الأربعاء، 4 مارس 2020
حسام المقدم ..
مع آخر جُملة، وبعد رؤية شاهد قبر "عنايات الزيات" في الصفحة قبل الأخيرة؛
تقف اللغة في مكان بعيد جدا في الأعماق. لا كلام يمكن أن يُقال عن هذه الرحلة الكبيرة التي قرأتُها كلمة كلمة، ووقفتُ عند همساتها وأنفاسها لو صح أن أقول ذلك.
بعد كل ذلك الشغف النادر، والإيمان العظيم بعنايات الزيات كفكرة كبرى تمثل الإنسان الفرد الفنان في مقابل الحياة والعالم في الخارج، فكرة تلاقت مع قناعات "إيمان مرسال" في أعمق جذورها لأكثر من ربع قرن، عبر تتبع أثر كل ما يخص عنايات الإنسانة دون السماح بنسيان هفوة أو تفصيلة واحدة في حياتها القصيرة (1936- 1963). من الطفولة والاكتئاب المبكر والأسرة والمدرسة الألمانية وصداقة نادية لطفي والكتابة واليوميات وابنها وطلاقها وروايتها "الحب والصمت" المرفوضة على الدوام، التي وللمفارقة ستنشر عام 1967بعد وفاتها، ولكن مع زرع فقرة في النهاية الغريبة على جسد الكتابة لتصبح نهاية إيجابية! في معهد الآثار الألماني والعمل على كتابة رواية ثانية عن عالم المصريات الألماني "كايمر".. الأماكن التي عملت أو عاشت فيها عنايات، منزلها في الدقي وخطها ويومياتها والعصر كله، لدرجة معرفة أسماء الحبوب المنومة المعروفة أيامها، والتي انتحرت بأحد أنواعها ذات اللون الوردي.
لروح عنايات الزيات السلام الآن، ولشاهد قبرها المنزوع المُبعَد سيكون الذِكر لا النسيان.. ستتغير أمور كثيرة بعد هذا الكتاب، فيما يخص عنايات نفسها وسيرتها، والأهم فيما يخص تقصي الأثر والمعنى والدرس، في مشوار حياة طويل يمشيه الممسوسون، مشوار يلزمه الصدق والشغف والإيمان.. وكل المعاني الكبيرة التي لازمت "إيمان مرسال" في رحلتها.
**
تقف اللغة في مكان بعيد جدا في الأعماق. لا كلام يمكن أن يُقال عن هذه الرحلة الكبيرة التي قرأتُها كلمة كلمة، ووقفتُ عند همساتها وأنفاسها لو صح أن أقول ذلك.
بعد كل ذلك الشغف النادر، والإيمان العظيم بعنايات الزيات كفكرة كبرى تمثل الإنسان الفرد الفنان في مقابل الحياة والعالم في الخارج، فكرة تلاقت مع قناعات "إيمان مرسال" في أعمق جذورها لأكثر من ربع قرن، عبر تتبع أثر كل ما يخص عنايات الإنسانة دون السماح بنسيان هفوة أو تفصيلة واحدة في حياتها القصيرة (1936- 1963). من الطفولة والاكتئاب المبكر والأسرة والمدرسة الألمانية وصداقة نادية لطفي والكتابة واليوميات وابنها وطلاقها وروايتها "الحب والصمت" المرفوضة على الدوام، التي وللمفارقة ستنشر عام 1967بعد وفاتها، ولكن مع زرع فقرة في النهاية الغريبة على جسد الكتابة لتصبح نهاية إيجابية! في معهد الآثار الألماني والعمل على كتابة رواية ثانية عن عالم المصريات الألماني "كايمر".. الأماكن التي عملت أو عاشت فيها عنايات، منزلها في الدقي وخطها ويومياتها والعصر كله، لدرجة معرفة أسماء الحبوب المنومة المعروفة أيامها، والتي انتحرت بأحد أنواعها ذات اللون الوردي.
لروح عنايات الزيات السلام الآن، ولشاهد قبرها المنزوع المُبعَد سيكون الذِكر لا النسيان.. ستتغير أمور كثيرة بعد هذا الكتاب، فيما يخص عنايات نفسها وسيرتها، والأهم فيما يخص تقصي الأثر والمعنى والدرس، في مشوار حياة طويل يمشيه الممسوسون، مشوار يلزمه الصدق والشغف والإيمان.. وكل المعاني الكبيرة التي لازمت "إيمان مرسال" في رحلتها.
**
الثلاثاء، 3 مارس 2020
د. رمضان الحضري
مضى عقد من الزمن على هذه المقالة
ليس فيها جديد سوى الصور الشخصية .
****************************
لاتعشقيني في المنتصف تماما
************
هذا نص جديد في الشعرية العربية ولأول مرة أقرأ لصاحبه شعرا ، ولا أشك لحظة في أنه أزهري قرأ الثقافة الأوربية ، أما لماذا هذا التوصيف فهو أمر يعنيني أنا شخصيا في التحليل ، وربما لا يعني القاريء .
فالشاعر رقيق في تقطيع الورود ، ومراقصة الكلمات الفصيحة ، فهو يكتب كلماته بدم متفجر ، ويراقصها بعصى أبنوس .
أذهلني أن أجد شاعرا بقامة نزار قباني وفكر محمود حسن إسماعيل وبراءة إبراهيم ناجي ، كل هؤلاء يقفون أمام عيني وهي تقرأ هذا النص
حتى ظننت بأن الشاعر على مقربة من جميع هؤلاء الشاعر ، مما جعلني أعود للأعمال الكاملة لشعر نزار قباني ، وأعود لدواوين ناجي ومحمود حسن إسماعيل ، فلربما هدتني القراءة إلى حل لغز هذا الاشتباه .
وليست كل المشكلات تجد حلولا في القراءة ، يبدو أن خبراته مختلفة ، ولكن الاشتباه لازال قائما في عقلي .
وصف مرة الدكتور النفسي العظيم عبدالعظيم فراج لمريض عنده أن يضع قروشا معدنية في قصعة حديدية ويظل يعبث بها حتى ينام ، فلما سألته ، هل هذا العلاج من واقع الكتب العلمية ؟ فأدهشني حينما قال : وهل العلم سوى مفتاح يفتح لك الباب حتى تدخل لتبحث عما يناسبك وتترك ملا يناسب ، إن فهمنا للعلم فهم مغلوط ، فالعلم وسيلة مهمة جدا ، لكن الأهم منه هو كيفية الاستنباط منه .
هذا النص على تفعيلة المتقارب ، وتأتي فعولن وفعول ، وليس التلوين الموسيقي عجزا من الكاتب ، بل إنه يلون عامدا متعمدا مع سبق الإصرار
بل يسكن بعض الكلمات عامدا متعمدا لتأتي فعولن على فعول فقط ، ولذا فموسيقاه نقية في روحه وإن ظن بعض اللغويين ضعفا في لغته ، وهو متحدث لبق للغاية دون معرفة سابقة له ، وعنيد لين ، ولينه لاينكسر .
ويبدو لي أن هذا الشاعر ظاهرة شعرية مختلفة تقف في المنتصف تماما بين ماقيل من شعر وما سيقال ، وهذا تفسيري للعنوان ، فالقصيدة التي استظل بها الآن بها مشاعر عربية وغربية ، أو فلنقل بها مشاعر إنسانية ، هذه المشاعر لاتتضح في الموسيقى ولا التصوير بقدر ما تتضح في نزيف الكلمات المتوالي ، فهو يقف بين الحب وبين الذكريات القديمة ، وتبدو لي نقطة الوقوف في المنتصف تماما ، وبين الإقدام والتراجع في المنتصف تماما ، وبين اللذة والألم في المنتصف تماما ، ونقطة المنتصف تعني الوعي الكامل ، والمشاهدة التامة لما يدور بداخله من إدراكات سابقة ، ووجدان بني على هذه المدركات ، ونزوع إلى نقطة المنتصف ، وهي منطقة الصراع ، ويتضح ذلك من بداية العنوان ( لا تعشقيني ) ، وهو عنوان مثير للدهشة ، وتأتي المبررات جلية منطقية جمالية مقنعة ، وهذا ما يجعل ذلك الشاعر فاصلة كبرى في نظري ، ولنبدأ بشكل مدرسي في قراءة هذا النص الغريب ، حيث يقول الشاعر عبدالعزيز جويدة :
قُلوبٌ تَميلْ
وقُربي إليها مِنَ المُستَحيلْ
لأنِّي جَريحْ
وأشتاقُ يومًا لأنْ أستريحْ
فلا تَخدَعيني بِحُبٍّ جَديدْ
لأنِّي أخافُ دَعيني بَعيدْ
وإنْ تَعشَقيني
فلا شَيءَ عِندي لِكي تَأخُذيهْ
وما أنا شَيءٌ
ولا قلبَ عندي لكي تَعشَقيهْ
فقد تَندمينَ
وتَمضينَ عنِّي
وفي القلبِ سِرٌّ ولن تَعرِفيهْ
فإنيَ وَهمٌ
وقلبي خَيالٌ
وحُبي سَيبقَى بَعيدَ المَنالْ
فلا تَعشَقيني لأني المُحالْ
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
لأنِّي جَريحْ ..
سأشتاقُ يَومًا لكي أستَريحْ
وأرغَبُ يَومًا أرُدُّ اعتِباري
وأُطفئُ ناري
فَأقتُلُ فيكِ العُيونَ البريئةْ
فَلا تَعشَقيني لأنِّي الخَطيئةْ
دَعينيَ أمْضِ ودَاري دُموعَكْ
لأنِّي أخافُ سأرحَلُ عَنكِ
وقلبي السَّفينَةْ
أجوبُ بِقلبي الليالي الحَزينَةْ
فعُذرًا لأنِّي سأمضي وَحيدًا
سَأمضي بعيدًا
وإنْ عُدْتُ يَومًا
فقولي بأنَّكِ لا تَعرِفيني
فَقلبي ظَلامْ
وحُبي كَلامْ
ومازِلتُ أرغَبُ في الانتِقامْ
ومفاتيح القصيدة في كلمات معدودة هي ( دعيني بعيد _ فلن تعرفيه _ لأني المحال _ لأني العذاب _ بقايا انتقام _ لأني الخطيئة _ ومازلت أرغب في الانتقام ) .
وهذه الكلمات منطقية متراتبة على بعضها البعض ، فيطلب الشاعر ممن تهواه أن تتركه ليبقى بعيدا ، لأنها لاتعرف كيف يكون وجده ، ومحال أن يكون بينهما حب صادق يحمل السعادة لأن ما بداخله عذاب ، وربما ينتقم من جنس من عذبوه ، حتى ظن نفسه خطيئة في هذا الوجود ، فالبعد أفضل لأنه يشعر أن داخله مايزال يحتوي على جذور الانتقام المشتعلة .
أما لحظة الانفجار في النص حينما يصرخ ويعترض ويثور ، وهو يشعر القاريء بكمية البراكين المتفجرة داخله حينما يقول : _
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
ثورة عارمة قوية للغاية ، فهو يصور نفسه ليلا مغلقا بمفاتيح السكون ، فهو ليل ظلامه لن ينجلي ، ولذا فهو لن يستطيع أن يتعرف على ملامحه ، هل هو طفل أم شيخ ؟ ولا وسط بينهما ، وعادات الطفولة قد تشبه إلى حد كبير عادات الكهولة ، كيف يكون الطريق في الليل المغلق بالسكون ، فلا تستطيع أن تفتحه الكلمات ولا تسطيع أن تدخله النجوم ، وتتجلى الثورة في كثرة اللاءات ( فلا أنا ولا أنا ولا أنا ) ، فالوجه خرائط للحزن ، والقلب تل للاكتئاب ، والعين بحار للدموع ، فمن يحتمل هذا العذاب ؟
يمكنني أن أدرك بفطرتي هذه الحالة التي لم يسبق لي أن جربتها ، ولكن الشاعر يجعلني أتكامل معه في هذه التجربة ، نعم جعلني أشعر بمرارات المهزوم الذي جاءته فرصة الانتقام لكنه يستجيب لنداء الإنسان بداخله ، فيبرر لمن يستطيع أن يكسره ، لماذا لا أريد أن أحطمك ، وجنسك هو من حطمني ، نعم هو رقي الخلق المبني على مصارحة الذات قبل مصارحة الآخرين .
هذا شاعر بالفطرة ، يرمي حجرا فيصيرا مدفعا ، ويلقي بسمة فتزرع بستانا ، ويكتب كلمة فتظهر النجوم في الظهيرة ، يفطن الشاعر أن المنتقم هو من يعتمد على الكلام لا على الأفعال ، فحبي كلام ، وحبي بقايا انتقام ، فهنا تشابه الأدوات وتشابه
( الكلام والانتقام ) ، وتراتبها ، وبعبارة أخرى قد يكون الكلام انتقاما وقد ينتج الانتقام من كلام نظنه حبا .
منذ سنوات قليلة سعدت بلقاء نزار قباني في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، ربما سعادتي ستكون أكثر إذا كتب الله لي أن ألتقي هذا الشاعر المفطور ، نعم هو مكتوب على وجهه شاعر
كبير ، وأظن أن شعره قد يغير مسارات كثيرة في الشعرية العربية ، فيمكننا أن ننقلها من الكلمات الجمالية ، ومن الأزمات الموسيقية إلى ثمرات مفيدة للمجتمع ، نعم يمكن لهذا الشاعر أن يجعل قصائده ثمارا غضة مفيدة .
**********
ليس فيها جديد سوى الصور الشخصية .
****************************
لاتعشقيني في المنتصف تماما
************
هذا نص جديد في الشعرية العربية ولأول مرة أقرأ لصاحبه شعرا ، ولا أشك لحظة في أنه أزهري قرأ الثقافة الأوربية ، أما لماذا هذا التوصيف فهو أمر يعنيني أنا شخصيا في التحليل ، وربما لا يعني القاريء .
فالشاعر رقيق في تقطيع الورود ، ومراقصة الكلمات الفصيحة ، فهو يكتب كلماته بدم متفجر ، ويراقصها بعصى أبنوس .
أذهلني أن أجد شاعرا بقامة نزار قباني وفكر محمود حسن إسماعيل وبراءة إبراهيم ناجي ، كل هؤلاء يقفون أمام عيني وهي تقرأ هذا النص
حتى ظننت بأن الشاعر على مقربة من جميع هؤلاء الشاعر ، مما جعلني أعود للأعمال الكاملة لشعر نزار قباني ، وأعود لدواوين ناجي ومحمود حسن إسماعيل ، فلربما هدتني القراءة إلى حل لغز هذا الاشتباه .
وليست كل المشكلات تجد حلولا في القراءة ، يبدو أن خبراته مختلفة ، ولكن الاشتباه لازال قائما في عقلي .
وصف مرة الدكتور النفسي العظيم عبدالعظيم فراج لمريض عنده أن يضع قروشا معدنية في قصعة حديدية ويظل يعبث بها حتى ينام ، فلما سألته ، هل هذا العلاج من واقع الكتب العلمية ؟ فأدهشني حينما قال : وهل العلم سوى مفتاح يفتح لك الباب حتى تدخل لتبحث عما يناسبك وتترك ملا يناسب ، إن فهمنا للعلم فهم مغلوط ، فالعلم وسيلة مهمة جدا ، لكن الأهم منه هو كيفية الاستنباط منه .
هذا النص على تفعيلة المتقارب ، وتأتي فعولن وفعول ، وليس التلوين الموسيقي عجزا من الكاتب ، بل إنه يلون عامدا متعمدا مع سبق الإصرار
بل يسكن بعض الكلمات عامدا متعمدا لتأتي فعولن على فعول فقط ، ولذا فموسيقاه نقية في روحه وإن ظن بعض اللغويين ضعفا في لغته ، وهو متحدث لبق للغاية دون معرفة سابقة له ، وعنيد لين ، ولينه لاينكسر .
ويبدو لي أن هذا الشاعر ظاهرة شعرية مختلفة تقف في المنتصف تماما بين ماقيل من شعر وما سيقال ، وهذا تفسيري للعنوان ، فالقصيدة التي استظل بها الآن بها مشاعر عربية وغربية ، أو فلنقل بها مشاعر إنسانية ، هذه المشاعر لاتتضح في الموسيقى ولا التصوير بقدر ما تتضح في نزيف الكلمات المتوالي ، فهو يقف بين الحب وبين الذكريات القديمة ، وتبدو لي نقطة الوقوف في المنتصف تماما ، وبين الإقدام والتراجع في المنتصف تماما ، وبين اللذة والألم في المنتصف تماما ، ونقطة المنتصف تعني الوعي الكامل ، والمشاهدة التامة لما يدور بداخله من إدراكات سابقة ، ووجدان بني على هذه المدركات ، ونزوع إلى نقطة المنتصف ، وهي منطقة الصراع ، ويتضح ذلك من بداية العنوان ( لا تعشقيني ) ، وهو عنوان مثير للدهشة ، وتأتي المبررات جلية منطقية جمالية مقنعة ، وهذا ما يجعل ذلك الشاعر فاصلة كبرى في نظري ، ولنبدأ بشكل مدرسي في قراءة هذا النص الغريب ، حيث يقول الشاعر عبدالعزيز جويدة :
قُلوبٌ تَميلْ
وقُربي إليها مِنَ المُستَحيلْ
لأنِّي جَريحْ
وأشتاقُ يومًا لأنْ أستريحْ
فلا تَخدَعيني بِحُبٍّ جَديدْ
لأنِّي أخافُ دَعيني بَعيدْ
وإنْ تَعشَقيني
فلا شَيءَ عِندي لِكي تَأخُذيهْ
وما أنا شَيءٌ
ولا قلبَ عندي لكي تَعشَقيهْ
فقد تَندمينَ
وتَمضينَ عنِّي
وفي القلبِ سِرٌّ ولن تَعرِفيهْ
فإنيَ وَهمٌ
وقلبي خَيالٌ
وحُبي سَيبقَى بَعيدَ المَنالْ
فلا تَعشَقيني لأني المُحالْ
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
لأنِّي جَريحْ ..
سأشتاقُ يَومًا لكي أستَريحْ
وأرغَبُ يَومًا أرُدُّ اعتِباري
وأُطفئُ ناري
فَأقتُلُ فيكِ العُيونَ البريئةْ
فَلا تَعشَقيني لأنِّي الخَطيئةْ
دَعينيَ أمْضِ ودَاري دُموعَكْ
لأنِّي أخافُ سأرحَلُ عَنكِ
وقلبي السَّفينَةْ
أجوبُ بِقلبي الليالي الحَزينَةْ
فعُذرًا لأنِّي سأمضي وَحيدًا
سَأمضي بعيدًا
وإنْ عُدْتُ يَومًا
فقولي بأنَّكِ لا تَعرِفيني
فَقلبي ظَلامْ
وحُبي كَلامْ
ومازِلتُ أرغَبُ في الانتِقامْ
ومفاتيح القصيدة في كلمات معدودة هي ( دعيني بعيد _ فلن تعرفيه _ لأني المحال _ لأني العذاب _ بقايا انتقام _ لأني الخطيئة _ ومازلت أرغب في الانتقام ) .
وهذه الكلمات منطقية متراتبة على بعضها البعض ، فيطلب الشاعر ممن تهواه أن تتركه ليبقى بعيدا ، لأنها لاتعرف كيف يكون وجده ، ومحال أن يكون بينهما حب صادق يحمل السعادة لأن ما بداخله عذاب ، وربما ينتقم من جنس من عذبوه ، حتى ظن نفسه خطيئة في هذا الوجود ، فالبعد أفضل لأنه يشعر أن داخله مايزال يحتوي على جذور الانتقام المشتعلة .
أما لحظة الانفجار في النص حينما يصرخ ويعترض ويثور ، وهو يشعر القاريء بكمية البراكين المتفجرة داخله حينما يقول : _
وإنْ تَعشقيني
فهل تَعرِفينَ أنا مَنْ أكونْ ؟
أنا الليلُ حِينَ طَواهُ السكونْ
فلا أنا طِفلٌ
ولا أنا شَيخٌ
ولا أنا أضحَكُ مثلَ الشبابْ
تَقاطيعُ وَجهي خَرائطُ حُزنٍ ،
بِحارُ دُموعٍ ، تِلالُ اكتِئابْ
فلا تَعشَقيني لأني العَذابْ
إذا قُلْتُ يَومًا بأنِّي أُحبُّكْ
فلا تَسمَعيني
فَحُبِّي كَلامْ
وحُبي إليكِ بَقايا انتِقامْ
ثورة عارمة قوية للغاية ، فهو يصور نفسه ليلا مغلقا بمفاتيح السكون ، فهو ليل ظلامه لن ينجلي ، ولذا فهو لن يستطيع أن يتعرف على ملامحه ، هل هو طفل أم شيخ ؟ ولا وسط بينهما ، وعادات الطفولة قد تشبه إلى حد كبير عادات الكهولة ، كيف يكون الطريق في الليل المغلق بالسكون ، فلا تستطيع أن تفتحه الكلمات ولا تسطيع أن تدخله النجوم ، وتتجلى الثورة في كثرة اللاءات ( فلا أنا ولا أنا ولا أنا ) ، فالوجه خرائط للحزن ، والقلب تل للاكتئاب ، والعين بحار للدموع ، فمن يحتمل هذا العذاب ؟
يمكنني أن أدرك بفطرتي هذه الحالة التي لم يسبق لي أن جربتها ، ولكن الشاعر يجعلني أتكامل معه في هذه التجربة ، نعم جعلني أشعر بمرارات المهزوم الذي جاءته فرصة الانتقام لكنه يستجيب لنداء الإنسان بداخله ، فيبرر لمن يستطيع أن يكسره ، لماذا لا أريد أن أحطمك ، وجنسك هو من حطمني ، نعم هو رقي الخلق المبني على مصارحة الذات قبل مصارحة الآخرين .
هذا شاعر بالفطرة ، يرمي حجرا فيصيرا مدفعا ، ويلقي بسمة فتزرع بستانا ، ويكتب كلمة فتظهر النجوم في الظهيرة ، يفطن الشاعر أن المنتقم هو من يعتمد على الكلام لا على الأفعال ، فحبي كلام ، وحبي بقايا انتقام ، فهنا تشابه الأدوات وتشابه
( الكلام والانتقام ) ، وتراتبها ، وبعبارة أخرى قد يكون الكلام انتقاما وقد ينتج الانتقام من كلام نظنه حبا .
منذ سنوات قليلة سعدت بلقاء نزار قباني في معرض القاهرة الدولي للكتاب ، ربما سعادتي ستكون أكثر إذا كتب الله لي أن ألتقي هذا الشاعر المفطور ، نعم هو مكتوب على وجهه شاعر
كبير ، وأظن أن شعره قد يغير مسارات كثيرة في الشعرية العربية ، فيمكننا أن ننقلها من الكلمات الجمالية ، ومن الأزمات الموسيقية إلى ثمرات مفيدة للمجتمع ، نعم يمكن لهذا الشاعر أن يجعل قصائده ثمارا غضة مفيدة .
**********
الاثنين، 2 مارس 2020
دكتور رمضان الحضري
الفنون
(تغيّر الماهية والوظيفة
***************
في الثلث الأول من القرن الثامن عشر كانت أكبر أحلام الشعب الأمريكي أن يحصل على استقلاله عن بريطانيا ، وفي نهاية القرن الثامن عشر كانت أحلامهم أن يزرعوا أرضهم لتكفيهم المحاصيل ، وبدأت نهضتهم بزراعة التبغ وتصديره ، ثم زراعة المحاصيل وتصديرها ، ولم تكن هناك خطة للعلوم ولا للتكنولوجيا ، فكانوا ينتظرون القادمين بالعلوم من أوربا وبخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا .
ومع مطلع القرن العشرين انتبهت الولايات المتحدة الأمريكية للعلوم والفنون والآداب إلى جانب الزراعة والصناعة حتى أصبحت أكبر دول العالم فى التكنولوجيا والأقتصاد والقوة العسكرية ، وربما تعتبرالقطب الأوحد فى العالم خاصة بعد إنتهاء فترة الحرب البارده التى استمرت حوالى 46 سنة ، حيث إنهار الإتحاد السوفيتى عام 1991 ، مما جعل الولايات المتحدة أكثر سيطرة على مستوى الكرة الأرضية .
هذه تقدمة تتعلق كثيرا بموضوع الفنون ، حيث إن الفنون شأنها شأن المجتمعات تتطور وتتغير حسب الأهداف والوظيفة الجديدة المنوطة بها .
فكان الرسام يرسم وجوه الأشخاص قبل إختراع كاميرا التصوير ، فلما ظهرت الكاميرا أصبح التصوير من خصائص الكاميرا وليس من خصائص الرسام ، وكان الخطاط إلى وقت قريب هو الذى يزين الحروف والكلمات حتى جاء الكمبيوتر فأصبح دور الخطاط محدودا ، وكانت الفرقة الموسيقية تؤدى بكاملها لحن الأغنية ، بينما الأن يمكن تسجيل صوت كل ألة موسيقية منفردا .
ماقلته سابقا محض معلوم لدى عامة المثقفين ، بيد أن خيالي يرى أن أول من رسم شجرة على الرمال ظل يحرس رسمه طويلا وربما بنى كوخا حتى لايمر أحد فوق رسمه ، وربما بنى فوقها كوخا حتى لاتمسحها الرياح ، وربما من رسم طائرا كان يخاف أن يمسك بجناحه ظنا منه أنه سوف يقع على الأرض ، رغم أنه مرسوم على الأرض ، ويؤيد كلامي هذا ماحدث في بعض معارض الفنون التشكيلية حينما قالت سيدة لرسام معلقة على صورة امرأة ، إن ذراع المرأة الأيمن أطول من ذراعها الأيسر ، فقال لها الرسام ياسيدتي هذه صورة وليست امرأة ، وكذا ماحدث من أحد أباطرة الصين ، حينما قال لرسام قصره : امسح صورة النهر التي رسمتها على هذا الجدار ، لأنني من يوم أن رأيتها لا أستطيع النوم جيدا من صوت خرير الماء في هذا النهر .
نعم الفنون مؤثرة جدا في حياة الناس ، بل هي الجانب الأكبر من حياة الناس ، حيث تتعامل الفنون مع الحواس والوجدان والشعور ، والروح والإحساس ، وهي الجوانب الأهم في الشخصية البشرية ، فمرض الجسم سهل أن يشفى بسرعة أكبر من مرض الروح والشعور .
فالجسم الجريح حينما يكون متفائلا ويملك قابلية للشفاء فغالبا يصل للشفاء بسرعة ، بينما الإحباط والخوف والاكتئاب والهلع والقلق والصراع والفصام وغيرها من الأمراض النفسية يكون الشفاء منها عسيرا بدرجة كبيرة ، وقد ضرب العرب مثلا لذلك واضحا جليا حينما قالوا : لو أن هناك شاة مجروحة فالعناية بجرحها وطعامها سوف يجعلان الشفاء أمرا سهلا وسريعا ، بينما لو أتينا بشاة قوية وربطنا أمامها ذئب فسوف تخاف
وتمتنع عن الطعام وتموت ، إذا كانت هذه مشاعر الحيوانات ، فما بالنا بمشاعر الإنسانية .
وتاريخ الفنون هو تاريخ البشرية تماما ، فقد أرخ لها البعض بحوالي أربعين ألف سنة قبل الميلاد ، والبعض الآخر أوصلها إلى مائة ألف سنة قبل الميلاد ، وتم الكشف عن رسوم على جدران الكهوف تصل إلى ثلاثين ألف سنة قبل الميلاد ، وقد تحدث ديورانت _ في كتابه الشهير ( قصة الحضارة ) والذي ترجمه الفيلسوف المصري العظيم / زكي نجيب محمود _ عن هذه التواريخ بالتفصيل في الجزء الأول من كتابه .
فحضارة البشرية بدأت بالفنون غالبا وهذا ظني ، ولم تبدأ بالعلوم أبدا ، لأن حاجات الإنسان النفسية تفوق حاجاته العلمية ، وسعي الإنسان خلف الجمال يفوق سعيه خلف الاختراعات والاكتشافات ، ولذا فكل الأمم المتقدمة تتقدم فنيا وثقافيا قبل أن تتقدم علميا وتكنولوجيا ، وقد قامت الحضارة الأوربية الحديثة على آراء جوتة شاعر ألمانيا العظيم ، وتلميذه النجيب الفيلسوف / هيدجر ، وكان تأثير شكسبير وموباسان وكاييم وغيرهم أكبر من تأثير العلماء في أوربا ، حيث إن الفنون تمثل قوة الدفع النفسي والإنفعالي ، وهي المحرض الرئيس على الإبتكار والاكتشاف .
وتنقسم الفنون إلى فنون تشكيلية مثل :
الرسم والتصوير والتصميم والمونتاج والنحت
والعمارة والخط والإضاءة .
وفنون تعبيرية وحركية مثل :
الرقص والسيرك والتمثيل والدمى والإلقاء .
وهناك فنون تطبيقية مثل :
الديكور والسجاد وتصميم الأزياء والخزف والحلي
والتطريز وصناعة الأثاث والمجوهرات .
وهناك فنون الكتابة مثل :
الشعر والرواية والمقال والتحرير الصحفي وغيرها .
وهناك فنون صوتية مثل :
الإذاعة والغناء والموسيقى والترتيل .
لست مهتما هنا بالتأريخ للفنون ، ولكنني مهتم بمحاولة إثبات أن الفنون تعيد تشكيل نفسها حسب العصر الذي تعيش فيه ، وربما العكس كذلك ، فأعني أن الفنون هي التي تقوم بتشكيل العصر ، فليس شعر المتنبي كشعر امريء القيس ، وليس شعر شوقي كشعر المتنبي ، وليس شعر نزار قباني كشعر شوقي ، وليس شعر عبدالعزيز جويدة كشعر نزار قباني .
هي حركة الحياة التي تحركها الفنون ، أو حركة الفنون التي تحركها الحياة ، وفي جميع الأحوال فإن ماهية الفنون تتغير حسب تغير الأهداف ومفردات الحياة ، فقد كان هدف الشاعر العربي قبل الإسلام أن ينتصر لقبيلته ، وتحول بعد الإسلام لينتصر الشاعر لدينه وعروبته ، وتحول في العصر الحديث لينتصر لدينه وعروبته ودولته ، فتغيرت الأهداف .
وكان الشاعر العربي ينتظر محبوبته في أماكن الرعي أو عند عيون الماء ، أو يدخل عليها خدرها وخيمتها .
بينما الآن ينتظر الشاعر محبوبته في موقف باص أو مقهى أو ملهى أو في شارع ما ، فتغيرت الأدوات .
كان الشاعر قديما فارسا يدافع عن قبيلته بالسيف والدرع والخيل ، بينما الشاعر الآن يدافع بالكلمة عبر وسائل الاتصال المرئية أو المسموعة او المقروءة ، ولذا لم يبق من السيف إلا رمزيته فقط ، فقد انتهى دوره في الحروب للأبد .
أما ماهية الفنون ووظيفتها في الوقت الحالي ، فهذا موضوع اللقاء القادم بأمر الله تعالى .
(تغيّر الماهية والوظيفة
***************
في الثلث الأول من القرن الثامن عشر كانت أكبر أحلام الشعب الأمريكي أن يحصل على استقلاله عن بريطانيا ، وفي نهاية القرن الثامن عشر كانت أحلامهم أن يزرعوا أرضهم لتكفيهم المحاصيل ، وبدأت نهضتهم بزراعة التبغ وتصديره ، ثم زراعة المحاصيل وتصديرها ، ولم تكن هناك خطة للعلوم ولا للتكنولوجيا ، فكانوا ينتظرون القادمين بالعلوم من أوربا وبخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا .
ومع مطلع القرن العشرين انتبهت الولايات المتحدة الأمريكية للعلوم والفنون والآداب إلى جانب الزراعة والصناعة حتى أصبحت أكبر دول العالم فى التكنولوجيا والأقتصاد والقوة العسكرية ، وربما تعتبرالقطب الأوحد فى العالم خاصة بعد إنتهاء فترة الحرب البارده التى استمرت حوالى 46 سنة ، حيث إنهار الإتحاد السوفيتى عام 1991 ، مما جعل الولايات المتحدة أكثر سيطرة على مستوى الكرة الأرضية .
هذه تقدمة تتعلق كثيرا بموضوع الفنون ، حيث إن الفنون شأنها شأن المجتمعات تتطور وتتغير حسب الأهداف والوظيفة الجديدة المنوطة بها .
فكان الرسام يرسم وجوه الأشخاص قبل إختراع كاميرا التصوير ، فلما ظهرت الكاميرا أصبح التصوير من خصائص الكاميرا وليس من خصائص الرسام ، وكان الخطاط إلى وقت قريب هو الذى يزين الحروف والكلمات حتى جاء الكمبيوتر فأصبح دور الخطاط محدودا ، وكانت الفرقة الموسيقية تؤدى بكاملها لحن الأغنية ، بينما الأن يمكن تسجيل صوت كل ألة موسيقية منفردا .
ماقلته سابقا محض معلوم لدى عامة المثقفين ، بيد أن خيالي يرى أن أول من رسم شجرة على الرمال ظل يحرس رسمه طويلا وربما بنى كوخا حتى لايمر أحد فوق رسمه ، وربما بنى فوقها كوخا حتى لاتمسحها الرياح ، وربما من رسم طائرا كان يخاف أن يمسك بجناحه ظنا منه أنه سوف يقع على الأرض ، رغم أنه مرسوم على الأرض ، ويؤيد كلامي هذا ماحدث في بعض معارض الفنون التشكيلية حينما قالت سيدة لرسام معلقة على صورة امرأة ، إن ذراع المرأة الأيمن أطول من ذراعها الأيسر ، فقال لها الرسام ياسيدتي هذه صورة وليست امرأة ، وكذا ماحدث من أحد أباطرة الصين ، حينما قال لرسام قصره : امسح صورة النهر التي رسمتها على هذا الجدار ، لأنني من يوم أن رأيتها لا أستطيع النوم جيدا من صوت خرير الماء في هذا النهر .
نعم الفنون مؤثرة جدا في حياة الناس ، بل هي الجانب الأكبر من حياة الناس ، حيث تتعامل الفنون مع الحواس والوجدان والشعور ، والروح والإحساس ، وهي الجوانب الأهم في الشخصية البشرية ، فمرض الجسم سهل أن يشفى بسرعة أكبر من مرض الروح والشعور .
فالجسم الجريح حينما يكون متفائلا ويملك قابلية للشفاء فغالبا يصل للشفاء بسرعة ، بينما الإحباط والخوف والاكتئاب والهلع والقلق والصراع والفصام وغيرها من الأمراض النفسية يكون الشفاء منها عسيرا بدرجة كبيرة ، وقد ضرب العرب مثلا لذلك واضحا جليا حينما قالوا : لو أن هناك شاة مجروحة فالعناية بجرحها وطعامها سوف يجعلان الشفاء أمرا سهلا وسريعا ، بينما لو أتينا بشاة قوية وربطنا أمامها ذئب فسوف تخاف
وتمتنع عن الطعام وتموت ، إذا كانت هذه مشاعر الحيوانات ، فما بالنا بمشاعر الإنسانية .
وتاريخ الفنون هو تاريخ البشرية تماما ، فقد أرخ لها البعض بحوالي أربعين ألف سنة قبل الميلاد ، والبعض الآخر أوصلها إلى مائة ألف سنة قبل الميلاد ، وتم الكشف عن رسوم على جدران الكهوف تصل إلى ثلاثين ألف سنة قبل الميلاد ، وقد تحدث ديورانت _ في كتابه الشهير ( قصة الحضارة ) والذي ترجمه الفيلسوف المصري العظيم / زكي نجيب محمود _ عن هذه التواريخ بالتفصيل في الجزء الأول من كتابه .
فحضارة البشرية بدأت بالفنون غالبا وهذا ظني ، ولم تبدأ بالعلوم أبدا ، لأن حاجات الإنسان النفسية تفوق حاجاته العلمية ، وسعي الإنسان خلف الجمال يفوق سعيه خلف الاختراعات والاكتشافات ، ولذا فكل الأمم المتقدمة تتقدم فنيا وثقافيا قبل أن تتقدم علميا وتكنولوجيا ، وقد قامت الحضارة الأوربية الحديثة على آراء جوتة شاعر ألمانيا العظيم ، وتلميذه النجيب الفيلسوف / هيدجر ، وكان تأثير شكسبير وموباسان وكاييم وغيرهم أكبر من تأثير العلماء في أوربا ، حيث إن الفنون تمثل قوة الدفع النفسي والإنفعالي ، وهي المحرض الرئيس على الإبتكار والاكتشاف .
وتنقسم الفنون إلى فنون تشكيلية مثل :
الرسم والتصوير والتصميم والمونتاج والنحت
والعمارة والخط والإضاءة .
وفنون تعبيرية وحركية مثل :
الرقص والسيرك والتمثيل والدمى والإلقاء .
وهناك فنون تطبيقية مثل :
الديكور والسجاد وتصميم الأزياء والخزف والحلي
والتطريز وصناعة الأثاث والمجوهرات .
وهناك فنون الكتابة مثل :
الشعر والرواية والمقال والتحرير الصحفي وغيرها .
وهناك فنون صوتية مثل :
الإذاعة والغناء والموسيقى والترتيل .
لست مهتما هنا بالتأريخ للفنون ، ولكنني مهتم بمحاولة إثبات أن الفنون تعيد تشكيل نفسها حسب العصر الذي تعيش فيه ، وربما العكس كذلك ، فأعني أن الفنون هي التي تقوم بتشكيل العصر ، فليس شعر المتنبي كشعر امريء القيس ، وليس شعر شوقي كشعر المتنبي ، وليس شعر نزار قباني كشعر شوقي ، وليس شعر عبدالعزيز جويدة كشعر نزار قباني .
هي حركة الحياة التي تحركها الفنون ، أو حركة الفنون التي تحركها الحياة ، وفي جميع الأحوال فإن ماهية الفنون تتغير حسب تغير الأهداف ومفردات الحياة ، فقد كان هدف الشاعر العربي قبل الإسلام أن ينتصر لقبيلته ، وتحول بعد الإسلام لينتصر الشاعر لدينه وعروبته ، وتحول في العصر الحديث لينتصر لدينه وعروبته ودولته ، فتغيرت الأهداف .
وكان الشاعر العربي ينتظر محبوبته في أماكن الرعي أو عند عيون الماء ، أو يدخل عليها خدرها وخيمتها .
بينما الآن ينتظر الشاعر محبوبته في موقف باص أو مقهى أو ملهى أو في شارع ما ، فتغيرت الأدوات .
كان الشاعر قديما فارسا يدافع عن قبيلته بالسيف والدرع والخيل ، بينما الشاعر الآن يدافع بالكلمة عبر وسائل الاتصال المرئية أو المسموعة او المقروءة ، ولذا لم يبق من السيف إلا رمزيته فقط ، فقد انتهى دوره في الحروب للأبد .
أما ماهية الفنون ووظيفتها في الوقت الحالي ، فهذا موضوع اللقاء القادم بأمر الله تعالى .
السبت، 29 فبراير 2020
عبد حوراني
"....../ فلسطينية/........"
الفدائية : ليلى خالد.
روايةُ ليلى هُنا باختِصارْ
قَنابِلُ عِزٍّ تهزُّ المَطارْ
سَتَقطُفُ نَصرًا تُباهي الزَّمانَ
بجَبهةِ ليلى يَهيمُ السَّمارْ
سَتَسْمُوَ فَوقَ عَنانِ السَّماءِ
ويعزفُ لَحْنَ النِّضالِ الصِّغارْ
تَعودُ البلادَ لِحَمْلِ السِّلاحِ
بعزمٍ تُقارعُ غازي الديارْ
وتَجْعَلُ غَمْرَ الحُقولِ قنابِلَ تُفهِمُ إبنَ السُّعودِ الحِمارْ
فَبِئْسَتْ بَعارينُكُمْ يا عَرَبْ
فَلَيلَى اللَقَاحُ وليلى البَذارْ
فليلى وأنتِ كَنَجْمِ السماءِ
زَرَعْتِ الكرامةَ في كُلِّ دَارْ
فَصَحْبُكِ كانوا حُماةَ الدِّيارِ
سَفينٌ يَشقُّ عِبابَ البحارْ
نُرَبّيَ أجْيالَ تَأبَى الخُنوعَ
لتَسْلُكَ نَهجًا يُغيظُ التَّتار
تُقاومُ تَهدمُ كلَّ العنابرِ ترفعُ إسمَكِ فوقَ الجدار
ونَصْرُخُ ليلى شَبيهُ المَلاكِ إِسْمٌ وأشْعَلَ في الصَّدرِ نارْ
فزيتونُ نقطفُ مِنهُ لِنأكُلَ مِنكِ قَطفْنا ثِمارَ الوَقارْ
قَطَفتِ الطيورَ التي في السماءِ
كَتَبتِ رَسَمتِ عَرَفتِ المَسارْ
فَانتِ البريقُ الذي في الحُروفِ
وَانتِ اللمارُ الذي في النَّهارْ..
عبد حوراني
الفدائية : ليلى خالد.
روايةُ ليلى هُنا باختِصارْ
قَنابِلُ عِزٍّ تهزُّ المَطارْ
سَتَقطُفُ نَصرًا تُباهي الزَّمانَ
بجَبهةِ ليلى يَهيمُ السَّمارْ
سَتَسْمُوَ فَوقَ عَنانِ السَّماءِ
ويعزفُ لَحْنَ النِّضالِ الصِّغارْ
تَعودُ البلادَ لِحَمْلِ السِّلاحِ
بعزمٍ تُقارعُ غازي الديارْ
وتَجْعَلُ غَمْرَ الحُقولِ قنابِلَ تُفهِمُ إبنَ السُّعودِ الحِمارْ
فَبِئْسَتْ بَعارينُكُمْ يا عَرَبْ
فَلَيلَى اللَقَاحُ وليلى البَذارْ
فليلى وأنتِ كَنَجْمِ السماءِ
زَرَعْتِ الكرامةَ في كُلِّ دَارْ
فَصَحْبُكِ كانوا حُماةَ الدِّيارِ
سَفينٌ يَشقُّ عِبابَ البحارْ
نُرَبّيَ أجْيالَ تَأبَى الخُنوعَ
لتَسْلُكَ نَهجًا يُغيظُ التَّتار
تُقاومُ تَهدمُ كلَّ العنابرِ ترفعُ إسمَكِ فوقَ الجدار
ونَصْرُخُ ليلى شَبيهُ المَلاكِ إِسْمٌ وأشْعَلَ في الصَّدرِ نارْ
فزيتونُ نقطفُ مِنهُ لِنأكُلَ مِنكِ قَطفْنا ثِمارَ الوَقارْ
قَطَفتِ الطيورَ التي في السماءِ
كَتَبتِ رَسَمتِ عَرَفتِ المَسارْ
فَانتِ البريقُ الذي في الحُروفِ
وَانتِ اللمارُ الذي في النَّهارْ..
عبد حوراني
محمد أديب السلاوي
الفساد المالي، الظاهرة المتجددة بالمغرب الراهن.
الفساد المالي في قواميس اللغة، و في القواميس الاقتصادية السياسية والمالية، يعني، الاعتداء على المال العام نهبا أو اختلاسا، باستغلال النفوذ أو الزبونية، أو باستعمال وسائل وطرق خارج القانون.
والمال العام في نظر فقهاء الشريعة و فقهاء القانون، هو كل ما تعود ملكيته للأمة، سواء كان نقدا أو عقارا أو وسائل نقل أو أدوات، ليس من حق الأشخاص الذاتيين أو المعنويين التصرف فيه، فهو أمانة في عنق أولي الأمر من المسؤولين الذين يتولون تدبيره نيابة عن الأمة باسمها و لفائدتها.
و لأن المال، مارد جبار، تخضع له الرقاب و تنجذب له النفوس، يحث على الخيانة و الكذب والتزلف والنفاق و الضعف و التقهقر ليصبح فساده… منظومة واسعة تستقطب الخونة والمنافقين والضعفاء، و كل الذين باعوا ضمائرهم للشيطان … وما أكثرهم في الزمن الراهن.
والفساد المالي ليس معضلة مغربية، فثمة اليوم جرثومة خبيثة تنخر جسد "النظام الدولي الجديد" تدعى الفساد المالي… وقد أصبح هذا الفساد ظاهرة رائجة متجددة في المجتمع العالمي ومتجذرة في حوالي مائة و ستين (160) دولة، حسب تقارير المؤسسات المختصة في عالم الجريمة.
وقد نظمت الهيئات و البنوك و الصناديق الدولية خلال العقدين الماضيين، العديد من المؤتمرات و الندوات، لمناقشة هذه الظاهرة على المستوى الأخلاقي و الثقافي و الحضاري، بهدف التوصل إلى علاجات قابلة للتنفيذ، والى قوانين لازمة و قادرة على استئصالها من جذورها و تخليص النظام الاقتصادي من شرورها.
هكذا أظهرت الدراسات العلمية التي اعتنت بهذه الظاهرة، أن الفساد المالي لا يعم فقط الدول المتخلفة، و لكنه يشمل الكثير من الدول الصناعية و النامية...كما أظهرت أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية التي يمر بها العالم اليوم، و هو في قلب الألفية الثالثة، قد زادت أمر هذا الفساد تعقيدا، بسبب الفراغ المؤسساتي الذي نجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي، وكل المعسكر الاشتراكي، وهو ما وفر بعض الفرص الجديدة لشبكات الفساد الإداري والجريمة المنظمة في العديد من دول الغرب وإفريقيا و آسيا، للانخراط في هذه الظاهرة.
وليس بعيدا عن الدراسات و المؤتمرات العلمية / العالمية التي اعتنت / تعتني بالفساد المالي، هناك الواقع اليومي الذي يعطي الدليل القاطع، على التوسع المستمر لدائرة الفساد في عالم اليوم.حيت تجدب قوة المال رؤساء دول و حكومات ووزراء ومسؤولين على مستويات مختلفة إلى السقوط في فخ الإغراء، حيث يضبط القانون كل لحظة مئات الملايين من الدولارات ،تدخل الحسابات السرية الخاصة، لقاء خيانة الأمانة و خيانة القانون.
إذن ...الفساد المالي، ليس ظاهرة أو قضية مغربية أو افريقية، فهو ظاهرة شائعة في العديد من دول الشمال و الجنوب، تحتل مكانة متقدمة في العالم الثالث/المتخلف، إذ تستغل طبقة المفسدين مواقعها بالسلطة، داخل الإدارة العمومية وخارجها، للقيام بانحرافات وسرقات للحصول على الامتيازات والأراضي و العقارات والصفقات و القروض الكبيرة، وهي سلوكيات تتخذ مظهرا سياسيا في العديد من هذه البلدان.
وحسب ملاحظات الخبراء الدوليين حول هذه الظاهرة، فان وضع الفساد المالي الممزوج بالسياسة، أبرز في العالم المتخلف / السائر في طريق النمو ظواهر جديدة، تتصل بتبييض أموال الرشوة و تهريب المخدرات و الاتجار في " اللحم البشري"، و الصفقات و الأموال المسروقة و المهربة، و هو ما طبع العلاقات بين المؤسسات المالية بالعديد من دول العالم المتخلف / السائر في طريق النمو. والبنوك و المؤسسات المالية الدولية بعدم الثقة و الارتياب.
الفساد المالي، كما أنه يشكل احد أهم العوامل المؤسسة للتخلف، يعتبر إساءة مطلقة لاستعمال الوظيفة العمومية للكسب الخاص أو لمراكمة المكاسب على حساب مصالح الدولة، أو لتضخيم الثروة الشخصية أو الاستفادة إلى أقصى حد من تأثير النفوذ المالي للبقاء في السلطة.
والفساد المالي ظاهرة خطيرة و مؤثرة، ابتلى بها المغرب في عهد احتكار السلطة، طبع الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية على مدى فترة طويلة من الزمن المغربي. صنع تحالفات متعددة متداخلة ومتشابكة بين شركاء السلطة و شركاء السياسة، و شركاء المال و الأعمال، بين الوسطاء والبيروقراطية الفاسدة، و هو ما صنع في النهاية "اللوبي" الذي اتخذ بتراكم السنين حجم الغول الذي أصاب الديمقراطية و حقوق الإنسان و المواطنة بخسائر فادحة لا تقدر بثمن.
و الفساد المالي،لم يوجد على الأرض المغربية بالصدفة، انه جاء نتيجة طبيعية و عادية لفساد متعدد الأسماء و الصفات والانتماءات و الأشكال، وجد مناخه المناسب في إدارة مريضة بالرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، في مناخ سياسي / حزبي مريض و مترهل، فتغلغل وتعمق في فضاءاتها، إلى أن صنع منها منظومته المشؤومة.
و على أن ظهور "الفساد المالي" بالمغرب، لا يعود لحقبة معينة من التاريخ، فإنه ارتبط دائما بسلسلة من الظواهر السلبية، منها الفقر و الأمية و الجريمة المنظمة و العبث بحقوق الإنسان، و بمفاهيم دولة القانون. ففي فترات غابرة من تاريخ المغرب سيما قبل الفترة الاستعمارية (1912_1956) عانت البلاد من فساد مالي تنوعت أساليبه و أشكاله و مآسيه و تنوعت مظالمه و فواجعه، حيت كان " إعلان الحماية" نتيجة طبيعية و حتمية لآثاره.
و الفساد المالي في التاريخ و في الجغرافيا لم يكتف بالاعتداء على مال الدولة و مال الشعب نهبا و اختلاسا و ابتزازا، و لكنه عمق دائما ثقافة احتكار السلطة و مصادرة الحريات و فساد القيم الانتخابية وتغييب الرقابة وإلغاء دور المجتمع المدني داخل مؤسسات القرار السياسي، لتبقى منظومته حية ومستمرة وبعيدة عن المساءلة.
و الفساد المالي هنا وفي مختلف أنحاء الدنيا،كان و لا يزال هو العدو الأول و الأساسي للتنمية الديمقراطية، انه آلية خفية يخترق القانون والقرارات السياسية و المؤسسات الإنمائية، ويحول الحكومات والبرلمانات والمحاكم، إلى مؤسسات شكلية، كما يحول المجتمع إلى فضاءات للعبث و المتاجرة.
إن نهب المال العام، يشكل خرقا قاسيا للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المنصوص عليها في المواثيق و العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تؤكد جميعها على حقوق المواطنين في ثروات بلدانهم و خيراتها بالمساواة. وعلى حقهم في الإعلام و الخبر والوصول إلى مصادره والمشاركة في الشأن العام و مراقبته و تدبيره. وعلى حقهم في مساءلة كل من يخل بالمسؤولية.
واعتبارا للترابط الوثيق غير القابل للتجزؤ ما بين الحقوق السياسية والمدنية من جهة و الحقوق الاقتصادية من جهة أخرى والذي يعتبر على أساسه، السطو على المال العام و تهريبه أو نهبه، سطو وانتهاك خطير لحقوق الإنسان، لما ينتج عنه من أخطار الفقر والبؤس الاجتماعي، ومن إمكانيات التلاعب بأصوات المواطنين واختياراتهم و دورهم في المشاركة في الحياة العامة الوطنية.
وتأسيسا على ذلك يعتبر الفساد المالي من صلب الجرائم الاقتصادية التي تخل بتوازنات المجتمع و حيويته، التي أدت، بالإضافة إلى حرمان المغرب من استغلال ثرواته، إلى الفقر المدقع لشرائح واسعة من أبنائه و إلى ارتفاع نسبة الأمية و انخفاض مستوى الدخل، وإلى ارتفاع نسبة البطالة و خاصة بالنسبة إلى حاملي الشهادات.
يعني ذلك، أن الفساد المالي، في عالمنا اليوم، لا يقتصر على تحويل إمكانات الدولة وأموالها ونفوذها للمصالح الخاصة، بل هو أكثر من ذلك، إجرام يعمل على تحويل الدولة إلى أداة لنهب الثروات و تراكمها في جيوب وأرصدة الخونة / الفاسدين. والى احتكار المناصب والزعامات والانفراد بها. وبالتالي إلى تخريب الديمقراطية و قيمها وتحويلها إلى ديكتاتورية و من ثمة أصبح هذا الفساد اللعين، يشكل تحديا حقيقيا للتنمية والاستقرار السياسي، نجمت عنه عواقب كارثية، أثرت سلبا على المجتمع والسياسة والاقتصاد، وعلى قدرات الدولة على إيجاد الحلول لمشاكلها المتراكمة و المتداخلة، و تحقيق طموحات المواطنين في الانتقال الديمقراطي و التنمية و الحداثة.
محمد أديب السلاوي
الفساد المالي في قواميس اللغة، و في القواميس الاقتصادية السياسية والمالية، يعني، الاعتداء على المال العام نهبا أو اختلاسا، باستغلال النفوذ أو الزبونية، أو باستعمال وسائل وطرق خارج القانون.
والمال العام في نظر فقهاء الشريعة و فقهاء القانون، هو كل ما تعود ملكيته للأمة، سواء كان نقدا أو عقارا أو وسائل نقل أو أدوات، ليس من حق الأشخاص الذاتيين أو المعنويين التصرف فيه، فهو أمانة في عنق أولي الأمر من المسؤولين الذين يتولون تدبيره نيابة عن الأمة باسمها و لفائدتها.
و لأن المال، مارد جبار، تخضع له الرقاب و تنجذب له النفوس، يحث على الخيانة و الكذب والتزلف والنفاق و الضعف و التقهقر ليصبح فساده… منظومة واسعة تستقطب الخونة والمنافقين والضعفاء، و كل الذين باعوا ضمائرهم للشيطان … وما أكثرهم في الزمن الراهن.
والفساد المالي ليس معضلة مغربية، فثمة اليوم جرثومة خبيثة تنخر جسد "النظام الدولي الجديد" تدعى الفساد المالي… وقد أصبح هذا الفساد ظاهرة رائجة متجددة في المجتمع العالمي ومتجذرة في حوالي مائة و ستين (160) دولة، حسب تقارير المؤسسات المختصة في عالم الجريمة.
وقد نظمت الهيئات و البنوك و الصناديق الدولية خلال العقدين الماضيين، العديد من المؤتمرات و الندوات، لمناقشة هذه الظاهرة على المستوى الأخلاقي و الثقافي و الحضاري، بهدف التوصل إلى علاجات قابلة للتنفيذ، والى قوانين لازمة و قادرة على استئصالها من جذورها و تخليص النظام الاقتصادي من شرورها.
هكذا أظهرت الدراسات العلمية التي اعتنت بهذه الظاهرة، أن الفساد المالي لا يعم فقط الدول المتخلفة، و لكنه يشمل الكثير من الدول الصناعية و النامية...كما أظهرت أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية التي يمر بها العالم اليوم، و هو في قلب الألفية الثالثة، قد زادت أمر هذا الفساد تعقيدا، بسبب الفراغ المؤسساتي الذي نجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي، وكل المعسكر الاشتراكي، وهو ما وفر بعض الفرص الجديدة لشبكات الفساد الإداري والجريمة المنظمة في العديد من دول الغرب وإفريقيا و آسيا، للانخراط في هذه الظاهرة.
وليس بعيدا عن الدراسات و المؤتمرات العلمية / العالمية التي اعتنت / تعتني بالفساد المالي، هناك الواقع اليومي الذي يعطي الدليل القاطع، على التوسع المستمر لدائرة الفساد في عالم اليوم.حيت تجدب قوة المال رؤساء دول و حكومات ووزراء ومسؤولين على مستويات مختلفة إلى السقوط في فخ الإغراء، حيث يضبط القانون كل لحظة مئات الملايين من الدولارات ،تدخل الحسابات السرية الخاصة، لقاء خيانة الأمانة و خيانة القانون.
إذن ...الفساد المالي، ليس ظاهرة أو قضية مغربية أو افريقية، فهو ظاهرة شائعة في العديد من دول الشمال و الجنوب، تحتل مكانة متقدمة في العالم الثالث/المتخلف، إذ تستغل طبقة المفسدين مواقعها بالسلطة، داخل الإدارة العمومية وخارجها، للقيام بانحرافات وسرقات للحصول على الامتيازات والأراضي و العقارات والصفقات و القروض الكبيرة، وهي سلوكيات تتخذ مظهرا سياسيا في العديد من هذه البلدان.
وحسب ملاحظات الخبراء الدوليين حول هذه الظاهرة، فان وضع الفساد المالي الممزوج بالسياسة، أبرز في العالم المتخلف / السائر في طريق النمو ظواهر جديدة، تتصل بتبييض أموال الرشوة و تهريب المخدرات و الاتجار في " اللحم البشري"، و الصفقات و الأموال المسروقة و المهربة، و هو ما طبع العلاقات بين المؤسسات المالية بالعديد من دول العالم المتخلف / السائر في طريق النمو. والبنوك و المؤسسات المالية الدولية بعدم الثقة و الارتياب.
الفساد المالي، كما أنه يشكل احد أهم العوامل المؤسسة للتخلف، يعتبر إساءة مطلقة لاستعمال الوظيفة العمومية للكسب الخاص أو لمراكمة المكاسب على حساب مصالح الدولة، أو لتضخيم الثروة الشخصية أو الاستفادة إلى أقصى حد من تأثير النفوذ المالي للبقاء في السلطة.
والفساد المالي ظاهرة خطيرة و مؤثرة، ابتلى بها المغرب في عهد احتكار السلطة، طبع الفاعلية الاقتصادية والاجتماعية على مدى فترة طويلة من الزمن المغربي. صنع تحالفات متعددة متداخلة ومتشابكة بين شركاء السلطة و شركاء السياسة، و شركاء المال و الأعمال، بين الوسطاء والبيروقراطية الفاسدة، و هو ما صنع في النهاية "اللوبي" الذي اتخذ بتراكم السنين حجم الغول الذي أصاب الديمقراطية و حقوق الإنسان و المواطنة بخسائر فادحة لا تقدر بثمن.
و الفساد المالي،لم يوجد على الأرض المغربية بالصدفة، انه جاء نتيجة طبيعية و عادية لفساد متعدد الأسماء و الصفات والانتماءات و الأشكال، وجد مناخه المناسب في إدارة مريضة بالرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، في مناخ سياسي / حزبي مريض و مترهل، فتغلغل وتعمق في فضاءاتها، إلى أن صنع منها منظومته المشؤومة.
و على أن ظهور "الفساد المالي" بالمغرب، لا يعود لحقبة معينة من التاريخ، فإنه ارتبط دائما بسلسلة من الظواهر السلبية، منها الفقر و الأمية و الجريمة المنظمة و العبث بحقوق الإنسان، و بمفاهيم دولة القانون. ففي فترات غابرة من تاريخ المغرب سيما قبل الفترة الاستعمارية (1912_1956) عانت البلاد من فساد مالي تنوعت أساليبه و أشكاله و مآسيه و تنوعت مظالمه و فواجعه، حيت كان " إعلان الحماية" نتيجة طبيعية و حتمية لآثاره.
و الفساد المالي في التاريخ و في الجغرافيا لم يكتف بالاعتداء على مال الدولة و مال الشعب نهبا و اختلاسا و ابتزازا، و لكنه عمق دائما ثقافة احتكار السلطة و مصادرة الحريات و فساد القيم الانتخابية وتغييب الرقابة وإلغاء دور المجتمع المدني داخل مؤسسات القرار السياسي، لتبقى منظومته حية ومستمرة وبعيدة عن المساءلة.
و الفساد المالي هنا وفي مختلف أنحاء الدنيا،كان و لا يزال هو العدو الأول و الأساسي للتنمية الديمقراطية، انه آلية خفية يخترق القانون والقرارات السياسية و المؤسسات الإنمائية، ويحول الحكومات والبرلمانات والمحاكم، إلى مؤسسات شكلية، كما يحول المجتمع إلى فضاءات للعبث و المتاجرة.
إن نهب المال العام، يشكل خرقا قاسيا للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المنصوص عليها في المواثيق و العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تؤكد جميعها على حقوق المواطنين في ثروات بلدانهم و خيراتها بالمساواة. وعلى حقهم في الإعلام و الخبر والوصول إلى مصادره والمشاركة في الشأن العام و مراقبته و تدبيره. وعلى حقهم في مساءلة كل من يخل بالمسؤولية.
واعتبارا للترابط الوثيق غير القابل للتجزؤ ما بين الحقوق السياسية والمدنية من جهة و الحقوق الاقتصادية من جهة أخرى والذي يعتبر على أساسه، السطو على المال العام و تهريبه أو نهبه، سطو وانتهاك خطير لحقوق الإنسان، لما ينتج عنه من أخطار الفقر والبؤس الاجتماعي، ومن إمكانيات التلاعب بأصوات المواطنين واختياراتهم و دورهم في المشاركة في الحياة العامة الوطنية.
وتأسيسا على ذلك يعتبر الفساد المالي من صلب الجرائم الاقتصادية التي تخل بتوازنات المجتمع و حيويته، التي أدت، بالإضافة إلى حرمان المغرب من استغلال ثرواته، إلى الفقر المدقع لشرائح واسعة من أبنائه و إلى ارتفاع نسبة الأمية و انخفاض مستوى الدخل، وإلى ارتفاع نسبة البطالة و خاصة بالنسبة إلى حاملي الشهادات.
يعني ذلك، أن الفساد المالي، في عالمنا اليوم، لا يقتصر على تحويل إمكانات الدولة وأموالها ونفوذها للمصالح الخاصة، بل هو أكثر من ذلك، إجرام يعمل على تحويل الدولة إلى أداة لنهب الثروات و تراكمها في جيوب وأرصدة الخونة / الفاسدين. والى احتكار المناصب والزعامات والانفراد بها. وبالتالي إلى تخريب الديمقراطية و قيمها وتحويلها إلى ديكتاتورية و من ثمة أصبح هذا الفساد اللعين، يشكل تحديا حقيقيا للتنمية والاستقرار السياسي، نجمت عنه عواقب كارثية، أثرت سلبا على المجتمع والسياسة والاقتصاد، وعلى قدرات الدولة على إيجاد الحلول لمشاكلها المتراكمة و المتداخلة، و تحقيق طموحات المواطنين في الانتقال الديمقراطي و التنمية و الحداثة.
محمد أديب السلاوي
الخميس، 27 فبراير 2020
محمد أديب السلاوي
الفساد الانتخابي الذي هزم الديمقراطية بالمغرب الراهن.
الانتخابات دورة أساسية في حياة الأمم ذات الأنظمة والتقاليد الديمقراطية. فهي آلية لتناوب الكتل السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية، تمد الدولة والأحزاب بالدماء الجديدة والأطر الجديدة.
وفي الدول التي تعمل بالديمقراطية، تشكل الانتخابات فرصة للتلاقي والتواصل والتحاور والمشاركة والاختيار.
وقد أدرك المغاربة مبكرا هذه الخاصية، وأدركوا معها أن الانتخابات هي دورة أساسية في حياتهم، وإنها القناة السياسية التي تصنع للدولة ولمؤسساتها، النخبة والأجيال، ولكنهم صدموا باستمرار من طرف السلطة التي جعلت من العمليات الانتخابية قاطرة لتحقيق خططها وأهدافها المتعارضة مع قيم الديمقراطية، ومع التطلعات الوطنية.
ويجب الاعتراف أن الفساد الذي عرفته الانتخابات على يد السلطة خلال الأربعين سنة الماضية لعب دورا أساسيا في هزيمة الديمقراطية بالبلاد، وفي تحجيم دور المؤسسات وإفشال مفعوليتها، فهزيمة الديمقراطية لا تتمثل فقط في تمييع وتزوير العمليات الانتخابية، ولكنها بالأساس تتمثل في تمييع الفضاء السياسي برمته، حيث فقد مصداقيته، ودوره في التربية والتأطير والمشاركة.
إنه من سوء الأمراض التي أصابت الديمقراطية المغربية، تلك "السلبية" التي طبعت الاستحقاقات الانتخابية في العديد من مراحل تاريخ المغرب السياسي، والتي أدت إلى "تشكيل" مجالس بلدية وقروية وغرف مهنية، وبرلمانات تفتقر إلى القوة الاقتراحية، وعاجزة عن الإنتاجية والابتكار والحماس، لا تتحلى بالكفاءة، عاجزة عن التأثير، وعن التعبير عن إرادة الجماهير، وعن تحريك عجلة التنمية والتقدم، رغم إقرار العديد من القوانين التنظيمية التي تحدد إطار عملها وتفعيلها، رغم توسيع إختصاصاتها وتطوير آلياتها. وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، سنة بعد أخرى، وانتخابات بعد أخرى.
ولا شك أن " السلبية" التي تسلطت على المسلسلات الانتخابية في المغرب منذ مطلع الستينات إلى اليوم، لا تتجلى فقط في وصول طبقة من الانتهازيين إلى مراكز المسؤولية والى المؤسسات المنتخبة بسبب شراء ذمم الفقراء بالمال الحرام وبدعم من " السلطات"، ولكنها تتجلى أكثر في ابتعاد الجماهير عن المشاركة وفي عدم تأطيرها بشكل صحيح من طرف الأحزاب والحركات السياسية، وهو ما أدى دائما إلى نتائج عكسية مدمرة للديمقراطية، وللانتخابات وللمجتمع بكافة شرائحه وفصائله.
وعلى امتداد أربعة عقود "انتخابية"، اتخذت هذه "السلبية" شكلا مرضيا واحدا، يتجلى في الغش والتزوير والارتشاء وتدخل السلطة، وهو ما أصبح يعرف لدى الإعلام، ولدى العامة من المواطنين"بالفساد الانتخابي" والفساد، فعل ضد البشرية قديم قدم التاريخ وقدم الإنسان، أباد حضارات ومذاهب وأفكار وعقائد وسلوكات وتقاليد وعادات، وبسببه اندلعت حروب وأزهقت أرواح بشرية، وبسببه أيضا انهارت أنظمة وقامت أخرى.
والفساد يعني في المفاهيم الشعبية المتداولة، افتقاد الطهارة، وفي المفاهيم السياسية، يعني الاستخفاف بالمسؤولية، ومصادرة الرأي وخيانة الأمانة، وطعن الجماهير / الأمة في ظهرها، والتلاعب بمصالحها وقيمها.
والفساد في واقع الحياة، يصعب حصره وضبطه بدقة، فهو ينسحب على مجالات الحياة كلها، فهو عالق بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والأخلاق، لأجل ذلك أصبح الفساد هو القضية الأكثر تهديدا للأنظمة والشعوب على السواء.
ومفهوم الفساد في القواميس اللغوية والمتون الفلسفية والسياسية، يختلف من ثقافة لأخرى، ومن فئة لأخرى، ومن زمن لآخر،لكنه مع " الاختلاف المفاهيمي"، يبقى الفساد هو فعل ضد الإصلاح وضد الأخلاق وضد الشرائع الدينية / السماوية وضد القيم الإنسانية.
وعن أسباب الفساد وأصوله، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن " السلطة السياسية" في عالمنا اليوم، هي أصل وهوية الفساد، تعلل ذلك بالقرارات والتصرفات السياسية، للعديد من "قادة" الأرض، التي أدت الى تخريب المجتمعات وقيمها، والى إشاعة التسفل بين الشرائح والفئات...
فالسياسة لا تنحصر آثارها في المجال السياسي، بل تمتد إلى الأفراد والمجتمعات والقطاعات، خاصة وان فاعليتها في كل الأمم والشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات، المتحكمة في المجتمع والقيم والأخلاق، وفي الأموال والرقاب، وهو ما يجعل " الفساد" ابنا شرعيا للسياسة ولنخبتها.
وبتجربة الشعوب التي نخرها سوس الفساد (ولنا في الوطن العربي بعض أصنافها)، فإن النخبة السياسية "المخدومة" والتي تصل السلطة خارج المشروعية، بواسطة انتخابات مزورة، أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، تعطي الفساد قدرة على التوالد والتنامي والتجديد... وتعمل على تزويده" بالآليات" التي تمكنه من فرض نفسه على البلاد والعباد ليلقي بظلاله على مصالح الناس، أينما وجدوا وكيفما كانت حالتهم الاجتماعية والمالية والثقافية.
وبحكم العلاقات التي تفرضها على نخبتها تصبح"المصالح" بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية والقانون، فعلى يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم الثالث، وصودرت الحريات العامة، وغيبت الرقابة الشعبية، وألغيت مؤسسات المجتمع المدني في العديد من أقطار الوطن العربي...لتصبح "السياسة" مصدرا أساسا للفساد، في أصنافه ومستوياته المختلفة.
إن اتساع الأدوار السياسية والاقتصادية والمالية للفاعلين السياسيين، أدى في أقطار عديدة من العالم، إلى اتساع موازي" لمنظومة الفساد..." وبالتالي أدى إلى انهيارات اقتصادية وأخلاقية، ما زالت حديث الساعة وحديث الناس في الأرض.
ولقد كشفت العديد من الدراسات الأكاديمية، أن الفساد الانتخابي / السياسي / الإداري / المالي، هو فساد مترابط ومتداخل مع ظواهر الإجرام الأخرى، المتصلة بالمجتمع ومؤسساته المختلفة. وكشفت هذه الدراسات، أنه بسبب التراكم، أصبح للفساد في العالمين المتقدم والمتخلف على السواء، تقاليده ومؤسساته وسلطاته، لتصبح مكافحته صعبة ومستحيلة في العديد من الدول، غذ بلغ اليأس حدا جعل العديد من الناس يسلمون بأن المكافحة، لن تكون سوى ضرب من العبث، أو ربما كانت كالاعتراض على قوانين الطبيعة، بعدما أصبح الاعتياد على الفساد سنة أو نهجا في العيش وفي المعاملات والخدمات، وفي السياسات له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهي عنه.
والفساد الانتخابي "كفصيلة من منظومة الفساد" ليس مرضا ظرفيا، فهو جزء لا يتجزأ من "الفساد العام" الذي استسرى واستفحل في دواليب المؤسسات المنتخبة، والإدارة العمومية والقطاعات الاقتصادية...وكل المجالات الحيوية الاخرى بالبلاد، لفترة طويلة من التاريخ.
لقد توفرت للفساد الانتخابي (بالمغرب) بمكوناته : الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والزبونية خلال العقود الماضية، كل إمكانات الاتساع والاقتدار والنمو، وكل فرص البقاء والاستمرار والتطور والامتداد، حتى إذا وصلت هذه الفترة من تاريخ المغرب السياسي، وجدناه حاضرا بقوة وكثافة على جدارية الديمقراطية. على البطائق الانتخابية. وعلى صناديق الاقتراع. وعلى الفائزين في الاقتراعات المختلفة، يفعل فيها ما يريد، يوجهها حسب هواه وإرادته.
عندما استقبل المغرب القرن الواحد والعشرين، كان المغاربة قد "انتخبوا" خمسة برلمانات (1963-1997) وصوتوا على خمسة دساتير، وخاضوا عددا من الاستفتاءات التي كان محورها تعديل الدستور، ولكن مع ذلك لم تكن النتيجة-كما نرى- في فصول هذه الإضاءة – باعثة على الفخر والارتياح إلا أنها كانت هامة لثقافة الشعب المغربي السياسية، وهامة لتسييس فئات واسعة من المواطنين ولتأطيرهم ولبلورة طموحاتهم الديمقراطية والحقوقية، رغم التشوهات التي لحقت بالعمليات الانتخابية ورغم تراجع دور الأحزاب والمؤسسات السياسية، مما يجعل الشفافية والموضوعية والمصداقية تحديات كبيرة وقوية يواجهها المغرب الجديد في عهده الجديد.
وبعيدا عن حالات الفساد التي عمت الانتخابات المغربية، خلال القرن الذي مضى، يجب التأكيد على أن التجارب الانتخابية في المغرب، ظلت على عادتها،(تمييع الخريطة السياسية / عزوف الناخبين / تدخل الرشوة والمال والتجاوزات الإدارية)، واحدة من أبرز الخصوصيات التي انطبع بها المغرب دون العديد من الدول العربية والإسلامية، ودول أخرى عديدة من العالم الثالث، وهي إقرار التعددية في دساتيره المختلفة، وأن هذه التجارب ظلت من سنة 1963 إلى اليوم، تعبر – بشكل أو بآخر- عن علاقة القوة بالفاعلين السياسيين، وعن النهج السياسي المتنامي لدى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة الشباب الذين أصبحوا يحتلون مرتبة متقدمة في نمو المغرب الديمغرافي (52% في أواخر التسعينات) وعن نضج ثقافة حقوق الإنسان لدى هذه الشرائح.
من هذه الزاوية يمكننا أن ندرك بيسر وسهولة، الأسباب التي تجعل المجتمع المدني المغربي، يولي قضية الانتخابات في العهد المغربي الجديد كل هذه الأهمية، فهذه الانتخابات تأتي في زمن مغاير، إذ هي الأولى في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي حمل معه مبادرات كبيرة رسمت معالم النهج الديمقراطي المستقبلي، وهو ما يتطلب في نظر العديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ضرورة التخلص من ترسبات الماضي، وتصحيح المفاهيم السياسية والدستورية المرتبطة بالعمل والآليات الانتخابية، وتطهير المسارات المؤدية إلى دولة الحق والقانون.
ولاشك أن الوصول إلى هذا الهدف، لا يتطلب فقط إعادة النظر في "الإشكالية الانتخابية بالبلاد" وما يرتبط بها من إشكالات تتعلق بتأسيس الأحزاب وتنظيمها ودمقرطتها، وبالمدونة الانتخابية وقوانينها التنظيمية الزجرية والرقابية، وإنما يتطلب إضافة إلى ذلك تعزيز الضمانات الإدارية المرتبطة برفع وسائل الضغط على الناخبين وشراء ضمائرهم، تعزيز لجان الرقابة، وتشديد العقوبات على المنتهكين للقوانين الانتخابية وهو ما يتطلب وضع خطة وطنية محكمة، بمشاركة كل الأطراف السياسية المسؤولة دستوريا عن المساهمة في تأطير المواطنين، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي تمثل أداة سياسية لكل نظام ديمقراطي.
وإذا كان الشعب المغربي، ممثلا في قيادته وأحزابه ومؤسساته يسعى إلى أن تكون انتخابات "العهد الجديد" نقطة تحول في التاريخ المغربي، فإن نخبه التقدمية والديمقراطية، ترى قبل الوصول إلى هذا الهدف، مباشرة العمل على تخليق الحياة السياسية وتجاوز الأساليب اللاأخلاقية التي تمت بها الاستحقاقات الماضية. وقد لا يكون الأمر يسيرا بفعل التراكمات والوقائع السلبية التي انطبعت بها الحياة السياسية طيلة العقود الأربعة الماضية، حيث ساهمت الإدارة وبعض المنظمات الحزبية في تمييع العمل الانتخابي والمس بمصداقيته.
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتصحيح المسار الانتخابي، ومن خلاله المسار المؤسساتي في البلاد...؟
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتغيير السلطة / الدولة. والأحزاب السياسية واللوبيات، نظرتها إلى المسألة الانتخابية، والمسألة الديمقراطية عموما...؟
محمد أديب السلاوي
الانتخابات دورة أساسية في حياة الأمم ذات الأنظمة والتقاليد الديمقراطية. فهي آلية لتناوب الكتل السياسية والقوى الاجتماعية والاقتصادية، تمد الدولة والأحزاب بالدماء الجديدة والأطر الجديدة.
وفي الدول التي تعمل بالديمقراطية، تشكل الانتخابات فرصة للتلاقي والتواصل والتحاور والمشاركة والاختيار.
وقد أدرك المغاربة مبكرا هذه الخاصية، وأدركوا معها أن الانتخابات هي دورة أساسية في حياتهم، وإنها القناة السياسية التي تصنع للدولة ولمؤسساتها، النخبة والأجيال، ولكنهم صدموا باستمرار من طرف السلطة التي جعلت من العمليات الانتخابية قاطرة لتحقيق خططها وأهدافها المتعارضة مع قيم الديمقراطية، ومع التطلعات الوطنية.
ويجب الاعتراف أن الفساد الذي عرفته الانتخابات على يد السلطة خلال الأربعين سنة الماضية لعب دورا أساسيا في هزيمة الديمقراطية بالبلاد، وفي تحجيم دور المؤسسات وإفشال مفعوليتها، فهزيمة الديمقراطية لا تتمثل فقط في تمييع وتزوير العمليات الانتخابية، ولكنها بالأساس تتمثل في تمييع الفضاء السياسي برمته، حيث فقد مصداقيته، ودوره في التربية والتأطير والمشاركة.
إنه من سوء الأمراض التي أصابت الديمقراطية المغربية، تلك "السلبية" التي طبعت الاستحقاقات الانتخابية في العديد من مراحل تاريخ المغرب السياسي، والتي أدت إلى "تشكيل" مجالس بلدية وقروية وغرف مهنية، وبرلمانات تفتقر إلى القوة الاقتراحية، وعاجزة عن الإنتاجية والابتكار والحماس، لا تتحلى بالكفاءة، عاجزة عن التأثير، وعن التعبير عن إرادة الجماهير، وعن تحريك عجلة التنمية والتقدم، رغم إقرار العديد من القوانين التنظيمية التي تحدد إطار عملها وتفعيلها، رغم توسيع إختصاصاتها وتطوير آلياتها. وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، سنة بعد أخرى، وانتخابات بعد أخرى.
ولا شك أن " السلبية" التي تسلطت على المسلسلات الانتخابية في المغرب منذ مطلع الستينات إلى اليوم، لا تتجلى فقط في وصول طبقة من الانتهازيين إلى مراكز المسؤولية والى المؤسسات المنتخبة بسبب شراء ذمم الفقراء بالمال الحرام وبدعم من " السلطات"، ولكنها تتجلى أكثر في ابتعاد الجماهير عن المشاركة وفي عدم تأطيرها بشكل صحيح من طرف الأحزاب والحركات السياسية، وهو ما أدى دائما إلى نتائج عكسية مدمرة للديمقراطية، وللانتخابات وللمجتمع بكافة شرائحه وفصائله.
وعلى امتداد أربعة عقود "انتخابية"، اتخذت هذه "السلبية" شكلا مرضيا واحدا، يتجلى في الغش والتزوير والارتشاء وتدخل السلطة، وهو ما أصبح يعرف لدى الإعلام، ولدى العامة من المواطنين"بالفساد الانتخابي" والفساد، فعل ضد البشرية قديم قدم التاريخ وقدم الإنسان، أباد حضارات ومذاهب وأفكار وعقائد وسلوكات وتقاليد وعادات، وبسببه اندلعت حروب وأزهقت أرواح بشرية، وبسببه أيضا انهارت أنظمة وقامت أخرى.
والفساد يعني في المفاهيم الشعبية المتداولة، افتقاد الطهارة، وفي المفاهيم السياسية، يعني الاستخفاف بالمسؤولية، ومصادرة الرأي وخيانة الأمانة، وطعن الجماهير / الأمة في ظهرها، والتلاعب بمصالحها وقيمها.
والفساد في واقع الحياة، يصعب حصره وضبطه بدقة، فهو ينسحب على مجالات الحياة كلها، فهو عالق بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والأخلاق، لأجل ذلك أصبح الفساد هو القضية الأكثر تهديدا للأنظمة والشعوب على السواء.
ومفهوم الفساد في القواميس اللغوية والمتون الفلسفية والسياسية، يختلف من ثقافة لأخرى، ومن فئة لأخرى، ومن زمن لآخر،لكنه مع " الاختلاف المفاهيمي"، يبقى الفساد هو فعل ضد الإصلاح وضد الأخلاق وضد الشرائع الدينية / السماوية وضد القيم الإنسانية.
وعن أسباب الفساد وأصوله، تتفق العديد من البحوث الأكاديمية، على أن " السلطة السياسية" في عالمنا اليوم، هي أصل وهوية الفساد، تعلل ذلك بالقرارات والتصرفات السياسية، للعديد من "قادة" الأرض، التي أدت الى تخريب المجتمعات وقيمها، والى إشاعة التسفل بين الشرائح والفئات...
فالسياسة لا تنحصر آثارها في المجال السياسي، بل تمتد إلى الأفراد والمجتمعات والقطاعات، خاصة وان فاعليتها في كل الأمم والشعوب، تعتمد على "النخبة" التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات، المتحكمة في المجتمع والقيم والأخلاق، وفي الأموال والرقاب، وهو ما يجعل " الفساد" ابنا شرعيا للسياسة ولنخبتها.
وبتجربة الشعوب التي نخرها سوس الفساد (ولنا في الوطن العربي بعض أصنافها)، فإن النخبة السياسية "المخدومة" والتي تصل السلطة خارج المشروعية، بواسطة انتخابات مزورة، أو في ظل ديمقراطية مغشوشة، تعطي الفساد قدرة على التوالد والتنامي والتجديد... وتعمل على تزويده" بالآليات" التي تمكنه من فرض نفسه على البلاد والعباد ليلقي بظلاله على مصالح الناس، أينما وجدوا وكيفما كانت حالتهم الاجتماعية والمالية والثقافية.
وبحكم العلاقات التي تفرضها على نخبتها تصبح"المصالح" بين أفراد هذه النخبة خارج الشرعية والقانون، فعلى يد هذه النخبة أهدرت قيم القانون في العديد من بلدان العالم الثالث، وصودرت الحريات العامة، وغيبت الرقابة الشعبية، وألغيت مؤسسات المجتمع المدني في العديد من أقطار الوطن العربي...لتصبح "السياسة" مصدرا أساسا للفساد، في أصنافه ومستوياته المختلفة.
إن اتساع الأدوار السياسية والاقتصادية والمالية للفاعلين السياسيين، أدى في أقطار عديدة من العالم، إلى اتساع موازي" لمنظومة الفساد..." وبالتالي أدى إلى انهيارات اقتصادية وأخلاقية، ما زالت حديث الساعة وحديث الناس في الأرض.
ولقد كشفت العديد من الدراسات الأكاديمية، أن الفساد الانتخابي / السياسي / الإداري / المالي، هو فساد مترابط ومتداخل مع ظواهر الإجرام الأخرى، المتصلة بالمجتمع ومؤسساته المختلفة. وكشفت هذه الدراسات، أنه بسبب التراكم، أصبح للفساد في العالمين المتقدم والمتخلف على السواء، تقاليده ومؤسساته وسلطاته، لتصبح مكافحته صعبة ومستحيلة في العديد من الدول، غذ بلغ اليأس حدا جعل العديد من الناس يسلمون بأن المكافحة، لن تكون سوى ضرب من العبث، أو ربما كانت كالاعتراض على قوانين الطبيعة، بعدما أصبح الاعتياد على الفساد سنة أو نهجا في العيش وفي المعاملات والخدمات، وفي السياسات له القدرة أكثر مما للقوانين التي تكافحه أو تنهي عنه.
والفساد الانتخابي "كفصيلة من منظومة الفساد" ليس مرضا ظرفيا، فهو جزء لا يتجزأ من "الفساد العام" الذي استسرى واستفحل في دواليب المؤسسات المنتخبة، والإدارة العمومية والقطاعات الاقتصادية...وكل المجالات الحيوية الاخرى بالبلاد، لفترة طويلة من التاريخ.
لقد توفرت للفساد الانتخابي (بالمغرب) بمكوناته : الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والزبونية خلال العقود الماضية، كل إمكانات الاتساع والاقتدار والنمو، وكل فرص البقاء والاستمرار والتطور والامتداد، حتى إذا وصلت هذه الفترة من تاريخ المغرب السياسي، وجدناه حاضرا بقوة وكثافة على جدارية الديمقراطية. على البطائق الانتخابية. وعلى صناديق الاقتراع. وعلى الفائزين في الاقتراعات المختلفة، يفعل فيها ما يريد، يوجهها حسب هواه وإرادته.
عندما استقبل المغرب القرن الواحد والعشرين، كان المغاربة قد "انتخبوا" خمسة برلمانات (1963-1997) وصوتوا على خمسة دساتير، وخاضوا عددا من الاستفتاءات التي كان محورها تعديل الدستور، ولكن مع ذلك لم تكن النتيجة-كما نرى- في فصول هذه الإضاءة – باعثة على الفخر والارتياح إلا أنها كانت هامة لثقافة الشعب المغربي السياسية، وهامة لتسييس فئات واسعة من المواطنين ولتأطيرهم ولبلورة طموحاتهم الديمقراطية والحقوقية، رغم التشوهات التي لحقت بالعمليات الانتخابية ورغم تراجع دور الأحزاب والمؤسسات السياسية، مما يجعل الشفافية والموضوعية والمصداقية تحديات كبيرة وقوية يواجهها المغرب الجديد في عهده الجديد.
وبعيدا عن حالات الفساد التي عمت الانتخابات المغربية، خلال القرن الذي مضى، يجب التأكيد على أن التجارب الانتخابية في المغرب، ظلت على عادتها،(تمييع الخريطة السياسية / عزوف الناخبين / تدخل الرشوة والمال والتجاوزات الإدارية)، واحدة من أبرز الخصوصيات التي انطبع بها المغرب دون العديد من الدول العربية والإسلامية، ودول أخرى عديدة من العالم الثالث، وهي إقرار التعددية في دساتيره المختلفة، وأن هذه التجارب ظلت من سنة 1963 إلى اليوم، تعبر – بشكل أو بآخر- عن علاقة القوة بالفاعلين السياسيين، وعن النهج السياسي المتنامي لدى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة الشباب الذين أصبحوا يحتلون مرتبة متقدمة في نمو المغرب الديمغرافي (52% في أواخر التسعينات) وعن نضج ثقافة حقوق الإنسان لدى هذه الشرائح.
من هذه الزاوية يمكننا أن ندرك بيسر وسهولة، الأسباب التي تجعل المجتمع المدني المغربي، يولي قضية الانتخابات في العهد المغربي الجديد كل هذه الأهمية، فهذه الانتخابات تأتي في زمن مغاير، إذ هي الأولى في عهد جلالة الملك محمد السادس، الذي حمل معه مبادرات كبيرة رسمت معالم النهج الديمقراطي المستقبلي، وهو ما يتطلب في نظر العديد من الفعاليات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ضرورة التخلص من ترسبات الماضي، وتصحيح المفاهيم السياسية والدستورية المرتبطة بالعمل والآليات الانتخابية، وتطهير المسارات المؤدية إلى دولة الحق والقانون.
ولاشك أن الوصول إلى هذا الهدف، لا يتطلب فقط إعادة النظر في "الإشكالية الانتخابية بالبلاد" وما يرتبط بها من إشكالات تتعلق بتأسيس الأحزاب وتنظيمها ودمقرطتها، وبالمدونة الانتخابية وقوانينها التنظيمية الزجرية والرقابية، وإنما يتطلب إضافة إلى ذلك تعزيز الضمانات الإدارية المرتبطة برفع وسائل الضغط على الناخبين وشراء ضمائرهم، تعزيز لجان الرقابة، وتشديد العقوبات على المنتهكين للقوانين الانتخابية وهو ما يتطلب وضع خطة وطنية محكمة، بمشاركة كل الأطراف السياسية المسؤولة دستوريا عن المساهمة في تأطير المواطنين، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي تمثل أداة سياسية لكل نظام ديمقراطي.
وإذا كان الشعب المغربي، ممثلا في قيادته وأحزابه ومؤسساته يسعى إلى أن تكون انتخابات "العهد الجديد" نقطة تحول في التاريخ المغربي، فإن نخبه التقدمية والديمقراطية، ترى قبل الوصول إلى هذا الهدف، مباشرة العمل على تخليق الحياة السياسية وتجاوز الأساليب اللاأخلاقية التي تمت بها الاستحقاقات الماضية. وقد لا يكون الأمر يسيرا بفعل التراكمات والوقائع السلبية التي انطبعت بها الحياة السياسية طيلة العقود الأربعة الماضية، حيث ساهمت الإدارة وبعض المنظمات الحزبية في تمييع العمل الانتخابي والمس بمصداقيته.
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتصحيح المسار الانتخابي، ومن خلاله المسار المؤسساتي في البلاد...؟
هل يعني ذلك أن الوقت قد حان لتغيير السلطة / الدولة. والأحزاب السياسية واللوبيات، نظرتها إلى المسألة الانتخابية، والمسألة الديمقراطية عموما...؟
محمد أديب السلاوي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
-
قراءة في الديوان الزجلي ( ضفاير لالة ) للكاتبة المغربية فاطمة المعيزي : عشق الوطن و حرقة السؤال ------------------------------------------...
-
قالتْ: أتهوى ؟ قلتُ: أهوى أي نعمْ بَسمَتْ وقالت: مَن ؟ فقلتُ: مَن أبتسَمْ ضحكت وقالت: مَن ؟ فقلتُ مؤكِّداً: مَن مِن شفاهٍ أخرجتْ هذا...
-
استئساد الضباء (التنمر ) اذا اجتمع حولك الضباء يكيدون لك كيدا حتى يكسرونك ...ينتظرون سقوطك ... يسرعون موتك ..يستعجلون نهايتك......