الخميس، 9 أغسطس 2018

قراءة نقدية بقلم بوسلام حسن



القراءة لديوان لامة الحروف لعبدو سلطان گاسمي ،تلزمك على الحذر في اقتناص معانيه ،وذلك لعدة اسباب منها

1/نص فيه كثافة المعنى وعمق الرؤيا الشعرية
2/تعدد المرجعيات الثقافية التي يمتح منها الشاعر ،وتوزعها بين الثقافة المغربية الشعبية والارتباط الاجتماعي باللغة الاصيلة في بعدها البدوي ،والتي هيات له شروط البوح الشعري الجميل ،
ولا ننسى المرجعية الفكرية التي تؤطر فضاءه ،وتشكل معانيه من خلال لغة زجلية راقية ،وكذا البعد النفسي ،والوجداني المؤتث ،لصوره المنسابة بشكل ،تجعل القارئ يسترسل في متابعة المسك بالمعاني المتوارية خلف ظلال خيال النص.

ان القصيدة السلطانية ،قصيدة عالمة ،تنتج وعيا شعريا يتفاعل معه قارئ متمكن من المرجعيات السابقة ،ومدرك لخبايا الصور المتفقة من لغة قريبة من الوجدان الجمعي
سأحاول ان اقف عند ثلاث لحظات ،بشكل مختصر ،في انتظار قراءتي المتانية والمتاملة للديوان ،واللحظات سأسميها :

1/لحظة الكلام المفتول
2/لحظة العنوان المغزول
3/لحظة المعنى المسدول

**************************

-اللحظة الاولى قبل الكتابة واثناءها.

اقصد بهاته اللحظة عندما كان عبدو سلطان گاسمي يكتب نصه وكيف كانت عملية مخاضه ،وهاته النقطة مهمة لكي ابين لكم كيف انعث زجل عبدو بالزجل العالم ،
يجب ان نعرف ان عبدو سلطان اثناء كتابته مارس مهمتين ،الاولى كونه شاعر يختار جمله ،يستحضر مرجعياته ،يضع جمل في مخيلة خصبة ثم يبدا في عملية البناء الاولي يتوقف ،ليتحول ،الى مهمة ثانية يصبح ناقدا لمقاطعه الشعرية ينقحها ،يحذف..يزيد ويقوم البناء العام للنص،ثم يتحول الى شاعر وبعدها الى ناقد وهكذا دواليك ،لتستغرق الكتابة الشعرية والنقدية ،فيكون شاعر الصنعة بامتياز وهذا ماسميته قبل القصيدة ،اثناء القصيدة ،اللحظة النهائية ،حيث نجد القصيدة طويلة ذات شكل كاليگرافي متميز ،جمل قصيرة ومقاطع منفصلة لكنها مرتبطة في معانيها ،تنتهي بنفس القافية ،وتحافظ على بنية ايقاعية متوازنة
الى ان يصادفنا شكل آخر مخالف تميزت به: سم الحگرة ،وسادة الفراق ،دنيا غرارة ،من عندي ومن عندك ،كتبتنا لقدار ،جملها الشعرية طويلة وتخضع لوزن عروضي خاص بالقصيدة الزجلية ك : المبيت في اشارة الى (المثني والثلاثي والرباعي) ،وغيرها من البحور
انه كلام مفتول ،بقوة الحبل المفتول ومتانته ،،

***************************

-انتقل الآن الى اللحظة الثانية وعنونتها : بالعنوان المغزول
*العنوان المغزول ،مدخل اساسي للنص *

الغزل يتطلب الدقة والتركيز ،وتحويل الصوف الى غزيل دقيق ،اي تحويل معاني النص الى عنوان يطابق مضامين النص لانه يعتبر عتبة مهمة في الترحيب بالقارئ الى عوالم النص الخفية ،وهناك صنفان من العناوين ،العنوان الاصل ،الذي يرحب بك في الديوان ،والعناوين الفرعية والتي هي جزء من اللامة بل هي اللامة ،
نقف عند العنوان ولقد سبق للإخوة ان شرحوه في قراءتهم ،لكن سانظر اليه من جانب آخر باعتباره مؤسسا لمعاني النصوص،
اللامة : الجمع الذي فيه المحبة ،تقاسم الفرح ،مشاركة الكلام والحروف ،هي القصيدة التي تحمل المعاني ،ولقد حضر العنوان بدلالته في النص الاول *طريق الضحكة* حيث قال الشاعر
لاقي المحبة
ف لامة الحروف
نسگيو قصرية الكلام
كلا يلگم كليمة
لاحظوا لامة الحروف فيها قصرية الكلام ،هناك توليف جميل بين الكلام ،والكسكس باعتباره الاكلة الشعبية التي يجتمع عليها الاحباب ‘
كلا يلگم كليمة : يأخد من الحرف معنى
العناوين الاخرى والتي هي ستة عشر عنوانا ،تبدا بطريق الضحكة وآخرها جيتي اموخرة ،وبين الطريق والوصول مسافة عبور فكري ووجداني ،
الانطلاق فيه شك
وليت نشك ف شكي
وشكي عاد
يشك ف شكو
يوم شافتك
ودني العمية
بمومو الگروج...

الشك كمنطلق فلسفي ،لكنه شك من نوع آخر شك في الشك ،ليس بالعقل الديكارتي ولكن بالشوفة التي سمعتها الاذن ،اختراق رائع لنظامية الحواس
الوصول الى اليقين بقوله :
جيتي... اموخرة يا فرحة
جيتي... اموخرة بزاف

البداية بالضحكة. والوصول بالفرحة التي تاخرت عبر الزمن النفسي
عناوين تترجم مواقف وجدانية ،نفسية ،وفكرية نرسمها كالتالي
-الالم : منجم الكية،،،سم الحگرة ،،،وسادة الفراق ،،،
-الرغبة في التوحد : نترجاك تكونيني ،من عندي ومن عندك ،حكايتي معاك
-الالتزام : عاهد الحروف ،الوعد الخمري ،
-الكتابة كحكي لقصة القلب : كتبتنا لقدار ،كتبت قصة ،حكايتي معاك
-الفراق : وسادة الفراق ،جيتي امؤخرة
-الانفعال بالاخر : طريق الضحكة ،تهتهيت الگانة ،
وعنوانان اعتبرهما ركيزتا الديوان :
اولهما : سلطان الظلام ،ربما هو الشاعر الذي يعمل ليلا ويحب الظلام ،هو سلطانه وهو عبدو سلطان
حيث قال :
سلطان الظلام...
سلطان الظلام
ف النسا نتعجب
نحرث بالليل
حرث الفلاح...
(الحرث هو العمل في الليل)

العنوان الثاني له خصوصية عند الشاعر حيث تساءلت جميع العناوين ليس فيها اسم الا قصيدة واحدة هي : (امي خناتة) من هي ؟ قصيدة فيها تعبير عن معاناة ،رغبة في مواساة ،بعيدة عن ملمح العشق ،قريبة من الاخر الذي يريد ان يخفف عنه الامه ،اكيد انه عزيز عليه ،بل هو روحه وقلبه ،وحسب استنتاجي ان خناتة هي امه،
هاته هي ترسيمات العناوين المختارة بدقة وبوعي ،والتي تتبت ما قلناه سابقا بان الشاعر يصنع ديوانه بوعي الشاعر والناقد.

***************************

اللحظة الثالثة وهي :
*المعنى المسدول في حضرة الكلام المعقول*

اقول من لم يستوعب المرجعيات التي وجهت كتابة عبدو سلطان ،لن يتفاعل ايجابيا مع قصائده ،هي مرجعيات متعددة ،فيها الفكري ،النفسي ،الاجتماعي ،والسياسي ،ولاننسى الارتباط بالوجدان الشعبي ،الذي رسم خطوطا واضحة على طول قصائده ،

ساحاول ان اقف عند بعض المعاني بشكل مختصر لان المشروع النقدي لديوان عبدو سلطان يحتاج وقفة طويلة ،لاننا امام شعر عالم ،وامام توجه شعرية زجلي خلق لنفسه مدرسته وان كان بعض الاخوة لا يفضلون ان نحكم على ديوان واحد ،ونصنفه في مدرسة شعرية ،سأحاول مستقبلا ان ابين هذا الملمح

ان القارئ لديوان لامة الحروف ليقول ان الشاعر عبدو سلطان ،شاعر الغزل ،ذو توجه رومانسي ،لانه يركز على العشق ،في مقابل المعاناة ،لكن من يقرأ جيدا سيلاحظ ،ان الشاعر من خلالا العشق يستحضر قضايا اخرى ،وساحول ان اقف عند بعضها :
بناء الذات واعادة تكوينها :
الشاعر يعيد بناء ذاته وتكوينها بان يعطيها شحنة وجدانية او فكرية ،يحاول ان يتبت وجوده كذات فاعلة ساعطي بعض الشذرات من شعره لكي اتبت ما اقول :
جيت... نتفكرني
يوم نسيتني
جيت... نواسيني
ونسقيني بشويفة مسروقة
نحطني ف طبلة مجاجك
نربعني رجلية
فوق رجلية
لاحظوا معي الفعل الذي يبني ذات الشاعر ،نتفكرني ،نسيتني ،نسقيني ،نحطني ،هو الفاعل بذاته الباني لها في لحظة التفكير وفي لحظة المواساة ،وهكذا ،
وهي تجربة من الذات الى الذات ،اتقنها عبدو سلطان وأصبح يعرف بها ،وربما وجدت بعض الشعراء استلهموا منه هاته الرؤية الشعرية ،التي تعتبر الذات اساسية في البناء
لناخذ مقطعا آخرا من قصيدة اخرى :
نتهجاني بحروف المكتاب
المدگوگة ف لواح لقدار
انفركل..انعركل..نتعكل

اندخلني لبيت الحجبة
نسد عليا بابه
انشوفني بصورتك ف مرايتي
انسرحني كارطة امتيكة
هاته اللحظات الشعرية يجب فهمها فهما عميقا ،حتى نقترب من رؤيته الشعرية ،
ساضيف سطرين في بعد صوفي من احدى قصائده
مني تسيل حروفي
نكتبني صفحات

بينه وبين الحرف علاقة موحدة ،رابطها العشق ،ومن هنا يتبين ان الشاعر عندما يتحدث عن العشق فلا يذهب فكرنا الى المرأة بالضبط بل عشق في الاتجاهات المتعددة
لو سمحتم سامر على بعض القضايا التي تناولها الشاعر
كالمآسي الاجتماعية :
غرقت الفلوكة والفرشي مخشي هز راسو اطلع لفوق
سم الحگرة شربناه هذا شحال والهم على ظهرنا مرفود

قصيدة *سم الحگرة* صرخة في وجه المآسي والمشاكل الاجتماعية ،كذلك قصيدة *دنيا غرارة* ،طرح فيها الشاعر نقدا لاذعا للواقع ،عرى جوانب الفقر فيه بطريقة جميلة وباسلوب مازج بين الثقافة الشعبية والبعد الرمزي
اقول ان ديوان لامة الحروف للزجال عبدو سلطان غني في معانيه ،متعدد في مرجعياته ،المقام لا يسمح للتوسع في قضاياه ،لاني رايت بعض القراءات لم تقارب الصواب ،فهي اما قاسية عليه في اسقاط بعض التاويلات الخاطئة ،او تقوم بتلخيص لمعانيه ،
انه الشعر العالم الذي ينفلت عن كل تاويل متسرع او فهم خاطئ ،لم اتناول ابداع الشاعر في توظيفه للثقافة الشعرية ،والتي حققت غرضها في السياق الشعري ،ولم اتوقف عند المرجعيات الفكرية التي نهل منها الشاعر وكيف تم توظيفها.

الى حين القراءة المتانية والمتاملة،اشكر الشاعر الذي اسكنني خيالاته ،وطوقني بابداعه الجميل ،،،،،
بوسلام حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق