الجمعة، 11 فبراير 2022

مراد القادري //المغرب الثقافي

 بلاغ عن استقبال السيد محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، لوفد عن بيت الشعر  في المغرب.



شكّل استقبالُ السيد محمد مهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل لوفد من بيت الشعر في المغرب، يتكوّن من الشّعراء :  》مراد القادري و نجيب خداري والناقد خالد بلقاسم 》،  مناسبةً للتباحُث في سُبل تعزيز الشراكة التي تجمعُ بين الطرفين، والتي تتميّز بالمتانة و القُوة، كان من نتائجِها، على مدار أزيد من ربع قرن، الارتقاءُ بالحياة الثقافية و تقديمُ نموذجٍ مُضيء في الديمقراطية التشاركية التي تجمعُ القطاع الحكومي المكلّف بالثقافة ومؤسسة ثقافية مدنيّة مُستقلة، وهو ما يُمكِن تلمُّسُه، مثلا، في النّداء الذي تقدّم به بيت الشعر بتاريخ 29 يونيو 1998 للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونيسكو) من أجل إقرار يوم عالمي للشعر، وهو الاقتراحُ الذي حظِي آنئذ بتزكية من طرف وزير الثقافة محمد الأشعري، و الوزير الأول الأستاذ الراحل عبد الرحمان اليوسفي، حيث استجابت اليونسكو لهذا النداء وأعلنت في 15 نوفمبر 1999 عن 21 مارس يوما عالميا للشعر.

 كما يُمكن ملاحظة هذا التعاون، على مستوى ثانٍ، من خلال مجلة "البيت" التي تصدُر عن بيت الشعر بدعم من وزارة الثقافة، حيث بلغت هذه المجلة المتخصّصة في الشّعر و نقْده و ترجمتِه عددها الأربعين ( 40)، وهو ما ساهم في التعريف بالشّعر المغربي وتقْريب صلاته بالجُغرافيات الشعرية العالمية، عبر اسْتضافة شُعراء وتجارب عالمية كبرى، علاوة على انفتاح صفحاتها على مُختلف أشكال التعبير المرتبطة بالشّعر أو المشتغلة عليه، وتقديم أصوات جديدة تنبئ بالوعْد الكثيفِ لمستقبل شعرنا المغربي. 

كما تُمثّل جائزة الأركانة العالمية للشّعر لحظةً أخرى للتعاون والشراكة التي جمعَت الطرفين معا بمؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، الجهة الراعية لهذه الجائزة التي يُعتبرُ منحُها علامة مُميّزة في تاريخ ومسارِ الشُعراء الذين فازوا بها، وشَرَفُوا بها، و شرُفت بهم، من مثل الصيني باي ضاو، والفلسطيني محمود درويش، والعراقي سعدي يوسف، والفرنسي إيف بونفوا، والإسباني أنطونيو غامونيدا، والبرتغالي نونو جوديس، و الطواريقي خواد، واللبناني وديع سعادة، والألماني فولكر براون،  والأمريكيين مارلين هاكر و تشارلز سيميك و المغاربة محمد السرغيني و محمد بنطلحة و الطاهر بنجلون و محمد الأشعري، وهو ما جعل من هذه الجائزة جائزةٌ للصّداقة الشّعرية، يقدّمُها المغاربة لشاعرٍ يتميّزُ بتجربةٍ في الحقل الشّعري الإنساني ويُدافع عن قِيم الاختلاف والحُرية والسّلم، بها يُحيّي الشّعراء المغاربة وبها يتقاسمُون و الشعراء الفائزون حُبّهم للشّعر وسَهرَهم عليه، بما يليقُ من التّحية.

كلُّ هذا التاريخ الممتدّ في الشّراكة والتعاون كان حاضرًا خلال لقاء السيد وزير الشباب والثقافة و التواصُل مع وفد بيت الشعر في المغرب، حيث أكّد الطرفان إرادتهما المشتركة على مُواصلة العمل من أجل تطوير هذه التجربة  الغنيّة في العمل الثقافي الثُّنائي، عبر تجْديد و تطوير و تحْيين اتفاقية الشراكة التي تجمع بينهما، فيما عبّر السيد الوزير عن استعداد وزارته لإطلاق برنامج دعم النشر والكتاب، وهو البرنامجُ الذي يُمثّل شريانًا حيويّا بالنّسبة لقطاع الصناعات الثقافية في مجال الكتاب، كما عبّر عن رغبته في إحداث مبادرة ثقافية جديدة تتمثّل في نقل الشّعر المغربي وترجمته إلى اللغات الأجنبية، واستعداد الوزارة لدعْم مهرجان الشعر الإفريقي، الذي يعتزمُ بيت الشعر تنظيمه بمدينة زاكورة، ودعم طلب بيت الشعر للاستفادة من مقر ثقافي بمدينة الرباط،  وذلك ضِمن برنامج الرباط عاصمة الأنوار، و استعدادها لتكون عاصمة للثقافة الإفريقية و الإسلامية. 

هذا، و من جِهته، عبّر الشاعر مراد القادري، رئيس بيت الشعر، خلال هذا اللقاء، عن تثْمينه لمسار و مُنجز مائة يوم من عمل الوزارة في الحقل الثقافي، مُشيدًا، من جهة أخرى، بتخْصيص السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، و لأول مرّة في تاريخ العمل البرلماني، جلسة لمناقشة موضوع “السياسة الثقافية”، والتي أكّد من خلالها عن إرادة الحكومة المغربية الجديدة لإقرار سياسة ثقافية بمُشاركة كافة الفاعلين والمعنيين بالإشعاع الثقافي الوطني ودعم اقتصاديات الثقافة.




نشر مراد القادري

عن المغرب الثقافي 

 الرباط في 4 فبراير 2022

حسن نجمي

 توضيح من الشاعر الكبير أدونيس 


يُرجَى تعميم هذه الرسالة من والدي، أدونيس. وكما تعرفون، ليست لديه صفحة على فيسبوك، وكل الصفحات التي تحمل اسمه( في الشبكة الاجتماعية، تقصد)

《 لا علاقة له بها ولا يَعرِف أصحابَها  》


وصلني نص يبدأ بعبارة "عزيزي الله…" حول الاسلام أعده ضدي أولا شخصياً، فهو ليس لغتي، وليس أسلوبي، والآراء التي يحملها ليست آرائي. لذلك أتبرأ كلياً من هذا النص وأرجو من الذين قرأوه أن ينظروا إليه بوصفه تزويراً كاملاً تُقصَد منه الاساءة اليّ.


 وقبل كل شيء أكرّر ليس لدي موقع فيسبوك أو غيره من صفحات التواصل الاجتماعي. ولا أعرف أي شخص على الاطلاق من أولئك الذين يفتحون صفحات باسمي.


 أشكر جميع الذين يقفون مع الحقيقة ومع كرامة الإنسان. 


                                                                 أدونيس






  (عن ابنة أدونيس 

Arwad Esber)


* قبل نشر هذا التوضيح ، كلّمتُ الصديق أدونيس هاتفيا ،وتحدثنا قليلا عن هذا الاستهداف ، وأيضا عن مقالته الأخيرة الجريئة التي نشرتها صحيفة " الشرق الأوسط" في سابقة دالّة على مستوى الخط التحريري لهذا المنبر الإعلامي السعودي.



حسن نجمي 

المملكة المغربية 

الخميس، 10 فبراير 2022

أشرف قاسم

 عرفانية اللغة في "العابرة إلى السراب"

____________________


في خضم أعمالها الروائية التي تمثل القضية الفلسطينية فيها حجر الزاوية تفاجئنا الكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار بمجموعتها القصصية التي صدرت ضمن كتاب الرافد الرقمي عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة " العابرة إلى السراب" وهي عبارة عن مجموعة من النصوص القصيرة، تقترب كثيراً من النصوص العرفانية، بلغتها الصوفية، وروحها المتقدة، المتطلعة للخلاص، تلك اللغة المتوهجة التي تقتحم بأنوارها عتمة الروح فتضيء مساحات شاسعة، وتربت على تلك الروح بأكف المواساة، والتي تبدو أحياناً لغة مبتورة، غير مكتملة الصورة، وكأنها صورة من تلك الذات الساردة في وحدتها وانفرادها وأحلامها المبتورة.

تتماهى الكاتبة مع نصوصها، يبزغ الإنسان بشتى حالاته الانفعالية، وتناقضاته، تتجاور شتى المشاعر الإنسانية من حب ونفور، وعشق وكره، وقرب وبعد، كل هذا تحمله لغة أشبه ما تكون بلغة العارفين من المتصوفة، أبناء الطريق، تلك اللغة الروحية المقطرة العذبة، التي تفيض رقة وشفافية:

"لي ظل غاب عني، أبحث عنه، ويبحث عني، وما بيني وبينه نحول الوقت في متاهات الروح، صمت أسمع البكاء في أنحائه، لا صوت، هي دمعات الغريبة، تلون مدارج صمت هو لي، دروب مضت بي ومضيت بها ..." ص 8


تندثر الهوامش في اتون المتن، ويندثر المتن في ارتقاء الهوامش، ليصيرا معا بوتقة تحمل داخلها روح الإنسان بأحلامه وآلامه، بفرحه وحزنه، بجبروته وضعفه، ذلك الإنسان الذي هو أساس الوجود، وأس الحياة، ومدار الخلق والإبداع، والفكر دون فلسفة ودون ضجيج، فقط هو شيء من روح الله:

"التقيتها على هامش الوقت، ضمتني إليها، بوهج ابتسامة تهمس لي:

جميل عطرك، وقد سكن أنفاسي

أخذتها الطرقات بعيداً، صرت أنا والعطر والفراغ، أهمس من روح الوجع:

هي لا تعرف أن هذا العطر هدية رجل سكن الغياب، ولم يبق لي منه إلا زجاجة عطر. ص 13


تتجلى في نصوص تلك المجموعة صورة الوطن، والحب والحنين واللوعة على فراق هذا الوطن الجريح "فلسطين"، هذا الوطن الذي يسكن قلب وروح الكاتبة، وفي تلك النصوص يتجلى انتماؤها إلى أديم هذا الوطن، فالوطن ليس مجرد مكان تحده حدود جغرافية وحسب، بل هو كل التفاصيل التي بثتها بشرى أبو شرار في ثنايا نصوصها بحرفية وصدق، تلك التفاصيل الصغيرة التي تستعيدها خلال نصوصها بألم وحسرة، فنحن نغادر الوطن مرغمين، ولكنه لا يغادرنا، تبقى أرواحنا وقلوبنا معلقة به، نقاسي آلام الغربة، ونتجرع كؤوس الفراق، فيشدنا الحنين إلى أوطاننا، ومرابع طفولتنا، وتفاصيل ذكرياتنا:

"لي مدينة لها سور قديم، هناك أنا، حيث تركت مطارح أقدامي على عتبة "باب العامود"، على بوابات القدس طيرت جدائلي، ولم تعدها الريح لي، هناك تسكنني ألف مدينة ومدينة، من يعيدني؟ من يعيدني؟ " ص 33

يلعب الرمز كذلك دورا مهما في هذه النصوص، ولكن الكاتبة لا تغرق في الرمزية والغموض، ولكنه الرمز الموحي الدال على معان روحية ووجدانية، الحامل لرسالتها لفلسفة الوجود الإنساني، من خلال سياقات فنية متعددة، ذات أبعاد مختلفة، جوهرها الإنسان، وماهيتها مأساة اغترابه في هذا الوجود، وربما هذا هو ما حدا بالكاتبة إلى اللجوء إلى اللغة العرفانية المتصوفة، لأنها أكثر سعة ورحابة في التعبير عن شتى المتناقضات، من فرح وحزن، وحياة وموت، وغير ذلك:

أفتح خزانتي، رفوف على سكونها وملابس لاذت إلى سكونها، في ركن منسي قميص نومي بلون وردات النهار، انتشلته من عزلته، وردة رقيقة مازالت تسكن حوافه، هل أعود من جديد وأحب قميص نوم أذابه النسيان، في كف يدي قارورة عطر، قميص نومي يتنفس عطري، صرت أنا القادمة من روح وردة ص 25

كما أن هذه النصوص التي ضمتها تلك المجموعة، والتي تربو على الخمسين نصا، والتي جاءت في أربعين صفحة فقط، ما هي إلا لقطات التقطتها عين الكاتبة، من خلال كادرها الخاص، وكأنها تقبض على تلك اللحظات، كي لا تهرب من إسار الزمن، بغية توثيقها، لذا جاءت غالبية تلك النصوص قصيرة مكثفة في عدة أسطر، لاعتماد الكاتبة على التكثيف الدلالي، من خلال الجمل القصيرة/المبتورة/ ذات الإيحاء، والتي تختزل اللحظة، وتترك للمتلقي فسحة لخياله ليكمل أبعاد تلك اللحظة، ومن هنا جاءت نصوصها مصفاة، بعيدة عن الحشو اللغوي.



قصيدة للإيطالي: جوفانّي باسكولي. ترجمة: أسماء غريب.

 النسَّاجة  

      

هناكَ  فوْقَ الوادي المُظلمِ   

  نَثَرَ الفجْرُ قطعَانَهُ:

      رعاةً وأغناما بيضاً

وحين حلّ المساءُ   

عادَ الجميعُ    

يتسلّقون الأعالي 

  مُنهكِي القوى   

  إلى هُناك حيثُ البيتُ 

    تقودُهُم إليه نجمةٌ

عادوا إلى مُعلّمتهِم    

يتقدّمون بخُطى وئيدة ويصيحون:

     هناك في الشرفة  

 بين أوراق النعنع 

وعُروش الريحان

    تجلسُ غادة شقراء: 

  إنّها مريم، تحيكُ وتخيطُ

     لمَ، ولمنْ، 

وماذا يا تُرى؟  

  أإزاراً، 

أمْ خماراً أبيضَ؟

السّماءُ كلّها ورديّة اللونِ 

     وردية وذهبيّة اللونِ

     السماءُ كلّها 

فوقَ رأس الصبيّة  

  تعكسُ نوراً وهّاجاً.

    ارفعي عينيكِ 

عن الحياكةِ:  

  فيهِمَا دمعة؟ 

بَسمة؟

تحت السّمَاءِ الورديّة

 والذهبيّةِ   

أحنتِ الصبيّةُ وجهها 

وعينيْها

     إنّها تنسجُ وتحيكُ.



طالب ياسين

 حَزِنَ العالَمُ العربيُّ وَحزِنَ باقي العالَمِ أجمع ، على فُقْدانِ الطّفلِ المغربيِّ "رَيَّان" وَحَزِنَ المغاربةُ والمشارقةُ في شَتّى عالمنا العربيّ

.. وَكَما لا بُدَّ وَأنْ حَزِنَ الغربُ الإستعماريُّ الأوروبيُّ وَالأمير.كيّ .. ولا نَدري : هل حَزِنَ كذلكَ اليهودُ ـ الصّها.ينةُ .. قاتلو الأطفالِ في فلسطينَ وفي لبنانَ وفي كثيرٍ من أصقاعِ عالمِنا .. وهنا : لا بُدَّ أنْ يتبادرَ إلى أذهاننا سؤال : هل يَحقُّ لليهودِ ـ الصّهاينةِ أنْ يَجتمعوا مع هذا العالَمِ في شأنٍ إنسانيٍّ هُم في حقيقةِ الأمر ضِدَّ الإنسانيَّةِ في عالمنا .. كما هُو شأنُ حلفائِهم من الأميركيينَ والفرنسيينَ والبريطانيين .. الذينَ هم أوْغلوا ليسَ في قتلِ اطفالنا فَحسب .. بلَ اوْغلوا في اغتيالِ اوْطاننا وَنَصَّبوا عليها مَنْ يَرتِهنُ بِأمرِهِم وَيَخضعَ خانعاً بالذلِّ تحتَ أقدامهم وتنفيذِ أوامرِهِم ..


كلُّ الّذينَ يتباكونَ اليومَ وَيَذرفونَ دُموعَهم على الطفلِ : "ريَّان" يَنْقُصُهُمُ أمرٌ واحد .. يَنْقُصُهُم أمرُ إحياءِ ضمائرِهِمُ الميْتَةَ وَكَما إحياءُ عواطفِهم المفقودة تِجاهَ أطفالِ فلسطينَ  .. الّذينَ يُقَتَّلوا وَيُذَبَّحوا كلَّ يومٍ على يَدِ عصابةٍ مُجرِمةً ، أغرقَتِ الإنسانيَّةَ وَذَبحتْها على موائدِ النّفاقِ وَطُرُقِ التَّنْكيل ..!


 فالطفلُ :رَيَّان " وَجَدَ في هذا العالَمِ من يبكيهِ .. وَأمَّا أطفالُ فلسط.ينَ فلا بَواكيَ لهم .. تَراهُم يُقْتَلوا في كلِّ يومٍ أمامَ أمَّهاتهم أو أنْ تُذبَحُ أمَّهاتُهم أو آباؤُهُم على مَرأىً منهم أمامَ الحواجزَ العسكريَّةِ اليهو.ديَّةِ ـ الصّهيو.نيّة .. وَتلكَ هذه هي الآفةُ الكبرى المُبْتَلى بها شعبُ فلسط.ين طوالَ أكثرَمن قرن وقبلَ قيامَ كيانِ العدو ..!


          وَنحنُ نُراهنُ هنا أنَّ أكثرَ مَنْ بَكى الطفلَ " ريّان" بِحُزنٍ عميق هو نحنُ الفلسط.ينيّونَ أصحابُ الخبرةِ وَالتّجربةِ .. فَنَحنُ الذينَ دَمينا وَأُدمِيَتْ قلوبُنا ، على طولِ نوازعِ هذا الدّهرِ وَآهاتِهِ وَأفاتهِ من بني صهيونَ وَمِمَّنْ قد لحقَ بهم من العربِ والعربان .. على طولِ هذا الزَّمَنِ البَشعِ مِنَ الإجرامِ اليهو.ديِّ ـ الصّهيو.نيِّ على ثَرى وطننا .. وَمِمَّا قد زادَ من الطّينَ بَلَّتَهُ وَوَحلَهُ .. وَحوَّلَهَ الطينُ الصّهيو.نيُّ إلى مستنقعاتٍ آسنَةٍ ، هو هذا الإجرامُ وهذا الإحتلالُ الذي يجثمُ على صُدورنا ..ثمَّ إنَّ مِمَّا يزيدُ هذهِ المستنقعاتِ الصّهيو.نيَّةِ كَدَراً ، هو حينما يأتينا هؤلاءِ المُطبّعونَ الذينَ يَرفُلونَ ثراءً وتَكبُّراً وَبَطَراً ،  فَيَحتضنونَهُ وَيُهيْرِقونَ  فوقَ رؤوسهِ الأموالَ الطّائلةَ .. وَيُذَرُّونَ على أنحاءِ جسمِهِ كلَّ ما قد يُنْعشُهُ من أسبابِ الحياةِ والبقاء .. يُهَيْرقونَ الأموال وَيُذرُّونَها  كيّ ينتعشَ الجَسَدَ الصّهيو.نيَّ وَيبقى يسفكَ الدّماءَ دِماءَنا .. وَتَراهم يَنتحبونَ وَيُبَلِّلونَ ثَرى الأرضِ دموعاً ، إذا ما وَخَزَتْ شوكةٌ بسيطةٌ جَسدَ طفلٍ يهو.ديٍّ أوأصابَ جسدَ أمرأةٍ يهوديّةٍ شقراءَ ناعمةٍ هبَّةُ ريحٍ ساخنةٍ أوْ قد أصابَ رجلاً  صهيو.نيّاً عارضاً من عوارضِ الصُّداعٍ أو تَلَكُّعاتِ البَطن .. وَيعقدونَ من أجلِهِ المآتِمَ ..ويفتحونَ بيوتَ الأحزان حزناً عليهِ وَكمَداً ..!


يا لها من مُراهناتٍ وَيا لها من غَراباتٍ قد طرَأتْ على تاريخِ منطقتنا حينما عَمَّ الثّراءُ وَازْدادَ البطرُ رِياء  .. يا لها من مراهَناتٍ تاريخيَّةٍ قد مَزَّقَتْ تاريخنا وَأسكنَتْهُ في قاعٍ بئرٍ يتجاوزٌ عمقُهُ بئرَ الطفلِ " ريان" بآلافِ الأمتار .. فَمَن هو الذي يستطيعُ أنْ ينتشلَ تاريخَنا هذا .. من قاعٍ هذا البئرِ المظلم الذي حَفَرَهُ وَعمَّقَهُ عربانُ هذا العصر ، من أجلِ انْ يَئِدوا في عُمقِهِ المظلم : فلسطينَ كاملةً مع قُدسِها وَمعَ أقصاها وَمع أطفالها ومع رجالها وَنسائها وذلكَ من بعدِ انْ زَجّوا  بهؤلاءِ جميعاً في قعرِ هذا البئرِ العربيِّ المظلم ..!

يا لها من مراهناتٍ زائفةٍ قد طَرَأَتْ على تاريخنا الإسلاميّ وَالعربيِّ والفلسطينيّ التي قامتْ على مُخالفةِ سُنَّةِ نَبيِّنا الكريم صلى اللهُ عليهِ وسلم .. حينما قد تَأَذّى من فتنةِ اليهو.دِ وَعانى من فسادهم ومن مؤامَراتِهم على الإسلامِ في المدينةِ المنوّرة ..!

 وَيا  لها من أكاذيبَ وَمِنْ خِدَعٍ مُضَلِّلَةٍ حينما يَنبري هؤلاء المطبّعونَ وَيَدخلونَ في تحالُفاتٍ سياسيّةٍ وَعسكريّةٍ واقتصاديَّةِ مع كيانِ العدوّ ضدَّ المقاومةِ .. وضِدَ كلّ من يفكّرُ في الجهادِ من أجلِ فلسط.ينَ ومن أجلِ تحريرِ القدس والأقصى .. وَيَضعونَ أمامَهُ العراقيلَ مُتكاتفينَ مع "بينت" وهو يَرمُقُهُم بِحقدٍ وَاستخفافٍ .. يَرمُقُهُم بِاستِرسالٍ بِعيْنَيْهِ العَبَثِيَّتَيْنِ المَمْدودَتَيْن ، أمامَ طاقيَّتِهِ اليهو.ديَّةِ الصّغيرةِ المُدَوَّرَةِ على مؤخّرَةِ رأسهِ ..!  


       فَهَلْ  هذه هي السّنّة التي تَتَحدّثونَ عنها ..؟! فَيا للعجب .. ! يبدو أنَّ كلمةَ السّنَّةَ لم يستطع أنْ يَفْهَمَها الكثيرون ..!  فَهَلْ هذهِ هي خُطَى نبيّنا تِجاهَ اليهو.دِ في المدينةِ وَهلْ هيَ هذهِ سُنَّتَهُ التي تَنتسبونَ إليها ..؟


         لا بأسَ : فهذهِ هي ليستْ سنّتَهُ صلى اللهُ عليهِ وسلم .. بلْ أنَّ السُّنّيَّ هو من تَبِعَ أفعالَهُ وَاستأْنَسَ بِخُطاه .. وليسَ السّنّيَّ هو من عاداهُ .. وخرجَ عن سُنَّتِهِ .. وَخالفَ عمَّا أَمَرَنا بهِ وَنَهانا عنه .. هو قد أمَرَنا  في آخرِ خُطَبِهِ : " .. لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يضربُ بعضُكُم رقابَ بعض .." وَأنتم ها أنتم تضربونَ رقابَ من لا يَلتَئمُ مع أوامر وَتعاليمِ بني صهيو.نَ .. أما رأيتم أنكم بِتَحالفكُم مع كيانِ العدو .. تُخالفونَ سنّةَ نبيّنا الكريم وَتَطَبّقونَ مقولةَ هذا العدوّ ، الذي يقول : " ألا فَلْيَضْرِبْ مُحمَّدٌ مُحمَّداً " ..!




طالب ياسين

 حينما  يُصبحُ  العيْبُ السّياسيُّ  حلالاً

وَتصبحُ الخيانةُ شرفاً وَمُروءَةً وَدلالاً


       مشكلتُنا  في هذا العالَم العربيّ ، أنَّ حاضناتِ الإعلام العربيّ غالباً ما تكونُ غيرَ مُلِمَّةٍ بشكلٍ دقيقٍ ، في أمورٍ وَأحداتٍ  تاريخيَّةٍ تَتَعلّقُ سواءً بتاريخِ فلسطينَ خاصَّةً أو بقضايا هذه المنطقةِ عامَّة .. حتى  أنَّنا نستطيعُ القوْلَ أنَّ هناكَ فَراغاً قد  تَوَلَّدَ في العقلِ العربيِّ وَالعربانيّ نتيجةً هذا الضّعف المعرفيِّ ، حتّى كادَ يَنعدمُ فيهِ الفَهمُ بِالوَعيُ السّياسيُّ وهذا مِمَّا تركَ المجتمعاتِ العربيّةِ وَالعربانيَّةِ تائهةً وَحائرةً وَمُتَخبِّطةً ، في كيفيَّةِ فَهْمِ أمورِ السّياسةِ على حقيقتِها  ..!


       نحنُ في زمنٍ أصبحَ فيهِ العيْبُ السّياسيُّ حلالاً .. والخيانةُ أصبحتْ شأناً مرموقاً كالماءِ عذوبةً  وَكالشَّهدِ صفاءً وَزَلالاً .. يَنهالُ كثيرونَ من الأعرابِ على اغترافِها شُرباً  وَإقبالاً .. وَأصبحَ التّعاملُ مع العد.وِّ الصّهيو.نيِّ بشكلٍ فاضحٍ ، يُعتبرُ في مواثيقِ الشَّرفِ إنجازاً  وَأفْضالاً .. وَأصبحَ التَّماهي وَالتّباهي بأخلاقِ فضائلِهِ ــ التي ذَمَّها القرآنُ في آياتِهِ  ــ هيَ أصَحُّ الأخلاقِ  عندَ بعضِ الأعرابِ أفعالاً  .. أمَّا جِهادُهُ وَمقاومتُهُ فقد أصبحَتْ عاراً على صاحبِها وَوَبالاً .. وَأمَّا التّحالُفُ معهُ وَالتَّدَلُّلُ وَالتَّثَنِّي حولَ خاصرتَيّْ "بينيتُ" .. هو من أكثرِ الأفعالِ عشقاً وَتَثَنِّياً  وَدَلالاً ..!


           إنتهى زمنُ الفضائلِ وجاءَ زمنُ الرّذائلِ ، مُنْتصبَ القامةِ يَرفُلُ بالعزَّةِ والكرامةِ وَالجاه .. وَجَثَا زمنُ الفضائلِ على رُكْبَتَيْـهِ ، يَعرُجُ بينَ مضاربِ العربانِ على عُكَّازَتْيْهِ .. لا يستطيعُ أنْ يَثْغرَ  بِكَلِمةِ حقٍّ من فاه .. وَالتَوى شرفُ المقاومةِ والجهادِ في ساحاتِ جهادِهِ يُعاني ضائقاً : واكُربَتاهُ .. واألَمَاهُ ..! 


         الإختلافُ في وَجُهاتِ النّظر الإعلاميَّةِ خلّفَ وراءَهُ صراعاتٍ فكريّةٍ على مستوى كلِّ الطّبَقاتِ الإجتماعيّةِ في الوطنِ العربيّ .. ومع الأسف تنشطُ مختَلَفُ الأجهزة الإعلاميّةِ بِفضائيّاتها العملاقة الثّريّة وَبما تمتلكُهُ من تأثيرٍ أصحابِ الفتاوي ، كيّْ يُحدثَ هؤلاء المُزيّفونَ الدِّينيّونَ ، خلَلَاً أعمقُ في عقليّةِ المواطنِ العربيِّ ، خاصَّةً فيما يتعلّقُ في فَهْمِ الحقائقِ السّياسيّةِ في المنطقة  .. وَإذا ما أضفْنا إلى هذهِ الفضائيّاتِ الثّريَّةِ ، صُحُفها المُموَّلةُ من نفسِ هذهِ المصادرِ الثَّريَّة .. فلا بُدَّ أنْ نُدرِكَ مع كلِّ  ذلكَ .. مدى هذا  الإرهاقَ الذي أصابَ عقلَ المواطنِ العربيّ وَأصابَ وَعيَهُ بِقَضاياه ..!

    

        ألا رحمةً بهذا الوعيِ المتواضعِ وَشَفَقَةً عليه .. لا تَزُجُّوهُ بعيداً  راسِياً على  شواطيءَ غريبةٍ موحشةٍ .. ألا رحمةً بِعقلِ المواطنِ العربيِّ  وَوَعيِهِ .. لا  تُلقوهُ نَهْباً في فُوَّهَةِ أنيابِ صُهيونُ .. لا تَزيدوا في إرهاقِهِ حتّى نَراهُ وقد أركَنَ إلى الإستسلامِ .. وَأركَنَ كما نَراهُ الآن وقد لاذَ بالعقلِ الصّهيو.نيِّ ، يُوَجّهُهُ كيفما يشاءُ في تنفيذِ مآربِهِ وَأهدافهِ .. !


         ألا فَلْنَنْظُرْ إلى هذا المَدى المُحبِطِ  الذي نَراهُ أمامنا الآن .. نَنْظرُ إلى هذا التّلاعبُ في عقليَّةِ المواطنِ العربيِّ وَوَعيِهِ .. كيفَ قد أصبحَ مُستسلِما مُنْقاداً للعقليَّةِ الصّهيو.نيّةِ ـ اليهو.ديّةِ ، التي تُقَهْقِهِ من خلفهِ شامتةً فيه .. فَمَنْ هو الّذي سَلَّمَ هذا العقلَ وهذا الوعيَ ، كيّْ يصبحَ أداةً طيِّعةً في يَدِ بَطشِ الوعيِ الصّهيو.نيَّةِ وَاليهوديَّةِ ..؟!


    فَلا بُدَّ إذاً أنْ نَنَظُرَ وَأنْ نَعِيَ وَأنْ نكتشفَ أنَّ أصابعَ البَغيِ وَالجهل هي من تقومُ الآن على تزويرِ الحقائقِ التّاريخيَّةِ والسّياسيّة .. وهيَ من تقومُ على دفعِ فئاتِ المجتمعِ العربيّ كيّْ يلوذَ تحتَ أجنحةِ الضَّلالِ الصّهيو.نيّة .. تَدفَعُها وهيَ لا تُدرِكُ مَخاطرَ أعمالِها .. وَتقومُ بإنجازِ أعمالِها في خدمةِ الكيانِ الصّهيو.نيّ تَقَرُّبا وَزُلْفَةً في سبيلِ رِضى  هذا المُتغطرِسِ الأمير.كيّ ..! 


           فَلا بُدَّ إذاً لِمُحرِّكِ الوعيِ الفاشلِ والجاهلِ وَالمستسلمِ لِوَعيِ العقلِ الصّهيو.نيّ ، الذي أصابهُ المرضُ وَالإعياء ، كيّْ يُسلِمَ وَعيَنا لِأعدائنا الحقيقيّين .. فَأيُّ أبناءِ عمٍّ تَزعمون يا مَنْ على سلامةِ أعدائكُم تسهرون .. أتَحسبونَهم أقرباؤُكم .. وَأنَّ أعداءَكم هُمُ المقاومونَ وَالفلسطينيّون .. فَإذا كانَ اليهو.دُ أبناءُ عمومتكم .. فَجميعُ البَشرِ إذاً يندرجُ من أُبُوَّةِ آدَمَ عليهِ السّلام  .. وجميعُ بني آدَمَ هم إذاً أُخوةٌ لكم في النَّسَبِ مُرتبطون .. إلاَّ أنَّ هذا الأمرَ هو ليسَ هكذا .. فالعربُ جنسٌ بِنَوْعهِ وخصائصهِ ..  وَاليهو.دُ عِرقٌ خبيثٌ في دسائسِهِ .. نَصَّبَ من نفسِهِ عدوَّاً للعربِ والمسلمينَ .. وَجاهرَ بعداوةِ الرّسولِ وَالإسلامِ .. حتّى وَإنْ زَعَموا أنّهم معنا ، لِإبراهيمَ عليهِ السّلام قبلَ أربعةِ آلافِ سنةٍ يَدينون .. وَإبراهيمُ عليهِ السّلامُ حسبَ النّصِّ القرآنيِّ ليسَ يهوديَّاً ولا نصرانيَّاً ولكنَّهُ كانَ حنيفاً مسلماً وَما كانَ من المشركين ..! 

             

       وَاليهو.دُ على ما يبدو ، فقد قاموا باستغلالِ قصورِ الوعيِ عندَ مَنِ استطاعوا الإيقاعَ بهم ، مِمَّنْ لا يمتلكونَ ثقافةً تاريخيّةً ولا يمتلكونَ وَعياً ثقافيَّاً سياسيَّاً .. فقد اختلطَ عليهمُ الأمرُ .. فَوَقعوا مستسلمينَ للثقافةِ وللفكرِ الصّهيونيِّ ـ اليهوديّ .. فَمَلأوا فراغَ عقولَ هؤلاء بأساطيرهمُ الثقافيّةِ والتّاريخيّة .. حتّى أصبحوا مُبَشّرينَ لهذهِ الصّهيو.نيّةِ في عالمنا العربيّ مُدافعينَ عن اليهو.د .. منافحينَ عنهم .. مُعتقِدينَ بِوفائهم وَإخلاصِهم لهم .. واثقينَ كلَّ الثّقةِ بِقُوَّتِهم .. ينطبقُ عليهم قول الشاعر :

ألمُستجيرُ  بِعَمْروٍ  في كُربَتِـهِ 

كالمُستجيرِ من الرَّمضاءِ بِالنَّار


    حتَّى وَلْنَفْتَرضْ جدَلاً أنَّ هناكَ مِنَ الإعلاميينَ والسّياسيينَ ، مَنْ لهُ معرفةٌ  بِالتاريخِ الفلسطينيّ ، إلاَّ أنَّنا نستطيعُ القوْلَ بِأنَّها معرفةٌ مُشوَّهةٌ ، أصبحتْ تستندُ اليومَ على الأفكارِ الصّهيونيّةِ نظراً لِقِلَّةِ عِلْمِها  بِتَفاصيلِ المعرفةِ التّاريخيّةِ وَنظراً لِضحالةِ ثقافتها .. فلا يُمكنُها في ظلِّ هذهِ الحالةِ البائسةِ من الثّقافةِ والمعرفةِ أنْ تَقِفَ على صحَّةِ مفاصِلِها  الحقيقيّةِ .. فَالتَّاريخُ في قسمٍ كبيرٍ من أحداثِهِ مُشَوَّهٌ وَمُزَوَّرٌ خاصَّةً وَأنَّ بعضَ العربِ والعربان ألغوا عقولَهُم , وَقاموا بِاستعارَةِ العقلِ اليهو.ديِّ كيّْ ينوبَ عن عقولِهم  حتّى أصبحَ فيما يُعرَفُ : " بالسّلامِ الإبراهيميّ " ثَقافةً وَصناعةً يهوديَّةً صهيونيّة يستقونَ معلوماتِهم من الفكرِ الصّهيو.نيّ ولا يَستندونَ إلى الآياتِ القرآنيّةِ ولا حتّى يأبهونَ بِموقفِ رسولنا الكريم من اليهو.د حسبَما  جَرَتْ أحداثُهُ في المدينةِ المنوّرة .. حتّى أنَّهُ قد أصبحَ كثيرٌ من العربِ والعربان ، يعملونَ على طمسِ آياتِ القرآنِ الكريم الجهاديّةِ .. وَيَقومونَ على طمسِ عيوبِ اليهو.د التي فَضَحَهُم بها القرآنُ الكريم ..!


       حينما ذهبَ جنرالٌ في أوَّلِ زيارةٍ للكيانِ الصّهيونيّ ثمَّ تَبِعَهُ ما سُمِّيَ  بالكاتبِ أو الإعلاميّ  .. ثمَّ لمّا عادَ الأوّلُ من زيارتِهِ بَشَّرَ مَنْ حوْلَهُ بِبُشرى جَعَلَتِ الجميعَ يَنْخدِعُ بها . قال : " اليهودُ لديْهم العقلُ ونحنُ لديْنا المال .. فلو أضفنا المالَ العربيّ للعقلِ اليهوديّ ، لاستطعنا أنْ نصنعَ مُعجزَةً مُدهشةً في هذا العالَم .


     دُهِشَ الكاتبُ أو الإعلاميُّ الذي أنْزَرَعَتْ في عقلِهِ الفكرة .. وَبقيَ هذا يقومُ بِزَرعِ الفكرِ الصّهيو.نيّ الذي زَرَعَهُ هو الآخَرُ في عقولِ كثيرٍ مِمَّنْ حولَهُ ، إلى أنِ انْزَرَعَ الزَّرعُ اليهود.ديُّ بينَ المضاربِ العربيّةِ والعربانيّةِ  وَبدأَ يُعمِّمُ بها في أرجاءِ مجتَمَعاتِهِ  وَفي بينِ مُجتمَعاتِ مُحيطِهِ  .. وَنَمَتْ تلكَ الفكرةُ اليهوديَّةُ وَتَرَعرَعتْ وَكبُرَتْ وَأخذَ الإعلامُ يَتناولُها بِشَراهةٍ تامَّة وَأخذَتِ العقولُ تَميلُ إليْها ميْلاً  لا حدودَ له .. ثمَّ ما لبثَ الشّماغُ وَالعقالُ على ضوءِ ذلكَ ، وأنْ أصبحَ يَرتادُ بشكلٍ واضحٍ .. وهو يَتنقَّلُ بِخِفَّةٍ بينَ عَرَصاتِ الأقصى في وسطِ حراساتِ الجنودِ اليهودِ والمستوطِنينَ الصّها.ينة  .. ثمَّ ما لبِثَتْ أنْ أصبَحَتْ وَفودٌ من هؤلاء تَؤُمُّ المسجدَ الأقصى في وسطِ  مُرافقةِ  قطعانُ المستوطِنين .. ثمَّ تَطوَّرَ العشقُ إلى أنْ أصبحَ  زَواجاً يَرفُلُ بالتّفاني  وَبِالمّحبَّةِ وَبالتّضحياتِ ..!




طالب ياسين

 أبو ذُؤَيْبُ الهذليّ

وَمَرثيَّتَهَ الشّهيرةُ 

وقصةٌ غريبةٌ من أنواع عشقِهِ 


كانت هذهِ الأبياتُ الشّعريةُ قد جَذَبَتْني إليها هذهِ النَّفَحاتُ الشّعريّةُ بما فيها من بلاغةٍ وَما بها من معاني وَدلالات..  في موقفٍ غريبٍ من مواقفِ التَّنافس الشّعريّ بينَ صديقيْنِ أو بينَ قريبيْنِ ، هما : الشّاعرُ : أبو ذُؤَيْب الهُذليّ .. وَابنُ أختِهِ خالد بنُ زهير .. حوْلَ حالةِ عشقٍ فيما بيْنهما  لِامرأةٍ ، هي : "أُمُّ عمْرو"..!


         وَلِمَنْ لا يعرفُ عن الشاعر : أبي ذُؤيْب .. فهو شاعرٌ إسلاميٌّ مُخضرَم .. ماتَ في غُزاةِ إفريقيا ، بعد أن التحقَ مع جيشِ : عبداللهِ بنُ أبي السّرح ، في زمن الخليقةِ عثمان بنِ عفّانَ رضيَ اللهُ عنه .

       وَأُمُّ عمروٍ هي في حقيقةِ الأمر كانت معشوقةٌ لِرَجُلٍ يُدعى : عُوَيْمُ بن مالك بنُ عوَيْمِر.. فَدَخَلَ عليهِ أبو ذُؤيْب عاشقاً  لها ـ وَأقصاهُ عنها حينما إئْتَمَنَهُ عُوَيْمُ على أسرارِهِ .. وَبَعثَهُ رسولاً  لها  فَاستَخْلَصَها أبو ذُؤِيْبُ لِنَفسه محبوبةً لهُ وَمَعشوقةً  .. ثُمَّ إنَّ أبا ذُؤَيْبَ هذا ، إئْتَمَنَ ابنَ أختِهِ : خالدُ بنُ زُهيْر لِيكونَ رسولاً لها ، فَما كانَ من خالدَ سوى أنْ عشِقَها وَأقصى أبا ذُؤَيْبَ عنها .. فَعاتَبَها أبو ذُؤَيْبُ وَعاتبَ ابنَ أُختِهِ : خالدَ بن زهير، على خيانتِهِ لهُ مع مَحبوبتِهِ أُمِّ عَمْروٍ .. قائلاً :


تُريديـــنَ  كَيْما  تَجْمَعيني  وَخالـــداً

وَهلْ يُجْمَعُ السَّيْفانِ وَيْحكِ في غِمْدِ


أَخالدُ  ما  راعيْتَ مِنْ  ذي قَرابـةً

فَتَحفظُني بالغيْبِ أو بعضَ ما تُبْدي


دَعاكَ  إليْهــا  مُقْلَتاهــا  وَجيدُهــا

فَمِلْتَ كما مـالَ المُحِبُّ على عَمْـدِ


وَكنتَ كَرَقْراقِ السَّرابِ إذا  بَـدا

لِقَوْمٍ وقد باتَ المَطِيُّ بِهِم يُحدي


وقالَ أيضاَ :

فَقيلَ تَحمَّلْ فوقَ طَوْقِــكَ إنَّهــا

مُطبَّعَةٌ مَنْ يأتها لا يُضيرُهـــا


بِأَعظَمَ مِمَّا  كنتُ  حَمَّلْتُ خالـداً

وَبَعضُ أماناتِ الرِّجالِ غُرورُها

ثمَّ يقول :

فَنَفْسَكَ  فَاحفَظْها  ولا  تُفْشِ للعِـدا

مِنَ السّرِّ ما يَطْوي عليهِ ضَميرُها


رَعا خالدٌ سِرِّي  ليالِيَ  نَفَسـهِ

تَوالى على قصدِ السّبيلِ أُمورُها


فَلمَّا  تَراماهُ  الشّــَبابُ  وَغِيُّـهُ

وفي النّفسِ منهُ فتنةٌ وَفُجورُها


لَوى رأسَهُ  عنِّي  وَمالَ  بِـوُدِّهِ

أغانيجُ  خَوْدٍ كانَ فينا يَزورُها


تَعَلَّقَـهُ  منهـــــا  دلالٌ  وَمُقْلَـةٌ

تَظَلُّ لِأصحابِ الشّقاءِ تديرها 

 

فَأجابهُ  خالدُ ، قائلاً  :


لا  يُبْعِـدَنَّ اللهُ لُبَّـكَ  إذْ  غَـزا


وَسافرَ والأحلامُ جَمٌّ عُثورُها


وَكنتَ  إماماً  للعشيرةِ تنتهي

إليْكَ إذا ضاقتْ بِأمرٍ صُدورُها 


أَلَمْ تَنْتَقِـذْها من عُوَيْمَ بنَ مالكٍ

وَأنتَ صَفِيُّ  نفسِهِ  وَسَجيرُها


فَإنْ كنتَ تَشكو من خليلٍ مَخافةً 

فَتلكَ الجوازي عُقْبُها وَنُصورُها 


وَإنْ كنتَ تبغي لِلظَّلامةِ مَركَباً 

ذَلولاً  فإنِّي ليسَ عندي بعيرُها

 

نَشأْتُ عسيراً  لا تَلينُ عريكَتي

ولم يَعلُ يوماً فوقَ ظهري كورُها


متى ما تَشَأْ أحملْكَ وَالرَّأسُ مائلٌ 

على صَعبَةِ حَرْفٍ وَشيكٍ طُمورُها


فلا  تَـكَ كالثَّوْرِ الذي دُفِنَـتْ لهُ 

حَديدةُ حتْفٍ ثمَّ أمسى  يُثيرُها


فَأقصِر ولم تَأخذْكَ منّي سَحابةٌ 

يُنَفِّرُ شاءُ  المُقْلِعينَ خَريرُهـــا 

 

      وَقصَّةُ الشاعر : أبي ذُؤَيْب ذكرها صاحبُ الأغاني .. أبو فرجُ الأصفهاني أو الأصبهاني .. وأصفهانُ هي من بلادِ إيرانَ اليوم .. ولكنَّهُ كانَ بغداديَّاً عاشَ حياتهُ في العراق .. وعلى ما يبدو فإنَّ العراقَ بقيَ تاريخيَّاً مُرتبطاً بِإيرانَ ــ فارسَ منذُ أقدمِ العصورِ التاريخيَّةِ ، منذُ أيّامِ دولةِ المناذرة في عصرِ الملك : المنذر  بنُ النّعمان وفي زمنِ ابنِهِ : النّعمانُ بنُ المنذر بنُ ماءِ السّماء .. وزوجةُ النّعمانُ حينئذٍ كانت : المُتَجرِّدةُ بنتُ الملكِ  زهير .. ملكُ قبيلةِ بني عبسٍ وَذبيان.. قومِ عنترَ بنَ شدَّاد ..!


وَالمُتَجرِّدَةُ .. هذهِ هيَ التي سُجِنَ الشّاعرُ : النّابغةُ الذُّبيانيِّ بِسبِبها ، حينما كانَ مُقرَّباً من الملكِ النُّعمانُ بنُ المنذرُ بنُ ماءِ السّماء .. فقد صادفَها الشّاعرُ النَّابغةُ يوْمَها وَذاتَ مرَّةٍ وهي تَجولُ حولَ أرجاءِ القصر .. فَظَهرَ النّابغةُ في طريقها فجأةً عندَ زاويةٍ من زوايا ساحةِ القصر .. فَفَزِعتْ منهُ وَسَقطَ  عنها رداؤُها الملفوفُ حولَ جَسَدِها.. فَبانتْ لهُ عوْرَتَها .. فقالَ النّابغةُ قصيدةً يُحاولُ في أحدِ أبياتها ، أنْ يصفَ عفَّتَها ، فقال :

سَقطَ النَّصيفُ وَلَمْ تُرِد إسقاطَهُ 

فَتَنـاوَلتْــهُ  وَاتَّـقَـتْـنــــا  بـاليَــدِ

والنّصيفُ هو القميص .. وَاتَّقتْنا باليَدِ : أيّْ انَّها غطّتْ ما ظَهَرَ عليهِ من عوْرَتِها بِيَدِها .. وَلمَّا علِمَ الملكُ النّعمانُ بِشِعرِ النّابغةِ في زوجتهِ المُتَجَرِّدة ، أمَرَ بِسَجنِهِ .. ولكنَّهُ ما لبثَ أن استعطفَهُ النّابغةُ في قصيدةٍ طويلةٍ شهيرةٍ .. ليسَ هنا مجالُ ذكرِها .. فَعَفا الملكُ النّعمانُ .. ملكُ الحيرةِ عنه ..!


لا أدري : هذا ما أوْرَدناهُ  من عِشقِ أبي ذُؤَيْبَ لِصاحبتِهِ أمّ عمرو .. أمَّا  مَرثِيَّتَـهُ في أبنائهِ الخمْس ، الذينَ أوْدى بهمُ الطّاعون ، فهذهِ  هي حكايةٌ أخرى ..! 

مَرثيَّةُ أبو ذُؤيْبَ الهُذليّ هي شهيرةٌ في الأدب العربيّ .. ذكرَ أبو الفرج الأصفهانيّ عنها أمراً يستحقُّ الوقوفَ عندها ، وذلكَ حينما فَقَدَ الخليفةُ العبّاسيُّ : المنصورُ ..ابنَهُ الأكبر .. فَحزنَ المنصورُ حزناً على فَلْذةِ كبدِهِ وهو يومئذٍ  يقومُ على تأسيسِ الدّولةِ العبّاسيّةِ بعد أخيهِ عبداللهِ السّفَّاح ..!

هذهِ المرثيَّةُ أُحاولُ هنا أنْ أعرضَها على النّاس لأنَّها هي في حقيقتِها قد أصبحتْ تُحاكي كثيراً من واقعِ النّاسِ الذينَ فَقَدوا لهم أحبَّةً في زمنِ هذهِ الفتنةِ وفي زمنِ هذهِ الحروب .. في زمنِ فتنةِ المالِ وَالدّرهَمِ وَالدولار .. هذا المالُ وهذا النّفطُ  الذي تحالفَ مع هذهِ الوحشيَّةِ الأمير.كيَّةِ وَالصّهيو.نيّةِ .. فَغَزا أمْنَ الناس وهم آمِنونَ في قُعورِ بُيوتهم بالقذائفِ والحمَمِ  فوقَ رؤوسهم ..وَبِالبطشِ وبِالفجورِ على أيدي المسلّحينَ في شوارِعِهم .. هكذا حدثَتْ الفتنةُ في سوريا وفي ليبيا .. وهكذا هي فضائيَّاتُ القتلِ قد رَوَّجَتْ وَكذَبَتْ وَخَدَعَتْ .. وهكذا صَدحَ لها شيوخُ الفتنةِ بأسنانهمُ الصّفراءُ تَضُخُّ سُمومَها ، كَسُمومِ الأفاعي النّابيةُ الَّلافحةُ .. وهكذا نطقَ شيخٌ يَقطرُ لعابُهُ سُمَّاً  في إحدى فضائيَّاتِ الكذبِ والفتنةِ وَالتَّخريب ، هتفَ قائلاً :" سوريا يجبُ أنْ تُدَمَّر " وَ" القذّافي يجبُ أنْ يُقتَل ..! " .. إلى أنْ فنى هذا الشيخُ وَفضائيّتُهُ ، خلقاً كثيراً من هذينِ البلديْن .. وَأودى بحياةِ بلادٍ .. ويَتَّمَ أطفالَها .. وَرَمَّلَ نساءِها .. وشتَّتَ أُهلها .. وهكذا فَعَلَ شيخُ الفتنةِ صاحبُ الأنيابِ الصّفراء .. !


       ألا فَلْيعذُرني القرّاءُ على إطالتي وعلى خروجي عن الموضوع .. فنحنُ هنا نحاولُ دَغْدغةَ وَعيِ النّاس .. لعلَّهم ينتبهوا وَيَعـوا ، إلى كلِّ ما يُحاكُ ضدَّ شّرفاءِ بلدانِ هذهِ المنطقةِ  من عربٍ وَمسلمين ..!


     نعود للخليفةِ المنصور الذي فَقَدَ ابنَهُ الأكبرَ : جعفَرُ بنُ المنصور .. فَداهمَهُ حزنٌ شديد .. وَحينما انْصرَفَ إلى قصرِهِ ، قالَ للرَبيع .. وهو حينئذٍ وَزيرُهُ .. أنْظرْ يا ربيعُ .. فيمَن يُنْشدُني من أهلِ بيْتي ، هذا الشّعرُ الذي يقول:

أَمِـنَ  المَنونِ  وَرَيْبِــهِ تَتَوَجَّـعُ  

حتّى أتَسَلَّى بها عن مصيبتي في إبْني  .. فإنّي أريدُ أنْ أسمعها من أهلِ بَيْتي ..!

يقولُ الرّبيعُ : فَخَرَجْتُ إلى بني هاشمَ ، وقلتُ لهم : مَنْ منكم يُنشدُ الخليفةَ المنصورَ : أَمِنَ المنونِ وَريْبهِ تَتَوجَّعُ ..؟ يقولُ الرّبيعُ : فَما هناكَ من أحدٍ من بني هاشمَ يَعرفُ ذلكَ ..! 

يقول الرّبيعُ : فَأخبَرتُ المنصورَ بذلك .. فقالَ المنصور : واللهِ إنَّ مصيبتي في أهلِ بيتي ، لَهِيَ أعظمُ من مصيبتي في إبْني ، لِقلَّةِ معرفتِهِم بألشّعرِ وَالأدب ..!


       ثمَّ قالَ : يا ربيع : إذهبْ , فَأخبرِ الجندَ والقُوَّادَ .. من منهم يحفظُها فإنِّي أحبُّ أنْ أسمعَها من إنسانٍ يُنْشدُها  لي ..! 

يقولُ الرّبيعُ : فَأخبرتُ  الجندَ  وَالقادةَ .. فلم أجدْ من يَحفظُها ..!  ثمَّ اعتَرَضْتُّ عمومَ النّاس : فَلم أجد أحداً إلاَّ مُؤَدِّباً كانَ قد خرجَ لِلتَّوِّ مِنْ مَوضعِ تأديبه .. أيّْ مُعلِّماً  كانَ قد خرجَ من مكانِ مدرسةِ الكُتَّاب .. فَسَاَلتُهُ إنْ كانَ يحفظُ شيْئاً من الشّعر ..؟ فقال : نعم .. شعرَ أبي ذُؤيْب .. فَقُلتُ لهُ : أنت إذاً بُغْيَتي فَاتْبَعني إذاً  إلى المنصور ..! 


 وَحينما أوْصلتُهُ للمنصور .. إستَنْشَدَهُ المنصورُ مَرثيَّةَ أبا ذُؤَيْبٍ في أبنائهِ الخمسة .. فَأنْشدَهُ إيَّاها حتّى وَصلَ إلى قولِهِ :

وَالدَّهْـرُ ليسَ بِمُعتِبٍ مَنْ يَجزَعُ ..!

 قال المنصور : قد صدقَ واللهِ أبو ذُؤَيْب ..! 

فَأنْشِدْني مَصرَعَ هذا البيت مائةَ مرَّة .. قالَ الرّبيع : فَظلَّ المُؤدِّبُ أيّ المُعلِّمُ ، يُرَدِّدُ على مَسامعِ المنصور مصرعَ هذا البيتَ مائةَ مرَّة ..! ثمَّ لَمَّا انتهى إلى قولِهِ :

 وَالدَّهرُ لا  يبقى على حَدَثانِـهِ 

جَوْنُ السَّراةِ  لهُ  جَدائـدُ أربَـعُ

قالَ المنصورُ : سلْ أبا ذُؤَيْبَ عن هذا القول ..! ثمَّ أمَرَهُ بالإنصراف .. يقولُ الربيعُ : فَلَحقْتُ بالمُعلّم ، فقلتُ لهُ : هلْ أعطاكَ شيء .. قالَ : نعم .. ثمَّ أراني صُرَّةً في يَدِهِ فيها مائةُ درهم ..!

   أمَّا مرثيَّةُ أبي ذُؤيْبَ ، فهذهِ هي :


أمِـنَ المَنـونِ وَرَيْبِـهِ  تَتَوَجَّــعُ 

وَالدَّهرُ ليسَ بِمُعتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

 

قالتْ أُمامةُ ما  لِجِسمكَ شاحبـاً 

منذُ ابْتَذَلتَ وَمِثـلُ مالكَ يَنْفَــعُ


أمْ  ما لِجَنْبِكَ لا يُلائمُ مَضْجعـاً

إلاَّ أَقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَــعُ


فَأجبتُهــا  أَمَّا  لِجِسمي أنَّـــــهُ

أوْدى بَنِيَّ مِنَ البلادِ فَوَدَّعـــوا


أوْدى بَنِيَّ  وَأَعقبوني حســرَةً

بعدَ  الرُّقـادِ  وَعَبْـرَةً  لا  تُقْلِـعُ 


وَلقد أرى أنَّ البُكاءَ  سَـفاهــةً

وَلَسَوْفَ يولعُ بالبُكا مَنْ يُفْجَـعُ


سَبَقوا هَـوَيَّ وَأعنَقوا لِهَواهُمُ

فَتُخِرِّمـوا وَلكلِّ جنْـبٍ مَصـرَعُ


فَغَبَرتُ  بعدَهُم  بِعيْـشٍ  ناصبٍ

وَإخالُ  أنِّي  لاحِـــقٌ  مُستَتْبَعُ


ولقد حَرَصتُ بأنْ أُدافعَ  عنهُمُ

فإذا المنيَّـــةُ  أَقْبَلَتْ  لا  تَدفَــعُ


وَإذا  المنيَّةُ  أَنْشَبَتْ أَظفارَهـا

أَلْفَيْـتَ  كـلَّ  تَميمَـةٍ  لا  تَنْفَــعُ


فَالعينُ  بَعدَهُـمُ  كأنَّ  حِذاقَهــا

سُمِلَتْ  بِشَوْلٍ فهيَ عورٌ تَدمَعُ


وَتَجَلُّــدي للشَّامتيــنَ  أُريهُـــمُ

أنِّي لِرَيْـبِ الدَّهرِ لا أَتَضَعضَـعُ


والنَّفـسُ راغبةٌ  إذا  رغَّبْتَهــا

فَإذا  تُـرَدُّ  إلـى  قليـــلٍ تَقْنَـــعُ


وَالدَّهرُ لا يبقى على حَدَثانِـــهِ

جَوْنُ  السَّراة  لهُ  جدائدُ  أربَعُ

      وهذهِ قصيدةٌ طويلة تَتَألَّفُ من 63 بيْتاً من الشّعر نكتفي بما قدَّمناه لكم ..

 

       قالَ الأصمعيُّ : المنونُ هو الموت،  وَسُمِّيَ المنونُ مَنوناً لأنَّهُ يذهبُ بِمِنَّةِ المرءِ : أيّْ بِقُوَّتهِ .. وَقولُ الشّاعر : إبْتَذْلْتَ : أيّ أجْهَدتَّ نفسكَ ، فَأَذْهَبْتَ عن نفسكَ الرّاحةَ وَالدَّعةَ مع أنّكَ تمتلكُ المال ، وما زلتَ تَلزَمُ السّفَرَ وَالعمل .. وَقوْلُهُ : أَقَضَّ عليكَ : أيّْ جَعَلَكَ لا تستطيعُ الإضِّطجاعَ لأنَ ما تحتَكَ خَشِناً .. وَالقَضَضُ هو الرّمل والحصى .. ( هذا في البيتِ الأوّل والثالث ) أمَّا تميمةُ : فهي بمعنى الحرز .. أو هي الخرَزاتُ الزّرقاء التي تَرُدُّ العينَ عن المحسود (في البيتِ العاشر)