الاثنين، 17 يونيو 2019

بقلم أحمد علي صدقي

 يوم مشهود.
... لم يمتنع يوما ما عن التفكير في محاربة تلك المشعوذة الشمطاء كما كان يسميها. ولم يعدم عزما للقيام بذلك رغم ضعفه وعتو سلطتها... كان لا يدرك أن في طريق محاربة المنكر توجد اخطار قد تسفر عن أداء المحَارِب قبل غَرِمه... قيل له مرارا، وهو يتحدث عن مشروعه هذا، أن تلك الشمطاء لها من يحميها من الأقوياء... فكان يهز كتفيه معللا تصرفه بأنه أصلا لا يعترف بصفة القوة عند الانسان ومبدؤه ان الله وحده هو القوي وما غيره فخلق ضعيفا... 
كان يكره الشعوذة والمشعوذات. وكان له موقف سلبي اتجاه كل من يعتمد على الغش والسحر والشعوذة و "الحروز" كمفتاح لنجاحه في الحياة. وما أشد غيظه وما اقوى غلظته ايام الانتخابات وهو يرى ثلة من المرشحين يعتمدون على الرشوة والشعوذة طلبا للنجاح في مسيرتهم السياسية.
كان اسمه "باحفو" اسم تفضل به عليه بعض اصدقاؤه، وكان يعني عندهم "السيد المحيط بكل شيء" لأنهم ما تحدثوا عن شيء إلا أدلى بدلوه فيه.  
قرر "باحفو" اعتناق مهنة التحري بعد تقاعده من مهنة حارس قضائي قضى بها أزيد من ثلاثين سنة. والذي استغوى اهتمامه لامتهان هذه الحرفة هو سهولتها وخفة عتادها. هاتف جوال وصفحة فيسبوك وقضي الأمر. لا يحتاج الموضوع لا لرخصة ولا لمطبعة ولا لموزع. اكتب وصور وانشر على المباشر. قرر "باحفو" أن يكون أول استطلاعه حول ما يغيظه في مجتمعه وهو الفساد الاخلاقي. وبالخصوص محاربة المشعوذات من خلال تصوير وتسجيل زبائنهن ونشر الصور و الفيديوهات على النت... و أسبق زبائنه أزمع على أن تكون تلك الشمطاء كما يسميها... كانت تغيظه كثيرة وهو يرى افعالها المسيئة للمجتمع في مواظبة بلا انقطاع مستعينة على ديمومتها بأكابر المسؤولين من الزبناء عندها . كانت غاوية ولا ترقب في الناس إلا ولا ذمة. كدست أموالا طائلة من جيوب نساء غشيمات. اكتسبت من ورائهن سيارة رباعية الدفع وفيلا تستقبل فيها زبناء من النبلاء المزيفون من الرجال والنساء... كما اكترت منزلا كبيرا في حي شعبي تستقبل فيه أراذل هؤلاء... اكتسبت بهذا سمعة عالية و زبناء بالمئات. كان كلامها المعسول يستهوي النساء. وكن يستمعن لخرافاتها غير مستفهمين خطر افعالها الذي يأتي على الاخضر واليابس في تكتم وسرية. باطل يأتيهن من بين ايديها، ويخربن به عائلاتهن بأيديهن. وصفات مسممة تخمد نور اجساد يانعة و تتلف صحة أصحاء. مارست هذه المهنة بكل حرية بعد موت زوجها الذي كان يعرف أنها تزاول الشعوذة والسحر خلسة منه وكان، كلما أتيحت له الفرصة، يؤنبها ويحذرها من سوء عملها لمزاولة مهنة بعيدة عن الأخلاق والدين. لكنها كانت تمده بما تحصده من أموال فتسكت صوته عن جرائمها وتكبل يداه عن تعنفها في جل الأحيان. 
أفشت هذه السيدة فسادا بعد موت زوجها عتا عتوا في الحي بل لنقل في المدينة كلها إذ عرفها الكبير والصغير. وبدأ يتهافت على أبوابها رهط من النساء من مختلف الطرازات منهن الثريات و منهن المعوزات. كان "باحفو" يغتاظ من تصرفاتها قبل تقاعده لكن لم يكن لديه وقت لمحاربتها ولا سلطة لردعها وخصوصا أنها كانت في مأمن تحت رعاية بعض المسؤولين الجشعين الذين كانت تغريهم بالأموال. في هذا الحي الفقير كان باب منزلها مفتوحا للشعوذة ليل نهار وكانت روائح أبخرتها الكرهة تزكم الأنوف وتمتد على طول وعرض مساحة الحي. اما من كانت تستقبلهن في الفيلا فالله أعلم بما كان يجري من فساد اخلاقي هناك.
في هذا اليوم المشهود تناول "باحفو" جواله وخرج مصمما على أن يفشي سر هذه العجوز الشمطاء بأن يصور ويسجل خلسة من أتى لباب منزلها بالحي الشعبي. قرر بأن يصور ويكشف وجوه كل من سولت لهن أنفسهن اللعب بعواطف وعقول ازواجهن وأن يفضحهن أمام العالم نكاية بسلطات تتهرب من فضحهن خوفا أو ربما فقط رعاية بمقابل. فتح صفحة على الفيسبوك واسماها: "أراكم المعقول".  
كان هذا اليوم يوم أحد. يوم ليس بساخن ولا ببارد. خرج "باحفو" بلا علم من زوجته التي كان يخبرها كلما أراد مغادرة المنزل. ولم يخبرها اليوم لأن عمله يتطلب الكتمان. أخذ جواله وتأبط كتابا للمرحوم الفقي تحت عنوان "فجر طاقاتك الكامنة" وركب سيارته وخرج. توقف على بضعة امتار من منزل الشوافة وركن سيارته في مكان وقوف لا شبهة فيه وهيأ كاميرا جواله وأخذ كتابه منتظرا من هي أول ضحية ستسقط في فخه. كان الزبائن يقلون في مثل هذا اليوم لأنه يوم عطلة يكون فيه الحي مليئا بالمارة فلا تستطيع النساء الدخول والخروج عند الشوافة تحت انظارهم. في انتظار احدى ضحاياه، فتح كتابه وبدأ يقرأ: 
...كل انسان عنده قوة رهيبة في داخله الا انه لا يعرفها وبالتالي لا يحسن التصرف معها...
 رفع رأسه عن كتابه فإذا بامرأة ماشية تقترب منه متجهة نحو الباب. صوب عين كاميرا جواله نحو الهدف وبدأ يسجل وهدفه خصوصا كشف وجها لعل زوجها يتعرف عليها فيمسكا ويمنعها عن هذا التردد المشين. كان يسجل وكل بؤرة اهتمامه وجهها. لكنها كانت قد لفته بقماش فلا يرى منه إلا عيناها. أثارت انتباهه كسوتها المزركشة التي كانت تشبه كسوة زوجته بالتمام. حينها تناسى معرفة الوجه واشتغل بلون الكسوة. كبر الصورة ثم صغرها ثم استغنى عن عين كاميرا جواله. اقتربت منه المرأة متابعة طريقها. وضع طرف معطفه على وجهه ونظر اليها بعين واحدة مجردة. كانت قد غلفت ووجهها تسترا على قيامها بفعلتها الشنيعة. كان قلبه، والمرأة تقترب منه،  يحدث دقات في صدره لعلها سمعتها حين مرت بجانبه. شغله لون جلباب المرأة فتناسى مهمته واخذته الأفكار بعيدا عن حاضره. تابعها بدون انقطاع حتى دخلت منزل الشوافة. انتابته شكوك ملأت فكره وأغاظت قلبه. جلس قليلا يستعيد قوته ثم حرك مفتاح سيارته وانطلق نحو منزله. توقف ونزل من السيارة... قرع باب المنزل... لم يستجب لقرعه أحد... تناول المفتاح وفتح الباب... لم يجد أحدا بالداخل. وبعد أن كان يستحوذ عليه فقط مجرد شك في من هي هذه المرأة التي دخلت عند الشمطاء اصبح الآن متيقنا أنها زوجته وهي التي دخلت هناك...
جلس القرفصاء واضعا دقنه على راحتي يديه وهو لا يتحرك وكأنه صنم منتصب هناك منذ زمان... استرجع مهلة من تاريخ حياته مع زوجته باحثا فيها على تغرة في ملف من وعيه أو للاوعيه يطل منه على غدر يقوده الى إجرامها. ثم افتكر حوارا مر بينه وبينها يوما ما حول هذه الشوافة. كان قد تناولا هذا الموضوع وقال لها:
- هذه المشعوذة الساحرة يجب أن أحاربها بكل قواي. إذا كان الكل يخافها فأنا لها بالمرصاد وعي الله. ردت عليه:
- هدئ من روعك حبيبي وما عليك فكل سيحاسب على أعماله. وكل ميسر لما خلق له. وكل له اتجاهاته. أجابها:
- إنها امرأة شريرة الطبع فاسدة الذوق. تدعي معرفة الأشياء وهي جاهلة جهلا مركبا تجهل معه نفسها. تستخدم الشياطين و تفرق بهم الأسر. يجب محاربة مثل هذه التصرفات و هذه الخزعبلات وهذه الدعوة للفتن و الفساد. قالت:
- يا رجل اثق الله وانتبه لنفسك ولا يضرك كيدها. اتركها وشأنها. قال لها:
- أراك تدافعين عنها. ثم ضحك وقال:
- لعلك تريدين زيارتها؟ فضحكت هي الأخرى. وقالت:
- ولم لا إن دعت الضرورة لذلك. فقلبك أصبح يقسو علي بعض الشيء. قال لها:
- أقطعك إربا إربا يوم تزورينها. نظرت اليه نظرة تهكم ثم قالت:
- دعني من تخوفك وشكوكك واتركني اهيئ لك كأس شاي تقوم به اعوجاج مزاجك. 
وهو غارق في افكاره المتشائمة قاده استرجاع هذا الحوار إلى أن امرأته ليس غريب عليها فعل مثل هذه الافعال اذ تستثمر كل وقتها في المنزل لوحدها وهو في عمله وهذا كاف لكي يدفعها للتفكير في مثل هذا لملء وقتها. فالصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من النساء فتستثمرهن في طرق غير سليمة مثل الشعوذة... إنها تظهر دفاعا غير مباشرا عن هذه المشعوذة الشمطاء وتتجرأ لتقول بأنها ستفعل هذا اذا دعت الضرورة لذلك... في غمرة استفهاماته تساءل :
- لماذا تتجه النساء الى الشعوذة لترويض ازواجهن وعندهن ما هو انجع من ذلك وهو قلبهن؟ لماذا هذا التصرف المشين منهن ويكفيهن الكلمة الحلوة للرجل وتبدوا منه الطاعة الكاملة؟ تلت عليه نفسه اجوبة مختلفة اجترها كثيرا لكن لم تشف غليله:
- قد تضيق الزوجة بالعيش السليم مع زوجها لسبب غلظته وجوره عليها. ولكن أنت لست كذلك. وقد يكون الضيق بالرجل من زوجته عائدا الى عدم وجود التصرف اللائق به كزوج قوام عليها مما يحزه في نفسه فيعنفها فتستعين عليه بالشعوذة. ولكن أنت لست من هؤلاء. وقد يرى الرجل تصرفا من زوجته يقلل من عفة الاسرة فيتجه للعنف ليظهر سلطته. فتعاد الكرة منها ويكرر الزوج فعله فيسقم العيش فتتجه الزوجة للشعوذة لحل المشكل. ولكن أنت لست كذلك. أجاب نفسه وكأنه يحدث أحدا:
إذا لم أكن من هؤلاء ولا من أولئك إذن ما هو السبب؟
نفض غبار أفكاره واستسلم للأمر الواقع قائلا:
- لعلي شككت فيما لا يجب الشك فيه. ولعل تصرفي هذا لا يزيد الطين إلا بلة. اظنني حملت معولا وبدأت أخرب بيتي بيدي. أراني شرعت في هدم حائط يحمي عائلتي والتي هو زوجتي. 
وبينما هو في مهب رياح شكوك تتقاذفه امواجها العاتية إذا به يسمع قرع الباب. اسرع لفتحه فوجد زوجته خلفه. فأسرع بسؤالها:
- أين كنت؟ أجابته بتلقائية:  
- زرت أمي بسرعة ورجعت. كاد جوابه لها أن يفسد عليه تحريه حين قال:
- زرت أمك أم زرت احدا آخر غيرها؟ تكلمي. ارتعدت المرأة وقدفته بنظرة غير معتادة قائلة:
- ما هذا الكلام أيها الرجل؟ أتشك في تصرفي؟ قال لها وقد قلل من حدة كلامه:
- مجرد سؤال. فلا تكترثي له.
دخلت وجلست على حافة سرير نومهما وهو واقف امامها وبدأ الاحتجاج. استمرا يتجادلان في نقاش حاد فإذا بالباب يقرع. اتجه الزوج نحوه. فتحه فوجد أم زوجته التي ناولته جوالا كان بيدها واخبرته بأن ابنتها-زوجته- نسته عندها. أول مرة يسلم "باحفو" على أم زوجته بالباب ولم يتكلف عناء استدعائها للدخول. دعتها ابنتها لذلك لكنها رفضت بدعوة أنها جد منشغلة في تهيء الأكل لزوجها الذي اقترب زمان حضوره من عمله. ولم تأت إلا لإحضار الجوال. أعطت ابنتها جوالها ونكصت على عقبيها. طمأن هذا الحضور للأم واحضار هذا الجوال "باحفو"، لكن سرعان ما شك في الأمر وظنه مجرد مسرحية متقنة بين البنت وأمها لطمس الحقيقة. هبت به، من جديد، رياح ظنونه فهمهم بصوت خافت: 
- إن كيدكن عظيم. فقالت له زوجته: 
- ماذا تدندن؟ ألا زلت مستمرا في غيك؟ قال لها:
- سامحيني. وخرج متجها لإتمام عمله والسير في طريق محاربة الفساد وكشف اصحابه. جلس ينتظر. مضى ما يقارب عن ساعة من الزمن فإذا به يبصر من بعيد خيال امرأة آتية حوله. كلما اقتربت منه رأى فيها تلك المرأة التي رآها من قبل بنفس زي زوجته. اقتربت منه وبيدها سلة ثقيلة فضح سر مضمونها صياح ديك ضرب بجناحيه وطلق صيحة غير مبال بما ينتظره. اتجهت نحو باب الشوافة وقرعته وفتح لها فدخلته. لم يصوب كاميرا جاوله نحوها. فهو لم يعد يفكر في هذا بل ما أخذ كل فكره هو صعقته من هذه المرأة التي ابتلي بها هذا اليوم المشهود. هذه المرأة التي أخذت عقله وشكلت شكوكه و أحيت غيرته وأججت غيظه. ترك مكانه وركب سيارته واتجه مسرعا نحو منزله. نزل وقرع الباب فلم يجبه أحد. فتحه ودخل ولم يجد زوجته بالداخل. فازداد غيضه واشتد غضبه وكاد ينخنق شماتة وذلة. خرج واتجه مسرعا نحو هدفه ليدرك خروج المرأة من عند الشوافة ليتحرى اتجاهها فيترسخ من هي. لم يعد يشغله محاربة فساد الآخرين اكثر مما شغله تصرف هذه المرأة التي انتابه شك منها أهي زوجته أم امرأة أخرى؟ انتظر كثيرا حتى خاب حدسه وظن أن المرأة غادرت المكان قبل رجوعه... هم بمغادرة المكان و قد طلت بوادر خطة انتقام من زوجته التي اصبحت في نظره هي المفسدة الأولى في حيه قبل أي امرأة أخرى. ففسادها هذا ان كان واقعيا فهو يطيل شخصه ويقلل من عفته ويجعله اضحوكة في حيه... وبينما هو غارق في افكاره إذا بباب الشوافة يفتح. يمعن النظر لكن من خرجت ترتدي زيا أسودا فهي ليست المرأة المقصودة ولكن دار بخلده شيء جعله يفكر أنها عرفته فأخبرت الشوافة لتنقدها من قبضته فنصحتها بتغيير لباسها حتى لا يتعرف عليها. كان قد هم بالسير وراءها لكنه سمع فتح الباب فالتفت فتنفس الصعداء إذ رأى المرأة التي اوقدت نار الشك في قلبه وهي تخرج مودعة الشوافة. قال وهو يتوعدها:
- "احصلت يا بنت الحرام. اليوم نفضو هاذ الحريرة". مرت من أمامه غير آبهة بوجوده فتبعها مشيا من غير مبالاة منها. كانت تتجه نحو منزله وكلما اقتربا منه زال شكه وتيقن أنها زوجته. لكن تجرد من يقينه حين وصلت الى الباب واجتازته وتحاشته وتابعت طريقها الى الأمام. تبعها رغم ذلك وقلبه بركان يفور من الغيض... اقشعر بدنه وانتفخ وسخن رأسه حتى كاد يظن ان شعره يحترق... تبعها ليرى إلى أي هي جهة هي سائرة. كان يسير وراءها وخوفه يتصاعد من اكتشاف مجهول لم يحسب له أي حساب... بدأت ظنون أخرى تلعب به... تبعها يظهر مرة ويختفي مرارا والتساؤلات تزيد من غيضه: الى اين هي متجهة يا ربي؟ أيكون لها خليل تخونني معه؟ أهذه هي الزوجة التي اخترتها لحياتي وتخونني؟
مشت المرأة طويلا وهو وراءها متتبعا خطاها يظهر ويختفي حتى وقفت بباب منزل فإذا بها تدقه فيفتح لها وتدخله. كاد يتبعها الى الداخل ليكشف أمرها لكنه تريث وتراجع. كان يريد ان يزيل عنها القماش الذي يخفي وجهها ليتعرف عليها. لكنه تأن قليلا ثم رجع القهقرة وأخذ سيارته واتجه نحو منزله. رجع بخفي حنين وقد نال منه الغيض نيلا. قرع الباب فأجابه صوت زوجته من الداخل:
- اشكون؟ من يدق؟ أخذ رأسه بين يديه وجلس على عتبة الباب يردد:
- لعن الله الجوال و الفيسبوك والتحري وصحافة النت وكل ما يدور في فلكهم. كدت أحطم عائلتي. كدت أدمر مستقبلي. فتحت له الزوجة الباب واستغربت هيأته وقد قبض برأسه بين راحتيه كما يفعل دائما عندما تستغلق عليه الأمور. أسرعت الطيبة لنجدته وهي تندب حظها وقد اغرورقت عيناها دموعا:
- ما بك حبيبي؟ ماذا أصابك زوجي؟ "بالشبة والحرمل، وخمس وخميس عليك، وعين الحسود فيها عود". قال لها:
- سامحيني. لقد نزغ الشيطان بينك و بيني، وتعقد أمري، و داخ عقلي، وساءت نفسي. فأفوض أمري الى الله وحده فهو بي بصير وهو على حل مشكلتي قدير. ساعديني لأقف ولا تسأليني عما وقع فلن يستوعب قلبك الحنون ما جلبه لي هذا اليوم المشهود من احداث ولو سردت عليك كل تفاصيلها...


بقلم احمد علي صدقي
المملكة المغربية  

عن دعاء الأمل

على_حافة_الإنتظارفي مدينة الأمل

 أنا أنتظر عبور حروفك أرسم على نافذة الإنتظار تعابير سطور قصائدكوألون بشذى هيامي تفاصيل طيفكسأبقى أنتظر حلول الليل لأشبع حدقة عيني بنور نجمكوسأرسل لك مع كل نجمة ألف سلام في فضاء غيابكإذا ما تذكرت وجودي سل القمر عني وعن سهري وإرتشف من بحر شوقي شربة حب تروي فؤادكوأطرب أذنك بسيمفونية جنوني فجنوني بات يعزف ألحانا تتراقص على أوتار إسمكإعزف قصائدك بين رفوف دفاترك فروحي استوطنت سطور أحرفك وتوجتها بقبس دري يضيء ظلمة حياتها فيا نبض قلبي لا تطل الغياب  فشريان ودادي سيبقى يزور أثرك ويتحسس عبيركويترقب عودتك سالما إلى مدينة مسها الظلام بغيابكفيا بسمة نبضي أنا هنا على حافة الإنتظار  أتأمل نور اللقاء#عن دعاءالأمل

بقلم الآديب محمد أديب السلاوي

السياسة، هل تقودكم إلى حيث لا تعلمون...؟
-1-
السياسة إذن، تظل في الأحزاب والمؤسسات المنتخبة والحكومات والأنظمة، وفي كل الأجواء والمناخات والمفاهيم، تظل كلمة ذات إشعاع براق ومخيف في نفس الآن، فهي الوسيلة التي يصل بواسطتها ممارسوها إما إلى الأعلى أو إلى الأسفل، إلى السلطة والحكم، أو إلى السجون والمنافي والمعتقلات... وعلى أنها بهذا الحجم من الخطورة والاتساع، فهي تسكن العقول والاهتمامات والتطلعات في كل شبر من الأرض.
وخارج هذا المفهوم الواسع والشامل، تبقى السياسة، في مناطق عديدة من العالم، على صلة وثقة بالتسلط والاستبداد والقمع وفرض الإرادة على العدل والمساواة والحقوق، وفي مناطق أخرى تصبح هي القدرة على الفعل سلبا وإيجابا، هي القدرة على الريادة والسيادة، وهي الغاية التي تبرز الوسيلة في كل وقت وحين، وهي نضالات ومراوغات وحروب، وهي المحصلة التفاعلية لكل التيارات المذهبية أو الإيديولوجية، وبالتالي هي فن الممكن في كل زمان ومكان.
يرى الفقه الدستوري في السياسة، عكس ما يراه فيها فقه القانون، فهي في نظر هذا الأخير، كل نشاط سلطوي محوره الدولة، وهي كل نشاط إنساني محوره الإنسان، وأن العلاقة بين الإنسان والدولة/ بين الحاكمين والمحكومين، هي الصفة المميزة للنشاط السياسي عن غيره، ذلك لأن الدولة لا تتكون من الخشب أو الحجر، وإنما من الإنسان، والدولة في نظر السياسيين، ليست المجتمع الوحيد الذي ينطوي تحت لوائه المواطنين، إذ يوجد بالمجتمع أحزاب ونقابات وجمعيات تتم داخلها ظواهر التأكيد على الفرد وقيادة الناس، وكلها ظواهر ذات طابع سياسي.
يعني ذلك، أن السياسة تمتد في كل الأزمنة وفي مختلف الأمكنة إلى العقول والمصالح والإرادات، لكنها لا تهدف دائما إلى تحقيق المصالح العامة، قد تكون المصالح الخاصة هي ما يتحكم في سلوكيات وتصرفات الفاعلين السياسيين الذين يحركون الأدوات السياسية، فكثيرا ما يتم عند بعض السياسيين، الركوب على المصالح العامة لتحقيق المصالح الخاصة، لأن النخبة السياسية، تشكل باستمرار موقع القرار في دواليب الدولة، كما في الأحزاب والمنظمات والمؤسسات المنتخبة، وغالبا ما تكون هذه النخبة في الدول المتخلفة والدول المستضعفة، هي منبع الفساد السياسي(1) ومرجعيته الأساسية، لما تملكه من حق القرار والمبادرة.
-2-
في نظر العديد من الكتاب والمحللين المعاصرين، أن السياسة، كانت باستمرار هي منبع الأزمات التي ضربت/ تضرب القطاعات المالية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان السائرة في طريق النمو، إنها أزمات تعود بالأساس إلى الضعف الذي أظهرته الفاعلية السياسية، أمام الإغراءات المالية وإغراءات الامتيازات، التي منحتها هذه الدول للفاعلين السياسيين، من أجل لعب الدور الذي عليهم أن يلعبوه في الزمان والمكان.
إن ما حدث خلال العقود الأخيرة في الباكستان وأندونسيا والفلبين، وفي المغرب ومصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين وفي جهات عديدة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، من انهيارات مالية وسياسية، يؤكد "مسؤولية" النخب السياسية في تكريس الفساد والتخلف. فسوهارتو، وموبوتو، واسترادا ومبارك وبنعلي والقذافي وصالح نماذج تنتمي إلى هذه النخب، احترفت السياسة، وجعلت منها وسيلة للاغتناء اللامشروع والتسلط ونشر ثقافة الفساد بين الأجهزة والمؤسسات والأنظمة، وتحول عندها الفعل السياسي إلى مس من الشيطان، وهو ما جعل هذا لفعل يتجه بها إلى التكليف بشكل خادع وبراق وفارغ، مع التحولات العالمية ومتطلباتها السياسية والاقتصادية، مما أذى بها إلى السقوط والانهيار في اللحظات الأخيرة من حياتها.
 في هذا الباب يرى فقهاء القانون أن السياسة هي فن الممكن، وامتيازها الوحيد، أنها ترتبط بالحكم والسلطة، فهي القدرة على الفعل، حسب المعايير المتخذة كمقياس لاعتماد الأحكام القيمة على الناس والأشياء والعلاقات والتنظيمات المؤسساتية لشكل الدولة. والسياسة فن يتكيف مع الزمان والمكان ولا يتأثر بهما، هي فن يرمي للريادة أو السيادة أو الحكم، وذلك بهدف إحكام دفتي السلطة والحكم إغلاقا أو فتحا حسب الأحوال، وحيثما هبت ريح السياسة تجد رجل السياسة كالمزارع يعمل بالمرصاد لاستغلالها أحسن استغلال لفائدته الشخصية والذاتية، أو لفائدة الحكم والسلطة والتسلط. والسياسة، حسب المحللين والخبراء والسياسيين أنفسهم، لا تروم الأخلاق إلا التي تخدم الحكم والسلطة، فهي فن ممكن البقاء السياسي رائد في السياسة، إذ أن الغاية تبرر الوسيلة، (كما جاء عند "ميكافيلي") فهي عكس "العدل" الذي تشكل الأخلاق كنهه وعموده الفقري، وشرط من شروطه الأساسية، وهو ما يجعله في الأنظمة الديمقراطية مستقلا، مفصولا عن السياسة والسلطة. نعم إن السياسة هي فن الممكن، كما أقرت بذلك أطروحات المختصين، ولكنها على يد النخب الفاسدة، تتحول إلى "فن المستحيل" تفعل بها ما تريد على أرض الواقع، تغتني وتحكم وتتسلط، وتحول الأوطان إلى جحيم.
-3-
يجب الاعتراف، أن أفلاطون، وأن لم يحقق المدنية الفاضلة من خلال مفاهيمه السياسية، "في جمهوريته"، فإنه استطاع أن يجعل من السياسة مقودا طيعا لقيادة العالم والسيطرة على دواليبته.فالإنسان اليوم... وبعد عشرات المئات من السنين، سواء كان داخل الملعب السياسي أو خارجه. سواء كان فاعلا، أو متفرجا عليه، فإنه أصبح بإرادته أو بدونها، يمارس "اللعبة السياسية" سلبا أو إيجابا. إن العالم اليوم يحيا ويتنفس من هواء السياسة يتغذى من ثقافتها، ويحتكم إلى قوانينها ومواثيقها ومفاهيمها وإيديولوجياتها... وأحيانا يتلون بألوانها وأصباغها. لذلك، فإن الإنسان في عالم اليوم، في الدول المتقدمة والمختلفة لا يشكل أكثر من بيدق من بيادقها، أو فارسا من فرسانها، يلعب بإرادته أو ضد إرادته على رقعتها الشاسعة والواسعة ما دام موجودا على قيد الحياة.
*****1  -  يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية. كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب. ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال  والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى/ من أجل التوسع في هذا المفهوم، راجع كتابنا "عند ما يأتي الفساد" دار الحدث (الرباط) سنة 2000.

السبت، 15 يونيو 2019

بقلم هدى الجاسم

أنت القصيدةُ



أنتَ القصيدةُ أنتَ وهجُ غراميومَحبّتي وصبابتي وهيامي
أنتَ انتشاءُ الشعرِ بين جوانحيوعلى مدى دهري وفي أيّامي
غازلتُ روحَكَ يا ملاكي مثلماطيرٌ يَبوحُ بِرقّةِ الأحلامِ
فنثرتُ بين يديكَ أجملَ باقةٍورديّةُ الألوانِ مثل خزامي
كنّا على شطّ الفرات يَمامةًتَلْهُو وتَغْفُو في رُبُوعِ يمامِ
وتؤجُّ قلبي بالغرام وأضْلُعيتَهوى الجمالَ ورقّة الأنسامِ
العشقُ يَحْمِلني إليك ومُهجتينورٌ يُضِيءُ ستائرَ الإظلامِ
وعيونُكَ البرقُ الجميلُ ولحظُهافي القلبِ يُولِعُني بضربِ سهامِ
دَعْنِي على ذاك الدلالِ فإنّنيأشتاقُ روحَك مثل فيضِ غمامِ
أمطرتَ بين يديّ حُبّاً غامراًفالعشقُ حلَّ ولم يكنْ بحرام


هدى الجاسم

الجمعة، 14 يونيو 2019

عن جامعة المبدعين المغاربة

جامعة المبدعين المغاربة وهي جمعية فنية ثقافية تتوج اديبا من المغرب :الآديب والناقد " محمد أديب السلاوي" شخصية العام ل"2018"



- محمد أديب السلاوي شخصية 2018: هو كاتب باحث في العلوم الإنسانية، ناقد فني ومحلل سياسي، صحفي وفنان تشكيلي. من مواليد مدينة فاس سنة 1939م.- الاسم الكامل: محمد السلاوي الأندلسي- اسم الشهرة: محمد أديب السلاويتابع دراسته، بجامعة القرويين بفاس، وتتلمذ على يد خيرة من أدباء المغرب، أمثال علال الفاسي، وقام بعدة تداريب في الإعلام والصحافة، بمصر، ولبنان، وألمانيا الغربية.1983- 1961 :عمل محررا، وسكرتيرا للتحرير ومديرا للتحرير بعدة صحف مغربية، منها: جريدة الأنباء (صادرة عن وزارة الاتصال) ،جريدة العلم (صادرة عن حزب الاستقلال) ،جريدة الصحافة (مستقلة) ،كما عمل خلال هذه الفترة ملحقا ثقافيا بالمكتب الدائم للتعريب بالرباط (التابع لجامعة الدول العربية)، ومنسقا ومستشار للتحرير في مجلة اللسان العربي، الصادر عن مجاميع اللغة العربية.1990-1983 :عمل كرئيس تحرير بمنظمة الطيران والفضاء البريطانية وملحق إعلامي بإدارة التدريب الجوي، للقوات الجوية الملكية/ الرياض-المملكة العربية السعودية.1997-1991 :عمل مدير رئيس تحرير الجريدة الشعبية (حرة مستقلة) – الرباط.2004-1997  :اشتغل مستشارا في الإعلام والاتصال بوزارة المياه والغابات/ مستشار بوزارة الصيد البحري/ مستشار بوزارة التكوين المهني – الرباط.2007-2004  :عمل منسق عام لجمعية الزاوية الخضراء للتربية والثقافة- المملكة المغربية.
•  جوائز وشهادات :1983: حاصل على الميدالية الذهبية عن أبحاثه في الفن التشكيلي المغربي من البنيالي العالمي للفنون التشكيلية بالقاهرة/ ج.م.ع.1984: حاصل على جائزة معرض الكتاب العربي/ دمشق، الجمهورية العربية السورية عن كتابه التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة.2012: حاصل على الدرع الثقافي لجمهورية مصر العربية من (المركز الثقافي المصري/ الرباط).2013: حاصل على جائزة النقد التشكيلي، من مهرجان ربيع سوس التشكيلي/ أكادير.2016 : حاصل على الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة المغربية، عن وزارة الإعلام / الرباط.2016: حاصل على الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة والإعلام بالمغرب،عن وزارة الاتصال / الرباط.2018: حاصل على شهادة تكريم أفضل شخصية لعام 2018 / مملكة الياسمين الادبية
•  شارك في تحرير العديد من المجلات الثقافية بالعالم العربي منها  :- مجلة الآداب/ بيروت- مجلة المعرفة/ دمشق- مجلة الأقلام/ بغداد- مجلة البيان/ الكويت- مجلة العربي/ الكويت- مجلة الفيصل/ الرياض- مجلة اليمامة/ الرياض- مجلة دعوة الحق/ الرباط- مجلة الثقافة المغربية/ الرباط.
• إصداراته الثقافية والسياسية  :  
• 1965: ديوان المعداوي بالاشتراك مع أحمد المجاطي وإبراهيم الجمل • 1975: المسرح المغربي، من أين وإلى أين...؟       • 1981: الاحتفالية في المسرح العربي
• 1982: أعلام التشكيل العربي بالمغرب• 1983: التشكيل المغربي بين التراث والمعاصرة• 1984: قضايا مغربية• 1985: أعلام المسرح المغربي الحديث• 1986: الشعر المغربي (مقاربة تاريخية)• 1996: المسرح المغربي، البداية والامتداد • 1996: تضاريس الزمن الإبداعي• 1997: هل دقت ساعة الإصلاح..؟          • 1997: المخدرات في المغرب وفي العالم          • 1998: الحروفية والحرفيون• 1999: الرشوة/الأسئلة المعلقة•  2000: أطفال الفقر         • 2001: الانتخابات في المغرب... إلى أين؟•  2002: السلطة وتحديات التغيير• 2003: المشهد الحزبي بالمغرب: قوة الانشطار         • 2003: الإرهاب يريد حلا         • 2008:عندما يأتي لفساد         • 2009: التشكيل المغربي، البحث عن الذات• 2010: السلطة المخزنية/ تراكمات الأسئلة          • 2010: أية جهوية لمغرب القرن الواحد والعشرين         • 2010: مائة عام من الإبداع التشكيلي بالمغرب         • 2011: المسرح المغربي، جدلية التأسيس         • 2011: المغرب الأسئلة والرهانات        • 2012 : السياسة وأخواتها          • 2012 : الحكومة والفساد، من ينتصر على من؟          • 2013 : التشكيل المغربي بصيغة المؤنث• 2013 : السياسة الثقافية في المغرب الراهن• 2013 : المسرح المغربي،المسالك والوعود( بالاشتراك مع كتاب ونقاد مغاربة آخرين)
• 2014 : أزمات المغرب إلى أين ؟• 2014 : الفنون والحرف التقليدية المغربية• 2014 : أوراق خارج الأقواس• 2014 : علامات الزمن المغربي الراهن• 2015 : الأحزاب السياسية المغربية(1934-2014)• 2015 : اللغة العربية الصراعات المتداخلة  • 2016 : المشهد التشكيلي المغربي (البحث عن مدرسة بصرية حداثية)• 2019 : الفساد والمفسدون
            • وله أيضا مقالات كثيرة ينشرها  يوميا بصفحات الفيسبوك .والمجلات والمواقع والجرائد الإلكترونية  المغربية والعربية والدولية .
إنه بحق، كاتب موسوعي وشمولي.


الخميس، 13 يونيو 2019

بقلم سميرة مسرار

في رحاب « رواء مكة » لحسن أوريد
علِمت بصدور رواية رواء مكة لحسن أوريد بفضل الفيديو الذي نشره الشيخ أبو
زيد الإدريسي، ثم حصلت عليها كهدية من شخص أعزّه وأقدّره كابن لي، وكم تمنيت لو كان واحدًا من أولادي. ورغم فرحتي العارمة بهدية كهذه لم تُتح لي فرصة قراءتها إلا في عطلة العيد. آنذاك وجدت نفسي هائمة بين صفحاتها، تتقاذفني أحداثها وترحل بي عبر أزمنة مختلفة جعلتني أتعثر بين قصصها  ووقائعها ... 
سبق لي وأن قرأت للكاتب حسن أوريد أكثر من رواية كربيع قرطبة والحديث والشجن وسيرة حمار، بالإضافة إلى مجموعة من المقالات النقدية والدراسات السياسية والاقتصادية. لكن رواية رواء مكة وما تحتويه من معلومات ووقائع ذكرتني بما عشته في طفولتي وبطرق التربية التي شاءها القدر لي .
حين استعرض الكاتب عدد الكتب التي قرأها ومشوار دراسته وبداية عمله، أحسست به وكأنه ينفض الغبار على جزء من حياتي حيث أرجعني إلى ثمانينات القرن الماضي. لحظتها تذكرت أبي ــ رحمة الله عليه ــ وولعه بالقراءة وحرصه على تأديبي بالمطالعة المستمرة. كان لا يكلمني إلا وفي يده كتاب جديد يهديني إيّاه والمتعة بادية على محيّاه. أذكر أنني كنت في سن الثامنة من عمري عندما وضع في يديّ الصغيرتين كتاب العبرات للطفي المنفلوطي وطلب مني قراءته، وأتبعه في الأسبوع الذي يليه بكتاب النظرات الذي وجدت صعوبة كبيرة في فهمه، ومع ذلك أتممت قراءته وانتقلت فيما بعد لرواية بول وفرجيني التي أبكتني لشدة تأثري بأحداثها. لاحظ أبي ذلك فتأثر لبكائي، ثم انتقل بي إلى كتب أقل حدّة كروايات جرجي زيدان ومؤلفات طه حسين، فتأثرت من جديد بأيّام عميد الأدب العربي وتهتُ في سيرته الذاتية.
هكذا بدأ مشواري مع القراءة فصرت أقرأ كتابًا في الثقافة العامة مرة في الأسبوع وقصة من القصص المثيرة كل ثلاثة أيام. ثم انتقلت في سن الرابعة عشرة إلى قراءة الجرائد كالشرق الأوسط، وكثير من المجلات كالوطن العربي والمختار وغيرها مما كانت تحفل بها مكتباتنا أنذاك. لقد قرأت كثيرًا واستمتعت بكل ما كنت أقرأ، وواصلت القراءة حتى أنه ليصعب عليّ الآن سرد كل ما قرأت. كنت أقرأ بنهم للاستفادة، ولكن في الحقيقة كان كل ذلك لأجل المتعة والقراءة، الشيء الذي قادني وأنا في سن السادسة عشرة إلى الانغماس كليًّا في عالم رفيع فالتهمت قصص يوسف السباعي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.
 في بداية دراستي في الإعدادية لاحظت اختلافي عن باقي زملائي مما كان يرجّح كفتي عند أساتذتي. آنذاك لم انتبه لهذا الأمر ولم ألاحظ تميّزي عليهم ليس في الدراسة فقط، بل في معاملة الأساتذة لي. لقد كنت الفتاة الأصغر سنًّا، تلك التي جاءت من الرباط، الفتاة التي كانت ذات شكل مختلف ولهجة مختلفة ولباس مختلف، بل والكثيرة الحديث والضحك والمشاغبة نفس الوقت. هكذا توالت بطولاتي وقراءاتي مع الزمن!
نعم، لقد كبرت الطفلة التي كنت أحمِلها في ذاتي، كبرت كنجاحها. لكنني أصبحت ــ وأنا أكبر ــ مشروع أمي التي بدأت تحرص على أن أكون ربة بيت ممتازة وزوجة مهمّتها إنجاح مؤسسة الزواج، ودورها يكمن في مساندة زوجها لينجح ويتفوق. لأجل ذلك كان عليّ أن أُلمّ بكل ميكانزمات النجاح كإتقان آداب الحديث والجلوس والضيافة والاستقبال وفن الطبخ والحرف التقليدية، معتمدة في ذلك على عدة أجهزة أوّلها جدتي وخالتي  فضلاً عن نادي الشبيبة والرياضة. كنت كارهة لكل هذا، ولكني صمدت إلى حين بفضل غنائم جولاتي التي توالت إلى أن وصلت إلى السنة الأولى من الثانوي، فمضيت في صمودي للدفاع عن قلعتي.
لم يتجاوز عمري الحادية عشرة، ومع ذلك كنت قد لمست قدرة سحري على حروف الراء والضاد أي أستاذ الرياضيات وأستاذ الرياضة. هذا الأخير كان يناديني الجُبنة البيضاء وقسم أنه لن يتركني ألعب مع هؤلاء البدو! أما الأول فقد أضاف لمهمته التربوية حرصه على العناية بشعري الذين كان طويلاً وكثيفًا حتى أنه كان يصعب عليّ تسريحه إن لم تتولّى أمره أمي .كل هذا كان يشعرني بالمحبة من حولي وباهتمام الكل بي مما جعل أيام طفولتي من أسعد أيام حياتي، وتوالت إنتصاراتي وإثنين اصبحوا ثلاثة  وأربعة......
لقد كبرت الطفلة التي بداخلي وهي تسمع كل يوم طموح أبيها في أن تصبح محامية ناجحة كصديقته المقربة اليهودية المغربية التي كان يصطحبني معه لزيارتها وهو يردد على مسامعي أنه يجب عليّ أن أدرس القانون مثلها، وأنه سيشتري لي مكتبًا كمكتبها، وأنه متيقن من أنني سأكون ناجحة مثلها. لم أكن أعير هذا الكلام أي اهتمام. كنت أقول في نفسي إنها أحلام والدي الطيّب، أما أحلامي أنا فدراسة الرياضيات والعلوم كباقي إخواني. لكن غلبني إصرار أبي وانتقلت إلى الثانوية لأدرس الآداب العصرية وأنا كارهة لذلك.
وأنا أقرأ رواء مكة، وقعتْ عيني على بيت شعري لحسان بن ثابث ذكره الكاتب في الصفحة 57 عند سرده لأحداث حياته وحديثه عن كيفية حبه للغة العربية وتأثير محمد شفيق عليه. هنا فقط رجعت إلى تلك الفتاة التي كبرت وكبرت ثقتها بنفسها مع مرور الزمن حتى أصبح من المسلّمات لديها حب الناس لها. صحيح، لحد الآن لم أصادف الكره ولا الشر ولا الحقد، كما أنني لم أسمع سوى المديح في حقي، فكيف لي إذن أن أعرف السب والنقد الذين أعتبرهما أبنية بلا معاني؟ كان أستاذ اللغة العربية لا يخرج عن هذا النطاق إذ لم يكن يرفض لي طلبًا. ذات يوم درّسنا قصيدة لحسان بن ثابث شاعر الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ، فرفضت أن أدرسها أو أحفظها، بل وامتنعتُ عن أن أُمتحَن فيها مستغلة قدرتي على الإقناع فأثرت في أستاذي الذي أعفاني من كل هذه الواجبات.
كنت تلك الطفلة التي أتذكرها الآن وكأنني هي بالذات رغم النضج وفارق السن. ها أنا أتذكرها الآن فأضحك من نفسي وأقول إن حسن أوريد حفظ شعر حسان وأنا تهربت منه لاعتقادي آنذاك أنه شاعر جبان فرّ من القتال في سبيل الله إلى كتابة الشعر، فأقنعت نفسي بحجتي هاته لأتنكر لشاعر رفيع حفِلت به الكتب واحتفل به النقد ولا زالت تتغنى به الألسنة بعد مرور خمسة عشر قرنًا. أعترف اليوم أنني أشعر بذنب لا أعتقد أن عمر الصبية التي كنتها كفيل بأن يكفّر عنه!
ليتك يا أبي عشتَ إلى اليوم لتُعدّد معي الكتب التي قرأتها في العشر سنوات الأولى من حياتي لتشهد لي بأنها تفوق بعشرات المرات أضعاف ما قرأته في العشرين سنة التي أتت بعدها!
ها أنذا أتحول من مشروع محامية، لا أعرف هل كنت سانجح فيه أم لا، إلى مشروع زوجة وأمّ، أتداول أيامي بين الطبخ وتربية الأولاد. يا للزمن، لقد فارقتِ الفتاة التي كان الكل يَجدّ في إرضائها إلى امرأة تبذل الغالي والنفيس لإرضاء أسرتها! ومع ذلك فقد ظللت أحمل بداخلي صمود المحامية التي تدافع عن رأيها أوّلاً وعن الأفكار التي تؤمن به ثانيًّا مع أنّني أُمنَع من الكلام في الجلسات التي أحضرها، وكأن لعنة الصمت ارتبطت بالمرأة التي أصبحتُها أبد الآبدين. لقد ضاعت مني الطفلة الطليقة التي كنتها وحلّ في جسدي كائن آخر لا أعرفه، روح ما عادت تقرأ كما كانت، بل وربما ضاع منها الكثير مما حفظته الذاكرة، أو أن مخزونها شحّ عندما توافدت عليها الدلاء الكثيرة.
أتذكر ذات يوم، خلال تجاذب أطراف الحديث في إحدى الجلسات، أنني استشهدت بجملة لكاتب فرنسي أخطأت في بعض الكلمات، فاستدرك عليّ زوجي هفوتي قائلاً:
ــ ماذا كنت تفعلين في المدرسة؟ هل كنت تدرسين أم منحوك الشهادات إكرامًا لأبيك؟؟
كانت الصرخة التي أوقفتي، فتساءلت في نفسي:
ــ هل ما حقَقته بكل ما أوتيت من صبر وعزيمة كان إنجازي أنا أم كان إرضاءً لأبي؟ هل ما كنت أحظى به من رعاية كان حبًّا حقيقيًّا أم مجرد مجاملة؟ هل كنت التلميذة الوحيدة التي نشرت لها جريدة»  لوبنيون دي جون « قصيدة بالفرنسية؟ هل كانت حياة الطفلة التي كنتها حقيقة أم كذبة من أكاذيب الطفولة؟
صرخة أيقظتني من سباتي لتُخبرني أنه انتهى زمن أبي وجاء زمن زوجي، صرخة أبكت الطفلة الساكنة المتخفية في جسد المرأة، صرخة سجنت الروح وقست عليها، صرخة ذكرتني بأنني يتيمة الأب، وجعلتني أدرك لأول مرة في حياتي أنني أصبحت جامدة وسط مهام ومسؤوليات قتلتْ فيّ براءة الطفولة ورغبتي في القراءة!
ها أنا اليوم أتقاسم مع مؤلف رواء مكة هذا العالم الجميل وهذه الرحلة عبر الزمن والكتب، وإن كان كلٌّ منا قد سار في اتجاه مخالف. إني أراه يتنفس عبر ماضيه ويرشف من معين ذاكرته ما يرتوي به ليقاوم الزمن وهو ينتشي بلذة متعة القراءة والكتابة اللامتناهية؛ ولعه يراني فيحسّ ببؤسي ويبكي بنات أفكاري التي دفنتها حينما تحولت من روح تقتات من عبير خيالات الكتّاب إلى صدر يختنق بحمل أعباء التسلط، من ملكوتي الجميل إلى بطن يحبل، ويا ليته يضع جيلاً جديدًا يعيد للحياة تلك البهجة كي لا تموت، تلك الروح التي سكنتني وأنا طفلة في مملكة والدي!

بقلم سميرة مسرار 

الأربعاء، 12 يونيو 2019

بقلم أحمد محمد راشد

وكلما حدثتها
ازدادت جمالا

 إلى أن نطق الجمال

تفننا

محتالةَُ أنت

لا أمان لكِ

من قال أنك من جنسنا 

من قال أنك  مثلنا

من قال أنك  قمرا

سقطت ها ...هنا

مرسولة أنت لتفتني

 يا للكمال افتتنتنا

من نظرة

 كل العيون تحدثت

يا للجمال اصبتنا

الغرابة

لاتغر بي 

لو كنت مكاننا لعذرتنا

مجنونة انت لترحلي

 ابق مكانك بيننا

أسطورة العصر الجديد

 لانك اجمل من رأينا تمعنا

إن ضاق صدرك للحياة

فإنني أهديتقلبي...

لروحك موطنا.
شعر سمو  الامير احمد محمد راشد