب ألف عام. وتلتها فترة ألف عام أخرى من الهيمنة الحضارية الإسلامية حتى عصر النهضة الأوربية حينما استطاعت الفترة الاستعمارية أن تبسط سلطان الحضارة الأوربية على العالم. وليس على المتوسط فحسب. وما يزال هذا السلطان مبسوطاً حتى اليوم. بصورة او بأخرى. 


وليس مجال حديثنا الآن فترة الفتوحات الإسلامية أو عصر النهضة الأوربية، بل ننتقل إلى عصر الشيخ "محي الدين بن عربي" لنتلمس أثره الحضاري في عصره وما تلاه من عصور.

***** 


ثانياً – عصر "ابن عربي" وحياته:

يتربع الشيخ "محي الدين بن عربي" على قمة الهرم الفكري في الحضارة الإسلامية، علماً وغزارة تأليف وشمول معارف.

ولد "محمد بن علي بن عربي" في مدينة "مرسية" في الأندلس، لأسرة عربية عريقة معروفة بالتقى والعلم. وانتقل مع أسرته إلى "اشبيلية" فدرس هنالك  القرآن والحديث والفقه على يد أحد تلاميذ "ابن حزم" إمام المذهب الظاهري في الأندلس. وكان في الثامنة من عمره حين وصل اشبيلية. وكانت نشأته الأولى نشأة فتى مترف في أسرة ثرية، فقد التفت إلى الصيد ومجالس الأدب، ولم تظهر عليه أمارات الزهد والتصوف. ولكن هذه الصورة تبدلت إثر زواجه من "مريم بنت محمد بن عبدون بن عبد الرحمن الباجي". وكانت مثلاً صالحاً في التقى والصلاح والورع.


بدأ "ابن عربي" تتراءى له في أحلامه عذابات جهنم، وفي تلك الفترة توفي والده، وتجمعت الأسباب لديه ليسلك طريق التصوف، وهو لا يزال في اشبيلية. كانت بلاد الأندلس وقتها تحت حكم الموحدين الذين أسسوا دولة مترامية الأطراف عاصمتها "مراكش". وقد عاصر "ابن عربي" ثلاثة من خلفاء هذه الدولة هم: "يوسف بن عبد المؤمن"، و"يعقوب المنصور"، و"محمد الناصر". وكان الأندلس يغلي بالصراعات السياسية ضد القوى الأوربية الآتية من الشمال مهددة الوجود العربي في الأندلس. وفي الوقت نفسه كان الأندلس ساحة للحركات الفكرية العميقة المستنيرة، وللحوار الفكري بين التيارات المختلفة، وكان خلفاء الموحدين، وبخاصة "يعقوب المنصور"، على قدر وافر من التسامح وسعة الأفق ورحابة الثقافة. وقد عرف البلاط الموحدي أعلاماً كباراً في الفكر من أمثال "ابن طفيل" و"ابن رشد" و"ابن زهر" وسواهم. وقد شهد "ابن عربي" جثمانَ "ابن رشد" محمولاً على بعير ومعه حمل من كتبه.


تتلمذ ابن عربي في التصوف على بعض أعلام عصره من أمثال: "موسى بن عمران الميرتلي"، "أبي العباس العرياني"، "أبي عبد الله مجاهد"، "أبي عبد الله قسّوم" و"أبي الحجاج الشبربلي". وتعرف إلى عجوز تدعى "فاطمة بنت المثنى القرطبية" فلزمها وأخذ عنها رياضات النفس الصوفية. وتمثلت له شخصية "الخضر" في إطارها المتزهد المتعبد الورع.

***** 


غادر "ابن عربي" اشبيلية في جولة على مدن الأندلس والمغرب. فزار "قرطبة"، و"بجاية". حيث التقى "ابن الحسن الاشبيلي" المعروف "بأبي مدين"، وهو المتصوف المشهور في التاريخ الإسلامي، كما زار "تلمسان" و"تونس"، وأقام بعض الوقت في "فاس". وعاد إلى الأندلس فزار بعض مدنه، وعاد إلى المغرب حيث زار "مراكش" عاصمة الموحدين وعاودته الأحلام والرؤى، ثم قصد "بجاية" ثانية، وتطورت رؤاه إلى حلم رأى فيه أنه يتزوج بنجوم السماء.


كان "ابن عربي" في الثانية والثلاثين من عمره حينما اتجه إلى المشرق لأداء فريضة الحج، ولم يعد من يومها إلى الأندلس ولا إلى المغرب. أقام الشيخ "ابن عربي" في مكة ثلاث سنين تعرف خلالها إلى إمام الحرم المكي المعروف "بأبي خاشة"، وتزوج ابنته "نظام" وكتب فيها ديوانه "ترجمان الأشواق". وهو شعر رقيق في الغزل الذي يوحي بمعان صوفية رائعة من خلال صور الغزل الحسّي الجميل ، وقد شرحه خلالاقامته في حلب تحت عنوان  : 

" ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق ".


كانت بلاد المشرق تحت حكم الأسرة الأيوبية من سلالة "صلاح الدين". وكان حكمهم يمتد على مصر والشام والحجاز، وقد قام "ابن عربي" برحلة طويلة زار خلالها مدن المشرق. وكان الفرنجة لا يزالون يحتلون أجزاء من أراضي المسلمين في الشام. ولا يزالون في إمارتي "أنطاكية" و"طرابلس". وهذا ما يفسر لنا آراء ابن عربي المتشددة في هذا المجال وكراهيته الشديدة للأجانب الفرنجة .


في الموصل التقى "ابن عربي" الشيخ المتصوف "علي بن جامع" ولبس بين يديه خرقة الصوفية. وفي القاهرة قال بوحدة الوجود فتألّب عليه الفقهاء، وأثاروا العامة، ولكن "العادل الأيوبي" صاحب مصر كان متسامحاً فلم يلحق أذى بابن عربي. وفي "قونية" منحه ملكها داراً يسكنها قيمتها مائة ألف درهم. وذات يوم طرق بابه سائل يطلب صدقة، فقال له "ابن عربي": إنني لا أملك إلا هذه الدار فخذها لك. 

وفي "بغداد" اجتمع حوله نفر من المتصوفة، وعاد إلى "قونية" ثم إلى "ملطية"، ثم قصد مدينة "حلـب" أيام "الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي"، ولقي عنده ترحيباً حاراً وإكراماً رغم ضغوط الفقهاء المتشددين ومطالبتهم بطرد "ابن عربي" أو معاقبته. استمرت إقامته في حلـب حتى 620هـ، ثم غادرها إلى دمشق التي لزمها حتى وفاته يوم 28 ربيع الثاني 638 هـ الموافق 16/11/1240م، ودفن هناك.


كما شهد عصر "ابن عربي" إلى جانب الأطماع الأوربية في شقيها الشرقي والغربي، بداية الزحف المغولي الغاشم بقيادة "جنكيز خان" متدفقاً من الشرق الأقصى ينشر الخراب والدمار في العالم. وبعد حوالي ربع قرن من وفاة "ابن عربي" كانت الموجة المغولية الثانية بقيادة "هولاكو" تدك بغداد وتدمر عاصمة الحضارة الإسلامية.

***** 


ثالثاً – مؤلفات "ابن عربي" وتراثه الفكري:

ترك الشيخ "محي الدين ابن عربي" مئات المؤلفات والكتب والرسائل، في مجالات التفسير والحديث وعلم الكلام، والشعر، ولكن التصوف غلب على أبرز مؤلفاته بحيث بلغ القمة في هذا المجال. وقد أحصى له الباحث "عثمان يحيى" /994/ مؤلفاً بين كتاب ورسالة. 


بدأ الشيخ "ابن عربي" التأليف في اشبيلية. وتابع التأليف خلال رحلته الطويلة، ومن العجيب أنه خلال أسفاره وتجواله كان يجد الوقت الكافي للكتابة العميقة والموسوعية والشاملة.

وفي طليعة مؤلفات "ابن عربي" تأتي الكتب التالية:


آ-الفتوحات المكية: وهو أعظم كتبه، ألفه خلال 40 سنة، بداية من وجوده في مكة وانتهاء بوجوده في دمشق. ويقع في أربعة آلاف صفحة، وهو جامع لكل آرائه في مؤلفاته السابقة، ومادته العلمية ضخمة جداً وعميقة وغامضة في رموزها. ويقسم الكتاب إلى ستة أقسام هي: (المعارف، المعاملات، الأحوال، المنازل، المنازلات، المقامات). وهذه الأقسام موزعة على خمسمائة وستين فصلاً تسبقها مقدمة ضخمة. ومن قوله في المقدمة: (الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه. وأوقف وجودها على توجه كلمه، لنتحقق بذلك سر حدوثها وقدمها من قِدمِه، ونقف عند هذا التحقيق على ما أعلمنا به من صدق قدمه. والصلاة على سر العالم ونكتته، ومطلب العالم وبغيته، السيد الصادق، المدلج إلى ربه، الطارق، المخترق به السبع الطرائق، ليريه من أسرى به ما أودع من الآيات والحقائق، فيما أبدع من الخلائق، الذي شاهدته عند إنشائي هذه الخطبة، في عالم حقائق المثال، في حضرة الجلال، مكاشفة قلبية في حضرة غيبية).


ب-"فصوص الحكم" ويعتبره النقاد أعمق كتبه وأكثرها تركيزاً وتلخيصاً لآرائه الصوفية. وهو عرض مكثف لرأي الشيخ "ابن عربي" في وحدة الوجود وخلاصة معارفه الواسعة في القرآن والحديث وعلم الكلام والفلسفة بمذاهبها الأفلاطونية الحديثة والرواقية والمشائية وإخوان الصفات والأشاعرة والمعتزلة ومن سبقه من المتصوفين.


ج-تفسير ابن عربي: وهو تفسير ضخم للقرآن الكريم.

د-محاضرة الأبرار.

هـ-ترجمان الأشواق وشرحه المعروف باسم ذخائر الأعلاق.

و-الأحاديث القدسية.

ز-كتاب الأرواح.

ح-كتاب التجليات الإلهية.

ط-كتاب الروح القدسية.

ي-الحكمة الإلهامية.

ك-ديوان الشيخ الأكبر.

***** 


يقوم الفكر الصوفي عند "ابن عربي" على قواعد بارزة يمكن تلخيصها فيما يلي:

1-القول بوحدة الوجود.

2-الشك الصوفي والحيرة.

3-الزهد الصوفي.

4-العلاقة بين الحق والخلق.

5-الذات الإلهية.

6-الله والإنسان.


يرى "ابن عربي" أن كتاباته تصدر عن النور الإلهي. وأن لا شيء يشفي من الحيرة  إلا طريق المتصوفة في مجاهدة النفس، فالعقل الفلسفي يقود إلى الشك. والطريق المؤدي إلى الإيمان وراحة النفس هو الاتصال المباشر بالله واستمداد المعرفة منه. وهذه المعرفة هي الاتحاد بالخالق. ويرى أن العلوم على ثلاثة منازل:


- منزلة هي علم العقل: وهو يبحث في الدليل وصحة الرأي وفساده.

- منزلة علم الأحوال: ويتوصل إليها بالذوق. وبالتجربة.

- منزلة علم الأسرار: وهو فوق طور العقل. وهو أشرف العلوم لأنه محيط بكل المعلومات. ويخص الأنبياء والأولياء.

***** 


رابعاً- أثر "ابن عربي" في الفكر العالمي:

لم ينقسم الباحثون حول مفكر كما انقسموا حول "ابن عربي" بين مؤيدين ومعارضين، والمؤيدون متحمسون، والمعارضون شديدو العداوة ينقلون الرجل إلى دائرة الكفر والزندقة.

ومن أبرز مؤيديه في التاريخ الإسلامي: "المخزومي"، الفيروزآبادي"، "الصلاح الصفدي"، "ابن العديم"، "الزملكاني"، "القطب الحموي"، "عمر السهروردي"، "النووي"، "السيوطي"، "الكاشاني"، "المقري"، "جلال الدين الرومي"، والشيرازيان "سعدي" و"حافظ". ومن أبرز معارضيه: "ابن تيمية"، "ابن إياس"، "البقاعي"، "جمال الدين بن الخياط"، و"علي الفارسي" وسواهم.


ويعتبر "ابن عربي" مثالاً للفكر الإنساني الذي ترك بصماته بعيداً عبر الأجيال وعبر القارات. وكان فكره مرآة للنقاء الإنساني في سموه وتسامحه ورفعته. يقول في ترجمان الأشواق:


قالت: عجبت لصب من محاسنه

يختال ما بين أزهار وبستانِ

فقلت: لا تعجبي مما ترين فقد

أبصرت نفسك في مرآة إنسانِ


فالإنسان عنده جزء من هذا الكون الجميل بأزهاره وبساتينه ، بل إنه ينتقل خطوة أهم في فكره الإنساني الواسع الذي يعبر عنه من خلال قوله الأشهر (في ترجمان الأشواق أيضاً):


ألا يا حمامات الأراكة والبانِ

ترفّقنَ لا تضعفْنَ بالشجو أشجاني

لقد صار قلبي قابلاً كل صورةٍ

فمرعى لغزلانٍ وديرٌ الرهبانِ

وبيتٌ لأوثانٍ وكعبةٌ طائفٍ

وألواحٌ توراةٍ ومصحفُ قرآنِ

أدينُ بدين الحب أنّى توجّهتْ

ركائبُه، فالحبّ ديني وإيماني


وهل هناك اتساع وعمق فكري أكبر من ذلك يستوعب ثقافات عصره ومذاهبه وآراءه فيقول أن قلبه يقبلها جميعاً. بل يمضي ليؤكد ذلك في قوله:


لا أبالي شرّق الوجد بنا

حيث ما كانت به أو غرّبا

كلما قلت: ألا، قالوا: أما

وإذا ما قلت: هل، قالوا أبى

لهف نفسي لهف نفسي لفتى

كلما غنّى حَمام غيّبا

***** 


وإذا نحن حاولنا تتبع الأثر الذي تركه الشيخ "محي الدين بن عربي" في الفكر الإنساني لكان ذلك بحاجة إلى جهد ووقت أكبر من المتاح الآن. ونكتفي ببعض الأمثلة:


1-يرى المستشرق الأسباني "خوان ريبيرا" أن "محي الدين بن عربي" قد أثر بشكل واضح في فلسفة "رايموندو لوليو". والذي يتصفح كتابات "لوليو" يجده يتكئ في كثير من الأشياء على الشيخ "محي الدين".

2-يرى المستشرق الأسباني "آسين بلاثيوس" أن "ابن عربي" قد ترك أثراً كبيراً في كتابات "دانتي" في كتابه "الكوميديا الإلهية" ويتابعه في ذلك كثيرون. وبخاصة في كتابي ابن عربي: "الفتوحات المكية" و"رحلة إلى مملكة الله".

3-يرى المستشرق الياباني "ايزوتسو" أن التاويّة وتطورها قد تأثرت بفكر "ابن عربي" في المجالات الفلسفية والصوفية والمعرفية والتوحيد والحق المطلق والإرادة.

4-تأثر الفيلسوف "سبينوزا" بموضوع وحدة الوجود عند "ابن عربي" كما تأثر بموضوع التوفيق بين الحقيقة الفلسفية والحقيقة المعرفية عند "ابن رشد"، وقد أوضح "د.ابراهيم مدكور" تفاصيل وجزئيات دقيقة مقارنة بين "ابن عربي" و"سبينوزا".

5-تأثر "ليبنتز" بفكر "ابن عربي"، ويمكن ملاحظة ذاك بمقارنة بسيطة بين لأعمالهما.

***** 


إن الشيخ الأكبر "محي الدين" بحياته ورحلاته ومؤلفاته يمثل الإطار الحضاري الواسع للبحر المتوسط. فهو قد ولد في مرسية، في أقصى غرب المتوسط، الأسرة ذات أصل عربي صريح ينتهي إلى "طيء". وانتهت حياته في أقصى شرق المتوسط في دمشق، بعد سيرة حافلة بالرحلات العلمية طاف خلالها كثيراً من مدن العالم الهامة في عصره. وكأنه بهذه الحياة وهذه الرحلات قد ربط شرق المتوسط بغربه رغم الحروب الطاحنة والخلافات العميقة والأحقاد المتراكمة على مرّ التاريخ.


وينطلق ابن عربي من رؤية عامة شاملة للإنسان، رؤية تحترم الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ومذهبه. والإنسان خليفة الله على الأرض {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} سورة البقرة 30. والخلافة رتبة كمالية لا يحوزها إلا الوجود الإنساني كما يقول "ابن عربي" في فتوحاته، وهو لذلك يرفض فكرة أن الإنسان حيوان ناطق، أو يقول: إن هذه العبارة تنطبق على الجماد والنبات والحيوان، والإنسان مزاج خاص. والمزاج الخاص هو الإنسان الحي العاقل الذي يفضل بقية الخلق (الفتوحات المكية/ ج2 ص642). إنه الإنسان الذي خاطبه ربه قائلاً: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك} سورة الانفطار 6-7. فالإنسان لدى ابن عربي يجمع العالم في شخصه، فالعالم إنسان كبير. والإنسان عالَم مختصر (الفتوحات المكية/ ج2 ص124). وانطلاقاً من ذلك كانت فكرة حب الإنسان للإنسان لدى ابن عربي تجسيداً لرؤيته أن الإنسان مخلوق تولّد من تزاوج الروح الكلي والطبيعة الكلية، فالروح أبوه والطبيعة أمه (الفتوحات المكية/ ج2 ص345).


ويبلغ الأفق الإنساني سموه الفكري والعرفاني في موضوع وحدة الوجود لدى "ابن عربي". فهذه القضية هي بحر الوجود الزاخر الذي لا ساحل له، وهي من حيث ذاتها" الحق". وهي من حيث صفاتها وأسماؤها " الخلق" فهي إذاً الحق والخلق، والأول والآخر، والقديم والحادث.

وعلى الرغم من وجود هذه العبارة في مصطلحات الصوفية قبل "ابن عربي"، فإن ابن عربي هو الذي أرسى دعائم هذه الفكرة وبلورها وبخاصة في كتابه "فصوص الحكم":


فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا

وليس خلقاً بهذا الوجه فادّكروا

جمّع وفرّق فإن العين واحدة

وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر


إن الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، ابن مرسيّه والأندلس، والراقد في دمشق، إنما هو تجسيد لرؤية حضارية ربطت بين جانبي المتوسط في أفق متسامح غني عميق. أفق يجب أن يقوم على الفهم المتبادل والاحترام المتبادل لكي تتحقق مقولة الشيخ الأكبر في رؤيته الرفيعة للإنسان.

*****