‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال رأي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال رأي. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

محمد اديب السلاوي

من يعمل على إنقاذ لغة الضاد..؟


-1-
قبل عقود من الزمن، أكد علماء اللغة في الجامعات والأكاديميات الغربية، أن حوالي ثلاثة آلاف لغة ولهجة محلية، قد لفظت أنفاسها بسبب تضاؤل عدد الناطقين بها... وقبل ذلك، أكدت أبحاث العديد من فقهاء اللغة في العالم الحديث، أن اللغات كالكائنات الحية الأخرى، تنشأ وتتطور وتزدهر ثم تشيخ وتحنو وتموت... وأن اللغات أيضا تنقرض لذات العوامل التي تؤدي إلى انقراض أنواع الكائنات الحية الأخرى، وأهمها انعدام الصيانة، أو بسبب الحروب والكوارث ذات التأثير المدمر، أو بسبب إهمال المجتمعات وتهميشها للغاتها الأم، وانحياز الأفراد والجماعات للغات أجنبية على حساب اللغات الأم.
وخارج هذه الأسباب، فإن اندثار اللغات وموتها، تظل في التاريخ البشري، ظاهرة طبيعية لم تتوقف على مدار تاريخ الحضارة البشرية، غير أن المثير للقلق في نظر باحث عربي( )، هو تزايد معدل الاندثار بالآونة الأخيرة، إذ يصل التشاؤم ببعض المراقبين إلى حد أنهم يتوقعون اختفاء/ موت ما بين 3400 و6120 لغة ولهجة مع نهاية القرن الحالي/ الواحد والعشرين، أي بمعدل لغة واحدة كل أسبوعين. وهو ما يعني خسارة اللغوبين والانتربولوجيين والأتريين وعلماء التاريخ، في مصدر غني للمعلومات التي تعين على دراسة وتوثيق تاريخ الشعوب المتحدثة بهذه اللغات واللهجات، ذلك أن ضياع اللغة، يعني ضياع التاريخ برمته والعكس صحيح، بل أكثر من ذلك يعني اختفاء هذه اللغات، سقوط جانب أساسي من الميراث الثقافي للبشرية.
-2-
نأتي بهذا المدخل، بمناسبة الحديث المتنامي في الإعلام وفي المحافل العلمية/ الأكاديمية، عن الحالة المرضية للغة الضاد/ اللغة العربية، والتحديات التي تواجهها راهنا في المدرسة والجامعة والإدارة، وفي مرافق الإنتاج الاقتصادي والإبداعي، وفي المجتمع، مما يجعلها في أزمة حقيقية... والأزمة كما يفسرها القاموس العربي، هي الشدة والضيق، ولذلك يرى العديد من الباحثين والخبراء، داخل الفضاء العربي وخارجه، أن اللغة العربية اليوم، تخوض إضافة إلى صراعاتها مع الفرنكوفونية، والأنجلوفونية، والأمازيغية والعامية، تخوض معارك عسيرة من أجل البقاء كلغة. وهذه المعارك تتجلي ملامحها بصفة لافتة، في نظر العديد من المفكرين العرب، في ثلاثة مجالات مركزية وإستراتيجية( ).
1) المجال التربوي والتعليمي، بكل فضاءاته وبمختلف مستوياته وأصنافه، وهو المجال الذي يضطلع بوظيفة تكوين المعلمين والمتعلمين. فالمؤسسات التربوية رغم هيمنة سلطة الوسائط الإلكترونية والقنوات الفضائية، مازالت المؤثر الأبرز في المعرفة والثقافة وفي التكوين العام، ولكن المعضلة، أن مؤسسات التربية والتعليم، وكذلك الجامعات، وأن بدت ظاهريا حديثة ومتطورة في أساليب التدريس –في بعض الأقطار العربية- فإن لها مطبات وسلبيات خاصة في مجال تعليم اللغة العربية وكيفية أدائها وتوظيفها، وهو ما يعني في نظر العديد من المفكرين، أن التعليم اللغوي/ العربي، لا يرقى إلى آفاق التحديات والاحتياجات المعاصرة التي تواجه هذه اللغة، وهو ما يعني أيضا في المحصلة النهائية، أن حركة التحديث ونشاط التنمية في المجتمع المحكوم بهذه اللغة، لن يبلغ المكانة المنشودة إذا ما كانت الوضعية التعليمية في المدارس والجامعات العربية، لا ترقى إلى مستويات التعليم العصري بأروبا وأمريكا وآسيا، ذلك لأن ما بلغه التعليم بعالم اليوم، من تقدم اقتصادي، هو نتيجة حتمية لرقي المنتوج التعليمي في هذا العالم.
 ما يزيد في أزمة اللغة العربية بالحقل التربوي التعليمي، ليس فقط عدم استيعابها داخل المؤسسات التربوية، للوسائط الإلكترونية الحديثة، ولكن أيضا هيمنة اللغات الأجنبية (خاصة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية) على الحقول التعليمية والمعارف الحديثة، داخل هذه المؤسسات، وتهميش اللغة الأم في البرامج والمناهج العلمية عامة، بدعوى عدم قدرتها على التواصل العلمي مع هذه البرامج والمناهج!!
2) في المجال الإعلامي: بكل فضاءاته ومؤسساته (المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية) تعاني لغة الضاد من سلبيات قاتلة: فمن مساوئ النطق، إلى مساوئ التحرير، ومن مساوئ استعمال المصطلح إلى مساوئ استعمال اللهجات المحلية بدعوى ملاءمتها مع برامج الحياة اليومية، أو بدعوى "تواصل أحسن" مع القراء والمستمعين والنظارة، حيث تتقهقر اللغة الفصحى، وتتحول إلى مستنقع لا علاقة له باللغة، ولا بمفاهيمها الجمالية والعلمية.
 إن استعمال اللهجات العامية واللغات الأجنبية في المجال الإعلامي العربي، وإن أصبح أمرا عاديا بالنسبة للعديد من الإعلاميين، ولا يثير أية مشكلة لدى الكثير منهم، فإنه بالنسبة للثقافة العربية، يعد إشكالية مترابطة مع التحديات الحضارية الراهنة، فإذا ما ولدت العولمة صراعا بين الحضارات، وتنافسا شرسا على البقاء والهيمنة العالمية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، ذلك لأن اللغة هي في صميم هذا الصراع، لذلك فإن العاميات واللغات الأجنبية في نظر العديد من المفكرين والفلاسفة، هو ما يهدد بقاء اللغة العربية، بل هو عدوها الثقافي الأشرس، لأنها تنتصب حليفا موضوعيا للكونية الغازية( ).
3) في المجال السياسي، بكل مجالاته: الأحزاب والمنظمات والحكومات ورؤساء الدول، كل من موقعه يتحمل مسؤولية التدهور الذي تعرفه اللغة العربية في التعليم والإدارة والإعلام والمقاولة والمؤسسات البنكية والصناعية وكل مناحي الحياة. فالمجال السياسي بكل مكوناته، هو مصدر القوانين والسياسات والتشريعات والقرارات، وبالتالي هو المسؤول الأول والأخير عن حماية اللغة القومية أمام المخاطر التي تهددها، وباعتبارها هي حامل الهوية الثقافية وضامن سيرورة الذات الحضارية للأمة، فإن أي مساس بهذه اللغة، التي هي لغة الوحي/ لغة القرآن الكريم/ لغة الوجود الحضاري للأمة، يتحول -سياسيا- إلى خيانة عظمى، في الأنظمة الشرعية، كما في القوانين الوضعية.
 هل يعني ذلك أن اللغة العربية اليوم في انعطافة تاريخية..؟ نعم، إنها في أزمة تترابط حولها كل أدوات القتل: ضعف في التعليم/ ضعف في الإعلام/... وضعف في السياسية؟
 في شهادات عديدة لفقهاء اللغة، ورجالات الفكر والتربية والإعلام، أن اللغة العربية في الزمن العربي الراهن، تخسر يوما بعد يوم مكانتها في المؤسسات التربوية والتعليمية والتكوينية والإعلامية والاقتصادية والإدارية وغيرها، في العديد من الأقطار العربية/ شرقية وغربية، حيث لم تصل العديد منها، في مناهجها التربوية إلى تدريس العلوم/ مختلف العلوم باللغة الأم، بل أصبحت اللغات الأجنبية (الاستعمارية) لغات رسمية أو شبه رسمية في الإدارة والمعاملات والتدريس الجامعي، وحتى في التواصل الاجتماعي "لطبقتها الوسطى" ولغالبية نخبها السياسية، حتى وإن كانت هذه اللغة رسمية في وثائق الدستور، وهو ما يعني بوضوح إصابة اللغة الأم بالسكتة الدماغية.
-3-
 مغربيا، والمغرب لا ينفصل عن الوطن العربي في المسألة اللغوية، ما هي حصيلة ضعف المؤسسة السياسية في تعاملها مع مخطط التهميش اللغوي والثقافي، والذي أذى إلى فرنسة التعليم من بدايته إلى نهايته، وفرنسة الإدارة في مستوياتها وأصنافها المختلفة، وفرنسة الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني... وفرنسة جانب هام من المجتمع المغربي؟
 إن القرار السياسي، عرض اللغة العربية في المملكة المغربية إلى اهتزازات متواصلة، منذ عهد الحماية (الفرنسية/ الاسبانية/ 1912-1956) وحتى اليوم، نذكر من هذه الاهتزازات، بعض المحطات الشهيرة:
1) الظهير البربري، وقد راهن واضعوه في ثلاثينيات القرن الماضي، على الفصل بين العرب والبربر في المجتمع المغربي، وإعطاء اللهجات الأمازيغية وضعا خاصا إلى جانب اللغة الفرنسية في التعليم بالمناطق البربرية.
2) النظام التعليمي الرسمي، وقد راهنت عليه إدارة الحماية (الفرنسية في الجنوب والإسبانية في الشمال) لطمس الهوية العربية الإسلامية للبلاد والعباد.
3) تشجيع وتركيز الفسيفساء اللغوية، المتعددة الأنماط والأشكال على الخريطة الوطنية (الدارجة/ الأمازيغية/ الفصحى/ الفرنسية/ الأسبانية) بشتى الوسائل والإمكانات، من أجل محاصرة لغة الضاد وإضعافها اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا.
4) فشل السياسات التعليمية في عهد الاستقلال، في معالجة هذا التلوث اللغوي لإعادة اللغة العربية إلى وضعها كلغة رسمية في التعليم والإدارة والحياة العامة، وجعل التعريب مبدأ أساسيا من مبادئ "مذهبية التعليم" التي تضمنت في سنوات الاستقلال الأولى، قيم المواطنة والهوية.
 يعني ذلك بوضوح، أن القرار السياسي كان منذ البداية وراء فشل المدرسة المغربية، في فرض اللغة العربية الأم في أطوار التعليم المختلفة (من الإبتدائي إلى الجامعي) ليفتح المجال على مصراعيه لدعاة التهجين اللغوي والثقافي وتذويب الهوية والذات، ليخفق في تأهيل وخلق المواطن المغربي المسلح بقوة المعرفة وكفاءة العلم ويقظة الضمير وقوامة الأخلاق، فانتهت هذه المدرسة، بضخامتها الكمية، وبغلافها المالي المفزع، إلى مؤسسة لإنتاج العاطلين وأنصاف المتعلمين والأميين والضائعين والمتمزقين والفقراء واليائسين والمحبطين، بلغة أساسية هي الفرنسية.
 والغريب في الأمر، ان القائمين على المدرسة المغربية، لم يكتفوا بجعل اللغة الفرنسية، لغة للعلوم والمعارف التي تؤدي بالمغاربة في اعتقادهم إلى العولمة، ولكنهم أكثر من ذلك جعلوها متنافسة في كل مناحي الحياة، مع اللغة الأم/ أي اللغة الرسمية، لتصبح مسيطرة بقوة على التعليم والإدارة والمال والاقتصاد والسياسة تحت الحماية الرسمية للسلطات التشريعية... والسلطات التنفيذية... ولتصبح اللغة العربية في المقابل هجينة ومستلبة وفاشلة.
 في قراءة لسياسي مغربي( ) لهذه الإشكالية/ المعضلة، أن هذا الضعف، أذى إضافة إلى زلزلة وحدة الثقافة الوطنية، إلى خلق ازدواجية، هي مجرد تغطية للاندماج والذوبان في لغة وثقافة أخرى، وإلى تكوين مجتمعين ونمطين من الفكر ومن القيم في الحياة... حيث تعمقت التبعية الثقافية واللغوية، وترسخ الاستيلاب الفكري، وتخلخلت تبعا لذلك البنية الروحية والهوية الوطنية الذاتية للمجتمع المغربي، وتزلزلت قيمه بشدة، لا أحد يدري إلى أين ستقود المغرب في نهاية المطاف.
-4-
 الصحفي والأديب المغربي الراحل ذ عبد الجبار السميحي، مسته لوعة هذا الزلزال، فأعلن بصراحته المعهودة، "أن الكلام لم يعد سرا، فاللغة العربية أصبحت في مغرب اليوم تحتضر، ف" المسيد" سيبقى مجرد فلكلور يذكر بالمغرب التقليدي القديم، وستبقى المدرسة الابتدائية والأطفال يتصايحون في ساحاتها المتربة، وستبقى كليات الآداب تعلم الشعر الجاهلي والعباسي والأندلسي، وتعلم الجرجاني والجاحظ وأغاني الاصفهاني وديوان الحماسة والجمهرة، وتخرج لنا دفعات تلو الأخرى من العاطلين، أما خارج هذه الأسوار فلا موقع ولا مكان للغة العربية، إنها لم تمت غيظا، وإنما ستموت انتحارا بالتأكيد، إذ نرى لا مكان لها في كل أطراف المدينة، في الوزارة والإدارة، في البنك والمطعم والفندق والمسبح، والمرقص وصالون الحلاقة وصالون اللقاءات الحميمية. إنها (أي اللغة العربية) أصبحت مثل امرأة تعسة، أتعبها الحمل والرضاع وشاخت قبل الوقت، فخرج رجلها يمارس حياته في لغة تصون حيويتها، يغار عليها الأهل، ولا يحميها القرار السياسي"( ).
 السؤال هنا: هل علينا القبول بهذا الواقع..؟
 هل نكتفي بإقامة جنازة لائقة بتاريخ هذه اللغة، ونترحم عليها، وندعو لجثمانها بالراحة والرحمة..؟
 أم علينا أن نسأل أنفسنا بهدوء، لمن تعود مسؤولية اغتيال هذه اللغة..؟ ومن المستفيد من اغتيالها..؟ وهل في الإمكان عودة فاعليتها إلى الحياة..؟
 نعم، اللغة العربية، وبفعل المؤامرات المتراكمة على حياتها من الداخل والخارج، أصبحت تواجه تحديات مصيرية، خاصة في المناخ الدولي الراهن، الذي يحتم عليها –إن أرادات الحياة- أن ترتقي إلى مستوى اللغات المهيمنة في المجالات العلمية والثقافية والمعرفية، وأن ترتقي بمكانتها وطرق تدريسها في الفضاءات التعليمية، وهو ما يحتم على أصحاب القرار السياسي، مراجعة مواقفهم من الإشكالية اللغوية على اعتبار أن التحديث والتنمية والولوج إلى مجتمع المعرفة، لا يمكن أن يكون خارج اللغة الهوية/ اللغة الأم... وهو ما يحتم على المثقفين والإعلاميين والسياسيين، أن ينتفضوا ضد الوضع السلبي الذي فرض على هذه اللغة، ضدا في تاريخها، وفي مكانتها العلمية، وأيضا في هويتها، فهي (أي اللغة العربية) حامل لهويتنا الثقافية ولسيرورتنا الحضارية، لأجل ذلك يتحمل الجميع (الأحزاب/ المنظمات/ الحكومات/ الجامعات...) مسؤولية إنقاذها من السقوط الذي يراد لها ضدا في التاريخ العربي الإسلامي... وضدا في جغرافيته المترامية الأطراف.
 فهل ستفعلون..؟
 ومتى؟

الجمعة، 13 سبتمبر 2019

سميرة مسرار

القيادة الفاشلة والموت السريري للكفاءات


 إذا كانت القيادة فنا وصنعة وبراعة وموهبة، فبعض الناس يولدون قادة، وبعضهم الآخر يتعلمونها،في حين  هناك فئة من الناس لا يمكن أن يملكوها ولا يستطيعون حتى مجرد التفكير في قدرتهم على مزاولتها، وللأسف هذه هي الفئة الأكثر انتشارا في الإدارة المغربية.

وبما أن المسؤول هو قبل كل شيء عبارة عن مجموعة من السلوكات، فتحديد القيادة الفاشلة في الإدارة المغربية يظهر من خلال رصد وتشخيص هذه الظاهرة، كسَنّ سياسة الإبعاد وقلة التواصل والتشكك المدمر للثقة واصطناع الأسباب التافهة لتحطيم نفسية الموظفين والترفع عليهم وإغلاق الباب في وجوههم واللجوء إلى الاستبداد والهيمنة في العمل والحديث بما لا يليق والتنقيص من قيمة الفرد وهدر حقه في المناقشة والضغط عليه وحرمانه من أهم حقوقه وعزله داخل فضاء ضيق ومحاسبته بعقارب الساعة وقهره نفسيا وأخلاقيا وماديا، كل هذا يجعل المسؤول الإداري المتجبر والمتسلط غير قادر على خلق فريق عمل ناجح، مما يسئ بشكل كبير ومباشر للإدارة ويخل بنزاهة تسييرها.

 إذا انطلقنا من منظور أن العقل ونفسية الفرد يشتغلان وفق ثنائية الرغبة ونقيضها (la dualité du plaisir et du déplaisir ) ، فإن هذا الموظف الذي تفرض عليه الإدارة طريقة عمل معينة بمنهجية مجحفة تخدم المصالح الشخصية للمسيرين قبل أن تخدم الإدارة نفسها، سيصطدم حتما بصانعي القرار أو يسقط في حالة نفسية مستعصية.

إن الإدارة غير النزيهة والتي يقودها مسير تنعدم فيه أدنى شروط الكفاءة تلعب على عامل التأثير النفسي وتزكية حالات الإحباط والتوتر لدى الموظف لإخفاء عجزها الداخلي في خلق جو مثالي للسير السليم. وحتى يتأتى لها هذا، فإنها تعمد إلى عدم منح الموظف المعلومات الكافية لإنجاح عمله، أو أنها تعطيه معلومات مغلوطة وتعمل جاهدة لتضليله حتى لا تكون له رؤيا واضحة حول المشروع. والنتيجه، أنه سيحس باليأس والإحباط حين يجد نفسه مكبّلا وبدون أدوات شغل، بل ويجد نفسه عرضة للتعنيف المادي أو المعنوي الذي يتم غالبا عبر التقليل من مجهوداته ونعته بعدم القدرة على التركيز والتحليل وغيرها من الملاحظات التي تجعله يشك في تكوينه وصلاحيته وفي كل تجاربه المهنية السابقة. وقد يحصل أن تمارس الإدارة في حقه شتى طرق التهميش فيتم حرمانه من آليات الاشتغال للقضاء عليه تحت طائلة العجز .

إن هذا السلوك الذي يوجد في إدارات كثيرة يسيرها قياديون عديمو الكفاءة يؤثر سلبيا على الموظف الذي يجد نفسه محاصرا ومخنوقا في محاولة يائسة لإنقاذ ذاته. والحمد لله أن نفسية الإنسان تحتوي على ميكانيزمات دفاعيه لحفظ العقل من التشتت والضياع أو ما يسمى بالانفصام. من بينها أن الموظف ــ في بداية أزمته مع القيادية الفاشلة  ــ يحاول تهدئة الأمور وهو يعرف أنه مظلوم، فيلجأ إلى التسليم لتحقيق التوازن النفسي لمواجهة نفسه أولا وواقعه العملي ثانيا بما في ذلك زملاؤه في الشغل ومسيروه.

ولكن يحدث أن يجد الموظف نفسه عرضة للتعنيف من جديد مما يسقطه في دوامة البحث عن المتعة في غياب التأطير والتحفيز. هذا إذا كانت نفسيته ذات بنيان صلب، أما إذا كان مهيأ للإحباط وتراكماته فسيصبح غير منتج خاصة وأن الصورة التي كونها عنه مسؤولوه وحاولوا إقناعه بها بأنه غير قادر على إنجاح عمله، قد تؤدي به إلى الانزلاق في خضم الكآبة والانهيارات العصبية.

إن الأدهى من كل هذا هو أن نفسية الموظف الكئيبة التي تزرعها الإدارة المتسلطة في كيانه الهشّ تنتقل معه إلى الشارع وإلى بيته فيسقطها على من في مستواه أو أكثر أو أقل منه كمحاولة لاواعية منه لإعادة توازنه النفسي، فيجد نفسه بذلك يعيد إنتاج ما تلقاه من عنف.

إن الإدارة المغربية التي تعتمد اليوم على هذه النوعية من المسؤولين لتعيد إنتاج مواطنين متوترين غير مقبلين على الحياة بكل مظاهرها، إذ يعزف الشخص عن الإبداع والعطاء والاجتهاد، بل وينفر من العلاقات الاجتماعية التي تبدأ في إثارة سخطه على نفسه وعلى الناس. ثم إن حالة الاكتئاب التي تتأكد في سلوكه اليومي تجعله يتخوف من كل انتقاد ولا يرى في وسطه إلا وجوها للمنتقدين بسبب الصورة التي ترد عليه يوميا من رؤسائه وتكرس دونيته في ذهنه بحيث يصبح فاقدا لحاسة تقييم الأشياء. إن وضعية كهذه تقتل في الإنسان الرغبة في العمل والاجتهاد وتشل فيه القدرة على التقييم والتقدير لأنه يصبح موضوع تقييم يومي يمارس عليه بكل جرأة وعفوية.

 من واجب الإدارة أن تخلق الجو النفسي الملائم للموظف لتمنحه القوة والدرع الواقي لتحمل أعباء المشاغل المنوطة بعاتقه، لا أن تحوله إلى حالة كلينيكية تجعله يخاف من نظرة الآخرين وينغلق على ذاته ويكوّن عن نفسه نظرة سلبية. فهل هكذا نخلق الموظف المنتج الذي يجب أن يقبل على دنيا العمل متفائلا مرحًا؟ وهل هذا هو الموظف الكفؤ الذي ستستند عليه الإدارة لضمان سيرها ؟ وكيف تقبل الإدارة هي نفسها بضم حطام إنسان إلى طاقمها؟

هذا التعامل المتسلط تجاه الفئات الهشة من الموظفين الذين يسقطون تباعا تحت مخالب الإدارات التي يسيرها مسؤولون غير أكفاء، أو ممن يحبون الضغط على موظفيهم، يتضاعف ــ للأسف الشديد ــ ليس مع هذا الصنف من الرجال فقط، بل يكون اكثر حدة وقوة  وعنف عند بعض  النساء المسؤولات . في قبضتهم جميعا يضيع جيل من الكفاءات بالموت السريري، وتُعدّ قنابل يمكن أن تنفجر في وجه أي كان وفي أي وقت ولأقل سبب.

هؤلاء الإداريون المتسلطون سرقوا كفاءة الموظف، سرقوا سعادة الموظف، وسرقوا منتوج الموظف، فمن سنحاكم ؟

إن هذه السرقة ليست فقط سرقة الزمن الإداري، بل هي سرقة أمن المواطن المغربي وأمن الدولة المغربية بإنتاج جيل من المحطمين والمكتئبين، فلا تسألوا بعد ذلك لمَ كل هذا الغليان والمشرّع المغربي لم يجرّم بعد القتل مع سبق الإصرار لعقول ونفسية الموظفين ولم يحاكم بعدُ المسؤولين الفاشلين.

فمتى سيتم التفكير في معالجة داء التسيير؟ ومتى سيستيقظ المشرّع لمعالجة جريمة القتل الإداري؟ بل متى سيتم القضاء على مثل هذه السلوكات التي تجعل من الإدارة فضاء واسعا لكل أنواع الظلم و الهشاشة بامتياز؟

✍ سميرة مسرار

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019

بقلم سميرة مسرار

أزمة القيادة في الإدارة المغربية وحالة التخبط والتردي

 إن واقع الإدارة المغربية محزن ومحبط في نفس الوقت، ذلك أن مفهوم القيادة عند بعض المسؤولين في المناصب العليا يحتاج إلى الدراسة والتحليل .....

فمصطلح القيادة من المفاهيم الذي تناوله العديد من المفكرين والإداريين بالتعريفات المختلفة والمتباينة، ولا أدل على ذلك من التعريفات التي تناولتها الأبحاث العربية والأجنبية في هذا المجال، ففي قواميس اللغة العربية يُقال: قاد، يقود وقيادةً وقياداً، ومنها القائد من يقود فوجاً من الجنود أو قطعة منهم أو كتيبة، والقيادة مهنة تحتاج لاحتراف موهبة، فكلمة القائـد تعني الشخص الذي يوجه ويرشد، وبذلك فالقيادة عملية رشيدة طرفاها شخص يوجه ويرشد والطرف الآخر أشخاص يتلقون التوجيه والإرشاد.

وإذا رجعنا إلى الفكرين اليوناني واللاتيني كنقطة انطلاق لتحديد معنى القيادة، لوجدنا أن كلمة قيادة Leadership مشتقة من الفعل يفعل أو يقوم بمهمة ما، ويتفق مع الفعل اليوناني Archein بمعنى يبدأ أو يقود أو يحكم ويتفق مع الفعل اللاتيني Agere ومعناه يُحرك أو يقود وكان الاعتقاد السائد في الفكرين يقوم على أن كل فعل من الأفعال السابقة ينقسم إلى جزأين : بداية يقوم بها شخص واحد ، ومهمة أو عمل ينجزه آخرون.
ومن هذا يتضح أن مفهوم القيادة ينطوي على علاقة اعتمادية متبادلة بين من يبدأ بالفعل وبيـن من ينجزه.

من عناصر القيــادة Factors Leadership :
أ - وجود جماعة من الناس يمارسوا وجودهم كجماعة و يتفاعلوا مع بعضهم البعض تفاعلاً قوياً ونشيطاً  ولا بد هنا من الإشارة إلى كيفية تعامل القائد مع هذه الجماعة ومدى انعكاس هذا التعامل سلباً أو إيجاباً على عملية القيادة برمتها، فالتعامل مع هذه الجماعة يتأثر بنوع العلاقة القائمة بينهم وبين قائدهم.

ب- القائــد: وجود شخص مؤثر وآخر متأثر عن طريق الرضا مع تعدد وسائل التأثير التي تسهم في تلبية قدرات أفراد الجماعة وتقوية ثقتهم بأنفسهم وتوسيع مداركهم وتدريبهم.

من أهم صفاة القائد الهدوء أمام الأزمات، مع الاندفاع الداخلي الشديد لحلها، بأن يكون مندفعاً لحل المشكلة، وكما قال بعضهم في المثل: يجب أن يكون كالبط ظاهره هادئ، لكنه يضرب رجله في الماء بسرعة، وما تحتاجه الإدارة اليوم قيادة مبدعة ومميزة وعلمية وعملية بمهارات فكرية لجعل الإدارة أكثر دينامكية وفعالية، وتعمل كأداة محركة لتحقيق أهذافها. في ظل القانون والحق وليس الظلم.

كما تفرض الوظيفة القيادية على شاغلها مسؤولية عظيمة، فالعامل الرئيسي وراء نجاح موظفي الإدارة يكمن في مدى قدرة رؤسائهم على إثارة اهتمامهم بأعمالهم، ودفعهم إلى الحرص على الأداء الجيد بكامل رغبتهم، ولما كانت أنماط السلوك الإنساني تتعدد باختلاف البيئة الثقافية، فمن الطبيعي أن تتنوع حاجات ورغبات الأفراد، ومن ثم يقع على عاتق المديرين أو الرؤساء مهمة توحيد اتجاهات الأفراد وتطوير عملهم، وهنا تظهر مهارة المسؤول، وهنا تكمن أيضاً حقيقة الدور الذي يميز المدير أو الرئيس في وظيفته القيادية.
بالرجوع إلى واقع الإدارة المغربية تبقى هذه المفاهيم حبر على ورق، حيث يجد الموظف نفسه ليس أمام مسؤول ضعيف فقط ولا يتمتع برؤيا واضحة وليست له القدرة على وضع استراتيجية محددة بأهداف بعيدة المدى مع تسطير خريطة طريق لتنفيذها، بل أمام مسؤول يتخبط في ضعفه الذي يخفيه وراء واجهة ظاهرها العنف النفسي وباطنها العنف الأخلاقي وصراعات الجانبية التي تنزل من مستوى الإدارة المغربية.

ويتضاعف ذلك في حالة كان المسؤول امرأة وبعد سن الخمسين حيث يجد الموظف نفسه أمام مسؤولة تعاني أزمة منتصف العمر وهي مرحلة صعبه للبعض وفرصة العمر والعصر الذهبي للبعض الآخر اذ يلعب الجسم واحدا من أسوء أدواره la carence strogenique يدخل المرأة في لعبه المتاهة التي تحكم علاقتها بالمحيط التابع لها وهي مرهونة بمدى التوافق بين السمات...الداخلية والمعلنة التي تعاني منها في تلك الفترة.

في كل الأحوال هي مرحله خلل هرموني ونفسي يفقد فيه جسدها ميزان التناغم ويسقطها في  مسلسل الفقدان ، بحيث تعيش صراعا نفسيا يقلب حياتها، و محاولة إرجاع ما  فات من شباب الجسم لأن شباب الروح لا يفنى .الشيء الذي  يدخلها في علاقه توثر مع ذاتها ومحيطها فتتجاوز صلاحياتها وتحاول فرض نفوذها وقد تدخل في علاقة البقاء للأقوى لأنها تحس الضعف في داخلها  وتحس نفسها مهدده حتى في وجودها كيف لا وقد فقدت القدرة على الإنجاب ،وهي نظره تقزم صورتها لذاتها فتجدها في علاقه صراع relation conflictuelle  مع النفس لتبين  انها قادرة على محيطها  مما يدخلها  في صراع مع نفسها ومع الآخرين la projection  لإرجاع ما لا يعود وعدم تسليمها المشعل للأجيال الصاعدة.

 فلما نحمل الإدارة والموظفين مثل هذا العبء، أليس الأجدر القيام ببحث عن شخصية المسؤول ولما لا عرضه عن طبيب نفسي قبل تعيينه، أليست المصلحة العامة لتطور وازدهار البلاد تستدعي ذلك، هل كافي تقديم ملف الترشيح وإجراء مباراة من نصف ساعة لتعيين مثل هؤلاء المسؤولون؟
أسئلة تطرح لتعكس شيئا من واقعنا الحالي ...

فعلى أي نموذج تنموي جديد نتحدث ونحن مسيرين من ضعاف العقول والنفوس، أليس أجدر بالمجلس الأعلى للحسابات مراقبة سرقة الزمن قبل سرقة الأموال، أليس سوء التدبير جريمة ممكن إثباتها والمعاقبة عليها