الأربعاء، 9 فبراير 2022

جميلة محمد القنوفي // المملكة المغربية

 

تظل تلملم أحرف الانكسار

همومنا ليست أسرار
توتر ،حروب و خيم
موت  و مشاهد مؤلمة..

أقصى ما نستطيع أن نبدع

ننسج صدى الاخبار الموجعة

في قصائد الشكوى والانتحار

في ذهول الصمت  والانتظار

وقد  تعلمنا انه :
《لا تأتي رياح  الاقدار
دوما
على هوى ما نتمنى ونختار》

فلا تستسلم لنداءات الهزيمة
وتعالى واجه  أعماقك الكئيبة...

لا تطفىء أنوار الشروق
  لا تذفن رأسك في  العتمة

لا تتتبع خواطرك المنكسرة
لا  تقتفي أثر نفسك اليائسة

كسر أصفاد الظلال السوداء
وأمحو الهالات المظلمة

إرفع ستائر التلكؤ
إصدح بصوتك في الفلاة

اصدح  في المحيط

من فوق أعلى الأمكنة

.........قل ماتشاء
،........بح بمكامن دائك

غير ضروري أن تكوني الخنساء

وليس بأولوية أن تكون نزار

فقط عبر عن لواعجك 

لا تنطوي معتزلا
لا تعانق وحدك جراحك المؤلمة

أسقط أوهام الزيف 
قاوم  بغير تردد 

 احزانك والخوف ..

وامسح صور البشاعة 

من ذاكرتك و الأمكنة

أشعل فتيل النور بقلبك
فشمعة الأمل شمس
ستنير حتماغياهيبك المظلمة

بكل الأحوال،
  إبقى  ثابتا
و إبقي  صامدة ،


شذرات خاطرة مسائية

جميلة محمد القنوفي
المملكة المغربية 

جميلة محمد القنوفي// المملكة المغربية

رسل الشوق



 رسل شوقي إليك تتأهب

  على أهذاب  مقلتي تلتهب

 بدموع عيوني تنسكب

 بظهر الغيب  تسري

 وسديم الأحلام  تتسربل

  بملح  قلبي سلسبيلا  تتدفق

ترسي بوادي عميقا وتترسب

تسري بي عميقا ،عميقا، فأعمق




  غذيرك شهد شفاء ام ملح شقاء 

   يحيرني أليل  خريرك الرقراق

  يسير بي  إليك روحا معذبة


 تئن من ذا الصليل و تشفق


وجسدا عليلا هزمه الفراق 

ليس بغير اسمك 

في سره والعلن ينطق

****

 أسيرة أنا ب مدن الآلامك

  إليك بأسراب الذكريات

بأهذاب الاحلام  اطفق

 وإليك  بهلات سهدي ابرق 

(    إليك خدي يشتكي

 ملتحفا  براقع الاحزان

 ما عاد للشروق يرتقب )



  

   صديد  المواجع مجتمعة


  حل  بأحداقي مراجل


 تحرق عمري الباقي 


 بالقسوة تمعن في ، ثم تطوق



 و على ارومة ليلي تطبق

باتت عيونه تنخ ناعسة الطرف  

 عن مفرق فجر الخوافق ،تائهة

 بصبح جفى شرنقة انعتاقي 

يظل بجوارحي مسافرا

 

" كرياح الالفية الهوجاء"


 يفك شفرة وتاقي ويحرر"

ينوء ب كل مغلق 

غير مسبوق فيطلق ..(يحرر)

من سالف  العصور حسابك 

رصد صدى بصدر آمالي 

  بباب صباي المتواري متعثر 

عند مطلع شمس غذ رجع

مد وجزر  لخلجاني مبعثر

يطرق نوافذ فؤادي ثم يفرج

  عن ابتسامة بالربيع من بعيد 

 إلينا بنبأ لقاء قريب  تعرج.


               


      جميلة محمد القنوفي 
المملكة المغربية 

            

انطوان جوكي

 مراسلات جديدة لأندريه بروتون تكشف مزيدا من أسراراه


 قضية الشعر والثورة والمطلق تعكس صداقة عميقة بين زعيم السوريالية  وجان بولان




منذ أن انتهت في 2016 مهلة الخمسين عاماً التي وضعها رائد السوريالية أندريه بروتون (1896 ــ 1966) كشرط في وصيته لنشر مراسلاته مع أبرز الوجوه الشعرية والفكرية التي ربطته بها علاقات وثيقة، انطلقت دار "غاليمار" الباريسية في إصدارها، كتاباً تلو الآخر. مراسلات لا تكمن قيمتها فقط في منحنا فكرة دقيقة عن طبيعة كل واحدة من هذه العلاقات المهمة وسيرورة تطورها، وعن الأفكار التي تبادلها هذا العبقري مع مراسليه، بل أيضاً في إنارتها جوانب معتمة وحميمة من شخصيته، وكشفها الدور الثقافي والسياسي المحوري الذي لعبه على طول مسيرته الإبداعية المجيدة.


الجديد في هذا الموضوع هو الرسائل المرجعية التي تبادلها بروتون على مدى أكثر من أربعة عقود مع الكاتب الكبير والناشر جان بولان (1884 ــ 1968). مرجعية ليس فقط لأن قارئها يرى، رسالة بعد رسالة، كيف حيكت شبكة الطلائع في باريس، مع بروتون في مركزها وبولان على هامشها، ولأنها تلقي إذاً نظرة فريدة على مختلف مراحل الحركة السوريالية، بل أيضاً لأنها ترفع للمرة الأولى الحجاب عن الدور الحاسم الذي أداه بولان على الصعيدين الفكري والاجتماعي، في انبثاق هذه الحركة وبلورة فكرها النقدي.


قضية الشعر


ولعل أول ما تعكسه هذه المراسلة، التي يصبغها غالباً، إخلاص أوالتزام لا شائبة فيه بقضية الشعر، هو الإعجاب المتبادل بين طرفيها، وتواطؤهما العميق في الميول والمصالح، وكمّ من النقاط المشتركة. مراسلة لا يتردد كل منهما داخلها في ذكر أسباب هذا التواطؤ والإشارة إلى شكل من أشكال الضرورة في علاقتهما، خصوصاً بروتون الذي يسترسل أحياناً في وصف صداقتهما الشعرية بانفعال صادق يكذّب الصورة السلبية التي رسمها له مبغضيه.


في امتدادها من 1918 إلى 1962، تتميّز هذه المراسلة بعدم انتظامها، وبثقوب تعتريها لأسباب مختلفة. فالرسائل التي كتبها بولان لبروتون قبل عام 1935 لا أثر لها، وعلى القارئ الاكتفاء إذاً بمراسلة بصوت واحد على مدى 17 عاماً تبيّن، مع ذلك، مشاركة بولان الفاعلة في مغامرة صديقه الحداثية إلى حين الالتزام الماركسي لبروتون الذي أدى إلى قطيعة بينهما. وبين عامي 1935 و1946، وإثر عودة المياه إلى مجراها بينهما، تستعيد مراسلتهما توازنها، ثم تنقطع أثناء إقامة بروتون في أميركا خلال الحرب العالمية الثانية، لتعود فتُستأنف فور رجوعه إلى فرنسا عام 1946، قبل أن تتوقف نهائياً عام 1962 إثر انتخاب بولان عضواً في "الأكاديمية الفرنسية".


بالتالي، شهدت علاقة هذين العملاقين تقلبات كثيرة، وفي المراسلة التي نتجت منها، لم تحفظ على مر السنوات سوى السبب الشعري للقائهما الأول. لكن ما يمنح هذه المراسلة عمقاً لافتاً هو من دون شك نشاط بروتون النهم في خدمة السوريالية، وطاقته التي تجعل من كل واحدة من رسائله بورتريه حياً لشخصيته المغناطيسية، من دون أن ننسى القناعات التي شاركه بولان إياها في ما يتعلق بأدب حرّ ومؤمن إيماناً راسخاً بلغزه وقدرته على التغيير.


من لغز إلى آخر


وفعلاً، بولان هو إحدى الشخصيات الأولى التي علّق بروتون عليها أملاً جاداً في تجديد الأدب وفكرته. وحين عُيّن مديراً لـ "المجلة الفرنسية الجديدة" (NRF)، جهد في إيصال صوت مجموعة بروتون الفتية الساعية بلا كلل خلف ذلك السر في الأدب الذي يمنحه كل أهميته. ومن لغز المعنى إلى فن المجانين، ومن الروح الجديدة إلى الفن السحري، ومن رامبو إلى شارل فورييه،

 اهتم بولان بشكل وثيق، بأبحاث صديقه الشاب إلى حد مشاركته أحياناً فيها، وترويجه دائماً لها. ومع مرور الزمن وتوطّد روابطهما الفكرية، تحوّل هذا الاهتمام إلى شغف بطاقة بروتون، الثورية بعمق. ولا عجب في ذلك، ففي حماسة صديقه الحيوية والراديكالية، عثر بولان مجدداً على ميله إلى الحرية، وعلى شكل من أشكال النقاء، أحيا قناعاته الفوضوية الأولى. ولذلك، يرتفع في رسائله إلى رائد السوريالية صوت الفوضوي الثائر، أكثر منه صوت المنظّر والناقد.


أما حجم هذه المراسلة، ومضمونها، وتوزيعها غير المتكافئ بينهما، وعدم انتظامها، فنقاط تعكس طبيعة صداقتهما التي تغذّت من ومضات حملت رسائلهما تارةً إلى أعلى شهادات الإعجاب، وتارةً إلى أدنى درجات الشتيمة. نجد أيضاً في هذه الرسائل عدداً مذهلاً من الأسئلة الأدبية والتعليقات التاريخية والجمالية والنقدية، وأيضاً تلك الحساسية الملموسة الخاصة بشخصية بروتون، والتي تمنح بعض رسائله قوة نادرة، تارةً غنائية وتارةً جدلية. وبالنتيجة، شكّلت هذه المراسلة فضاء اختبار لذلك التقارب العميق في وجهات النظر بينهما، وأيضاً للاختلاف الجذري في طبيعة شخصيتيهما ونبرة صوتيهما.


في رسائل بروتون الأولى، نتابع اكتشافه لصداقة سعيدة بولادتها، تتقدّم وفقاً لأسئلة من المفترض فيها أن تولّد تواطؤاً وتضفي مشروعية على هذا الرابط: المراجع المشتركة، النصوص المفضّلة، الاهتمامات المتقاربة... وفعلاً، من رسالة إلى أخرى، نراه يشيّد سردية علاقة مرغوبة إلى حد تشبيهه إياها بثمار الصدفة الموضوعية الغالية على قلبه: "أنت الصديق الذي كنت أنتظره في ذلك الوقت من حياتي"، كتب لبولان عام 1918. وعلى الرغم من فارق العمر بينهما (12 سنة)، نستشفّ تطابقاً كاملاً في مسعاهما، لا يقوم فقط على تفجير الحدود بين الأدب والحياة، بل أيضاً على رؤيتهما في الشعر مكان حقيقة إنسانية لم يتوقّعها أحد من قبل.


الدادائية والسوريالية


ومن المرحلة الدادائية إلى الثورة السوريالية وبيانها الأول، نرى أيضاً في رسائل بروتون الأولى سيره نحو مواقف أكثر فأكثر طلائعية وسياسية، وتقديره لدور بولان في منح مجموعته الباريسية وبحثها المجدِّد دعماً مؤسساتياً ومشروعية أدبية، ولأهمية مقاربته موضوع علاقة الفكر باللغة، أو ما سمّاه بولان "قوانين التعبير". وفعلاً، سعى هذا الأخير في كتاباته آنذاك إلى إعادة النظر في الإبداع الأدبي وطريقة استقباله، محدداً بذلك نقاط انطلاق لثورة في التفكير أمضى بروتون حياته في الترويج لها. من هنا إقراره بقيمة دعم صديقه وضرورته: "كي يبلغ مشروعي هدفه، أعتمد عليك وعليك فقط".


لكن حين سعى بروتون إلى تطبيق هذه الثورة في المجالين الاجتماعي والسياسي، مرتكزاً في ذلك على أفكار استقاها من رامبو وشارل فورييه وكارل ماركس، بدأ في خسارة تواطؤ صديقه معه، قبل أن تحلّ قطيعة كاملة بينهما إثر انخراط السوريالية في الثورة الاجتماعية. قطيعة تعود إلى إيمان بولان بأدب محرّر من أي تدخل سياسي أو التزام حزبي، وإلى اعتباره إهمال بروتون سعيه الأول خلف واقع علوي، خيانةً ، وكذلك تقديمه الأيديولوجيا السياسية على المسعى الأدبي والميتافيزيقي، الذي تأكّد عام 1926 في مجلة "السوريالية في خدمة الثورة"، ثم في البيان السوريالي الثاني عام 1930.


القطيعة بين الصديقين دامت ثماني سنوات، ثم عادت الحرارة إلى علاقتهما عام 1935، إثر قطع الحركة السوريالية صلتها بالحزب الشيوعي، وإعادة بروتون تحديد شروط علاقتها بالعمل الجماعي الثوري، وعلاقة الثورة الشعرية بالثورة الاجتماعية. حرارة تتأكد عام 1936 مع نشر بولان الفصل السادس من كتاب "الحب المجنون" في مجلته "مقاييس"، ثم الكتاب كاملاً في سلسلة "تحولات" التي كان يشرف عليها داخل دار "غاليمار". لكن يجب انتظار عام 1939 كي تنتظم مراسلتهما وتتكثّف، مرة أخرى في سياق الحرب: "لا لزوم للتأكيد بأنني سأكون سعيداً جداً بتعاونك داخل مجلتي"، كتب بولان في نهاية العام المذكور لبروتون. دعوة تعكس ثقة صاحبها بصديقه الذي سيلبيها بحساسية مستعادة، مؤكّداً أيضاً لبولان أهمية ذلك الحاضر الذي يعيده إلى ظروف لقائهما الأول.


اقتراحات منتظمة


ومع أن مراسلتهما تتوقف مع استقرار بروتون في أميركا عام 1941، لكنهما يستعيدان تواطؤهما الفكري فور عودته إلى فرنسا عام 1946. تواطؤ لا يتجلى فقط في حجم الرسائل المتبادلة ومضمونها، بل أيضاً من خلال الاقتراحات المنتظمة التي يقدّمها بولان لصديقه من أجل نشر نصوصه، وتعكس اهتماماً شديداً بعمل بروتون الشعري والنقدي، وإعجاباً يشهد عليه النص الذي كتبه حوله عام 1949، ضمن أول احتفاء جماعي بالشاعر، وكان جواب هذا الأخير عليه: "لا يمكنك أن تتخيّل كم أثمّن هذه السطور وكيف أنظر إليها. (...) أنت وحدك القادر على شحن الكلام بمثل هذا السحر. وأن تتفضّل عليّ بإدراج اسمي داخل هذا النور، أمرٌ لا يقدّر بثمن بالنسبة إليّ".


ثلاث مسائل رئيسية تطغى على هذا الجزء من مراسلتهما: المسألة السياسية بعد تحريرها من أي بُعد عقائدي، مسألة النقد ورهاناته وشروط استقلاليته، والسؤال الشعري المطروح وفقاً لإيمان مشترك بسلطة الشعر الكشفية والتحويلية. وثمة نقطة تقارب أخرى بين بروتون وبولان تتجلى في هذه الرسائل، ونقصد اهتمامهما بالعلوم الباطنية واعتبار بروتون في هذا السياق أن الأدب يحمل داخله حقيقة مخفية، والشعراء مرتبطون حتماً بالتقليد الخيميائي. فمن "الحب المجنون" إلى "الفن السحري"، يعبر هذا الإيمان بسرّ كامن في قلب اللغة، كل كتبه، خصوصاً كتاب "المصباح في ساعة الجدار" الذي احتفى فيه بنظريات الشاعر مالكولم دو شازال، ويؤكّد مضمونه قناعة صاحبه برابط وثيق بين الشعر والتقليد الباطني، وبالدور الذي يمكن أن تؤديه الميثة في تغيير العالم. قناعة تقاسمها بولان معه، كما يشهد على ذلك قوله له في إحدى رسائله: "لقد قرأت هذا الكتاب بانفعال كبير. (...) هنا يكمن شاغلنا، لا في أي مكان آخر".


علاقة نادرة


يبقى أن نشير إلى أن هذه المراسلة، على الرغم من عدم كشفها لقارئها كل أسرارها، نظراً إلى الثقوب التي تعتريها، تُبرِز علاقة أدبية نادرة الأهمية في تطلعاتها وقيمة ثمارها، وغير متوقّعة في بعض جوانبها الحميمة، كما تُبرِز الديناميكيات والتوترات التي كانت فاعلة بين المؤسسة الأدبية، التي كان بولان خير تجسيد لها، وجيل طلائعي تمسّك حتى النهاية بأدائه المستقل، ويشكّل بروتون أبرز وجوهه.


نكتشف أيضاً في هذه المراسلة ليس فقط بولان الناشر والناقد كبير، بل أيضاً الناشط داخل الدوائر الحداثية الذي أثار مشاعر إعجاب عميقة بين الطلائع الفتية، ودعَمَ فكرة جديدة كلياً للأدب، محررة من الهاجس التاريخي ومنشغلة بفهم أعلى رهانات التعبير.


نكتشف أخيراُ ذلك التواطؤ الذي جمعه ببروتون حول تطّلب نقدي حرّ كلياً ومفهوم مثالي للأدب كممارسة نبيلة في خدمة مطلقٍ إنساني.


ختاماة: هذا  التواطؤ لن ينتهي مع توقّف مراسلتهما إثر انتخابه عضواً في "الأكاديمية الفرنسية"، كما يشهد على ذلك النص الرائع الذي افتتح به الملف الخاص الذي كرّسه لبروتون داخل "المجلة الفرنسية الجديدة"، في مناسبة وفاته، ولا يعكس فقط افتتانه حتى النهاية بصديقه، بل أيضاً وخصوصاً معرفة بشخصه وفكره لم يتجاوزها بعد أي باحث في حياة رائد السوريالية وإنجازاته.



* الاندبندنت عربية 

  29 يناير 2022

كه يلان محمد

 لينا هويان الحسن: الوسط الثقافي هو حارس شرس للنمطيات



لم يعد القارىء في عصر شبكة التواصل الإجتماعي مجرّد مُتلقٍ للمادة الأدبية، بل أتاحت له الوسائط الجديدة فرصة التعبير عن آرائه بشأن النصوص والمنجزات الأدبية من دون المواربة، وذلك ما حَدا بالمبدع في العالم اليوم أن يراهن على ما ينشر في صفحات التواصل الإجتماعي بدلاً من متابعة ومراقبة ما يقوله النقّاد في الصحف والمجلات، ما يعني أنّ ثمة واقعاً مختلفاً على المستوى الثقافي يفرضُ نَحت مفاهيم جديدة لمقاربته.

 

بدأت مصطلحات تنتمي إلى العالم السيبراني تدخل إلى المعجم الأدبي والثقافي، كما أنّ الشبكات الرقمية أصبحت عنصراً مهمّاً في بنية العمل الأدبي. عن دور وسائل التواصل الإجتماعي وتفاعل المبدع مع متابعيه في نشوء شكل مختلف من التلقّي، كان لنا حوار مع الكاتبة السورية «لينا هويان الحسن». 


يُذكر أنّ مؤلفة «سلطانات الرمل» تتواصل مع جمهورها حيث تُعيد مشاركة آرائهم على حسابها الخاص، كما تشارك متابعيها مقاطع من الكتب التي تقرأها. 


تعتقد لينا أنّ أسلوب حياتنا هو انعكاس لطريقة تفكيرنا، لذلك لا مانع من معرفة القارئ باهتمامات كاتبه المفضّل وشكله وهندامه. كسرت لينا الصورة النمطية للكاتبة في مجتمعاتنا، وهذا ما أثار ردود الفعل المتراوحة بين الترحيب والنقد. 


• يقول «موباسان» إنّ حياة الإنسان وصورته لا تخصّان الجمهور. هل يمكن للكاتب أن يفكّر وفق هذا المنطق في عصرٍ عنوانه الشفافية والثورة في وسائل التواصل؟ 


 لا أعتقد أنّ ذلك كان صحيحاً في أي عصر من العصور. مثلاً منذ زمن سقراط، ألم يدوّن تلميذه أفلاطون الكثير والمثير عن علاقة أستاذه بزوجته «زانبيث»؟ لم يكن أفلاطون ليفعل ذلك لولا اهتمام الناس بما يجري وراء جدران سقراط. هنالك يقين لا يمكن تجاهله بشأن تأثير الحياة الشخصية على الكاتب، وما ينتجه، فالقارئ يتأثر، ويتابع تفاصيل الحياة اليومية لكاتبه المفضّل. هذا أمر لا يمكن تجاهله في هذا الزمن المتعب بمتطلبات الاستهلاك اليومي، ويُنتظر أن يكون ظهور الكاتب محفّزاً ومؤثراً.


أيضاً، في وسط هذا التَشابه البائس، ليس من السهل أن تحرر نفسك من التشابه عبر الاختلاف. مثلاً اعتادت المجتمعات العربية صورة نمطية للأدبيات، فلم يكن من السهل إحراز صورة جديدة للمرأة الكاتبة والمثقفة والأنيقة. مثلاً الاهتمام بالهندام، وتسريحة الشعر وحتى فنجان القهوة الصباحي أمور استهجنها مجتمعنا. للأسف، حدثت ردة الفعل هذه من قبل أهل الثقافة؟! لا تستغرب اذا قلت لك انّ الوسط الثقافي هو حارس شَرس للنمطيات. غالباً ما قرأت وسمعت الانتقادات على ظهوري مع قططي مثلاً من قبل زملاء المهنة، بينما جمهور السوشيال ميديا من قرّاء ومتابعين رحّبوا بصَوري التي كسرت المعتاد. وساهمت بتحريك الفضول الذي هو عتبة حقيقية للاهتمام والمتابعة.

 

• وَفّرت وسائل التواصل الإجتماعي فضاءً للتفاعل المباشر بين المبدع والجمهور. هل ما يَنشره القرّاء عن المؤلفات الأدبية يعوّض ركود الحراك النقدي؟ 


 سؤالك ذَكّرني بعبارة أوسكار وايلد: «إنّ أعلى أنواع النقد لا يختلف عن أحطّها، في أنها جميعاً تراجم لحياة الناقد على نحو ما». أي ما أردت قوله انه قلّما ينجو النقد من فَخ المضمون الشخصي للناقد وموقفه منك. سأتكلم عن تجربتي، ويبدو كلامي هنا خاصاً، وليس عاماً، ومتعلقاً بتجربتي اليومية وتحديداً على انستغرام، فهو موقعي المفضل للتواصل فيه مع القراء، الذين أثبتوا «نظافة» نقدية تجاه ما نكتب. كذلك أدوات «الانستا» تتيح تواصلاً مباشراً مع القراء. هنالك صفحات خاصة بمراجعات الكتب ولسويّات ذهنية وفكرية وعمرية مختلفة، وعادة ما أقوم بإعادة نشر منشوراتهم حتى لو تضمّنت بعض الملاحظات السلبية.


هل يمكن للكاتب أن يستفيد من آراء مُتابعيه وإلى أي مدى يضيفُ لك التفاعل مع جمهورك على المستوى الإبداعي؟ 


غَدا التفاعل اليومي: «ريبوست، والستوري» من هواياتي، وأمنحها من وقتي بشغف. فالسوشيال ميديا أتاحت لنا علاقات حرّة وحقيقية مع القرّاء، علاقة مباشرة لا تدخل فيها أمراض النقد ولا حسد واستذئاب الزملاء. مثلاً، في مواقع «غود ريدز» معظم الملاحظات السلبية، والتي تجنح إلى الإساءة الشخصية، دَوّنها زملاء أدباء، وتحديداً الكاتبات. أو مثقفات لديهنّ مشاريع أدبية لم تر النور! لا أتصور نفسي أكتب وجهة نظر سلبية علناً بعمل كاتبة أخرى؟! مواقع القراءة تثبت حضورك ورأي القرّاء ببساطة ووضوح من دون فذلكات نقدية، أي على طريقة شوبنهاور: (الفكرة الواضحة سرعان ما تجد الكلمة المناسبة). 


• مع تواصل فن الروائي مع المعطيات الحياتية المتنوعة وتناول الأزمات المعاصرة في الإطار الأدبي، هل يمكن مقاربة المنجزات الإبداعية بأدوات نقدية تقليدية؟


لم يعد ذلك مهماً أو مجدياً إلّا في الدراسات الأكاديمية المختصة، كرسائل الماجستير والدكتوراه والكتب المختصة. بينما السوشيال ميديا وصفحات القراءة، هي التي تنقل عدوى الإقبال على أعمال أدبية بعينها. قلّما يمرّ يوم من دون أن يكون هنالك هاشتاغ على اسمي أو عنوان أحد كتبي سواء بنقل اقتباسات من منشوراتي أو تقييمات لأحد أعمالي. وكل ذلك حالة صحية. باختصار: الهاشتاغ اليومي على اسمك أو أحد أعمالك هو أمر في غاية الأهمية في الحياة الأدبية المعاصرة.


تقول الكاتبة الأميركية جويس كارول أوتس إنّ المبدع يجب أن يعلن في نتاجاته عن مَكنون فؤاده ويكتب ما يفكّر فيه. ماذا عنك، هل تكتبين فعلاً ما يشكّل هاجساً بالنسبة إليك؟


يصعب عليّ التملّص مما تقوله جويس كارول أوتس. فكل ما نكتبه يتغذى من نهر جوفي من الأفكار يهدر في أعماقنا. تُصاغ أعمالنا وفقاً لشكل تفكيرنا، ورؤيتنا الشخصية للحياة.


الكتابة برأي فلوبير هي طريقة الحياة. هل تحوّل فعل الكتابة طريقة للحياة لدى لينا هويان الحسن؟ 


إنّ شكل تفكيرنا يتوافق مع ملامحنا وتفاصيل حياتنا اليومية. فالكاتب هو أسلوب قبل كل شيء. أسلوبك الذي يدلّ على تقاطيع ذهنك، وملامح تفكيرك. هندامك وحضورك وطريقة ابتسامتك وشكل التقاطك لصورة شخصية، كلها أمور تَشي بمضمونك، ألم يقل تولستوي: «ينصاع الشكل للمضمون»؟! نعم، نحن نشبه ما نكتب. والبوست الذي تكتبه والصورة المرافقة هي منفذ رمزي إلى شخصيتك.



*عن جريدة الجمهورية

Monday, 27-Jan-2020

بقلم: مولاي الحسن بنسيدي علي

 .      بكاء خارج البئر     


   


يمزقني البكاء ..\

يفنيني ...

و ذاتي الجرح الأزلي 

مقبرة  للنشيد

من يسمع صوتي ....

......وهذا النشيج..؟

من يحمل أزهاري ...

.........ودموعي ...؟

ويمضي نحو ذاته 

...نحو ذاتي .....\

ويغني ألحاني ..

و آهاتي...

يخبر الأحفاد عنك 

يعلم صبية الحي ..

حروف أبجديتك ....\

و يلقنهم دروس الشهادة

ليس غيرك ..\

لأنك ذاتنا آهاتنا 

و طفل زئبقي أنت..

تظهر وتختفي ..

أيقونة البراءة 

إهمس في مسمع أمتك 

كلماتك 

العذبة..

...الشجية 

سأظل حيا بينكم 

حتى وإن ذوبت كقطعة ثلج

لأتبخر قطرة ماء 

تسقي قلوبا جفت ينابيعها 

وغدا ستحملنا رياح الشوق 

إلى عالمك السحري 

............الملائكي 

فنلقاك طائرا على باب جنة الريان 

آآآآآآآآه ثم آآآآآآآآآآآه 

ودمعة في عين أمك العربية

أيها الحبيب 

تسبح في سواحلها 

سفينة الأحزان

فنم قرير العين في الجنان 

وأنت في قلب كل إنسان 

لملمت شتات الأمة 

صلت عليك ملائكة السماء 

ومن في الأرض 

أئمة وقساوسة ورهبان 

تجدد فيك يوسف النبي 

فأوفيت الكيل ولم تبخس الميزان 

ونثرت الخير سنابل 

والمحبة والأمان 

ستذكرك الأجيال 

وكل لسان يلهج بالدعاء لك 

ولروحك السلام 

ولأبويك الصبر والسلوان 

....


بقلم: مولاي الحسن بنسيدي علي

الاثنين، 7 فبراير 2022

جميلة محمد القنوفي// المملكة المغربية

 

القلب حزين والعينان تدمعان 
فاحت من اسمك روائح الجنان

روحك من غيهب ذاك  الجب

 بالحب تعرج  حول العالم 

تحمل رسائل ود وسلام



روحك بالحب  تجوب  العالم

تختصر مسافات الضوء

تطوي مسافات الصمت
تنطق الافئذة 
بغير نبس كلام

تزج سحب الأسى بهمس الالام
و تمزج هسيس الظيم  بظلال الغمام  ..

فتمطر أحاديث الحضور والغياب
تنادي في العالمين 

:" بعض الوفاة انبعاث " ..




تنادي في الدنا :

"(وبعد الموت _حياة )

اتلتقي هتافات الغيب بالشهادة
و تنسكب دموع الحزن بملح الاحلام

تزجي حقولا عجافا  بذار الأمال
في قصيدة  عنوانها  "ريان" 

أتلتقي هتافات الغيب والشهادة!

أتنسكب دموع الحزن بشهد الريادة!

تزجي عقولا عجافا بذور الغذ ،بذار الأمال

في قصيدة عنوانها :

"أزلية  الانسان "


أستعجلت الرحيل 
أم أنه  اجلك و الآوان 


خطواتك و رسم  ملامحك
فاقت العنان 

عبرت  سدة المدى
  قطع من نور الفجر والهدى
قطر الندى وهديل الحمام 

تخطى الحدود 

رفع الوية التسامح والإخاء ...

قدر رحيم ورب كريم
ريان ، سلسبيل ومعين
قد  قضى ربك 
وأحكم فصل القضاء
شاءت مجاميع  العالمين
و الله  فعال لما شاء ..

صغير ي  يا "ريان "
كم  انت كبير عند الرحمن
لكأنك ملاك _انسان ؟!!

خلف نعشك
بكت ملايين الآنام
ومشت  ألاف الخلائق 
بالصلاة والسلام

القلب حزين والعينان تدمعان 
فاحت من اسمك روائح الجنان
 صغير ي  يا "ريان "
كم  انت كبير عند الرحمن
لكأنك   ملاك _انسان ؟!!


قدرك ان تذكر من 
نسي  

انه مايزال على الأرض " انسان"




جميلة محمد القنوفي
 المملكة المغربية 
أنا لله وانا اليه راجعون 
البقاء لله 


الأحد، 6 فبراير 2022

عبد المالك ابو الأنوار

 مناقب الفضاء الافتراضي العربي ومثالبه

 سعيد يقطين



لا مراء في أن وسائط التواصل الاجتماعي الجديدة أدخلت عادات وتقاليد غير معهودة سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية، أو الثقافية، أو الاقتصادية، أو السياسية. ولا لأحد أن ينكر أدوارها الإيجابية في تحقيق التواصل بين الناس، وتجديد ما انقطع من صلات وعلاقات، بما صارت توفره من إمكانيات للعثور على من نبحث عنه، أو نود التواصل معه، أو التعرف على وجوه جديدة لم نكن على معرفة بها من قبل. غير أن هذه الإيجابيات تقابلها سلبيات نختصرها في كلمة واحدة: إنها بدل أن توثق عرى العلاقات القديمة والجديدة بنقلها من الفضاء الافتراضي إلى الواقع، أبقت عليها أسيرة ذاك الفضاء، بل وعزلتها داخله، مما يجعل إمكانية فكها، أو قطعها يسيرة وسهلة في أي وقت.

يظهر ذلك بجلاء في أننا كم من مواقع التواصل انخرطنا فيها، وكم من طلبات الانضمام، نقترحها، أو ترد علينا، ويكون الترحيب والمشاركة في أغلب الأوقات. تتولد علاقات «المودة» و«الصداقة»، وكلما تعرض أحد أصحابنا في هذا الفضاء الافتراضي لخبر سار باركنا له، وتمنينا له التوفيق. وإذا، لا قدر الله، أصابته مصيبة موت أحد الأقارب، أو المرض، دعونا للفقيد بالرحمة والمغفرة، وللمريض بالشفاء العاجل. لا أحد يجادل في استرجاع هذا النوع من العلاقات التي كان آباؤنا وأجدادنا يرونها جزءا أساسيا من حياتهم اليومية. بل يعتبرونها أهم مقوم لحياتهم: «أن تسأل عني، وأسأل عنك»، و«تفرح لي، وأفرح لك»، مهما كانت الظروف، والملابسات، حتى وإن عرفت العلاقات ما يكدر صفوها أحيانا، وأحيانا أخرى، حتى وإن وصلت إلى حد القطيعة. هذه التقاليد ذات البعد الاجتماعي هي التي حافظت على قسط مهم من تميز مجتمعاتنا الإسلامية والعربية عن نظيرتها الغربية. وإنها باتت الآن معرضة للزوال؟

إن هذه العلاقات التي نربطها فيما بيننا في الفضاء الافتراضي مهمة جدا، ولكنها قابلة في أي وقت لتنقطع نهائيا. وأرى بين الفينة والأخرى رسائل الانسحاب من الكثير من المجموعات مما يعني أن بعض العلاقات في هذا الفضاء هي مثل «رُفقة الخرشف (الخرشوف)، دَغْيا (بسرعة) كَتنشف (تيبس)»، كما كان يقول والدي رحمه الله. وما يجري في هذا الواقع الافتراضي من تواصل وتقاطع بين الناس عموما، يجري بين المثقفين والمبدعين. لكن مسؤولية المثقفين أعظم وأضخم.

كانت العلاقات بين المثقفين، تتم من خلال متابعة ما يكتب، ومناقشته، ومواكبة ما يكتب بهدف التعرف على أوجه النظر المختلفة بهدف الاصطفاف إلى بعضها، مقابل بعضها الآخر. كان التعارف والتواصل يتم في قاعة الدرس، وفي حضور النشاط الثقافي، وفي كتابة الرسائل. وكان الميل إلى تشكيل الجماعات التي تنسجم فيما بينها مؤشرا لاستثمار الوجوه الجديدة للمساهمة في تطوير العلاقات، وجعلها ترقى إلى «مؤسسة» تشترك في جملة من الهموم، وتسعى إلى التفكير فيها بشكل جماعي. ما كان يؤدي إلى هذه الرؤية، وتحويلها إلى ممارسة هو القناعة المشتركة بحمل هموم الوطن، والتفكير بضرورة التغيير حسب الإمكانات والاستطاعة. لا عبرة بالكيفية التي كانت تشتغل بها تلك الجماعات، ولا بمدى النتائج التي حققتها. إنها كانت وليدة حقبة من تطور الوعي في المجتمع العربي، وكانت محكومة بجملة من القيود الاجتماعية والفكرية، والإكراهات السياسية، وبسياق مختلف عما نجده الآن. وكان من نتائج ذلك: تشكيل الجمعيات الثقافية والمسرحية والسينمائية، ودور النشر، وإصدار المجلات التي لم تكن في ذلك الوقت تتلقى أي دعم من الدولة أو الحزب. أضرب هذه الأمثلة مما عشناه، وعايشناه في السبعينيات والثمانينيات.

تتشكل الآن مجموعات للتواصل والتفاعل بين المثقفين عبر الواتساب، أو عبر متابعة صفحات الفيسبوك أو التويتر، لتبادل الأخبار الثقافية، وتوطيد العلاقات بين المثقفين والكتاب، أو تحميل الكتب، وما شابه هذا من أشكال التواصل والتفاعل. لكن هذا الجانب الإيجابي القائم على التعرف على الآخر، ومتابعته، لم يتم استثماره على الوجه الأكمل. لقد اتخذ بعدين متناقضين ينهضان على أساس إما المغالاة في استدرار العواطف الإيجابية، والمقبولة، أو المبالغة في ممارسة العنف اللفظي الذي يؤجج المشاعر، ويقوض العلاقات، وهو من الأهواء المرذولة، أو التجاهل والنكران (أنا لست هنا، وإن كنت هنا؟). وهنا يمكننا الحديث عن المناقب والمثالب.

إن المناقب التي تحققت مع الفضاء الافتراضي كثيرة، ومهمة، ولا يمكن أبدا تناسيها. وأهم ما تحقق منها، إلى جانب تبادل أواصر المحبة، والمتابعة الدائمة، والتعليقات المشجعة، هو البقاء على صلة مع الآخرين، في الوقت الذي صارت فيه مسوغات الدفع إلى العزلة أكثر من مبررات العمل على التواصل مع الآخرين.  وفي ذلك تعبير واضح على هيمنة روح التشاؤم الذي تفرضه السياسات العربية التي تسعى لتكريس واقع لم يبق أي مبرر لاستمراره.

أما المثالب التي لا تحصى، وخاصة ما اتصل منها بجعل الفضاء الشبكي مساحة واسعة للخزعبلات، وممارسة مختلف أنواع الدجل والتجهيل، والذي يمارسه جملة من أشباه المثقفين، والذباب الإلكتروني الذي هو في خدمة تكريس الواقع، فتكمن، من زاوية النظر إلى واقع المثقفين، في نوع من الحياد السلبي الذي يكشف بالملموس القناعة التي باتت هي المهيمنة في ظل واقع بئيس، والتي نختصرها في: «ليس في الإمكان، أبدع مما كان». هذا النوع من الحياد يبرر واقعا نعيشه جميعا. وبدون التفكير في طرح الأسئلة الملائمة لتجاوزه، تسود الرؤيات التشاؤمية والانعزالية.

صار الفضاء الافتراضي في ظل هذا «الحياد السلبي» بالنسبة لبعض المثقفين دليلا للتعبير عن حالة نفسية مؤداها: «إنني ما زلت موجودا حاليا كمثقف قديم». أما عن كيفية هذا الوجود فلا تتعدى إثبات الذات، أو إحياء صلة الرحم، أو الإدلاء بتعليقات تدل على نوع من التفاعل والقبول، أو إبداء رأي، أو طرح سؤال. إذا كنت أجد لمن هم من جيلي، أو قبله بقليل، بعض العزاء بسبب انقطاع بعضهم عن الكتابة، أو عدم القدرة على المواصلة بسبب السن، أو أي سبب آخر مقبول، فإني لا أجد للأجيال الجديدة، من مواليد السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ما يسوغ ممارستهم لهذا «الحياد» الذي لا يبحثون من ورائه سوى عن فرض وجودهم الأدبي، أو النقدي، أو الثقافي، بشكل فردي لا يخدم، في المحصلة النهائية سوى مصلحتهم الذاتية.

إن العلاقة بين الواقع الافتراضي بما يسَّره من إمكانات للتواصل والتفاعل، والواقع الحقيقي الذي نعيشه، وكأننا منعزلون عنه، لا يمكن أن تتخذ بعدها الحقيقي ما لم تكن مبنية على أساس جدلي: نذهب من الواقع إلى العالم الافتراضي، لنعود إلى الواقع. إذا لم نحول العلاقات التي نقيمها، افتراضيا، إلى علاقة واقعية، فهي «خيالية»، أو «متخيلة». إن الجماعات التي تتكون في الفضاء الشبكي إذا لم ترتق إلى مستوى ترجمتها واقعيا تظل سرابا.

ما جدوى أن نخبر عن صدور كتاب إذا لم نفكر في تقديم قراءة له في فضاء عمومي، أو أن نكتب عنه قراءة في جريدة. وما فائدة تشكيل جماعة افتراضية إذا لم يكن من مراميها الانتقال إلى ترجمتها في الواقع من خلال تأسيس جمعية ثقافية، أو مختبر، أو مركز للبحث في دار الشباب، أو في الكلية. إنها مسؤولية الشباب لتحويل مناقب الواقع الافتراضي إلى واقع.


*كاتب من المغرب الثقافي