السبت، 12 فبراير 2022

محمد زغلال محمد

 ** دمعة مؤجلة  ** 

 -  الى روح ..ريان .. الطاهرة   - 


يبحثون في أديم التراب 

عن دمعة حزينة 

 بللها الخوف والتعب 

عن شهادة لطفل بريئ 

اوجعه بطن الارض 

فاصغى لروحه وهي تغتصب 

عن طفل لم يجد في رحم امه نفسا 

فرقص شوقا الى النجاة 

وكان المنقد ، هو الحاضر المغيب 

****

قل للسائلين في الدعاء عن منفذ 

الى شريان الارض 

ان الروح تشنق دون حبل 

والشرايين تنهك والنفس تتعذب 

قل للعيون اليقظى 

التي باعت نورها لظلمة القبر 

ان دموعها تسبي توابيت الشهداء 

فتبكي السماء عليها حرقة وتنذب  


*** 

قل للبائسين الذين مدت أياديهم 

ترجو رحمة ، لرفات يبست 

حين لم تجد في ثدي امها  ما يشرب 

قل لامه التي تجلدت صبرا 

ان الدمعة المؤجلة 

تنقر على خدها  حياء وتستغرب 

كيف خذلها البكاء؟ 

واستعصى على الحزن ان ينزل الى ثقب 

فتوكلت على الصبر  

والصبر نعمة من الله توهب 

هذه الام التي تركن الى صمت 

 اوحى لها ان ابنها موحد للقلوب 

مذ  كان جنينا في رحمها يتقلب . 

 ****** 

قل للبائسين 

ان الحبل السري الذي التف حول جيده 

رفعه إلى السماء 

ليبحث عن ليل يولد بجوف الارض 

واخر في عينيه يغرب 

فلا الشمس نسيت وجهه 

ولا الملائكة كلت من ترديد صلاة 

انسجمت مع ملامح طفل 

احتفت بقدومه الكواكب 

فتنهدت السماء لما اذن لها ربها 

ان تكون رحيمة بطفل 

إن نفخ في وجه الشمس 

أزيح عن كوكبها اللهب .



محمد زغلال محمد 

المغرب .

محمود خلاف

 يا عراف

..........



سألت عراف

يارت توصف لي حالي

وأقرأ لي فنجانى

وياريت تدور على فرحة

تكون فى أنتظارى

ولا حبيب راجع تانى

من من الغربة ع شانى

قول يا عراف

بس اوعى عنى تخبي

أيه المستخبي

....

مسك العراف الفنجان

ولفه يمين وشمال

ونظر فى عيونى

وزاد تانى حزنى

...

وانتظرت كلامه

وعيونه فيها كلام

وفيها الف سؤال

أقول يا عراف

كفاية بقى خوف واحزان

أكذب علية

وفرحنى بكلمة

ان خايف من بكرة

مش قادر على الوحدة

وكفاية بقى غربة

وبعد الاحباب

وألام وأحزان

طمنى بقى قول يا عراف

ولا فنجانى مقلوب

وطريقي مسدود

وفين مرساه قريب ولا بعيد

ولا والوطن مني تاه

....

صدقنى  يا عراف

انا عارف حالي

من غير فنجانى

و هفضل صابر

وحزنى انا ه داريه

من كل العزال

منت يا دوب عراف

وحالك زي حالي


محمود خلاف

جمهورية مصر العربية

مفرجي الخسيني

 إدراك قـــبل الرحـــيل

-----------------------------------

أدرك قبل أن يمارس الرحيل

قبل أن يفق ظله الجانح في قرى الغربة

وحده مرة أخرى

لبه مستنقع يعجّ بالهوام

الغربة تحل مشكلة الجوع

تصوره هكذا

تهالك في مقعده، يتأمل

فاضت عيونه، بعنف

أزمنة سقطت، مهزومة

أمام الواقع، يحلم بالعودة

تدحرجت دمعة ، هو حزين

مزقتنا سياط الجوع

سقطت من ذاكرته سنوات قهر الموت

تراءت له أكواخ القرية

جوع يعوي في بطون أسرته

ذاكرة مثقلة بالأزمنة العمياء

مرمية على الهوامش

تنام قبل سقوط الشمس

تستفيق

أحشائها فواجع تضطرم

مهشمة، خرائب

عالٍ نعيق الغربان

هنا نجوع، نموت، ندفن أحياء

قرى الغربة

تأمل نفسه قبل أن يستسلم للموت

أنت حزني وقبري

أتسول كوخا بين عينيك

تلوى كالحلزون على نفسه

دفن افه في صدره

تفحص حلمه المغادر

توجه قبلة الحلم وحدث نفسه

ليل من الناس يعودون في

حقائبهم أحلام حزينة

قدر يسبق الريح ويحظ قريته

وراء البحار تنمو القرية وطنه

**********



د.المفرجي الحسيني

ادراك قبل الرحيل

العراق/بغداد

31/12/2021

محمد جمال فايد

 ...............مع السلامة............

مع السلامة ياعام فقدنا فيه





....أعز الناس وبخل علينا بسروره 

وغرس الحزن في نفوسنا 

..... وكنا بنستعجل رحيله ومروره

لأنه كان قاسي وشديد ومافي

....بيت إلاوبكى على فقده لزهوره 

وشكت المقابر من كثرة

....طلابها فيه ومن تعاليه وغروره

لأنه بيبدأ نهاره بظلام ولاعمره

جاد علينا ببصيص من نوره

فيارب إرزقنا عام جديد

يموت فيه الشر بجذوره

ويعم فيه الخير وتنمو

وتطرح في كل أرضنا بذورة

ويكون خالي من الإرهاب في

أعياده و أيامه ولياليه وشهوره

وأهل الشر فيه يرحلوا من

من كل بقاع الأرض ويغوروه

وفيه نحج حج مبرور 

وذنب مغفور 

ونتوجه لقبر الرسول

 ونزوره

بقلم الشاعرمحمد جمال فايد


........جمهورية مصر العربية.........

.كفر شبرا زنجي الباجور منوفية....

الجمعة، 11 فبراير 2022

مجدالدين سعودي // المملكة المغربية .

 (ناس الغيوان علال)

 في أغنية جديدة .

بعنوان : "وا..حياني عليكم  ..أ...الناس".

 في ذكرى رحيل العربي باطما : لروحه الاستمرارية والوفاء.




---------------------------------------

استهلال

---------------------------------------

تعود الينا مجموعة (ناس الغيوان علال) بأغنية تعيدنا للزمن الجميل وهي بعنوان :  ( وا....حياني عليكم ..أ..الناس)

 إحياءا لذكرى وفاة العربي باطمة.

أغنية :  (وا...حياني عليكم أ..الناس) 

الوفية لنهج ناس الغيوان . السبعينات والثمانينات بكلمات موحية وصادقة وموسيقى غيوانية صرفة وأصوات شذية وعذبة وألحان غيوانية مئة في المئة.


1) الموال والغيوان :

---------------------------------------

يعتمد ناس الغيوان في بداية أغانيهم على الموال 

وهو كما جاء في موقع الموسيقى العربية الالكتروني

 اصطلاح : 《 " موال" يطلق في الحقيقة على أكثر من شكل من أشكال التعبير الشعبي الغتائي....

 ...الموال من القوالب الغنائية التقليدية ... 》.

والموال فن غنائي شعبي شائع في أغلب البلاد العربية ... فهو لون من الأدب الشعبي، يظهر قدرات المغني ومساحته الصوتية، وامكانية  التطريب والقدرة على الابتكار . 

ويؤدى الموال عادة اما بطريقة السرد الالقائي Parlando   أو بطريقة السرد الغتائي Recitative وكلاهما يؤدى منفردا ... 1)

والموال عند ناس الغيوان هو فاتحة الأغنية وبدايتها

في هذا الموال الشجي،توجه مجموعة (ناس الغيوان علال) خطابها للناس الذين آلموا القلب بأفعالهم الدنيئة:

(واحياني عليكم الناس

فعايلكم ما درتو لقياس

ضريتوني ف قلبي يا هاد الناس)

والقلب مفعم بالألم والضرر والألم.

ومع هذا فرغم قساوة أفعالهم، فأحوالهم البائسة تبكي :

( حالكم بكاني

وحالي عايش فالوسواس

يا ناس)

ان الذات الشاعرة والغنائية تحمل همومها وهموم الآخرين:

(ما حيلتي لهمي

ما حيلتي ليكوم)

ولهذا تعيش الذات الشاعرة في  حيرة :

(ولمن نعطي الراس يا ناس)

لكن الغريب في الأمر:

(واللي نخطو هبال

تلبسوه نتوما بلقياس)


---------------------------------------------------------------------

2) الضر :

-----------------------------------------------------------------------


القلب الغيواني حزين وعليل ويعيش ضررا كبيرا بسبب أفعال الناس التي تتخذ في الأغنية الغيوانية طابعا قدحيا:

(حسيت بضر قلبي

ضرات بيه فعايل الناس)

والذات الشاعرة وحيدة ومذبوحة:

(حسيت بضر قلبي

ضرات بيه فعايل الناس

زماني ما هو جنبي

بفعايلهم مذبوح من الساس)

الزمن عند (ناس الغيوان علال) شبيه بدوران الأيام، وزمن الذات الغيوانية زمن منفلت، هارب من صاحيه بسبب أفعال الناس، لهذا يختتم المقطع الغيواني بالعنوان الصرخة:

(واحياني على الناس

واحياني

حسيت بضر قلبي)


---------------------------------------

3) الشكوى :


أحوال الذات الشاعرة سيئة: هموم، أهوال، أحزان، وأحوال هذه الذات الحزينة مجروحة بالسكاكين:

(وشكيت بحالي ليامي

حالي مجروح بالماس)

والأيام في أغنية (ناس الغيوان علال)، هي تراكم تجارب، فهي مرآة للذات الإنسانية التي تبثها الشكوى.

والشكوى كما يلخصها لنا ابن حزم الأندلسي: (فإن الهمومَ إذا ترادفت في القلب ضاقَ بها، فإن لم يَفِضْ منها شيءٌ باللسان، ولم يُسترَح إلى الشكوى لم يَلبَث أن يهلك غمًّا ويموت أَسَفا.)

كما يختتم هذا المقطع الغنائي بنفس الصرخة العنوان: 

(واحياني على الناس

واحياني)


----------------------------------------------------------------------

4 اانواح :

-----------------------------------------------------------------------


يكتب نزار قباني عن النواح والألم قائلا: (وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاء، هنالك فصل اسميه فصل البكاء تكون به النفس أقرب من اي وقت الى السماء.)

تلتجئ الذات المجروحة الى النواح كوسيلة لتفجير كل الأحوال السيئة والأهوال المعاشة:

(نوح يل قلبي نوح

على قلة المحبة ما بقات

غير لجروح)

ولهذا يكتب الفنان المبدع: (على المرء ألا يخجل من البكاء، الدموع هي مطر يسقط على ترابِ الأرض الذي يعلو قلوبَنا القاسية.)

فانتشرت الكراهية عوض المحبة، ولا نجد بالتالي الا بالجراح ولا شيء غير الجراح.

فتأتي صرخة الغيوان على الشكل التالي:

(نوح يا قلبي نوح

لمن تشكي بضرك

لمن غا..... تبوح)

--------------------------------------------------------------------------

خاتمة :

-----------------------------------------------------------------------

(وا ..حياني..  عليكم أ.. الناس)..

انها صرخة مجموعة 

(ناس الغيوان علال)،

 صرخة مدوية على ناس الكراهية والغدر والنفاق، صرخة ضد الواقع المأزوم، صرخة في وجه الجراح والطعنات.

وتبقى (مجموعة ناس الغيوان علال)،

 رغم وفاة بعض أعضائها ومغادرة البعض للمجموعة واغناؤها بعناصر أخرى فعالة وقوية، وفية لخط الغيوان المتميز بأصواتها المبحوحة والقوية وآهاتها وموالاتها وأسلوبها الغنائي الفريد واعتمادها دوما على نفس الآلات الموسيقية البسيطة:

 (البانجو والهجهوج والطامطام والبندير ).

وخير ما نختم به ما كتبه يقول الكاتب المغربي عبد الله الحيمر في هذا الصدد: “صرخوا صرخة الاحتفالية الغنائية؛ ليعيدوا التوازن النفسي لمخيلة شعب بأكمله. كسروا حاجز الصوت، بالحكمة والكلمة الموزونة، وبالإيقاع الشجي، كانوا منارات تهتدي بها الطبقة المهمشة والمسحوقة في ظلمات الروح، وتكسر الأفق المسدود، وتزرع بذور الأمل والفرح في جسد الذات المغربية. فتحوا أبواب الاحتفالية الغنائية نحو نداءات المستقبل المؤجلة”. 2


--------------------------------------------------------------------------


مجدالدين سعودي. المغرب


--------------------------------------------------------------------


احالات


--------------------------------------------------------------------


1 الموال في الغناء العربي. موقع الموسيقى العربية الالكتروني

2 صدر حديثاً: كتاب “ناس الغيوان خطاب الاحتفالية الغنائية” للكاتب المغربي عبد الله الحيمر عن موقع العالم الآن الالكتروني


------------------------------------------------------------------



عبد الدايم سلامي عن برهان شاوي

 أيّ حديث عن الحداثة لا يقترب من المقدس هو مجرد هراء نظري.


(الفيسبوك يذكرني) باللقاء الجميل الذي أجراه معي الناقد والشاعر والباحث التونسي القدير الدكتور  عبدالدائم السلامي ونشر في (القدس العربي) و موقع (الجسرة)



* نحن، تاريخيا، نعيش فترة مظلمة.


* اللغة الإنشائية المشحونة بالهلاوس الشعرية صارت هي العلامة المسجلة التي تميز الرواية العربية المعاصرة. 


*  للجوائز، على الرغم من إشكالات لجانها وقيمتها،  جوانب إيجابية، فهي في بعض دوراتها كشفت عن أسماء أدبية ممتازة لم يعرفها أحد سابقاً. كما أنها ساهمت وروجت لفعل القراءة الأدبي.


* استدعاء الأساطير الدينية في (المتاهات) ليس لمناقشة الدين فقط وإنما لمناقشة سؤال الحرية والإرادة والخير والشر ومفهوم الخطيئة.


* إن الجنس هو القوة الغامضة التي تقود الإنسان على الرغم من تحريمات الأديان والفلسفات الأخلاقية له باعتباره خطيئة، علماً بأن اليوتوبيا الدينية، على الأقل في الإسلام، هي يوتوبيا جنسية بامتياز، فحتى النص المقدّس يغري الإنسان بالجنس في الجنة، مقابل العبادة والطهرانية الأرضية. 


* حين أكتب لا يهمني القارئ ولا المنظومات الأخلاقية الاجتماعية ولا أفكر فيها أصلاً، وإنما تهمني شخصياتي الروائية وصدق التعبير عنها فنياً، ناهيك عن أن اللغة المكشوفة التي استخدمها أثناء الحوار تكشف عن الدلالات النفسية للشخصية كما يذهب إلى ذلك فرويد ولاكان.


* كل شخصياتي الروائية هي شخصيات حقيقية، ومستمدة من واقع هذه الحياة، لقد عرفتُ وقابلتُ أو تحدثتُ مع الشخصيات الأصلية التي منها شكّلت شخصياتي الروائية، وفي الوقت نفسه هي ليست سيرة لأي من هذه الشخصيات التي قابلتها أو عرفتها أو تحدثت معها في الواقع.


* أنا أكتب الرواية المعرفية ذات الأبعاد الفلسفية والنفسية، لا أضع مخططا لروايتي ولا أفكر في أي منهج نقدي أو قالب روائي تحدّث عنه النقاد.


* الأحزاب القومية والاشتراكية اليسارية، نتيجة لتكتيكاتها الساذجة آنذاك ساهمت من حيث لا تدري في محاصرة حركة التنوير الاجتماعي الحقيقية، وأقصد هنا إنها لم تتجرأ على تنوير منطقة المقدس،


* ليس هناك (ربيع عربي)، وأنما اندفاعات تاريخية نتيجة الاستبداد والقمع، لكن هذه الاندفاعات أيقظت الجثث من قبورها لينطلق «الزومبي الأصولي» ليجتاح حياتنا براياته السوداء، وليحول واقعنا إلى كابوس مرعب، 


عبدالدائم السلامي


بُرهان شاوي كاتب عراقي مقيم في ألمانيا، عمل في الصحافة العراقية والعربية منذ عام 1971، اشتغل أستاذا زائرا في كلية الإعلام والمعلومات والعلاقات العامة في جامعة عجمان. أصدر إلى الآن 26 كتاباً في الشعر والرواية والترجمة والفنون والعلوم، منها سبع مجموعات شعرية وعشر روايات. في حواره مع «القدس العربي» يطرح برهان شاوي آراءه في المنجز الروائي العربي وعلاقته بشخصياته الروائية وعلاقة الكتابة الإبداعية بالتاريخ والمقدّس.


■ يؤكد النقّاد وأصحاب دور النشر وجودَ انفجار في الكتابة الروائية في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، ما تقويمُك لهذه الظاهرة؟


□ هي ظاهرة انفجار كمي بلا شك، وهي مؤشر على التراكم الذي لابد أن يقود إلى تحول نوعي، وفق قوانين الديالكتيك. شخصيا أراها ظاهرة إيجابية، على الرغم من أن النسبة الكبيرة جداً من هذه الكتب تحمل اسم الرواية، ولا علاقة لها بفن الرواية، هي ظاهرة تراكم في الكتابة الروائية لا أكثر، ولا يمكن التفاؤل أو التشاؤم منها، فقوانين التحول من الكم إلى النوع تسري في الفيزياء وفي الصراع الاجتماعي وكذا في العملية الإبداعية، لابد أن يفرز هذا الكم أعمالاً نوعية.


■ هل يرقى ما هو منشور من الرواية العربية إلى مرقى الكتابة الروائية؟ أم أنّ أغلب ما ينشر منها اليوم إنما هو محاولات إنشائية تحت مسمى رواية؟


□ لا أريد أن أتخذ دور الناقد في تقويم كل هذا الكم الكبير من الروايات العربية، لكنني أستعين هنا برأي ناقد جريء وأكاديمي هو محمد الأمين البحري الذي كتب مقالة جريئة عن «كلامولوجيا الخواطر» والهلوسات الإنشائية، راصداً اللغة الإنشائية المشحونة بالهلاوس الشعرية التي صارت العلامة المسجلة التي تميز الرواية العربية المعاصرة. وبالتأكيد الحديث هنا عن (الهلاوس) لا يمس السرديات الكبرى في الأدب العالمي والعربي، وإنما يمس كل هذا الركام من الروايات التي تعتمد الإنشاء الشعري، الذي تتخلله بعض المقاطع السردية. فالفعل الإنشائي وهلوسات الخواطر هو الذي يطغي على السرد الروائي وبنية الأحداث وزمكان العالم الروائي، وهذا ما يضع فنية الكتابة الروائية أمام السؤال عن مهمة النقد، بل عن فائدة النقد.


■ برزت منذ عقد من الزمان تقريبا ما يمكن تسميته بالرواية الجوائزية، وهي الرواية التي يكتبها صاحبها لنيل جائزة مالية، حتى صار الكتّاب بل ودور النشر والقراء يعيشون حالة هوس بروايات الجوائز. هل من تفسير لهذا الهوس؟


□ هذا صحيح، صار هناك هوس للجوائز الروائية، لكن للجوائز، على الرغم من ذلك جوانب إيجابية، فهي في بعض دوراتها كشفت عن أسماء أدبية ممتازة لم يعرفها أحد سابقاً. كما أنها ساهمت وروجت لفعل القراءة الأدبية، لكن من جهة أخرى أفسدت شريحة ليست قليلة من الكتّاب الذين صاروا يكتبون للجوائز وضوابطها ومتطلباتها. لحظة الجوائز مؤقتة، فمن يذكر أسماء روايات البوكر الفائزة كلها؟


المتاهات


■ لديك عشر روايات منشورة إلى الآن، لكن «المتاهات» هي عملك الأبرز التي تشكل أطول رواية عربية، وهي سبع روايات تحمل أسماء أسطورية: آدم، حواء، قابيل، إبليس، وكما هو واضح أنك تستدعي الأساطير الدينية والمثيولوجيا في سردك الروائي. ما دلالة ذلك الآن؟


□ منذ مراهقتي وأنا مسكون بالبحث عبر الأديان والفلسفات عن سؤال الحرية والإرادة. سؤال الحرية بالنسبة إلي هو سؤال أخلاقي ووجودي في الوقت نفسه، ففي جانبه الأخلاقي يطرح سؤال الشر والخير والعدالة الاجتماعية والبؤس البشري، ومن جانب آخر يضع أسئلة المقدس في المنطقة الحرجة، لاسيما إذا استعدنا مفهوم الخطيئة والشر والعصيان وسيرة آدم، والعقاب الإلهي له، وبالتالي فإنني استحضرت الأساطير الدينية، بدءًا من إشكالية آدم مرورا بقضية الخطيئة وقضية قابيل، الإنسان البيولوجي الأول، متوغلاً في تابو المقدس، أي أن استدعاء الأساطير الدينية ليس لمناقشة الدين فقط وإنما لمناقشة سؤال الحرية والإرادة والخير والشر ومفهوم الخطيئة.


■ رواياتك ممنوعة في بعض البلدان العربية بسبب اقتحامها الثالوث المحرم: الجنس والدين والسياسية، ولنتوقف عند الجنس في أعمالك: أنت تكتب بطريقة فضائحية وبلغة مكشوفة وتتوغل في التفاصيل الخادشة للحياء، وهو ما يسبب صدمة لدى القارئ. لماذا هذا التركيز على الجنس في رواياتك؟


□ أنا أرى أن الجنس هو القوة الغامضة التي تقود الإنسان على الرغم من تحريمات الأديان والفلسفات الأخلاقية له باعتباره خطيئة، علماً بأن اليوتوبيا الدينية على الأقل في الإسلام هي يوتوبيا جنسية بامتياز، فحتى النص المقدّس يغري الإنسان بالجنس في الجنة، مقابل العبادة والطهرانية الأرضية. وحين أكتب مشهداً ما في راوياتي فأنا لا أكتبه على طريقة الأفلام المصرية، الرجل والمرأة يدخلان إلى الغرفة ويغلقان الباب، والبقية تجري في مخيلة المشاهد، لا، الأمر ليس كذلك في الحياة أبداً، فقد يكون الرجل ساديا يضرب المرأة، وقد تكون هي تحب العنف، وقد يكون هو عاجزاً، وقد يكون سريع القذف فيجعل من الممارسة لحظات عذاب نفسي للمرأة، وقد يكون أنانيا يفكر في شهوته فقط، وقد تكون رائحته كريهة، وقد تكون هي باردة، و.و.و، وفي تلك التفاصيل تسقط الأقنعة، وتنهار الحواجز، ويكشف الإنسان لحظتها عن أعماقه الغامضة، لذا فأنا أدخل مع شخصياتي الروائية إلى غرفة النوم لأكشف عن طبيعتها. كما أنني حين أكتب لا يهمني القارئ ولا المنظومات الأخلاقية الاجتماعية ولا أفكر فيها أصلاً، وإنما تهمني شخصياتي الروائية وصدق التعبير عنها فنياً، ناهيك عن أن اللغة المكشوفة التي استخدمها أثناء الحوار تكشف عن الدلالات النفسية للشخصية كما يذهب إلى ذلك فرويد ولاكان.


■ بناء المتاهات السردي متداخل ومتقن ويضم حشدا من الشخصيات الروائية، فكيف تتشكل لديك الشخصية الروائية؟


□ كل شخصياتي الروائية هي شخصيات حقيقية، ومستمدة من واقع هذه الحياة، لقد عرفتُ وقابلتُ أو تحدثتُ مع الشخصيات الأصلية التي منها شكّلت شخصياتي الروائية، وفي الوقت نفسه هي ليست سيرة لأي من هذه الشخصيات التي قابلتها أو عرفتها أو تحدثت معها في الواقع! في بعض الأحيان أستمع لقصص حقيقية لعدد من الرجال والنساء، أناقشهم أو أتواصل معهم كتابة عبر الإيميل أو حتى الفيسبوك، لكنني حين أشكّل الشخصية الروائية فإني لا آخذ من سيرة كل واحد من هؤلاء سوى نسبة ضئيلة، وأحياناً أستخدم بعض حواراتي معهم في صلب النص الروائي، لكن أي شخص من هؤلاء حين يبحث عن نفسه في رواياتي لن يجدها بسهولة، وإنما سيجد ظلالاً لها، وربما يأتي قارئ مجهول لا أعرفه فيجد نفسه في إحدى هذه الشخصيات.


■ في أعمالك الروائية يتداخل الواقعي مع المتخيل، والمرئي مع اللامرئي، والمادي المبتذل مع الروحاني، كما نجد هناك حشداً من الكتب والشخصيات الفنية والدرامية، التي يتحدث عنها أبطال رواياتك وكذلك مجموعة من الأغاني العربية والأجنبية مع نصوصها، ألا يعد ذلك حشوا أو استعراضا فكريا لا مجال له في السرد الروائي؟


□ أنا أكتب الرواية المعرفية ذات الأبعاد الفلسفية والنفسية، لا أضع مخططا لروايتي ولا أفكر في أي منهج نقدي أو قالب روائي تحدّث عنه النقاد، أخرج من الحكاية، وأتداخل مع المعارف الأدبية والعلمية والفنية والدينية، اتناص تمع مؤلفين عالميين ومع أعمالهم الروائية والفنية، وبتأثير السينما فأنا أسفيد من جماليات المسموع، فأستخدم الأغاني للتعبير عن مزاج الشخصيات وعالمها النفسي، لا استعراض معارفي وإنما أتناص روائياً مع أدباء لهم علاقة ببناء رواياتي، لا أميل للرواية التي لا تفجر الأسئلة ولا تلقي بي في آتون المعرفة وأسئلتها الغامضة.


المثقف والحداثة


■ ثمة إشكالية حضارية أمام المثقف العربي في الشرق الأوسط ألا وهي إشكالية الحداثة، كيف تنظر إلى حداثتنا المجهضة بينما خيب «الربيع العربي» آمالنا؟


□ أعتقد إن حركة «النهضة» العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر كانت أقرب إلى حركات التنوير الاجتماعي، لكنها كانت حركات محاصرة اجتماعيا بالجهل والأمية والتخلف وبأحكام الشريعة والأساطير الدينية، وبالتالي فإنها لم تنور المجتمع كما كان يؤمل، وإنما ظلت مثل ذبالة شــــمعة على وشــك الانطفاء، إلى أن انطفأت بالفعل، لكن على المستوى السياسي ساعدت هذه الحركة على وعي ضرورة تشكيل الأحزاب القومية والاشتراكية اليسارية، لكن هذه الأحزاب، لاسيما اليسارية، ونتيجة لتكتيكاتها الساذجة آنذاك ساهمت من حيث لا تريد في محاصرة حركة التنوير الاجتماعي الحقيقية، وأقصد هنا إنها لم تتجرأ على تنوير منطقة المقدس، وشخصيا قلتها في أماكن أخرى: إن أي حديث عن الحداثة لا يقترب من المقدس هو مجرد هراء نظري.


■ كانت انتظارات المثقفين من «الربيع العربي» كثيرة، ماذا ينتظر الواقع العربي من المثقف؟


□ لا أعتقد أن ما جرى في البلدان العربية وما يسمى بـ«الربيع العربي» له علاقة «بالربيع»، هي ليست سوى اندفاعات تاريخية تفجرت نتيجة العنف والاستبداد والطغيان السياسي في هذه البلدان على مدى قرون، فهذه الاندفاعات أيقظت الجثث من قبورها لينطلق «الزومبي الأصولي» ليجتاح حياتنا براياته السوداء، وليحول واقعنا إلى كابوس مرعب، نحن تاريخياً نعيش فترة مظلمة.



د.عبد الدائم السلاّمي (نشر في جريدة الحياة)

 "وصايا سارتر"




محاورة تونسية للأثر الوجودي 




أصدر الشاعر والروائي التونسي حافظ محفوظ كتاب «وصايا سارتر» (الأطلسية للنشر 2015)، متكوناً من جزءين حاور فيهما الكاتب مجموعة من النصوص الشعرية والروائية الأجنبية والعربية والتونسية ضمن دائرة قرائية كبرى لم يعزل فيها النص عن سياقاته الاجتماعية والفكرية والسياسية؛ أولهما بعنوان «كتابات» ويتضمن مواقفه النقدية من الكتابة الإبداعية وما فيها من أجيال مهرت أسماء أصحابها مسيرةَ الإبداع الأدبي، وثانيهما عنوانه «قراءات» وخصصه الكاتب لتقديم رؤى له نقدية في متون نصية لمبدعين تونسيين. 

يبيح لنا كتاب «وصايا سارتر»، وهو عنوان لمقال من مقالاته، أن ننظر إلى متنه من زاويتين: نقدية أدبية، ونقدية ثقافية؛ وهما زاويتا نظر تمثلان في ما نزعم، غاية هذا الكتاب ومطمح أهدافه. فمن جهة النقد الأدبي يجوز لنا القول إن قراءة الكاتب لنصوص الشعراء والروائيين لا تُخفي بعض مديح منه لها محمول في لغة واصفة لا تميل إلى قول رولان بارت «نفشل دائماً في الحديث عمن نحب» وإنما هي تخلص جهدها للاحتفاء بالمقروء والتنبه إلى جمالياته والتغاضي أحياناً عن هناته الفنية. وهو احتفاء، وهو مديح يرى فيهما الكاتب سبيلاً إلى الاعتراف بالمبدعين اعترافًا قد يهوّن من حجم أحزانهم التي تصرعهم «كما تصرع آلة القص الكهربائي أشجار البلوط العملاقة من أجل فتح طريق لخيانة الطبيعة». وقد أكد كتاب حافظ محفوظ في عنوانه الفرعي «نصوص في مدح الكتابة» تقصّدَه هذه الغاية، وذلك من جهة أن المبدع هو بالتوصيف كائن حَيِي وعزيز النَّفسِ معًا، ومن ثمة فهو لا يطالب بحقِّ الاحتفاء به والاعتراف بمُنجزه الإبداعي وتثمين تجربته على كثرة ما يصنع للناس من معان تضيء عتمة أيّامهم وتخفّف عنهم ثقلَها وتُحقّق للواحد منهم توازنَه الوجودي داخل العالم. غير أنّ حياء المُبدع لا يجب أن يزيد من حياء القرّاء فيمنع عنهم واجبَ تثمين جهوده والاعتراف بفضلها الحضاريّ، لأن الكتابة، على حدّ ما يرى محفوظ، هي الضامنة لهُويّة الفرد داخل فضاء مجموعته الاجتماعية، لأنها «في أقصى حالاتها وسيلة للوجود المضيء، وبرهان خلاص من التشابه».

والظاهر أن حافظ محفوظ قد نزع في رؤاه النقدية إلى إعادة الاعتبار للنص ولصاحبه معًا في كلّ قراءة، كما لو أنه يرفض مقولة موت المؤلِّف التي دافع عنها أصحاب النقد الجديد، إذ لم ين في مقالات كتابه يحاور النص على ضوء سيرة صاحبه، بل هو لا يخفي إيمانه بحقيقة أنه لا يمكن بلوغ جواهر النصوص من دون النظر إلى ما جاورها من حياة كتّابها وما اتصل بها من سياقات اجتماعية وثقافية احتضنت إنجازها. لأن النص بالتعريف هو تقاطع الكاتب مع محيطه بكل دوائره الاجتماعية والثقافية والسياسية والتخييلية وغيرها، وإذن فكل نص هو فضاء الإنساني في الكاتب، ومن ثمة يكون تعرّفُ سياق النص أمراً ضرورياً لقراءته.

وبقدر ما احتفى حافظ محفوظ في نقده الأدبي بنصوص الكتّاب الذين انتخبهم عيّنةً داّلةً على سخاء الكتابة ووفرة معانيها أمثال محمود درويش ومنصف الوهايبي ويوسف رزوقة وصلاح الدّين بوجاه ومنوّر صمادح وغيرهم بدا شديد الحرص في نقده الثقافي على الإنصات لحركة الفعل الإبداعي التونسي من ستينات القرن الماضي إلى الآن وما صاحب ذلك من صخب ولَغْو قولي مرة وإيقاعات منتظمة مرات أخرى.

من ذلك أنه قرأ تجربة ما سُمِّيَ في تونس «شعراء الثمانينات» الذين مثّلوا جيلاً شعرياً تغيّا أصحابه تجديد آفاق القصيدة التونسية، قرأ تلك التجربة قراءة أفقيّة وقف فيها على حدودها سواء على مستوى مضامينها أو على مستوى أشكالها الفنية، وانتهى من ذلك إلى تقرير أنّ شعراء الثمانينات «لم يُخلّفوا لنا قصيدة واحدة نفخر بها أمام الأمم الأخرى، مرّت عشرون سنة وتزيد وهم يُنتجون نُسخًا مزوَّرة ومشوّهة لأشعار غريبة عنهم وادّعوا الزعامة والفحولة والتجاوز». ثم هو يعلن بجرأة وببعض المبالغة التي لا تخفي رغبته في تصفية حسابات جمّة مع ذاك الجيل أنّ «شعراء الثمانينات عندنا لا يعرفون من الحداثة إلا الحديث الذي يثار حولها في المقاهي... غالبيتهم تتبجّح بالنضال ونحن نعلم أنهم اختاروا المقاهي ليمارسوا فيها نضالَهم المزعوم»، ويضيف قوله: «كنّا نعلم أنهم ينتحرون رويداً رويداً... وتشهد قصائدهم أنهم فارقوا هذه الحياة، لكن نبتت لهم أنياب من تحت التراب وراحوا يحاولون تمزيق جسد القصيدة الفتيّة التي بدأ يكتبها الشعراء الجدد».

ولا يَخفى عنّا أن الشعراء الجدد المعنيّين بقول الكاتب هم «شعراء التسعينات» - وهو واحد منهم - الذين استهجن جيل الثمانينات أشعارهم ومنعهم من حضور غالبية الفعاليات الشعرية التي أقيمت آنذاك وأغلق أمامهم أبواب الظهور إلى الناس، ما دفعهم إلى التمرّد على مواقف هؤلاء الفنية والجمالية وما يحتكمون إليه من قيم الهيمنة والأبوّة، وكتابة نصوص جديدة تحتفي بالحياة في إطلاقيتها وبتفاصيل المعيش بكلّ جمالياته بعيداً عن كلّ استهتار ثوريّ. ولم يرَ حافظ محفوظ في ذاك الاستهجان لشعراء جيله وما تعرّضوا له من تشويه وتهميش أمراً يجوز توصيفه بمعركة القديم والجديد وإنما يراه معركة بين «الرداءة والجودة»، وهي «معركة حُسم فيها الأمر لفائدة الشعر الجديد».

إنّ ما يمكن الخلوص إليه من قراءتنا لكتاب «وصايا سارتر» هو أن حافظ محفوظ قد اتكأ في مقالاته على خلفية ثقافية ثرّةِ المشارب الفنية ساهمت في شكل فاعل في وسم نصوصه بوسم النص المثقَّف؛ النصّ الذي مهما قشّره النقد يظلّ مكتنزاً أسراراً ومعاني محفورة في أعماقه. وفي هذا ما جعل تلك النصوص نصوص حياة، لا نصوصًا قابلة للتكشّف السهل، وللموت الأسهل، وهي إلى ذلك نصوص لا تخلو من ملامح إنسانه هو؛ حيث يحضر فيها الكثير من نزوعه إلى تأصيل ما اهترأ من منظومة الكتابة الإبداعية، والكثير من تنبّهه إلى سرديات معيشه الثقافي والسعي إلى استدعائها فنياً لتفكيك ما فيها من هَنات، وشحذها بما تحتاج إليه من روح نقدية ما به تصنع أسطورتها.


حافظ ابراهيم 




د.عبد الدائم  السلاّمي ( جريدة الحياة)