‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة تقدية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قراءة تقدية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 10 يناير 2022

 - دراسة نقدية ذرائعية لرائعة

 أحمد مطر  "قصيدة الحرية"

بقلم: 

"الأستاذة والناقدة : سميرة شرف" 



 


المقدمة:


نقد النص الشعري متعة كبيرة للناقد متى توفرت له أسباب النجاح في فك شفراته و تفكيك عناصره و إبراز محتوياته في أدق تفاصيلها شكلا و مضمونا، مع مراعاة حق ملكية النص لصاحبه و هو ما لا يخول للناقد تحريف رسالته أو طمسها بتغيير منظوره أو رؤيته أوقناعته....أو تغييب جانب من جوانب الإبداع لصالح جانب ..و هذا ما كان سائدا في نظريات النقد الحديثة التي كانت مناهجها مادية صرفة اعتبرت النص شكلا لغويا جماليا و أسقطت من الاعتبار حمولته من قيم و مثل و فلسفة.

إلى أن ظهر على الساحة العربية المنظر و المفكر العراقي الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي صاحب أحدث نظرية نقد عربية محضة أسماها...(الذرائعية)...خرجت للوجود مدججة بعبقرية فكره و حصيلة علمه و معرفته من خلال البحث و التمكن من وسائله و دراسته الشاملة لمختلف النظريات النقدية المطروحة على الساحة الفكرية العالمية..اعتبرت أطروحة حصل بها على شهادة الدكتوراه من جامعة ستراسفورد الامريكية في الهند...لتلقى ترحيبا عربيا واسعا بلغت أصداؤه بلدي المغرب على يد أستاذي عبد الرحمن الصوفي الذي كان له الفضل في ربط جسور التواصل المباشر مع الكبير د. عبد الرزاق الغالبي : صاحب النظرية و الأستاذة الرائعة عبير خالد يحيى و الفاضل الأستاذ حسين العوفي الذين تواضعوا مشكورين و قرروا بجودهم العلمي تأطير فريق أتشرف بعضويته لاستقبال النظرية الجديدة ، فهم أسسها المنهجية، ثم تطبيقها على نصوص مختارة ....

وما عملي اليوم إلا ثمرة مجهودهم بما أبدوه من سعة صدر للدفع بنا جميعا حد الإيمان بقدرتنا الأدبية و طاقتنا الخلاقة على تطبيق نموذجي لنظرية الذرائعية التي و بكل صدق غيرت كثيرا من المفاهيم لدي و أثرت بفضل محتوياتها رصيدي المعرفي المتواضع.

تستهوي الانسان مظاهر الجمال حيثما وجدت، فتراه يستحسنها و يلاحقها على أمل الحظوة بتأثيرها الإيجابي الفعال على مكنونات نفسه المتجاذبة و المنجذبة دوما نحو تحقيق المتعة و السعادة..

و ما الأدب عموما و الشعر خصوصا إلا مرتع خصب لتشارك التجارب الانسانية بين المبدع و المتلقي و تحقيق لهفة الكشف عن الرأي الآخر بهدف إغناء التجربة الوجودية لملامسة مظاهر الجمال عن قرب تنفعل به النفس و تتأثر به المشاعر...

فإذا كانت للأديب رسالة ، فمؤكد أن له مستهدفا بها يتوخى و يحرص على أن تصله كاملة مكمولة...و هنا تتحقق أهداف الأدب سامية في ربط أواصر العلم و المعرفة بين بشر اختاروا سموا أن يغوصوا في بحر التذوق الفني الجمالي عطاءا و أخذا...ويحققوا ما شاء لهم مما تنفعل به نفوسهم و عقولهم و عواطفهم...مصرين على الجودة و البهاء في أقصى درجاته..

هكذا وجدتني أمام عملاق شكل تفرده الرائع بإحساس ثوري طاعن في عمق القضايا العربية ، أقف عند كل نص منه و قد تملكتني سيول جارفة من التصديق اللامشروط بجدوى الشعر و الشعراء في حياة عرب أثبتت النتائج أنها فاشلة بكل المقاييس لاعتبارات ذاتية و موضوعية متعددة...إنه الشاعر : أحمد مطر

حياة الشاعر:

يكفي أن نسمي العراق لتغمرنا مشاعر الزهو و الافتخار بالتاريخ و العروبة و الأصالة المتأصلة فيه بلا ضفاف ...به رأى شاعرنا النور سنة 1954، في حاضرة البصرة بمنطقة التنومة، فكان مكان الولادة مهد تشكيل شخصية الشاعر بما عرفت به وجدانيا من بساطة و طيبة و رقة...أما الطبيعة فقد جمعت فيها الأنهار و الجداول و البساتين و أشجار النخيل في تركيبة جمالية أخاذة فاتنة...

نشأ شاعرنا في الفقر و الحرمان وهو في كنف أسرته، قبل أن يقرر بروحه الطموحة تغيير ظروف عيشه و الانتقال إلى العاصمة بغداد ...

عند بلوغه سن 14 من عمره لاحت بوادر شاعريته فنظم قصائده الأولى و التي كانت ذات طابع رومانسي محض باعتماد الغزل...

و مع إذكاء شعلة الشباب تولدت لديه بالفطرة بوادر الشعور بالصراع بين السلطة و الشعب،فظهرت عليه إرهاصات التمرد و الرفض و تكسير الصمت...

وكان لذلك عوامل مؤثرة عديدة، فصار شعره من أدوات النضال المفجرة لقضايا المجتمع العربي، خاصة الصراع العربي الصهيوني...

اكتسب خلال مسيرته النضالية الإبداعية شعريا ، مكانة حظي فيها باهتمام واسع النطاق نظرا لعمق تجربته الشعرية، و غزارة منتوجه، و طبيعة شخصيته المصقولة بفعل ما عاشه و عايشه قبل و بعد المنفى....

أبدع صادقا،واضحا،غاضبا،ساخرا،ثائرا في الفكرو الفن

أبدع بواقعية في الرؤيا و قدرة متفردة على النفاذ إلى القلوب المنكسرة، و العقول التي لم يرد لها أن تفكر بإمعان...فجاءت قصائده منظارا صوبه في اتجاه السجون و المعتقلات للكشف عن عذابات الناس،اختزال كم هائل من أحزانهم و غضبهم،ليكون بذلك قد أسس مناخا جديدا في القصيدة العربية جمع فيه بين الصلابة و الرقة..و ما لافتاته إلا أعلام حق ترفرف في سماء عربية قد لبدتها صنوف من غيوم الجهل و التخلف و التبعية و الابتعاد عن خصوصيات عروبتنا و ديننا الإسلامي..

و جاءت قصائده قالب فكر و وعاء روح شاعر سياسي بامتياز بدليل قوله: فأنا الفن

و أهل الفن ساسة

فلماذا أنا عبد

و السياسيون أصحاب قداسة؟

و يقول أيضا: و لا تدري كم أنا سعيد، فجميل أن يكون المرء شاعرا في خدمة أمته لا ممثلا لقبيلة معينة.﴿ رجاء النقاش..شاعر جديد يلفت الانتباه..مجلة المصور..1987..ص 4)

وقد كانت تضحية الشاعر كبيرة فلم يضعف يوما أمام التهديد بالقتل و الذي راح ضحيته رفيق دربه : ناجي العلي، إذ ظل الأمل و الألم منبع انفعالاته المولدة لشعره الغاضب المتمرد إيمانا منه بأن الإبداع الصادق و رسالته الحقيقية تتناقض في الجوهر مع التبعية، لأن كل فن عظيم هو مؤثر و فاعل و ملتزم بحرية الفنان العميقة في دواخله..يقول مقتنعا و مقنعا:

"قصيدتي هي لافتة تحمل صوت التمرد، وتحدد موقفها السياسي بغير مواربة،

وهي بذلك عمل إنساني يصطبغ بالضجة والثبات على المبدأ، وعليه فإنني لا اهتم بصورة هذه

المظاهر، وكيف تبدو بقدر اهتمامي بجدية الأثر الذي تتركه، والنتائج التي تحققها)

(عبد الرحيم حسن – لقاء مع أحمد مطر – مجلة العالم – لندن ، ص 53 )

تعدد نفيه ، إذ من العراق إلى الكويت ، ومنها إلى مغادرة البلاد العربية إلى منفاه بلندن سنة 1986 ليكمل أحمد مطر مشواره منتقما من قوى الشر بقلمه...لكن المنفى أسقطه في براثين المرض و الحنين مما أثر في أن يصبح شعره وصية لكل شريف عربي يرفض ذل أمته و هوانها..وفي ذلك موقف شجاع لفضح حكام ارتبطت مصالحهم بالأجنبي و باعوا أوطانهم، أوطاننا، لصالح ثبات عروشهم و كراسيهم..وجعلوا شعوبهم خانعة خاضعة بذل و استعباد.. 


وفي قصيدة بعنوان: "الجزاء" يقول:

في بلاد المشركين

يبصق المرء بوجه الحاكمين

فيجازى بالغرامه!

ولدينا نحن أصحاب اليمين

يبصق المرء دمًا تحت أيادي المخبرين

ويرى يوم القيامه

عندما ينثر ماء الورد والهيل

بلا إذن

على وجه أمير المؤمنين (لافتات1..ص55)

وفي قصيدة بعنوان "هذه الأرض لنا" يقول:

قوت عيالنا هنا

يهدره جلالة الحمار

في صالة القمار

وكل حقه به

أن بعير جده

قد مر قبل غيره

بهذه الآبار

يا شرفاء

هذه الأرض لنا

الزرع فوقها لنا

والنفط تحتها لنا (لافتات 2..ص17) 


الخلاصة:

امتزجت هذه العوامل جميعها من بيئة خاصة كالفقر، والحرمان، والنفي، والمطاردة، وبيئةعامة كالطبيعة الجميلة، بما فيها من نخيل رمز الشموخ والعطاء والتحدي، وأنهار وجداول رمزالتطهير والتغيير والثورة، والريف رمز الصدق والشرف والوضوح، امتزجت بيئة الشاعر بنوعيها الخاص والعام بثقافته الواسعة التي تمتد بجذورها إلى الماضي الزاهر بنماذجه المشرقة،وحتى الحاضر الأليم بخيره وشره، وبما فيه من ثقافة عربية وأجنبية، إضافة إلى العامل السياسي؛ الذي كان له أكبر الأثر في تمرد الشاعر وثورته على واقعه السياسي، وبروز هذاالجانب في شعره بشكل واضح.

أعماله:

خلف الشاعر الكبير أحمد مطر ابداعات سجلها تاريخ الأدب العربي الحديث بمداد الفخر و الاعتزاز برجل وهب حياته لقضايا أمته قلبا و قالبا وهو الذي شق طريقه في الحياة والإبداع بإرادة صلبة تحدى الفقر والنفي والتشريد بحثاً عن ملجأ وهرباً من سطوة السلطة ، وكان الوطن حاضراً في وجدانه أينما حل وارتحل . 


واجه احمد مطر غربة قاتلة وضياعاً وتشرذماً حاول أن يقابل ذلك بالرفض والتحدي بجرأته فكانت السخرية من الواقع شعاره ، بموسيقى تتفق مع الحدث وتنبع منه بتلقائية سيطر عليها بحرا الرجز والكامل بهدوئهما وجمال موسيقاهما ، فضلا عن تدفق آهات الشاعر التي تفرض عليه النثرية أحيانا لأن آلامه كبيرة لا تستوعبها حدود التفعيلة ، فكانت هموم شاعرنا هي هموم الوطن .

إن مهارة احمد مطر وموهبته أعطت القصيدة دفقاً جديداً ولوناً متميزاً في ساحة الأدب العربي المعاصر

تمثل السخرية لدى شاعرنا براعة ولعبة ذكية لا يجيد استخدامها إلا الأذكياء المبدعون ، لذا فان براعته في السخرية شكلت حقيقة تميزه عن غيره من شعراء العربية المعاصرين ، لان شاعرنا وظّفها بوعي خدمة لبناء نص عربي جديد حتى أن السخرية شكلت طابعا مميزا لإعماله الشعرية ، وصارت علامة يمكن أن يتلمسها القارئ لشعره ، وميَّزته هذه العلامة عن أقرانه من الشعراء العرب المعاصرين .

و من أهم أعماله : لافتاته 1 سنة 1984 - إني المشنوق أعلاه

2 سنة 1987 - الساعة )1989)

3 سنة 1989 - العشاء الأخير لصاحب الجلالة إبليس الأول(1990)

4 سنة 1993

5 سنة 1994

6 سنة 1997

7 سنة 1999 


البؤرة الثابتة في النص :

معلوم أن للشاعر ثوابت و مرتكزات انبنى عليها مشروعه الثوري الرافض للإستعباد و التحكم، و عليه فإن الحرية ركيزة أساسية تتضح من خلالها ملامح الحر و المستعبد في خانتين تباين بين الطرفين...ليكون سىعيه إلى إدراك حقيقتها و معرفة صلبها حثيثا جعله يطرق كل الأبواب المؤهلة للتلقين لسد ثغرة شغف التعلم من المصدر حتى لا يبقي مجالا للفهم المغلوط.

فمنذ مطلع النص و حتى متمه تجد القصيدة تنساب متدرجة في المضمون متكاملة البناء في الشكل، فقد اشتملت على الشروط البنائية و الجمالية إذ توفرت حركية التنصيص في الأفكار المتعلقة بالحرية في محاولة البحث عن مدلولها و كذلك في شكل النص البصري المتنقل بين ضفتي الشطرين في نظام البيت.

وبهذا فإن مفاهيم البؤرة الثابتة واضحة المعالم، صريحة التواجد ، امتدت عبر النص و تكثفت فيها ايديولوجية الشاعر بكل ما تحمله من زخم فكري و أدبي قادر على بعث الرسائل غير المشفرة إلى المتلقي في تدقيق معنى الحرية...وهي منطلق كل المتغيرات المتحركة في النص.

فالبحث عن هذه الاحتمالات المتحركة في النص يقود إلى الكشف عن أفكاره و مضامينه المتصلة شكلا و مضمونا، و عن المفاهيم المجوفة بإتقان ضمنه، لتنجلي أمام القارئ شامخة صورة الانسان المهوس بالمعرفة حتى و إن جاب من أجلها الدنيا ايمانا منه أن في الحيرة سيضيع الحق و تزول مشروعيته.

فما بين السؤال عن الحرية تناسلت تساؤلات تظهر بعضا من جوانب شخصية الشاعر الساخرة كثيرا و الجادة أحيانا ، ليعلن بالفعل عن جهل بمعنى الحرية: ما هذا اللفظ وما يعني وأية شيء حرية؟

ويباشر رصد الجواب لكن بدون جدوى،مما يدفع به إلى ملاحقته عبر ما أتيح له من مضامير المساءلة و المكاشفة و التي يختمها بالمحاسبة.

و إذا وضعنا في الاعتبار تهكمية الشاعر و سخريته فإن ذلك لا يخفي جوانب شخصيته من حدة و صرامة و جدية انعكست ظلالها في القصيدة من خلال طرح السؤال و انتظار الجواب و حسن الإصغاء إلى قائله و مجادلته وتغليطه سرا أو علنا...كل ذلك بتعبير بسيط المبنى بجمل قصيرة و أسلوب حواري يتلقى عبره القارئ الرأي و الرأي الآخر..

فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم بالعربيـــــة

فأجاب معلمنا حزنا وانساب الدمع بعفوية

و الحوار بؤرة لأسر المتلقي ليتتبع و يواكب أطرافه في حديثهم و ما يصدر عنهم من انفعالات و تفاعلات جالبة للاهتمام بغية تحقيق مقصود وصول الرسالة و ضمان تأثيرها المباشر في النفس و العقل.

و تعتبر البؤرة الثابتة في النص بلاغا صريح اللهجة لممارسة قناعة الشاعر و إظهار نواياه، و نضاله المرير طيلة حياته لتحقيق الحرية للشعب العربي انطلاقا من واقعه السياسي القلق و ما يعرفه من قمع داخلي و انكسار خارجي ، فكانت هذه القصيدة حلبة تصارعت فيها الأفكار و تجاذبت لتصب في مجرى مسلمة الشاعر من خلال تجربته الفكرية الناضجة بأن الحرية قاعدة و أساس..

يقول أحمد مطر:

أنا شاعر من عامة الناس،أعيش محنة كل الناس فأعبر عنها، فأستنهضهم للخلاص، و ليعمل كل على شاكلته. أما إذا شئت بديلا عما هو قائم ، فهو نقيض كل ما تراني أنتقده في شعري. إنه مختصر في حرية الانسان و امتلاكه لأمره وفق قانون ربه ( لقاء مع أحمد مطر ، موقع الساخر، ص21)

سئل أحمد مطر:

متى فقدت حريتك و تراكمت عليك الأحزان؟

فأجاب:

لم أفقد حريتي حتى أجدها، لقد فقدت أشياء كثيرة و كبيرة بسبب انشغالي بالحفاظ على هذه الحرية، و لو أنني فقدتها لكانت كل تلك الأشياء في حوزتي ما عداي..حريتي هي أنا و لن تستطيع أي قوة في الدنيا أن تجردني منها، و لو جردتني من روحي، لقد أودعتها القدرة على الصراخ حتى بعد موتي ( لقاء مع أحمد مطر، موقع الساخر، ص22)

وقد سقت هذه الأقوال لبيان ما تحتله الحرية في اعتبار الشاعر الذي قيم ذروة المأساة حينما تنتهك الحرمات و تندس المقدسات على مرأى و مسمع قادة متخاذلين أمام ما يجري في أوطانهم و غاية ما يقومون به هو الاستنكار أو التنديد أو الشجب، فقال:

لو لم تعد في العمر إلا ساعة لقضيتها بشتيمة الخلفاء

وقال أيضا:

أنا لست أهجو الحاكمين و إنما أهجو بذكر الحاكمين هجائي

(قصيدة: ما أصعب الكلام، في رثاء ناجي العلي،موقع الساخر)

البيئة الشعرية للنص:

تعد بيئة الشاعر عاملا مؤثرا في تجربته الشعرية عامة و تظهر ملامحها جلية حينما تقاس بالمحطتين الرئيسيتين في حياته: قبل و بعد المنفى. فقد عاش أحمد مطر في محيط انساني أثر بالغ الأثر في وجدانه و باشر أسر عواطفه ليعتقها الشعر من جذوة الحنين و ألم النوى، فتفجرت ينابيع البوح و الصراخ من منبع ملكة شعرية فذة ، محددة توجهات الشاعر الفكرية و الأدبية و السياسية و الاجتماعية و التي عشقها المتلقي المتعطش إلى رموز و قيادات شريفة حرة.

الموضوع أو التيمة:

مقياس الدقة:

لم يكتف الشاعرفي النص بمحاولة تقديم معنى الحرية بعد التحري و التقصي ، بل فاقه إلى تجسيد واقع تنعدم فيه، و تحديد مآل من يطالب بها..و هنا تظهر بجلاء و وضوح ملامح قوته و جسارته في الكشف عن المستور، و فضح وجوه التسلط و الاستبداد و التشهير بأفعالها المشينة مما يجعل المتلقي متابعا باهتمام و ترقب ليفهم أكثر و بشكل أعمق ما يروج من حوله و يؤدي إلى سلب حريته و كبح جماحها، يقول:

وعلمت بموت مدرسنا في الزنزانات الفردية

فنذرت لئن أحياني الله و كانت بالعمر بقيـــــة

لأجوب الأرض بأكملها بحثا عن معنى الحرية

ليحدد على لسان التاريخ ما يؤمن أنه الحرية:

إن الحرية أن تحيـــــــــى عبدا لله بكليـــــــة

وفق القرآن ووفق الشرع ووفق السنن النبوية

لا حسب قوانين طغــــــاة أو تشريعات أرضية

وضعت كي تحمي ظلامـا و تعيد القيم الوثنيــــة

مقياس الصحة و الخطأ:

لم يتوان الشاعر عن التزام الحقيقة التاريخية حيث ساق من أجل ذلك كل صنوف الدلائل و الحجج لتحقيق الوضوح بعيدا عن اللبس و الغموض ليكشف أن الحرية ضائعة بين ثنايا الاستبداد الذي تمارسه أجهزة قمع الحكام و أعوانهم ضد الشعب الذي حرموا عليه الإيمان بوجود الحرية كفاعل بنيوي في حياته اليومية، فما عليه سوى الخضوع و الخنوع و الامتثال لأمر الحاكم و ذيوله من عساكر و مخبرين..يقول الشاعر:

ما يمنح مولانا دومـــــــا بقرارات جمهوريــــــــة

أو تأتي مكرمة عليـــــــا في خطب العرش الملكية

واليسر بضوء فتاوانـــــا و الأحكام القانونيـــــــــــة

ليست حقا ، ليست ملكـــا فأصول الأمر عبوديـــــــة

أما هامش الخطأ فهو ضئيل إذا ما اعتبرنا ما ورد عن الشاعر من أسئلة داعمة لجهل عالم بالأمر، إذ لا يمكن أن يقاس السؤال المعروف جوابه بالخطأ ما دام الهدف منه تثبيت و تقوية و تذكير لمنتهى المعنى،يقول متسائلا وهو في مرحلة التمدرس:

أخبرنا أستاذي يومــــــا عن شيء يدعى الحرية

فسألت الأستاذ بلطــــف أن يتكلم بالعربيـــــــــــة

ما هذا اللفظ و ما تعنــي و أية شيء حريـــــــــة؟

هل هي مصطلح يوناني عند بعض الحقب الزمنية؟

أم أشياء نستوردهــــــــا أو مصنوعات وطنيــــــة؟

مقياس الجدة و الابتكار:

في النص موارد جدة وابتكار تلاءمت مع رؤية الشاعر الساخط، الرافض، المنجذب بإيمانه نحو طموح إلى التحرر و الانعتاق من كل جبروت أو طغيان، فكانت الجدة في صبغ الحرية بمدلولات و إن غلبت عليها السخرية فهي قابلة للصحة بمنظور تهكمي قد يجول بخاطر الانسان العادي، فجاءت المعاني المطروحة متعاقبة في تسلسل زمني له بداية و نهاية، وما بينهما ابتكر الشاعرشخصية المستجوب الذي يرمي أن يعرف الآخر الجواب و يتحقق منه بنفسه و على لسان المجيبين و قد تعددت مشاربهم الفكرية و الدينية و السياسية و الاجتماعية ، يقول الشاعر مستفسرا أستاذه أولا:

هل هي مصطلح يوناني عن بعض الحقب الزمنيـــة؟

أم أشياء نستوردهــــــــا أو مصنوعات وطنيــــــــــة؟

لاحظ البعد المعرفي بين الحرية و هذه الأشياء، لكن بحنكة أدبية و تمرس نضالي بالكلمة نجح الشاعر في ربط الحرية بهذه المجالات و التي استجمع فيها مشارب ثقافته المتشعبة بين الثراث العربي الإسلامي بدليل قوله : وذهبت إلى شيخ الافتاء لأسأله ما الحرية

والثرات الانساني حيث اعتمد على الحقب و أهلها عارفا بأمورالحياة معرفة دارس متفحص فذكر: اليونان، الأزارقة، السنن الكونية، الصليب،فرعون، الطاغوت، الماسونية ، السلفية، البوذية ، السيخ ...وكلها إحالات على مواقف و آراء تخدم موضوع النص في نسقية ميزها الخط الزمني الذي رسمه الشاعر منطلقا في رحلة بحث طويلة قادته إلى جهات تعرف جيدا معنى الحرية : تسرده مفصلا و تبرهن على صدقيته و مشروعيته كمعنى أوحد للحرية فيقول:

- قصدت نوادي أمتنـــــــــــــــا أسألهم أيـــن الحريـــــــــة؟

- وذهبت إلى شيخ الافتـــــــــاء لأسأله ما الحريــــــــــــــة؟

- ووصلت إلى بلاد السكســـون لأسألهم عـــــن حريـــــــة

- وسألت المغتربين و قــــــــــد أفزعني فقد الحريــــــــــــة

- وسألت أديبا من بــــــــــلــدي هل تعرف معنى الحريــــة؟

- وذهبت إلى صنـــــاع الرأي و أهل الصحف الدوريــــة

ووكالات و إذاعـــــــــــات و محطات تلفزيـــــــــــــــة

- ناديت يا أهل الإعــــــــــلام أهذا معنى الحريــــــــــــــة؟

- وقصدت منظمة الأمـــــــــــم و لجان العمل الدوليـــــــــــة

وسألت مجالس أمتهــــــــــــم و الهيئات الانسانيــــــــــــــة

- ووقفت بمحراب التاريـــــــخ لأسأله ما الحريــــــــــــــــــة؟

ابتكار الشاعر ألزمه بتكرار لفظ الحرية كثيرا في النص دون أن يخلف لدى المتلقي نفورا أو إستياء، حتى لكأننا نشعر باستمتاعه بوقع هذا اللفظ على نفسيته المتعطشة للحرية فجاء تكرارها محمدة نافعة بقوة التأكيد ، ضامنة لتمكنها من شدة التأثير في النفس طالما هي المحور.. 


مقياس العمق و السطحية:

شخصية الشاعر و غزارة منتوجه الشعري بمحتويات عميقة أضفى على النص صدقا فنيا تعددت جوانبه ، فالرؤيا واضحة ، و الرسالة معلومة، و الوسائل بسيطة بساطة السهل الممتنع.

فالشاعر لم يتردد في توظيف أسلوبه الساخر بطريقة الكوميديا السوداء للتعبير عن عمق معاناته في هذا النص ، فجاء نفسه الطويل في نظمه متنفسا لتفجير غضبه و تمرده، فما يؤمن به عبر عنه دونما هروب إلى عوالم أخرى كالطبيعة مثلا،معتمدا المباشرة في نقل المعنى كما أراد له عميقا تصل جذوره إلى نفسه الحزينة الغاضبة الموجوعة غير اليائسة...مما يدل على وعي و واقعية في تفجير أخطر الألغام أمام المتلقي ليرى بوضوح و تفاعل هذا الواقع المر الذي يحتويه مسلوب الحرية..

يقول الشاعر: من خالف مولانا سفهـــــــــا فنهايته مأساويـــــــــــــــــة

لو يأخذ مالك أجمعــــــــــــــه أو يسبي كل الذريـــــــــــــة

أو يجلد ظهرك تسليــــــــــــــة و هوايات ترفيــــــــــــــهية

أو يصلبنا و يقدمنـــــــــــــــــا قربانا للماسونيــــــــــــــــــة

فله ما أبقى و أعطــــــــــــــى لا يسأل عن أي قضيــــــــــة

ذات السلطان مقدســــــــــــــة فيها نفحات علويـــــــــــــــــة

كما يقول في نفس السياق:

فبمولانا وبحكمتــــــــــــــــه ستصان حياض الحريــــــــــــة

و هناك أمر ملكــــــــــــــــي و بضوء الفتوى الشرعيـــــــــة

يحمي الحرية من قـــــــــوم راموا قتلا للحريــــــــــــــــــــة

و يواصل كشف المستور فيقول:

أمر السلطان و مجلســــــــه بقرارات تشريعيــــــــــــــــــة

تقضي أن يقتل مليـــــــــون و إبادة مدن الرجعيـــــــــــــــة

فليحفظ ربي مولانــــــــــــا و يديم ظلال الحريـــــــــــــــة

درجة العمق في النص تتجاوز المألوف لدى المتلقي لتسبر أغوار نفسه المثقلة بهموم الحياة اليومية

كلما ضغط الشاعر أكثر على الجرح ليفتحه من جديد، فقد صور له بتدقيق التفاصيل أحوال طالب الحرية أو الراغب فيها مما يثير الرعب حتى بمجرد التفكير فيها .يقول بسرد فني تشوبه لهجة المحذر من مغبة السعي وراء الحرية ما يلي:

تسمع ما لا يحكى أبــــــــدا و ترى قصصا بوليسية

و يكون المجرم حضرتكــم و الخائن حامي الشرعية

ويلفق حولك تدبــــــــــــير لإطاحة نظم ثوريــــــــــة

وتساق إلى ساحــات الموت عميلا للصهيونـــــــــــية

و يزيد توضيح الصورة فيقول:

وانشق الباب و داهمنـــــي رهط بثياب الجنديـــــــــة

هذا لكما ، هذا ركـــــــــــلا ذياك بأخمص روسيـــــــة

أخرج بخبر من تعرفهـــــم من أعداء الحريــــــــــــــــة

وذهبت بحالة إسعـــــــاف للمستشفى التنصيريــــــــــــة 


مقياس نقد العاطفة:

تعتبر العاطفة طاقة محركة لمشاعر يختزنها الانسان لدفعه إلى الميل إلى شيء دون آخر، فيمارس بها حقوقه كاملة في الحب و الكره أو في الفرح و الحزن أو في القبول و الرفض......

فالشاعر محكوم بدرجة جياشة عاطفته في اتجاه ما يعبر عنه في النص نظرا لمواقفه المحسومة سلفا بفعل قناعاته و ما توصل إليه عبر تجربته الذاتية و الموضوعية. نعم هو من المدافعين الأشاوس عن الحرية، تحمل من أجل ذلك كثيرا و ظل صامدا ثابتا على موقفه المطالب بحق مشروع .. 


مقياس الصدق و الكذب:

إن الشاعر و هو يبدع هذا النص لجأ بشكل تلقائي إلى مرجعيته الدينية و الثقافية الملمة بغزارة المحصل عنده و المتنوع ما بين عربي و غربي..و قد يكون الدافع إلى نظم القصيدة هو نفسه في قصائد أخرى لها نفس الطابع و تسبح في نفس الفلك: تعرية الواقع و الكشف عن عيوبه واستمالة المتلقي إلى مواقف أكثر جرأة..و هو ما نجح الشاعر في إظهاره في النص بنسبة صدق عالية تمثلت في موقفه و رأيه و طريقة التعبير عنهما و هذا صلب ما عرف به عند الجميع و تشهد عليه مسيرته الفنية الحافلة بصدق عواطفه و مشاعره كإنسان خلوق في تمرده، شغوف بأمل تغيير الوضع العربي و الانسان العربي إلى الأفضل و الارتقاء بهما إلى مستوى أحسن يليق بالتاريخ المجيد لأمتنا وريادتها في انتاج الفكر الانساني في شتى المجالات مشكلة حضارة مجيدة سجلها التاريخ بمداد الفخر و الاعتزاز.

يقول كاتما غيظه: الحرية لا تستجـــــــــــدى من سوق النقد الدولية

و الحرية لا تمنحهـــــــــــا هيئات البر الخيريــــة

تؤخذ قسرا، تبنى صرحــــا ترعى بجهاد و حميـــة

يعلو سهام و رمـــــــــــاح و رجال عشقوا الحريــة

يواصل بنفس الحرقة على أمة فرطت في ثوابتها:

لن يرفع فرعون رأســـــــا إن كانت بالشعب بقيـــــــــة

فجيوش الطاغوت الكبرى في وأد و قتل الحريـــــــــــة

من صنع شعوبا غافلــــــة سمعت ببروز الهمجيـــــــــــة

حادت عن منهج خالقهـــــا لمناهج حكم وضعــــــــــــية

واتبعت شرعة إبليـــــــــس فكساها ذلا و دونيـــــــــــــــة

إن تأثير النص في نفس المتلقي بالغ الأثر نظرا لمصداقية الشاعر التي استمدها من تاريخه الحافل بأشكال النضال و التزامه اللا محدود بقضايا أمته و تفانيه في إعلاء الحق و رفضه لكل أشكال التبعية التي أنزلتنا مراتب و درجات في سلم الرقي و الازدهار.. 


مقياس القوة و الضعف:

لا جدال في تأثير الأدب الرفيع في النفس، إذ يحملها إلى عوالم الجمال حيث ترتقي الأذواق و تسلم..فالنص من الشاعر رجة قوية و هزة إعصارية للمتلقي تترك وقعا في نفسه فتنفعل بها في خط تتصاعد من خلاله درجة الانفعال و التفاعل من منطلق النص إلى منتهاه ليجد القارئ نفسه مستريحة باقتناعها بما ورد فيه و قد تغيرت لديه أشياء صوب ما يرمي إليه الشاعر..

يقول مذكرا :- ديني الاسلام و كذا وطنــــــــي وولدت بأرض عربيــــــــــــــــة

فإن كان للمتلقي أن ينفعل فالبداية مشاركة الشاعر في الدين الاسلامي و الوطن العربي و هما ما يثبت الهوية و الخصوصية التي توارت خلف مستجدات واقع أليم...يقول صارخا :

يا وكر الشرك و مصنعـــــــــــه في أمتنا الاسلاميـــــــــــــة

وفي تفصيل هذا يقول:

▪ وخطيب طالب في شمـــــــــــم أن تلغى القيم الدينيـــــــــــــة

و يمنع تداول أسمــــــــــــــــاء و مفاهيم إسلاميـــــــــــــــــة

و إباحة فجر و قمـــــــــــــــار و فعال الأمم اللوطيــــــــــــة

▪ إن الحرية أن تشبــــــــــــــــع نار الرغبات الجنسيــــــــــــــة

الحرية فعل سحـــــــــــــــاق ترعاه النظم الدوليـــــــــــــــــــة

هي حق الاجهاض عمومـــــا و إبادة قيم خلـــــــــــــــــــــقية

كي لا ينمو الاســــــــلام و لا تأتي قنبلة بشــــــــــــــــــــــرية

هي خمر يجري و سفـــــــاح و نواد الرقص الليلــــــــــــــية. 


تتمة  الدراسة: (قصيدة: الحرية لأحمد مطر)


المدخل الجمالي للنص:


إذا كان الشعر فنا يقوم على تشكيل اللغة بالجرس الموسيقي و المحسنات، فإنه بذلك يستهوي النفس ويصبح ملجأها لاكتشاف الجميل...و الشاعر أحمد مطر من زمرة شعراء جيله الذين ساهموا في إغناء التجربة الشعرية العربية ليس على مستوى الكم فقط ، بل بما أسدوه لها على المستوى الجمالي من ترقية و تحسين، فجاءت تحفا فنية خالدة بما تملكته من مواطن الجمال في فن القول و التعبير وخير من نستشهد بهم رواد القصيدة العربية الحديثة : بدر شاكر السياب، محمود درويش، نزار قباني،سميح القاسم و غيرهم ممن جعلوا القصيدة سلاحا أشهروه في وجه الفساد و الاستبداد نظرا لطبيعة المرحلة التي تواجدوا فيها على المستوى الفكري و السياسي...

تميزت قصيدة (الحرية) باستهلال جميل تجسد في تصوير أجمل لحظات الانسان وهو داخل فصول العلم، و ما تحمله هذه اللحظة من تشكيلات للذات و بناءات للعقل واختراق الجماعة بالفردانية ، و هو منطلق يبعث شرارة ما سيتلوه من مواقف تسلح فيها الشاعر بلغة بسيطة، مباشرة،سلسة للتعبير عن مضامين نارية كاسحة لبواطن الخنوع في نفس المستهدف بها موظفا جولة تدفقت فيها العواطف و المشاعر في حبكة حصر الموضوع من خلال العنوان( الحرية) الثابت المقرر للمضمون و المنفتح على آفاق زمكانية طالعتنا من خلالها الشخوص المستجوبة وهي تعبر عن مواقف انسانية غاية في إدراك واقع مفروض غيبت فيه المفاهيم الحقيقية للحرية و حلت محلها صورة قاتمة سوداوية بعثت في المتلقي كل اندهاش و تأزم بما هو موجود فعلا على أرض الواقع، وبما يجب أن يوجد حقا طبقا للقوانين الشرعية لا الوضعية...

يقول الشاعر في هذا الصدد متسائلا ومجيبا:

هل نحن نعيش زمـــــــــــــــان التيه و ذل نكوص و دونيــــــة؟

تهنا لما ما جـــــــــــــاهدنـــــــا و نسينا طعـــــــــم الحريــــــــة

و تركنا طريق رسول اللـــــــــه لسنن الأمــــــــــــم السبأيــــــــة

قلنا لما نــــــــــــــــــــادونــــــــا لجهاد النظـــــــــم الكفريــــــــــــة

روحوا أنتم سنظـــــــــل هنــــــا مع كل المتــــــــــع الأرضيــــــــــة

فأتانا عقاب تخلــــــــــــــفنـــــــا وفقا للسنـــــــــــــــن الكونيــــــــــــة

و إذا كان الشعر إبداعا هادفا بالتزام قضية ،مشروط بنجاح الشاعر في تبليغ رسالة، فإنه أيضا تفعيل لآليات جمالية اللغة العربية في قدرتها على استيعاب مضامين مكثفة و مثقلة وجدانيا بما يصوغه الشاعر من حروفها الهجائية من ألفاظ و تعابير مؤثرة برموزها شكلا أولا ونطقا ثانيا بما تثيره عند مخارجها من أحاسيس ضبطها علم (السيمانتيك )الذي اهتم بلغة القاموس و كيفية استخدامها وطريقة نظم الجمل معتمدا على( الفونتيك)في تحديد الأصوات الناتجة عن رموز الحروف...فالكلمة تتكون من صورة الرموز و المعنى و الأصوات المشكلة لها..

وهنا يظهر إبداع الشاعر في نظم قصيدة ذات بعدين جمالين على مستوى الشكل و المضمون موظفا مصادر ثقافته و كثافة رصيده المعرفي منها لصوغ الكلمة الفاعلة المؤثرة سواء كانت لفظا أو في سياق التعبير بالتركيب الفني المتقن في التقاء عناصره...وقد نجح أحمد مطر في قصيدة الحرية حينما بلغ في تشكيلها في تركيبة فنية رائعة.

القصيدة حماسية تهدف إلى شحذ الهمم واستنهاض أصحابها للقيام بما يجب من ثورة و تغيير، لذلك انصب اهتمام الشاعر على انتقاء ما يليق بهذه المفاهيم من ألفاظ قوية التأثير ، مبلغة القصد بطريقة مباشرة و سريعة. فكان اللفظ توأم معناه..لا مجال معه للتأويل أو القراءة الجانبية. مثلا: كل أفعال النص ذات حمولة لا تقبل الانزياح نحو مفهوم غير المعلن : أخبر، سأل ، تعني ، أجاب ، علم ، أجوب ،....)

كذلك جاءت التعابير معلنة عما تحمله من معنى مراد في شكل جمل إخبارية ، استفسارية سواء مثبتة أو منفية، مثلا قوله: - علمت بموت مدرسنا - أسالهم أين الحرية؟ - لا تسأل عن هذا أبدا - احذر من أن تعمل عقلا - لا تصغي يوما يا ولدي.....)

فمع الشاعر لم نحتج إلى غوص في ما يعتبره البعض ركائز جمالية النص من محسنات بديعية و موسيقى شعرية ، اللهم بعض أوجه التشبيه والاستعارة ( كفراخ الطير البرية-الحرية أزهار- كطير الحجل)

..بل تملكتنا جمالية النص بما هو عليه من بساطة في التعبير جعلته أقرب إلى نفس أضناها واقع تغيب عنه كل مظاهر الجمال و روائعه بسبب ما يعيشه من أوضاع القهر و الحرمان.. 


الموسيقى الشعرية:

تميزت القصيدة بنبرة بدأت هادئة نسبيا مع مطلع القصيدة ثم تدرجت نحو الانفعال حد الصراخ بنفس شعري لا تعيقه الإطالة في سرد الأفكار و بسطها ...فبعد سؤال الأستاذ عن الحرية وتعجبه من جهل تلاميذه لها ، يجيب وهو حزين باك متأسف أن(هم) قد انسوا تلامذته: - كل التاريخ - كل القيم العلوية

فأجاب معلمنـــــــا حزنـــــا و انساب الدمع بعفـــــــــــــوية

قد أنسوكم كل التـــــــاريخ و كل القيـــــــم العلويــــــــــــة

أسفي أن تخرج أجيـــــــال لا تفهم معنى الحريـــــــــــــــــة

لا تملك سيفا أو قلــــــــما لا تحمل فكرا و هويــــــــــــــــة

ثم ينتقل الشاعر بنا من بوابة الحزن و الأسف إلى مدخل الموت ليسحبنا معه إلى ما دعاه ليبحث عن معنى الحرية بعد موت معلمه في الزنزانات الفردية مما لاقاه من تعذيب وتنكيل سحبا منه الحياة..يقول:

وعلمت بموت مدرسنــــا في الزنزانات الفرديــــــــــة

فنذرت لإن أحياني اللـــه و كانت بالعمر بقيــــــــــــــة

لأجوب الأرض بأكملها بحثا عن معنى الحريــــــــــــة

وقد حقق الشاعر لنصه موسيقاه الشعرية بالقافية خصوصا حين جعلها ياءا مفتوحة غالبا بالشد، مما أضفى على النص صبغة التقوية و التأكيد و التوقف للتأمل، وكما أكده علم الأصوات فإن الياء حرف هوائي حلقي يخرج من وسط اللسان ، وهو حرف من الأصول و كذا من الزوائد.

وطعم هذه الموسيقى بحرف الراء الذي سبق الياء في (الحرية) وهو من الحروف الصفيرية ذات الجرس الذي يوحي بالشدة و وضوح الرؤيا.وقد ورد لفظ الحرية في النص 53 مرة ، في حالة التعريف43 مرة، و في حالة التنكير10 مرات، كما أنه ذكر في الشطر الأول(الصدر)16 مرة، و في الشطر الثاني(العجز)37 مرة.

وقد كان مطواعا للشاعر نظمه المسجوع بحكم أنه يكتب لمتلق بسيط يستهدف عقله و وجدانه لإذكاء حماسه و رفع همته، و هذا ما ساهمت فيه الموسيقى الشعرية في النص حين حركت فينا شتى صنوف المشاعر، بنغم تجلى في حسن اختيار الشاعر لألفاظ ثلاثية غالبة(لطف،حزنا،الدمع،سيف، قلم،همسا،علم، فهم، يوم، فقه،شيخ...)و تراكيب وجيزة مكثفة في جمل فعلية في أغلبها(أخبرنا أستاذي-فأجاب معلمنا- علمت بموت مدرسنا- حكى همسا- وأتى رجل- سألت المغتربين.....)وكل ذلك في بناء عمد الشاعر فيه إلى تحقيق التناغم في الألفاظ رسما و صوتا و معنى بتوظيف الكلمة السائدة في التداول اليومي و لم يغرق معانيه في قوالب غابرة وجب البحث عن معانيها في القاموس...وهذا دليل دربته و حنكته الشعرية التي مكنته من كلام منظوم سلس و منساب..

أما الأساليب فقد تنوعت تنوعا كبيرا أضفى على النص تحكما أوطد بنفسية المتلقي ، فكان الحوار في النص مدخلا معتقا من الحيرة و التوجس، إذ من خلال أطرافه التي كان الشاعر محورها الأوحد،وضح الشاعر مواقفه، وأثبت بحججه،وحارب للوصول إلى الحقيقة وهي رسالته (معنى الحرية)، فاستعمل:

- الاستفهام (20) مرة : (- ما هذا اللفظ؟ - هل هي مصطلح يوناني؟ - أين الحرية؟ - هل تفهم؟ -أشيخ هو؟ - هل تعرف معنى الحرية؟ - ألأني أطلب الحرية؟.......)

- النفي( 37) مرة:(- لا تفهم- لا تملك - لم أسمع – ليست حقا – ما عرف – لا تبقى – لن أعدم – لا تستجدى – لم يعطوا- لن يجمع.....)

- الأمر(9مرات): (- ارحل – افهم – احذر – اسمع – روحوا – أخرج...)

- الاستثناء :(إلا إن خانوا)

- التخيير( أشيخ أم من أتباع البوذية أو سيخي أو وثني....)

وكل هذه الأساليب ضمنت روعة النص البنائية لغويا لما لها من دلالات مناسبة للمضمون عبر أسلوب إنشائي أوضح بجلاء درجة الوعي الاجتماعي لدى الشاعر..فإذا كانت القصيدة وسيلتها اللغة و غايتها الامتاع الفني للمتلقي فقد استطاعت أيضا تحويله إلى منفعل مشحون بالتساؤل، يستسيغ مواطن الجمال من خلال ما وظفه الشاعر شكلا وبناء وصورة و معنى.

نلمس من خلال هذا المدخل، أن القصيدة حادة في بنائها تتميز بالسهولة و الانسيابية مع درجة كبيرة من الرصانة و وضوح الهدف التحريضي. فبناء القصيدة يقدم نسقا ثوريا يقوم على استئصال الصور المميزة برسوخها في ذهن المتلقي و هي مقصودة...وطرحها مبسطة أمامه من خلال التجربة الشخصية للشاعر، ففاعلية الصورة الشعرية عنده قامت على إدراك عقلي فجر وعيا شعريا غاية في تحديد الوحدة الموضوعية ذات الإيقاع السليم وهي في اعتبار الشاعر بديل عن الواقع حينما جاب فيها أطرافه و اخترق مواقعها و وقف على رموز الفساد يسائلها بكل حرية و جرأة و سيادة.

يقول:

- وقصدت نوادي أمتنـــــــــــــا أسألهم عـــــــن الحريــــــة

فتواروا عن بصري هلعـــــــا و كأن قنابل ذريــــــــــــــة

ستفجر فوق رؤوســـــــــــهم و تبيد جميع البشريــــــــــة

- ارحل فتراب مدينتنـــــــــــــا يحوي آذانا مخفــــــــــــــية

- وذهبت إلى شيخ الافتـــــــــاء لأسأله مــــــــــا الحريــــــــة

مع العلم أن النماذج متعددة في نص طويل أعلن عن رحلة بحث، فاستوقفنا عند محطات طرح فيها نفس السؤال و اختلفت الأجوبة عليه...

-المدخل السلوكي:

القصيدة مصب لما عرفنا الشاعر متشبثا به و مدافعا عنه، تبدو فيها شخصية أحمد مطر بما عهد فيها من جرأة تصل حد الوقاحة في بعض الأحيان في قول الحق:

يقول:

- يا وكر الشرك و مصنعـــــــــــه في أمتـــــــــــنا الإسلامية

- الحرية لا تعــــــــــــــــــــــطيه هيئات الكفر الأممـــــــــية

- من صنع شعوبا غافــــــــــــــلة سمحت ببروز الهمجيــــــة

- وكلام السيد راعـــــــــــــــــينا هو عمدتنا الدستوريـــــــــة

فوق القانون و فوق الحكــــــــم و فوق الفتوى الشرعيـــــــة

و دون غوص أو تعمق تطالعنا صراعات استقدمها الشاعر من الواقع إلى القصيدة بفضل تأثره بمجتمعه و تأثيره فيه. فأي شيء يعلو عند الشاعر غير فضح الفساد و المفسدين، و السعي إلى تحقيق الحرية و السيادة، فكان لرصيده المعرفي الغني أن مكنه من ثوابته السلوكية ذات المنحى الإيجابي في الوقوف إلى جانب المستضعفين المقهورين، و مساعدة المحتاجين و الجهر بالحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،وفي هذا لم يكن الشاعر إلا واحدا من زمرة شعراء آثروا الحرية كموضوع لأشعارهم ،باعتبار أن طبيعة المرحلة السياسية التي أججت الصراع العربي –الصهيوني تفرض انخراطهم في الدفاع عن الحرية كشرط أساسي لتحقيق تقدم الشعوب و رقيها من أمثال: بدر شاكر السياب و محمود درويش وأبو القاسم الشابي...كما تتناص القصيدة مع القرآن الكريم الذي يؤكد على المساواة والعدل بين الناس و يتطرق للكفر و أهله...و فيها نفحات من أقوال الأولين و حكم حكمائهم وذكر للأئمة و الفقهاء (أحمد بن حنبل – ابن الجوزية – ابن تيمية) و جرد للديانات( المسيحية- اليهودية- البوذية- الوثنية) بما يفيد أن النص متعدد الحقول الدلالية بين الديني و الفلسفي و العلمي... 


و الدلائل على ذلك في النص كثيرة منها:

- هذا رجس هذا شرك في دين دعاة الوطنية

- وكلامك فيه مغالطة و به رائحة كفريــــــة

- يفتون كما أفتى قوم من سبع قرون زمنيــــة

تبعوا أقوال أئمتهـــم من أحمد لابن الجوزيـــة

أغرى فيهم بل ضللهم سيدهم و ابن التيميـــــــــة

- و سألت النفس أشيخ هو أم من أتباع البوذيــــــــــة

- أو سيخي أو وثنــــــي من بعض الملل الهنديــــــة

الخلفية الأخلاقية

و قد تمحورت القصيدة حول معنى الحرية ، و هو ما يعرفه الشاعر جيدا و مستعد للدفاع عنه بكل قوة و جسارة مما يجعله قدوة تحتذى و مثلا يتبع في التصدي لأعدائها و الوقوف بوجههم...

من العنوان و حتى متم القصيدة يستهويك مجال الخوض و المقارعة لتتسلح بالإيمان المشروط برفضك للتبعية و نبذك لأسباب الضعف و الهوان...وهذا السلوك من الشاعر قوي بعفويته وسليم بصدقه مما يجعل المتلقي يقدم طواعية و بتأثير منه على نهجه أو على الأقل الإعجاب به و التصفيق له..

ويمكن تجزيء القصيدة إلى فقرات طرحت من خلالها أجوبة من سألهم الشاعر عن معنى الحرية..حيث اختلفوا ما بين أفراد(الأستاذ – شيخ الافتاء – الأديب ) و جماعات ( نوادي الأمة – المغتربون – صناع الرأي – واكالات – إذاعات – محطات تلفزية.....)لهم جميعا وزن وثقل سياسي و اجتماعي و فكري و ديني، لتكون القصيدة ملمة و محيطة بما يمكن أن يخدم القضية في بعدها السلوكي المباشر و الذي تترتب عليه قناعات و مواقف كل طرف يراها صحيحة من منظوره الخاص، و للمتلقي أن يحسم موقفه حسب درجة التأثر السلوكي بالنص و ما يشاطر الشاعرمن نقط التقاء أهمها المحور: (أي الحرية قيمة انسانية، و معتمد أساس لبناء صحيح و سليم للذات و الجماعة)

و من هنا يتضح ارتباط النص بحالة صاحبه الوجدانية و بمحيطه الذي جمع كل عناصر الحياة في صورة اكتملت من خلال جدلية( الفكر و الواقع)

المدخل الاستنباطي

للمتلقي درجة من الوعي ، و مستوى من الإدراك يستطيع من خلاله التجاوب مع النصوص المختارة لتلقيه سماعا أو قراءة، فيكون مستعدا مسلحا بترسانته الفكرية الثقافية للتأثر بهذه الابداعات بعقله و مشاعره ليعيش كل مرة تجربة المبدع لحظة الإبداع، فتتوطد العلاقة بالنص في التحام مع حمولته الفكرية و الأخلاقية التى تعلن عن مواقف الشاعر عبر مواعظ و عبر يستنبطها المتلقي فيستحسنها لما فيها من صدق يتأثر به مباشرة:

- 1) التشبث بالهوية و الدين، يقول أحمد مطر:

ديني الاسلام ، و كذا وطني و ولدت بأرض عربيـــــــــــة

الويل لك ما تعطينــــــــــــي أصليبا يمنح حريــــــــــــــة

- 2) دور التعليم في تربية الأجيال، يقول:

أسفي أن تخرج أجيـــــــــال لا تفهم معنى الحريــــــــــــــة

لا تملك سيفا أو قلـــــــــــما لا تحمل فكرا و هويـــــــــــــة 


- 3) الطموح الصامد، يقول

فنذرت ل~ن أحياني اللــــــه و كانت بالعمر بقيـــــــــــــــــة

لأجوب الأرض بأكملهـــــــا بحثا عن معنى الحريـــــــــــــة 


- 4) الشجاعة في المواجهة، يقول:

فتواروا عن بصري هلعــــا و كأن قنابل ذريـــــــــــــــــــــــة

ستفجر فوق رؤوســــــــهم و تبيد جميع البشريـــــــــــــــــــة

- 5) الثبات على الموقف وقدرة التحمل و الصبر، يقول:

وانشق الباب و داهمنـــــــي رهط بثياب الجنديـــــــــــــــــــــة

هذا لكمــــا، هذا ركـــــــــلا ذياك بأخمص روسيــــــــــــــــــة 


- 6) الكفاح و الجهاد و النضال، يقول:

الحرية نبت ينمـــــــــــــــــو بدماء حرة و زكيــــــــــــــــــــــة

تؤخذ قسرا، تبنى صرحــــا ترعي بجهاد و حميــــــــــــــــــة

يعلو سهام و رمـــــــــــــاح و رجال عشقـــــــــوا الحريـــــــة 


- 7) اتباع طريق الحق على نهج الصراط المستقيم، يقول:

من صنع شعوبا غافلـــــــــة سمحت ببروز الهمجيــــــــــــــــة

حادت عن منهج خالقـــــــها لمناهج حكم وضــــــــــــــــــــعية

و اتبعت شرعة إبلـــــــــيس فكساها ذلا و دونـــــــــــــــــــــــية 


- 8) الشجاعة و قوة الإيمان، يقول:

لن يجمع في قلب أبـــــــــدا إيمان مع جبن طويــــــــــــــــــــــــة 


المدخل الرقمي

في النص و عبر مداخله السالفة حاولت استخراج الدلالات و ايضاحها قدر المستطاع، وفي هذا المدخل الأخير سأحاول رصد الدوال المحملة بها رقميا:

الحرية: 53 الزمن:13

الاستعباد:53 المكان: 36

الترهيب و التخويف:44


 

سميرة شرف 2017



إشراف الناقد الذرائعي : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

الاثنين، 7 سبتمبر 2020

بقلم الناقدين دكتور رمضان الحضري والناقد حاتم عبدالهادي السيد

تجربة نقدية غير مسبوقة

تأخرت كثيرا لأن لكل ناقد وجهة نظره الخاصة 

وهكذا تنتهي الحملة النقدية التي تبدأ أول كل شهر .

**********************************

النموذج في الكتابة
( عبده الزراع )

********
فرق كبير بين أن يكتب الشاعر ما يمكنه وبين ما يجب عليه ، فحينما تسأل شاعرا لماذا كتبت نصك بهذه الطريقة ،فهناك أشكال ومحتويات أنجع يخبرك بأن هذا ما تعلّمه ، فقدم ما يمكنه ، فجعل نفسه معلما وهو لم يتعلم ، ونصب من ذاته شاعرا وهو لم يعرف ماهية الشعر
ولا وظيفة الشاعر ، حيث إنني أتذكر الآن ذلك الرجل الذي وقف تحت عمود للإنارة في السحر الأعلى من الليل يبحث عن مفتاح بيته فلما مرَّ عليه صديقه سأله : عمّ تبحث ؟ ، قال : أبحث عن مفتاح بيتي ، فقال صديقه : هل سقط من هنا ؟ ، فقال الرجل : لا بل سقط في الشارع الخلفي ، فسأله صديقه : إذن لمَ تبحث هنا ؟ قال الرجل : لأن المكان هنا مضاء بينما الشارع الذي سقط فيه المفتاح مظلم .
فالرجل يبحث حيث يمكنه أن يبحث والصواب أن يبحث حيث يجب عليه أن يبحث ، هذه تقدمة لكي أكتب عن شاعر مصر الكبير
وأديبها النبيل / عبده الزراع .
وقد وصلني ديوانه ( حمحم براحتك ) عبر صديقي الدكتور / رمضان الحضري ، فقرأت الديوان ، ومن القراءة كانت مقدمتي .
******
عبده الزراع أحد أساطين شعر العامية المصرية، وهو واحد من جيل ترعرنا فيه معاً، جيل يكافح بالشعر مدافعاً في وجه الزمان، حيث يصفو الشعر ، ويشفّ، وتكون الكتابة نزف في الوريد والشريان، وإذا كانت العامية المصرية هي أدب الشعب،فإننا نرى ذلك متجسداً عبر ديوانه الرائع : " حمحم براحتك" ، فهو ينشد الحرية عبر قلمه المضىء، وعبر شعره الذى يغزله من صوف روحه الشاهقة، وفى قصيدته : " طير المحبة طروب " نراه ينشد الأمل بعد مرار الألم، وينشد الحب والأحلام ليعبر إلى جسر الحب المضىء بقلبه العامر، فهو يغنى للذات، لنا وللوطن المجروح الجريح ،فهو يكتب ليهرب من الواقع المرّ الدامى ، من الموت بدون الكتابة، فالكتابة هي الحياة ، آخر نبض في شدو القلب الحزين 

،يقول :
ها كتب قصيدة جديدة
من دمى
ها كتب قصيدة جديدة
للأحلام..
ها كتب كلام على كل طير ويمام
عماّل يرفرف ف السما
وبروحه يرمى السلام
ع الأهل والخلان
......
شجر الكلام موزون
محلا الغنا ف الدندنة
من كل شكل ولون
ورّد المحبة حنون
ها كتب مدام عايش
والقلب نبضه شجون
......
ها كتب عشان أحىّ
عشان يحمى..
نبض الوطن ف الروح
كابسه الخلايق كابسة
على جرحنا المجروح
وإحنا ولاد الوطن...
ضايعين فى كل الدروب
طير المحبة طروب
ها كتب كمان..
ها كتب..
ها كتب عشان.. أبعد
أهرب بعيد جدا
م الاكتئاب..
م الموت..
إنه الشاعر الذى يكوثر المخيال لدينا، ويعبر بالحلم الدافىء إلى ذواتنا التواقة للحب والحياة ،فنراه ينشد الحرية للوطن السليب عبر قضيتنا المصرية العربية المصيرية، قضية فلسطين فنراه يستدعى شاعر القضية الكبير / محمود درويش ليحكى لنا أشجانه، يستنطقه بعد أن غيبه الموت ليقول ويعلن في إصرار : " إذا كان محمود درويش قد مات فإن هناك ألف درويش غيره، يقفون وراء القضية، وراء مقدرات شعب سليب، يمثل دم عروبتنا المراق، وهو الحلم الذى نتغياه جميعاً كعرب ومسلمين، بل وكل أحرار العالم لمحو هذا العار الذى يلطخ جبيننا، عار الإستعمار الصهيو- أمريكى الغاشم، يقول في قصيدته : " كان نفسه يكون عصفور " :
كان أخضر زى أوراق الزيتون
فى مواسم قطفه..
كان عطفه يفيض ويساع الكون
كان عقد الفل.. وطوق ياسمين
حوالين الوطن الأم فلسطين
ما قدرش ف يوم غير إنه يكون الشاعر
طالع زى الندى م (البروه)
خطاويه وخداه لمصيره
واختار الصعب يكون له طريق
كان قلبه ربيع بيضيع من بين كفيه
ما قدرش فى يوم يفصل بين حلمه
وحلم الوطن المهزوم..
ولا خاف من إنه يكون مطرود
من رحمه جنات صهيون
كان نفسه يكون عصفور .
ولنلحظ هنا جماليات الوصف عبر الصور الشاهقة، وعبر فرادة المعنى والمبنى لمعمار اللغة الشاهق الذى يستدعيه من قاموس الحب بروحه الشاهقة الجميلة، المحبة، والنازعة نحو الحرية والعدل ، وإذا كان السلاح يقاوم فإن الكلمة أقوى من البارود ، فهى الرصاصة التي يستخدمها شاعر ليمحق ويعرى الإستعمار الغاشم الكئيب .
وتبدو قضية الحرية دالإً مشتركاً بين قصائد الديوان الأشهى الذى تكتنفه مرارة آسنة، ووجع يحاول فيه الشاعر التحليق حول أرواحنا لينزع غلالة الحزن، ويعبر بالحلم / بالقارىء إلى آفاق أكثر جمالاً ، وتخييلاً فيتشارك القارىء معهفى الحلم والأحزان، ويندغم في جماليات صورة التي تحيلنا إلى واقعنا بكل ما فيه، فهو يعكس – كما أسلفنا – نبض الشعب، يقول :
عصافير طليقة بتعشق الأوطان
بتسيب ملامح وشوشها ع الشجر..
وبتستخبى م الخجل جوا الميدان
لجلن تعيد اللى اتسرق..
من حلمها..
يطلع هتافها شجن
وأنين بيسكن فى الضلوع
بترتب الأوضاع على كفوف البراح
وبتنطلق زى الصاروخ شايلة الجراح
ساعات بترجع للوطن
وساعات بتعجز ع الرجوع.
وتراوحقصائد الديوان بين موضوعة الوطن كمفردة تتقاطع في أغلب قصائد الديوان، وبين المحبوبة / الحلم، الأمل السعيد الذى يتغياه، ويحاول أن يرسمه لنا عبر صور متراتبة، تمنطق العقل، وتفلسف الوجود والحياة والكون والعالم، فهو المحب العاشق للحياة، فنراه كعازف أرغول وحوله العالم يعزف له اغرودته الجميلة ، يقول :
هو انت فاكرانى استويت
ولا انتهيت..
ولا الهوى شخلل جرس قلبى
أنا فعلا الأحلام خديتنى لمنتهاكى
ورسمت ورده ف عروتك
وقعدت جنب رموشك الهفهافه
أنتظر اللقا..


ولعلنا نلمح طزاجة اللغة عبر بصمته الشاعرة التي تستلب المخبأ في وجيب الروح، وتقطف الجمال من خد الورد ، وتأخذ بقلوبنا إلى آفاق أكثر جمالية وطرب ، فننشد معه أغنيات الفرح الشهى للشعرية الباذخة التي تخشّ إلى القلب عبر موسيقا النور العابرة إلى مرافىء الروح ، ومزهريات الورود، وضوع العطر من ياسمينة الحياة المزغردة، يقول :
معقوله زي الشجر بترقي وتميلي
 ريحك بنفسج عطّر المواويل
 والناي بيعزف لحنك الطازه
 وانت رموشك ليل..
 ولقلبي أجمل دليل 
 مين إللى علم خطوتك لغة التمرد؟
 والانحياز للتفرد 
 مين إللى فجر دهشتك قناديل؟ 
 يا رقة العصافير.. 
 وزقزقات الطير
 خليني أدخل مهجتك..
 واستهجي طلعتك
زي القمر ف الليل
 معقوله زي الشجر.. بترقي وتميلي
إنه الشاعر الذى يعزف قطيفة الجمال من روحه النضرة الخصبة التي
تنشر العذوبة والرقة حينما يشاء الشاعر ذلك ، مما يجعلني أقول أن عبده الزراع لا يمتلك أدواته فقط ، فليس كافيا أن تمتلك الأدوات ولكن الأهم من ذلك هو كيفية استخدامها ، فهو يمتلك السيطرة على عقل المتلقي ، وقلة من يفعلون ذلك ، ولذا فحينما يحصل على جائزة الدولة التشجعية نقول إن الجائزة هي التي فازت به ، ليكون سطرا من ذهب
عبر تاريخها .
بقلم الناقدين :
حاتم عبدالهادي السيد
د / رمضان الحضري .
القاهرة في
6 من سبتمبر 2020م

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

بقلم : مولاي الحسن بنسيدي علي

قراءة عاشقة في شعر الدكتور محمد علي الرباوي 


ــ رافقت مسيرته الأدبية لأربعة عقود من سبعينيات القرن الماضي نهلت من شعره وأدبه وكثيرا ما استمعت إليه بل لاحقته في المجالس والمحافل وكنت مهووسا كجميع الشباب أنذاك بالشعر الجميل والنفحات الإيمانية لكثير من الرواد أمثال الدكتور حسن الأمراني والدكتور عبدالرحمان بوعلي والدكتور الراحل محمد بنعمارة رحمه الله وأسماء أخرى 
وتشاء الأقدار أن يشب الطفل ويكبر في رحاب أمراء الحرف والكلمة المعبرة والقصيدة الراقية فيعترف بفضل الرجال عليه ويدون سيرتهم 
حسبت أنني سأمر مر الكرام على مجموعة من القصائد الشعرية وقد لا تأخذ مني زمنا لقراءتها أو التمعن فيها حتى إذا ما انتهيت منها وضعتها على الرف لأرجع إليها بعد مدة قد تطول أو تقصر ولكن الأمر هاته المرة يختلف عن سابقه ؛ وجدت نفسي أدك برأس سباتي على وسط نظارتي الغليظة لأدقق في الحروف والكلمات وأتلمس موضعي لأجلس متمعنا في بيان المعنى وروعة الأسلوب لم أكن قد انتبهت إلى إسم صاحب هذه الصور الشعرية الجميلة ، فتملكتني نشوة القراءة ولم يعد استعجالي للمرور عابرا خفيف المقام، بل كأنه دفء الموقد في ليلة باردة، وهي مجموعة دواوين الشاعر محمد علي الرباوي ..التي وجدت فيها سمو كبرياء صاحبها وعزة نفس عالية، يقول في قصيدة تحت عنوان "يا غزالا" 
يَا غَزَالاً اِشْتَهَيْنَا مَطْلَعَكْ
 أَيَّ ذَنْبٍ قَدْ جَنَيْنَاهُ مَعَك
ْ لاَ تَقُلْ عَنَّا سَلَوْنَاكَ
 فَمَا فِي الرُّبَا ..
زَهْرٌ تَنَاسَى مَرْتَعَكْ
 حَسْبُنَا أنَّكَ فِي القَلْبِ
 فَلاَ تَحْسِبِ القَلْبَ مُحِبًّا ضَيَّعَك
ْ هُوَ قَلْبٌ مُسْتَهَامٌ فِي الْهَوَى،
 آهِ لَوْ تَلْمَحُ فِيهِ مَوْضِعَك،ْ
 لا يمكن أن تجالسه دون أن تحبه، تقف معه على قصص الأولين ، وشعر البحتري وأبو تمام والمتنبي وبدر شاكر السياب وجبران وإليا أبي ماضي ودرويش ونازك الملائكة وفدوى طوقان ولمارتين وفيكثور هيكو وغيرهم ، ويتجدد أمامك شابا يغازل الجمال في كماله ، والطبيعة في روعتها ، يقف على الربوة ويمشي بين واحات النخيل ، ورجلا يحمل هم الناس وعشيرته وشعبه ووطنه وأمته،  ينشد المحبة، فمن يكون هذا الشاعر ؟ 
يقول فيه من عاشره ورافق مسيرته الأدبية زمنا ليس بالهين وطالت الرحلة بينهما،  فضيلة الدكتور حسن الأمراني : هو متوحد في تراتيله التعبدية، ومتوحد في تحريضه ضد القبح والظلم والجلادين . متوحد في محاريبه الذاتية ، ومتوحد في أشجانه الجماعية. له معجمه الخاص ، ولغته الخاصة وإيقاعه الخاص . وكل ذلك في توحد متناغم بين الإنسان والشاعر.. ويقول الأستاذ مصطفى الشليح في شهادات أوردها الدكتور محمد أبو أسامة دخيسي في مؤلفه قراءات في شعر محمد علي الرباوي الجزء الثاني الصفحة 171 يقول الأستاذ محمد الشليح في قصيدة الاستثناء ؛ محمد علي الرباوي : يحمل نهر الكلمات تاريخا من الأصوات تشتعل في البراري بيعة للمعنى .. محمد علي الرباوي حديقة العطش الأبدي الذي يروي فهلا يرتوي ؟ "انتهى" 
يثير القارئ بحرفه المعبر عن انتمائه ومعتقده متشبعا بالروح الدينية فلا تخلو قصائده من النفحات العطرة فتسمو معانيه الى عالم الفضيلة .
يقول في ذلك: عَارِياً جِئْتُ. رَقَّ لِضَعْفِي حَبِيبِي، فَكَسَانِي. وَحِينَ أَخَذْتُ الطَّرِيقَ إِلَى جَمْرِهِ ﭐشْتَبَكتْ قَدَمِي بِالتُّرَابِ وَلَكِنَّهُ مَا رَمَانِي أَنْتَ ﭐشْتَعَلْتَ وَلَمَّا تَحْتَرِقْ.. وَأَنَــا قَـدِ ﭐحْتَرَقْتُ شَجاً وَالْقَلْبُ مَا ﭐشْتَعَلاَ أَتُرِيدُ ضِيَائِي؟ جَاهِدْ فِي غَابَاتِي، حَتَّى تَأْمَنَ شَرِّي جَاهِدْ.. عَلِّي قَبْلَ لِقَاءِ حَبِيبِي لِمُحَيَّاهُ أَنْتَبِهُ. مُغْمَضَ العَيْنَيْنِ أَمْشِي بَاحِثاً عَنْكَ حَبِيبِي بِخُطًى مُرْتَبِكَهْ. لَيْتَ رِجْلِي يَا حَبِيبَ القَلْبِ تَبْقَى دَائِماً مَشْدُودَةً فِي الشَّبَكَهْ.
قد تتملكه الجذبة فينتفض وكأنه شيخ زاوية في عمارة الحضرة الصوفية يندمج في طقوسها إلى حد اللآوعي، باكيا على نغمات الهجهوج ونستمع إليه بإلقائه المتفرد والمتميز في قصيدته الرائعة والتي يقول فيها بعنوان : عَزْفٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى الهَجْهُوجْ دَنْ دَدَدَنْ دَنْ. دَنْ دَدَدَنْ دَنْ.. جُنَّ جُنُونِي لَمَّا عَوَّلْتُ عَلَى مَجْنُونِ دَنْ دَنْ دَنْ دَنْ دَدَدَنْ دَنْ دَنْ دَنْ *** دَنْدِنْ دَنْدِنْ سِيدِي مِيمُونْ دَنْدِنْ بِالْهَجْهُوجِ الْمَيْمُونْ دَنْدِنْ دَنْدِنْ سِيدِي مِيمُون إِنِّـي بِالْمُوسِيقَى مَفْتُونْ دَنْدِنْ.. دَنْدِنْ.. جُنَّ جُنُونِي دُلُّونِي يَا أَهْلَ الْحَالِ عَلَى حَالِي..دُلُّونِي.. دُلُّونِي الْيَوْمَ عَلَى مَنْ يَفْتَحُ لِي فِي شَلاَّلِ الدَّهْشَةِ بَابَا.. دُلُّونِي.. "انتهى"
 انه انصهار مع الذات كالذي تضيع منه روحه فيتلمسها مناجيا راجيا ان تعود إليه ليقرأ سر وجوده في آيات حبيبه الذي أتى به من عدم فكساه بعد عري وأطعمه بعد جوع وآمنه من خوف ونجد ما دهب إليه الشاعر نصه في القرآن الكريم وقد استلهم منه معناه إذ يقول الحق سبحانه في سورة الشعراء في الآيات التالية : 
﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)﴾ (سورة الشعراء)
 ويستمر معه البحث فهو لا يكف عنه يشعر باضطراب وانفعال شديدين عينه مشرئبة ترقب رؤية الحبيب يفتحهما ثم يغمضهما عساه يلمس بعضا منه ويمشي بخطوات ثقيلة ومرتبكة يرجو لو شدت إلى طريق الحبيب حتى تبقى دائمة المسير إليه يقول في المقطع الموالي : 
مُغْمَضَ العَيْنَيْنِ أَمْشِي بَاحِثاً عَنْكَ حَبِيبِي بِخُطًى مُرْتَبِكَهْ. لَيْتَ رِجْلِي يَا  حَبِيبَ القَلْبِ تَبْقَ دَائِماً مَشْدُودَةً فِي الشَّبَكَهْ أَعْرِفُ أَنَّ الدَّرْبَ الْمُوصِلَ يَا قَلْبِ لِبُسْتَانِ حَبِيبِي مَفْرُوشٌ بِالْوَرْدِ النَّاعِمِ لَكِنِّي وَأَنَا أَسْلُكُ هَذَا الدَّرْبْ تُدْمِي قَدَمِي أَشْوَاكٌ لاَ أَعْرِفُ كَيْفَ تَجِيءْ أُحْرِقُهَا قَبْلَ مَجِيءِ اللَّيْلِ بِمِصْبَاحِي الْوَهَّاجْ أُحْرِقُهَا فَرِحًا مَا دُمْتُ أُحِسُّ حَبِيبِي تَمْلأُنِي عَيْنَاه.
ْ وككل متميم أضناه البحث عن معشوقة فيفرح بلقائه أو سبيلا يدل عليه فينتشي طربا وينبض فؤاده سعادة لان الطريق إليه حتى وان شقت أو شطت هداية فنستمع اليه :
لَيْتَ جِهَاتِي تَتَوَحَّدْ فَتَصِيرَ حَبِيبِي جِهَةً وَاحِدَةً كَالأَلِفِ الْمَمْدُودَهْ اُذْكُرْ فِي خَلْوَتِكَ ﭐسْمَ حَبِيبِكْ اُذْكُرْ نُورَ حَبِيبِكْ وَعَطَايَاهْ اِمْلأْ أَنْتَ بِذِكْرِ حَبِيبِكَ كَأْسَكْ وَﭐشْرَبْ حِينَ تَرَاهُ جَلِيسَكْ تَكْسُونِي، مُنْذُ ﭐلأَمْسِ ،ٱلْقَزَّ فَأَنْسَى عُرْيِي، وَتُرَابِي . فَإِذَا خَتَمَ ﭐللَّيْلُ كِتَابِي قَدَّتْ مِنْ دُبُرٍ كُلَّ ثِيَابِي لِيَكُونَ حَيَاةً لِعَوَاصِفِهَا عُرْيِي .. هُوْ." انتهى "
إن حب الله تيم العاشقين فانخرطوا في مدحه والثناء عليه لأنه هو هو وفي هذا ناجت سيدة العشق الإلاهي رابعة العدوية مولاها رب السموات والأرض وخالق الإنسان وكل ما في الكون .
وإن كان هناك من يرجع هذه الأبيات - اسفله - إلى أبي فراس الحمداني ، الا أننا نرجح أن تكون العابدة الزاهدة رابعة العدوية صاحبتها إذ تقول: 
 مَا حَلَّ فِي ألكاس وَلاَ غَابَ عَنِ الكأس
 وليت الذي بيني وبينك عامر *** 
وبيني وبين العالمين خراب
 إذا صح منك الود فالكل هين ***
 وكل الذي فوق التراب تراب 
أحبك حبين حب الهوى *** 
وحبا لأنك أهل لذاك
 وحين اشتاق الى حج بيت الله جاءت البشرى تحمل إليه تذكرة السفر من اتحاد كتاب المغرب جر خطواته الثقيلة لمصاب حادثة سير ألم به ومن فرحه بملاقاة الحبيب والسلام عليه ، تزود بالتوكل على الله فلم يتخلف عن التلبية ولا عن القصيدة فأرخ بها صورا جمالية معبرة عن رحلة العشق للديار المقدسة قال في رائعته: عَارِياً جِئْتُ. رَقَّ لِضَعْفِي حَبِيبِي، فَكَسَانِي.
وَحِينَ أَخَذْتُ الطَّرِيقَ إِلَى جَمْرِهِ ﭐشْتَبَكتْ قَدَمِي بِالتُّرَابِ وَلَكِنَّهُ مَا رَمَانِي أَنْتَ ﭐشْتَعَلْتَ وَلَمَّا تَحْتَرِقْ.. وَأَنَــا قَـدِ ﭐحْتَرَقْتُ شَجاً وَالْقَلْبُ مَا ﭐشْتَعَلاَ أَتُرِيدُ ضِيَائِي؟ 
  ذكرت بعضا منها لجمال بيانها وروعة معانيها وقد يقابلها في المعنى والمبنى تناصا لأبي مدين الغوث رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه إذ يقول : 
أهل المحبة بالمحبوب قد شغلــــــــوا 
وفي محبته أرواحهم بذلـــــــــــــــــوا 
وخــربوا كل ما يفنى وقد عمـــــــروا 
ما كان يبقى فيا حُسن الذي عمـــــلوا 
لم تلههم زينة الدنيا وزخرفـــــــــــها
 ولا جناها ولا حلي ولا حُــــــــــــــــلل
 كثير من الشعراء ممن انشغلوا بالشعر الإيماني فتغنوا به ونظموا أشعارهم فنجد أمير الشعراء أحمد شوقي يقول في رائعته إلى عرفات والتي نقتطف ما يلي : 
إِلى عَرَفـاتِ اللهِ يـا ابنَ محمـدٍ * 
عَلَيكَ سَـلامُ اللهِ في عَرَفـاتِ
وَيَومَ تُوَلىِّ وِجهَةَ البَيتِ نـاضِرًا * 
وَسِيمَ مجَالِ البِشرِ وَالقَسَماتِ 
عَلى كُلِّ أُفْقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ *
 تَزُفُّ تَحـايـا اللهِ وَالبَرَكاتِ 
ِ ولا أريد أن أفوت جمال المعنى ولا أذكره , وهو يقارب ما أسلفنا الإشارة إليه عند شاعرنا الدكتور محمد علي الرباوي ،ونقتطف بعضا مما قاله الحلاج : 
لـي حبيـبٌ أزوره فـي الخلـوات 
حاضـر غائـب عـن اللحظـات
 ما ترانـي أصغـي إليـه بسمـع
 كي أعي مـا يقـول مـن كلمـات
 كلمات من غير شكـل ولا نطـق
 و لا مثـل نغـمـة الأصــوات
 فكأنّـي مخاطـب كـنـت إيًّــاه
 علـى خاطـري بذاتـي لـذاتـي
ونطرح السؤال لماذا الشعر الإسلامي أو الديني ؟ ولماذ اختار الشاعر هذا السبيل ؟ 
يرى بعض النقاد  مرد ذلك؛ قد يكون للتراجع عن الكتابة بعمقها الإيماني عند المثقفين العرب وتحولهم إلى ما يعتبرونه حداثة والنظر في أدب الأسطورة والالتجاء إليها في الاغتراف والاقتباس من رموزها واعتبارا للإديولجيات السياسية التي عرفتها المرحلة في كثير من الأنظمة العربية كالاشتراكية والشيوعية وما ذهبتا إليه، و يرى آخرون انفتاح الشباب وبعض المثقفين على الاتجاه العلماني وتسخير أقلامهم وكتابتهم في الشعر والمسرح والقصة والرواية لنشر ما تلقفوه من الضفة الأخرى، كان حريا بمجموعة من الأدباء والشعراء أن يتصدوا لهم خدمة لنصرة الشعر الإسلامي والمقام لا يسع لاستعراض المرحلة بأكملها وذكر أسماء روادها بالمغرب وخارجه ، -ومن بينهم الشاعر محمد علي الرباوي يقول الدكتور محمد ويلالي في مقال منشور بموقع الألوكة مظاهر إسلامية في شعر محمد على الرباوي في قصيدة أوراق مكية : لقد أثَّرت المناهج الغربية في كثير من شعرائنا، فذابت خصوصيَّة الشعر العربي - فضلاً عن خصوصية الشعر المغربي - في زحمة المصطلحات الوافدة، والرُّمُوز الغابرة، والأساطير الغريبة، بما حملته الحداثة الجارفة من ثورة على الثَّوابت، وزيغ على المقدس، وكان هذا الهاجس حاضرًا عند الرباوي، حين انعطف في لحظة من لحظات الإبداع إلى أصالة الأدب العربي، والمنهج الإسلامي في توجيه الفن وجهته السليمة،
ويوضح الشاعر محمد علي الرباوي مسألة بالاهمية بمكان تخص تجربته الشعرية بقوله :
   لم أمارس في أي مرحلة من مراحل حياتي الشعرية الشعر الرومانسي ذلك أن الرومانسية كما ظهرت بالغرب هي صدى لفلسفة محددة وبما أن هذه الفلسفة هي في تحول مستمر فان الرومانسية لم يعد لها محلا من الإعراب في الغرب خاصة، وفي عالمنا الإسلامي عامة ... ولهذا انا لم اكتب شعرا رومانسيا وإنما كتبت شعرا وجدانيا أما الشعر الديني فلم أمارسه قط . الشعر الديني مارسه المسيحيون واليهود . الشعر الديني عند هؤلاء شعر يهتم بالتغني بعلاقة العبد بمعبوده من خلال الابتهالات .او من خلال تمجيد القديسين وما إلى ذلك .انظر مثلا Les breviai res de Paul Claudel. وحضارتنا الاسبانية لم تنتج هذا النوع من الشعر .. ويضيف الشاعر :استغرب ان بعض النقاد يعتبرون أنني اكتب شعرا صوفيا وإذا كان من يكتب فيه فانا أكتب شعرا روحيا لا صوفيا وهذا الشعر الروحي مرتبطا بالذات في علاقتها بعمقها فهي مضطربة ؛ إذ تراها تقبل على الدنيا ثم حين تستيقظ تمتد بخطواتها نحو الدار الأخرى وفي هذا المسلك قد أتقاطع بشعري مع بعض من أشعار الصوفية ."انتهى" 
 وفي دراسة للدكتور نور الدين أعراب الطريسي أعدها حول تحليل النص عند محمد علي الرباوي في مؤلفه الاستعارة في الخطاب الشعري الصوفي المعاصر بالمغرب يرى في الصفحة(6) ان السائد في جل الدراسات النقدية التي اشتغلت على الشعر الصوفي للسعي إبراز العناصر الروحية والدينية في هذه التجارب الشعرية متوهمة أن التجربة الشعرية الصوفية تجربة تشتغل على المعتقد الديني بالدرجة الأولى ...وهو وهم سقط فيه بعض الشعراء أنفسهم فلم يسعوا إلى  التأمل وقراءة الحقائق والقضايا النظرية والنصية من داخل الخطاب الشعري ، الذي يخيل أنهم يكتبون من داخله .فمسألة الغرض _اليوم _ توجد خارج مجال الشعرية La poetique كما يقول جاكبسون Jakbson "انتهى"

 حرر بحمد الله من داخل مصحة العرفان بتاريخ 05 مارس 2017 ......
 بقلم الروائي والشاعر : مولاي الحسن بنسيدي علي
........................
المراجع ضمن النص

السبت، 8 يونيو 2019

بقلم مجد الدين سعودي

حسن السوسي
 في ديوانه الشعري《 روح الياسمين 》:
الشعر بطعم الياسمين
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


القسم الأول

_ _ _ _ _ _ _ 

برولوغ

_ _ _ _ _

حسن السوسي ...

اعلامي حقيقي زمن البهتان ...
شاعر رأسماله هذه المكاشفات الشعرية والجمال الانساني ... واعلامي يناصر قضايا الوطن ...
عاشق لفلسطين ...
صوت من لا صوت له ...
الشيء الذي دفع الأديبة مليكة الجباري في التظهير الى القول : (( حسن السوسي شاعر كتب منذ نعومة أظفاره شعرا ، ومقالات سياسية ... بقي على العهد ولم يحد عن قيمه ولغته ، رغم المدة التي قضاها في الغربة بلندن وباريس .
عرف كصحفي اعلامي محنك ، ومحلل سياسي فطحل . دافع عن قضايا وطنه باستماتة نادرة ، في العديد من المقالات السياسية التي نشرت له في صحف ومجلات عربية ، وطنية وأجنبية ... )) .
وشاعرنا حسن السوسي يفتح كوة في جدار الأمل ، فيعبر بلغة الشعر عن الياسمين والبياض ، ويعبر عن الشعر بلغة بياض الياسمين ..
سألنا الأديب والإعلامي حسن السوسي هل يجد نفسه في الشعر أو القصة أو الاعلام؟
فكان جوابه : ((الشعر بالنسبة لحظات متميزة تتخلل مسار الحياة ولا تعرف موعداً بعينه ولا تتقيد بإرادة ،إنما هي تأتي هكذا فتنحو نحو تسجيلها بالطريقة المتاحة  وفي لحظتها بالذات. أعتبر نفسي خارج المهنة وأضعها ضمن الهواية الضاغطة أحيانا. القصة بالنسبة لي هي ترجمة لمختلف مراحل الحياة الإنسانية. أحببت في صغري القصص القرآني وظل لهذا الحب قوته في دواخلي ، لذلك أميل أحيانا إلى تسجيل الوقائع ضمن منظومة من التخيل الذي لا يتقيد بالوقائع بل يضفي عليها مسحة من الإبداع الضروري لمنحها حياتها الخاصة ، الإعلام بالنسبة لي كان حلما لازمني منذ الصغر لست أدري لماذا لكن هذا واقع يعود إلى نهاية ستينيات القرن الماضي. ظروف الحياة الفعلية شدتني إلى الإعلام رغم تكويني الجامعي الفلسفي. باختصار حسن السوسي إعلامي مهنةً ، يحب الشعر والآداب بصفة عامة ويقتحم ميادينها من حين لآخر على سبيل المحاولة والمتعة .))
وعن الشعراء والأدباء الذين أثروا في مسيرته الأدبية ، يقول : (( أنتمي إلى جيل قرأ الكثير من النصوص الأدبية والنقدية العربية وغير العربية. قرأت نجيب محفوظ كما قرأت إميل زولا ، أحببت شعر المتنبي والبحتري وأبو تمام وابن الرومي ،كما أحببت فيكتور هوجو وبودلير وابولينير ورامبو، لدي ميل كبير إلى محمود درويش وسميح القاسم وومعين ابسيسو ونزار قباني،  كما أحببت عمرو بن كلثوم وأبو نواس وأبو العتاهية  ... أنا مزيج من كل هذه القراءات التي لم أتوقف قط عن تذوقها  ، أقرأ أكثر مما أكتب ليس لأنني أتهيب الكتابة وإنما لأنني أعتقد أن الكتابة لا ينبغي أن تتجاوز لحظة إنصات لمن يكتبون أو كتبوا عن موهبة ومران ...)) .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


1 ياسمين السيرة الذاتية 

_ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ 

حسن السوسي...
من منطقة المغرب الشرقي...
حاصل على إجازة في الفلسفة ...
مارس مهنة المتاعب (الصحافة) منذ مطلع الثمانينات...
مسؤول سابق بالقسم العربي لجريدة أنوال الأسبوعية لمدة ست سنوات ...
كتب في عديد من الجرائد والمجلات المغربية والعربية (الاتحاد الاشتراكي ، السفير اللبنانية ، الحياة اللبنانية ، الأهرام القاهرية ... ) .
مدير تحرير سابق لمجلة (الشعب العربي) في باريس.
قدم عدة برامج سياسية في شبكة الأخبار العربية لندن.
محلل سياسي في عدة قنوات فضائية (سكاي نيوز ، الغد ، الحوار ، المغاربية ، الحرة ).
قناته في اليوتوب تعرف التفاعل والانتشار ...
له ديوان شعري بعنوان ( روح الياسمين) .
من مشاريعه القادمة:
( كتاب حول القضية الوطنية .
كتاب حول الثقافة السياسية.
كتاب حول الممارسة السياسية. )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

2 ياسمين الاهداء

_ _ _ _ _ _ _ _ _ 

هو اهداء بطعم المحبة والاعتراف (الزوجة والابناء) بسبب تحملهم غربته عن الوطن والعيش بعيدا :

(( الى زوجتي رقية،
الى أبنائي سميح ، سلمى ، شادي ونزار الذين تحملوا الغربة عن الوطن وغربتي الخاصة ، في الزمان والمكان ...
لكم حبي ، واليكم اعتذاري عن كل ما تسببت فيه من معاناة إضافية لكم ، حقيقة ، ولو دون قصد . الصفحة 3 ) .
وطعم الغربة مرير ، وهذه الشاعرة الفلسطينية (انتصار الدنان) المغتربة في لبنان تشتكي من الغربة وتقول في قصيدة (غرباء نرحل) :
(غرباء نرحل دون عنوان
.... خاوية قبورنا باردة
... ملّت أجسادهم الانتظار
سفينة العمر ترحل
والجسد يشتهي طعم التراب
تراب الوطن.)
والأديب حسن السوسي يحس بوجع الغربة والبعد ، فكان اهداؤه لعائلته الصغيرة التي تحملت بعده وحنينها وشوقها له .
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 
3 ياسمين العنوان
_ __ _ _ _ _ _ _

لقد اختار الأستاذ حسن السوسي (روح الياسمين) عنوانا لديوانه للأسباب التالية : (اخترت هذا العنوان لأمرين: أولهما كون هذا النص مركزيا ضمن المجموعة ، لذلك كان ضروريا إبرازه عنوانا دالاً ، الثاني: لأن الياسمين بالنسبة لي أمل دائم لأن عبقه لا يعرف الحدود ويخترق كل تخوم المكان والزمان. ولأن داخل المجموعة نصوصا تنضح بالألم أحيانا فلست أريدها أن تكون دليلي إلى الحياة كما لا أريدها أن تكون كذلك لغيري من الذين يقرأون تلك النصوص ... ) .

وللأستاذ حسن السوسي حكاية مع الياسمين كالتالي : (حكاية إنسان مع الطبيعة ومفاتنها أولا، وحكاية إنسان تلقى كثيرً باقات ياسمين ضمن بيئة تحتفي بالياسمين باعتباره رمز الحب في لونه وفي عبيره على السواء ... ) .
وفي هذا السياق هناك أسطورة يونانية قديمة تدور حول البياض والياسمين ، ملخصها أن عاشقين افترقا ، فهامت العاشقة بين الكواكب تشكي لها لواعجها ، وكان العاشق يتبعها من كوكب لآخر بحثا عنها ، وعندما وصلت العاشقة الغاضبة كوكب الأرض ، بكت ، فكانت تنبت زهرة بيضاء مكان كل دمعة ، حتى امتلأت الأرض بالزهور البيضاء ، ثم غادرت الأرض ، فوصل حبيبها الى الأرض ، ليستنتج بأن حبيبته مرت من الأرض ، فكان يعانق الزهور ، وكلما قبض على زهرة الا وانحنت له ، فيضع عليها علامة  ومن تم يتغير لونها، وهكذا ، ووصل زهرة الياسمين فأبت الانحناء له وحافظت على لونها الأبيض الى الآن ... والعبرة أن من ينحني يسهل تغييرة وتشكيله ، ومن يرفض الانحناء يبقى أبيضا شامخا وعزيزا ...
وتقول الأديبة المغربية مليكة الجباري في ظهر ديوان (روح الياسمين) : ((للياسمين روح تحرر فيه الشاعر (تقصد حسن السوسي) من قيود السياسة ليضيء عوالمنا بلغة مجازية . أحيا فيها الزمن ، وأشعل في دواخلها الحياة ، ليهدينا باقة شعر واكليل عطر ، تطرد الضجيج القابع خلفنا ... )) .
وجاء في موسوعة (ويكيبيديا) في مقال بعنوان ( ياسمين) ما يلي :
(( وقد تغنّى الشعراء بالياسمين وغنوا له، وتدلّى على شرفات المنازل وغطّى أدراج البيوت ومداخلها وعتباتها، وفي مدينة دمشق عطّرت رائحة الياسمين المساءات والأزقة والأفق الواسع حتى عُرفت بمدينة الياسمين، وبدت كما يصفها الشاعر الأندلسي (ابن البار) :
(فتلـك عروش الياسمـين وزهـره  كزهر النجوم وسط أفلاكها تبدو)
ولعل أكثر من تغنى بـياسمين دمشق وبياضه الناصع الشاعر (نزار قباني) الذي أهدته دمشق (أبجدية الياسمين) حسب تعبيره، وحكاية نزار قباني مع الياسمينة الدمشقية بدأت منذ فتح عينيه على هذه الحياة لأول مرة، ترعرع في ظلها لتصبح جزءاً من حياته وتفكيره وشعره ونثره، فالياسمينة الدمشقية موجودة في الكثير من قصائد نزار قباني . وأظهر تعلقه الشديد بها حتى أواخر حياته حينما كان يوصي ويصر على أن يُدفن في التراب نفسه الذي نبتت فيه حبيبته ياسمينة دمشق، حيث قال : (إنني أرغب في أن ينقل جثماني بعد وفاتي إلى دمشق ويدفن فيها في مقبرة الأهل لأن دمشق هي الرحم الذي علمني الشعر وعلمني الإبداع وأهداني أبجدية الياسمين) ..
أما الشاعر محمود درويش فيقول في قصيدته "في الشام" بمجموعته (لا تعتذر عما فعلت) : (في الشام، أعرف من أنا وسط الزحام، يدلّني قمر تلألأ في يد امرأة عليّ، يدلّني حجر توضأ في دموع الياسمينة ثم نام) .
وفي ما مضى "أبو البقاء عبد الله البدري"، عالم من القرن التاسع الهجري، ذكر في كتابه (نزهة الأنام في محاسن الشام): (أن من محاسن الشام (الحواكير) وهي كالحدائق في سفح جبل قاسيون، زُرعت بالرياحين والياسمين والأزهار المتنوعة ليحمل منها النسيم العابر طيب الريح، ويسري به إلى أماكن أخرى من المدينة... . ويكيبيديا )) .
 وعن أهمية الزهور وضمنها الياسمين ، في مقال له بعنوان (أساطير الزهور .. لغة رمزية ومفردات برائحة الأزل ) ، يقول عبدالقادر طافش :
(( يقول المثل الصيني: «إذا كان لديك رغيفان فبع أحدهما واشتر بثمنه زهرة، فإذا كان الخبز غذاء للجسد فالزهر غذاء للروح» ...
ويواصل : (( علاقة الزهور بالأساطير علاقة قديمة قدم الإنسان نفسه، ففي الثقافات القديمة ارتبطت الأزهار بالرموز ارتباطاً وثيقاً فكان زهر الغار رمزاً للنصر، والزيتون رمزاً للسلام، وزهرة الشوك رمزاً للآلام في أقسى صورها، وزهرة الياسمين غدت رمزاً للطهارة لارتباطها بأم السيد المسيح مريم العذراء عليها السلام. ))
والجدير بالذكر أن لفظ الياسمين جاءت في عدة عناوين لمجموعات شعرية وقصصية وغيرها ، نذكر منها على سبيل الحصر :
(موسم الهجرة الى الياسمين) لمعتز هاني (وهي مجموعة قصصية)
(أبجدية الياسمين لنزار قباني) (وهو ديوان شعري)
(سفر الياسمين) لعلي الشوابكة (وهو ديوان شعري)
(بانتظار الياسمين) لسمير حسين (وهو مسلسل تلفزيوني)
(دموع الياسمين) لمحمد القاطوف (وهو ديوان شعري)
(سيدة الياسمين) لمحمد محضار (وهو ديوان شعري)
(وعد الياسمين) لرابح فيلالي ( وهي رواية)
(فراشات بعطر الياسمين) للقاص محمد أبوناصر (وهي مجموعة قصصية)
(شجرة الياسمين) لغسان سعود (وهي رواية)
(أحلام الياسمين) لأمجاد الأسدي (وهي رواية)
(غصن الياسمين) لمهند التكريتي (وهي مجموعة قصص قصيرة)
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

القسم الثاني

_ _ _ _ _ _ 

1 عبق الياسمين

_ _ _ _ _ _ _ _ _

يحضر الياسمين رمزا للوجود والطهارة وتحدي الغربة لدى محمود درويش الذي يقول

في قصيدة (ليل يفيض من الجسد):
(ياسمين على ليل تموز ، أغنية
لغريبين يلتقيان على شارع
لا يؤدى الى هدف ...
من أنا بعد عينين لوزيتين؟ يقول الغريب
من أنا بعد منفاك في؟ تقول الغريبة.
اذن حسنا ، فلنكن حذرين لئلا
نحرك ملح البحار القديمة في جسد يتذكر ... )
ويواصل محمود درويش في نفس القصيدة مخاطبة الياسمين :
(يا سيدي؟ هل لدينا من العدل ما سوف
 يكفينا ليجعلنا عادلين غدا؟
 كيف أشفى من الياسمين غدا؟ ... ) 
ويتابع بوح العاشقين للياسمين :
 ( هكذا يترك العاشقين وداعهما 
فوضويا ، كرائحة الياسمين على ليل تموز ...
في كل تموز يحملني الياسمين الى 
شارع لا يؤدى الى هدف،
 بيد أني أتابع أغنيتي : 
ياسمين على أغنية تموز )
والملاحظ أن الشاعر حسن السوسي وظف الياسمين في عدة قصائد ، ففي قصيدة (للياسمين روح) ، تبتدئ كل المقاطع بالياسمين:
(للياسمين روح
يذكي روح اللواعج
الحرى ... الصفحة 9 )
و :
(بلسم هو 
ياسمين الصباح
لسهاد تملك
ليال
كأبد الدهور ... الصفحة 10 )
و :
(بلسم 
هو الياسمين
لكلام باهت
عن لحظات الاندمال ... الصفحة 11 )
و :
(نور
هو ياسمين الفجر
يخترق عتمة
غيوم الأيام ... الصفحة 12 )
و :
(للياسمين روح
الصباحات ... الصفحة 13 )
و :
(للياسمين طعم
التواطؤ الجميل
بين حقيقة الوجد
وسورة التمنع ... الصفحة 14 )
و :
للياسمين
لحن انقياد الروح ... الصفحة 15 )
و :
(للياسمين
لون تباريح
نهاية تشابك 
الألوان ... الصفحة 16 )
و :
(للياسمين
همسة البوح
الضالع في سويداء
قلب
أثخنته سهام
نافذة الحد ... الصفحة 17 )
و :
(للياسمين لغة
روحها
ختل
الروح آسرة
الأسرار
للياسمين 
فتنة مخضبة ... الصفحة 18 و 19 )
وسار الشاعر حسن السوسي على هذا المنوال في المقاطع السبع المتبقية من القصيدة ...
يناجي ياسمينه في قصيدة (سدول الوهم) ، فيقول :
(أحيى ياسمين الليل
لواعج ياسمين
الفجر ... الصفحة 37 )
بينما يتحول الياسمين الى زنبقة يفوح عبيرها في قصيدة (مقلة السريرة) :
(تتهادى زنبقة
الفجر
في حقل
الورود
يخفرها رحيق
البراعم الندية ... الصفحة 59 ) 
وها هو الياسمين يكتسي عطر المروج ، فيصدح شاعرنا في قصيدة (عطر المروج) :
(عطر ، عطر ، عطر
فاح
ملء السماء.
عطر المروج
فاح ، فجرا
في كبرياء ... الصفحة 126 )

_ _ _ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 


2 عبق الحنين 

_ __ _ _ _ _ _

يقول إبراهيم ناجي في قصيدة (الحنين) :


   (( أمسى يعذبني ويضنيني

 شوقٌ طغى طغيانَ مجنون

 أين الشفاء ولمَ يعد بيدي
 إلاَّ أضاليلٌ تداويني

 أبغي الهدوء ولا هدوء وفي
 صدري عبابٌ غير مأمون

 يهتاج إن لَجَّ الحنين به
 ويئن فيه أنينَ مطعون

 ويظل يضرب في أضالعه
 وكأنها قضبان مسجون )
ويواصل إبراهيم ناجي في نفس القصيدة :

( ويحَ الحنين وما يجرعني
 من مُرِّه ويبيت يسقيني

 ربيتُه طفلاً بذلتُ له
 ما شاء من خفضٍ ومن لينِ

 فاليوم لمّا اشتدّ ساعدُه
 وربا كنوارِ البساتينِ

 لَم يرضَ غير شبيبتي ودمي
 زاداً يعيشُ به ويفنيني

 كم ليلةٍ ليلاءَ لازمني
 لا يرتضي خلاً له دوني

 ألفي له همساً يخاطبني
 وأرى له ظلاً يماشيني

 متنفساً لهباً يهبُّ على
 وجهي كأنفاسِ البراكينِ

 ويضمُنا الليلُ العظيمُ وما
 كالليلِ مأوى للمساكينِ ))
 وحنين شاعرنا حسن السوسي ذو شجون ، فهو يفتح كتاب الذكريات في قصيدة (ملحمة الذكرى) ، ويقول بحزن :
(من غياهب الذكرى
تخفق اللواعج بالحب الأبدي

من شرايين الذكرى

تحتدم الهواجس
في بؤرة الوجد
جارفة كدر السنين
عن أديم التجلي
وآلام التوغل
في جروح المدى ... الصفحة 44 )
وبلغة التمني والحسرة :
(ود لو تمادى الحنين
في عصيانه العنيد
خدعة السراب
في فيافي العمر
ود لو عادت الذكرى
الى غيبتها الحميمية
تجلو عنها سجف العتمة ... الصفحة 47 )
ويواصل :
(ود لو تخفره السنون
في مسيرة التوجس
عبر مفازات
يعوي في فراغها
أزيز القيظ ولهاث الذئاب
لم يطرقها رحيل الأرق
في ليلة العمر
لم تطمثها
قبل أنفاسه الحرى المتوسلة
سدوم الترحال . الصفحة 48 )
يقول في قصيدة (تألق الصدى) :
(هو الحنين 
الى المرابع
الأولى
هو النهل
من المنابع
الأولى؟ ... الصفحة 54 و 55 )
وكذلك :
(هو الحنين
الى
منبع المرابع
الأولى؟

هو رواية

صبابة
رحلة الصدى

وترانيم التجلي


حفريات الألم

دهاليز اللذات
لهب
شرارة البدء
حرارة الذكرى
وتألق الصدى
في دروب
الحنين ... الصفحة 58 )
يعود لنوستالجيا الوطن في قصيدة (حبلى هذه الديار) :
(أشجار الصنوبر
فيك للنسور
مرافئ
وقلبي
أيتها النسور المحلقة
الريف
الأطلسان
شلال دمنا
المسفوح
بعطر السفوح ...140 و 141 )
ويختم قصيدته قائلا :
(تعالى النشيد :
مرحى بالريف
مرحى بالأطلسيين
مرحى بالهدير . الصفحة 144 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

3 عبق الجنون والحلم

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _

عبق الجنون

_ _ _ _ _ _ _

يقول نزار قباني في قصيدة (القصيدة تولد من أصابعها) :


 (( 

3
ولدتُ في برج الحمل .
برج المجانين الذين قرروا
أن يسرقوا من السماء النار …
4
خرجتُ من محارتي
مضرجاً كالسمكة ..
وفي يدي طبشورة تبحث عن جدار ..))
ويواصل نزار قباني لعبة الجنون والتمرد في نفس القصيدة :
((
5
هواية التكسير ..
كانت مهنتي .
وشهوة الخروج من
عباءة الأخوال و الأعمام …
6
يوم اشتروا لي قلماً .. ودفتراً
قررت أن أكون من عائلة البروق ..
لا عائلة الأحجار .. )) 
_ _  _ _ _  _ ___ _ _
ويمشي الشاعر حسن السوسي على نفس خط الجنون في قصيدته (عقل الجنون) :
(قيس عاقل ،
لا مجنون سواي.
ليلى تقفو أثر العشق
توقد جذوته
في الأعماق . الصفحة 27 )
وكذلك :
(لا مجنون سواي.
أسامر ليلي طلاسم
بوح ليس مثل البوح
أفك شفرة الصمت،
أقرأ اللاحروف المنقوشة
على شغاف قلب الذكرى
أعيد الكرة
تلو أختها
صبحي وأصيلي ... الصفحة 28 )
ويواصل :
(لا مجنون سواي
لا عقل
يدلني على جنوني ... الصفحة 29 )
ويتساءل :
(فكيف أدرك جنوني كنه الجنون
وكيف أزعم يتم جنوني
وأن لا مجنون سواي .  الصفحة 29 )
ويختم جنونه قائلا :
(ليلى عقل اللواعج
وقيس سادر في لجة عقل الجنون ... الصفحة 29 )
في قصيدة (مناجاة مختلسة) ، يكون الجنون بطعم الرغبات :
(رونق خاص
همس دافئ
عتاب مضمر
عن الغياب الحاضر
تسمو في أفق الضياء
تعامق سورة النجوم
الرافلة في حلل
موشاة بنور
الرغبات المؤجلة
رغبات الجنون
اليقظ
رغبات جنون
الجنون ... الصفحة 71 )
_ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

عبق الحلم

_ _ _ _ _ _

يقول أدونيس في قصيدة (حلم):

 ( غبْتَ ، اختفَيْتَ ؟ عرفتُ أنكَ سائحٌ
شرَراً ولؤلؤةٌ وموجَ غواية
تمضي تعودُ مع الفصولْ
ورأيتُ نارك في الحقولْ
عيناك أجنحةٌ ووجهك طالعٌ
كالأفقِ، يكتنزُ الشموس، ويغسلُ الأرضَ الكئيبه
غبتَ، اختفيتَ؟ رأيتُ وجهكَ في الحقولْ
ماءٌ يسافر في الجذور إلى مدائنه الغريبَهْ
في العشب ، في نَهَرِ الفصولْ.)
في قصيدة (رعشة قوس قزح) ، يأتي الحلم على الشكل التالي:
(داعب نسيم الفجر وجنة البراءة باستحياء
ارتاد الحلم باحة الأفق البلورية
داهمت البسمة
برفق
ثغر الأمل
فانفرجت
بلطف
أسارير الزمن
الآتي مع خيوط النور المتناسلة
تيارا هادرا ... الصفحة 30 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

4 عبق الحياة

_ _ _ _ _ _ _

الذات الشاعرة متشبثة بالحياة ، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس ، وهذا ما نجده في قصيدة (سر الولع بالحياة) :

أذاع سر الولع
بالحياة
منذ أنفاسه
الأولى
صرخ في وجه
الديجور
قبل انكشاف
معالم الوهن
في رحلة عمر ... الصفحة 62 )
يقول الشاعر عبد اللطيف اللعبي في استجواب مع جريدة (القدس العربي) :
(( تعتبر القارة الإنسانية منطقة استكشاف دائم للقصيدة، والأخيرة «سفر غاية مركز الإنسان»، كما كتبت في مكان ما. إذن، نسافر وشعراء آخرين، نحو الأكثر صميمية لهذا «المخلوق الغريب» الذي تحدث عنه أخي الأكبر التركي ناظم حكمت. إننا مدركون، للمخاطر التي تحيط بسفرنا هذا. لذلك تخلى بعضنا عن منطقه بل وجلده. يرتكز عملنا على سهر دائم، وتعبئة مستمرة لما يمتلكه الإنسان قياسا إلى الكائنات والأشياء التي يتقاسم معها هذا العالم: الوعي، ومن ثمة، الذهول، الاستفهام، الإحساس الجمالي، الرغبة، الحب، شيطان المعرفة، الشعور بالتناهي، وأحيانا السخط، والشفقة، باختصار، كل هذه المقومات التي ينبغي التذكير بأنها تقريبا محرك الحياة الصحيحة. إذا اقتضى الأمر صيغة أخرى من أجل اختزال ما تمثله القصيدة بالنسبة إلي، فأقول بأنها تحريض على الحياة!))
والحياة عشق، والذات العاشقة في قصيدة (وتنصهر اللحظات في اللحظات) ، تبوح :
(وميض عينيك
يسرق لبي
يسرح في فضاءات
العشق
وأظل أرشف الرضاب
ولا أرتوي
من المعين الزلال ... الصفحة 90 )
فيكون التشبث بالحلم والحياة رغم أهوال الاعتقال السياسي:
(وكل صباح
نستقبل الأمل المتوجس
نلامس الأفق
نستقبل الحزن المفعم
وتنصهر اللحظات
في اللحظات ... الصفحة 100 )
والحياة أغنية وعشق ، لهذا يقول في قصيدة (زهو أنيق) :
(أقبلت
تشدو لحن النسائم الصباحية .
تمعن
في ذكر صبابات
أفلت في غنائية
مرحة .... الصفحة 132 ) 
ويواصل : 
(لا وقت للحزن ،
لا أمل لليأس .... الصفحة 133 )

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _


5 عبق القيم والمبادئ

_ _ _ _ _ _ _ _ _ 

التي لخصناها في العنوان التالي: 

ويمكن تلخيص قصيدته (صرخة موؤودة ) في العنوان التالي : (  فراشات المقاومة والانتصار والابداع تحلق في سماء فلسطين ) ، ولنواصل تحليل هذه القصيدة :
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

صباح مغاير: فراشات الثورة

_ __ _ _ _ _ _ _ _ _ _  _ _ _ _

يقول محمود درويش :

(أَثرُ الفراشة لا يُرَى
أُثرُ الفراشة لا يزولُ!)
وأثر الصباح عند حسن السوسي لا يزول ، لأنه صباح مختلف ... صباح استثنائي :
(هو صباح ثائر...
هو صباح مغاير...)
هو صباح يبتدئ بالثورة ومواجهة الصهاينة بعزيمة حب الأرض :
(صباح ليس ككل
صباح
صباح صرخة
موؤودة في صخب
النواح )
هو صباح الصرخات من آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات ، حبا في فلسطين وتشبتا بالأرض ...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ __

فلسطين : فراشات الوجود

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

هي فلسطين الأرض ، أرض الأنبياء والصمود والمحبة ، ويصدح حسن السوسي قائلا:

( من عمق أرض النبوءات
فلسطين
فلسطين الشهيدة
تنشد العودة
على جسر فلذات
الأكباد )
رغم الأسلاك الشائكة والحصار والقتل والتهجير ، ففلسطين في قلب الشاعر :
( وأسلاك العار
مغتالة
الخصب في
فلسطين
تروم اجتثاث السنديانة
من جذورها
غدرا )
_ _ _ _ _ _ __ _ _ _ _  _ _ _ _ _ _ _

مقاومة الحصار : حتما ستطير الفراشات

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

يقول محمود درويش في (حضرة الغياب) :

( الفراشات هي الذكريات
لمن يتقنون الغناء قرب
نبع الماء )
فتصبح الفراشات الباحثة عن التوهج والضوء هي أمل العودة والخروج من الشتات والتشبث بالحياة :
( صرخة فتى مفجوع
يرقب عودة
أب بلا عودة
قضى
بلا رحمة
على حاجز هنا
في نفق هناك
على طريق هنا
في حقل هناك
صرخة الأرض المسلوبة
تنشد الانعتاق من أسر
الحيف وسطوة الحقد
وجدران الضغينة ) 
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

فراشات النصر

_ _ _ _ _ _ _ _

هي فراشات عاشت محن فلسطين ، ولم تمت فلسطين رغم الشهداء والجراح:

( يتساقط الشهداء تلو الشهداء رافعين
شارات الانتصار
وألوية النصر الآتي
تحت أزيز الرصاص)
ورغم كل الآلام والجراح ، فالأمل يبقى حيا عبر صمود الأمهات المقاومات:
(تزغرد الأمهات رغم الجراح
كناية على الأمل المفتوح
على بوابات المستقبل
زغرودة الألم المكظوم
يقض مضاجع الاحتلال
يوقظ في أعماقه رهاب المستقبل
وظلام الغايات والمصير )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

في قصيدة (شغاف القلب) الممتلئة بالحياة ، يلتجئ الشاعر حسن السوسي لتقنية الحوار المسرحي ، فيكون الحوار بين ذاتين تتبادلان وتتقاسمان المعاناة والتمرد وروح الحياة :

(قال : ما أنت
غير قلعة للذوذ
عن قيم
الثريا والسمو
ترفعين الى العلا
أمجاد قوم
في زمن
عزت فيه
الأمجاد
وتنازل عن 
العلا
من كانوا
يرتعون في القمم
الشاهقة
ذات زمان
ما عادوا يأبهون
بالأفق
ما عادوا يقرئون
الكرامات السلام ... الصفحة 150 )
وكذلك :
(قال : فماذا يضير السمو
في شموخه
ان استمرأ الأوضاع
أوحال مستنقعات
الأوضاع؟
في زمن الانكسار
ومقاومة وهدة
الانحدار .
ماذا يضير القمم
في شموخها العنيد
الأبدي؟ ... الصفحة 151 )
فيكون الجواب :
( قالت : أنا شغاف
القلب
لا أعرف الزيف
لا أعشق البدائل
المزيفة
صباح مساء
في قوافل اليأس تنشد
الخلاص ... الصفحة 154 )
وختام الجواب الشافي هو :
(قال : شغاف القلب
أنت منذ الأزل
بريق منك
يرسم صوى
على طريق كل
مسافر
في الزمان والمكان
ما زاغ عن السبيل
سار يقفو أثر صوى
موشومة على أديم
محجة عمدتها
خطواتك
وعطرتها
أنفاسك الموغلة
في الحضور
وفي الحبور.  الصفحة 156 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

خاتمة بطعم انتصار الياسمين

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ 

يقول محمود في قصيدة (أثر الفراشات):

(
أثر الفراشة لا يُرى
أثر الفراشة لا يزول
هو جاذبيّة غامض
يستدرج المعنى
ويرحل حين يتّضح السبيل
هو خفّة الأبديّ في اليوميّ
أشواق إلى أعلى
وإشراق جميل
هو شامة في الضوء تومئ
حين يرشدنا إلى الكلمات
باطننا الدليل
هو مثل أغنية تحاول أن تقول
وتكتفي بالاقتباس من الظلال
ولا تقول !)
ومع ديوان الشاعر حسن السوسي (روح الياسمين) ، نقتبس كلام محمود درويش ونقول للإعلامي والأديب حسن السوسي:
أثر قصائدك لا يزول ...
قصائدك جاذبية نحو فلسطين الثورة ...
قصائدك أشواق واشراق جميل...
قصائدك شامة نابعة من القلب ...
وقصائدك مفعمة بالياسمين ...
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _





مجدالدين سعودي - المغرب

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _