‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 2 يونيو 2019

قصّةٌ قصيرةٌ بقلم: كريستا نورجود Krista Noergaard ترجمها عن الدانماركية: سليم محمد غضبان- فلسطين

الشيطانُ و اللآلئُ الثلاث

كان يا ما كان، ثلاثُ فتياتٍ صِغار. و كان لدى كلٍّ منهنَّ لؤلؤةٌ- و كانت لدى هذه اللآلئ خاصيةٌ غريبة. كانَ لها لمَعانٌ أبيضٌ كالحليب، يتغيرُ بينَ آنٍ و آخرَ لألوان مختلفةٍ مبهجةٍ، إذا ما تعرضت لسطوع النورِ عليها.إضافةً لذلكَ، كانت لديها ميّزةٌ عجيبة. فكلما أبدت الفتياتُ المحبّةَ، و كلما اعتنتْ بحبٍ بها، كلما زادتْ بهجةُ اللآلئ.

لم تكن اللآلئُ الثلاثُ متشابهاتٍ، كذلك أيضًا الفتياتُ الثلاثُ. لكنَّ اللآلئ كانت غاليةً جدًا.. و كانت الفتياتُ يعتنينَ جيّدًا بها. و كنَّ إذا ما تلاقينَ يبتسمنَ لبعضهنَّ، و هكذا تصبحُ اللآلئُ أروعَ و أبهى…

لكنَّ الكمالَ للهِ وحده.

كانتْ عينُ الشيطانِ على الفتياتِ. لم يكن راضٍ عن سعادتهنَّ، و لا عن جمالِ و روعةِ اللآلئِ، و التي كانت تصبحُ أجملَ و أروعَ في كلّ مرةٍ تبتسم فيها الفتياتُ.

أخذ الشيطانُ يفكّرُ كيفَ يستطيعُ القضاءَ على هذه المُتعة.أخيرًا خنفرَ الشيطانُ، لقد وجدَها!. إنه سوفَ يسحرُ نفسَه ليصبحَ فتىً جميلَ الشكلِ، و بذلكَ يستطيعُ زيارةَ الفتياتِ. و هكذا كان.

مثلما فكّرَ الشيطانُ فعلَ. إستعدَّ جيّدًا بعد أن سحرَ نفسه. و في صباحٍ جميلٍ، مرَّ بذلكَ البيتِ حيثُ كانت تسكنُ الفتاةُ الأولى.


<<يومٌ جميلٌ أيتها الفتاة الجميلة. ما هذه الطّلةُ الرائعةُ! ليس أروعَ منكِ سوى تلكَ اللؤلؤةُ التي في يدكِ.>>

—نعم، أليسَ كذلك؟ لا شيء يضاهي لؤلؤتي.
قالت الفتاةُ مقهقهةً، فتلألأت اللؤلؤةُ بأبهجِ الألوانِ.
<<أجل، أجل.>> قالَ الشيطانُ الذي بدى كفتى جميل و أنيق.<<الآن أودُّ أن أودعَ سرًا لديكِ.>>
 ثم انحنى فَوق الفتاةِ و همس في أُذنها بعض الكلامِ. بدت الفتاةُ غير مصدقةٍ ما تسمعُ، و سألتهُ <<هل هذا صحيحٌ فعلًا؟!>>
<<نعم بالتأكيد، جربي بنفسكِ أن…>> و تلاشى الباقي كتأتأة غير مفهومة.

منذ ذلك اليومِ حدثَ تغيّرٌ مع الفتاةِ الأولى. لم تعد سعيدةً كما كانت قبلًا. و إذا ما قابلت إحدى الفتاتين الأُخرتينِ، لم تعد تردُّ الإبتسامةَ منها بابتسامةٍ مماثلة. كما لم تعد تضحكُ مثلهما. لكنها كانت تنظرُ بتساؤلٍ على اللؤلؤتينِ اللتينِ معهما. و كلما زاد حسدها لهما كلمافقدت لؤلؤتها جمالها. لم تعد تعيرها اهتمامها لإنشغالها بحسدِ الفتاتينِ على لؤلؤتيهما.

لاحظت الفتاتانِ ذلكَ بالطبعِ، لكنهما بقيتا سعيدتينِ تبتسمان لبعض و للفتاةِ الأولى، رغم أنها لم تكن تبادلهما الإبتسامَ و التحية. كانَ ذلكَ شوكةً في عينِ الشيطانِ، و لذلكَ أرادَ تكرارَ نجاحه . سحرَ نفسه إلى فتىً جميلٍ و قامَ بزيارةِ الفتاةِ الصغيرةِ الثانية.
<< يومٌ جميلٌ أيتها الفتاةُ، ما أجملكِ! و ما أجملَ اللؤلؤةُ التي في يدكِ.>>
<<نعم أليسَ كذلك؟ لا شيء يشبهُ لؤلؤتي>> قالت الفتاةُ مقهقهةً، ثم أخذت اللؤلؤةُ في اللمعانِ و التوهجِ بأجملِ الألوانِ.


<< أجل، عزيزتي>> قالها الشيطانُ الذي بدى صبيًّا جميلًا. ثمَّ تابعَ، <<لديَّ سرٌّ أودُّ أن أودعكِ إيّاه.>>
 و هكذا انحنى الشيطانُ فَوق الفتاةِ و همسَ شيئًا في أذُنِها. بدت الفتاةُ غيرَ مُصدّقةٍ لما سمعت وسألته: << أحقًّا ذلك؟>>
<<نعم أُؤكدُ لكِ ذلك. جرّبي بنفسِكِ أن..>> و تلاشى الباقي كتأتأةٍ غير مفهومةٍ.

منذُ ذلكَ اليومِ، حدثَ تغييرٌ مع الفتاةِ الثانيةِ. صارت تتجنّبُ لقاءَ الفتاتينِ الأُخرتينِ . أصبحتْ تستغلُّ كلَّ فُرصةٍ لتُؤكدَ أنَّ لُؤلؤتها هي الأجمل من اللؤلؤتينِ اللتينِ مع الفتاتينِ الأُخرتينِ. و إذا ما سنحتْ لها الفرصةُ بالإبتعاد عنهما، كانتْ تتحدثُ عنهما بسوءٍ، وعن لُؤلؤاتهما أيضًا. و كأنّها كانتْ تعتقدُ أنَّ لُؤلؤتها سوفَ تُصبحُ أجملَ و أروعَ إذا ما تحدّثتْ عنهما بسوء، و أبدت بشاعةَ لؤلؤاتهما. لكنّها لم تعرف أثناء ذلكَ أنَّ لُؤلُؤتها كانت تفقدُ بريقَها وجمالَها شيئًا فشيئًا رغم أنها كانت تُحدّقُ بها فاحِصةً إيّاها بينَ حينٍ و آخر. و كأنّها كانت تبحثُ عن شَيْءٍ مُحدّدٍ بالذّاتِ، ثُمّ غفلتْ عن رُؤيةِ ما يحدُثُ للؤلؤتِها.

لم تكن الفتاةُ الثالثةُ سعيدةً بهذا التغييرِ الذي لاحظتْهُ على الفتاتينِ الأولى و الثّانيةِ. و كانتْ كلما زادَ حُزنُها، كلما أخذت تتأمّلُ و تفحصُ لُؤلُؤتَها. عندما كانتْ تنفردُ بها، كانت تشعُرُ بعزاءٍ. و أحيانًا كانت تشعرُ باستعادةِ الفرحِ القديمِ، فتولّدت لديها رغبةٌ بأن تستعيدَ الفتاتانِ الأُخرتانِ سعادتهما من جديد. سيكونُ الأمرُ جميلًا لو استعادتْ الفتاةُ الأُولى و الثانيةُ فرحَهما و أخذتا تبتسمانِ لبعضهما. و هكذا سوفَ تتسابقُ لُؤلُؤاتهما في اللمعانِ و التوهّجِ.
إرادتُها هذه جعلتْ لُؤلُؤتَها تُرسلُ أبهجَ الألوانِ.

لم يُعجبْ الشيطان أنَّ الفتاةَ الثّالثةَ لم تتصرف كما يُحبّ، و لكن بالعكس، كانت لديهاخُططٌ كي تُعيدَ الفرحَ و السّعادةَ للفتاةِ الأولى و الثانيةِ. قرّرَ الشيطانُ أن يُجرّبَ تجرُبتَه الثالثةَ و الأخيرة. و كما فكّرَ فعلَ. لقدْ سحرَ نفسَهُ صبيًّا جميلًا و قامَ بزيارةِ الفتاةِ الثالثةِ.
<<يومٌ جميلٌ أيتها الفتاةُ الحُلوةُ. ما أجملَ طلّتكِ. ليسَ أجملَ منها سوى اللؤلؤةُالتي في يدكِ.>>
<<نعم، أليسَ كذلك؟ لا شيءَ يُضاهي و يُشبهُ لُؤلؤتي.>> ثُم أخذت تُقهقهُ بينما بدأت اللؤلُؤةُ في التألُّقِ، و أرسلت أجملَ الألوانِ.
<<أجل، أجل.>> قالها الشيطانُ المتحوّلُ الى صبيٍّ جميلٍ.

<<الآن سأقولُ لكِ سرًّا.>> ثُمّ انحنى صوبَ الفتاةِ و همسَ شيئًا في أُذُنِها. نظرت الفتاةُ إليهِ غيرَ مصدِّقةٍ ما سمعتْ.
<<هل هذا حقًا صحيح؟>>
<< نعم أُؤكدُ لكِ ذلك، و تستطيعينَ أنْ تُجرّبي بنفسكِ أنْ..>> وتلاشى الباقي مِثْلَ تأتأةٍ غير مفهومة.

فكّرتْ الفتاةُ قليلًا ثُمّ أجابت:<<كَلَّا ، لا أُريدُ. ألم تفهمْ أنّه عندما كفّتْ الفتاتانِ الأُخرتانِ  عن الإبتسامِ لي، قد عرفتُ سرَّ اللُّؤلُؤة.. اللؤلؤةُ تشقى إذا ما بقيت وحيدةً.>>

رغم كل محاولات الشيطان التأكيد على حُسن نواياه، إلا انها باءت بالفشل. عرفَ الشيطانُ أنّهُ لم يعُد يستطعْ فعلَ شَيْءٍ . لقد تلاشتْ قوّتُه. وهكذا صارتْ إرادةُ و تصميمُ الفتاةُ الثّالثةُ و تألُقُ لُؤلؤتها هي الدّافعُ لإستعادةِ الفتاتينِ الأُخرتينِ سعادتهما.

و بدأت جميعُ اللآلئُ ترسلُ ألوانها الرّائعةَ المُتميّزةَ عن الأُخرى.





                      ترجمها عن الدانماركية
                       سليم محمد غضبان
                      بتاريخ: ٢٢،٤،٢٠١٩

الخميس، 17 يناير 2019

بقلم محمد ياسين

دندنة على نغمات "الزهايمر"
على حين غرة، وقفت المسكينة، وقد  أسندت ركبتها بيمينها  لتساعدها على الوقوف، مرددة " خانتنا الصحة العدوة"، انتصب ضهرها بصعوبة ما حمل طوال المسير في هده الدنيا...خدني نموت فداري "بالبلاد"، قالت وعيناها مثبتان في عينيك،  قابلتها بابتسامة من شفتيك محملة ، بثقل ما أخبرتك به طبيبتها ذات زيارة. وجب الاحتياط  في مثل حالتها، صرحت الطبيبة، أحيانا يدخل المريض في ردود فعل غير متوقعة...ذاك هو حال "الزهايمر".
تسمرت عيناها في عينيك، كانت التاريخ كله، بما حملت هي وما حملت أنت، وهي تجول بعينيها الدامعتين، بين تقاسيم وجهك، خلتها تتذكر، يوم كانت تجوب تلك الغرفة المستطيلة الطويلة، بدءا من ركنها المظلم، حتى يستقر رأسها في نافذة الجهة الأخرى ، لتطل على منحدرات ومنعرجات الوادي، آخذة  نفسا طويلا، مرددة "غادي يخرج...غادي يخرج، عتقوني ب "ستي فاطمة"، وهي تتحسس ضربات رجليك هنا وهناك، كانت تضع  يدها على أماكن ببطنها، وكأنها تحاول الإمساك بك. كنت أنت على عجل قبل الوقت، لتغادر موطنك الصغير، وقد خُصِمت قَهْرا شهرين من حياتك هناك. ..ستحكي لك الجدة حين تكبر قائلة " انت سباعي " ، سيكون لك شأن .
لم ينسيها "الزهايمر" دعواتها لك،رغم اختلاط بعض الأمور التي أصبح أعلاها سافلها، وأسفلها أعلاها ،حز في نفسك، أن تراها على تلك الحال، وأنت  الدي عايشت  صولاتها وجولاتها، تغيير جلابيبها بين كل سفر وسفر، تذكرت أحد أعمامك وهو يناديها فقط ب "الجلابة" لكثرة سفرها مع الوالد، ولكونها كانت الكل في الكل، الآمر والناهي في الأسرة الكبيرة والأسرة الصغيرة وكأنها شيخ القبيلة، قلت في نفسك، كيف يتغير حال الفرد منا،  كيف تبدأ مناطق في  دماغه بالتقلص شيئا  فشيئا ، ليفقد الإنسان  تدريجا الكثير من ملكاته ، المركونة هنا وهناك في ذاكرته، القصيرة أو الطويلة المدى على حد سواء.
هالك أن يأتي عليك يوم  -كما يقول الأطباء  - لتفاجئك  - لا قدر الله -  أمك بسؤالها : من أنت؟ قلت في نفسك، اللهم لطفك، اللهم حل بيننا وداك اليوم.
حاول الأحفاد استلطافها  بشتى المستملحات، للعدول عن فكرتها، فما استطاعوا لدلك سبيلا، لم تنفع مع ذلك  سوى جرعة الدواء المضافة في كاس من الماء...
مع كل نظرة في عينيها، كانت تنساب أحداث ووقائع، تذكرت يوم كنت تدرس في الإعدادي في مدينة نائية عن قريتك الصغيرة، كانت العطلة البينية، انتظرت المسكينة  وصولك، حين أخبرها "الحاج" بأنك ستأتي  بعد غياب  بسبب الدراسة، لم تفارق ساحة المنزل، كانت تنصت لعلها تسمع هدير  الشاحنة المحملة بأكياس الطحين،  والتي يفترض أن تحملك معها، في غياب المواصلات هناك. بدأ الليل يسدل خيوط ظلامه الدامس على القرية، تيقنت المسكينة أنك لن تأتي. في حركة انفعالية، طوحت  في القمامة بكل أكلة شهية هيأتها لك ، قائلة " مَلِي مَجَاشْ وَلْدِي والله وَاحدْ لَاكْلاَهْ " سيحكي لك الوالد حين قدومك بعد يومين...
مع الشريط داك، تذكرت  أزمتها النفسية ، حين نزل الوالد من قطار الحياة، وهو  في عقده الخامس، محدثا فراغا، لم يتمكن من سده  حتى نجاحك – الدي كان يرتقبه معك -   في سلك التفتيش... لحظات كانت جد عصيبة، وأنتم جميعا تتأقلمون بمساحة تركها فارغة، من مستملحاته، من هيبته ووقاره، من لمساته الحنونة، غير ما مرة كانت المسكينة تردد  في حصرة، "إوَى أَوَلدِي غِيرْ كَتزْيَان كَتَخْسر"  حين نجحت، غادرنا الحاج، هي ذي الحياة، تغريك بعطاءاتها  المتكررة وعلى حين غرة ينقلب كل شيء... لا تبقي لك  سوى الذكرى تلو الأخرى.
استبشرت خيرا حين عدت من المقهى المجاور ، ووجدت الحاجة في مكانها المعتاد، بنظراتها المعتادة، وقد غاب عنها ما حدث، ذاك هو "الزهايمر" لحظات منفصلة عن بعضها، البعض، أحيانا يحظر الخيط الرابط بينها وأحيانا ينفلت...
بقلم محمد ياسين.
الرباط/ المملكة المغربية