الخميس، 5 ديسمبر 2019

حسن بيريش وأسماء المصلوحي

برنامج مكثف.
أجندة مواعيد مع كبار المسؤولين في تطوان.
تطلعات ورهانات كبيرة.
وحده العمل المتواصل والدؤوب عنوان أبرز لكل يوم.

إنها احتفالية بأفقين:
الأول:
تقديم وتوقيع كتاب الثنائي:
محمد السادس وتطوان
علاقة ملك بمدينة
الثاني:
الدورة الرابعة من احتفالية الوفاء الكبرى بتطوان.

الثنائي:


حسن بيريش / أسماء المصلوحي

الشاعر سليمان عيسى الجزولي الإلوري

جمال العيش ..
**********

جمالُ العيشِ في أدَبٍ وعِلمٍ //
وَتِيهُ العيشِ في فُحشٍ وجهلِ

وَرَاحَةُ عُمرِنا  في الإكتِفاءِ //
وكان البُؤْسُ في عَجَلٍ وَبُخْلِ

يَقِلُّ  مُنَاهُ  من ذَكَرَ المنايا //
فَيَكْثُرَ جُهْده من دون بَطْلِ

رُوَيْدًا إن علمتَ بأنّ يومًا //
سَتُنقَلُ مِن مَكانِكَ بعدَ طَوْلِ

تَرَبِّي _ إن أَفَدتَ بما عُلِمْتَ //
سَيَجْزِيكَ الإلهُ بدون شَكْلِ
**********

الشاعر سليمان عيسى الجزولي الإلوري

محمد أديب السلاوي

التشكيل المغربي، وسؤال الهوية الثقافية...



في الحركة التشكيلية المغربية، تنطلق الأسئلة تلو الأخرى، حول العلاقة بينها وبين هويتها الحضارية/ الثقافية. هل هي علاقة فكرية موضوعية متوازنة..؟ أم هي علاقة عشوائية فوضوية.

الذين يطرحون مثل هذه الأسئلة، ينطلقون من فرضية مسبقة، كون العمل الإبداعي التشكيلي، هو عمل ينتمي للفكر قبل أن ينتمي للحرفية، يتأثر بالظواهر والمذهب والاتجاهات والإيديولوجيات والمدارس، يتأثر بالسلبيات والانقسامات والإحباطات، قبل أن يتأثر بالأشكال والرموز والألوان والأساليب الحرفية، أنه عمل إبداعي، يتحرك ضمن فضاء استكشافي/ معرفي، اجتماعي وثقافي/ حضاري، ينطلق من عمق التربة النظرية التي يجد الفنان ذاته وأدواته ومنطلقاته من خلالها.

الذين ينطلقون من هذه الفرضية، لا يجهلون في واقع الأمر، الظروف الثقافية التي تفرز الفنان المبدع، وهي ظروف تتكاتف حولها، شتى أصناف الإحباطات والانكسارات والضغوط، على المستوى الثقافي، الحضاري، كما على المستوى السياسي والاقتصادي، إنهم لا يجهلون أيضا، العلاقات المهزوزة وغير المتوازنة التي تربط الفنان بالحركات الثقافية والسياسية القائمة، وذلك لأن البنية الفكرية الموضوعية لعلاقاته الثقافية والسياسية المتداخلة، هي من صميم وجوده الفني.

ومع أن هذه الإشكالية، قائمة بقوة، فإن عملية البحث عن صيغة التلاحم مع الواقع القائم، قد استطاعت/ تستطيع تحريك الماضي بكل ترائه وتقله في أعماق فناننا المغربي الحديث، بشتى الطرق، لينخرط في حاضر الحداثه والعولمة، عله يأخذ بيد هذا الماضي الكسيح إلى المستقبل الواسع والمبهم.

****

يعني ذلك بوضوح أن فن الرسم، هذا الذي يملأ المعارض بصراخ الألوان، هو قبل كل شيء فن للتعبير عن الأفكار والانفعالات، فن للتعبير عن القيم الجمالية، من خلال لغة مرئية ذات بعدين... الأول بصري، وبالتالي فكري، وحروف هذه اللغة وعناصرها الأساسية والبلاغية، هي الخطوط والأشكال. هي البنية والألوان والظلال.

 وقد عبر فنانو العالم، وعبر تاريخ فن الرسم بهذه اللغة عن أفكارهم وقناعاتهم وهواجسهم، قالوا ما أرادوا قوله من والأفكار والنظريات بطرق حسية مختلفة، وعبروا بالألوان والحركات والأضواء والرموز عن القضايا التي شغلتهم أو التي استقطبتهم... على سطوح منبسطة.
 عندما تتحد عناصر لغة الرسم في أنماط تعبيرية، تبدأ الأفكار والأحاسيس في الظهور لتفسير نظرية أو إيديولوجية، بكتابة نص بصري عنها.. لإبراز علاقة بصرية، أساسها الفن والحرية.
 الفنان/ الرسام، في هذه الحالة، ينقل رسالته البصرية بيسر وسهولة كلما تحكم في أدوات لغة الرسم، ينقلها في البداية على شكل خصائص حسية وإمكانيات تعبيرية في حدود نطاق معين من الشكل والأسلوب، ثم تتحول هذه اللغة إلى خطاب مباشر، ذو دلالات وقيم تنتمي إلى المبدع وإلى ثقافته.

 ولربما من أجل تأثير الخطاب التشكيلي على الحياة في الماضي، سيطر عليه أصحاب القرار.
 في الماضي هيمنت القصور والمعابد والقيادات العسكرية على الرسم والرسامين، وأسندت "إليهم وظائف تناسب مهارتهم... وكانت مكانة بعض الرسامين في التاريخ الماضي لأوربا وآسيا العتيقة، تضاهي مكانة العلماء والوزراء وأصحاب القرار والنفوذ.

 وعندما تحررت الفنون التشكيلية من هذه الهيمنة في عصر الديمقراطية، وأضحى الرسام يوقع على لوحاته، ويختار موضوعاته بنفسه، تحول الرسم والرسامين إلى "سوق" المبادرة الحرة، حيث أصبح التعبير من جديد خاضعا للقدرة التعبيرية للفنان، ولمهارته في استعمال لغة الرسم... وأصبح الخطاب التشكيلي ذو اتصال وثيق بالتيارات الفكرية المعاصرة.

 إن الفنان/ الرسام اليوم في العالم الغربي، ولربما في كل العالم، صنع لنفسه مكانة اجتماعية مميزة بفضل النهج الديمقراطي، ويفضل تحرره من قيود الماضي، إذ أصبح يبث خطابه الثقافي والسياسي من داخل صالات العرض الخاصة والعامة، ومن خلال المتاحف والمجلات والصحف، ووسائل الإعلام المختلفة، متفاعلا مع الخطابات الثقافية/ الفنية/ الإيديولوجية الأخرى التي تتفاعل مع المجتمع ومساحاته المختلفة.

 والفنان في عصرنا الحديث، بالإضافة إلى ذلك، أصبح يبحث على المزيد من الإمكانات لتطوير لغته البصرية... يدخل مغامرة الحركة لكي يخرج منها بتجربة جديدة في التاريخ.
 فهل يستطيع الفنان المغربي الانخراط في هذا النهج... وما هو خطابه التشكيلي؟
 وكيف لنا إذن أن نفسر هذه الموجة المتفجرة من الفنون التشكيلية الحديثة في المغرب؟
 هل تعبر هذه الموجة عن شيء معين، هل تعبر عن مرحلة معينة؟ هل تعبر عن سعة أفق الفن المغربي الحديث، واستعداده للدخول في مغامرة البحث والاكتشاف الحضاري أم أن هذه المعارض الاحتفالية المنظمة بكل الجبهات لا تعبر عن شيء... ولا قيمة لها؟

 قبل أي محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من الاقرار أن هناك أكثر من تناقض أساسي يقوم بين الفن التشكيلي المغربي، وبين مفاهيمه الفكرية/ الثقافية/ الحضارية، بين الفنان التشكيلي ودوره. فهذه الحركة المتفتحة على كل الجبهات وبكل المدن، على الرغم من اتساعها وانتشارها الواسع، فإنها ستظل حركة بدون إيقاع فكري، وأحيانا وفي الكثير من الجهات بدون انتماء، إنها أزمة.
لقد ولد الفن التشكيلي المغربي الحديث، في أحضان التحولات التاريخية/ الحضارية/ الاجتماعية التي اجتاحت المغرب والعالم الثالث والوطن العربي في العقود الأخيرة، وبقي هذا "المولود" على هامش الثقافة الوطنية لفترة طويلة، دون أن يتجذر بمفهوم شمولي في طموحاته، خاصة وأنه أي الفن التشكيلي –بقي لصيقا بأفراد ينتمون لطبقات معينة، ولم يستطع- من خلالهم – فرض نفسه على القيم  الثقافية السائدة، ولا على الصراعات الفكرية التي تسيطر على الساحة الثقافية، إنه –بمعنى آخر- بقي على الهامش، يظهر ويختفي...

ليس غريبا إذن أن يكون ذلك هو الوضع الطبيعي للفن التشكيلي على الساحة الثقافية المغربية أن الثقافة بمفهومها التحولي الواسع مازالت على هذه الساحة هواية خاصة لأفراد مميزين، ومن ثمة لم تستطع هذه الثقافة أن تطرح بشكل جدي وموضوعي المشاكل المتعلقة بهذه الثقافة بقيمها الجديدة، مازالت بدعة. وستبقى هكذا إلى أن تحقق ذاتها، وتخرج من نطاق "الهواية" إلى نطاق الاحتراف، حيث تتمكن من المشاركة والقرار والإنتاج والتفاعل.

إن المثقفين (والفنانين فصيلة هامة من لحمتهم) فئة تتوفر بشكل عام –على الوسائل التي في استطاعتها ربط التجربة المجتمعية برصيد التجارب التاريخية، وإعطاء هذه التجربة صياغة إبداعية/ موضوعية لإلحاقها بركب الحضارة الإنسانية، لذلك فإن مجالات الإعلام والسياسة والتربية والتعليم والإدارة، هي المجالات الطبيعية لنشاط المثقفين في كل الأقطار والأمصار التي تؤمن بفعالية الثقافة، مادامت هذه المجالات هي القنوات الأكثر نفوذا في التغيير الاجتماعي والحضاري.
وإذا كنا في المغرب الأمازيغي/ العربي/ الإفريقي لا نحس بثقل مشاركة الثقافة والمثقفين في عمليات التغيير القائمة، ولا برصيد التجربة والعمل الثقافي في هذه العمليات، فلان الثقافة لا حول لها ولا قوة في مواقفها، ولأنها شبه غائبة عن هذه المواقع.

يعني ذلك أن الفن التشكيلي المغربي الذي ينتمي ماديا وموضوعيا إلى الثقافة وساحاتها الواسعة التعدد، قد تكون مشاركته في عمليات التغيير، وفي قنوات التغيير منعدمة، ليس فقط بسبب تبعيته لثقافة مغايرة، ولكن أيضا بسبب القلق والتشرد الذي يطبعه في النقد والتنظير... والتوجيه والمتابعة.

 إن غزارة الإنتاج التشكيلي بمغرب اليوم، وحركة المعارض الجماعية والفردية المتصاعدة كحركة إنتاج ينحصر جله في المدن الكبرى والمركزية، يصبح من السهل على المتتبع لهذه الظاهرة أن يتساءل كيف تؤدي الفنون التشكيلية المغربية وظيفتها الاجتماعية، والثقافية والجمالية..؟ وما هو موقعها من الصراع الثقافي الدائر في المحيط المغربي/ العربي/ الإفريقي/ العالمثالثي، بين ثقافة تريد أن تكون مغايرة، وأخرى لا تزال تحنط جسدها المترهل بأدوات وأساليب ورؤى الماضي..؟

 والحقيقة، أن الأسئلة التي يمكن أن تطرحها هذه الظاهرة عديدة ومتنوعة ومتشعبة، وكلها تحمل أجوبتها في ذاتها، باعتبار أن الصراع الثقافي المشروع، يكاد ينحصر في الجانب الفكري/ الأدبي/ الإيديولوجي، حيث تقف الفنون التشكيلية المغربية حتى الآن (ترفا) بريئا وعذريا، رغم أنها ليست بعيدة عن المواجهة وعن الصراع الذي تخوضه الثقافة المغربية عبر قنواتها وأدواتها الأخرى.

 وبعيدا عن التنظير، يمكن التأكيد، إن الفن التشكيلي المغربي بكل اتجاهاته، ومدارسه ومعارضه الجماعية والفردية، وتظاهراته الوطنية والقومية والدولية، مازال ثقافيا، ينحصر في أفق ضيق، نتيجة عدة معطيات موضوعية، أهمها انعدام الوعي النظري لدى الفنان المغربي، وانعدم الحوار الجاد والمسؤول بنية وبين محيطه الثقافي/ الاجتماعي، الذي من شأنه أن يطرح القضايا والمشاكل والمعضلات والظواهر التي تنشط تحت وفوق جلد الحركة التشكيلية المغربية، والذي من شأنه أن يضع الحركة التشكيلية المغربية في "إطارها الحقيقي، البعيد عن "النجمية" و"الامتيازية" وما شابه ذلك.

بمعنى آخر، أن الأسماء، والمعارض والتجمعات والاتحادات والجمعيات التشكيلية على تنوع مشاربها واتجاهاتها بمغرب اليوم، ما تزال بعيدة رغم نشاطها الظاهري عن السجال الثقافي الذي من شأنه أن يلعب دوره في بلورة الوعي الفكري والفني للحركة، التشكيلية المغربية وما تزال بعيدة عن الصراعات الصحية التي تخوضها الثقافة المغربية عبر قنواتها ومنابرها وأدواتها العديدة... وهذا يعني أن خطأ تحييديا يسعى إلى تفريغ التشكيل المغربي من محتواه الفكري/ الثقافي، الفاعل والمؤثر، لوضعه في خانة نخبوية بعيدة عن التفاعل والصراع.

كيف لنا إذن أن نتنبأ بازدهار موضوعي للحركة التشكيلية المغربية؟ وكيف؟

الاثنين، 2 ديسمبر 2019

د.غالب القرالة


 تاريخ اللغة العربية  –ج3 --
 كيف ظهرت اللغات :
إنّ ثمّة اتفاق أنّ أصل اللغات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الإنسان ويطلق عليه علم اللسانيات والمتعلق بدراسة جميع اللغات الانسانية واول ظهور له كان في الهند كما ورد في بعض الدراسات والمقالات الادبية .
تعريف اللغة
اللغة هي أداة من أدوات المعرفة، وهي أداة التواصل والتفاهم بين الأفراد، وتتكوّن من مجموعة من الإشارات والرموز، ويستحيل بدونها القيام بأي نشاط معرفي بين الناس، واللغة مرتبطة بالفكر الإنسانيّ في التواصل مع الآخرين أو في التفكير الباطنيّ، بحيث يتوصّل منها إلى الفكرة أو العمل المراد إنجازه، وقد عرّفت اللغة أيضا على أنّها مجموعة من الأصوات، يعبّر من خلالها الأفراد عن أغراضهم.
أصل اللغات ومواطن ظهورها :
كان أصل اللغات ومكان ظهورها مدار نقاشٍ وبحث العلماء منذ قرون عدّة، حيث لمّ يتمّ الاستدلال على الأصول الفعليّة للغات أو عمرها لانعدام الأدلة المباشرة والواضحة، الأمر الذي أدّى إلى صعوبة دراسة نشأتها، فاللغات هي موروث محكيّ يستحيل العثور على أصوله على شكل أحافير كما هو الأمر حيال المواد الأثريّة الملموسة.
إنّ ثمّة اتفاق أنّ أصل اللغات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الإنسان، ولمحدودية الأدلّة حول أصول اللغات فقد صنّفت على أنّها موضوع غير صالح للدراسة الجادّة العميقة.
علم اللسانيّات :
وهو العلم الذي يتعلّق بنشوء وتطوّر اللغات المختلفة، بحيث يهتمّ هذا العلم بدراسة جميع اللغات الإنسانيّة، وتراكيب وخصائص تلك اللغات، وقد توصّلت الأبحاث والدراسات إلى أنّ هذا العلم قد ظهر في الهند، وكان للعقيدة الدينيّة دورٌ كبير في التأسيس له سنة ألفين وخمسمائةٍ قبل الميلاد، بعد أن لاحظ عددٌ من الكهنةِ اختلاف اللغة المستخدمة في شعائرهم الدينيّة عن لغة الفيدا، وأنّ نجاح طقوسهم مرهونٌ باستخدامهم اللغة القديمة، الأمر الذي جعلهم يعملون على إعادة إنتاجها كما ذكر ونشر حول علم اللسانيات  .
بدأ الأوربيون اهتمامهم باللغات وعلم اللسانيات عن طريق الفلاسفة اليونانيّين ومعلمهم الأول أرسطو، فدرسوا العلاقة بين الأفعال والأشياء والأسماء، ليتمّ التعرّف على القواعد التي تحكمها وعلى أساسها تمّت صياغة مبادىء النحو، وفي القرن الثالث قبل الميلاد قاموا بتقسيم مفردات اللغة إلى عدة صيغٍ من الأسماء والأفعال المتعدّدة الأزمنة، وقاموا بتحديد أشكال الخطاب.
توسّع الرومان في الشروحات التي وضعها فلاسفة اليونان في الأساليب اللغويّة ومجالات استخدامها، وفي القرن الرابع للميلاد قام آليوس دوناس بصياغه عامّة للنحو اللاتينيّ، وقام بشرح تلك الصيغ اللغوية بريسكيان في القرن السادس للميلاد، وبقيت تلك القواعد على حالها حتى يومنا هذا.
عمل السير وليام جونز على تأسيس علم اللسانيات المقارن، وأشار إلى وجود علاقة بين اللغات السينسكريتيّة واللاتينيّة واليونانيّة، الأمر الذي يوحي بأنّ مصدر نشوئها واحد للتشابه الذي يربطها.
واهتم علم اللسانيّات بدراسة الكيفيّة التي تشكّلت بها كلمات اللغات على اختلافها، حيث قام علماء اللسانيّات بتكوين (عائلات لغويّة) تمّت صياغتها على شكل شجرة عائلة لكلّ مجموعةٍ لغويّة ذات منشأ واحد.
اللغة العربية :
تنتمي إلى أحد فروع اللغة السامية التي تم تقسيمها إلى أربع مجموعات، كما وردت في بعض المراجع والبحوث اللغوية هي:
مجموعة الشمال الأقصى، متمثلةٌ باللغة الأكاديّة - البابليّة الأشوريّة - والتي تعتبر من أقدم اللغات الساميّة التي تم توثيقها، والتي سادت في الفترة الواقعة بين العام ثلاثة آلاف قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد. مجموعة الشمال الأوسط، والتي تضم اللغة العبريّة القديمة والمستحدثة، إلى جانب اللغة الفينيقيّة والأوغاريتيّة والسريانيّة والآراميّة.
مجموعة الجنوب الأوسط، وهذه المجموعة تضمّ اللغة العربيّة الفصحى، بالإضافة للهجات عربيّة (إقليميّة حديثة) إلى جانب اللغة المالطيّة.
مجموعة الجنوب الأقصى، وتضمّ هذه المجموعة لهجات جنوب الجزيرة العربيّة وتنحدر تلك اللهجات من أصول لغاتٍ تعود لممالك قديمة في المنطقة كمملكتي سبأ ومعين، بالإضافة للغة الأمهريّة والأثيوبيّة التقليديّة والإقليميّة.
وسوف نتطرق لعلم اللسانيات بشيئ من التفصيل ( وهو موضوع طويل وعلى اجزاء في مقالات لاحقة ان شاء الله تعالى ).
المراجع :

نور الدين برحمة

رحمك الله ايقونة وجدة شاعرنا السي محمد لقاح ...

....
يوما ما ....
لا نلتقي 
غرد الليل .....
نجمة 
نجم 

هذا الحرف جواز
عبوري الى وجهي 
صورتك انت 
صورتي 

لا نلتقي
 قد نمضي 
هي بطاقة شخصيتي 
عنوان 
مدينة 
والمهنة اغتراب 

يأكني رحيل الاحبة 
من فقد 
الى فقد 
والصدر مقبرة 
والصدرة حقل 
لفزاعة وغراب 

اين الورد 
اين الياسيمين 
اين الاقحوان ....

؟؟؟؟؟

يا تلك الفراشة 
تنتظر رحيلي
تسرق
 النور من قلبي 
وامضي 
وعين السماء 
على ارضي 

غصة في حلقي 
انا شوك الصبار 
انا من سقط على رأسه
ولم يصرخ لحظة ميلاده
هل كنت ادرك 
ان الارض تبتسم الرحيل 
وان نخل المدن 
عقيمة 
يا لغربتها ...

كلما امتدت يد المنون
لقامة في زمني 
اخفي وجهي بورقة قصيدي
واقول ...وابتسم من حزني 
موت الشاعر 
موت الانسان في عمقي 
مرارة 
مرارة 
وهذا الملح في عيني 
وهذا الحزن في عمقي
والباقي اغنيات 
والباقي اغنيات 
......
رحمك الله شاعرنا الجميل السي محمد لقاح ...ولنا في شعرك بعض العزاء ...وبعض الامل في اللقاء....
....
نورالدين وكفى ....1/12/2019

محمد خصيف

كاد الفن البدائي أن يكون حداثيا



كتب كلايف بل:" ينتج البدائيون الفن لأنهم لا بد أن ينتجوه، فالبدائيون ليس لديهم دافع آخر غير رغبتهم المشبوبة في التعبير عن إحساسهم بالشكل. إنهم عن زهد في خلق الإيهام أو عن عجز، يكرسون أنفسهم كليا لخلق الشكل. إلا أن الأمور قد تغيرت في الوقت الحاضر، وغدا الفنان مرتبطا براع ومرتبطا بجمهور، الأمر الذي عجل بنشوء حاجة إلى "المشابهة الأمنية الناطقة". (ص.83)، ويعقب مترجم الكتاب في آخر الصفحة 85 موضحا: "يجب أن يقر في ذهن القارئ أن كلمة "بدائي" حينما ترد في حديث كلايف بل والنقاد الشكليين هي كلمة تمجيد وتشريف، فقد بلغ تقديرهم للفن البدائي مبلغا جعل صفة "بدائي"، حتى للفن الحديث، تحمل معاني الأصالة الكبيرة والإبداعية العالية والنقاوة الفنية القصوى".


وهذه الميزات والخصائص التي عرفت بها الفنون البدائية، إفريقية وأسيوية وأمريكية/لاتينية كانت عمود الأساس لبناء صرح الفن الحديث، كلنا يذكر انبهار فناني الحداثة الأوروبية بفنون تلك المناطق البعيدة عن أوطانهم: فنسنت فان غوغ Van Gogh (1853-1890) وتأثره بالرسوم اليابانية، وبول غوغان Gauguin (1848-1903)، وبابلو بيكاسو Picasso (1881-1973)، وهنري ماتيس Matisse (1869-1954)، وما وصلت إليه إبداعاتهم من سمو جمالي وأصالة كبيرة إثر تأثرهم بالأقنعة الإفريقية والمنحوتات الطوطمية البدائية. ولولا الاحتكاكات هذه بإبداعات الحضارات المنسية، التي كان ينظر إليها على أنها حضارات "دونية"، تعيش خارج الدائرة، لأمسى أولئك الفنانون الطليعيون ضحية التيه في متاهات الباب المسدود، يعزفون على أوتار"المشابهة الأمنية الناطقة".


يجب الوقوف عند كلام كلايف بل وقفة قارئ متأمل، غير متعجل، لنتساءل ما إذا كان الإبداع الفطري العصامي، أو ما اتفق على تسميته جورا، بالفن الساذج هو من باب الفنون البدائية التي نعتها الشكلانيون تمجيدا، بالفنون ذات "الأصالة الكبيرة والإبداعية العالية والنقاوة الفنية القصوى"؟ لا شك أن الواقع يثبت ذلك. وحتى أكون أكثر وضوحا، أطرح للمقارنة أعمالا "فطرية" إلى جانب أعمال تجريدية حداثية، (وكلامي يقتصر على الفنون بالمغرب). فالأولى أصيلة، يصعب على متلقيها، ناقدا كان أم متذوقا، أن يجد مثيلا أو مشابها لها، امتتحت منه أشكالها ومضامينها، بينما أعمال التجريديين تتناسخ لتشكل نوعا من السيمولاكر Simulacre الفاقد لكل أصالة. فأعمال الفن "البدائي"تذكر متلقيها حين يقف أمامها بذاتها فقط ولاتحيله، لابصريا ولاجماليا على غيرها. فمرجعية الفنان البدائي هي مشاعره وعواطف اتجاه الإنسان والمجتمع والطبيعة. فإذا أخذنا فناني الاتجاه البدائي بالمغرب، نجدهم انطلقوا في ممارستهم الفنية، من بعد اكتشافهم للوحات مشغليهم الأوروبيين، لكنهم حينما حملوا الفرشاة والأصباغ نسوا اكتشافهم وحاولوا رسم ذواتهم، بعيدا عن أي تأثير. كان بوسعهم أن يقلدوا رسوم مشغليهم، أو يطلبوا من هؤلاء تدريبهم على الرسم الواقعي حتى يصبحوا مثلهم، يتقنون تخليط الألوان ورسم الطبيعة والمنظور والنسب وما إلى ذلك، لكنهم وجدوا أساليبهم وتقنياتهم كافية للتعبير عما يخالجهم ويعتري ذواتهم. كان ممكنا أيضا أن يتفضل مشغلوهم بتلقينهم أولويات الرسم والصباغة، لكنهم عزفوا عن ذلك وأمدوهم بما هو أفضل إذ عملوا على تشجيعهم بتنظيم معارض لأعمالهم داخل الوطن وخارجه. ولو لم يظهر لهم شيئ أصيل يستحق التشجيع، ما أقدموا على ما فعلوه. إن سلوكهم هذا جاء منافيا لسلوك الفنانين الشباب الذين عاصروهم، فناني الحداثة الفنية. كان الفن البدائي أقصر جدار قفزوا عليه لبناء مشروعهم الحداثي، إذ لم يكن هناك غيره. فمن خصائص التشكيل المغربي، وهذه أعتبرها، شخصيا مزية، أن رواده كانوا فنانين بدائيين، تأسست بهم مدرسة أثرت في أجيال ومازالت إلى اليوم، عكس ما حصل في باقي الدول العربية التي تكون روادها بالمدارس الأوروبية أو تلقوا تكوينهم على يد فنانين أوروبيون، فكان فنهم نسخا لاتتجاوز عتبة تكوينهم. "إن الرسامين الأوائل المغاربة لم يأخذوا دروسهم في مدارس الرسم التي لم يستطيعوا حتى حدود السنوات الخمسين الالتحاق بها، ولكنهم أخذوها فيما هو أكثر فائدة، وهو ما يمكن أن نسميه روح العصر(...) إن إرادة القطيعة والميل إلى التعبير الذاتي عند الرسامين المغاربة، مصدرهما هو القلق الناتج عن توجه نحو الأحلام والخرافات والألوان والعلامات والرموز، تلك التي يزخر بها عالم جواني مرتبط بتاريخهم نفسه، إن حالات اليعقوبي والإدريسي وأحرضان دليل على ذلك" (طوني ماريني، مقال مترجم).

ربما أن الفن البدائي هو الأسلوب الوحيد الذي كان له رواد وأتباع. 

إن أعمال الفن (العالم) لها حمولة مرجعية، تجعل المتلقي يربط ذهنيا أو بصريا أشكالها وألوانها بأشياء أخرى سبق له أن رآها، مما يفقدها بعضا من هالتها. فكثير من الأعمال التصويرية تتناص بوضوح مع تيارات ومدارس غربية، واقعية، انطباعية، سريالية...وكذلك حال الأعمال التجريدية، فهي إما هندسية ذات مساحات مسطحة من الألوان الأساسية، أو تكوينات ذات أشكال متحررة لاتبتعد عن التجريد الغنائي، أو تنبثق أشكالها عن حركية شديدة وعنيفة، توظف الكف والذراع، وتمتح روحها من عوالم سولاج وفرانز كلاينأو بعض فناني الاتجاه الحروفي. 

إنه من الصعب مثلا، مقارنة المخيال الذي يميز لوحات مولاي أحمد الإدريسي، أو حقول أحمد الورديغي الملونة، أو التعبيرية الشكل/لونية التي تميز لوحات الشعيبية، أو نوادر Anecdotes محمد بن علال، أو أعراس فاطمة حسن، والتكوينات الشكلية الخاملة التي عرفت بها بعض الأعمال التجريدية.فالفنان "البدائي" المحسوب على الفكر "الساذج"كما وصفه من لم يألفوا حضوره كمبدع كان أشد أصالة من الفنان "العالم" المتأثر بالشرق والغرب.

إن الفنان البدائي المغربي-هكذا أسميه تأسيا بالنقاد الشكلانيين -في ظني يعد رائد الحداثة الفنية قبل غيره. فبطريقته العفوية وبفطرته وبفكره المحدود وثقافته الشعبية الكتاتيبية، استطاع لا شعوريا، أن يثور على ما كان سائدا من ممارسات تشكيلية نخبوية كولونيالية، مواضيعها فلكلورية، تكرر أساليب تصويرية لا تحمل أية جمالية باستثناء الصنعة والمهارة التقنية، أصحابها من "أهل الصنعة"، من فئة "الأساتذة الصغار الذين كان بوسعهم أن يكونوا فنانين لو لم يستغرق التصوير كل طاقاتهم، فكانوا (...) لا يفتؤون ينسجون أحاجي تكنيكية ويجدون في حلها".

مع الأسف أن نسج الأحاجي التكنيكية والجد في حلها يبقى العملة الرائجة حتى وقتنا الراهن.

 إن الفنان البدائي حقق الثورة بدون شعور ولا تفكير عقلاني ولا بيانات حجاجية مشاكسة، ترفع من شأن هذا ولو كان دونيا وتحط من شأن ذاك حتى ولو كان مستحقا. لقد كانت ثورة الفنان البدائي ثورة عفوية حاك خيوطها بفنه، بأحاسيسه وليس بعقله، بأشكاله الدالة الفريدة. حقا أن غيره من معاصريه توفرت لديهم أشكال دالة لكنها لم تكن أبدا فريدة، لأن عوالمها عقلانية Rationnelle، تغيبت كل إحساس Sensibilité وجداني مرهف. فسلوكها العقلاني هو ما تركها تتشابه فيما بينها، وتتناسخ من شخص لآخر، ولا تغدو تلامس "المشابهة الأمنية الناطقة". فحينما نزور معرضا جماعيا، نكتشف حضور العقل مع غياب الحساسية، فتبدو اللوحات وكأنها من إنجاز شخص واحد، وأن المعرض فرديا وليس جماعيا: نفس الألوان، نفس الأشكال، نفس التموجات، نفس المواضيع ذات الصبغة الجنسانية، المتسترة بذكاء ومداهنة وراء الشكل، نفس الأسلوب التجريدي...


إن اللا تماثل الصوري والعفوية والتلقائية و "لا ثقافية" الفن إن جاز التعبير، ما دفع النقاد والمؤرخين الأوروبيين إلى اعتبار "الفن البدائي" أنه الفن المغربي الأصيل، وأن غيره يبقى تقليدا لما يجري في الغرب، بل لما تجاوزه الغرب آنئذ. فالفنان المثقف، غير البدائي يقف على أرضية تكتونية انزاحت من مكمنها الجغرافي وولجت الماضي والتاريخ، بينما الفنان البدائي كان يبدع وهو في حالة شعورية تجعله يعيش ماضيه في حاضره. حاضره هو، وماضيه هو وليس لغيره. لقد ثار الفنان "العالم" على الفكرة التي روجها النقاد الغربيون فلم يرض أن يكون الفن المغربي "ساذجا"ّ !، بل رفض حتى المشاركة في معرض يوجد به "فنانون سذج"!

سلوك لم يلتزم به جلهم فيما بعد...بعدما تهافت رجال المال والأعمال على لوحات "الفن الفطري".

الهوامش:

كلايف بل، الفن – ترجمة د. عادل مصطفى، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2013.

طوني ماريني، نشأة الفن المغربي المعاصر-http://machahid24.com/etudes/75107.html

محمد خصيف

وطْءٌ على عتبات "مدرسة أثينا" ج.1



"ما تعنيه الصورة لا ينحصر بأي حال من الأحوال فيما تعرضه للإبصار".
"اللوحة عبارة عن فضاء دال يمكن وصفه وفقًا للأشكال التي تمثله". جان لويس شيفر Jean Louis Schefer
"يتحدث العمل المرسوم فقط حين نعرف كيف نسائله... كل هذا يتوقف على "معرفة" العوارض والأنساق المرجعية الخاصة به".

من المألوف أن التساؤلات التي تطرح في معظم الخطابات النقدية المتصورة حول الفن، تدور حول وصف الأعمال الفنية، حيث يتلخص الطرح في إيجاد بدايات لبنية محددة فيما توحي به الصورة المرسومة. فالصورة الكلاسيكية تتوافق مع القراءة التقليدية (إيقونوغرافية/إيقونولوجية)، التي أصبحت غير قابلة للتطبيق بشكل عام في سجل فنون القرن العشرين، خصوصا مع بروز التيارات اللاشكلية. 
ونحن أمام اللوحة/الجدارية "مدرسة أتينا"، تواجهنا "عتبات" عدة، متنوعة ومختلفة، تساعدنا على ولوج عالمها ـ عالم الفن ـ لأنه عكس ما يظن المتذوقون للفنون الكلاسيكية خاصة، من الصعب جدا فهم واستيعاب الخطابات التي تحملها الأعمال التصويرية الكلاسيكية، وما تخفية وراء ستارة الظاهر من الألوان والأشكال والتكوينات الفنية، دون إحالة الأعمال على مرجعيتها الفنية/الجمالية ودون وضعها في سياقاتها التاريخية، الفكرية والفلسفية والدينية/اللاهوتية...لقد تناولت العديد من الاتجاهات النقدية الحديثة دراسة الأعمال الفنية من وجهات مختلفة وبمناهج متنوعة، بعضها فَصَل بين الشكل والتمثيل، أي الموضوع أو المضمون الذي يتناوله العمل الفني. فجاء في كتاب "الفن" لكلايف بل (1881ـ1964) أن "العنصر الذي يميز العمل كفن ليس التمثيل بل الصورة الدالة أو الشكل الدال، أي نمط حبك الألوان والخطوط مع بعضها البعض". فالمقاربة الشكلانية هاته تعتمد شيئا من المحايثة، حيث تسعى إلى فرز النص وعزله وتخليصه من السياقات المحيطة به. 
الحقيقة أن المؤسس الفعلي للنظرية الشكلانية في الفن هو مؤرخ الفن السويسري هنريش وولفلين Heinrich Wolfflin (1864ـ1945)، الذي بنى نظريته النقدية انطلاقا من مقارنة الفنين الكلاسيكي والباروكي. فلم يعر اهتماما بالمضامين (الموضوعات والدوافع وغيرها)، بقدر ما ركز على الطرائق والأشكال والإمكانات البصرية. فبالنسبة إليه يعد تاريخُ الفن تاريخَ الأشكال.
في عام 1915، نشر مؤرخ الفن هاينريش وولفلين (1864-1945) المبادئ الأساسية لتاريخ الفن، والتي شرح فيها الاختلافات في الأسلوب بين الفن الباروكي وفن عصر النهضة، وذلك باستخدام خمس فئات أساسية ينبني عليها تكوين العمل الفني: 
• التصويري على الخطي
• العمق على تصفيف السطوح 
• الشكل المنفتح على الشكل المنغلق 
• التعدد على الوحدة
• الغامق على الواضح.

كان لهذه الدراسة الشكلانية تأثير كبير على النقد الأدبي، فحاول النقاد والمنظرون تكييف المصطلحات البصرية التي استخلصها وولفلين من تأويله لفن الباروك، كأسلوب يتميز بالحركة واللاتماثل والتنافر، وجعلها توائم السياقات الأدبية نثرا ونظما. 
سيكون الباروك وفقًا لـ Wolfflin أقوى، لأنه يُخفي قدر ما يُظهِر، مما يؤدي إلى إثارة مشاعر المشاهد بينما يسعى الكلاسيكي إلى مزيد من الذكاء من خلال توفير إمكانية قراءة مثالية. ومن تم نجح ولفلين في تحديد وحدتين أسلوبيتين في تاريخ الفن من خلال العمل فقط على النماذج، دون اللجوء إلى المعرفة خارج الأعمال، المعارف التي عادة ما تؤدي إلى تأويلات متشعبة وتبعد عن مقاصد مؤلف العمل الفني.  فكان ما توصل إليه السيميائيون في وقت لاحق من تصورات لتجديد قراءة الفن، تتويجا لأعمال وولفلين النقدية. ومع الشكلانيين و السيميائيين، سوف يُعترف بالحقائق التالية: إذا كانت الصورة مقروءة، فذلك يدل على أنها تشكل مجموعة من العلامات؛ وأن هذه المجموعة لا تأخذ بدورها معناها إلا لكونها  تشكل كلاً منظمًا وترتبطا بالتجربة المعاشة.
وليتحقق التمييز بين الإنشاء الإيقوني للصورة وتمفصلاتها المنطقية، العملية التي غفل عنها معظم المؤلفين الإيقونوغرافيين، سيكون من الضروري انتظار ظهور الباحث إرفين بانوفسكي Erwin Panofsky (1892ـ1968) لوضع أسس الأيقونوغرافيا الحديثة: ف"ما تعنيه الصورة لا ينحصر بأي حال من الأحوال في ما تعرضه للإبصار".
عكس ما توصل إليه الاتجاه الشكلاني، نجد المؤرخ والناقد Erwin Panofsky  يتناول في كتابه L’œuvre d’art et ses significations "الفرع من تاريخ الفن الذي يرتبط بموضوع أو دلالة الأعمال الفنية في تعالقها بأشكالها". ويوضح أن عملية التأويل إيقونيا، تتأسس بناء على ثلاثة مستويات:
1. مستوى الدلالة الأساسية أو الطبيعية ، ويقصد به  "الوصف ما قبل إيقوني" Description pré-iconographique، الحامل لمعنيين، واقعي حسي، وتعبيري مخفي، يمكن الكشف عنهما عبر  تحديد الأسلوب ومكوناته الشكلية المعَيَنة من الخطوط والألوان، والعناصر الشيئية المؤثثة للفضاء، والكتل البرونزية أو الحجرية أو غيرها من الخامات المعتمدة للتشكيل النحتي ولتمثيل الأشياء الطبيعية، يضاف إلى كل ذلك المعالم المعمارية وما يرتبط بها من مفاهيم وتصورات وتخطيطات وإنجازات فضائية ... و"يمكن وصف عالم الأشكال الصرفة التي ندرك أنها مشحونة بالمعاني الأساسية أو الطبيعية بعالم الدوافع أو البواعث الفنية، التي يشكل تعدادها وصفاً ما قبل إيقونيا للعمل الفني".
2. مستوى الدلالة الثانوية أو التوافقية: حيث تتم دراسة موضوع العمل الفني باعتماد التحليل الإيقوني الصرف، عبر تعالق التراكيب والمفاهيم بالاستناد إلى مرجعيات مصاحبة، ومن تم يمكن اعتبار الدوافع المعترف بها، الحاملة لمعنى ثانويًا أو توافقيا، أنها صور Images، والبعض يسميها قصصا ورموزا  Histoires et allégories. فتحديد الصور المماثلة أو الرموز هو بالضبط مجال اشتغال الإيقونوغرافيا، و"من الواضح أن التحليل الإيقوني، بالمعنى الدقيق للكلمة، يفترض تحديدًا صحيحًا للحوافز الموضوعية".
3. مستوى الدلالة الضمنية: هو مستوى يتوافق مع التحليل الإيقونولوجي، أي الدلالة الداخلية للعمل بتموضعها داخل المضمون. "يستوعبها المرء من خلال إدراكه لهذه المبادئ الأساسية التي تكشف عن العقلية الأساسية لأمة ما، أو فترة، أو طبقة، أو اتفاقية دينية أو فلسفية -تم تحديدها بغير وعي من قبل شخصية الفنان الذي يفترض ذلك -والمكثفة في عمل فني فريد من نوعه".
تسمح مستويات التحليل الثلاثة هذه بإجراء تحليل شامل للعمل الفني. على الرغم من أنها تبدو مستقلة عن بعضها البعض، فهي في الواقع مرتبطة ولا يمكنها أن تُجَزَّأ. وتشكل الضرورة الملحة لإنجاح تحليل موضوعي ومتكامل وشمولي للمنجز الفني، إذ أنها تساعد على فك شفرة عتبات النص التشكيلي، و"الوقوف على دلالاتها والعلاقة الجامعة بينها، والعلاقة بينها وبين المتن".
ونحن أمام لوحة "مدرسة أثينا" L’Ecole d’Athène، للفنان الإيطالي رفائيلو سانويو Raffaello Sansio (1483ـ1520)، يمكننا أن نقف على ثلاث عتبات رئيسية تساعدنا على النفاذ إلى عوالم اللوحة المتنوعة والمحيلة إلى منظومات فكرية مختلفة، فلسفة وعلوم وأدب وغيرها. عتبات زمانية تتناول السياقين التاريخي والفني/الجمالي، وعتبات مكانية: تحدد مكان تواجد اللوحة، وعتبات ذات مرجعية ثقافية، فلسفية وأدبية ودينية. 
وقبل التطرق إلى العتبات الثلاث قراءة وتحليلا، نعطي نبذة عن حياة الفنان رفائيل، مما يساعد على وضع العمل الفني في سياقه العام، الفني/الجمالي والفكري.

من هو رفائيلو سانزيو؟
رفائيلو سانزيو   Raffaello Sanzio ( 1483 -  1520)، يعد من أبرز فناني عصر النهضة الإيطالية Cenquecento، إلى جانب كل من مايكال أنجلو (1475ـ1564)، وليوناردو دافنشي ( 1452ـ1519).  
فقد والديه وهو في سن طفولة متقدمة. ولما بلغ سن السابعة عشر، ألحق بمرسم الرسام «بيروجينو"، عندما رأى هذا الأخير رسومات رفائيل، قال: "دعوه لكي يكون تلميذي، لأنه سوف يصبح في القريب العاجل أستاذي". وبالفعل، ذلك ما تحقق، حيث تجاوز التلميذ بعبقريته، حرفية الأستاذ. 
عندما وصله خبر شهرة ليوناردو دافنشي وما أنجزه من أعمال بمدينة فلورانسا، شد الرحال إليها متمنيا تحقيق أحلامه بزيارتها ولقاء ليوناردو هناك. تأثر كثيرا بلوحة الموناليزا، حيث انعكس طيف وجهها على عدد من البورتريهات التي أنجزها خلال إقامته بفلورانسا، كما تأثرت تكويناته وطريقة ترتيب المجموعات التشكيلية داخل فضاء اللوحة، بتكوينات الرسام "ماساشيو". 
كان كل من البابا يوليوس الثاني وخليفته البابا ليون العاشر، معجبين بفن رفائيل، فوجها له الدعوة للالتحاق بروما، كي يساهم في إنجاز ديكورات الفاتيكان. كان عمره لا يتجاوز خمس وعشرين سنة حينما قام بتزيين جدران أربع صالات في الفاتيكان بلوحات رائعة. تتناول مواضيعها قصص دينية وأساطير من الميثولوجيا الإغريقية والرومانية، وموضوعات فلسفية وقانونية، وتصوير معاني جاءت من أقوال الشعراء والحكماء. وكان من أشهر ما أنجزه خلال تلك الفترة، اللوحة المعروفة باسم "مدرسة أثينا". كما أشرف شخصيا على تنفيذ بقية أعمال التزيين، والتي قام بها مجموعة من تلامذته. بالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من الصور على الورق المقوى، تم عن طريقها إنجاز المنسوجات الخاصة بالكنيسة (السكستية (نسبة إلى البابا سكست الرابع.


في الجزء القادم، سنتناول العنوان كأول عتبة نصية، عادة ما تلازم الأعمال الفنية، لا تفارقها. اختلفت آراء المؤرخين والنقاد حول تواجد العنوان (النصي) إلى جانب المتن (التشكيلي)، فمنهم المؤيد لحضوره، ومنهم من يجده عنصرا مشوشا، لا فائدة من تواجده! إلا أن العنوان هنا "مدرسة أثينا" La scuola di Atene (كما تسمى في اللغة الإيطالية)، يرفع من قيمة المنجز الفني ويبعده عن محطات الوصف العادية والمبتذلة، ليعمق القراءة التأويلية للصور الحاضرة على فضاء اللوحة، إن تشكيليا أو ثقافيا.