الخميس، 13 ديسمبر 2018

منقول عن قاسم حول مخرج سينمائي مغربي بهولندا

دور الصوت واهميته في الفيلم السنمائي الحوار.. الموسيقى.. المؤثرات

بعد أن يتوفر لدينا سيناريو ادبي محكم البناء، بشخوص واضحة المعالم تنمو حالتا بنمو حالتها بنمو الاحداث، وبعد أن تكمن الفكرة الأساسية للقصة السينمائية واضحة، وكذلك الأفكار الثانوية، لم يبق لدينا سوى تقطيع المشاهد إلى لقطات بأحجامها المختلفة " الديكوباج " (اللقطة البعيدة، اللقطة المتوسطة، اللقطة القريبة، واللقطة القريبة جدا) وايضا وصف حركة الكاميرا وحركة الشخوص داخل الكارد، ووصف القيمة التشكيلية للكارد، وتحديد اطوال اللقطات ودراسة طبيعة الانتقال من لقطة إلى لقطة ومن مشهد الى مشهد، بحيث تبدو سلسة لا تحدث أي خدش أو خلل في مشاهدة الفيلم.
وخلال عملية التقطيع هذه (الديكوباج) تتوضح وتتحد أكثر عملية الايقاع ويحسب الزمن السينمائي حسابا دقيقا وملموسا، فيما كان الزمن السينمائي والايقاع خلال عملية كتابة السيناريو الأدبي عملية حسية أكثر منها حسابية.
يميل بعض المخرجين الى اللقطات الطويلة والتي تتم داخلها عملية التوليف معتمدين حركة الكاميرا في تغيير الزاوية أو تغيير حجم اللقطة. وبعضهم يميل إلى عملية التقطيع بالانتقال من كادر إلى كارد. وفي كلتا الحالتين ينبغي مراعاة الأسلوبية. وبالتأكيد فإن طبيعة الموضوع تفرض نفسها في كثير من الأحيان على اتباع هذا الاسلوب أو ذاك وفي اختيار اللقطات وحجمها وحركة الكاميرا وحركة الشخوص داخل الكادر. وان اتباع اسلوب اللقطات
الطويلة أو اسلوب اللقطات القصيرة يحد بالضرورة عملية الايقاع والزمن السينمائي. وليست عملية التقطيع وحركة الكاميرا والشخوص وحدها التي تؤثر على نوع الايقاع والزمن، انما مسألة الاداء بالنسبة للممثلين تلعب هي الأخرى دورها الزمني والحسي. كما تلعب المؤثرات البصرية سورا هاما في اختصار الزمن والايحاء به. فعمليات مزج اللقطات وعمليات الظهور والاختفاء هي مؤثرات بصرية موحية بالفترات الزمنية. أما عامل الصوت الذي يشمل الحوار والمؤثرات والموسيقى، فيلعب دورا هاما في عملية الايقاع.
يعتبر البعض ان السينما صورة، أي انها توحي من خلال القيمة البصرية بكل المضامين والافكار، وما الصوت الا عامل ثانوي أو لا قيمة له قياسا بالصورة. وهذه الفكرة خاطئة، لأن الفن والسينما هما انعكاس للواقع - والواقع هو شىء مرئي ومسموع، ولذلك فإن قيمة الصوت لا تقل أهمية عن قيمة الصورة، والعلاقة بينهما علاقة جدلية. للصوت تأثير على الإنسان في بعض الاحيان أكثر من الصورة لأننا نرى ضمن درجة (180) بينما نسمع ضمن درجة (360).
ان عدم استعمال الصوت استعمالا دقيقا يتزامن ويتوافق مع الصورة هو عملية تشويش وسرقة لحس المشاهد بعيدا عن الصورة. وحتى تتحقق العلاقة السليمة بين الصوت والصورة بين ينبغي ان يكون الصوت نابعا من داخل الكادر وليس من خارجه.، سواء كان ذلك في الفيلم الروائي أم في الفيلم الوثائقي. ولتحقيق ذلك فان استعمال الصوت المباشر هو الطريقة الصحيحة والسليمة للوصول الى قيمة فنية وجمالية عالية تجعل المشاهد يتفاعل مع الفيلم بحس عال وتقربه من الواقع اكثر بكثير من عملية الدوبلاج التي مهما بلغت دقتها فانها تضعف من قدرة اداء الممثل، ولذلك فإن الافلام التي تتم دبلجتها الى لغات اخرى غير لغتها الاصلية انما تضعف من قيمة تلك الافلام بنسبة كبيرة.
الحوار
قبل ان نتحدث عن الحوار كقيمة صوتية لابد أن نتوصل إلى معنى الحوار في اللغة. فهل اللغة هي وسيلة تفاهم أم هي تعبير عن حالة اجتماعية وثقافية ؟ يعتقد البعض ان اللغة هي وسيلة اتصال وتفاهم بين البشر، فيما الحقيقة انها ليست كذلك فقط، انما هي ايضا تعبير عن حالة اجتماعية وثقافية، فإنك من خلال لغة الشخص تستطيع معرفة انتمائه الاجتماعي ومستواه الثقافي، ولذلك فان كتابة الحوار لشخصيات الفيلم ينبغي أن تأخذ في الحسبان المستوى الثقافي والانتماء الاجتماعي لهذه الشخصيات. إذن، فالحوار يحقق لنا هدفين، الاول ايصال الافكار والمضامين والحقائق. والهدف الثاني هو التعبير عن مستوى الشخص وانتمائه الاجتماعي. ومثلما أن اية صورة فائضة تخلق تشويشا في ذهن المشاهد. لذلك فإن أية كلمة فائضة عن المضمون تخلق ذات التشويش في ذهن المشاهد. لذلك ينبغي عند كتابة الحوار مراعاة تحقيق المضامين المؤثرة والمتأثرة باللقطات والمشاهد، وهذا ما عبرنا عنه بالعلاقة الجدلية.
الموسيقى
للموسيقى استخدامات كثيرة في الفيلم السينمائي، يستخدمها بعضهم للقضاء على فترات الصمت غير المعبرة، ويستخدمها بعضهم الآخر للتعبير عن حالة نفسية او تأزم في المواقف الدرامية، ويستخدمها بعضهم لأغراض حسية.
ولكي تكون الموسيقى ذات قيمة فنية جمالية في الفيلم ينبغي عدم الإكثار منها واشغال الفيلم بعامل صوتي لما للموسيقى من تأثير على السمع وبالتالي على عاطفة المشاهد، لذلك ينبغي الانتباه عند استخدام الموسيقى، فالذين يستخدمون الموسيقى الجاهزة انما يسيئون الى افلامهم لأنها لا يمكن ان تتوافق مع مضامين الفيلم، فتبقى مجرد صوت يسرق انتباه المشاهد ويبعده عن الصورة. فالموسيقى بقدر ما هي هامة في الفيلم السينمائي فإنها خطيرة جدا إذا لم يحسن استعمالها فاذا ما استثنينا الأفلام الموسيقية والغنائية فإن الموسيقى الطروب أو ذات الايقاع الراقص لا تصلح كموسيقى للأفلام.
يستعمل الكثير من المخرجين الموسيقى كخلفية مع الحوار، ويستعملها بعضهم كخلفية مع المؤثرات الصوتية. في هذه الحالة ينبغي ان تكون الموسيقى، سواء كقيمة موسيقية أو كقيمة صوتية، أن تكون محسوسة أكثر منها مسموعة وبشكل عام فإن ضع الموسيقى للفيلم يتم بعد قراءة السيناريو منذ البداية من قبل المؤلف الموسيقي ومعايشة الفيلم ومشاهدته بعد التصوير وبعد المونتاج حتى يستطيع المؤلف الموسيقي الانفعال بالفيلم والاحساس به ليستطيع بالتالي وضع الموسيقى الملائمة بعد مناقشة مستفيضة مع المخرج عن المواقع التي هى ضرورية لاستخدام الموسيقى.
المؤثرات الصوتية
تشكل المؤثرات الصوتية عنصرا هاما من عناصر الصوت على شريط السينما، وتحتاج لاستعمالها حسا عاليا من قبل المخرج والمونتير، فبواسطتها يستطيع المخرج ان يجعل المشاهد يحس انه داخل الحدث، لأنها تخلق جوا يشعرك بالواقع ويشعرك بالحياة تماما.
والمؤثرات نوعان. نوع مصنوع ونوع طبيعي. النوع المصنوع يتم داخل الاستديو، وقد مر بمرحلتين، المرحلة الأولى هى الأصوات التي يحققها بعض الاختصاصين باستعمال مواد طبيعية وتتم بشكل يدوي كالأخشاب والصفائح وأيضا الأصوات البشرية التي تقلد اصوات الطبيعة واصوات بعض المخلوقات. أما المرحلة الثانية فقد صارت تستخلص من مؤثرات الكترونية، وهى ليست قريبة من الواقع بالدرجة التي تحققت عن طريق التعامل مع المواد الطبيعية.
اما المؤثر الطبيعي فهو وان كان متطابقا تماما مع ما يجري في الواقع، لأنه تسجيل حي، إلا أنه لا يصلح (دائما) كمؤثر. فما تسمعه الاذن في الطبيعة لا تستسيغه في السينما، لأن الميكروفون يملك من الحساسية ما لا تملكه الأذن، لأن الأذن ترتبط بالتركيز من خلال عقل الإنسان، لهذا يفضل دراسة ما يؤخذ من الطبيعة وما لا يؤخذ من المؤثرات المسجلة حسب طبيعة الموضوع وطبيعة الفيلم.
الصوت في الفيلم الوثائقي
سيناريو الفيلم الوثائقي يختلف عن سيناريو الفيلم الروائي اختلافا كليا، فالفيلم الوثائقي هو تصوير الواقع، فيما الفيلم الروائي هو تمثيل الواقع، لذلك فالفيلم الروائي الذي يعتمد القصة والحكاية هو أسير المخرج، يتحكم قي بنائه وصياغته، فيما المخرج في الفيلم الوثائقي هو أسير الواقع لا يستطيع أن يتحكم فيه.كثيرا.
ولعل أهم صفة من صفات الفيلم الوثائقي الناجح هى (التلقائية). فكلما نجحنا في تصوير الفيلم الوثائقي بتلقائية وعفوية كلما حققنا نجاحا للفيلم " وبشكل عام فان سيناريو الفيلم الوثائقي لا يمكن كتابته مسبقا بنفس الدقة التي يكتب بها الفيلم الروائي، ففي الفيلم الوثائقي، يكتب السيناريو الحقيقي بعد التصوير وقبل المونتاج.
وللأفلام الوثائقية اهمية خاصة في ترسيخ علاقة الثقافة بالواقع، الفن بالواقع، وعلاقة الفنان بالواقع. فالبلد والمؤسسات الثقافية التي تولي الأفلام الوثائقية اهمية خاصة وتباشر بإنتاجها فإنها ستصل بالضرورة الى انتاج افلام روائية ذات قيمة سياسية واجتماعية متطورة، لأنها استطاعت ان تفهم الواقع وتتعامل معه مباشرة وبصدق، وتكون قد رسخت علاقة فكرية وفنية بين الفنان والواقع من خلال كشف هذا الواقع ومعرفة ما يدور فيه امام عين المشاهد.
هناك نوعان من الافلام الوثائقية:
أولا - الافلام ذات القيمة الاعلامية: هذا النوع من الافلام هو اصلح للتليفزيون منه الى السينما، وتتم كتابة السيناريو له بشكل اقرب الى الصيغة النهائية قبل المونتاج، لأن منفذه ومخرجه يعرف مسبقا اماكن التصوير وطبيعتها، ويكاد يكون قد حدد مسبقا كل شيء، والمقابلات التى يجريها مع الأشخاص، وأحيانا الاسئلة التي يريد توجيهها لبعض الشخصيات من العمال والمزارعين والاداريين.. إلخ. وهنا يستطيع، وبناء على رؤية ميدانية، أن يحدد اللقطات، وحتى احجامها أحيانا. ويقوم بكتابة وبناء الموضوع لما يحقق الهدف الاعلامي المطلوب من تصوير هذا الفيلم.
ثانيا - الافلام ذات القيمة الثقافية: هذا النوع من الأفلام هدفه كشف الواقع، الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. ويصعب في مثل هذه الافلام كتابة السيناريو مسبقا، انما تكتب الفكرة ويكتب تصور عام للبناء، فمخرج الفيلم الذي يكون عادة هو كاتب السيناريو، وليس
بالضرورة أن يكون هو صاحب الفكرة، عندما يذهب لتصوير واقع ما فإنه لا يعرف ما سيدور أمامه. أنه يحمل فكرة ما وتصورا ما وهدفا ما، ويتصرف ضمن هذا الهدف. وأحيانا يصور ما يدور أمامه وربما يستهلك لذلك كميات كبيرة من مادة الفيلم الخام من أجل ان يأخذ لقطة واحدة أو بضع لقطات لا تستغرق دقيقة واحدة.
وللفيلم الوثائقي غير الإعلامي، أي ذي القيمة الثقافية أهمية خاصة، فهو لا يستهدف التأثير على المشاهد بشكل يقرب من القسرية، انما يستهدف زيادة معرفته بحقيقة ما يدور ليساعده في
التوصل الى ايجاد الحلول والتفاعل مع الواقع. وفي الفترات النضالية تأتي اهمية هذا النوع من الافلام في كشف طبيعة العدو وفضح التناقضات والقمع والاستغلال ليسهم هذا الفيلم بقسط كبير في عملية التوعية السياسية. أما في فترات الاستقرار والبناء فإن هذا النوع من الافلام يعكس القيمة الانسانية، الثقافية، ويكشف في ذات الوقت مواقع الخلل في هذه المسيرة أو تلك.
فكيف نتعامل صوتيا مع الفيلم الوثائقي ؟
باعتبار الفيلم الوثائقي هو تصوير الواقع وبشكل مباشر فنحن مجبرون على ان نسجل الصوت مباشرة بما في ذلك المؤثرات، لأن أي تزييف في نقل الواقع على الشريط الحساس من صورة أو صوت انما يفقد مصداقية الفيلم الوثائقي، وهذا لا يعني ان الفيلم الوثائقي لا يمكن تزييفه، فإن مثله مثل الفيلم الروائي، فهو رهن بالانتماء الفكري لمخرج الفيلم وجهة الانتاج، ولكن ضمن هذا الانتماء أو ذلك فإن عامل الصوت يشكل اهمية في نقل قيمة الواقع وحقيقته على الشريط.
التعليق في الفيلم الوثائقي
هناك العديد من الأفلام التي تعتمد على التعليق في نقل المعلومات. ولكن للتعليق خطورته إذا لم يتقن كاتبه اسلوب التعليق على الشريط المرئي، فقد يحول الشريط السينمائي الى صوت اذاعي لا علاقة له بالصورة، فيسير خط الصورة، خط الصوت باتجاهين مختلفين تجعل المشاهد غير قادر على التركيز بصريا ولا سمعيا، كما ان طريقة أداء التعليق على شريط السينما تختلف تماما عن طريقة التعليق في الراديو. ويعتقد الكثيرين بأن قراءة التعليق تتم بنفس طريقة قراءة التعليق السياسي في الراديو، فالمعلق السياسي أو قارىء نشرة الاخبار يحتاج الى شد المستمع من خلال الصوت فقط، فيما ينبغي أن يتفاعل المعلق كتابة وأداء مع حقائق موضوعية عليه أن يساهم في ايضاحها وليس سرقة ما هو واضح عن طريق الأداء.
ولعل أفضل نموذج للتعليق في الفيلم الوثائقي هو فيلم (فاشية عادية) لميخائيل روم.
المقابلة في الفيلم الوثائقي
يعبر السينمائيون عن التعليق في الفيلم الوثائقي بأنه الصوت الذي يأتينا من خارج الفيلم، فيما المؤثرات الصوتية المباشرة أو المقابلة هي اصوات تأتينا من داخل الفيلم، ولذلك فإن تأثيرها يكون ابلغ من التعليق. ولكن بقدر ما تكون المقابلة هامة في الفيلم الوثائقي فإنها تبدو متعبة في كثير من الأحيان إذا لم يحسن استخدامها سواء في طبيعة الشخص المتحدث وشكله ونبرة صوته أو في طبيعة الموضوع الذي يتحدث فيه.
هناك افلام وثائقية تعتمد كلية على المقابلة وتسمى (افلام الريبورتاج)، وأيضا هناك افلام ذات قيمة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية تدخل فيها المقابلة كعنصر من عناصر الفيلم التي تسهم في
ايضاح المضامين والافكار. وفي الحالتين ينبغي تحقيق التلقائية يبدو الفيلم واضحا في زيفه.
لا يجوز الاعداد مسبقا للمقابلة في الفيلم الوثائقي. لا يجوز الاتفاق مسبقا، والا فإن ذلك النوع من الأفلام حتى ذات الطبيعة الأعلامية فانها ستبدو للمشاهد أفلاما دوغماتية تضليلية.

قاسم حول ( مخرج سينمائي مقيم في هولندا)    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق