الاثنين، 17 ديسمبر 2018

قراءة بقلم عبد الرحمن بكري البكري في نص الاديب ابوزيد عبد الله

أسم النص : يــا أنـــا.. يــا ريَّ الوريـــد 
للكـــاتب ألأديـــــب : أبوزيد عبدالله 
وهو من ابناء ألإسمــــــاعيليه أديب مرموق وله العديد من الكتابات والنصوص التى ترقى بالادب واللغه وقد ساهمنا بتقديم الكثير من ألإجتزاء لبعض نصوص أديبنا لما فيه من سحر البيان ومزيج من التنوع اللغوى والبديعى والتصويرى والفلسفى .... 
............................................
{النص}
غريب أنا عنّي بعضي شتات وبعضي ضياع
وكلي فقد عظيم تجاوز حاجز الزمان والقياس الكوني ليبتلعني
فخذني منى إليك أو معك لعلي بك أعود
من متاهة هذا الاغتراب الوسيع فأردني إلي 
لأرفع بك عني لعنة ظنون باتت تلازمني بعدما 
بلا إمهال تركتني وأغلقت خلفك كل نوافذ
راحتي دون التفاته لغاشيات السؤال
فمن أي زيتونٍ أتيك بسلام وقلبي وعقلي فيك يختصمان ؟ 
من أين لي بهذا الذي فيك مات ؟
وأنا المتعلق بك تعلق الجهلة بأولياء الله الصالحين
أكابر فيك حقيقة لا تحتاج للتأويل ولا نبؤه عراف القبيلة
أفخخ صدري بالغفران واخفض جناح الذل لآثامك
وأتحاشى منك استدارة الأمنيات نحو المستحيل 
فما هيت لك إلا أمنية كانت تحاول البقاء
بعدما أسرجت لها في أعماق الحاجة قنديلا
مازال يستضيء بك حد الاكتفاء 
ومازالت نبضاتي تناشدك رهف عشق لا يبور
تكون فيه بصائرعطفك الوارث مني 
لتعينني على أناي الإمارة بالسخط والتأنيب 
حررنى من دستورك المظلم ومن شريعتك الظالمه 
ليطوقني عدلك الغائب وتنام علي كتفة كل المظالم 
اكفني بحنانك عن جفاك وتأمر مع الفرح 
ولو مره لتمنحني بعض من بسمات العيد 
ففيك اجتمعت كل مشاعري حول مائدة احتياج
ابو زيد عبد الله
...................................


مقدمـــــــــه :
**********
{ يا أنـــا ..يـــا ريَّ الــوريد } نص نثــــرى فلسفـــى { من النصوص التعبيريه ) والتى يعبر بها عما يدور فى خلجاته .والكاتب الاديب لهُ مدرسته الخاصه به يمزج المدارس الحديثه بما يفيد اغراضه من نصه فلا يعتمد على مدرسه بعينها وهو ما اراه شئ راقى فيجعل لكتاباته مذاق خاص ورؤيــا شخصيه وربما يظن القارئ أن الكاتب يعانى بالفعل وانه يصف تجارب شخصيه او واقع المَّ به ولكن الكاتب الفذ هو من يصل بالقارئ الى هذا المستوى .وهذا لا يأتى من فراغ ولكن أتى من قوة ألأحاسيس والمعانى الجياشه بالنص فيأخذ القارئ معه من الخيال الى الحقيقه . فيتعايش بها كل قارئ حسبما يريد . لكون النص واقعى . يحدث يومياً للكثير...
فنرى التعبير عن المضامين والمشاعر والأحاسيس وما يدور فى الذهن دون التقيد بتقنية الوزن أو القافيه مما يجعل نصّه مستوحى من تفاصيل الحياه والتجارب الإنسانيه . ومما يلفت النظر إستيعاب الكاتب بأصول اللغه والتركيبات الجماليه الإبداعيه وإختلاف النماذج البلاغيه فوضع نصه فى صور الخطاب الأدبى البليغ ....وقد راع الكاتب فى نصه ...أن لا تكون الكلمات غريبه موحشه أو لا يمكن إستعابها ..كما حافظ على أن لا تكون كلمات مبتذله تنفر منها الأسماع والأذواق ..وحافظ قدر الإمكان ألا تكون الكلمه متباعدة المخارج وقد راع الكاتب جمال الكلمه بالإجاز وتعدد الطرق الفنيه لإصال المعنى ب{ جمالية التصوير } والتركيبات البلاغيه الراقيه وأرى أن الكاتب تأثر بأعلام هذا الفن من أمثال - عبدالقادر الجرجانى والجاحظ والغزالى ..وغيرهم كما نرى الكاتب متأثراً بالفلسفه الصوفيه الراقيه . وتأثره الكامل بالقرأن الكريم فلا يخلو نص من نصوصه إلا به إشاره أو تعبير قرأنى دلاله على تاثر الكاتب وهو شئ رائع امتزاج كل هذه الاساليب ليضعها فى اسلوبه ومدرسته الخاصه به..
أسم النص : 
*********
يا أنا .. ياري الوريد...الظاهر.أنه نداء داخلى منه اليه ولكن الباطن شئ اخر هو ينادى هاجرهُ ينادى من يروى ظمأه فالمراد ب { أنــا } عشقه ومحبوبه ولكن أتى به كنايه عن التوحد ربما ف العشق او الروح ولكن مجريات النص لا تظهر التوحد الجسدى ..وقد جزء الكاتب إسم النص الى جزئين (يا أنا) (يا رىَّ الوريد) والجزء الثانى أجلى ما دسّْهُ الكاتب ف الجزء الأول فظهر أن الندا للأخر وفيه إستعاره مكنيه فقد إستعار الرىّ وهو شئ حسى كنايه عن العطاء الزاخر وشبه ذاته بالوريد فأطلق الجزء (الوريد) وأراد الكل وهو القلب والعقل والذات والأحاسيس ....ومما سبق نستنبط أنَّ الكاتب يجول بنا نحو كينونة من يهوى ولكنّ الإسم بهِ غموض لا يوضح مغزى الكاتب الداخلى وهو ما عودنا عليه الكـــاتب وسيجليه فى أروقة نصه فيدسُّ بعض الحروف والمعانى التى تشير الى أهداف النص وهو ما يجعلنا نغوص معه لنرى ماذا يريد كاتبنا من نصه ليصل الى القارئ ..
شرح النص :
**********
يستهلُ كاتبُنا نصّهُ بوصفِ ذاتهِ إلى أجزاء متفرقه لإظهار مدى التشتت والضياع الذى خلفهُ الهجر .ويصف حالهُ بالضياع ووقوعه فى متاهاته .ويطلب العونَ لرفعِ هذه المعاناه وبوادر الظنون المؤلمه .ويتسائل الكاتب عن كيفية الخروج من هذه الدائره .ثم يأتى لنا بوصف حالهِ مع من يهفو اليه فيما سبق بطريقه أدبيه راقيه تؤثر تاثير مباشر فى القارئ ثم يعاود الحديث الى ملهمته بالإستفسار والتمنى بالعوده - ويلمح الى ظلم المحبوب اليه - متمنياً العوده الى سابق عهده وجمع الشتات ..
....................................
بعض مظــاهر الجمـــال بالنص :
**************************
{ غريب أنا عنّي بعضي شتات وبعضي ضياع} بدأ الكاتب بإسلوب التقديم والتأخير فأتى بالضمير خبر وأتى بالخبر (غريب ) مقدم وهو من أساليب القصر فأصلها (أنا غريب) والناظر الى الجملتين ربما لا يجد فارق بينهما (عريبٌ أنا ..أنا غريب ) ولكن هناك فارق أدبى لغوى كبير (غريب أنا ) دلاله على انفراده بالغربه وليست لسواه ..أما ( انا غريب ) فهى وصف لذاته بالغربه ولغيره أيضا فلا تقصير عليه فى الوصف . كما نرى ان الكاتب استخدم الضميرين المنفصل والمتصل ( أنا عنّى ) كنايه عن الجزئيه واسلوب (التوريه ) فالبعيد الخفى هو المراد وليس الظاهر ثم يدخلنا الى (التقسيم) بذكر متعدد تحت حكم واحد (غريب) ثم ( بعضى وبعضى ) وكلها محسنات لفظيه بديعيه وقد أتى الكاتب بالوصف مبهم لنجد سؤال مطروح لماذا ؟ وكيف ؟ ويترك القارئ يموج فى بحر السؤال ربما يجد ضالته فيما بين السطور ..( الضياع الشتات) اتى بالتعبيرات اللفظيه لتوحى بالمعنى الحقيقى والوصف فتعطى صوره لحالة الكاتب .
.............................
{ وكلي فقد عظيم تجاوز حاجز الزمان والقياس الكوني ليبتلعني} الواو لكمال الاتصال بما قبله (كلّ) والضمير المتصل أتت لتوكيد المعنى وتعظيمه وهنا نجد أن الكاتب استخدم ( بعضى كلّى ) طباق إيجابى ويسمى تضاد يبرز المعنى ويؤكده ثم استخدم ( عظيم) اسم فاعل دلاله على الثبوت ..وأتى به نكره فما هو المفقود ؟ ثم يصف هذا المفقود بإسلوب التبليع ( الغلو ) وهو وصف بما يستحيل عقلا وعاده ...ثم يستخدم (اللام ) التعليليه فى ليبتلعنى كما استخدم الضمير المتصل وكلها محسنات للتوكيد ثم نجد ايضا اسلوب الجمع (حاجز الزمان - الكونى ) يبتلعنى ...وقد استخدم الاستعاره المطلقه فإستعار حاجز الزمان والقياس الكونى ) وهى اشياء معنويه وشبهها بشئ حسى يبتلع وقد خلا بما يلائم المشبه والمشبه به فى صوره بلاغيه رائعه..
.......................
{ فخذني منى إليك أو معك لعلي بك أعود } ألتفاته سريعه من حديث الذات الى المخاطبه للأخر - وسنرى هذا الالتفات كثيراً ف النص - ..( فخذنى) الفاء توكيديه لسرعة الفعل والامر هنا رجاء وتمنى والضمير للتخصيص ( منّى اليك ) الجار والضمائر المتصله تخصيصيه توكيديه وهى ايضاً طباق إيجابى تضاد لابراز المعنى وتخصيصه (أو) حرف عطف أتى تخييرى واتى (معك) تخصيص اقوى للمعيه وهنا ايجاز بالحذف ( أو معك فى دنياك أو طريقك ) والحذف هنا أتى بثمره فأعطى للقارئ حريه تصوير معك كلاً بطريقته وخيالاته ( لعلى)أتى بالخرف الناسخ ليفيد التوقُّع والترجِّي في الأمر المحبوب . وأتى بالضمير المتصل للتخصيص ( أعود ) أتت كنايه عن ضياعه ومتاهته السابق ذكرها فاتت توصيف للمعنى السابق وتوكيد لحالة الضياع والاغتراب ..والناظر الى الشطر سيجد فعل أمر و (من ألى ب ) حروف جر يتبعها ضمائر متصله (أو) للتخيير (حرف ناسخ ) فعل ..ومع كثرة الحروف والضمائر الا ان الشطر اتى فى ابهى صوره واعطى للقارئ المعنى المراد مع الابهام الواضح . وهذا فن الحرف النثرى .والشطر (مجاز مرسل ) علاقته فعليه ..
..............................
{ اجتمعت كل مشاعري حول مائدة احتياج} تشبيه بليغ بخذف الاداه وبها اسلوب قصر بالتقديم والتأخير فألاصل ( كل مشاعرى كأنها أجتمعت حول مائدة احتياج ... ( مائدة احتياج ) استعاره مكنيه فقد استعار المائده وهى شئ حسى للاحتياج المعنوى ليصل بأعلى تصوير حتى أنه اتى بأحتياج نكره للشمول والعموم اى احتياج كان يدركه او لا يدركه فات بها بصوره شموليه.
......................
{ من أين لي بهذا الذي فيك مات ؟) أستفهام تعجبى ولاتى بالاستفهام الظرفى ( من أين) لتخصيص مكان الحشـــا كنايه عن القلب واتى بالضمير (لى ) تخصيصى ( بهذا ) الباء جار والهاء تنبيهيه وذا اشاره للقريب واراد لقربه الى القلب وليس القرب المكانى والموصول اشاره للقلب والشطر تناغمى حزين ...من أين لى ...بهذا الذى فيك مات ..زالشطر كله عباره عن ضمائر واشاره واستفهام واسم موصول وفعل ماض (مــات ) ومع ذلك به تصوير رائع افاد المعنى ...وهو (مجــاز عقلى ) علاقته استفهاميه ونرى فيه التوريه والابهام الذى يتبعه كاتبنا ..
..........................
{ وأغلقت خلفك كل نوافذ . راحتي } أتى بالفعل ماضى (أغلق) لثبوت الحدث واستقراره والضمير المتصل (ت) أتى توكيد تخصيصى (انت) ( خلفك ) اتت بصوره تعبيريه رائعه كنايه عن الذهاب بعيداً وقد اراد الظرف ( خلف .. لبيان عدم التفات المذكور لما تركه ...واتى ( كل ) لبيان الشمول والعموم ( نوافذ ) اطلق المعنى واراد معنى اخر فأراد (بصيص أمل ) للراحه وهى العوده واتى بها نكره للعموم ايضاً وعدم ادراك الكاتب بكينونة هذه النوافذ حسيه او معنويه والشطر به استعاره مكنيه تبعيه تشبيه لحال الترك والابتعاد فى عدم اللامبلاه او التعمد بصورة الاغلاق لكل متنفس وتبعيتها (كل نوافذ) راحتى ...
...................
أفخخ صدري بالغفران واخفض جناح الذل لآثامك...تعبير شديد الوصف بالنثـــر الصوفى ..
هيت لك...جناح الذل...التأثر القرأنى ....
لغاشيات السؤال...تعبير مجازى
الخيـــال ( حاجز الزمان والقياس الكوني ليبتلعني)
صيغة المبالغه.. الوسيع 
الرموز.. زيتونٍ أتيك بسلام .....الزيتون رمز السلام
********
ملاحظات :
يرجى ألأعتناء بالهمزات 
...............
والكاتب أعتمد كما نرى على تشكيل حروفه مابين لين خفيف وقوى أدبى عميق ليمتزجا فتعطى البريق ولم يكتفى الكاتب بل طوع النص وأبهره بأساليب البيان، ومناهج الأداء وصور التعبير، وألوان الرسم والخيال والتفكير والرموز ، و التشبيهات البليغة العذبة واستعارات جميلة بالغة، وكنايات أنيقة ساحرة، مع استحضار الصوره الحسيه والنفسيه ، شكرا لك على ما قدمت لنا من نص راق 
عبدالرحمن بكرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق