الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

شعر كزال ابراهيم خضر ترجمة حميد عبد الله بانه يي

براعمٌ شعرية بلا عنوان



شعر"والدتي المرحومة"كزال ابراهيم خض

1

كم تبعد نفسك

أشعر بأنك اقرب

أصابعي ممتلئةٌ بشذاكَ،

ووجنتاي بلونك ،

وعيناي بنظراتك،

وشعري بعبق صدرك

2

أحياناً تصبحُ خريفاً ،

وأحياناً فصلَ الربيع

وحين تغيبُ

ينهمر الخريفُ من قامتي

وحين أراكَ

تمتلئ حياتي بالأزهار

3

حين تذوبُ في عشقي

تشبه رجلاً ثملاً

ثمل العشق ، لا النبيذ

4

لوكان بيدي

كنت أجمع جمال الدنيا في قامتك

حتى انقش تلك الصورة

حين قلت :في نظراتي

أنت أجمل من كلِ الجمال

5

قلت لي يا حسناء

وكأنّك طاووس

بهذه الملابس الناعمة،

وبالأمس رأيتُ طاووسا جميلاً

في حديقة الطيور

وكأنّ أجنحتهُ أجنحتي

كما قلتَ لي،

والعنق الشامخ الازرق

كعنقك في قميصك الازرق

6

إن لم أستطع

أن أصفكَ كعاشقٍ

اعذرني ، فأنا كنت من أهالي تلك الحوريات

اللواتي لم يتلقنّ دروسَ العشقِ

7

أنت تشبه زهرةَ النرجس كثيراً

أنت أجمل من كلِّ زهرة،

وأروع شذا من كل الزهور

8

إن أردت أن تطلب يدي

قل لأمي

أن لا تحتج على حزامٍ ذهبي

فتكفيني ذراعاك

حول خصري

9

حين تذوبُ نظراتي

في نظراتِ عينيك

شفتاي تبعثان ببشرى الحب

الى كل عشّاق العالم

10

هات قطعتي جمرٍ

واطفئهما على رأسي

كالتقاليد الكردية

حتى تتسرب

رهبةُ حبِّك من فؤادي

وأودعكَ في أحضاني

شعر الهايدي العكرمي

** الـشّـــوقُ الـكَـــبـيـــرْ **


*- شَـوْقي إلـيكِ حـارق لـوْ تَـفْـهمِي = هــلْ يا تُـرى الـيـوْم بـحالي تَـعْـلَـمِـي
*- قَـدْ هَجَــرَ الـنّـومُ اللـذيـذُ أعْـيَنِـي = والـبَـسْمة الحِلـْوة ضَاعَتْ عَنْ فَــمِـي
  *- واحْـتَلّ عَـقلي ثُمّ فِكْـري هَاجِـسًا = رَمَـى فــؤادي فِـي سَـمَــا التّــوَهّـــمِ
*- وبِـتّ حـائـرا أرَاجـي وصْلــكْ الْــــيَــوم أيـا أجْــمــَـلْ نِـــسَــاء العَــالَــمِ
*- جَمـالُـكِ الـفَــتّـانِ والـسّاحـرِ لَـمْ = يَــــزَلْ مُــلازِمًــا خَـــيَــالِي الـهَـائِــمِ
*- مُنـذُ الصّبَـا وأنْتِ أحْـلَى طِـفْـلَة = بَـــيْــنَ الــبَـنَـاتِ بــفُــؤادي الـحَـالِـــمِ
 *- الـوَجْـه بَـدرٌ قَـدْ أضَـاء كَـوْنَنَـا = والـشّـعْـر فـوْق الخَــدّ بات يَــرْتَـمِــي
*- أمّـا الــشّفـاهُ رَطْــبَةٌ تَـخَـالـهــا = سُـبْــحَــانَ رَبّـي ، سُـبِــغَـتْ بِالعَـنْــدَمِ
*- والثّغـرُ حَازَ عِـقْـدُ جَوْهـر بَـدَا = يُـغْــرِي الـرّجـال بِجَــمال الـمِــبْـسَــمِ
*- والـصّدْرُ قـدْ أثْـمَـرَ نَهْـدان يَعِـيــــشــانِ مَـعًــا دوْمًـا بِــسـجْــنٍ مُــظْـلِــمِ
*- كَيْ لا تَـرَاهُـما عُـيـون حَـاسِـدٍ = أوْ رُبّــمَـا يَـــدٌ عَــلـيْــهــمْ تَــرْتَــمِــي
*- والـقَـدّ سُـبْـحـانَ الـذي أنْـشَـأهُ = للعَـاشِــق الْــوَلْـهــانِ، أحْـلَـى مَـغْـنَــمِ
*- يَا رَوْعة الجَمال والحُـسْن أمَـا = آنَ لَــكِ الـــيَــــوْمَ إذَنْ أنْ تَــرْحَـمِــي
*- مُـعَــذّبًـا يُــــريـدُ ضَــمّ قَــدّكِ = ضَــمّـا يُــزِيــلُ عِــبْء قَــلْـبٍ هَـائــمِ
*- ثُمّ ارْتِـشَـاف شَهْد رِيـقٍ مُسْكِـرٍ= يَـكْــمُـنُ عِــنْــدَ الـشّــفَــتَـيْـنِ والْـــفَــمِ
*- أمّــا إذَا أبَـيْــتِ لا بَــاْسَ إذَنْ = مِــنْ قُــبْـلَـتَـيْــن فَـــوْقَ خَــــدّ نَـاعِـــمِ
*- إنّ الْقَلِيلَ مِنْكِ سَـوفَ يُرْضِنِي = فَـلا تَـخَـافِـي شَـقْـوَتي لَــوْ تَـفْـــهَـمِـي
*- كُونِي مَعِي رَحِـيمَةً يَا سَمْرَتِي = مَــا دَامَ حُــبّـي لَــيْـــس بِـالْــمُحَــــرّمِ .
ــــــــــــــــــــ


 الهــادي العكـرمـــي ــــــــــــــــــــــــــــــــ في :23/9/2019

عزت زين

خبريني
 كيف يختبئ الحب
في ثغر وردة
كيف يستقي منها
ماء الحياة
طيبا وعشقا.
كيف يجدل
 من بتلاتها خدرا
ومهدا
كيف يصحو ثملا من قبلات
جبينها والخدة
خبريني ان صحا بعد هيام
لا يعرف يومه
اخبري الورد هل كنت للعاشق
خدرا.
هل داعبت حبيبات تباهت
بين الأوراق
هل اعتصرت من الأوراق
شهدا.
وهل تاهت ذوآباتها رفقا
وندا.
يا لجمال ضم في جنباته
حبا وحبا.
هلوساتي
عزت طاهر أبو كشك
24/9 /2019

علي العلوي

نشأنا وتربينا منذ الصغر على المثل الشعبي القائل من جد وجد ومن زرع حصد وبلا شك فإن الجد والاجتهاد طريق للنجاح والحصول على نتائج إيجابية إلى جانب زيادة فرصنا في الوصول لما نريد إلا أنّ الدراسات الحديثة أثبتت أنّ العمل المضني ليس بالضرورة أنّ يؤدي إلى نتيجة كبرى بل قد يؤدي إلى الإجهاد والتعب البدني والنفسي أيضاً دون الحصول على المردود المرجو فأظهرت العديد من المفاهيم التي تدعو إلى العمل بذكاء وتقليل المجهود في بعض الأحيان وتقليل ساعات عمل
على العلوي

شعر حسين عباسي



اليوم غريب جدا






هذا اليوم،

الشمس تاخرت في الشروق

والقمر ذاب جمالا بين الظلام

والنجوم تبحث عن عشاق الاحلام

والوجوه تأكلها الحزن

كانها مأوى للأيتام

أنا اليوم ضيعت الطريق الى قلبك

العمر اصبح كله اغنية للوداع

صوت فيروز يصدح

(يا حلب البعيدة بارضك حبايبي)

والكلمة تكاد تموت قبل ان تنطق

والحرف أجهضته عاصفة الغروب

بمطرقة الحاكم الظالم

الآهات سجن كلها في داخلي

مابين اليأس والفقر

هذا اليوم غريب جداااااا

يختلف عن كل يوم

كأن ساعاته تهجرها دقائقه

والدقائق تلد الثواني قبل النبض

اليوم غادر روحي

جسدي النحيف

بدون وداع






حسين عباسي

محمد أديب السلاوي

"القراءة" الأزمة المؤلمة والمحزنة.



-1-

في المغرب الراهن، تعاني التنمية الثقافية / التنمية البشرية، و تعاني  التربية والتعليم، كما يعاني كل المجتمع، بكل فصائله وأطيافه، من أزمة حادة اسمها "القراءة".فصناعة الكتاب و إبداعات المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية والسياسة والاقتصاد والثقافة لا يمكنها أن تؤدي دورها في التنمية خارج القراءة

نظرا للتطور الحضاري/التكنولوجي الهائل ،والانفجار المعرفي الذي أصبح يشهده العالم الراهن ،والاهتمام الإنساني بحرية التعبير وإبداء الرأي،اتسع مفهوم القراءة ،إذ أصبحت تشمل تغيير رموز الحضارة والإنسان والمعرفة، وبالتالي رموز الحياة وما بعدها.

اجتماعيا وتربويا  وعلميا وثقافيا، مازلنا هنا نعتبر مفهوم القراءة أمرا بسيطا، لا حاجة لنا للبحث في أغواره، علما أننا في مراتب متأخرة حضاريا وثقافيا وعلميا وتربويا بسبب انعدام القراءة.

الأمة التي لا تقرا، امة غير نافعة لا لنفسها ولا للحضارة الإنسانية، لا تجد الحلول لمشاكلها، تعتمد باستمرار على العقل الآخر من اجل عيشها وحضورها وتواصلها مع العالم.

الإحصاءات الدولية في موضوع القراءة تقول أننا  نقرأ في أحسن الحالات  ساعة  واحدة في السنة، مقابل عشرات و مئات الساعات من القراءة في الغرب واسيا، وهو ما يعنى أن القراءة في البلاد المتحضرة، هي باب المعرفة، هي باب التقدم الحضاري.

                                              -2-

عن مؤسسة بريطانية متخصصة في قياس درجة الثقافة العالمية، أن المواطن الهندي  يخصص عشر ساعات و42 دقيقة في الأسبوع للقراءة / وان المواطن التايلاندي يخصص تسع ساعات في الأسبوع للقراءة /وان المواطن الصيني يخصص ثمان ساعات أسبوعيا للقراءة/ وان المواطن السويدي يخصص سبع ساعات أسبوعيا للقراءة/ وان المواطن الفرنسي يخصص ست ساعات ونصف للقراءة أسبوعيا / وان المواطن العربي لا يزيد على خمس دقائق للقراءة أسبوعيا.

يعني دلك بوضوح أن القراءة تعاني في العالم العربي من وضع محزن ومؤلم، وان هناك جريمة اكبر من جريمة حرق الكتب التي عرفها تاريخنا العربي،إلا وهي جريمة عدم القراءة.

فبعد أن كان الكتاب  يمثل قيمة كبيرة للمواطن العربي، تراجعت قيمته بشكل مخيف، ويعود هذا الى ضعف الثقافة القرائية داخل الأسرة، داخل المدرسة، داخل الجامعة، ويرتبط ذلك من جهة بالمناهج الدراسية، ومن جهة أخرى بغلاء أسعار الكتب.

                                                 -3-

لماذا تحتل القراءة كل هذه الأهمية... ؟

إنها أول أمر إلاهي انزله الله جلت قدرته على رسوله محمد ا(ص). قال له سبحانه بصيغة الأمر،" اقرأ " وهو ما جعل/ يجعل القراءة في مقام رفيع

القراءة تعني تنمية المهارات العقلية والفكرية، تعني الصحة العقلية وغداء العقل، هي محفز الدماغ للقيام بمهامه وتطوير قدراته التواصلية، وهي مرادفة للتحرر وللتفكير وللحس النقدي وللوعي بالحقوق والمطالبة بها، وهي مرادفة أيضا للممارسة السياسية الفعلية، بها يرقى المواطن ليمارس صلاحياته كاملة في الحياة الديمقراطية. .

القِـرَاءة  لا تعني فقط تراكم الأفكار، بل تعني أيضا، تعلم الخبرات، القدرة على التعبير، بناء الشخصية على أسس صحيحة

القِـرَاءة، هي أهم معيار على سلم التنمية /هي تحفيز العقل على العمل الايجابي، على بقاء الدماغ نشطا، متفاعلا، قادرا على التركيز والتحليل، على تحسين الذاكرة وتطويرها.

والقراءة أولا وأخيرا هي أهم أدوات التربية والتعليم، هي واحدة من المهارات التي تجعل القارئ داخل دائرة المعرفة.

                                             -4-

يقول خبراء القراءة أن القارئ عالم بماضيه وحاضره وأمين على مستقبله، دلك لان القراءة ليست فقط عملية لاسترجاع المعلومات المخزنة بالعقل، إنها أبعد من دلك، عملية تفكيرية،تشتمل على فك الرموز المخزنة للوصول إلى المعاني، المعلومات، الأفكار التي يحتاجها القارئ للاندماج في ثقافته وعاداته وقيمه ومحيطه.

مع الأسف الشديد ،تسود في مجتمعنا نسبة كبيرة من الأمية، لدلك يصعب علينا الاستفادة من إمكانات القراءة وقيمها، وتبعا لذلك يصعب علينا تحقيق التنمية البشرية وأهدافها المرجوة، وهو  ما يتطلب منا.جعل درس القراءة إلزاميا في مناهجنا التعليمية، من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، إنها، أي القراءة طريقنا الوحيد لجعل مواردنا البشرية قادرة على السير، /على تحقيق أهداف التنمية الشاملة التي نحلم بها،دون تحقيقها.

                                         -5-

إضافة إلى درس القراءة،بالمدارس والمعاهد والجامعات، تحتاج منا  القراءة العودة إلى تلاحم جهود المؤسسات الثقافية والاجتماعية المختلفة،للدفع بالأجيال الصاعدة إلى القراءة، تحتاج منا إنتاج الكتاب السهل والممتع ووصوله إلى القارئ بأقل الأسعار.

من اجل أن تتمكن الأجيال الصاعدة من متعة القراءة، لابد من انخراط الآباء والأمهات والمعلمين والأساتذة والمؤطرين في" عملية القراءة" وهو ما يعني إيجاد سلاسل من الكتب التي تخاطب عقل هذه الأجيال من اجل تقليص الهوة الصارخة بينها وبين القراءة، وأيضا من اجل خلخلة  المعضلة القرائية التي تقف ضد التنمية والثقافة والرقي الحضاري.

أفلا تنظرون.... ؟.

.محمد اديب السلاوي

مصطفى البداوي

عن قصتها امراة عاشقة 
قصة جديرة بالقراءة و الاحترام. جرأة   في التفاصيل والطرح  .جمال السرد  ورقي المعاني. تحليل نفسية تجمع التناقضات  والثورة على التقاليد  البالية.
حالة اجتماعية لا زالت تتكرر  ، كاتبة واديبة من الطراز الرفيع.متمردة وتركبها لعنة المغاربة.  فهي صاحبة الجراة والتي لا تخشى أحدا.  داهمها الموت عدة مرات ولكنها توفيت في  9 شبتمبر 2006.
كتب فيها الصحفي  في جريدة الاخبار  قائلا.
الرباط ــ ياسين عدنان

مرة أخرى ماتت مليكة مستظرف (1969). لكن يبدو أنها اليوم تموت لآخر مرة. كأن حياتها الصعبة المثخنة بالجراح لم تكن أكثر من تدريب على الموت. امرأة احتملت ما لا طاقة لأحد به: “الأطباء حكموا عليَّ بالموت عام 1986، وبقيت حية. وعام 1990 حكموا عليّ بالموت أيضاً ولم أمت. وعام 1992 أقسموا أنني لن أعيش بعدما دخلت في غيبوبة تامة. وأنا نفسي في فترة من الفترات أقدمتُ على الانتحار، لكنَّ الموت لفظني”. قدرتُها على تحمل الألم كانت استثنائية، وبراعتها في سرد ألمها وتعرية جراحها وجراح مجتمعها بلغة صادمة مستفزة كانت تذكّرنا جميعاً بمحمد شكري. شكري جديد بتاء التأنيث لكن للأسف من دون اهتمام إعلامي ولا ترجمات عالمية.
الكاتبة المغربية التي غادرت قبل أيام، هكذا في صمت، على سرير مرضها الطويل في الدار البيضاء، لم تكن تكره شيئاً قدر كرهها للصمت. منذ روايتها الأولى “جراح الروح والجسد” أطلقت صرختها الأولى: “لن أبتلع لساني وأصمت، بل سأتقيأ على وجوهكم كل ما ظل محبوساً طوال هذه السنين. سأنشر غسيلي الوسخ على الملأ ليراه الجميع. لم يعد يهمني أحد”.
وهكذا كتبت مليكة قصة الطفلة التي تعرضت للاغتصاب فوق سطح العمارة في سن الرابعة. ثم تكررت الحكاية مع البقال الطيب، ومع القريب القروي: أحسست يداً مرتعشة تتحسس صدري ونهدي. أي نهد لطفلة لم تتجاوز السادسة؟ لم أعترض. كنت أعرف أنه لا جدوى من المقاومة. استسلمتُ وأنا ألعن كل شيء في سري”.
كبرت الطفلة وصارت كاتبة لا تتردد في لعن الجميع جهراً. لكن يبدو أن الجراح قررت هي الأخرى أن تكبر معها. جسدها الهش أبى إلا أن يمعن في خيانتها، فأصيبت بالقصور الكلوي في سن الـ14.
مذاك تواظب على جلسات غسيل الدم ثلاث مرات في الأسبوع: “عمري الحقيقي لا أحسبه بالسنوات، بل باللحظات الجميلة التي عشتها. وعندما يسألونني اليوم كم عمرك، أجيبهم: أنا في الرابعة عشرة. أحس بأن عمري توقف هناك وكل هذه السنوات مجرد أشواط إضافية أنعم الله بها عليّ في انتظار الورقة الحمراء”.
كانت مليكة تحلم بكتابة رواية ثانية قبل أن تموت. ولأنها كتبت أغلب فصول روايتها الأخرى خلال جلسات غسيل الدم، قررت كتابة عمل ثان تحت عنوان “الجناح 31”، عن معاناتها ومعاناة الآخرين في هذا الجناح لمرضى القصور الكلوي. وطبعاً، لم تتمكن مليكة من إنهاء الرواية بعد اشتداد المرض.
لم تعد الرواية ممكنة يا مليكة؟ فما العمل الآن؟ صارت القصة القصيرة خيارها الأخير. وتحولت الرواية الموعودة إلى نص قصصي مؤثر تحت عنوان “مأدبة الدم” ضمته إلى تسع قصص أخرى ونشرته في مجموعة قصصية صاعقة جاء عنوانها “ترانت سيس”. ويحيل رقم 36 بالفرنسية لدى المغاربة إلى الجنون، فهو رقم جناح الأمراض النفسية والعاطفية في أحد أكبر مستشفيات الدار البيضاء. وطبعاً جاءت شخوص مليكة مستظرف في هذه المجموعة مقهورة متوترة مشرّعة على الجنون.
طفلة قصة “ترانت سيس” تعيش مع والدها المهتز نفسياً الذي يستقبل عشيقاته في البيت مساء كل سبت، فيما البنت تنزوي في غرفتها وترسم نساء بلا ملامح وتتساءل: كيف هو شكل أمي؟. فتى قصة “مجرد اختلاف” يرفضه الجميع ويُعامل بقسوة. أما الطبيب فقد نصحه بأن يتقبل جسده كما هو. لكنه ظل عاجزاً عن إقناع الآخرين باختلافه. وفي المنزل، يجد دائماً عقوبة أبيه المملة في انتظاره: “أكتبْ ألف مرة: أنا رجل، أنا رجل...”. ثم مريضة قصة “الهذيان” التي تتعرض لمحاولة اغتصاب على سرير مرضها في المستشفى.
كل شخوص قصص مليكة مستظرف من هذا النوع. شخصيات مغلوبة على أمرها. رجال معطوبون ونساء بلا رجال يكابدن جحيماً يومياً اسمه الدار البيضاء: جحيم المدينة. جحيم الرجال. جحيم التقاليد. وليل الدار البيضاء الصعب والضاري يكاد يفتح الجميع على الجنون.
بعد “ترانت سيس”، كتبت مليكة مستظرف المزيد من القصص. بين جلسة علاجية وأخرى كانت تكتب قصة جديدة. آخر قصة كتبتها جاءت تحت عنوان “موت”، أهدتها إلى كل هذا الدم الطاهر المسفوح في فلسطين ولبنان، ونشرتها في آب الماضي على موقع “دروب” الإلكتروني. فهل كانت مليكة وهي تنفطر لكل هذا الموت الذي هجم دفعة واحدة على لبنان تتنبأ بموتها الشخصي؟
عندما رفض القاص المغربي أحمد بوزفور جائزة المغرب للكتاب قبل سنتين، قال في بيان الرفض إنه يخجل من مليكة مستظرف التي تموت تحت أنظارنا جميعاً، ونحن ساكتون ننتظر أن تموت نهائياً لنرثيها. الآن ماتت مليكة. وها نحن بكل جبن نتفانى في رثائها. رحلت صاحبة “جراح الروح والجسد” و“ترانت سيس” من دون أن تقدم لها المؤسسات الثقافية المغربية أي مساعدة. لا شك في أننا نشعر اليوم جميعاً بالخجل، لكن المؤكد أن الخجل وحده لا يكفي.