الثلاثاء، 5 مارس 2019

هيلال هيلا بقلم احمد شاهين

هيلا هيلا

إرضى بعِيشتك. عيش
واياك تشكى فى يوم
ومعاك ولا مفيش
بس الصحه تدوم
هيلا هيلا . هيلا . يلا
كله يهون إن شاالله
ربك عمره ما خلا
حد يبات محروم
عرقك خليه نازل
وإسعى بكل ضمير
خليك طالع . نازل
بكرا تلاقى الخير
هيلا هيلا. هيلا . يلا
كله يهون إن شاالله
ربك عمره ما خلا
حد يبات محروم
طول ما الرزق حلال
الدنيا وما فيها
تِشغل ليه البال؟
ربك هيكفيها
هيلا هيلا . هيلا. يلا
كله يهون إن شاالله
ربك عمره ما خلا
حد يبات محروم
دا الإيد الشغاله
ربك. أعلم بيها
تحت وع السقاله
العافيه هيعطيها
هيلا هيلا . هيلا . يلا
كله يهون إن شاالله
ربك عمره ما خلا
حد يبات محروم
إرضى بعِيشتك عيش
وإياك
تشكى
فى
يوم.

كلمات  أحمد شاهين
5 \ 3 \ 2019

بقلم الأستاذ مجد الدين سعودي

الدكتور الشرقي نصراوي: أستاذ السيمولوجيا والمناهج الحديثة والابداع الجميل
____ _ _ _ _ _ __ _ _._ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _




1
_ _ _ 
هو صديق حميم منذ التسعينات من القرن الماضي...
منذ عرفته والكتاب لا يفارقه...
يقرأ بنهم وحب...
كنا نلتقي ونناقش...
كانت تستهويني تدخلاته ومناقشاته ومحاضراته في اللقاءات الجمعوية والثقافية...
يحلل النصوص ويغوص في أعماقها بتحليلاته السيموطيقية.... 
__ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 
2
_ _ _  _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 
الشرقي نصراوي...
أستاذ السيمولوجيا والمناهج الحديثة بالكلية المتعددة التخصصات خريبكة...
أستاذ التعليم العالي المؤهل...
حصل على الدكتوراه حول (مكونات الخطاب في –لعبة النسيان – و – الضوء الهارب –تحليل سيموطيقي) ...
له كتاب حول السينما...
وكتاب حول اعبيدات الرمى – منشورات وزارة الثقافة...
له العديد من الكتب المشتركة والمقالات العلمية المؤهلة...
_ _ _ _ _ _ _ _ 
3 وادي زم : ذاكرة ووجود
_ _ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _ 
وادي زم ، المدينة الشهيدة،بالنسبة للشرقي نصراوي،ذاكرة ممتدة في التاريخ وهي شجرة انتماء ومدرسة حقيقية تعلم فيها أبجديات العمل السياسي والجمعوي...
أمكنة حميمية تبدو مألوفة للشرقي نصراوي: فالشوارع والبحيرة والأحياء ووجوه الناس تسكنه ويسكنها...
دوما يتواجد بمدينة الشهداء لأنه يشم من خلالها عبق الوجود...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
4 بئر مزوي: مسقط الروح والقلب
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
بئر مزوي هذه القرية الجميلة والتي كبرت، هي أرض الماء والتربة النقية والجذور الطيبة...
هي لغة الأم...
هي مسقط الروح...
هي بسمة وحنان الأم...
هي كفاح الأب...
هي لغة الحبو والتحدي...
حين يوجد بها الشرقي نصراوي، فهو يستمتع ويتذكر لحظات طفولته ومراهقته وشبابه...
بئر مزوي هي المفرد المتعدد والأصل..
هي مدرسة الحياة وجمال الروح...
هي امتدادات وعمق...
فيها حضور الأب والأم وصور الأعمام والأخوال وكل ما هو انساني جميل...
فيها ذكرى الأخ الأكبر الذي كان صديقا له وسندا قويا له...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

5 الكتابة والشرقي نصراوي
_ _ _ _ _ _ _ _ _ 
الكتابة بالنسبة للدكتور الشرقي نصراوي هي عبور من النسيان الى التذكر ، وخريطة محو وبداية خلق جديدة...وكلما كتب كلمة كلما أيقن أن اللغة تنسرب منها المعاني أكثر وتزهر ابداعا...
الكتابة بوح وجنون...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _  _ _ _ _ 

(يتبع )



مجدالدين سعودي – المغرب
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

 ·

بقلم الدكتور رمضان الحضري

رؤية العالم 
في المتوالية السردية ( وسن )
للكاتبة هبة بنداري


إن الأفعال التي أقوم بها ويتألم منها غيري ويصفها بأنها غريبة ، لو كانت في صالحه هو لشعر بالسعادة وأُعجب بها وأثنى عليها ، ولكنني على يقين تام أن كل شيء في الحياة مهم للغاية ، حتى الشعور بالوجع في عضو من أعضاء الجسم ينبه إلى ضرورة العلاج ، فاللصوص ينبهون الناس للحرص ، والأغبياء ينبهون الناس لضرورة الفهم والوعي ، والجاهلون ينبهون العلماء لأهمية العلوم ، حتى الحشرات الضارة تنبه الناس إلى ضرورة الوقاية من أخطارها .
أنا مؤمن جدا بأن الكاتب الحقيقي جراح ماهر ، يعرف أين يضع مشرطه ، ونص الكاتب هو المريض الذي لابد أن يكون في غرفة العناية المركزة حتى تمام المعالجة ، ثم يخرج لأهله وقرائه ، كما أؤمن بأن الناقد هو المساعد الأول للجراح ، الذي يشرح لأهل المريض كيف تم العلاج ؟ ! وكيف نحافظ على هذا المنتج ليظل عضوا فاعلا في المجتمع ، حيث إن تصور البعض للنص الأدبي بأنه مجموعة متراصة من المفردات _ التي تنتج كلاما أو حديثا في متوالية ، تتبعها متواليات أخرى _ إنما هو تصور يجعل النص دون قيمة اجتماعية ، على الرغم أن دعوات الأنبياء والرسل لم تبق منها سوى الكتب التي تقدم للناس القيمة الاجتماعية التي تحافظ على توازن المجتمعات البشرية صحيحة .
ولذا لم يصف الله كتابه بأنه كلام أبدا ، لكنه يصفه بالهدى والكتاب والذكر والبينات والشفاء وغيرها من الصفات الدالة 
على الوظيفة والماهية ، ولذلك لم ينتبه النقاد أن الحديث عن القرآن جاء حديثا ماديا محسوسا ، ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا  ) سورة الإسراء ( الآية 88 ) .
فعلينا أن نلاحظ ( أن يأتوا _ لا يأتون ) ، فالفعل ( أتى ) بمعنى ( جلب وأحضر وأبدع وأغنى وغيرها ) وليس من معناها القراءة ولا الكتابة ولا الكلام ، فالقرآن هدى وذكر ورحمة وشفاء وبينات وحُكْمُ مابين الناس ، أما اللغة فهي وسيلة جاءت بكل هذه الوظائف والماهيات .
وحينما فرّق البنيويون بين اللغة والكلام على منهج البنيوية اللسانية الذي جاء به دوسوسير وجاكبسون ، فرقوا بين المفردة في المعجم ، وبين اكتسابها لمقومات جديدة تجعلها كلمة داخل نص ، فالمفردة في المعجم أجير لكل من يستطيع أن يدفع أجره ، ويتمكن من استعماله ، أو مادة خام لكل من يستطيع أن يكسبها تشكيلا جديدا بموهبة وصناعة حقيقية ، تؤثر في المجتمع .
وجاء تطور البنيوية من خلال ربط النص بالمجتمع وبالعالم ، حينما ظهرت البنيوية التوليدية أو التكوينية على يد الفيلسوف الفرنسي لوسيان جولدمان والذي وضّح مصطلح ( رؤية العالم ) ، على الرغم أن هذا المصطلح كان كثير الاستخدام قبل لوسيان جولدمان ولوكاتش إلا أن استخدامه السابق لم يكن واضحا أو يقدم أفكارا جلية ومجتمعية يمكنها أن تفيد الناس .

حيث قدمت البنيوية التكوينية تفسيرا ماديا ومجتمعيا للفكر والثقافة والأدب الروائي والقصصي ، وفي تفسيرها للأدب القصصي تتكامل مع البنيوية السردية التي أسسها بقوة رولان بارت وجيرار جنيت وكلود بريمون .
دوما يجرجرني التنظير بعيدا عن النص الذي أبغي التطبيق عليه ، لربما هو قصد مني لاستجلاء النص أمام القاريء ، وإبراز المشرط الذي يمكنني أن أعالج به النص .
ومن أهم المصطلحات التي استخدمها أصحاب البنيوية التكوينية مصطلح ( رؤية العالم ) ، ومصطلح ( الوعي القائم والوعي الممكن ) .
ويمكنني أن أقدم تعريفا لكل منهما كما رآهما جولدمان ، فقد رأى جولدمان أن مصطلح ( رؤية العالم ) يعني به تطلعات مجموعة أو جماعة أو مجتمع لموقعها وموقع غيرها من الجماعات أو المجتمعات التي تختلف معها سلوكا وفكرا وربما وصلت إلى حد المعارضة ، فليست ( رؤية العالم ) عنده رؤية فردية بقدر ماهي رؤية مجتمعية .
أما مصطلح ( الوعي القائم والوعي الممكن ) فيقصد به رصد مظهر السلوك الإنساني ، بمعنى أن لكل إنسان سلوكا وهذا السلوك يستتبع العمل به ، حيث يمتلك الإنسان معرفة ما ، فيصبح الفرد في المجتمع ذاتا عارفة ، ويحمل موضوعا لهذه المعرفة ، وبناء على هذين ( الذات العارفة وموضوع المعرفة ) يستطيع أن يقدم للقاريء وعيا جديدا ، فالوعي فردي وجماعي .
وتأتي المتوالية القصصية ( وسن ) للكاتبة المصرية / هبة بنداري كنموذج مهم في السردية العربية ، فالمتوالية تحتوي على ثلاثين قصة قصيرة ، كل قصة تقدم فكرة مجتمعية مختلفة ، وتبدأ المتوالية بشكل مقصود بقصة ( صرخة ميلاد ) ، وتنتهي بقصة ( اليقين ) ، هناك وعي تام تمتلكه هذه الكاتبة ، فالمتوالية تبدأ بجملة ( عندما فتح الباب وبدأ يناقشني بصوت عال ، جاوبته بلا مبالاة ) ، وتنتهي المتوالية بآيات من كتاب الله العظيم حيث يقول جل في علاه ( إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ، سورة القصص ( آية 56 ) .
فقصة ( صرخة ميلاد ) وهي الأولى في هذه المتوالية يصور فيها السرد كيف تنفك العقدة الاجتماعية بين رجل مسيطر وسيدة تحلم بالحرية ، هذا على المستوى الفردي والأسري ، وهي ذات العلاقة بين فرد وجماعة ، ومواطن ودولة ، وفكرة جديدة وقانون قديم ، فالولادة في السرد ولادة معنوية ، والمولود هو الحرية .
فالنص السردي يطرح ( رؤية العالم ) من خلال تحطيم القيود على الفكر وعلى الجسد وعلى الشعور ، وأجمل صرخات اللذة والألم هي صرخة من رجل أو امرأة تنجب الحرية ، فالحرية خير ، والشر هو القوة التي تساعد على الاستعباد ، ويساند العقم ضد الإنجاب ، و( الوعي القائم ) هو ذلك السلوك الفردي أو الجماعي الذي يرتضي بالاستعباد ، بينما يمكن للفرد أو الجماعة أن تتحول من الواقع إلى مساحات ( الوعي الممكن ) أو ما أحب أن أسميه أنا ( الوعي الواجب ) فهو أقرب لفهمنا العربي وأكثر ثورية وتحضرا ، فقدرة الفرد أو الجماعة على الوصول لسلوك أفضل يجعلها ملتزمة بالوصول إليه . 
ولا توجد في الرواية قصة بعنوان ( وسن ) ، فالكاتبة ترمي بكل فكرة قديمة يظنها البعض واجبا ، ولكنها تطرح فكرتها دون قيود ، تطرح العلاقات الاجتماعية بين الزوجة وزوجها سواء كان شابا أم كهلا ، ذكيا أم غبيا ، محبا أم مستعبدا ، كما تقدم علاقة المرأة بمفردات المجتمع في البيت وخارجه ، فهناك علاقة المرأة بالسينما والتلفزيون والسيارة والمال والفساتين ، علاقتها بحب جديد أو قديم ، وتظل المتوالية تعلو في طرح الرؤية حتى تصل في النهاية إلى علاقة المرأة المتمردة بربها ، فتطرح أسئلة وجودية ، وأفكارا ماركسية ، في محاولة لفهم الدين من خارجه ، ثم تعود مؤمنة رائعة ، حيث إن الإيمان ماوقر في القلب ، واليقين موضعه القلب ولا غير القلب ، فتصل للإيمان في منبعه ، وذلك في مسرودتها الباذخة ( اليقين ) ، فالشابة التي درست جراحات أورام المخ باستخدام الإنسان الآلي ، وهي أحدث أنواع دراسات جراحة المخ في العالم ، ترى أن السيطرة للعلم والعقل والفكر والمنطق ، لكنها حينما ترى غرابا يعلم ابنه ، وقطة تحفر حفرة ثم تهيل التراب لتواري ما أحدثته ، هذا خارج العلم والمنطق ، فمن علم الحيوانات ؟!
  ( ربما نحن كبشر نمتلك العقول التي تفكر ، ولكن هذه الطيور وتلك الحيوانات إنها نظم مبرمجة بدقة عالية .
صوت لا أدري ماهو ؟ هائل ومدمر ، لا أستطيع أن أتحرك أو أن أقوم من مكاني ، لا أستطيع حتى أن أتكلم ، ولا أرى ، ولا أسمع ) ، وسن ، صـ 168 .
أدركت الكاتبة أن العلم مجموعة من القوانين النافعة ، لكن الضرر في الوقوع في ربقة القوانين هذه ، حيث لا يمكننا أن نفهم مالا نرى ، ومهما بلغنا من العلوم ، فإن الإيمان لن تنبت أشجاره إلا في مساحات القلب الواسعة ، فالذي خلق الحواس لايمكننا أن ندركه بالحواس ، وأن الهداية تأتي من الله جل في علاه ، وأن تجربة الحيوانت التي لاتملك عقلا ولا معرفة ولا علوما يمكنها أن تقدم لنا فكرا جديدا وإيمانا يقينيا ، ولذا تختتم هذه المسرودة بختام غاية في الروعة بآيات الله جل في علاه ( إنك لاتهدي من أحببت ) .
متوالية سردية تقدم لنا مثقفة بعمق المحيط ، ومفكرة برفعة النجوم ، ولو حاولت أن أمر على كل مسرودة بمفردها ما وسعتني مقالات عديدة ، فلم تمنعني قدرتي على إشعال شمعة أن أشعلها ، فلربما استطاع غيري أن يضيء شموعا عديدة .

بقلم الدكتور رمضان الحضري

الاثنين، 4 مارس 2019

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

لنتحدث قليلا عن العالم القروي.



-1-
ان الحديث الجاري اليوم عن الإصلاح، يفرض علينا أن نرتب قائمة الإصلاحات المطلوبة لمغرب يريد السير نحو التطور والتقدم والرفاهية، على أساس الأولويات الملحة والمستحيلة.
في وضع المغرب الحالي الذي يمثل على القرن القادم سلسلة من الأزمات المترابطة وبتعداد سكاني يقرب من ثلاثين مليون، غالبيتهم أميون / عاطلون / فقراء، ينتمون ويعيشون بالعالم القروي، يشكل نموذجا بارزا للتخلف والفقر .

هكذا...وعندما يبدأ الحديث عن التغيير والإصلاح، في إدارتنا واقتصادنا ومجتمعنا ودستورنا. يقضي الواجب علينا تركيز هذا الحديث على البادية المغربية وعالمها القروي، لأن  وضعيتهما الراهنة صعبة للغاية ومحرجة للغاية، وهو ما يدعو إلى جعل كل الإصلاحات تبدأ بهذه الوضعية، وبالانكباب الفوري والعاجل عليها قبل أن تصبح مستعصية، وخارجة عن أي تخطيط أو برنامج أو إصلاح.
إن العالم القروي، ونتيجة لتراكمات مشاكله وقضاياه، أصبح بلا وضعية، فهو عالم للفقر وللبطالة وللجهل وللأمية والتخلف في صورته الشاملة. وهو من جانب آخر، عالم للتجارب الفاشلة، وللابتزاز والقهر. فلاحو الصغار أصبحوا عاجزين عن تلبية أبسط حاجياتهم اليومية في غياب الإدارة الحكيمة. وفي غياب التخطيط والإرادة والإمكانيات التي من شانها إعادة الاعتبار للعالم القروي ولساكنته ولموقعه وعطائه.
إن العالم القروي، لم يصل إلى هذا التدهور، نتيجة سنوات الجفاف التي ضربت "الزرع والضرع" ولكنه وصلها في الحقيقة نتيجة للتهميش المتواصل الذي تسلط عليه وعلى فلاحة الفقراء، وهم أغلبيته المطلقة بلا منازع.
ولعل المسؤولين عن هذا التهميش، وعن تدهور الفلاحين وعالمهم القروي، أصبحوا يدركون أكثر من أي وقت مضى أن الانعكاسات السلبية لوضعية العالم القروي، خطيرة وعظيمة على الاقتصاد الوطني عامة، وعلى سوق الشغل بصفة خاصة، نظرا لعمق دور الفلاحة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
الفلاحة، كما أكد ذلك جلالة الملك لعدة مرات، ركيزة أساسية من ركائز اقتصادنا الوطني، عليها ينبني صرح نمائنا وتطورنا، وعليها تنبني قلاع تقدمنا.
ومن قال الفلاحة، قال العالم القروي، لأجل ذلك نكرر القول، أن الإصلاح الأساسي يجب أن يتجه إلى الفلاحة وعالمها القروي، على أن يكون هذا الإصلاح شاملا وكاملا، يغطي مختلف المناحي الفلاحية والبشرية، ومختلف القطاعات ذات الصلة بها.

أمامنا كمثال على هذا التوجه دولة اليابان :
إن قصة نجاح اليابان في هذا المجال، تكمن في الإصلاحات التي اعتمدت على إنعاش العالم القروي، باعتباره محطة الانطلاق نحو المستقبل، وثمة مثالان آخران احدث عهدا هما مثال كوريا ، مثال الصين اللذان خرجا من أزماتهما في التشغيل والإنتاج بفضل المكانة البارزة التي أعطيت للزراعة في سياستهما التنموية وفي إصلاحاتها الاقتصادية. 
إن الأمر يتعلق في عمق الإصلاحات الزراعية في العالم اليوم، بتحقيق الاكتفاء الذاتي في التغذية وإقامة صناعات زراعية وتحويلية في مستوى مطامح السوق العالمي التنافسي وفي مستوى الإمكانات التي تتيحها الأرض المغربية...وعصرنة الفلاح ومحيطه / العالم القروي.

-2-
في الإحصاءات الرسمية، يحتضن العالم القروي مل يقارب 65% من سكان البلاد، يعيش اغلبهم على الزراعة والمهن الفلاحية.
وفي الأرقام الرسمية، لا يستفيد العالم القروي المغربي، إلا من 35% من الدخل القومي، في حين تزيد نسبة نموه السكاني على 3.13%.
من أجل ذلك أولت أدبيات الحركات السياسية المغربية، ومنذ بداية عهد الاستقلال، اهتمامات خاصة لمشاكل وقضايا وأوضاع العالم القروي، باعتباره ساحة تكرس عليه التهميش منذ العهد الاستعماري (1956-1912)ن تفاقم تخلفها، كما تفاقمت حاجياتها الأساسية من التجهيز وكل البنيات التحتية، سواء في المرافق العامة أو في الصحة والتعليم والنقل والتشغيل والسكن.
العالم القروي قاعدة أساسية لكل تنمية فاعلة،ولكن إقلاع حضاري جديد، ومن ثمة طالبت الحركات الوطنية بمخطط اقتصادي/ اجتماعي / ثقافي، مستعجل للإنقاذ هذا العالم والدفع به إلى الإسهام الفعلي في التنمية الوطنية. معتبرة أن تهميش الأسلوب الديمقراطي في تسيير الإدارة المحلية للعالم القروي كما في التجهيزات والدعم المادي، إلى المزيد من التخلف والتهميش والتسلط والطغيان... وبالتالي أدى إلى التدهور والتراجع والفقر والأمية، حيث تعرض إلى حالة استنزاف قصوى بسبب الكوارث الطبيعية التي ألمت به خلال السنوات الأخيرة، الجفاف والفياضانات والعواصف وزحف الرمال، وبسبب الهجرة والتفقير وضعف البنيات الأساسية من طرق وإنارة وخدمات صحية وتربوية ورياضية وغيرها... وهو ما أدى إلى ما يشبه الانهيار.
أن مؤشر النمو الديمغرافي في العالم القروي،سيبقى من أعلى المؤشرات وطنيا وربما عالميا، ومؤشر الفقر والأمية والتخلف بهذا العالم سيبقى أيضا، من أعلى المؤشرات وطنيا وربما عالميا.
ما هي البدائل الممكنة لإخراج العالم القروي من حالة يأسه وبؤسه ؟
تقول الأدبيات السياسية للعديد من الأحزاب المغربية، أن تقدم وتنمية العالم القروي يقتضي الاستخدام الكلي لثرواته البشرية والطبيعية والثقافية وتشجيع المبادرات الخاصة للفلاحين والمشاركة النشيطة لعناصره، لتحقيق تنمية حقيقية، تضمن العيش والتكافل لسكان هذا العالم.
أن الرفاهية الاجتماعية، أو ما يمكن ترجمته ب"الكرامة" التي رددها السيد محجوبي احرضان، وهو زعيم يستمد مكانته في العالم القروي

 هي الهدف الأساسي لهذه الرؤية، بل هي المرتكز الذي تقوم عليه فلسفتها، وهي تتطلب سلسلة من الإجراءات الأولية، كالقضاء على الأمية والفقر والبطالة والظلم والاستغلال. والارتقاء بالمستوى المادي والروحي للمواطنين...وهو ما عجزت عنه العديد من السياسات والحكومات التي سجلت اسمها على تاريخ المغرب الحديث.
"الكرامة" هي أن يضمن الوطن لمواطنيه ما يصون "كرامتهم" من الولادة الى الموت، بالارتكاز على الحق الأكبر الذي وهبه الله للإنسان / المواطن.
وتقول الأدبيات أيضا، أن كرامة الفلاح وعالمه القروي تتوقف  بالدرجة الأولى على التعبئة القصوى لجميع ثروات العالم القروي واستخدامها الاستخدام الفعال والرشيد، مع اتخاذ تدابير للإسراع بإلحاق العالم القروي بالعالم الحضري، وبتصنيع العالم الزراعي وإعداد برامج تكاملية للتنمية القروية، وهي نفسها البدائل الممكنة لإخراج العالم القروي من حالة بؤسه ويأسه ومحنته.

-3-
يرتبط العالم القروي ، بسلسلة من القضايا أهمها قضية الأمن الغذائي، الدعامة الأساسية هنا وفي كل العالم للبقاء، حيث تستمر الجهود الدولية من اجل الابتعاد عن فاجعة الجوع، لتصبح قضية إنتاج واستهلاك الغذاء من أعقد القضايا المستحوذة على التفكير الإنساني، فهي مدار بحث مختلف المؤشرات العربية، سواء في نطاق المنظمات المتخصصة، أو المؤسسات الإنمائية، بحيث بات هاجس توفير الغذاء يشغل حيزا كبيرا في المخططات الإنمائية، بمختلف الأقطار، منذ أوائل السبعينات حيث برزت أزمة الغذاء في العالم.
إن انفجار أزمة الغذاء في العالم قبل حوالي عشر سنوات، والتي تضافرت عليها العديد من العوامل المتشابكة في مقدمتها ارتفاع استعار مختلف أنواع الحبوب، ومستلزمات الإنتاج الزراعي. الأمر الذي ترتب عليه وقوع معظم الدول النامية، ذات الإمكانيات المالية المحدودة فريسة مصيدة الغذاء، وأصبحت هذه المشكلة تستحوذ على أية موارد يمكن توجيهها نحو التنمية الاقتصادية، وهذا ما أدى إلى انخفاض معدلات النمو الإنتاجي، في الوقت الذي يزداد فيه الطلب الاستهلاكي بمعدلات كبيرة، مما زاد المشكلة تعقيدان بحيث أصبح إيجاد الحل المناسب لها يشكل حجز الزاوية في السياسات الإنمائية لمختلف البلدان النامية.
ولا شك أن مشكلة إنتاج الغذاء في المغرب لم تكن لتقل حالة عما هي عليه في مناطق العالم النامي، فقد عانى المغرب وما يزال في هذا المجال، باعتباره منطقة عجز غذائي، ثم لأن تأثره بالأزمة كان أكثر عمقا وحدة من غيره في بعض المناطق المماثلة.
ومما يزيد المشكلة خطورة على المستوى المغربي، أن حجم الفجوة الغذائية خاصة من سلع الغذاء الرئيسية تزداد اتساعا سنة بعد أخرى، فقد تصاعد حجم العجز في مجموعة الحبوب، ومنها القمح  والروز والشعير والذرة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العجز في السنوات القادمة، إذا لم نسارع بخطة إصلاح ناجعة. أما بالنسبة إلى القمح فباعتباره أهم سلع الحبوب الغذائية فإن عجزه الغذائي قد يتصاعد إلى جانب السلع الغذائية الأخرى، خاصة الزيوت والمنتجات الحيوانية ذات الأصل المتجذر بالعالم القروي.
وبالرغم من الجهود التي تبذل في هذا المجال، فإن الفجوة لا تزال في تزايد مستمر، تبين أن الفارق بين نمو الإنتاج الزراعي والطلب على السلع الزراعية، وخاصة سلع الغذاء الرئيسية، أخذ يتنامى منذ أوائل السبعينات...ومرشح لمزيد من "النمو" في المستقبل. وهو ما يعكس تخلف القطاعات الإنتاجية الزراعية مقابل النمو السريع في الطلب الاستهلاكي، ويكفي للدلالة على مدى ما تعانيه القطاعات الزراعية من تخلف، أن الإنتاجية الهكتارية للحبوب لا تتجاوز 1.1 طن، أي نصف نظيرتها في العالم البالغة 1.9 طن، كما تنخفض كثيرا عن إنتاجية القمح في العالم، حيث تبلغ 1.65 طن بالمقارنة مع 4.8 طن في الدول المتقدمة.
أما بالنسبة للإنتاج الحيواني، فهو أكثر تخلفا من نظيره النباتي، إذ لا يقوم على اسس صناعية...ولا على أسس استثمارية.

-4-
إذن، في أي قراءة أفقية أو عمودية لحالة ّ "الأمن الغذائي" في المغرب يتأكد للباحث أن حالة العالم القروي مصدر هذا "الأمن" جد سيئة، ولا تستطيع في الوقت الراهن، وبالإمكانات المتاحة أن تذهب في توجه تحقيقه.
فقراء البنك الدولي لحالتنا الاقتصادية جاءت واضحة كل الوضوح وصريحة كل الصراحة، في هذا الموضوع وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن المغرب سيعرف تقهقرا محققا في المجال القروي / الزراعي. كما سيعرف تراجعا في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية المرتبطة به، إذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية باستعجال، لضمان وتيرة نمو محددة تضمن العيش والاستمرار.
من جانب آخر، أكدت هذه " القراءة" أن إنقاذ العالم القروي وإنتاجيته، تلزمنا بالانتباه إلى الوقت الضائع، فالوقت لا يرحم وكل يوم بل كل ساعة تمر دون إيقاف "النزيف" المتواصل، تعد خسارة لا يمكن تعويضها.
فقد، أصبح للوقت أهمية قصوى، وبذلك أصبح إيقاف النزيف، يتخذ موقع الأولوية في حسابات الوقت والمعالجة لوضعيتنا الاقتصادية / الاجتماعية المتداخلة مع العالم القروي وإنتاجيته.
إن الأحزاب الوطنية، والهيئات الحقوقية والمهنية والجامعات والمعاهد العليا، أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بتشخيص حالة النزيف الذي يضرب العالم القروي في الأعماق وتحديد الأولويات التي يجب القيام بها في أفق العقد القادم...وترى أن الإجراءات الأساسية لإيقاف هذا النزيف، وبدأ العلاج لا يحتاج إلى زمان أو مكان، بل ولا يحتاج إلى إمكانيات أو اعتمادات، بقدر ما يحتاج إلى الإرادة القوية والنزاهة والقناعة والحس الوطني الصادق.
وفي اعتقادنا إن معالجة الوضعية الراهنة يتوقف بالدرجة الأولى على وضع أسس جديدة وحديثة وعقلانية لإنقاذ العالم القروي من تخلفه ونزيفه، أن تنمية قروية قائمة على تجديد دماء الاستثمار المنتج، وتشجيع المقاولات القروية بما فيها العلاجية من شانهما إعطاء دفعة جديدة لمستقبل الفلاحة والفلاحين ووضع حد للفوارق بين سكان البادية وسكان الحاضرة، وهما أساس معالجة النزيف الذي أدى إلى "هزال " العالم القروي وضعفه وفقره.
ولاشك أن إعادة النظر في مفهوم الإنتاج الفلاحي، في بلادنا سيدفع حتما إلى تصنيف الفلاحة كمهن لا كحالات اجتماعية، وهو ما يعني ربط الإنتاج بالمردودية والمنافسة الداخلية والخارجية.
فضعف قطاعنا الفلاحي، لا يكمن في كونه ما زال رهن التساقطات أو دون توظيف وسائل التكنولوجيا المتوفرة أو ارتباطه بالنهج التقليدي، الذي أصبح تأثيره على الإنتاج والمردودية الفلاحية والتنموية متعاظما، بل يكمن في الحس الحاد بالتخلف تخلف الزراعة وأهلها، الأرض وأصحابها.
ان فلاحتنا اليوم في ظل أوضاع الفلاحين تستغيث، تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التقييم والمراجعة والى التحديث والتجديد والى الإنقاذ.
وفي إطار ذلك تحتاج هذه الفلاحة إلى مفاهيم جديدة ومباشرة للرفع من مستوى الفلاحين – سكان العالم القروي وكذلك لطرق الإنتاج والتموين، ولطرق القرض والتمويل، فنحن مطالبون بابتكار وسائل جديدة، وأساليب جديدة للتعامل مع هذا القطاع لإنقاذه وتطويره.
بمعنى آخر، أن الإصلاحات المطلوبة للعالم القروي ما زالت في حاجة إلى رؤية فلاحية، لا تفصل العالم القروي عن فلاحته ن عن مجتمعه وتربيته وثقافته وهويته، لا تفصل عصرنة الفلاحة وتحديثها وتصنيعها عن عصرنة مواطن العالم القروي وتربيته وإعداده ومساعدته على الارتقاء وعلى الإنتاج والمردودية.
إن اعتماد إستراتيجية إنمائية ريفية متوازنة، تقوم على أساس الزراعة الدينامية المستوعبة لليد العاملة وعلى الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة في إنتاجيتها من شأنها إعطاء نفس جديد للعالم القروي، وانتشاله من رداءته التي وصلت حد البؤس واليأس، شريطة اعتماد نفس الإستراتيجية لتطوير المواطن، بالعالم القروي وإخراجه من عزلته وتخلفه.
إن كل إصلاح لا يتجه إلى هذه الناحية، سيكون في نظرنا بلا فائدة، لأن الأمر يتعلق بالعالم الذي نعيش ونتنفس من خلاله الهواء والهوية.

أفلا تنظرون...؟

بقلم الآديب محمد اديب السلاوي

بقلم الشاعر حسن هادي الكاظم

هَيّا اشطبينّـــي
منْ دَفاتر ِ حُبك ِ

خطأ ً كَتبتينّي
معَ العُشـّــــــــاق ِ
أنا لَستُ رَقما ً
قدْ يُضافُ لغيره ِ
أو أَحْرُفا ً
تُكتبُ على الأوراق ِ
أنا أبْجدّياتُ الهَوى
 وَطقوسه ِ
والعَهــــدُ والآيات ِ 
في مِيثاقي
أنا منْ أحبُ أجنُ 
بِحبها
أَو قدْ تُشطرُني
لَها أَشواقــّــــــــي
أو قد أصيّرها
حُلما ً بلونِ حَدائِقي
تَغفو مَدى الأيام ِ
في أحْداقـّـــــي
أنا لستُ مَملّوكا ًيُباعُ 
ويُشترى
أنا مثل الريحِ حرٌ
يَملأُُ ُالآفــــــــــاق ِ
أنا فارسُ الهيجاء ِ
عذريُّ الهوُى
ما بِعتُ يَوما ً قلبي 
بالأسْواق ِ
أنا عاشقٌ لَيلى
ولَيلى حَبيبتي
لا ما غَمدتُ بساحَة
 ِحُبِها سَيفّا ً
ولا خَلعتُ نِطــــــاقي
أنا قَيسُها المَجنونُ
منْ عشقّي لَها
يا فَرحَتي لَو يُسقِني
كأسَ الجنون ِ السّاقِي

من قصيدة عاشق ليلــى _______

بقلم حسن هادي الكاظم 
____________________

بقلم الدكتور رمضان الحضري

مضى عقد من الزمن على هذه المقالة
ليس فيها جديد سوى الصور الشخصية . 

لاتعشقيني في المنتصف تماما
****
هذا نص جديد في الشعرية العربية ولأول مرة أقرأ لصاحبه شعرا ، ولا أشك لحظة في أنه أزهري قرأ الثقافة الأوربية ، أما لماذا هذا التوصيف فهو أمر يعنيني أنا شخصيا في التحليل ، وربما لا يعني القاريء .
فالشاعر رقيق في تقطيع الورود ، ومراقصة الكلمات الفصيحة ، فهو يكتب كلماته بدم متفجر ، ويراقصها بعصى أبنوس .
أذهلني أن أجد شاعرا بقامة نزار قباني وفكر محمود حسن إسماعيل وبراءة إبراهيم ناجي ، كل هؤلاء يقفون أمام عيني وهي تقرأ هذا النص
حتى ظننت بأن الشاعر على مقربة من جميع هؤلاء الشاعر ، مما جعلني أعود للأعمال الكاملة لشعر نزار قباني ، وأعود لدواوين ناجي ومحمود حسن إسماعيل ، فلربما هدتني القراءة إلى حل لغز هذا الاشتباه .
وليست كل المشكلات تجد حلولا في القراءة ، يبدو أن خبراته مختلفة ، ولكن الاشتباه لازال قائما في عقلي .
وصف مرة الدكتور النفسي العظيم عبدالعظيم فراج لمريض عنده أن يضع قروشا معدنية في قصعة حديدية ويظل يعبث بها حتى ينام ، فلما سألته ، هل هذا العلاج من واقع الكتب العلمية ؟ فأدهشني حينما قال : وهل العلم سوى مفتاح يفتح لك الباب حتى تدخل لتبحث عما يناسبك وتترك ملا يناسب ، إن فهمنا للعلم فهم مغلوط ، فالعلم وسيلة مهمة جدا ، لكن الأهم منه هو كيفية الاستنباط منه .
هذا النص على تفعيلة المتدارك ، وتأتي فعولن وفعول ، وليس التلوين الموسيقي عجزا من الكاتب ، بل إنه يلون عامدا متعمدا مع سبق الإصرار
بل يسكن بعض الكلمات عامدا متعمدا لتأتي فعولن على فعول فقط ، ولذا فموسيقاه نقية في روحه وإن ظن بعض اللغويين ضعفا في لغته ، وهو متحدث لبق للغاية دون معرفة سابقة له ، وعنيد لين ، ولينه لاينكسر .
ويبدو لي أن هذا الشاعر ظاهرة شعرية مختلفة تقف في المنتصف تماما بين ماقيل من شعر وما سيقال ، وهذا تفسيري للعنوان ، فالقصيدة التي استظل بها الآن بها مشاعر عربية وغربية ، أو فلنقل بها مشاعر إنسانية ، هذه المشاعر لاتتضح في الموسيقى ولا التصوير بقدر ما تتضح في نزيف الكلمات المتوالي ، فهو يقف بين الحب وبين الذكريات القديمة ، وتبدو لي نقطة الوقوف في المنتصف تماما ، وبين الإقدام والتراجع في المنتصف تماما ، وبين اللذة والألم في المنتصف تماما ، ونقطة المنتصف تعني الوعي الكامل ، والمشاهدة التامة لما يدور بداخله من إدراكات سابقة ، ووجدان بني على هذه المدركات ، ونزوع إلى نقطة المنتصف ، وهي منطقة الصراع ، ويتضح ذلك من بداية العنوان ( لا تعشقيني ) ، وهو عنوان مثير للدهشة ، وتأتي المبررات جلية منطقية جمالية مقنعة ، وهذا ما يجعل ذلك الشاعر فاصلة كبرى في نظري ، ولنبدأ بشكل مدرسي في قراءة هذا النص الغريب ،
 حيث يقول الشاعر عبدالعزيز جويدة : 

قُلوبٌ تَميلْ
وقُربي إليها مِنَ المُستَحيلْ
لأنِّي جَريحْ
وأشتاقُ يومًا لأنْ أستريحْ
فلا تَخدَعيني بِحُبٍّ جَديدْ
لأنِّي أخافُ دَعيني بَعيدْ
وإنْ تَعشَقيني
فلا شَيءَ عِندي لِكي تَأخُذيهْ
وما أنا شَيءٌ
ولا قلبَ عندي لكي تَعشَقيهْ
فقد تَندمينَ
وتَمضينَ عنِّي
وفي القلبِ سِرٌّ ولن تَعرِفيهْ
فإنيَ وَهمٌ
وقلبي خَيالٌ
وحُبي سَيبقَى بَعيدَ المَنالْ
فلا تَعشَقيني لأني المُحالْ
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
لأنِّي جَريحْ ..
سأشتاقُ يَومًا لكي أستَريحْ
وأرغَبُ يَومًا أرُدُّ اعتِباري
وأُطفئُ ناري
فَأقتُلُ فيكِ العُيونَ البريئةْ
فَلا تَعشَقيني لأنِّي الخَطيئةْ
دَعينيَ أمْضِ ودَاري دُموعَكْ
لأنِّي أخافُ سأرحَلُ عَنكِ
وقلبي السَّفينَةْ
أجوبُ بِقلبي الليالي الحَزينَةْ
فعُذرًا لأنِّي سأمضي وَحيدًا
سَأمضي بعيدًا
وإنْ عُدْتُ يَومًا
فقولي بأنَّكِ لا تَعرِفيني
فَقلبي ظَلامْ
وحُبي كَلامْ
ومازِلتُ أرغَبُ في الانتِقامْ
ومفاتيح القصيدة في كلمات معدودة هي ( دعيني بعيد _ فلن تعرفيه _ لأني المحال _ لأني العذاب _ بقايا انتقام _ لأني الخطيئة _ ومازلت أرغب في الانتقام ) .
وهذه الكلمات منطقية متراتبة على بعضها البعض ، فيطلب الشاعر ممن تهواه أن تتركه ليبقى بعيدا ، لأنها لاتعرف كيف يكون وجده ، ومحال أن يكون بينهما حب صادق يحمل السعادة لأن ما بداخله عذاب ، وربما ينتقم من جنس من عذبوه ، حتى ظن نفسه خطيئة في هذا الوجود ، فالبعد أفضل لأنه يشعر أن داخله مايزال يحتوي على جذور الانتقام المشتعلة .
أما لحظة الانفجار في النص حينما يصرخ ويعترض ويثور ، وهو يشعر القاريء بكمية البراكين المتفجرة داخله حينما يقول : _
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
ثورة عارمة قوية للغاية ، فهو يصور نفسه ليلا مغلقا بمفاتيح السكون ، فهو ليل ظلامه لن ينجلي ، ولذا فهو لن يستطيع أن يتعرف على ملامحه ، هل هو طفل أم شيخ ؟ ولا وسط بينهما ، وعادات الطفولة قد تشبه إلى حد كبير عادات الكهولة ، كيف يكون الطريق في الليل المغلق بالسكون ، فلا تستطيع أن تفتحه الكلمات ولا تسطيع أن تدخله النجوم ، وتتجلى الثورة في كثرة اللاءات ( فلا أنا ولا أنا ولا أنا ) ، فالوجه خرائط للحزن ، والقلب تل للاكتئاب ، والعين بحار للدموع ، فمن يحتمل هذا العذاب ؟
يمكنني أن أدرك بفطرتي هذه الحالة التي لم يسبق لي أن جربتها ، ولكن الشاعر يجعلني أتكامل معه في هذه التجربة ، نعم جعلني أشعر بمرارات المهزوم الذي جاءته فرصة الانتقام لكنه يستجيب لنداء الإنسان بداخله ، فيبرر لمن يستطيع أن يكسره ، لماذا لا أريد أن أحطمك ، وجنسك هو من حطمني ، نعم هو رقي الخلق المبني على مصارحة الذات قبل مصارحة الآخرين .
هذا شاعر بالفطرة ، يرمي حجرا فيصيرا مدفعا ، ويلقي بسمة فتزرع بستانا ، ويكتب كلمة فتظهر النجوم في الظهيرة ، يفطن الشاعر أن المنتقم هو من يعتمد على الكلام لا على الأفعال ، فحبي كلام ، وحبي بقايا انتقام ، فهنا تشابه الأدوات وتشابه 
( الكلام والانتقام ) ، وتراتبها ، وبعبارة أخرى قد يكون الكلام انتقاما وقد ينتج الانتقام من كلام نظنه حبا .
منذ سنوات قليلة سعدت بلقاء نزار قباني في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، ربما سعادتي ستكون أكثر إذا كتب الله لي أن ألتقي هذا الشاعر المفطور ، نعم هو مكتوب على وجهه شاعر 
كبير ، وأظن أن شعره قد يغير مسارات كثيرة في الشعرية العربية ، فيمكننا أن ننقلها من الكلمات الجمالية ، ومن الأزمات الموسيقية إلى ثمرات مفيدة للمجتمع ، نعم يمكن لهذا الشاعر أن يجعل قصائده ثمارا غضة مفيدة .

بقلم الدكتور رمضان الحضري

الأحد، 3 مارس 2019

بقلم الدكتور رمضان الحضري

قراءة نقدية لجمال الحروف في عيون الخوف


حينما مات الملك تحوتمس الأول والد الملكة حتشبسوت ، لم يكن هناك وريث شرعي له سوى هي وأخيها غير الشقيق تحوتمس الثاني ، وكاد الملك أن يضيع من أسرة جدها أحمس الأول الذي طرد الهكسوس من مصر ، فلبست ملابس الرجال ووقفت أمام مكائد الكهنة والمتربصين بمصر ، واستندت إلى المخلصين أمثال المهندس سنوت الذي كان يحبها حبا جما ، كما استندت إلى قيادات جيشها الوطني ، وحكمت مصر لمدة تصل إلى 22 سنة ، كانت أزهى عصور المملكة المصرية في الأسرة الثامنة عشر قبل الميلاد ، وهكذا سيدات مصر حينما يتحملن المسئوليات الوطنية والسياسية والاجتماعية والعلمية .
وفي العصر الحديث وقفت فاطمة بنت الخديوي إسماعيل أمام جبروت اللورد كرومر ووضعت حجر أساس جامعة القاهرة رغما عن أنف اللورد كرومر الذي هددها بالقتل ، لو وضعت حجر أساس الجامعة ، لكنها لم تأبه لتهديده وفعلت مايليق بها كسيدة مصرية وريثة لحتشبسوت ، وذا مافعلته قوت القلوب الدمرداشية وغيرها من سيدات مصر العظيمات .
وفي النهضة الثقافية الحديثة تشارك السيدة المصرية بفكرها وثقافتها إلى جوار الرجال حذو القدم بالقدم وحذو الكتف بالكتف ، فمن ينسى مواقف أم كلثوم مع بلادها ، ومن ينسى ثقافة سهير القلماوي ، ومن لم يتعلم من نعمات أحمد فؤاد ، ومن ينسى سميرة موسى وباحثة البادية وروز اليوسف وغيرهن الكثيرات .
تأتي هذه التقدمة وأنا أقرأ ديوان ( عيون الخوف ) للشاعرة المصرية الرائدة / أمل أيوب 

 التي تحاول أن تجد لها مكانا يليق بها بين شعراء مصر ، حيث جمعت في هذا الديوان عشرين قصيدة شعرية من شعر العامية المصرية الرائقة ، وتتخذ لنفسها خطا شعريا خاصا بها ، حيث إن الذين يظنون أن الشعر عروض وقوافٍ وأنغام وصور فأولئك لم يخبروا الشعر أو يدركوا ماهيته ، فالشعر لدى الشاعر الموهوب حياة ، وليس أقل من الحياة بشبر فما أقل ، ولذا فالشاعر الموهوب يعيش قضاياه في شعره ، ويعيش شعره في قضاياه ، ويدافع عن قيم الشعر كما يدافع عن قيم الأخلاق والسلوك وصحيح المنهج .
فالشعر وطن ، والوطن عند الشاعر الموهوب قصيدة جميلة وقيمة نقية وسلوك نبيل وعلو همة ، فالوطن والشعر هما مجد كل شاعر حقيقي ، وهذا مايتضح في ديوان الشاعرة أمل أيوب حينما تثور وتصرخ محبة في الوطن ، ومودة لترابه ، وشفقة عليه ، وتزلفا له ، فتقول في ديوانها بعنوان ( درويش ) : _
مانيش دافع خلاص مهرك
وهـ اطفي الشمعة لو والعة ف ليل سهرك
ومش باوعد .... انا ح ابعد
ولا هـ اسند فـ يوم ضهرك
ياعاشقة الواطي والمحتال
ما نيش خيال
ولا فارس ولا مهرك
تحبي الكدب والتهليس
وسامعة الكلمة لو زايفة 
ولو شايفة
ولو عارفة إنها تدليس
ما نيش قلمك ولا فاسك
ولا ف قلبك ولا ف راسك
ولا حسباني من ناسك
******
ديوان عيون الخوف ، صـ 54 .
شاعرة بطول نهر النيل ، خصبة الافكار ، وشفافة الروح ، وشاسعة الشعور ، تبدأ بتصوير من الخارج إلى الداخل ، فإذا دلفت إلى موضوعها دوى صراخها ، في منطقية فريدة ، حيث تقدم التعليل بألف دليل ، فتقنع عين القاريء قبل عقله ، وتقنع عقله قبل قلبه ، وتنزل الكلمات في القلب كحجر ملتهب يحدث ضجة في القلب ، وترسو القصيدة في القلب فيتسع القلب في دوائر ، حتى تصل القصيدة لعمق الشعور وتلتصق به .
فبدأت الشاعرة بعرس لن يتم ، لأنها لن تدفع مهر حبها ، وحينما يبدأ الشاعر من القمة فهو يقف على جبل مرتفع من الشعور ، وبعبارة أخرى فإن الشاعر الذي يبدأ نصه من القمة يكتب بعدما نفدت جميع أنواع التعبير البدني والفكري ، فهو مضطر أن يبدأ من أعلى نقطة في شعوره ، فتكون البداية عبارة عن صرخة مدوية للتنبيه ، والتنبيه هنا بحادثة واقعية ، وهي ذلك العريس الذي يرفض أن يدفع مهر عروسه لارتكابها أخطاء في حقه ، وهذه الاخطاء تتجلى في تقديم الواطي على العالي ، وتفصيل المحتال على الصادق ، ونسيانها لحب عريسها ، فكأنه لم يشغل لها بالا ، وهكذا تكتب أمل أيوب بفكرة جديدة ، ومشاعر فريدة ، فاللوحة الشعرية عندها لوحة من الحياة الواقعية ، بل هي لوحة أصدق من الواقع ، فالواقع مرير ، ودور الفن دائما أن يقدم صورة مخترعة تكون حقيقية لتصحيح الصوة الخاطئة في الواقع.
الغدر كان م القريب
طرح السنين بيخيب
شمس اللقا بتغيب
مركب هموم بتجيب
كل الحمول عندي
وأبص فـ مرايتي 
واهمس بصوت مكسوف
واقول لها ردي
يكنش آن الأوان
تكونش دي نهايتي
تشهق عيون الخوف 
تنطق ورافضة تشوف
تصرخ بكل سكوت
كل الزمن مايفوت 
كل البشر حـ تموت
ودي سنة الملكوت
أعمار وبتعدي
******
قصيدة عيون الخوف صـ 63 ، 64
هذه القصيدة التي أطلقت عنوانها على غلاف الديوان ، لتكون عنوانين في خارج الديوان وداخله ، حيث ترى فيها ذاتها محاصرة في هذا العالم ، فالجرح من سهم قريب ، جاء من شجرة زرعتها ، وشمس الضياء واللقاء امام عيونها تأفل وتنحدر تجاه المغيب والفراق ، وكأن الحياة تنتهي ، ولأن كل من حولها تغير ، فلم يعد هناك أمان إلا للمرآة ، فلربما كان الجماد أكثر حنانا ، وأرقى فيرد الكيد عنها .
دوما ينتج الصراع الدرامي في النص الشعري من التناقضات بين الذات والموضوع ، وبين الأنا والعالم ، وبين الطموحات والممكن ، فالنص هنا نص درامي من الدرجة الأولى ، فالشاعر ظنت الأمن في القرب ، لكن النتيجة كانت جرحا غائرا ، وظنت الياء في الشمس ، لكنها تغيب وتختفي ، وظنت الحياة في الطرح ، لكن الثمار ذابلة وميتة ، وظنت البشريات في المراكب ، لكن المراكب جاءت محملة بالأحزان .
فالصراع بين الأمنيات المتوقعة وبين المشكلات الواقعة صراع مخيف ، وهكذا تقوم أمل أيوب برسم نصوصها في لوحات تصويرية محددة في أطر من لهيب ، وترسمها في لوحات لفظية شفاهها من نيران .
فالتجربة الشعرية عندها تعني الحياة وتعني الذات ، فهي شاعرة متمردة على واقعها ، لاتستطيع التكيف مع الواقع ، حيث إن الواقع لايستطيع أن يتعرف على مواقع ألمها ومواطن أحزانها .
هذا ديوان فريد لشاعرة فريدة ، يأخذ القاريء لرحلة داخل روح الشاعرة ، في مدارات غريبة وصورة مستطرفة وحياة رائعة .

د / رمضان الحضري 
القاهرة في 3 من مارس 2019م 
****************