القوى الناعمة أداة حرب الوجود و الهوية
أصبح العالم العربي موضوع للبحث الاستشراقي و التحليل والتمحيص منذ قرون و بدا العمل على اختراقه فكريا بالتدريح منذ عقود ليخضع لادوات برمجة متنوعة تروده. وتوجهه كيفما تشاء..
فتم إحياء كل النعرات العرقية والقبلية والدينية والمذهبية و الأيديولوجية. لأجل ايجاد اسباب الخلاف والاختلاف والصراع وتاجيجها بتفتيت لحمة المجتمعات من الداخل و هدمها الممنهج..وفك كل الروابط ..وإعادة عجلة الحضارة إلى الخلف وحتى الوضعية الاولى اي إلى مرحلة الصفر ،وهي ما اعتبره البعض إنجازا وانتصار تحت مسمى الفوضى الخلاقة ..
وقد كان لهم ما سعوا اليه والوطن العربي يعيش نتائج هذا التلاعب باوصاله العميقة فيتخبط داخليا وخارجيا ..منذ حرب الخليج الأولى والثانية واحداث وتداعيات الربيع او الخريف العربي .
لذلك تحتاح قطاعات التعليم والتربية والاعلام والإنتاج الفني والاعلامي العربي عموما إلى بيروسترويكا. حقيقية تجعلها قادرة على رفع تحديات الممناعة ووقف الهجمة التي تشتغل على كل اوصال ماضيها لتوقض الصراعات الخامدة و تشتغل على حاضرها بهدم القيم والمثل والقدوات وقلب المعايير والحقائق وتفكيك الروابط الإنسانية والاسرية والمجتمعية وتضخيم انا الغريزة والرغبة والمنفعة والعنف وإحباط نفسية الجماهير العريضة بتدمير تلك الثقة الضرورية لكل عقد اجتماعي و سلم اهلي و ضرب الاعتداد بالنفس وبالموروث الحضاري والتاريخي الذي يشحن طاقة الاجيال المتعاقبة بالاستمرار والتحدي و تحقيق الاهداف و الامال بالنهضة والرقي والازدهار و التموقع الافضل بين الأمم بما يليق بعزيمة وإرادة شعوبها والا نسفت و محيت كل ملامح مكوناتها الثقافية ومحددات هويتها المحلية من ذاكرة الأجيال الحالية والقادمة لتصبح غريبة عن نفسها وعن نسيجها الاصلي شيئا فشيئا.،فهي غربت دون تأشيرة ولا هجرة..ضمن هذه الحرب الباردة و ضمن آخر صيحات التحكم عن بعد وإدارة الجموع و أخضعت لحرب متقدمة جدا و هي الأخطر والاصعب.من اي استعمار سابق إذ هي احتلال بدون جيوش ولا سلاح وحكم بديل الى جانب اللوبي المالي الممسك بكل الخيوط عن بعد بدون تشاركية ولا انتخابات ولا صناديق...
ما يفسر اليوم مكانة ودور القوة الناعمة و مدى قوة الفن والأعلام. والابداع وفاعليتهما ومدى أهمية تعزيز حريتها من رأس المال الموجه حتى تتمكن من صد كل الهجمات التي تتقمص الأشكال الثقافية والفنية والأدبية والإعلامية والحضارية عموما.و التي يراد منها تغيير القناعات والسلوكات وتعديل المواقف من قضايا بعينها و تهجين مجتمعات تجاه سياسات بعينها..إعادة برمجة الشعوب وفق أجندات معينة انها حرب فكرية بل حرب هوية ووجود .
ويبقى المأمول بناء منضومة اعلامية وفنية وابداعية وثقافية وتعليمية وتربوية واجتماعية قوية ومستقلة تكون بمثابة صمام أمان لبناء حصانة مجتمعية قادرة على التعامل مع كل الهجمات الغير المحمودة و المغرضة من خلال تأهيل المواطن في جميع الأعمار في البيت والشارع والمدرسة لفهم ما هو معرض له ببناء وعيه المناعي بحيث يصبح مؤهلا لحماية نفسه ،فكره هويته وبيئته الصغيرة والكبيرة من كل المؤثرات الخارجية والداخلية الفاعلة فيه بالسلب أو بالإيجاب ، قادرا على الفرز والغربلة واخد ما يفيده وترك ما يؤديه...ويحاول القضاء علي كينونته او اعادة برمجته وتوجيهه.
اذن ، الحرب التي تخوضها الأوطان العربية اليوم قبل أن تكون حرب حدود ومياه واقتصاد وسياسة هي حرب على الهوية الحضارية والتاريخية يعزف فيها على الاوتار الدينية والعرقية والاقتصادية والسياسية والايديوادلوحية لكنها بالاساس حرب فكرية .
لذلك أمسح نظارتك جيدا لتعرف من عدوك ...عدوك ليس الذي يصدر لك مباشرة ..ذلك ليس إلا أداة من أدوات الصراع المستعملة من قبل العدو الحقيقي القابع في الخلفية ، المدبر و المخرج والمحرك لكل أدوات اشتغاله في داخل ترابك و وعلى حدودك القريبة والبعيدة في منطقتك واقليمك بعناية ودقة شديدة ووفق ما يخدم مصالحه الاستراتيجية الآنية والمستقبلية وبحسب ما تتطلبه كل مرحلة .
جميلة محمد القنوفي
المملكة المغربية الشريفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق