الخميس، 9 يونيو 2022

احميدة بلبالي .................

 أفكار حول القصيدة الزجلية الحداثية 



.....

تحتل التجربة الزجلية بالمغرب موقعا مهما داخل الحراك الثقافي المغربي حيث يشهد عدة ملتقيات وطنية خاصة بالزجل وملتقيات شعرية يكون للزجل فيها حصة كما الأجناس الأخرى . يعرف الزجل أيضا حضورا في منتديات رقمية وتشهد إصدارات الدواوين الزجلية تتكاثرا سنة بعد أخرى وفتح له في للحرم الجامعي نوافذ جديدة عبر رسائل دكتوراة بفاس و وجدة وأكادير .إغراءات اللغة المحكية جعلت يبعض شعراء المعرب يدخلون غمار الكتابة الزجلية. وقد عرفت التجربية المغربية المعاصرة أيضا اهتماما عربيا وتأثرا بها حتى. هذا الزخم الكمي يطرح علينا سؤال التجنيس و سؤال الكيف: هل كل ما ينظم من كلام باللغة المحكية زجل ؟ وما مقومات القصيدة الزجلية المعاصرة ؟ ما القيمة الفنية للمنتوج ؟ سؤال يهم بالدرجة الأولى النقاد كمتتبعين ومؤطرين للإنتاج الزجلي ومساهمين في تطوير التجارب الجيدة منه ، كما يهم المبدعين الذين يفترض أن يمتلكوا حسا نقديا ومشروعا فنيا يهم ما يبدعون شكلا ومضمونا ، مثلما يهم الفاعلين الجمعويين عبر مساهمتهم في إشعاع ألوان فنية تساهم في الرفع من الذوق الفني لجمهورها المستهدف ودور منظمي الملتقيات في الاختيار وفق تصور ثقافي يخدم جودة المنتوج وجودة التلقي . يتحكم ، حسب تقديري ، في الكتابة باللغة المحكية ( الزجل) تصوران : 1) تصور يقف في هذا اللون عند الوظيفة النفعية فقط كالوظيفة التربوية والتحميص ورفع الشعارات والحث على الحكمة و الموعظة والإرشاد. وبهذا فهو يهتم بالموضوع وببساطة التراكيب ويميل إلى النظم أساسا وقرض الكلام كي لا أقول قرض الشعر . وينتج عن هذا استسهال الكتابة وترديد النظرة التقليدية والفكر السائد . 2) تصور يرى أن الزجل شعر وبهذا ينتصر لقيم جمالية وفنية وهو يتوزع أيضا بين اتجاهين : أ ) اتجاه تقليدي / كلاسيكي يرى الكتابة بعيون ولسان الماضي كما يتجسد ذلك في قصائد الملحون ورباعيات المجذوب والعيطة والهيت وأذكار كناوة. من هذه الأجواء يمتح لغته ورؤيته . ويبقى سقف هذه التجارب هو أمهات القصائد التي التي صاغها التاريخ الشعبي مثل قصائد: الشمعة ، الشهدة ،خربوشة،الشاليني، كبت الخيل عل الخيل، الغابة ، رباعيات المجدوب،الحكمة والأمثال الشعبية . ب) اتجاه أو تيار أو حساسية جديدة تجرب فيه موجة جديدة من المبدعين أفقا آخر حيث يمتحون من التجربة العالمية القيم والقضايا ويعتبرون الفكر الإنساني ملكا مشتركا لكل الناس. ينتصرون للممكن وليس لما كان أو للكائن وينحازون لدور الشعر في إنتاج الجمال والرفع من الذوق الفني للمتلقي وفق رؤية حداثية تنتصر لقيم العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان الكونية ومن ضمنها الحق الثقافي كحق أساسي . هذا الاتجاه يرى أن الزجل شعر ويتقاطع مع التجربة الشعرية الحداثية في كثير من القواسم المشتركة وبهذا يحاول نقل الزجل ليعانق الأفق الرحب لإبداع لا سقف له من حيث هو إبداع محكوم عليه بالتحليق والتجريب الدائم وخلق المتعة والدهشة زيتركز دوره في البحث عن التركيب الكميائي الذاتي لصهر الرموز والأساطير والحكايات والأقنعة وفق مسافة التوتر القادرة على خلق بريق الدهشة ولذة التلقي . من خلال مواكبتي للكتابة الزجلية ومن خلال تجربتي الشخصية فإني أنتمي للحساسية الأخيرة و أعتبر القصيدة الزجلية الحداثية وفق التصور التالي الذي بلغته عبر مراحل الكتابة وقد أكون حققت شيئا منه في الديوان الثالث ” شمس الما” وأتقاسم مع المهتمين هذا الرأي المتواضع : إن القصيدة الحداثية وفق ما أشتغل عليه : – لا تدخل ضمن الثقافة الشعبية، على اعتبار أن الثقافة الشعبية شفهية بامتياز وتلقائية وبسيطة. تعتمد الإيقاعات ومستوى بلاغتها بسيط وفي متناول الكل. يكون المنتج فيها غالبا مجهولا ويتم ترديد الحس المشترك والرؤية العادية التي تعيد تكرار الجاهز إلى ما لانهاية. فالقصيدة الآن مدونة وموقعة لها هوية، مكتوبة بإصرار وترصد وهذا يعني أن المبدع الزجال أصبح يعي مجال اشتغاله وخصوصياته . – هي ثورة على التقليد . لا تقدس الماضي ولا تحاكي القائم . هي طبعا لا تنفي بل تهدم لتشيد من جديد هندستها الخاصة. – ليست لسان حال الجماعة و الزجال لم يعد “براح” الجماعة ولا مجذوبا ينطق “بالحال” أو حكيما يسوق سلعته ولا فقيها يسوق وعظه وإرشاده. – هي صوت الذات المتفاعلة مع العالم، وهذا يعني أنها: غوص في الأنا وفتح باب للداخل قصد البحث عن ما ترسب من الأنا الجماعية في الأنا الفردية و جواب عن الآن بكل تعقيداته لذا فإن نظرتها مركبة ، معقدة ، مجردة ، غامضة ، قلقة و تساؤلية كما أسئلة الواقع وطموحات الناس . – هي عناق لقضايا الإنسان بما هو إنسان، ذات حرة متسامحة ومواطنة ضد على كل ما يمس الإنسانية من أشكال التخلف والتعصب والعنصرية . – هي انفتاح على كل الأجناس الأدبية والأبعاد الفكرية. إنها لا تلغي، لا تنفي، لا تتعارض و لا تتناقض . بل تحتضن هذا التعدد وتنحت منه فرادتها . – لغتها تتجدد تبعا لتجدد الواقع بمستواه وأسئلته الراهنة. وهي على هذا الأساس تساهم في تطوير اللغة وتنحت تراكيب جديدة قادرة على مسايرة مستجدات الواقع . لا تتشبث بالموقف العاطفي الذي يقف عنده البعض بدافع الالتزام “بعتاقة اللغة ” وعذرية اللهجة الغارقة في محليتها والتي تتطابق مع الأهازيج والغناء الشعبي. طبعا إن التجربة تعي إمكانيات اللغة المحكية من حيث مناطق قوتها وضعفها وحدودها وتعمل على توسيع الوعاء اللغوي ( توسيع الوعاء لا يعني الغرابة في اللغة عبر الإغراق في تدريج الفصيح بشكل مصطنع بل تنحت بسلاسة غير صادمة لتغني الفقر الذي قد يعتري لغته وهو يقارب مجالات خارج المعتاد وخارج اليومي ( فلسفة ، تصوف ، تكنلوجيا ، فكر سياسي ، أدب عالمي ….) – القصيدة الزجلية تجريبية بطبعها بمعنى أنها مشروع مفتوح ومتفتح ولا تقبل التنميط والقولبة ولا ضفاف لها و تعمل على تجاوز ذاتها باستمرار. – هي قتل مستمر للأب . (قتل رمزي أن الزجال محكوم عليه أن يقتل أباه ليتمكن من تطوير تجربته والسمو بها وجعلها تخترق الحقب والأجيال فنيا ولا يبقى خاضعا لسلطة الأب ومنزويا في ركن من تجربته والتفرج على قطار الإبداع وهو يمر بسرعة.وقتل فعلي بمعنى قتل الأب الروحي ، حيث لا وجود لولي صالح في الإبداع لكي نضمن شباب التجربة الدائم وروحها المتميزة بطبيعة حيوية وثورية . – وظيفة القصيدة هي إنتاج الجمال وتحقيق المتعة. رسالتها ذات بعد إنساني وقيمها قيم كونية . وهي ثورة على البنيات الفوقية الموروثة لأنها متجددة وحالمة كما تفترض بالمستقبل أن يكون. – هي نص يعكس التجربة الوجودية التي تعيشها الذات الشاعرة كرؤيا للعالم وموقف فني من القيم الإنسانية. – القصيدة نص متمنع لا يقدم نفسه بسهولة ، ويتطلب استحضار فضاءات وهوامش رموز وأساطير تحتاج سفرا في عوالم ليست بالضرورة انعكاسا وصفيا للمعيش . – المتلقي وفق منظورها ذكي لذا فهي تشركه في إنتاج المعنى والدلالة أي أنها تراهن على المتلقي المتفاعل ، الذكي ، العارف. فالنص يكتسب حيواته من المتلقي عبر استعادة القراءة وابتكار آليات الكشف والتأويل عبر الغوص في كامن النص واستقراء أفعاله وإشاراته ورموزه . – المبدع حالة متفردة ، حالة خارج المعتاد يعي أن الإبداع ثورة و انزياح ضد اليومي . خارج السرب يتم الإبداع وأن تقليد السرب إعادة إنتاج للوضع القائم وعائق للتطور والسمو . بهذا لم يعد الزجال كاتبا من الدرجة الثانية أو شاعر ظل ، إنه يحمل مشروعا فكريا وفنيا ، محكوم عليه بالحياة في الآن و الهنا ، يرى أن العصر الذهبي في المستقبل وليس في الماضي. لذا فإنه يفحص ويسائل تجربته باستمرار لا يطمئن في منزلة ما، يحاول أن يجتهد ليتجاوز نفسه في كل وقت ويخترق الأجيال عبر استنهاض حيوية الشباب الذي يسكنه دوما وعبر المغامرة الدائمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق